٢

و (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّه إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢)

القراءة الرفع ، وقرأ عيسى بنُ عُمرَ بالنصب ، (الزانيةَ والزانِي) بفتح التاء.

وزعم الخليل وسيبويه أن النصب المختارُ وزعم سيبويه أن القراءة الرفع.

وزعم غيرهم من البصريين والكوفيين أن الاختيار الرفعُ ، وكذا هُو عِندي ، لأن الرفع كالإجماع في القراءة ، وهُوَ أَقْوَى فِي العربيَّةِ ، لأن معناها معنى - من زَنَى

__________

(١) قال السَّمين :

  سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا  : يجوزُ في رَفْعِها وجهان . أحدهما : أن يكونَ مبتدأً . والجملةُ بعدَها صفةٌ لها ، وذلك هو المُسَوِّغ للابتداءِ بالنكرةِ . وفي الخبرِ وجهان ، أحدُهما : أنَّه الجملةُ مِنْ   الزانية والزاني  وإلى هذا نحا ابنُ عطية ، فإنه قال : « ويجوز أن يكونَ مبتدأً . والخبرُ  الزانية والزاني  وما بَعد ذلك . والمعنى : السورةٌ المُنَزَّلَةُ المَفْرُوْضَةُ كذا وكذا؛ إذ السورةُ عبارةٌ عن آياتٍ مسرودةٍ لها بَدْءٌ وخَتْم » . و

الثاني : أنَّ الخبرَ محذوفٌ أي : فيما يُتْلَى عليكم سورةٌ ،  فيما أَنْزَلْنا سورةٌ.

والوجهُ الثانِي مِنَ الوجَهين الأَوَلَيْن : أَنْ يكونَ خبرُ المبتدأ مضمراً أي : هذه سورةٌ . وقال أبو البقاء : « سورةٌ بالرفع على تقديرِ : هذه سورةٌ ،  مِمَّا يُتْلى عليك سورةٌ فلا تكونُ » سورةٌ « مبتدأَةً لأنها نكرةٌ » . وهذه عبارةٌ مُشكلة على ظاهِرها . كيف يقول : لا تكونُ مبتدأً مع تقديرِه : فيما يُتْلى عليك سورةٌ؟ وكيف يُعَلِّلُ المنعَ بأنها نكرةٌ مع تقديرِه لخبرِها جارَّاً مُقَدَّماً عليها ، وهو مُسَوِّغٌ للابتداء بالنكرة.

وقرأه العامَّةُ بالرفعِ على ما تقدَّم . وقرأ الحسن بن عبد العزيز وعيسى الثقفي وعيسى الكوفي ومجاهدٌ وأبو حيوة في آخرين « سورةً » بالنصبِ . وفيها أوجهٌ ، أحدها : أنها منصوبةٌ بفعلٍ مقدرٍ غير مفسَّرٍ بما بعدَه . تقديره : اتْلُ سورةً  اقرأ سورةً . و

الثاني : أنها منصوبةٌ بفعلٍ مضمرٍ يُفَسِّره ما بعده . والمسألةُ من الاشتغال . تقديرُه : أَنْزَلْنا سورةً أنزلناها . والفرقُ بين الوجهين : أنَّ الجملةَ بعد « سورةً » في محلِّ نصبٍ على الأول ، ولا محلَّ لها على الثاني . الثالث : أنها منصوبةٌ على الإِغراء ، أي : دونَكَ سورةً . قال الزمخشري ، ورَدَّه الشيخُ : بأنه لا يجوزُ حَذْفُ أداة الإِغْراءِ ، واستشكل الشيخُ أيضاً على وجهِ الاشتغالِ جوازَ الابتداءِ بالنكرةِ من غيرِ مُسَوِّغٍ . ومعنى ذلك : أنه ما مِنْ مَوْضع يجوز [ فيه ] النصبُ على الاشتغالُ إلاَّ ويجوز أن يُرْفَعَ على الابتداءِ ، وهنا لو رُفِعَتْ « سورة » بالابتداءِ لم يَجُزْ؛ إذ لا مُسَوِّغٍ . فلا يُقال : رجلاً ضربتُه لامتناعهِ : رجلٌ ضربتُه . ثم أجاب : بأنه إنْ اعتُقد حَذْفُ وصفٍ جاز ، أي : سورة مُعَظَّمة  مُوَضَّحة أَنْزَلْناها ، فيجوزُ ذلك.

