سورة البقرةسورة البقرة مدنية ، وهي مائتان وثمانون آية وعشر وست آيات كوفية ١الم ٢البقرة : ٢ ذلك الكتاب لا . . . . . ذلك الكتاب ، وذلك أن كعب بن الأشرف ، وكعب بن أسيد ، لما دعاهما النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى الإسلام ، قالا : ما أنزل اللّه كتاباً من بعد موسى ، تكذيبا به ، فأنزل اللّه عز وجل في قولهما : آلم ١ ذلك الكتاب ، بمعنى هذا الكتاب الذي كفرت به اليهود لا ريب فيه ٦ ، يعني لا شك فيه أنه من اللّه جاء ، وهو أنزله على محمد صلى اللّه عليه وسلم ، ثم قال : هذا القرآن هدى من الضلالة للمتقين [ آية : ٢ ] من الشرك . ٣البقرة : ٣ الذين يؤمنون بالغيب . . . . . فقال سبحانه : الذين يؤمنون بالغيب ، يعني يؤمنون بالقرآن أنه من اللّه تعالى جاء ، وهو أنزله على محمد صلى اللّه عليه وسلم ، فيحلون حلاله ويحرمون حرامه ، ويعملون بما فيه ويقيمون الصلاة المكتوبة الخمس ، يعني يقيمون ركوعها وسوجودها في مواقيتها ومما رزقناهم من الأموال ينفقون [ آية : ٣ ] ، يعني الزكاة المفروضة نظيرها في لقمان ، فهاتان الآيتان نزلتا في مؤمني أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم والمهاجرين . ٤البقرة : ٤ والذين يؤمنون بما . . . . . ثم ذكر مؤمنى أهل التوراة ، عبد اللّه بن سلام وأصحابه ، منهم : أسيد بن زيد ، وأسد بن كعب ، وسلام بن قيس ، وثعلبة بن عمر ، وابن يامين ، وأسمه سلام ، فقال : والذين يؤمنون ، يعني يصدقون بما أنزل إليك يا محمد من القرآن أنه من اللّه نزل ، وما أنزل من قبلك على الأنبياء ، يعني التوراة والإنجيل والزبور وبالآخرة هم يوقنون [ آية : ٤ ] ، يعني يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال بأنه كائن ، ثم جمعهم جميعا ، فقال سبحانه : ٥البقرة : ٥ أولئك على هدى . . . . . أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون [ آية : ٥ ] . فلما سمع أبو ياسر بن أخطب اليهودي بهؤلاء الآيات ، قال لأخيه جدى بن أخطب : لقد سمعت من محمد كلمات أنزلهن اللّه على موسى بن عمران ، فقال جدى لأخيه : لا تعجل حتى تتثبت في أمره ، فعمد أبو ياسر وجدى إبنا أخطب ، وكعب بن الأشرف ، وكعب بن أسيد ، ومالك بن الضيف ، وحيى بن أخطب ، وسعيد بن عمرو الشاعر ، وأبو لبابة بن عمرو ، ورؤساء اليهود ، فأتوا النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال جدى للنبي صلى اللّه عليه وسلم : يا أبا القاسم ، أخبرني أبو ياسر بكلمات تقولهن آنفا ، فقرأهن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال جدى : صدقتم ، أما الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ، فنحن هم ، وأما والذين يؤمنون بما أنزل إليك فهو كتابك وما أنزل من قبلك ، فهو كتابنا ، وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ، فأنتم هم قد آمنتم بما أنزل إليكم وإلينا ، وآمنتم بالجنة والنار ، فآيتان فينا وآيتان فيكم . ثم قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم : ننشدك باللّه أنها نزلت عليك من السماء ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ′ أشهد باللّه أنها نزلت علي من السماء ′ ، فذلك قوله سبحانه في يونس : ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي [ يونس : ٥٣ ] ، يعني ويستخبرونك أحق هو ؟ قل : إي وربي ، ويعني بلى وربي إنه لحق . فقال جدى : لئن كنت صادقا ، فإنكم تملكون إحدى وسبعين سنة ، ولقد بعث اللّه عز وجل في بني إسرائيل ألف نبي كلهم يخبرون عن أمتك ولم يخبرونا كم تملكون حتى أخبرتنا أنت الآن ، ثم قال جدى لليهود : كيف ندخل في دين رجل منتهى ملك أمته إحدى وسبعون سنة ، فقال عمر بن الخطاب ، رضوان اللّه عليه : وما يدريك أنها إحدى وسبعون سنة ؟ فقال جدى : أما ألف في الحساب فواحد ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون سنة ، فضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال جدي : هل غير هذا ؟ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ′ نعم المص كتاب أنزل إليك ′ [ الأعراف : ١ ، ٢ ] . فقال جدي : هذه أكبر من الأولى ، ولئن كنت صادقاً : فإنكم تملكون مائتي سنة واثنتين وثلاثين سنة ، ثم قال : هل غير هذا ؟ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ′ الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ′ [ هود : ١ ] ، فقال جدي : هذه أكبر من الأولى والثانية ، وقد حكم وفصل ، ولئن كنت صادقاً ، فإنكم تملكون أربعمائة سنة وثلاثا وستين سنة ، فاتق اللّه ولا تقولن إلا حقاً ، فهل غير هذا ؟ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ′ المر تلك آيات الكتاب ′ [ الرعد : ١ ] ، فقال جدي : لئن كنت صادقاً ، فإنكم تملكون سبعمائة سنة وأربعاً وثلاثين سنة ، ثم إن جدي قال : الأن لا نؤمن بما تقول ، ولقد خلطت علينا فما ندري بأي قولك نأخذ ، وأيما أنزل عليك نتبع ، ولقد لبست علينا حتى شككنا في قولك الأول ، ولولا ذلك لاتبعناك . قال أبو ياسر : أما أنا فأشهد أن ما أنزل على أنبيائنا حق ، وأنهم قد بينوا لنا ملك هذه الأمة ، فإن كان محمد صادقاً فيما يقول ، ليجمعن له هذه السنون كلها ، ثم نهضوا من عنده ، ف كفرنا بقليله وكثيره ، فقال جدي لعبد اللّه بن سلام وأصحابه : أما تعرفون الباطل فيما خلط عليكم ؟ ف بلى نعرف الحق فيما يقول ، فأنزل اللّه عز وجل في كفار اليهود بالقرآن : الم اللّه لا إله إلا هو الحي الذي لا يموت القيوم يعني القائم على كل شيء نزل عليك الكتاب يا محمد بالحق لم ينزل باطلاً مصدقا لما بين يديه ، يقول سبحانه : قرآن محمد يصدق الكتب التي كانت قبله وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس يعني لبني إسرائيل من الضلالة ، ثم قال عز وجل وأنزل الفرقان [ آل عمران : ١ - ٤ ] ، يعني قرآن محمد بعد التوراة والإنجيل ، يعني بالفرقان المخرج من الشبهات والضلالة ، نظيرها في الأنبياء ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان [ الأنبياء : ٤٨ ] ، يعني المخرج . وفي البقرة وبينات من الهدى والفرقان [ البقرة : ١٨٥ ] . إن الذين كفروا بآيات اللّه ، اليهود كفروا بالقرآن ، يعني هؤلاء النفر المسلمين وأصحابهم لهم عذاب شديد واللّه عزيز في ملكه وسلطانه ذو انتقام [ آل عمران : ٤ ] من أهل معصيته وأنزلت أيضاً في اليهود في هؤلاء النفر وما يحسبون من المتشابه هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب [ آل عمران : ٧ ] . فأما المحكمات ، فالآيات الثلاث اللاتي في الأنعام : قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ، إلى قوله سبحانه : لعلكم تتقون [ الأنعام : ١٥١ - ١٥٣ ] ، فهن محكمات ولم ينسخهن شيء من الكتاب ، وإنما سمين أم الكتاب ؛ لأن تحريم هؤلاء الآيات في كل كتاب أنزله اللّه عز وجل . وأخر متشابهات ، يعني : آلم آلمص الر المر ، شبهوا على هؤلاء النفر من اليهود كم تملك هذه الأمة من السنين فأما الذين في قلوبهم زيغ ، يعني ميل عن الهدى ، وهم هؤلاء اليهود فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة ، يعني الكفر وابتغاء تأويله ، يعني منتهى كم يملكون . يقول اللّه عز وجل : وما يعلم تأويله إلا اللّه ، يعني كم تملك هذه الأمة من السنين ، والراسخون في العلم ، يعني عبد اللّه بن سلام وأصحابه يقولون آمنا به ، يعني بالقرآن كله كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب [ آل عمران : ٧ ] يعني من كان له لب أو عقل . ثم قال ابن صلام وأصحابه : ربنا لا تزغ قلوبنا كما أزغت قلوب اليهود بعد إذ هديتنا إلى الإسلام وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب [ آل عمران : ٨ ] . فآيتان من أول هذه السورة نزلتا في أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم المهاجرين والأنصار والآيتان اللتان تليانهما نزلتا في مشركي العرب ، وثلاث عشرة آية في المنافقين من أهل التوراة ٦البقرة : ٦ إن الذين كفروا . . . . . إن الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون [ آية : ٦ ] يعني لا يصدقون ، ٧البقرة : ٧ ختم اللّه على . . . . . ختم اللّه على قلوبهم ، يعني طبع اللّه على قلوبهم ، فهم لا يعقلون الهدى وعلى سمعهم ، يعني آذانهم ، فلا يسمعون الهدى وعلى أبصارهم غشاوة ، يعني غطاء فلا يبصرون الهدى ولهم عذاب عظيم ، [ آية : ٧ ] ، يعني وافر لا انقطاع له . نزلت هاتان الآيتان في مشركي العرب ، منهم : شيبة وعتبة ابنا ربيعة ، والوليد بن المغيرة ، وأبو جهل بن هشام ، اسمه عمرو ، وعبد اللّه بن أبي أمية ، وأمية بن خلف ، وعمرو بن وهب ، والعاص بن وائل ، والحارث بن عمرو ، والنضر بن الحارث ، وعدي بن مطعم بن عدي ، وعامر بن خالد ، أبو البحتري بن هشام . ٨البقرة : ٨ ومن الناس من . . . . . ثم رجع إلى المنافقين ، فقال عز وجل : ومن الناس من يقول ءامنا باللّه وباليوم الآخر ، يعني صدقنا باللّه بأنه واحد لا شريك له ، وصدقنا بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال بأنه كائن ، فكذبهم اللّه عز وجل ، فقال : وما هم بمؤمنين [ آية : ٨ ] ، يعني ٩بمصدقين بالتوحيد ولا بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال . البقرة : ٩ يخادعون اللّه والذين . . . . . يخادعون اللّه حين أظهروا الإيمان بمحمد ، وأسروا التكذيب والذين ءامنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون [ آية : ٩ ] ، نزلت في منافقي أهل الكتاب اليهود ، منهم : عبد اللّه بن أبي بن سلول ، وجد بن قيس ، والحارث بن عمرو ، ومغيث بن قشير ، وعمرو بن زيد ، فخدهم اللّه في الآخرة حين يقول في سورة الحديث ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا [ الحديد : ١٣ ] ، فقال لهم استهزاء بهم كما استهزؤوا في الدنيا بالمؤمنين حين آمنا وليسوا بمؤمنين ، وذلك قوله عز وجل : إن المنافقين يخادعون اللّه وهو خادعهم [ النساء : ١٤٢ ] ، أيضا على الصراط حين يقال لهم : ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا ١٠البقرة : ١٠ في قلوبهم مرض . . . . . في قلوبهم مرض ، يعني الشك وبمحمد ، نظيرها في سورة محمد : أم حسب الذين في قلوبهم مرض [ محمد : ٢٩ ] يعني الشك . فزادهم اللّه مرضا ، يعني شكاً في قلوبهم ولهم عذاب أليم ، يعني وجيع في الآخرة ، بما كانوا يكذبون [ آية : ١٠ ] لقولهم : آمنا باللّه وباليوم الآخر ، وذلك أن عبد اللّه بن أبي المنافق قال لأصحابه : انظروا إليَّ وإلى ما أصنع ، فتعلموا مني وانظروا دفعي في هؤلاء القوم كيف أدفعهم عن نفسي وعنكم ، فقال أصحابه : أنت سيدنا ومعلمنا ، ولولا أنت لم نستطع أن نجتمع مع هؤلاء ، فقال عبد اللّه بن أبيِّ لأبي بكر الصديق وأخذ بيده : مرحباً بسيد بني تميم بن مرة ، ثاني اثنين ، وصاحبه في الغار وصفيه من أمته ، الباذل نفسه وماله . ثم أخذ بيد عمر بن الخطاب ، فقال : مرحبا بسيد بني عدي بن كعب ، القوي في أمر اللّه ، الباذل نفسه وماله ، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب ، فقال : مرحبا بسيد بني هاشم ، غير رجل واحد اختصه اللّه بالنبوة لما علم من صدق نيته ويقينه ، فقال عمر بن الخطاب ، رضي اللّه عنه : ويحك يا ابن أبي ، اتق اللّه ولا تنافق ، وأصلح ولا تفسد ، فإن المنافق شر خليقة اللّه ، وأخبثهم خبثا ، وأكثرهم غشا ، فقال عبد اللّه بن أبي بن سلول : يا عمر مهلا : فواللّه لقد آمنت كإيمانكم ، وشهدت كشهادتكم ، فافترقوا على ذلك . فانطلق أبو بكر وعمر وعلي ، رحمة اللّه عليهم ، إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأخبروه بالذي قاله عبد اللّه ، فأنزل اللّه عز وجل على نبيه : ومن الناس من يقول آمنا باللّه وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ، ١١البقرة : ١١ وإذا قيل لهم . . . . . وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض ، يعني لا تعملوا في الأرض بالمعاصي قالوا إنما نحن مصلحون [ آية : ١١ ] ، يعني مطيعين . ١٢البقرة : ١٢ ألا إنهم هم . . . . . يقول اللّه سبحانه : ألا إنهم هم المفسدون ، يعني العاصين ولكن لا يشعرون [ آية : ١٢ ] بأنهم مفسدون ، ١٣البقرة : ١٣ وإذا قيل لهم . . . . . وإذا قيل لهم ءامنوا كما ءامن الناس نزلت في منذر بن معاذ ، وأبي لبابة ، ومعاذ بن جبل ، وأسيد ، قالوا لليهود : صدقوا بمحمد إنه نبي ، كما صدق به عبد اللّه بن سلام وأصحابه ، فقالت اليهود : قالوا أنؤمن ، يعني نصدق كما ءامن السفهاء ، يعني الجهال ، يعنون عبد اللّه بن سلام وأصحابه ، يقول اللّه عز وجل رداً عليهم : ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون [ آية : ١٣ ] بأنهم السفهاء . ١٤البقرة : ١٤ وإذا لقوا الذين . . . . . ثم أخبر عنهم ، فقال سبحانه : وإذا لقوا الذين ءامنوا ، يعني صدقوا