٢وقوله عزْ وجلَّ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (٢) __________ (١) قال السَّمين : لاَ تُقَدِّمُواْ : العامَّةُ على ضمِّ التاءِ وفتح القافِ وتشديدِ الدالِ مكسورةً ، وفيها وجهان ، أحدُهما : أنَّه متعدٍّ ، وحُذِفَ مفعولُه : إمَّا اقتصاراً كقولهم : هو يعطي ويمنع ، وَكُلُواْ واشربوا [ البقرة : ١٨٧ ] ، وإمَّا اختصاراً للدلالةِ عليه أي : لا تُقَدِّموا ما لا يَصْلُحُ . و الثاني : أنه لازمٌ نحو : وَجَّه وتَوَجَّه ، ويَعْضُدُه قراءةُ ابنِ عباس والضَّحَّاك « لا تَقَدَّمُوا » بالفتح في الثلاثة ، والأصلُ : لا تَتَقَدَّمُوْا فحذَف إحدى التاءَيْن . وبعضُ المكِّيين « لا تَّقَدَّمُوْا » كذلك ، / إلاَّ أنَّه بتشديد التاء كتاءات البزي . والمتوصَّلُ إليه بحرفِ الجرِّ في هاتَيْن القراءتَيْن أيضاً محذوفٌ أي : لا تَتَقَدَّموا إلى أمرٍ من الأمور . وقُرِىء « لا تُقْدِموا » بضمِّ التاءِ وكسرِ الدالِ مِنْ أَقْدَمَ أي : لا تُقْدِموا على شيءٍ. اهـ (الدُّرُّ المصُون). أمرهم اللّه - عزَّ وجلَّ - بتبجيل نبيِّه عليه السلام ، وَأنْ يَغُضوا أصْوَاتَهُمْ وأن يخاطبوه بالسكينة والوقار ، وأن يفضلوه في المخاطبة ، وذلك مما كانوا يفعلونه في تعظيم ساداتهم وكبرائهم. ومَعنى (كَجَهْرِ بَعْضِكُم لِبَعْضٍ) أي لا تنزلوه منزلةَ بعضكم من بعض. فتقولوا : يا محمدِ خاطبوه بالنبوة ، والسكينة والإِعظام. و (أنْ تَحْبَط أعْمَالُكُمْ). معناه لا تفعلوا ذلك فتحبط أعمالكم. والمعنى لئلا تحبط أعمالكم فالمعنى معنى اللام في أن . وهذه اللام لام الصيرورة وهي كاللام في (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا) والمعنى فالتقطه آل فرعَوْنَ ليصير أمرهم إلى ذلك ، لَا أنَّهمْ قصدوا أن يصير إلى ذلك . ولكنه في المقدار فيما سبق من علم اللّه أن سبب الصير التقاطهم إياه ، وكذلك لا ترْفَعُوا أصواتكم فيكون ذلك سبباً لأن تحبط أعمالكم. (وَأنْتُمْ لَا تَشْعُرونَ). هذا إعلامٌ أن أمرَ النَبِى - صلى اللّه عليه وسلم - ينبغي أن يُجَلَّ وُيعَظَّمَ غايَة الِإجْلَالِ. وأنه قد يُفعل الشيءُ مما لا يَشْعَرُ به من أمر النبي - صلى اللّه عليه وسلم - فيكون ذلك مُهلكاً لِفَاعِلِه لِقَائِله. ولذلك قال بعض الفقهاء : من قال إدْ زِرَّ رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وسخ يريد به - النقصَ منه وجب قتْلُه. هذا مذهبُ مالِكٍ وأصْحَابه. * * * |
﴿ ٢ ﴾