الرابع : أنَّها منصوبةٌ على الحال مِنْ « ها » في « أَنْزِلْناها » . والحالُ من المكنى يجوز أن تتقدَم عليه . قاله الفراء . وعلى هذا فالضميرُ في « أَنْزَلْناها » ليس عائداً على سورة بل على الأحكام . كأنه قيل : أَنْزلنا الأحكامَ سورةً مِنْ سُوَرِ القرِآن ، فهذه الأحكامُ ثابتةٌ بالقرآنِ ، بخلافِ غيرِها فإنَّه قد ثَبَتَتْ بالسُّنة.

  وَفَرَضْنَاهَا  قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالتشديدِ . والباقون بالتخفيف . فالتشديد : إمَّا للمبالغةِ في الإِيجاب وتوكيداً ، وإمَّا لتكثير المفروض عليهم ، وإمَّا لتكثيرِ الشيءِ المفروض . والتخفيفُ بمعنى : أَوْجَبْناها وجعلناها مقطوعاً بها.

اهـ (الدُّرُّ المصُون)

فاجلدُوه ، فتأويله الابتداء ، وقال سيبويه والخليلُ إن الرفع على معنى :

" وَفِيما فَرَضْنَا عَلَيكُمُ الزانيةُ والزاني " - بالرفع -  الزانيةُ والزاني فيما فُرِضَ عَلَيْكم.

والدليل على أن الاختيار الرفع قوله عزَّ وجلَّ : (واللذَانِ يَأتِيانِها مِنْكُمْ فآذُوهُما).

وإنَّما اختارَالخليل وسيبويه النَصْبَ لأنه أَمْر ، وَأَنَّ الأمْرَ بالفعل أولى . والنصب جائز على مَعْنى اجلدوا الزانيةَ والزانيَ.

والإجماع أن الجَلْدَ على غير المحصنين ، يجلد غير المحصن وغير

المُحْصَنَةِ مائة جلدة ، وينفى مَعَ الجَلْدِ في قول كثير من الفقهاء ، يجلد مَائةً

ويُغرب عَاماً.

فأمَّا أهل العراق فيجلدونه مِائةً.

و (وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّه).

وتقرأ رَآفَةٌ في دين اللّه على وزن رَعَافَة ، وتقرأ " يأخذكم بالياء ".

ورآفة مثلُ السآمَةِ مثل قولك سئمت سآمَةً ، ومثله كآبة ففعاله من أسْمَاءِ المَصَادِر ، وسآمة على قياس كلَالَة.

وَفَعَالَةٌ في الخِصَالِ مثل القَبَاحَةِ - والمَلَاحَة والفخامة.

وهذا يكثر جداً.

ومعنى (وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّه) ، لَا تَرْحَمُوهُمَا فَتُسْقِطُوا عنهما مَا أمَر اللّه بِهِ من الحَدِّ ، وقيلَ يبالغ في جلدِهِمَا.

وقوله تعالى : (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَة مِنَ المؤمِنِينَ).

القراءةُ إسْكانُ اللام ، ويجوز كسرها.

واختلف الناس في الطائفة ، فقال بعضم الواحد فما فوقه طائفة ، وقال

آخرون لا تكون الطائفة أقل من اثنين ، وقال بعضهم ثلاثة ، وقال بعضهم

أَرْبَعِةٌ ، وقال بعضهم عَشَرة ، فأمَّا من قال واحِدٌ فهو على غير ما عندَ أَهْلِ

اللغة ، لأن الطائفة في معنى الجماعَةِ وأقل الجماعة اثنان ، وأقل ما يجب في

الطائفة عِنْدِي اثنان.

والذي ينبغي أن يُتَحَرى في شَهَادَة عَذَاب الزانِي أَن

يكونُوا جَمَاعةً لأن الأغلب على الطائفة الجَمَاعَةُ.

* * *

﴿ ٢