٥

و (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥)

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ)

ويقرأ من البَعَثِ بفتح العين ، والريب الشك ، فأمَّا البَعَثَ بفتحْ العين -

فذكر جميع الكوفيين أن كل ما كان ثانيه حرفاً من حروف الحلق ، وكان

مُسكَناً مفتوح الأول جاز فيه فتح المسَكن نحو نَعْل ونَعَل ، وشَعْر وشَعَر ، ونَهْر ونَهَر ، ونَخْل ونَخَل.

فأمَّا البصريون فيزعمونَ أن ما جاء من هذا فيه اللغتان

تُكُلِّمَ به على ما جاءَ.

وما كان لم يسمع لم يَجزْ فيه التحريك نحو وَعْد ، لأنك

لا تقول : لك عَلَيَّ وَعَدٌ ، أي عَلَيَّ وِعْدَة ، ولا في هذا الأمْر وَهَن - في

معنى وَهْن - . وهذا في بابه مثل رَكٍّ ، ورَكَكٍ وقدْرٍ وقدَرٍ ، وَقَصِّ الشَاةِ

وقَصَصِهَا فلا فرق في هذا بين حروف الحلق وغيرها.

وقيل للذين جحدوا البعث وهم المشركون : إن كنتم في شَكِّ من أنَّ

اللّه يبعث الموتى فتدبروا أمر خلقكم وابتدائكم فإنكم لا تجدون في القدرة

فرقاً بين ابتداء الخلق وإعادته ، وإحياء الموتى.

ثم بين لهم ابتداء خَلْقِهم فَأعْلَمهُم أنهم خُلقوا من تراب ، وهو خلق آدم عليه السلام ، ثم خُلِقَ ولدُه من نطفة ، ثم من عَلَقَةٍ ثم من مُضْغَةٍ.

وأعلمهم أحوال خلقهم.

ويُروى أن الِإنسانَ يكُونُ في البطن نطفةً أربعين يوماً ثم مُضْغَةً أرْبَعينَ

يوماً ، ثم يبعث اللّه مَلَكاً فينفخ - فيه الروح.

ومعنى (مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ)

وصف الخَلق  منهم من يُتَمَّمُ مضغته فتخلَقُ له الأعضاءُ التي تكمل آلات

الِإنْسَانِ ومنهم من لا يتمم اللّه خلقه.

و (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ).

أي ذكرنا أحوال خلق الِإنسان.

ووجه آخر هو خلقناكم هذا الخلق (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ).

(وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ).

لا يجوز فيها إلا الرفع ، - ولا يجوز أن يكون معناه فعلْنَا ذلك لنُقِر في

الأرحام ، وَأنَّ اللّه - عزَّ وجلَّ - لم يخلق الأنام لما يُقَر في الأرحام ، وإنما

خلقَهُم ليدُلَّهُمْ عَلَى رُشدهم وَصَلَاحِهِمْ.

وقوله - عزَّ وجلَّ - : (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا).

في معنى أطفال ، ودل عليه ذكر الجماعة.

وكأنَّ طفلاً يَدُل على معنى ويُخْرَجُ كل واحدٍ منكم طفلاً .

(ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ).

قد فسرنا الأشدَّ ، وتأويله الكَمالُ في القُوَّةِ والتمييز ، وهو ما بين الثلاثين

إلى الأربعين.

و (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ).

أرذل العمر هو الذي يخرف فيه الإِنسان من الكِبَر حتَى لا يَعْقِلَ ، وَبيَنَ

ذلك ب (لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ).

ثم دَلَّهُمْ عَلى إحْيائه الموتى بإحيائه الأرض فقال :

(وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً).

يعنى جافةً ذاتَ تُرابِ.

(فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ).

وتقرأ ورَبأتْ.

فاهتزازها تحركُها عند وقُوع المَاءِ بها وإنباتها.

ومَنْ قرأ : (وَرَبَتْ) فهو من ربا يربو إذا زاد على أي الجهات ، وَمَنْ قَرأ وَرَبَأتْ بالهمز فمعناه ارْتَفَعَتْ.

(وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ).

أي من كل صنف حَسَنٍ من النبات.

* * *

﴿ ٥