٣٠(يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ (٣٠) وقرئت يا حسرةَ الْعِبادِ بغير على ، ولكني لا أحب القراءة بشيء خالف المصحف ألبتةَ. وهذه من أصعب مسألة في القرآن. إذا قالَ القَائِلُ : ما الفائدة في مناداة الحسرة ، والحسرة مما لا يجيب ؟ فالفائدة في مناداتها كالفائدة في مناداة ما لا يعقل ، لأن النداء باب تنبيه. إذَا قلت يا زيدُ فإن لم تكن دعوته لتخاطبه لِغير النداء فلا معنى للكلام ، إنما تقول يا زيد فتنبهه بالنداء ثم تقول له : فعلت كذا وافعل كذا ، وما أحببت مما له فيه فائدة ، ألا ترى أنك تقولُ لَمِنْ هُوَ مُقْبِل عَلَيْكَ : يا زيد ما أَحْسَنَ مَا صَنَعْتَ ، ولو قلت له : ما أَحْسَن مَا صَنَعْتَ كنت قد بلغت في الفائدة ما أفهمت به ، غير أن قولك يا زيد أوكد في الكلام. وأبلغ في الإفهام. وكذا إذا قلت للمخاطب أنا أعجب مما فعلتَ ، فقد - أَفدْتَه أنك متعجب ، ولو قلت : واعجباه مما فعلت ، ويا عجباه أتفعل كذا وكذا ، كان دعاؤك العجب أبلغَ في الفائدة. والمعنى يَا عَجبُ أقبل ، فإنه من أوقاتك ، و إنما نَداءُ العَجَبِ تنبيه لتمكن علم المخاطب بالتعجب من فعله. وكذلك إذَا قُلتَ : - ويلْ لزيدٍ وَيلَ زَيْدٍ : لم فعل كذا وكذا كان أبلغ . وكذلك في كتاب اللّه - عزَّ وجلَّ - : (يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ) وكذلك (يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه). وكذلك (يا حَسْرةً على العِبَادِ). والمعنى في التفسير أن استهزاءهم بالرسُل حَسْرة عليهم. والحَسْرَةُ أَن يَرْكَبَ الإنسانَ مِنْ شِدة الندَمِ ما لا نهاية له بعده حتى يبقى قلبُه حَسِيراً (١). * * * |
﴿ ٣٠ ﴾