من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم قالوا لهم : ءامنا صدقنا بمحمد وإذا خلوا إلى شياطينهم ، يعني رؤساء اليهود : كعب بن الأشرف وأصحابه قالوا لهم : إنا معكم على دينكم إنما نحن مستهزءون [ آية : ١٤ ] بمحمد وأصحابه ، فقال اللّه سبحانه : ١٥البقرة : ١٥ اللّه يستهزئ بهم . . . . . اللّه يستهزئ بهم في الآخرة إذا ضرب بينهم وبين المؤمنين بسور له باب على الصراط ، فيبقون في الظلمة حتى يقال لهم : ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا [ الحديد : ١٣ ] فهذا من الاستهزاء بهم ، قال سبحانه : ويمدهم ويلجهم في طغيانهم يعمهون [ آية : ١٥ ] ، يعني في ضلالتهم يترددون . ١٦البقرة : ١٦ أولئك الذين اشتروا . . . . . فقال سبحانه : أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ٦ ، وذلك أن اليهود وجدوا نعت محمد النبي صلى اللّه عليه وسلم في التوراة قبل أن يبعث ، فآمنوا به وظنوا أنه من ولد إسحاق ، عليه السلام ، فلما بعث محمد صلى اللّه عليه وسلم من العرب من ولد إسماعيل ، عليه السلام ، كفروا به حسداً ، واشتروا الضلالة بالهدى ، يقول : باعوا الهدى الذي كانوا فيه من الإيمان بمحمد صلى اللّه عليه وسلم قبل أن يبعث ، بالضلالة التي دخلوا فيها بعدما بعث من تكذيبهم بمحمد صلى اللّه عليه وسلم فبئس التجارة ، فذلك قوله سبحانه : فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين [ آية : ١٦ ] من الضلالة . ١٧البقرة : ١٧ مثلهم كمثل الذي . . . . . ثم ضرب اللّه للمنافقين مثلاً ، فقال عز وجل : مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله طفئت ناره ، يقول اللّه عز وجل : مثل المنافق إذا تكلم بالإيمان كان له نور بمنزلة المستوقد ناراً يمشي بضوئها ما دامت ناره تتقد ، فإذا ترك الإيمان كان في ظلمة كظلمة من طفئت ناره ، فقام لا يهتدي ولا يبصر ، فذلك قوله سبحانه : ذهب اللّه بنورهم ، يعني بإيمانهم ، نظيرها في سورة النور : ومن لم يجعل اللّه له نورا فما له من نور [ النور : ٤٠ ] ، يعني به الإيمان ، وقال سبحانه في الأنعام : وجعلنا له نورا يمشي به في الناس [ الأنعام : ١٢٢ ] ، يعني يهتدي به الذين تكلموا به ، وتركهم في ظلمات ، يعني الشرك لا يبصرون [ آية : ١٧ ] الهدى . ١٨البقرة : ١٨ صم بكم عمي . . . . . فقال سبحانه : صم لا يسمعون ، يعني لا يعقلون بكم خرس لا يتكلمون بالهدى عمي ٦ فهم لا يبصرون الهدى حين ذهب اللّه بنورهم ، يعني بإيمانهم فهم لا يرجعون [ آية : ١٨ ] عن الضلالة إلى الهدى ، ١٩البقرة : ١٩ أو كصيب من . . . . . ثم ضرب للمنافقين مثلا ، فقال سبحانه : أو كصيب من السماء ، يعني المطر فيه ظلمات ورعد وبرق مثل المطر مثل القرآن ، كما أن المطر حياة الناس ، فكذلك القرآن حياة لمن آمن به ، ومثل الظلمات ، يعني الكافر بالقرآن ، يعني الضلالة التي هم فيها ، ومثل الرعد ما خوفوا به من الوعيد في القرآن ، ومثل البرق الذي في المطر مثل الإيمان ، وهو النور الذي في القرآن يجعلون أصابعهم في ءاذانهم من الصواعق ، يقول : مثل المنافق إذا سمع القرآن ، فصهم أذنيه كراهية للقرآن ، كمثل الذي جعل أصبعيه في أذنيه من شدة الصواعق ، حذر الموت ، يعني مخافة الموت ، يقول : كما كره الموت من الصاعقة ، فكذلك يكره الكافر القرآن ، فالموت خير له من الكفر باللّه عز وجل والقرآن واللّه محيط بالكافرين [ آية : ١٩ ] ، يعني أحاطه علمه بالكافرين . ٢٠البقرة : ٢٠ يكاد البرق يخطف . . . . . قال سبحانه : يكاد البرق الذي في المطر يخطف أبصارهم ، يعني يذهب بأبصارهم من شدة نوره ، يقول سبحانه : مثل الإيمان إذا تكلم به المنافق مثل نور البرق الذي يكاد أن يذهب بأبصارهم كلما أضاء لهم البرق مشوا فيه ، يقول : كلما تكلموا يالإيمان مضوا فيه ، يقول : ويضئ لهم نوراً يهتدون به وإذا أظلم عليهم البرق ، أي ذهب ضوءه قاموا في ظلمة لا يبصرون الهدى ولو شاء اللّه لذهب بسمعهم فلا يسمعون وأبصارهم فلا يرون أبداً عقوبة لهم إن اللّه على كل شيء قدير [ آية : ٢٠ ] من ذلك وغيره . ٢١البقرة : ٢١ يا أيها الناس . . . . . يا أيها الناس اعبدوا ربكم ، يعني المنافقين واليهود وحدوا ربكم الذي خلقكم ولم تكونوا شيئا والذين من قبلكم من الأمم الخالية لعلكم ، يعني لكي تتقون [ آية : ٢١ ] الشرك وتوحدوا اللّه عز وجل إذا تفكرتم في خلقكم وخلق الذين من قبلكم ، ٢٢البقرة : ٢٢ الذي جعل لكم . . . . . ثم دل على نفسه بصنعه ليوحدوه وذكرهم النعم ، فقال سبحانه : اعبدوا ربكم الذي جعل لكم الأرض فراشا ، يعني بساطا والسماء بناء ، يعني سقفا وأنزل من السماء ماء ، يعني المطر فأخرج به ، يقول : فأخرج بالمطر من الأرض أنواعا من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا للّه أندادا ، يقول : لا تجعلوا مع اللّه شركاء وأنتم تعلمون [ آية : ٢٢ ] أن هذا الذي ذكر كله من صنعه ، فكيف تعبدون غيره ؟ . ٢٣البقرة : ٢٣ وإن كنتم في . . . . . قالت اليهود ، منهم : رفاعة بن زيد ، وزيد بن عمرو : ما يشبه هذا الكلام الوحي ، وإنا لفي شك منه ، فأنزل اللّه عز وجل : وإن كنتم في ريب ، يعني في شك ، مما نزلنا من القرآن على عبدنا ، يعني محمداً صلى اللّه عليه وسلم فأتوا بسورة من اللّه مثله ، يعني مثل هذا القرآن وادعوا شهداءكم [ آية : ٢٣ ] ، يقول : واستعينوا بالآلهة التي تعبدون من دون اللّه إن كنتم صادقين [ آية : ٢٣ ] بأن محمداً صلى اللّه عليه وسلم يقول من تلقاء نفسه . ٢٤البقرة : ٢٤ فإن لم تفعلوا . . . . . ثم يقول سبحانه : فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا ، يعني تجيئوا به ، فيها تقديم تقديمها ، ولن تفعلوا ذلك ، فإن تفعلوا فأتوا بسورة من مثل هذا القرآن ، فلم يجيبوه وسكتوا ، يقول اللّه سبحانه : فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة ، وتلك الحجارة تحت الأرض الثانية مثل الكبريت تجعل في أعناقهم إذا اشتعلت فيها النار احترقت عامة اليوم ، فكان وهجها على وجوههم ، وذلك قوله سبحانه : أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب ، يعني شدة العذاب يوم القيامة [ الزمر : ٢٤ ] . ثم قال : أعدت للكافرين [ آية : ٢٤ ] بالتوحيد يخوفهم اللّه عز وجل ، فلم يخافوا ، فقالوا من تكذيبهم : هذه النار وقودها الناس ، فما بال الحجارة ، فرق المؤمنون عند التخويف . ٢٥البقرة : ٢٥ وبشر الذين آمنوا . . . . . فأنزل اللّه عز وجل : وبشر الذين ءامنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ، يعني البساتين كلما رزقوا منها من ثمرة كلما أطعموا منها من الجنة من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل ، وذلك أن لهم في الجنة رزقهم فيها بكرة وعشيا ، فإذا أتوا بالفاكهة في صحاف الدر والياقوت في مقدار بكرة الدنيا وأتوا بالفاكهة غيرها على مقدار عشاء الدنيا ، فإذا نظروا إليه متشابه الألوان ، هذا الذي رزقنا من قبل ، يعني أطعمنا بكرة ، فإذا أكلوا وجدوا طعمه غير الذي أتوا به بكرة ، فذلك قوله سبحانه : وأتوا به متشابها ، يعني يشبه بعضه بعضاً في الألوان ، مختلفاً في الطعم ولهم فيها أزواج مطهرة خلقن في الجنة مع شجرها وحللّها ، مطهرة من الحيض والغائط والبول والأقذار كلها وهم فيها خالدون [ آية : ٢٥ ] لا يموتون . ٢٦البقرة : ٢٦ إن اللّه لا . . . . . إن اللّه لا يستحي أن يضرب مثلا ، وذلك أن اللّه عز وجل ذكر العنكبوت والذباب في القرآن ، فضحكت اليهود ، وقالت : ما يشبه هذا من الأمثال ، فقال سبحانه : إن اللّه لا يستحي أن يضرب مثلا ، يعني أن اللّه عز وجل لا يمنعه الحياء أن يصف للخلق مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين ءامنوا ، يعني يصدقون بالقرآن فيعلمون أنه ، أي هذا المثل هو الحق من ربهم وأما الذين كفروا بالقرآن ، يعني اليهود فيقولون ماذا أراد اللّه بهذا الذي ذكر مثلا ، إنما يقوله محمد من تلقاء نفسه وليس من اللّه ، فأنزل اللّه عز وجل : يضل به ٦ ، أي يضل اللّه بهذا المثل كثيرا من الناس ، يعني اليهود ويهدي به ، أي بهذا المثل كثيرا من الناس ، يعني المؤمنين وما يضل به ، أي بهذا المثل إلا الفاسقين [ آية : ٢٦ ] ، يعني اليهود . ٢٧البقرة : ٢٧ الذين ينقضون عهد . . . . . ثم أخبر فقال سبحانه : الذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه ، فنقضوا العهد الأول ، ونقضوا ما أخذ عليهم في التوراة أن يعبدوا اللّه ولا يشركوا به شيئا ، وأن يؤمنوا بالنبي صلى اللّه عليه وسلم ، وكفروا بعيسى وبمحمد ، عليهما السلام ، وآمنوا ببعض الأنبياء وكفروا ببعض ويقطعون ما أمر اللّه به أن يوصل ويفسدون في الأرض يعني ويعملون فيها بالمعاصي أولئك هم الخاسرون [ آية : ٢٧ ] في العقوبة ، يعني اليهود ، ونظيرها في الرعد : الذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر اللّه به أن يوصل من إيمان بمحمد صلى اللّه عليه وسلم ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار [ الرعد : ٢٥ ] . ٢٨البقرة : ٢٨ كيف تكفرون باللّه . . . . . كيف تكفرون باللّه بأنه واحد لا شريك له وكنتم أمواتا ، يعني نطفا فأحياكم ، يعني فخلقكم ، وذلك قوله سبحانه : يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي [ الروم : ١٩ ] ثم يميتكم عند إحيائكم ، ثم يحييكم من بعد الموت يوم القيامة ثم إليه ترجعون [ آية : ٢٨ ] ، فيجزيكم بأعمالكم ، فأما اليهود ، فعرفوا وسكتوا ، وأما المشركون ، ف أئذا كنا تراباً ، من يقدر أن يبعثنا من بعد الموت ؟ فأنزل اللّه عز وجل : ٢٩البقرة : ٢٩ هو الذي خلق . . . . . هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا من شئ ثم استوى إلى السماء فبدأ بخلقهن ، وخلق الأرض فسواهن ، يعني فخلقهن سبع سماوات ، فهذا أعظم من خلق الإنسان ، وذلك قوله سبحانه : لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس [ غافر : ٥٧ ] وهو بكل شئ من الخلق عليم [ آية : ٢٩ ] بالبعث وغيره . ٣٠البقرة : ٣٠ وإذ قال ربك . . . . . وإذا ، يعني وقد قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ، وذلك أن اللّه عز وجل خلق الملائكة والجن قبل خلق الشياطين والإنس ، وهو آدم ، عليه السلام ، فجعلهم سكان الأرض ، وجعل الملائكة سكان السماوات ، فوقع في الجن الفتن والحسد ، فاقتتلوا ، فبعث اللّه جندا من أهل سماء الدنيا ، يقال لهم : الجن ، إبليس عدو اللّه منهم ، خلقوا جميعا من نار ، وهم خزان الجنة رأسهم إبليس ، فهبطوا إلى الأرض ، فلم يكلفوا من العبادة في الأرض ما كلفوا في السماء ، فأحبوا القيام في الأرض ، فأوحى اللّه عز وجل إليهم : إني جاعل في الأرض خليفة سواكم ورافعكم إليَّ ، فكرهوا ذلك ؛ لأنهم كانوا أهون الملائكة أعمالا قالوا أتجعل فيها ، يقول ، أتجعل في الأرض من يفسد فيها ، يعني من يعمل فيها بالمعاصي ويسفك الدماء بغير حق كفعل الجن ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ، يقول : نحن نذكرك بأمرك ، كقوله سبحانه : ويسبح الرعد بحمده [ الرعد : ١٣ ] ، يعني يذكره بأمره ، ونقدس لك ونصلي لك ونعظم أمرك . قال اللّه سبحانه : إني أعلم ما لا تعلمون [ آية : ٣٠ ] إن في علمي أنكم سكان السماء ، ويكون آدم وذريته سكان الأرض ، ويكون منهم من يسبح بحمدي ويعبدني ، فخلق آدم ، عليه السلام ، من طين أحمر وأبيض من السبخة والعذبة ، فمن ثم نسله أبيض وأحمر وأسود مؤمن وكافر ، فحسد إبليس تلك الصورة ، فقال للملائكة الذين هم معه : أرأيتم هذا الذي لم تروا شيئا من الخلق على خلقته ، إن فضل عليَّ ماذا تصنعون ؟ نسمع ونطيع لأمر اللّه ، وأسر عدو اللّه إبليس في نفسه ، لئن فضل آدم عليه لا يطيعه وليستزنه ، فترك آدم طينا أربعين سنة مصورا ، فجعل إبليس يدخل من دبره ويخرج من فيه ، ويقول : أنا نار وهذا طين أجوف ، والنار تغلب الطين ولأغلبنه ، فذلك قوله عزوجل : ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين [ سبأ : ٢٠ ] ، يعني قوله يومئذ : لأغلبنه ، و قوله : لأحتنكن ، يعني لأحتوين على ذريته إلا قليلاً ، فقال للروح : ادخلي هذا الجسد ، فقالت : أي رب ، أين تدخلني هذا الجسد المظلم ؟ فقال اللّه تبارك وتعالى : ادخليه كرها ، فدخلته كرها ، وهي لا تخرج منه إلا كرها ، ثم نفخ فيه الروح من قبل رأسه ، فترددت الروح فيه حتى بلغت نصف جسده موضع السرة ، فجعل للقعود ، فذلك قوله تعالى : وكان الإنسان عجولا [ الإسراء : ١١ ] ، فجعلت الروح تتردد فيه حتى بلغت أصابع الرجلين ، فأرادت أن تخرج منها ، فلم تجد منفذا ، فرجعت إلى الرأس ، فخرجت من المنخرين ، فعطس عند ذلك لخروجها من منخريه ، فقال : الحمد للّه ، فكان أول كلامه ، فرد ربه عز وجل : يرحمك اللّه ، لهذا خلقتك ، تسبح بحمدي وتقدس لي ، فسبقت رحمته لآدم عليه السلام . ٣١البقرة : ٣١ وعلم آدم الأسماء . . . . . وعلم ءادم الأسماء كلها ثم إن اللّه تبارك وتعالى حشر الطير والدواب وهوام الأرض كلها ، فعلم آدم ، عليه السلام ، أسماءها ، فقال : يا آدم ، هذا فرس ، وهذا بغل ، وهذا حمار ، حتى سمى له كل دابة وكل طير باسمه ثم عرضهم على الملائكة ، ثم عرض أهل تلك الأسماء على الملائكة الذين هم في الأرض فقال أنبئوني ، يعني أخبروني بأسماء هؤلاء ، يعني دواب الأرض كلها إن كنتم صادقين [ آية : ٣١ ] بأني جاعل في الأرض من يفسد فيها ويسفك الدماء . ٣٢البقرة : ٣٢ قالوا سبحانك لا . . . . . قالوا قالت الملائكة : سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم [ آية : ٣٢ ] . قال : حدثنا عبيد اللّه ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، قال : قال مقاتل : قال اللّه عز وجل لهم : كيف تدعون العلم فيما لم يخلق بعد ولم تروه وأنتم لا تعلمون من ترون . ٣٣البقرة : ٣٣ قال يا آدم . . . . . قال اللّه عز وجل لآدم : يا آدم أنبئهم بأسمائهم ، يقول : أخبر الملائكة بأسماء دواب الأرض والطير كلها ، ففعل ، قال اللّه عز وجل : فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب ما يكون في السماوات والأرض وأعلم ما تبدون ، يعني ما أظهرت الملائكة لإبليس من السمع والطاعة لرب و أعلم ما كنتم تكتمون [ آية : ٣٣ ] ، يعني إبليس وحده ما كان أسر إبليس في نفسه من المعصية للّه عز وجل في السجود لآدم . ٣٤البقرة : ٣٤ وإذ قلنا للملائكة . . . . . ثم قال : وإذ ، يعني وقد قلنا للملائكة الذين خلقوا من مارج من نار السموم اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس وحده ، فاستثنى لم يسجد أبى واستكبر ، يعني وتكبر عن السجود لآدم ، وإنما أمره اللّه عز وجل بالسجود لآدم لما علم اللّه منه ، فأحب أن يظهر ذلك للملائكة ما كان أسر في نفسه ، قال : أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين [ الأعراف : ١٢ ] وكان إبليس من الكافرين [ آية : ٣٤ ] الذين أوجب اللّه عز وجل لهم الشقاء في علمه ، فمن ثم لم يسجد . ٣٥البقرة : ٣٥ وقلنا يا آدم . . . . . وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ، يعني حواء خلقا يوم الجمعة وكلا منها رغدا حيث ، يعني ما شئتما ، وإذا شئتما من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة ، يعني السنبلة ، وهي الحنطة فتكونا من الظالمين [ أية : ٣٥ ] لأنفسكما . ٣٦البقرة : ٣٦ فأزلهما الشيطان عنها . . . . . فأزلهما الشيطان عنها ، يقول سبحانه : فاستزلهما الشيطان عنها ، يعني عن الطاعة ، وهو إبليس فأخرجهما مما كانا فيه من الخير في الجنة وقلنا اهبطوا منها ، يعني آدم وحواء وإبليس بوحي منه ، فهبط آدم بالهند ، وحواء بجدة ، وإبليس بالبصرة ، وهي الأيلة ، وهبط آدم في واد اسمه نوذ في شعب يقال له : سرنديب ، فاجتمع آدم وحواء بالمزدلفة ، فمن ثم جمع لاجتماعهما بها ، ثم قال : بعضكم لبعض عدو ، فإبليس لهما عدو ، وهما إبليس عدو ، ثم قال : ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين [ آية : ٣٦ ] ، يعني بلاغا إلى منتهى آجالكم الموت . ٣٧البقرة : ٣٧ فتلقى آدم من . . . . . وهبط إبليس قبل آدم فتلقىءادم من ربه كلمات بعدما هبط إلى الأرض يوم الجمعة ، يعني بالكلمات أن قال : رب ، أكان هذا شئ كنت قدرته عليَّ قبل أن تخلقني ، فسبق لي به الكتاب أني عاملة ، وسبقت لي منك الرحمة حين خلقتني ؟ قال : نعم يا آدم ، قال : يا رب ، خلقتني بيدك ، فسويتني ونفخت من روحك ، فعطست فحمدتك ، فدعوت لي برحمتك ، فسبقت رحمتك إلى غضبك ؟ قال : نعم يا آدم ، قال : أخرجتني من الجنة ، وأنزلتني إلى الأرض يا رب ، إن تبت وأصلحت ترجعني إلى الجنة ؟ قال اللّه عز وجل له : نعم يا آدم ، فتاب آدم وحواء يوم الجمعة ، فعند ذلك قالا : ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين [ الأعراف : ٢٣ ] . فتاب اللّه عز وجل عليه يوم الجمعة إنه هو التواب الرحيم [ آية : ٣٧ ] لخلقه ، ٣٨البقرة : ٣٨ قلنا اهبطوا منها . . . . . قلنا اهبطوا منها جميعا ، يعني من الجنة جميعا ، آدم ، وحواء ، وإبليس ، فأوحى اللّه إليهم بعدما هبطوا فإما يأتينكم ، يعني ذرية آدم ، فإن يأتيكم يا ذرية آدم مني هدى ، يعني رسولا وكتابا فيه البيان ، ثم أخبر بمستقر من اتبع الهدى في الآخرة ، قال سبحانه : فمن تبع هداي ، يعني رسولي وكتابي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون [ آية : ٣٨ ] من الموت . ٣٩البقرة : ٣٩ والذين كفروا وكذبوا . . . . . ثم أخبر بمستقر من ترك الهدى ، فقال : والذين كفروا برسلي وكذبوا بآياتنا القرآن أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون [ آية : ٣٩ ] لا يموتون . البقرة : ٣٩ والذين كفروا وكذبوا . . . . . يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ، يعني أجدادهم ، فكانت النعمة حين أنجاهم من آل فرعون ، وأهلك عدوهم ، وحين فرق البحر لهم ، وحين أنزل عليهم المن والسلوى ، وحين ظلل عليهم الغمام بالنهار من حر الشمس ، وجعل لهم عمودا من نور يضيء لهم بالليل إذا لم يكن ضوء القمر ، وفجر لهم اثنى عشر عينا من الحجر ، وأعطاهم التوراة فيها بيان كل شيء ، فدلهم على صنعه ليوحدوه عز وجل . وأوفوا بعهدي ، يعني اليهود ، وذلك أن اللّه عز وجل عهد إليهم في التوراة أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، وأن يؤمنوا بمحمد صلى اللّه عليه وسلم وبالنبيين والكتاب ، فأخبر اللّه عز وجل عنهم في المائدة ، فقال : ولقد أخذ اللّه ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال اللّه إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي بمحمد صلى اللّه عليه وسلم وعزرتموهم ، يعني ونصرتموهم وأقرضتم اللّه قرضا حسنا [ المائدة : ١٢ ] ، فهذا الذي قال اللّه : وأوفوا بعهدي الذي عهدت إليكم في التوراة ، فإذا فعلتم ذلك أوف لكم بعهدكم ٦ ، يعني المغفرة والجنة ، فعاهدهم إن أوفوا له بما قال المغفرة والجنة ، فكفروا بمحمد صلى اللّه عليه وسلم ، وبعيسى ، عليه السلام ، فذلك قوله سبحانه : لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار [ المائدة : ١٢ ] ، فهذا وفاء الرب عز وجل لهم وإياي فارهبون [ آية : ٤٠ ] ، يعني وإياي فخافون في محمد صلى اللّه عليه وسلم ، فمن كذب به فله النار . ٤١البقرة : ٤١ وآمنوا بما أنزلت . . . . . ثم قال : وءامنوا بما أنزلت مصدقا نزلت في كعب بن الأشرف وأصحابه رءوس اليهود ، يقول : صدقوا بما أنزلت من القرآن على محمد مصدقا لما معكم يقول : محمد تصديقه معكم أنه نبي رسول ولا تكونوا أول كافر به يعني محمدا ، فتتابع اليهود كلها على كفر به ، فلما كفروا تتابعت اليهود كلها ، أهل خيبر ، وأهل فدك ، وأهل قريظة وغيرهم على الكفر بمحمد صلى اللّه عليه وسلم ، ثم قال لرءوس اليهود : ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ، وذلك أن رءوس اليهود كتموا أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم في التوراة ، وكتموا أمره عن سفلة اليهود ، وكانت للرؤساء منهم مأكلة في كل عام من زرعهم وثمارهم ، ولو تابعوا محمدا صلى اللّه عليه وسلم لحبست تلك المأكلة عنهم ، فقال اللّه لهم : ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ، يعني بكتمان بعث محمد صلى اللّه عليه وسلم عرضا قليلا من الدنيالا مما تصيبون من سفلة اليهود ، ثم خوفهم وإياي فاتقون [ آية : ٤١ ] في محمد ، فمن كذب به فله النار . ٤٢البقرة : ٤٢ ولا تلبسوا الحق . . . . . ثم قال لليهود : ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق ، وذلك أن اليهود يقرون ببعض أمر محمد ويكتمون بعضا ليصدقوا في ذلك ، فقال اللّه عز وجل : ولا تخلطوا الحق بالباطل ، نظيرها في آل عمران والأنعام : ولم يلبسوا إيمانهم بظلم [ الأنعام : ٨٢ ] ، يعني ولم يخلطوا بشرك وتكتموا الحق ، أي ولا تكتموا أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم وأنتم تعلمون [ آية : ٤٢ ] أن محمداً نبي ونعته في التوراة ٤٣البقرة : ٤٣ وأقيموا الصلاة وآتوا . . . . . وقال لليهود : وأقيموا الصلاة في مواقيتها وءاتوا الزكاة ، يعني وأعطوا الزكاة من أموالكم واركعوا مع الراكعين [ آية : ٤٣ ] ، يعني اليهود صلوا مع المصلين ، يعني مع المؤمنين من أصحاب النبي محمد صلى اللّه عليه وسلم . ٤٤البقرة : ٤٤ أتأمرون الناس بالبر . . . . . أتأمرون الناس بالبر ، وذلك أن اليهود قالوا لبعض أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم : إن محمدا حق فاتبعوه ترشدوا ، فقال اللّه عز وجل لليهود : وتنسون أنفسكم ، يعني أصحاب محمد وتنسون أنفسكم ، يقول : وتتركون أنفسكم فلا تتبعوه وأنتم تتلون الكتاب ، يعني التوراة فيها بيان أمر محمد ونعته أفلا تعقلون [ آية : ٤٤ ] أنتم فتتبعونه . ٤٥البقرة : ٤٥ واستعينوا بالصبر والصلاة . . . . . ثم قال : واستعينوا على طلب الآخرة بالصبر على الفرائض ، والصلاة الخمس حافظوا عليها في مواقيتها وإنها لكبيرة ، يعني حين صرفت القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة ، فكبر ذلك على اليهود منهم ، جدي بن أخطب ، وسعيد بن عمرو الشاعر وغيرهم ، ثم استثنى ، فقال : إلا على الخاشعين [ آية : ٤٥ ] ، يعني إلا على المتواضعين من المؤمنين ، لم يكبر عليهم تحويل القبلة ، البقرة : ٤٥ واستعينوا بالصبر والصلاة . . . . . ثم نعت الخاشعين ، فقال : الذين يظنون يعني يعلمون يقينا أنهم ملاقوا ربهم ، يعني في الآخرة ، ٤٦وأنهم إليه راجعون [ آية : ٤٦ ] فيجزيهم بأعمالهم . ٤٧البقرة : ٤٧ يا بني إسرائيل . . . . . يا بني إسرائيل ، يعني اليهود بالمدينة اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ، يعني أجدادكم ، والنعمة عليهم حين أنجاهم من آل فرعون ، فأهلك عدوهم ، والخير الذي أنزل عليهم في أرض التيه ، وأعطاهم التوراة ، ثم قال : وأني فضلتكم على العالمين [ آية : ٤٧ ] ، يعني عالمي ذلك الزمان ، يعني أجدادهم من غير بني إسرائيل . ٤٨البقرة : ٤٨ واتقوا يوما لا . . . . . ثم خوفهم ، فقال : واتقوا يوما لا تجزي نفس ، يقول : لا تغني نفس كافرة عن نفس شيئا من المنفعة في الآخرة ولا يقبل منها ، يعني من هذه النفس الكافرة ، شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ، يعني فداء ، كفعل أهل الدنيا بعضهم من بعض ، ثم قال : ولا هم ينصرون [ آية : ٤٨ ] ، يقول : ولا هم يمنعون من العذاب . ٤٩البقرة : ٤٩ وإذ نجيناكم من . . . . . ثم ذكرهم النعم ليوحدوه ، فقال سبحانه : وإذ نجيناكم ، يعني أنقذناكم من ءال فرعون ، يعني أهل مصر يسومونكم سوء العذاب ، يعني يعذبونكم شدة العذاب ، يعني ذبح الأبناء واستحياء النساء ؛ لأن فرعون أمر بذبح البنين في حجور أمهاتهم ، ثم بين العذاب ، فقال : يذبحون أبناءكم في حجور أمهاتهم ، ويستحيون نساءكم ، يعني قتل البنين وترك البنات ، قتل منهم فرعون ثمانية عشر طفلا مخافة أن يكون فيهم مولود يكون هلاكه في سببه ، يقول اللّه عز وجل : وفي ذلكم ، يعني فيما يخبركم من قتل الأبناء وترك البنات بلاء ، يعني نقمة من ربكم عظيم [ آية : ٤٩ ] فاذكروا فضله عليكم حين أنجاكم من آل فرعون . ٥٠البقرة : ٥٠ وإذ فرقنا بكم . . . . . وإذ فرقنا بكم البحر وذلك أنه فرق البحر يمينا وشمالا كالجبلين المتقابلين كل واحد منهما على الآخر ، وبينهما كوى من طريق إلى طريق ، ينظر كل سبط إلى الآخر ليكون آنس لهم فأنجيناكم من الغرق وأغرقنا ءال فرعون ، يعني أهل مصر ، يعني القبط وأنتم تنظرون [ آية : ٥٠ ] أجدادهم يعلمون أن ذلك حق ، وكان ذلك من النعم . ٥١البقرة : ٥١ - ٥٢ وإذ واعدنا موسى . . . . . وإذ واعدنا موسى ، يعني الميعاد أربعين ليلة ، يعني ثلاثين من ذي القعدة وعشر ليال من ذي الحجة ، فكان الميعاد الجبل ؛ ليعطى التوراة ، وكان موسى ، عليه السلام ، أخبر بني إسرائيل بمصر ، فقال لهم : إذا خرجنا منها أتيناكم من اللّه عز وجل بكتاب يبين لكم فيه ما تأتون وما تتقون ، فلما فارقهم موسى مع السبعين ، واستخلف هارون أخاه عليهم ، اتخذوا العجل ، فذلك قوله سبحانه : ثم اتخذتم العجل من بعده ، يقول : من بعد انطلاق موسى إلى الجبل وأنتم ظالمون [ آية : ٥١ ] ، وذلك أن موسى قطع البحر يوم العاشر من المحرم ، فقال بنو إسرائيل : وعدتنا يا موسى أن تأتينا بكتاب من ربنا إلى شهر ، فأتنا بما وعدتنا ، فانطلق موسى وأخبرهم أنه يرجع إلى أربعين يوما عن أمر ربه عز وجل ، فلما سار موسى فدنا من الجبل ، أمر السبعين أن يقيموا في أصل الجبل ، وصعد موسى الجبل ، فكلم ربه تبارك اسمه ، وأخذ الألواح فيها التوراة ، فلما مضى عشرون يوما ، أخلفنا موسى العهد ، فعدوا عشرين يوما وعشرين ليلة ، ف هذا أربعون يوما ، فاتخذوا العجل ، فأخبر اللّه عز وجل موسى بذلك على الجبل ، فقال موسى لربه : من صنع لهم العجل ؟ قال : السامري صنعه لهم ، قال موسى لربه : فمن نفخ فيه الروح ؟ قال الرب عز وجل : أنا ، فقال موسى : يا رب السامري سنع لهم العجل فأضلهم ، وصنعت فيه الخوار ، فأنت فتنت قومي ، فمن ثم قال اللّه عز وجل : فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري [ طه : ٨٥ ] ، يعني الذين خلفهم مع هارون سوى السبعين حين أمرهم بعبادة العجل . فلما نزل موسى من الجبل إلى السبعين ، أخبرهم بما كان ، ولم يخبرهم بأمر العجل ، فقال السبعون لموسى : نحن أصحابك جئنا معك ولم نخالفك في أمر ، ولنا عليك حق ، فأرنا اللّه جهرة ، يعني معاينة ، كما رأيته ، فقال موسى : واللّه ما رأيته ، ولقد أردته على ذلك فأبى ، وتجلى للجبل فجعله دكا ، يعني فصار دكا ، وكان أشد منى وأقوى ، ف إنا لا نؤمن بك ولا نقبل ما جئت به حتى تريناه معاينة ، فلما قالوا ذلك أخذتهم الصاعقة ، يعني الموت عقوبة ، فذلك قوله سبحانه : فأخذتكم الصاعقة [ البقرة : ٥٥ ] ، يعني الموت ، نظيرها : وخر موسى صعقا [ الأعراف : ١٤٣ ] ، يعني ميتا ، وكقوله عز وجل : فصعق من في السماوات [ الزمر : ٦٨ ] ، يعني فمات وأنتم تنظرون ، يعني السبعين . ثم أنعم اللّه عليهم فبعثهم ، وذلك أنهم لما صعقوا قام موسى يبكي ، وظن أنهم إنما صعقوا بخطيئة العجل ، فقال عز وجل في سورة الأعراف : رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا [ الأعراف : ١٥٥ ] ، وقال : يا رب ، ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقد أهلكت أخبارهم ، فبعثهم اللّه عز وجل لما وجد موسى من أمرهم ، فذلك قوله سبحانه : ٥٢ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون [ آية : ٥٢ ] ، يقول : لكي تشكروا ربكم في هذه النعمة ، فبعثوا يوم ماتوا ، ثم انصرفوا مع موسى راجعين ، فلما دنوا من العسكر على ساحل البحر ، سمعوا اللغط حول العجل ، ف هذا قتال في المحلة ، فقال موسى ، عليه السلام : ليس بقتال ، ولكنه صوت الفتنة ، فلما دخلوا المعسكر رأى موسى ماذا يصنعون حول العجل ، فغضب وألقى الألواح ، فانكسر منها لوحان ، فارتفع من اللوح بعض كلام اللّه عز وجل ، فأمر بالسامري فأخرج من محلة بني إسرائيل ، ثم عمد إلى العجل فبرده بالمبرد وأحرقه بالنار ، ثم ذراه في البحر ، فذلك قوله : لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا [ طه : ٩٧ ] . فقال موسى : إنكم ظلمتم ، أي ضررتم ، أنفسكم باتخاذكم العجل إلها من دون اللّه سبحانه وتعالى ، فتوبوا إلى بارئكم ، يعني خالقكم ، وندم القوم على صنيعهم ، فذلك قوله سبحانه : ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا ، يعني أشركوا باللّه عز وجل قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين [ الأعراف : ١٤٩ ] ، ف كيف لنا بالتوبة يا موسى ، قال : اقتلوا أنفسكم ، يعني يقتل بعضكم بعضا ، كقوله سبحانه في النساء : ولا تقتلوا أنفسكم ، يقول : لا يقتل بعضكم بعضا إن اللّه كان بكم رحيما [ النساء : ٢٩ ] ، يعني ذلك القتل والتوبة خير لكم عند بارئكم ، يعني عند خالقكم . قد فعلنا ، فلما أصبحوا أمر موسى ، عليه السلام ، البقية الأثنى عشر ألفا الذين لم يعبدوا العجل أن يقتلوهم بالسيف والخناجر ، فخرج من كل بني أب على حدة من منازلهم ، فقعدوا بأفنية بيوتهم ، فقال بعضهم لبعض : هؤلاء إخوانكم أتوكم شاهرين السيوف ، فاتقوا اللّه واصبروا ، فلعنة اللّه على رجل حل جيوبه ، أو قام من مجلسه ، أو اتقى بيد أو رجل ، أو حار إليهم طرفة عين ، آمين ، فقتلوهم من لدن طلوع الشمس إلى انتصاف النهار يوم الجمعة ، وأرسل اللّه عز وجل عليهم الظلمة حتى لا يعرف بعضهم بعضا ، فبلغت القتلى سبعين ألفا ، ثم أنزل اللّه عز وجل الرحمة ، فلم يحد فيهم السلاح ، فأخبر اللّه عز وجل موسى ، عليه السلام ، أنه قد نزلت الرحمة ، فقال لهم : قد نزلت الرحمة ، ثم أمر موسى المنادي فنادى : أن ارفعوا سيوفكم عن إخوانكم ، فجعل اللّه عز وجل القتلى شهداء ، وتاب اللّه على الأحياء ، وعفى عن الذين صبروا للقتل ، فلم يقتلوا ، فمن مات قبل أن يأتيهم موسى ، عليه السلام ، على عبادة العجل دخل النار ، ومن هرب من القتل لعنهم اللّه ، فضربت عليهم الذلة والمسكنة ، فذلك قوله : سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا [ الأعراف : ١٥٢ ] ، وذلك قوله سبحانه : وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب [ الأعراف : ١٦٧ ] ، فكان الرجل يأتي نادى قومه وهم جلوس ، فيقتل من العشرة ثلاثة ويدع البقية ، ويقتل الخمسة من العشرين ، ومن كتب عليهم الشهادة ويبقى الذين لم يقض لهم أن يقتلوا ، فذلك قوله عز وجل : ثم عفونا عنكم ، فلم نهلككم جميعا من بعد ذلك ، يعني بعد العجل لعلكم ، يعني لكي تشكرون [ البقرة : ٥٢ ] ربكم في هذه النعم ، يعني العفو ، فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم ، وذلك قوله سبحانه في الأعراف : والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها ، يعني من بعد عبادة العجل وآمنوا ، يعني وصدقوا بأن اللّه واحد لا شريك له إن ربك من بعدها لغفور رحيم [ الأعراف : ١٥٣ ] لذو تجاوز عنهم رحيم بهم عند التوبة . ٥٣البقرة : ٥٣ وإذ آتينا موسى . . . . . وإذ ءاتينا موسى الكتاب ، يعني التوراة والفرقان ، يعني النصر حين فرق بين الحق والباطل ، ونصر موسى وأهلك فرعون ، نظيرها في الأنفال قوله سبحانه : وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان ، يعني يوم النصر يوم التقى الجمعان [ الأنفال : ٤١ ] ، فنصر اللّه عز وجل المؤمنين وهزم المشركين لعلكم تهتدون [ آية : ٥٣ ] من الضلالة بالتوراة ، يعني بالنور . ٥٤البقرة : ٥٤ وإذ قال موسى . . . . . وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم [ آية : ٥٤ ] ، ٥٥البقرة : ٥٥ وإذ قلتم يا . . . . . وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى اللّه جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون [ آية : ٥٥ ] ، ٥٦البقرة : ٥٦ ثم بعثناكم من . . . . . ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون [ آية : ٥٦ ] . ٥٧البقرة : ٥٧ وظللنا عليكم الغمام . . . . . وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم ، وذلك أن موسى ، عليه السلام ، قالت له بنو إسرائيل وهم في التيه : كيف لنا بالأبنية ، وقد نزلنا في القفر ، وخرجنا من العمران من حر الشمس ، فظلل اللّه عز وجل عليهم الغمام الأبيض يقيهم حر الشمس ، ثم إنهم سألوا موسى ، عليه السلام ، الطعام ، فأنزل اللّه عليهم طعام الجنة ، وهو المن والسلوى ، أما المن ، فهو الترنجبين ، فكان ينزل بالليل على شجرهم أبيض كالثلج ، حلو مثل العسل ، فيغدون عليه كل إنسان صاع لكل ليلة ، فيغدون عليه فيأخذون ما يكفيهم ليومهم ، ذلك لكل رجل صاع ، ولا يرفعون منه في غد ، ويأخذون يوم الجمعة ليومين ؛ لأن السبت كان عندهم لا يشخصون فيه ولا يعملون ، كان هذا لهم في التيه ، وتنبت ثيابهم مع أولادهم ، فأما الرجال ، فكانت ثيابهم عليهم لا تبلى ولا تنخرق ولا تدنس . وأما السلوى ، فهو الطير ، وذلك أن بني إسرائيل سألوا موسى اللحم وهم في التيه ، فسأل موسى ربه عز وجل ، فقال اللّه : لأطعمنهم أقل الطير لحما ، فبعث اللّه سبحانه السماء ، فأمطرت لهم السلوى وهي السمانا ، وجمعتهم ريح الجنوب ، وهي طير حمر تكون في طريق مصر ، فأمطرت قدر ميل في عرض الأرض ، وقدر رمح في السماء بعضه على بعض ، فقال اللّه عز وجل لهم : كلوا من طيبات ، يعني من حلال ، كقوله : فتيمموا صعيدا طيبا [ المائدة : ٦ ] ، يعني حلالا طيبا في غير مأثم ، وإذا وجدوا الماء فهو حرام ، فمن ثم قال : طيبا ، يعني حلالا من ما رزقناكم من السلوى ، ولا تطغوا فيه ، يعني تعصوا اللّه في الرزق فيما رزقكم ، ولا ترفعوا منه لغد ، فرفعوا وقددوا مخافة أن ينفذ ، ولو لم يفعلوا لدام لهم ذلك ، فقددوا منه ورفعوا فدود وتغير ما قدروا منه وما رفعوا فعصوا ربهم ، فذلك قوله سبحانه : وما ظلمونا ، يعني وما ضرونا ، يعني ما نقصونا من ملكنا بمعصيتهم شيئا حين رفعوا وقددوا منه في غد ، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون [ آية : ٥٧ ] ، يعني أنفسهم يضرون ، نظيرها في الأعراف قوله سبحانه : من طيبات ما رزقناكم [ الأعراف : ١٦٠ ] إلى آخر الآية . ٥٨البقرة : ٥٨ - ٥٩ وإذ قلنا ادخلوا . . . . . وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية يعني إيلياء وهم يومئذ من وراء البحر فكلوا منها حيث شئتم رغدا ، يعني ما شئتم ، وإذ شئتم ، وحيث شئتم وادخلوا الباب سجدا ، يعني باب إيلياء سجدا ، فدخلوا متحرفين على شق وجوههم وقولوا حطة ، وذلك أن بني إسرائيل خرجوا مع يوشع بن نون بن اليشامع بن عميهوذ بن غيران بن شونالخ بن إفراييم بن يوسف ، عليه السلام ، من أرض التيه إلى العمران حيال أريحا ، وكانوا أصابوا خطيئة ، فأراد اللّه عز وجل أن يغفر لهم ، وكانت الخطيئة أن موسى ، عليه السلام ، كان أمرهم أن يدخلوا أرض أريحا التي فيها الجيارون ، فلهذا قال لهم : وقولوا حطة ، يعني بحطة حط عنا خطايانا . ثم قال : نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين [ آية : ٥٨ ] الذين لم يصيبوا خطيئة ، فزادهم اللّه إحسانا إلى إحسانهم ، فلما دخلوا إلى الباب ، فعل المحسنون ما أمروا به ، وقال الآخرون : هطا سقماثا يعنون حنطة حمراء ، ذلك استهزاء وتبديلا ، لما أمروا به ، فدخلوا مستقلين ، ٥٩فذلك قوله عز وجل : فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا ، يعني عذابا من السماء كقوله في سورة الأعراف : قال قد وقع عليكم من ربكم رجس [ الأعراف : ٧١ ] ، يعني عذابا ، ويقال : الطاعون ، ويقال : الظلمة شبه النار بما كانوا يفسقون [ آية : ٥٩ ] ، وأهلك منهم سبعون ألفا في يوم واحد عقوبة لقولهم : هطا سقماثا ، فهذا القول ظلمهم . ٦٠البقرة : ٦٠ - ٦١ وإذ استسقى موسى . . . . . وإذ استسقى موسى لقومه ، وهم في التيه ، من أين لنا شراب نشرب ؟ فدعا موسى ، عليه السلام ، ربه أن يسقيهم ، فأوحى اللّه عز وجل إلى موسى ، عليه السلام : فقلنا اضرب بعصاك الحجر ، وكان الحجر خفيفا مربعا ، فضربه ، فانفجرت منه من الحجر اثنتا عشرة عينا ، فرووا بإذن اللّه عز وجل ، وكانوا اثنى عشر سبطا ، لكل سبط من بني إسرائيل عين تجري على حدة ، لا يخالطهم غيرهم ، فذلك قوله سبحانه : قد علم كل أناس مشربهم ، يعني كل سبط مشربهم ، يقول اللّه عز وجل : كلوا من المن والسلوى واشربوا من العيون ، وهو من رزق اللّه حلالا طيبا ، فذلك قوله سبحانه : كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تعثوا في الأرض ، يقول : لا تعلوا ولا تسعوا في الأرض مفسدين [ آية : ٦٠ ] ، يقول : لا تعملوا في الأرض بالمعاصي ، فرفعوا من المن والسلوى لغد ، فذلك قوله سبحانه : ولا تطغوا فيه [ طه : ٨١ ] ، يقول : لا ترفعوا منه لغد ، وكان موسى صلى اللّه عليه وسلم إذا ظعن حمل الحجر معه ، وتنصب العيون منه . ثم إنهم يا موسى ، فأين اللباس ؟ فجعلت الثياب تطول مع أولادهم ، وتبقى على كبارهم ، ولا تمزق ولا تبلى ولا تدنس ، وكان لهم عمود من نور يضئ لهم بالليل إذا ارتحلوا وغاب القمر ، فلما طال عليهم المن والسلوى ، سألوا موسى نبات الأرض ، ٦١فذلك قوله عز وجل : وإذ قلتم يا موسى في التيه لن نصبر على طعام واحد ، يعني المن والسلوى فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها ، يعني الثوم وعدسها وبصلها ، فغضب موسى ، عليه السلام قال أتستبدلون الذي هو أدنى ، يقول : الذي هو دون المن والسلوى من نبات الأرض بالذي هو خير ، يعني المن والسلوى ، فقال موسى : اهبطوا مصرا من الأمصار فإن لكم ما سألتم من نبات الأرض وضربت عليهم الذلة ، يعني على اليهود الذلة ، وهي الجزية والمسكنة ، يعني الفقر وباءو بغضب من اللّه ، يعني استوجبوا غضب اللّه عز وجل ذلك الذل والمسكنة الذي نزل بهم بأنهم كانوا يكفرون بآيات اللّه ، يعني القرآن ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون [ آية : ٦١ ] في أديانهم . ٦٢البقرة : ٦٢ إن الذين آمنوا . . . . . إن الذين آمنوا والذين هادوا ، يعني اليهود والنصارى والصائبين ، وهم قوم يصلون للقبلة ، يقرءون الزبور ويعبدون الملائكة ، وذلك أن سلمان الفارسي كان من جند سابور ، فأتى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فأسلم ، وذكر سلمان أمر الراهب وأصحابه ، وأنهم مجتهدون في دينهم يصلون ويصومون ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ′ هم في النار ′ ، فأنزل اللّه عز وجل فيمن صدق منهم بمحمد صلى اللّه عليه وسلم : وبما جاء به : إن الذين آمنوا ، يعني صدقوا ، يعني أقروا وليسوا بمنافقين والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل صالحا ، يقول : من صدق منهم باللّه عز وجل ، بأنه واحد لا شريك له ، وصدق بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال ، بأنه كائن فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم من نزول العذاب ولا هم يحزنون [ آية : ٦٢ ] عند الموت ، يقول : إن الذين آمنوا ، يعني صدقوا بتوحيد اللّه تعالى ، ومن آمن من الذين هادووا ومن النصارى ومن الصابئين ، من آمن منهم باللّه واليوم الآخر فيما تقدم إلى آخر الآية . ٦٣البقرة : ٦٣ وإذ أخذنا ميثاقكم . . . . . وإذ أخذنا ميثاقكم في التوراة ، وأن تعملوا بما فيها ، فلما قرأوا التوراة وفيها الحدود والأحكام ، كرهوا أن يقروا بما فيها ، رفع اللّه عز وجل عليهم الجبل ليرضخ به رءوسهم ، وذلك قوله سبحانه : ورفعنا فوقكم الطور ، يعني الجبل ، فلما رأوا ذلك أقروا بما فيها ، فذلك قوله : وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم [ الأعراف : ١٧١ ] خذوا ما ءاتيناكم بقوة ، يقول : ما أعطيناكم من التوراة بالجد والمواظبة عليه واذكروا يقول : احفظوا ^ ما فيه من أمره ونهيه ولا تضيعوه لعلكم تتقون [ آية : ٦٣ ] ، يقول : لكي تتقوا المعاصي ٦٤البقرة : ٦٤ ثم توليتم من . . . . . ثم توليتم يقول : أعرضتم من بعد ذلك عن الحق من بعد الجبل فلولا فضل اللّه عليكم ورحمته ، يعني نعمته لعاقبكم ، و لكنتم في الآخرة من الخاسرين [ آية : ٦٤ ] في العقوبة . ٦٥البقرة : ٦٥ ولقد علمتم الذين . . . . . ولقد علمتم ، يعني اليهود الذين اعتدوا منكم في السبت ، فصادوا فيه السمك ، وكان محرما عليهم صيد السمك يوم السبت ، فأمهلهم اللّه سبحانه بعد صيد السمك سنين ، ثم مسخهم اللّه قردة ، فذلك قوله : فقلنا لهم بوحي كونوا قردة خاسئين [ آية : ٦٥ ] ، يعني صاغرين . ٦٦البقرة : ٦٦ فجعلناها نكالا لما . . . . . فجعلناها نكالا لبني إسرائيل لما بين يديها ، يقول : أخذناهم بمعاصيهم قبل صيد الحيتان وما خلفها ما استنوا من سنة سيئة ، فاقتدى بها من بعدهم ، فالنكال هي العقوبة ، ثم مسخهم اللّه عز وجل في زمان داود ، عليه السلام ، قردة ثم حذر هذه الأمة ، فقال سبحانه : وموعظة للمتقين [ آية : ٦٦ ] ، يعني تعظهم يا محمد أن ريكبوا ما ركبت بنو إسرائيل من المعاصي ، فيستحلوا محرما أو صيدا في حرم اللّه ، أو تستحلوا أنتم حراما لا ينبغي فينزل بكم من العقوبة مثل ما نزل بالذين استحلوا صيد السمك يوم السبت . ٦٧البقرة : ٦٧ وإذ قال موسى . . . . . وإذ قال موسى لقومه يا بني إسرائيل إن اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرة بأرض مصر قبل الغرق ، وذلك أن أخوين كانا في بني إسرائيل ، فقتلا ابن عم لهما ليلا بمصر ليرثاه ، ثم حملاه فألقياه بين القريتين . قال : حدثنا عبيد اللّه ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن مقاتل ، عن أبي مليكة ، عن ابن عباس ، رضي اللّه عنه ، أنه قال : قاسوا ما بين القريتين ، فكانتا سواء ، فلما أصبحوا أخذوا أهل القرية ، ف واللّه ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا ، يا موسى ، ادع لنا ربك يطلع على القاتل إن كنت نبيا كما تزعم ، فدعا موسى ربه عز وجل ، فأتاه جبريل ، عليه السلام ، فأمره بذبح بقرة ، فقال لهم ، موسى : إن اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرة ، فتضربوه ببعضها فيحيا ، فيخبركم بقاتله ، واسم المقتول عاميل ، فظنوا أنه يستهزئ بهم ، ف نسألك عن القاتل لتخبرنا به ، فتأمرنا بذبح بقرة استهزاء بنا ، فذلك قولهم لموسى : قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ باللّه أن أكون من الجاهلين [ آية : ٦٧ ] ، يعني من المستهزئين ، فعلموا أن عنده علم ذلك . . ٦٨البقرة : ٦٨ قالوا ادع لنا . . . . . قالوا يا موسى ادع لنا ربك ، أي سل لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول ، إن ربكم يقول : إنها بقرة لا فارض ولا بكر ، يعني ليست بكبيرة ولا بكر ، أي شابة عوان بين ذلك ، يعني بالعوان بين الكبيرة والشابة فافعلوا ما تؤمرون [ آية : ٦٨ ] ، ٦٩البقرة : ٦٩ قالوا ادع لنا . . . . . فانطلقوا ثم رجعوا إلى موسى قالوا ادع لنا ربك ، أي سل ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها ، يعني صافية اللون نقية تسر ، يعني تعجب الناظرين [ آية : ٦٩ ] ، يعني من رآها ، فشددوا على أنفسهم ، فشدد اللّه عليهم ، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ′ إنما أمروا ببقرة ، ولو عمدوا إلى أدنى بقرة لأجزأت عنهم ، والذي نفس محمد بيده ، لو لم يستثنوا ما بينت لهم آخر الأبد ′ . ٧٠البقرة : ٧٠ قالوا ادع لنا . . . . . فانطلقوا ثم رجعوا قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا تشكل وإنا إن شاء اللّه لمهتدون [ آية : ٧٠ ] ، لو لم يستثنوا لم يهتدوا لها أبدا ، فعند ذلك هموا أن يفعلوا ما أمروا ، ولو أنهم عمدوا إلى الصفة الأولى فذبحوها لأجزأت عنهم . ٧١البقرة : ٧١ قال إنه يقول . . . . . قال إنه يقول ، أي قال موسى : إن اللّه يقول : إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ، يقول : ليست بالذلول التي يعمل عليها في الحرث لا تسقي الحرث يقول : ليست بالذلول التي يسقى عليها بالسواقي الماء للحرث مسلمة ، يعني صحيحة ولا شية فيها ، يقول : لا وضح فيها ، يقول : ليس فيها سواد ولا بياض ولا حمرة ، قالوا آلآن يا موسى جئت بالحق ، يقول : الآن بينت لنا الحق ، فانطلقوا حتى وجدوها عند امرأة اسمها نوريا بنت رام ، فاستاموا بها ، فقالوا لموسى : إنها لا تباع إلا بملء مسكها ذهبا ، قال موسى : لا تظلموا ، انطلقوا اشتروها بما عز وهان ، فاشتروها بملء مسكها ذهبا فذبحوها ، فقالوا لموسى : قد ذبحناها ، قال : خذوا منها عضوا فاضربوا به القتيل ، فضربوا القتيل بفخذ البقرة اليمنى ، فقام القتيل وأوداجه تشخب دما ، فقال : قتلني فلان وفلان ، يعني ابني عمه ، ثم وقع ميتا ، فأخذا فقتلا ، فذلك قوله سبحانه فذبحوها وما كادوا يفعلون [ آية : ٧١ ] . ٧٢البقرة : ٧٢ وإذ قتلتم نفسا . . . . . وإذ قتلتم نفسا فادارءتم فيها ، فاختلفتم في قتلها ، فقال أهل هذه القرية الأخرى : أنتم قتلتموه ، وقال الآخرون : أنتم قتلتموه ، فذلك قوله سبحانه : واللّه مخرج ما كنتم تكتمون [ آية : ٧٢ ] ، يعني كتمان قتل المقتول ، ٧٣البقرة : ٧٣ فقلنا اضربوه ببعضها . . . . . فقلنا اضربوه ببعضها كذلك ، يقول : هكذا يحي اللّه الموتى ويريكم آياته ، فكان ذلك من آياته وعجائبه لعلكم يقول : لكي تعقلون [ آية : ٧٣ ] ، فتعتبروا في البعث ، وإنما فعل اللّه ذلك بهم ؛ لأنه كان في بني إسرائيل من يشك في البعث ، فأراد اللّه عز وجل أن يعلمهم أنه قادر على أن يبعث الموتى ، وذلك قوله سبحانه لعلكم تعقلون فتعتبروا في البعث ٧٤البقرة : ٧٤ ثم قست قلوبكم . . . . . ف نحن لم نقتله ، ولكن كذب علينا ، فلما كذبوا المقتول ، ضرب اللّه لهم مثلا ، وذلك قوله سبحانه : ثم قست قلوبكم في الشدة ، فلم تطمئن ، يعني تلين ، حتى كذبتم المقتول ، ثم قال : من بعد ذلك ، يعني من بعد حياة المقتول فهي كالحجارة فشبه قلوبهم حين لم تلن بالحجارة في الشدة ، ثم عذر الحجارة وعاب قلوبهم ، فقال : فهي كالحجارة في القسوة أو أشد قسوة ، ثم قال : وإن من الحجارة ما هي ألين من قلوبهم ، فمنها لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما ، يعني ما يشقق ، يعني يتصدع فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط ، يقول : من بعض الحجارة الذي يهبط من أعلاه ، فهؤلاء جميعا من خشية اللّه يفعلون ذلك ، وبنو إسرائيل لا يخشون اللّه ، ولا ترق قلوبهم كفعل الحجارة ، ولا يقبلون إلى طاعة ربهم ، ثم وعدهم ، فقال عز وجل : وما اللّه بغافل عما تعملون [ آية : ٧٤ ] من المعاصي ٧٥البقرة : ٧٥ أفتطمعون أن يؤمنوا . . . . . أفتطمعون أي النبي صلى اللّه عليه وسلم وحده أن يؤمنوا لكم ، أن يصدقوا قولك يا محمد ، يعني يهود المدينة وقد كان فريق منهم على عهد موسى ، عليه السلام ، يسمعون كلام اللّه ، وذلك أن السبعين الذين اختارهم موسى حين أرنا اللّه جهرة ، فعاقبهم اللّه عز وجل وأماتهم عقوبة ، وبقي موسى وحده يبكي ، فلما أحياهم اللّه سبحانه ، قد علمنا الآن أنك لم تر ربك ، ولكن سمعت صوته ، فأسمعنا صوته ، قال موسى : أما هذا فعسى ، قال موسى : يا رب ، إن عبادك هؤلاء بني إسرائيل يحبون أن يسمعوا كلامك ، فقال : من أحب منهم أن يسمع كلامي فليعتزل النساء ثلاثة أيام ، وليغتسل يوم الثالث ، وليلبس ثيابا جددا ، ثم ليأتي الجبل فأسمعه كلامي . ففعلوا ذلك ، ثم انطلقوا مع موسى إلى الجبل ، فقال لهم موسى : إذا رأيتم السحابة قد غشيت ورأيتم فيها نورا ، وسمعتم فيها صوتا ، فاسجدوا لربكم ، وانظروا ما يأمركم به فافعلوا ، نعم ، فصعد موسى ، عليه السلام ، الجبل ، فجاءت الغمامة ، فحالت بينهم وبين موسى ، ورأوا النور ، وسمعوا صوتا كصوت الصور ، وهو البوق ، فسجدوا ، وسمعوه وهو يقول : إني أنا ربكم ، لا إله إلا أنا الحي القيوم ، وأنا الذي أخرجتكم من أرض مصر بيد رقيقة وذراع شديد ، فلا تعبدوا إلها غيري ، ولا تشركوا بي شيئا ، ولا تجعلوا لي شبها ، فإنكم لن تروني ، ولكن تسمعون كلامي ، فلما أن سمعوا الكلام ، ذهبت أرواحهم من هول ما سمعوا ، ثم أفاقوا وهم سجود ، فقالوا لموسى ، عليه السلام : إنا لا نطيق أن نسمع كلام ربنا ، فكن بيننا وبين ربنا ، فليقل لك وقل أنت لنا ، قال موسى : يا رب ، إن بني إسرائيل لم يطيقوا أن يسمعوا كلامك ، فقل لي وأقل لهم ، قال اللّه عز وجل : نعم ما رأوا . فجعل اللّه عز وجل يأمر موسى ، ثم يخبرهم موسى ، ويقولون : سمعنا ربنا وأطعنا ، فلما فرغ من أمره ونهيه ، ارتفعت السحابة ، وذهب الصوت ، فرفع القوم رءوسهم ، ورجعوا إلى قومهم ، قيل لهم : ماذا أمركم به ربكم ونهاكم عنه ؟ فقال بعضهم : أمرنا بكذا وكذا ، ونهانا عن كذا وكذا ، وقال آخرون : واتبع في آخر قوله : إن لم تستطيعوا ترك ما نهاكم عنه ، فافعلوا ما تستطيعون ، فذلك قوله سبحانه : أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم ، يعني طائفة من بني إسرائيل يسمعون كلام اللّه ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه ، وفهموه وهم يعلمون [ آية : ٧٥ ] أنهم حرفوا الكلام . ٧٦البقرة : ٧٦ وإذا لقوا الذين . . . . . وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا ، يعني صدقنا بمحمد ، عليه السلام ، بأنه نبي ، وذلك أن الرجل المسلم كان يلقى من اليهود حليفه أو اخاه من الرضاعة ، فيسأله : أتجدون محمدا في كتابكم ، نعم ، إن نبوة صاحبكم حق ، وإنا نعرفه ، فسمع كعب بن الأشرف ، وكعب بن أسيد ، ومالك بن الضيف ، وجدي بن أخطب ، فقالوا لليهود في السر : أتحدثون أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم بما فتح اللّه لكم ، يعني بما بين لكم في التوراة من أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم ، فذلك قوله تعالى : وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح اللّه عليكم ليحاجوكم ، يعني ليخاصموكم به عند ربكم باعترافكم أن محمدا ، عليه السلام ، نبي ثم لا تتابعوه أفلا تعقلون [ آية : ٧٦ ] ، يعني أفلا ترون أن هذه حجة لهم عليكم . ٧٧البقرة : ٧٧ أو لا يعلمون . . . . . فقال اللّه عز وجل : أولا يعلمون أن اللّه يعلم ما يسرون في الخلا وما يعلنون [ آية : ٧٧ ] في الملاء ، فيقول بعضهم لبعض : أتحدثونهم بأمر محمد صلى اللّه عليه وسلم ، أولا يعلمون حين إنا نجد محمدا في كتابنا وإنا لنعرفه ، ٧٨البقرة : ٧٨ ومنهم أميون لا . . . . . ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني ، يقول : من اليهود من لا يقرأ التوراة إلا أن يحدثهم عنها رءوس اليهود وإن هم إلا يظنون [ آية : ٧٨ ] في غير يقين ما يستيقنون به ، فإن كذبوا رءوس اليهود أو صدقوا تابعوهم باعترافهم ، فليس لهم بالتوراة علم إلا ما حدثوا عنها . ٧٩البقرة : ٧٩ فويل للذين يكتبون . . . . . فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ، سوى نعت محمد ، عليه السلام ، وذلك أن رءوس اليهود بالمدينة محوا نعت محمد صلى اللّه عليه وسلم من التوراة ، وكتبوا سوى نعته ، وقالوا لليهود سوى نعت محمد ثم يقولون هذا النعت من عند اللّه ليشتروا به ثمنا قليلا ، يعني عرضا يسيرا مما يعطيهم سفلة اليهود كل سنة من زروعهم وثمارهم ، يقول : فويل لهم مما كتبت أيديهم ، يعني في التوراة من تغيير نعت محمد صلى اللّه عليه وسلم ، وويل لهم مما يكسبون [ آية : ٧٩ ] من تلك المآكل على التكذيب بمحمد صلى اللّه عليه وسلم ، ولو تابعوا محمدا ، عليه السلام ، إذا لحبست عنهم تلك المآكل . ٨٠البقرة : ٨٠ وقالوا لن تمسنا . . . . . وقالوا ، يعني اليهود لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ؛ لأنا أبناء اللّه وأحباؤه ، يعني ولد أنبياء اللّه ، إلا أربعين يوما التي عبد آباؤنا فيها العجل قل أتخذتم عند اللّه عهدا ، فعلمتم بما عهد إليكم في التوراة ، فإن كنتم فعلتم فلن يخلف اللّه عهده أم تقولون ، يعني بل تقولون على اللّه ما لا تعلمون [ آية : ٨٠ ] ، فإنه ليس بمعذبكم إلا تلك الأيام ، فإذا مضت تلك الأيام مقدار كل يوم ألف سنة ، قالت الخزنة : يا أعداء اللّه ، ذهب الأجل وبقي الأبد ، وأيقنوا بالخلود . ٨١البقرة : ٨١ بلى من كسب . . . . . فلما قالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة ، أكذبهم اللّه عز عز وجل ، فقال : بلى يخلد فيها من كسب سيئة ، يعني الشرك وأحاطت به خطيئته حتى مات على الشرك فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون [ آية : ٨١ ] ، يعني لا يموتون ، ٨٢البقرة : ٨٢ والذين آمنوا وعملوا . . . . . ثم بين مستقر المؤمنين ، فقال : والذين ءامنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون [ آية : ٨٢ ] لا يموتون . ٨٣البقرة : ٨٣ وإذ أخذنا ميثاق . . . . . وإذ ، يعني ولقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا اللّه وبالوالدين إحسانا ، يعني برا بهما وذي القربى واليتامى ، يعني ذوي القرابة صلته ، والمساكين واليتيم أن تصدق عليه وابن السبيل ، يعني الضيف أن تحسن إليه ، وقولوا للناس حسنا ، يعني حقا ، نظيرها في طه قوله عز وجل : ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا [ طه : ٨٦ ] يعني حقا ، و قوله : وقولوا للناس حسنا ، يعني للناس أجمعين صدقا في محمد وعن الإيمان . وأقيموا الصلاة ، يعني أتموا الصلاة لمواقيتها وءاتوا وأعطوا الزكاة ثم توليتم ، يعني أعرضتم عن الإيمان ، فلم تقروا ببعث محمد صلى اللّه عليه وسلم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون [ آية : ٨٣ ] ، يعني ابن سلام ، وسلام بن قيس ، وثعلبة بن سلام ، وقيس ابن أخت عبد اللّه بن سلام ، وأسيد وأسد ابنى كعب ، ويامين ، وابن يامين ، وهم مؤمنو أهل التوراة . ٨٤البقرة : ٨٤ وإذ أخذنا ميثاقكم . . . . . وإذ أخذنا ميثاقكم في التوراة ، يعني ولقد أخذنا ميثاقكم في التوراة لا تسفكون دماءكم ، يقول : لا يقتل بعضكم بعضا ولا تخرجون أنفسكم ، يعني لا يخرج بعضكم بعضا من دياركم ثم أقررتم بهذا وأنتم تشهدون [ آية : ٨٤ ] أن هذا في التوراة . ٨٥البقرة : ٨٥ ثم أنتم هؤلاء . . . . . ثم أنتم هؤلاء معشر اليهود بالمدينة تقتلون أنفسكم ، يعني يقتل بعضكم بعضا وتخرجون فريقا ، يعني طائفة منكم من ديارهم تظاهرون ، يعني تعاونون عليهم بالإثم ، يعني بالمعصية والعدوان ، يعني بالظلم ، ومكتوب عليهم في التوراة أن يفدوا أسراهم فيشتروهم إذا أسرهم أهل الروم في القتال إن كان عبدا أو أمة ، يقول اللّه عز وجل : وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب ، يقول : تصدقون ببعض ما في التوراة لمن يقتل ، والإخراج من الديار ، فهو محرم عليكم إخراجهم وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي ، يعني الهوان في الحياة الدنيا ، فكان خزي أهل قريظة القتل والسبي ، وخزي أهل النضير الجلاء والنفي من منازلهم وجناتهم التي بالمدينة إلى أذرعات وأريحا من أرض الشام ، فكان هذا خزيا لهم وهوانا لهم ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب ، يعني رءوس اليهود ، يقول : هم أشد كذابًا ، يعني رءوس اليهود من أهل ملتهم ؛ لأنهم أول من كفر بمحمد صلى اللّه عليه وسلم من اليهود ، ثم أوعدهم ، فقال : وما اللّه بغافل عما تعملون [ آية : ٨٥ ] . ٨٦البقرة : ٨٦ أولئك الذين اشتروا . . . . . ثم نعتهم فقال سبحانه : أولئك الذين اشتروا ، يعني اختاروا الحياة الدنيا بالآخرة ، يقول : باعوا الآخرة بالدنيا مما يصيبون من سفلة اليهود من المآكل فلا يخفف عنهم العذاب في الآخرة ولا هم ينصرون [ آية : ٨٦ ] ، يعني ولا هم يمنعون من العذاب . ٨٧البقرة : ٨٧ ولقد آتينا موسى . . . . . ولقد ءاتينا موسى الكتاب ، يقول : أعطينا موسى التوراة وقفينا من بعده ، يقول : وأتبعنا من بعد موسى بالرسل إلى قومهم وءاتينا عيسى ابن مريم البينات ، يقول : وأعطينا عيسى ابن مريم العجائب التي كان يصنعها من خلق الطير ، وإبراء الأكمه والأبرص ، وأحياء الموتى بإذن اللّه ، قال سبحانه : وأيدناه بروح القدس ، يقول : وقوينا عيسى بجبريل ، عليهما السلام ، فقالت اليهود عند ذلك : فجئنا يا محمد بمثل ما جاء به موسى من الآيات كما تزعم ، يقول اللّه عز وجل : أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم ، يعني اليهود استكبرتم يعني تكبرتم عن الإيمان برسولي ، يعني محمدا صلى اللّه عليه وسلم ففريقا كذبتم ، يعني طائفة من الأنبياء كذبتم بهم ، منهم عيسى ومحمد صلى اللّه عليه وسلم وفريقا تقتلون [ آية : ٨٧ ] ، يعني وطائفة قتلتموهم ، منهم زكريا ، ويحيى ، والأنبياء أيضا ، فعرفوا أن الذي قال لهم النبي صلى اللّه عليه وسلم حق فسكتوا . ٨٨البقرة : ٨٨ وقالوا قلوبنا غلف . . . . . وقالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم : قلوبنا غلف ، يعني في غطاء ، ويعنون في أكنة عليها الغطاء ، فلا تفهم ولا تفقه ما تقول يا محمد ، كراهية لما سمعوا من النبي صلى اللّه عليه وسلم من قوله : ′ إنكم كذبتم فريقا من الأنبياء وفريقا قتلتم ′ ، فإن كنت صادقا فأفهمنا ما تقول ، يقول اللّه عز وجل : بل لعنهم اللّه بكفرهم فطبع على قلوبهم فقليلا ما يؤمنون [ آية : ٨٨ ] ، يعني بالقليل بأنهم لا يصدقون بأنه من اللّه ، وكفروا بما سواه مما جاء به محمد صلى اللّه عليه وسلم ، فذلك قوله عز وجل في النساء : فلا يؤمنون إلا قليلا [ النساء : ١٥٥ ] ، وإنما سمى اليهود من قبل يهوذا بن يعقوب ٨٩البقرة : ٨٩ ولما جاءهم كتاب . . . . . ولما جاءهم كتاب من عند اللّه ، يعني قرآن محمد صلى اللّه عليه وسلم مصدق لما معهم في التوراة بتصديق محمد صلى اللّه عليه وسلم وقرآنه في التوراة ، نزلت في اليهود ، منهم : أبو رافع ، وابن أبي الحقيق ، وأبو نافع ، وغرار وكانوا من قبل أن يبعث محمد صلى اللّه عليه وسلم رسولا يستفتحون على الذين كفروا ، نظيرها في الأنفال : إن تستفتحوا [ الأنفال : ١٩ ] ، يعني إن تستنصروا بخروج محمد صلى اللّه عليه وسلم على مشركي العرب : جهينة ، ومزينة ، وبني عذرة ، وأسد ، وغطفان ، ومن يليهم ، كانت اليهود إذا قاتلوهم اللّهم إنا نسألك باسم النبي الذي نجده في كتابنا تبعثه في آخر الزمان أن تنصرنا ، فينصرون عليهم ، فلما بعث اللّه عز وجل محمدا صلى اللّه عليه وسلم من غير بني إسرائيل كفروا به وهم يعرفونه ، فذلك قوله سبحانه : فلما جاءهم محمد ما عرفوا أي بما عرفوا من أمره في التوراة ، كفروا به فلعنة اللّه على الكافرين [ آية : ٨٩ ] ، يعني اليهود . ٩٠البقرة : ٩٠ بئسما اشتروا به . . . . . بئسما اشتروا به أنفسهم ، يقول : بئسما باعوا أنفسهم بعرض يسير من الدنيا مما كانوا يصيبون من سفلة اليهود من المأكل في كل عام ، ثم قال : أن يكفروا بما أنزل اللّه من القرآن على محمد صلى اللّه عليه وسلم بغيا ، يعني حسدا لمحمد ، إذ كان من العرب ، يقول اللّه عز وجل : أن ينزل اللّه من فضله من النبوة والكتاب على من يشاء من عباده صلى اللّه عليه وسلم يعني محمدا صلى اللّه عليه وسلم ، قال سبحانه : فباءو بغضب على غضب ، يقول : استوجبوا بغضب من اللّه حين كفروا بعيسى صلى اللّه عليه وسلم على غضب بكفرهم بمحمد صلى اللّه عليه وسلم وبما جاء به وللكافرين من اليهود عذاب مهين [ آية : ٩٠ ] ، يعني الهوان . ٩١البقرة : ٩١ وإذا قيل لهم . . . . . ثم قال : وإذا قيل لهم ، يعني اليهود ، منهم : أبو ياسر ، والنعمان بن أوفى ، ءامنوا ، يعني صدقوا بما أنزل اللّه من القرآن على محمد قالوا نؤمن بما أنزل علينا ، يعني التوراة ويكفرون بما وراءه ، يعني بما بعد التوراة الإنجيل والفرقان وهو الحق ، يعني قرآن محمد مصدقا لما معهم ، يقول تصديقا لمحمد بما أنزل اللّه عليه من القرآن مكتوبا عندهم في التوراة قل لهم يا محمد : فلم تقتلون أنبياء اللّه ، وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم دعا اليهود إلى الإيمان ، فقالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم : آتنا بالآيات والقربان كما كانت الأنبياء تجئ بها إلى قومهم ، يقول اللّه سبحانه : فقد كانت الأنبياء تجئ إلى آبائهم ، فكانوا يقتلونهم ، فقال اللّه عز وجل : قل يا محمد فلم تقتلون أنبياء اللّه من قبل ، يقول : فلم قتلتم أنبياء اللّه من قبل ، يعني آباءهم ، وقد جاءوا بالآيات والقربان إن كنتم مؤمنين [ آية : ٩١ ] ، يعني إن كنتم صادقين بأن اللّه عهد إليكم في التوراة ألا تؤمنوا بالرسول حتى يأتيكم بقربان تأكله النار ، فقد جاءوا بالقربان ، فلم قتلتموهم ، يعني أباءهم . ٩٢البقرة : ٩٢ ولقد جاءكم موسى . . . . . ثم قال لمحمد صلى اللّه عليه وسلم : قل لليهود : ولقد جاءكم موسى بالبينات ، يعني بالآيات التسع ثم اتخذتم العجل إلها من بعده ، يعني من بعد انطلاق موسى إلى الجبل وأنتم ظالمون [ آية : ٩٢ ] لأنفسكم . ٩٣البقرة : ٩٣ وإذ أخذنا ميثاقكم . . . . . وإذ أخذنا ميثاقكم ، يعني وقد أخذنا ميثاقكم في التوراة ، يعني اليهود ، يعني على أن تعبدوا اللّه ، وتشركوا به شيئا ، وأن تؤمنوا بالكتاب والنبيين ورفعنا فوقكم الطور ، حين لم يقبلوا التوراة ، قال موسى : يا رب ، إن عبادك لم يقبلوا كتابك ، وعصوا أمرك ، فأمر اللّه عز وجل الملائكة وجبريل ، فرفعوا من الأرض المقدسة جبلا فوق رءوسهم ، فحال الجبل بينهم وبين السماء ، فقال موسى ، عليه السلام ، لبني إسرائيل : إن لم تقبلوا التوراة طرح هذا الجبل ، فيرضخ به رءوسكم ، وكان الجبل منهم قدر ميل ، فلما رأوا ذلك قبلوها ، فذلك قوله سبحانه : وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم [ الأعراف : ١٧١ ] ، خذوا ما ءاتيناكم بقوة ، يعني ما آتيناكم من التوراة بالجد والمواظبة عليه ، فرجع الجبل إلى مكانه ، فقال موسى لبني إسرائيل : واسمعوا ، يقول : اسمعوا ما في التوراة من الحدود ، والأحكام ، والشدة قالوا سمعنا بذلك الذي تخوفنا به من أمر الجبل وعصينا أمرك ، فلا نتبع ما جئتنا به من الشدة في التوراة ، والعجل كان أرفق بنا ، وأهون علينا مما جئتنا به من الشدة ، يقول اللّه عز وجل : وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم ، قال لهم موسى : أن تحبوا شيئا دونه يعدل حبه في قلوبكم ، كحب اللّه خالقكم قل بئسما يأمركم به إيمانكم أن كنتم مؤمنين [ آية : ٩٣ ] ، كما تزعمون . ٩٤البقرة : ٩٤ قل إن كانت . . . . . ثم أخبر أنه حين رفع الجبل عليهم والبحر من ورائهم ، خافوا الهلكة ، فقبلوا التوراة ، قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند اللّه خالصة ، يعني الجنة ، وذلك أن اليهود نحن أبناء اللّه وأحباؤه ، وأن اللّه لن يعذبنا ، فقال اللّه عز وجل للنبي صلى اللّه عليه وسلم : قل لهم إن كانت لكم الدار الآخرة عند اللّه خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين [ آية : ٩٤ ] ، يقول : فأحبوا الموت إن كنتم أولياء اللّه وأحباؤه ، وأنكم في الجنة ، قال اللّه عز وجل للنبي صلى اللّه عليه وسلم وأسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت [ الأعراف : ١٦٣ ] ، ألم أمسخهم قردة بمعصيتهم . ٩٥البقرة : ٩٥ ولن يتمنوه أبدا . . . . . ثم أخبر عنهم بمعصيتهم ، فقال : ولن يتمنوه أبدا ، يعني ولن يحبوه أبدا ، يعني الموت بما قدمت أيديهم من ذنوبهم وتكذيبهم باللّه ورسوله واللّه عليم بالظالمين [ آية : ٩٥ ] ، يعني اليهود ، فأبوا أن يتمنوه ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ′ لو تمنوا الموت ما قام منهم رجل من مجلسه حتى يغصه اللّه عز وجل بريقه فيموت ′ ، ٩٦البقرة : ٩٦ ولتجدنهم أحرص الناس . . . . . ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا ، أي وأحرص الناس على الحياة من الذين أشركوا ، أي مشركي العرب يودأحدهم ، يعني اليهود لو يعمر في الدنيا ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر فيها واللّه بصير بما يعملون [ آية : ٩٦ ] ، فأبوا أن يتمنوه ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ′ لو تمنوا الموت ما قام منهم رجل من مجلسه حتى يغصه اللّه عز وجل بريقه فيموت ′ . ٩٧البقرة : ٩٧ قل من كان . . . . . فقالت اليهود : إن جبريل لنا عدو ، أمر أن يجعل النبوة فينا ، فجعلها في غيرنا من عداوته إيانا ، فأنزل اللّه عز وجل : قل من كان عدوا لجبريل ، يعني اليهود فإنه نزله على قلبك بإذن اللّه ، يقول جبريل ، عليه السلام : تلاه عليك ليثبت به فؤادك ، يعني قلبك ، نظيرها في الشعراء قوله سبحانه : نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين [ الشعراء : ١٩٣ ، ١٩٤ ] ، ثم قال : مصدقا لما بين يديه ، يعني قرآن محمد صلى اللّه عليه وسلم يصدق الكتب التي كانت قبله وهدى ، أي وهذا القرآن هدى من الضلالة وبشرى لمن آمن به من المؤمنين للمؤمنين [ آية : ٩٧ ] . ٩٨البقرة : ٩٨ من كان عدوا . . . . . من كان عدوا للّه وملائكته ورسله ، يعني بالملائكة جبريل ، ورسله يعني محمدا وعيسى صلى اللّه عليه وسلم ، كفرت اليهود بهم وبجبريل وبميكائيل ، يقول اللّه عز وجل : وجبريل وميكال فإن اللّه عدو للكافرين [ آية : ٩٨ ] ، يعني اليهود . ٩٩البقرة : ٩٩ ولقد أنزلنا إليك . . . . . ولقد أنزلنا إليك آيات بينات ، يعني القرآن ، ثم قال : بينات ، يعني ما فيه من الحلال والحرام وما يكفر بها ، يعني بالآيات إلا الفاسقون [ آية : ٩٩ ] ، يعني اليهود . ١٠٠البقرة : ١٠٠ أو كلما عاهدوا . . . . . قال سبحانه : أوكلما عاهدوا عهدا بينهم وبين النبي صلى اللّه عليه وسلم نبذه فريق منهم من اليهود بل أكثرهم لا يؤمنون [ آية : ١٠٠ ] ، يعني لا يصدقون بالقرآن أنه من اللّه جاء . ١٠١البقرة : ١٠١ ولما جاءهم رسول . . . . . ولما جاءهم ، يعني اليهود رسول من عند اللّه ، يعني محمدا صلى اللّه عليه وسلم ، مصدق لما معهم ، يعني يصدق محمدا أنه نبي رسول معهم في التوراة نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب ، يعني جعل طائفة من اليهود كتاب اللّه ، يعني ما في التوراة من أمر محمد وراء ظهورهم ، فلم يتبعوه ولم يبينوه للناس كأنهم لا يعلمون [ آية : ١٠١ ] بأن محمدا رسول نبي ؛ لأن تصديقه معهم ، نزلت في كعب ابن الأشرف ، وكعب بن أسيد ، وأبي ياسر بن أخطب ، وسعيد بن عمرو والشاعر ، ومالك بن الضيف ، وحيي بن أخطب ، وأبي لبابة بن عمرو . ١٠٢البقرة : ١٠٢ واتبعوا ما تتلوا . . . . . واتبعوا ، يعني اليهود ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان ، يعني ما تلت الشياطين على عهد سليمان وفي سلطانه ، وذلك أن طائفة من الشياطين كتبوا كتابا فيه سحر ، فدفنوه في مصلى سليمان حين خرج من ملكه ، ووضعوه تحت كرسيه ، فلما توفي سليمان ، استخرجوا الكتاب ، ف إن سليمان تملككم بهذا الكتاب به كانت تجئ الريح ، وبه سخرت الشياطين ، فعلموه الناس ، فأبرأ اللّه عز وجل منه سليمان ، وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ، فتركت اليهود كتاب الأنبياء واتبعوا ما قالت من السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ، أي واتبعوا ما أنزل على الملكين ، يعني هاروت وماروت ، وكانا من الملائكة مكانهما في السماء واحد ، ثم قال : ببابل ، أي وهما ببابل ، وإنما سميت بابل ؛ لأن الألسن تبلبلت بها حين ألقى إبراهيم صلى اللّه عليه وسلم في النار ثم قال : وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر ، وذلك أن هاروت وماروت يصنعان من السحر الفرقة فيتعلمون منهما بعد قولهما : فلا تكفر إذا وصفا فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه ، والفرقة أن يؤخذ الرجل عن امرأته ، يقول اللّه عز وجل : وما هم بضارين ، يعني السحرة ، به من أحد ، يعني بالسحر من أحد إلا بإذن اللّه في ضره ويتعلمون ما يضرهم ، فيتعلمون السحر من الشياطين ، والفرقة من هاروت وماروت ولا ينفعهم ثم قال ولقد علموا لمن اشتراه ، يقول : لقد علمت اليهود في التوراة لمن اختار السحر ما له في الآخرة من خلاق ، يقول : ما له في الآخرة من نصيب ، نظيرها في براءة قوله سبحانه : فاستمتعتم بخلاقكم [ التوبة : ٦٩ ] ، وكقوله : أولئك لا خلاق لهم في الآخرة [ آل عمران : ٧٧ ] ، يعني نصيب ولبئس ما شروا ، يقول : باعوا به أنفسهم من السحر لو ، يعني إن كانوا يعلمون [ آية : ١٠٢ ] ، ولكنهم لا يعلمون . كان أبو صالح يروي عن الحسن في قوله تعالى : وما أنزل على الملكين ببابل ، قال : وكان هاروت وماروت مطيعين للّه عز وجل ، هبطا بالسحر ابتلاء من اللّه لخلقه ، وعهد إليهما عهدا أن لا يعلما أحدا سحرا حتى يقولا له مقدمة : إنما نحن فتنة ، يعني محنة وبلوى فلا تكفر ، فإذا أبى عليهما إلا تعليم السحر ، قالا له : اذهب إلى موضع كذا وكذا ، فإنك إذا أتيته وفعلت كذا وكذا ، كنت ساحرا . ١٠٣=========البقرة : ١٠٣ ولو أنهم آمنوا . . . . . ثم قال لليهود : ولو أنهم ءامنوا ، يعني صدقوا بمحمد صلى اللّه عليه وسلم واتقوا الشرك لمثوبة من عند اللّه ، يقول : لكان ثوابهم عند اللّه خير من السحر والكفر لو ، يعني إن كانوا يعلمون [ آية : ١٠٣ ] ، نظيرها في المائدة : قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند اللّه [ المائدة : ٦٠ ] ، يعني ثوابا . ١٠٤البقرة : ١٠٤ يا أيها الذين . . . . . الذين ءامنوا لا تقولوا راعنا ، وذلك أن المؤمنين قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم : راعنا سمك ، كقولهم في الجاهلية بعضهم لبعض ، وراعنا في كلام اليهود الشتم ، فلما سمعت ذلك اليهود من المشركين أعجبهم ، فقالوا مثل ذلك للنبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال رجل من الأنصار ، وهو سعد بن عبادة الأنصاري لليهود : لئن قالها رجل منكم للنبي صلى اللّه عليه وسلم لأضربن عنقه ، فوعظ اللّه عز وجل المؤمنين ، فقال : يا أيها الذين ءامنوا لا تقولوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم : راعنا و لكن وقولوا انظرنا ، قولوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم اسمع منا ، ثم قال : واسمعوا ما تؤمرون به وللكافرين يعني اليهود عذاب أليم [ آية : ١٠٤ ] ، يعني وجيعا . ١٠٥البقرة : ١٠٥ ما يود الذين . . . . . ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ، منهم : قيس بن عمرو ، وعازار بن ينحوم ، وذلك أن الأنصار دعوا خلفاءهم من اليهود إلى الإسلام ، فقالوا للمسلمين : ما تدعون إلى خير مما نحن عليه ، وددنا أنكم على هدى ، وأنه كما تقولون ، فكذبهم اللّه سبحانه ، فقال : ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم واللّه يختص برحمته ، يعني دينه الإسلام من يشاء ، نظيرها في هل أتى : يدخل من يشاء في رحمته [ الإنسان : ٣١ ] ، يعني في دينه الإسلام ، فاختص المؤمنين واللّه ذو الفضل العظيم [ آية : ١٠٥ ] ، فاختصهم لدينه . ١٠٦البقرة : ١٠٦ ما ننسخ من . . . . . ما ننسخ من ءاية أو ننسها ، يعني نبدل من آية فنحولها فيها تقديم ، يقول : نأت بخير منها ، يقول : نأت من الوحي مكانها أفضل منها لكم وأنفع لكم ، ثم قال : أو مثلها ، يقول : أو نأت بمثل ما نسخنا أو ننسها ، يقول : أو نتركها كما هي ، فلا ننسخها ، وذلك أن كفار مكة قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم : إنما تقولت أنت يا محمد هذا القرآن من تلقاء نفسك ، قلت كذا وكذا ، ثم غيرت فقلت كذا وكذا ، فأنزل اللّه عز وجل يعظم نفسه تبارك اسمه : ألم تعلم أن اللّه على كل شيء قدير [ آية : ١٠٦ ] ، من الناسخ والمنسوخ قدير . ١٠٧البقرة : ١٠٧ ألم تعلم أن . . . . . ألم تعلم أن اللّه له ملك السماوات والأرض ، يحكم فيهما ما يشاء ، ويأمر بأمر ، ثم يأمر بغيره ، قال سبحانه : وما لكم من دون اللّه من ولي ، يعني قريب ينفعكم ولا نصير [ آية : ١٠٧ ] ، يعني ولا مانع يمنعكم من اللّه لقولهم : إن القرآن ليس من اللّه ، وإنما تقوله محمد صلى اللّه عليه وسلم من تلقاء نفسه ، نظيرها في براءة قوله سبحانه : وإن يتولوا يعذبهم اللّه عذابا أليما في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير [ التوبة : ٧٤ ] ، وقال عز وجل في النحل : وإذا بدلنا آية مكان آية واللّه أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون [ النحل : ١٠١ ] أنك لن تقول إلا ما قيل لك . ١٠٨البقرة : ١٠٨ أم تريدون أن . . . . . أم تريدون أن تسئلوا رسولكم ، يعني يقول : تريدون أن تسألوا محمدا أن يريكم ربكم جهرة كما سئل موسى من قبل محمد ، يعني كما قالت بنو إسرائيل لموسى : أرنا اللّه جهرة ومن يتبدل ، يعني من يشتر الكفر بالإيمان ، يعني اليهود فقد ضل سواء السبيل [ آية : ١٠٨ ] ، يعني قد أخطأ قصد طريق الهدى ، كقوله سبحانه في القصص : عسى ربي أن يهديني سواء السبيل [ القصص : ٢٢ ] ، يعني قصد الطريق . ١٠٩البقرة : ١٠٩ ود كثير من . . . . . ود كثير من أهل الكتاب ، وذلك أن نفرا من اليهود ، منهم : فنحاص ، وزيد بن قيس ، بعد قتال أحد ، دعوا حذيفة ، وعمارا إلى دينهم ، وقالوا لهما : إنكما لن تصيبا خيرا للذي أصابهم يوم أحد من البلاء ، وقالوا لهما : ديننا أفضل من دينكم ، ونحن أهدى منكم سبيلا ، قال لهم عمار : كيف نقض العهد فيكم ؟ شديد ، قال عمار : فإني عهدت ربي أن لا أكفر بمحمد أبدا ، ولا أتبع دينا غير دينه ، فقالت اليهود : أما عمار ، فقد ضل وصبأ عن الهدى بعد إذ بصره اللّه ، فكيف أنت يا حذيفة ؟ ألا تبايعنا ؟ قال حذيفة : اللّه ربي ، ومحمد نبيي ، والقرآن إمامي ، أطيع ربي ، وأقتدي برسولي ، وأعمل بكتاب اللّه ربي حتى يأتيني اليقين على الإسلام ، واللّه السلام ومنه السلام ، ف وإله موسى ، لقد أشربت قلوبكم حب محمد ، فقال عمار : ربي أحمده ، وربي أكرم محمدا ، ومنه اشتق الجلالة ، إن محمدا أحمد هو محمد . ثم أتيا النبي صلى اللّه عليه وسلم فأخبراه ، فقال : ′ ما رددتما عليهما ؟ ′ ، فقالا : قلنا : اللّه ربنا ، ومحمد رسولنا ، والقرآن إمامنا ، اللّه نطيع ، وبمحمد نقتدي ، وبكتاب اللّه نعمل ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ′ أصبتما أخا الخير ، وأفلحتما ′ ، فأنزل اللّه عز وجل يحذر المؤمنين : ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق في التوراة أن محمدا نبي ، ودينه الإسلام ، قال سبحانه : فاعفوا واصفحوا ، يقول : اتركوهم واصفحوا ، يقول : وأعرضوا عن اليهود حتى يأتي اللّه بأمره ، فأتى اللّه عز وجل بأمره في أهل قريظة القتل والسبي ، وفي أهل النضير الجلاء والنفي من منازلهم وجناتهم التي بالمدينة إلى أذرعات وأريحا من أرض الشام إن اللّه على كل شيء قدير [ آية : ١٠٩ ] ، من القتل والجلاء قدير . ١١٠البقرة : ١١٠ وأقيموا الصلاة وآتوا . . . . . وأقيموا الصلاة ، يقول : وأتموها لمواقيتها وءاتوا الزكاة ، يقول : آتوا زكاة أموالكم وما تقدموا لأنفسكم من خير في الصدقة ، ثم قال : تجدوه عند اللّه إن اللّه بما تعملون بصير [ آية : ١١٠ ] ، ١١١البقرة : ١١١ وقالوا لن يدخل . . . . . وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان على ديننا هودا أو نصارى ، يقول اللّه سبحانه : تلك أمانيهم ، يقول : تمنوا على اللّه ، فقال اللّه عز وجل لنبيه صلى اللّه عليه وسلم : قل هاتوا برهانكم ، يعني حجتكم من التوراة والإنجيل إن كنتم صادقين [ آية : ١١١ ] بما تقولون . ١١٢البقرة : ١١٢ بلى من أسلم . . . . . فأكذبهم اللّه عز وجل ، فقال : بلي لكن يدخلها من أسلم وجهه للّه ، يعني أخلص دينه للّه وهو محسن في عمله فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون [ آية : ١١٢ ] عند الموت ، ١١٣البقرة : ١١٣ وقالت اليهود ليست . . . . . وقالت اليهود ، يعني ابن صوريا وأصحابه ، ليست النصارى على شيء من الدين ، فمالك يا محمد والنصارى اتبع ديننا وقالت النصارى ليست اليهود على شيء من الدين ، فمالك يا محمد واليهود ، اتبع ديننا ، يقول اللّه عز وجل : وهم يتلون الكتاب ، يقول : وهم يقرءون التوراة والإنجيل ، يعني يهود المدينة ونصارى نجران كذلك ، يعني هكذا قال الذين لا يعلمون بتوحيد ربهم ، يعني مشركي العرب أن محمدا وأصحابه ليسوا على شيء من الدين ، يقول اللّه : مثل قولهم ، يعني مثل ما قالت اليهود والنصارى بعضهم لبعض ، فذلك قوله سبحانه في المائدة : فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة [ المائدة :١٤ ] ، يقول : فاللّه يحكم بينهم يوم القيامة ، يعني بين مشركي العرب وبين أهل الكتاب فيما كانوا فيه من الدين يختلفون [ آية : ١١٣ ] . ١١٤البقرة : ١١٤ ومن أظلم ممن . . . . . ومن أظلم ، نزلت في الطياخوس بن ببليس الرومي ومن معه من اهل الروم ، يقول : فلا أحد أظلم ممن منع ، يعني نصارى الروم مساجد اللّه ، يعني بيت المقدس أن يصلي فيه أن يذكر فيها اسمه ، يعني التوحيد وسعى في خرابها ، وذلك أن الروم ظهروا على اليهود ، فقتلوهم وسبوهم وخربوا بيت المقدس ، وألقوا فيه الجيف ، وذبحوا فيه الخنازير ، ثم كان على عهد الروم الثانية ططسر بن سناباتوس ، ويقال : اصطفانوس ، فقتلهم وخرب بيت المقدس ، فلم يعمر حتى بناه المسلمون في زمان عمر بن الخطاب ، رضوان اللّه عليه ، يقول اللّه عز وجل : أولئك ، يعني أهل الروم ما كان ينبغي لهم أن يدخلوها ، يعني الأرض المقدسة إذ بعث محمد صلى اللّه عليه وسلم إلا خائفين ، فلا يدخل بيت المقدس اليوم الرومي إلا خائفا متنكرا ، فمن قدر عليه منهم ، فإنه يعاقب ، ثم أخبر عن أهل الروم ، فقال : لهم في الدنيا خزي ، يعني الهوان إن لم تقتل مقاتلتهم وتسب ذراريهم بأيدي المسلمين في ثلاث مدائن : قسطنطينية ، والرومية ، ومدينة أخرى وهي عمورية ، فهذا خزيهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم [ آية : ١١٤ ] من النار ١١٥البقرة : ١١٥ وللّه المشرق والمغرب . . . . . وللّه المشرق والمغرب ، وذلك أن ناسا من المؤمنين كانا في سفر ، فحضرت الصلاة في يوم غيم ، فمنهم من صلى قبل المشرق ، ومنهم من صلى قبل المغرب ، وذلك قبل أن تحول القبلة إلى الكعبة ، فلما طلعت الشمس عرفوا أنهم قد صلوا لغير القبلة ، فقدموا المدينة ، فأخبروا النبي صلى اللّه عليه وسلم بذلك ، فأنزل اللّه عز وجل : وللّه المشرق والمغرب فأينما تولوا تحولوا وجوهكم في الصلاة فثم وجه اللّه فثم اللّه إن اللّه واسع ، لتوسيعه عليهم في ترك القبلة حين جهلوها عليم [ آية : ١١٥ ] بما نووا ، وأنزل اللّه عز وجل : ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب [ البقرة : ١٧٧ ] إلى آخر الآية . ١١٦البقرة : ١١٦ وقالوا اتخذ اللّه . . . . . وقالوا اتخذ اللّه ولدا سبحانه ، إنما نزلت في نصارى نجران السيد والعاقب ومن معهما من الوفد قدموا على النبي صلى اللّه عليه وسلم بالمدينة ، ف عيسى ابن اللّه ، فأكذبهم اللّه سبحانه وعظم نفسه ، تعالى عما يقولون ، فقال : بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون [ آية : ١١٦ ] ، يعني للّه ، يعني من فيهما ، يعني عيسى صلى اللّه عليه وسلم ، وغيره عبيده ، وفي ملكه ، ثم قال : قانتون ، يعني مقرون بالعبودية ، ١١٧البقرة : ١١٧ بديع السماوات والأرض . . . . . ثم عظم نفسه ، فقال : بديع السماوات والأرض ابتدعهما ولم يكونا شيئا وإذا قضى أمرا في علمه أنه كائن فإنما يقول له كن فيكون [ آية : ١١٧ ] ، لا يثنى قوله كفعل المخلوقين ، وذلك أن اللّه عز وجل ، قضى أن يكون عيسى صلى اللّه عليه وسلم في بطن أمه من غير أب ، فقال له ، كن ، فكان . ١١٨البقرة : ١١٨ وقال الذين لا . . . . . وقال الذين لا يعلمون بتوحيد ربهم ، يعني مشركي العرب للنبي صلى اللّه عليه وسلم ، لولا يعنون هلا يكلمنا اللّه يخبرنا بأنك رسوله أو تأتينا ءاية كما كانت الأنبياء تأتيهم الآيات تجئ إلى قومهم ، يقول اللّه : كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم ، يقول : هكذا قالت بنو إسرائيل من قبل مشركي العرب ، فقالوا في سورة البقرة ، والنساء لموسى : أرنا اللّه جهرة [ النساء : ١٥٣ ] ، وأتوا بالآيات وسمعوا الكلام فحرفوه ، فهل هؤلاء إلا مثل أولئك ، فذلك قوله سبحانه : تشابهت قلوبهم ، ثم قال : وإن كذب مشركو العرب بمحمد قد بينا الآيات ، أي فقد بينا الآيات ، فذلك قوله سبحانه في العنكبوت : بل هو آيات ، يعني بيان أمر محمد آيات بينات [ العنكبوت : ٤٩ ] ، يعني واضحات في التوراة أنه أمي لا يقرأ الكتاب ولا يخط بيمينه لقوم يوقنون [ آية : ١١٨ ] ، يعني مؤمني أهل التوراة . ١١٩البقرة : ١١٩ إنا أرسلناك بالحق . . . . . إنا أرسلناك بالحق ، يقول : لم نرسلك عبثا لغير شئ بشيرا ونذيرا ، بشيرا بالجنة ونذيرا من النار ولا تسئل عن أصحاب الجحيم [ آية : ١١٩ ] ، فإن اللّه قد أحصاها عليهم ، ١٢٠البقرة : ١٢٠ ولن ترضى عنك . . . . . ولن ترضى عنك اليهود من أهل المدينة ولا النصارى من أهل نجران حتى تتبع ملتهم ، وذلك أنهم دعوا النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى دينهم وزعموا أنهم على الهدى ، فأنزل اللّه عز وجل : قل لهم : إن هدى اللّه ، يعني الإسلام هو الهدى ، ثم حذر نبيه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال : ولئن اتبعت أهواءهم ، يعني أهل الكتاب على دينهم بعد الذي جاءك من العلم ، وعلم البيان ما لك من اللّه من ولي ، يعني قريب فينفعك ولا نصير [ آية : ١٢٠ ] ، يعني ولا مانع . ١٢١البقرة : ١٢١ الذين آتيناهم الكتاب . . . . . ثم ذكر مؤمني أهل التوراة ، عبد اللّه بن سلام وأصحابه ، فقال عز وجل : الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته ، يعني أعطيناهم التوراة يتلونه ، يعني نعت محمد صلى اللّه عليه وسلم في التوراة حق تلاوته في التوراة ولا يحرفون نعته أولئك يؤمنون به ، يقول : أولئك يصدقون بمحمد ، يعني عبد اللّه بن سلام وأصحابه ، ثم قال : ومن يكفر به ، يعني بمحمد من أهل التوراة فأولئك هم الخاسرون [ آية : ١٢١ ] في العقوبة . ١٢٢البقرة : ١٢٢ يا بني إسرائيل . . . . . يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين [ آية : ١٢٢ ] ، يعني عالمي ذلك الزمان ، يعني عالمي أجدادهم ، يعني بالمن والسلوى والحجر والغمام . ١٢٣البقرة : ١٢٣ واتقوا يوما لا . . . . . واتقوا يوما ، يعني اخشوا يوما يوم القيامة لا تجزي نفس كافرة عن نفس كافرة شيئا من المنفعة ولا يقبل منها عدل ، يعني فداء ولا تنفعها شفاعة ، يعني شفاعة نبي ولا شهيد ولا صديق ولا هم ينصرون [ آية : ١٢٣ ] ، يعني يمتنعون من العذاب ١٢٤البقرة : ١٢٤ وإذ ابتلى إبراهيم . . . . . وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات ، يعني بذلك كل مسألة في القرآن مما سأل إبراهيم من قوله : رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات [ البقرة : ١٢٦ ] ، ومن قوله : ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم [ البقرة : ١٢٨ ] ، وحين قال : ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك [ البقرة : ١٢٩ ] ، وحين قال لقومه حين حاجوه : إني برئ مما تشركون [ الأنعام : ٧٨ ] . وحين قال : إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا [ الأنعام : ٧٩ ] ، وحين ألقى في النار ، وحين أراد ذبح ابنه ، وحين قال : رب هب لي من الصالحين [ الصافات : ١٠٠ ] ، وحين سأل الولد ، وحين قال : واجنبني وبني أن نعبد الأصنام [ إبراهيم : ٣٥ ] ، وحين قال : فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم [ إبراهيم : ٣٧ ] ، وحين قال : ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم [ البقرة : ١٢٧ ] ، وما كان نحو هذا في القرآن ، وما سأل إبراهيم فاستجاب له فأتمهن ، ثم زاده اللّه مما لم يكن في مسألته قال إني جاعلك للناس إماما في الدين يقتدى بسنتك قال إبراهيم : يا رب ومن ذريتي فاجعلهم أئمة قال اللّه : إن في ذريتك الظلمة ، يعني اليهود والنصارى لا ينال عهدي الظالمين [ آية : ١٢٤ ] ، يعني المشركين من ذريتك ، قال : لا ينال طاعتي الظلمة من ذريتك ، ولا أجعلهم أئمة ، أنحلها أوليائي وأجنبها أعدائي . ١٢٥البقرة : ١٢٥ وإذ جعلنا البيت . . . . . وإذ جعلنا البيت مثابة للناس يقولون : يثوبون إليه في كل عام ليقضوا منه وطرا ، ثم قال : وأمنا لمن دخله وعاذ به في الجاهلية ، ومن أصاب اليوم حدا ثم لجأ إليه أمن فيه حتى يخرج من الحرم ، ثم يقام عليه ما أحل بنفسه ، ثم قال : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ، يعني صلاة ، ولم يؤمروا بمسحه ولا تقبيله ، وذلك أنه كان ثلاثمائة وستون صنما في الكعبة ، فكسرها النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ثم قال : وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي من الأوثان ، فلا تذرا حوله صنما ولا وثنا ، يعني حول البيت للطائفين بالبيت من غير أهل مكة والعاكفين ، يعني أهل مكة مقيمين بها ، والركع السجود [ آية : ١٢٥ ] في الصلوات . ١٢٦البقرة : ١٢٦ وإذ قال إبراهيم . . . . . وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا ، يعني مكة ، فقال اللّه عز وجل : نعم ، فحرمه من الخوف وارزق أهله من المقيمين بمكة من الثمرات من آمن منهم باللّه ، يعني من صدق منهم باللّه واليوم الآخر وصدق باللّه أنه واحد لا شريك له ، وصدق بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال ، فأما مكة ، فجعلها اللّه أمنا ، وأما الرزق ، فإن إبراهيم اختص بمسائلته الرزق للمؤمنين قال ومن كفر فأمتعه ، أي قال اللّه عز وجل : والذين كفروا أرزقهم أيضا مع الذين آمنوا ، ولكنها لهم متعة من الدنيا قليلا ثم أضطره ألجئه إن مات على كفره إلى عذاب النار وبئس المصير [ آية : ١٢٦ ] . ١٢٧البقرة : ١٢٧ وإذ يرفع إبراهيم . . . . . وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيات وإسماعيل ، يعني أساس البيت الحرام الذي كان رفع ليالي الطوفان على عهد نوح ، فبناه إبراهيم وإسماعيل على ذلك الأصل ، وأعانهم اللّه عز وجل بسبعة أملاك على البناء ملك إبراهيم ، وملك إسماعيل ، وملك هاجر ، والملك الموكل بالبيت ، وملك الشمس ، وملك القمر ، وملك آخر ، فلما فرغا من بناء البيت ، قالا : ربنا تقبل منا ، يعني بناء هذا البيت الحرام إنك أنت السميع العليم [ آية : ١٢٧ ] لدعائهما : ربنا تقبل منا . ١٢٨البقرة : ١٢٨ ربنا واجعلنا مسلمين . . . . . ثم قالا : ربنا واجعلنا مسلمين لك ، يعني مخلصين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا ، يعني علمنا مناسكنا ، نظيرها : بما أراك اللّه [ النساء : ١٠٥ ] ، يعني بما علمك اللّه ، ونظيرها : ولما يعلم اللّه [ آل عمران : ١٤٢ ] ، يعني يرى اللّه ، ونظيرها أيضا : ويرى الذين أوتوا العلم [ سبأ : ٦ ] ، يعني ويعلم ، ونظيرها : فليعلمن اللّه الذين صدقوا ، يعني وليرين اللّه وليعلمن الكاذبين [ العنكبوت : ٣ ] ، يعني ويرى . وأرنا مناسكنا فنصلي لك وتب علينا ، يعني إبراهيم وإسماعيل أنفسهما ، إنك أنت التواب الرحيم [ آية : ١٢٨ ] ، ففعل اللّه عز وجل ذلك به ، فنزل جبريل عليه السلام ، فانطلق بإيراهيم صلى اللّه عليه وسلم إلى عرفات وإلى المشاعر ليريه ويعلمه كيف يسأل ربه ، فلما أراه اللّه المناسك والمشاعر ، علم أن اللّه عز وجل سيجعل في ذريتهما أمة مسلمة ، كما سألا ربهما ، فقالا عند ذلك : ١٢٩البقرة : ١٢٩ ربنا وابعث فيهم . . . . . ربنا وابعث فيهم ، يعني في ذريتنا رسولا منهم ، يعني محمد صلى اللّه عليه وسلم يتلوا عليهم آياتك ، يعني يقرأ عليهم آيات القرآن ويعلمهم الكتاب ، يقول : يعلمهم ما يتلى عليهم من القرآن ، ثم قال : والحكمة ، يعني الموعظة التي في القرآن من الحلال والحرام ويزكيهم ، يعني ويطهرهم من الشرك والكفر إنك أنت العزيز الحكيم [ آية : ١٢٩ ] ، فاستجاب اللّه له في سورة الجمعة ، فقال : هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته [ الجمعة : ٢ ] إلى آخر الآية . ١٣٠البقرة : ١٣٠ ومن يرغب عن . . . . . ومن يرغب عن ملة إبراهيم ، وذلك أن عبد اللّه بن سلام دعا ابني أخيه سلمة ومهاجرا إلى الإسلام ، فقال لهما : ألستما تعلمان أن اللّه عز وجل قال لموسى : إني باعث نبيا من ذرتة إسماعيل يقال له : أحمد ، يحيد أمته عن النار ، وأنه ملعون من كذب بأحمد النبي ، وملعون من لم يتبع دينه ؟ فأسلم سلمة ، وأبى مهاجر ، ورغب عن الإسلام ، فأنزل اللّه عز وجل : ومن يرغب عن ملة إبراهيم ، يعني الإسلام ، ثم استثنى إلا من سفه نفسه ، يعني إلا من خسر نفسه من أهل الكتاب ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه ، يعني إبراهيم ، يعني اخترناه بالنبوة والرسالة في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين [ آية : ١٣٠ ] ١٣١البقرة : ١٣١ إذ قال له . . . . . إذ قال له ربه أسلم ، يقول : أخلص قال أسلمت ، يعني أخلصت لرب العالمين [ آية : ١٣١ ] ، ١٣٢البقرة : ١٣٢ ووصى بها إبراهيم . . . . . ووصى بها ، يعني بالإخلاص إبراهيم بنيه الأربعة : إسماعيل ، وإسحاق ، ومدين ، ومداين ، ثم وصى بها يعقوب بنيه يوسف وإخواته اثنى عشر ذكرا بنيه ويعقوب يا بني ، أي فقال يعقوب لبنيه الاثنى عشر : إن اللّه عز وجل اصطفي ، يعني اختار لكم الدين ، يعني دين الإسلام فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون [ آية : ١٣٢ ] ، ١٣٣البقرة : ١٣٣ أم كنتم شهداء . . . . . يعني مخلصون بالتوحيد أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت ، وذلك أن اليهود قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم : يا محمد ، ألست تعلم أن يعقوب يوم مات أوصى بنيه بدين اليهودية ، فأنزل اللّه عز وجل : أم كنتم شهداء إذا حضر يعقوب الموت ، قال اللّه عز وجل : إن اليهود لم يشهدوا وصية يعقوب لبنيه إذ قال لبنيه يوسف وإخوته : ما تعبدون من بعدي أي بعد موتي قالوا نعبد إلاهك وإله ءابائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون [ آية : ١٣٣ ] ، يعني مخلصون له بالتوحيد . ١٣٤البقرة : ١٣٤ تلك أمة قد . . . . . يقول : تلك أمة ، يعني عصبة قد خلت لها ما كسبت ، من العمل ، يعني الدين ، يعني إبراهيم وبنيه ، ويعقوب وبنيه ، ثم قال لليهود ولكم ما كسبتم من الدين ولا تسألون عما كانوا يعملون [ آية : ١٣٤ ] أولئك ١٣٥البقرة : ١٣٥ وقالوا كونوا هودا . . . . . وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا ، وذلك أن رءوس اليهود كعب بن الأشرف ، وكعب بن أسيد ، وأبا ياسر بن أخطب ، ومالك بن الضيف ، وعازارا ، وإشماويل ، وخميشا ، ونصارى نجران السيد ، والعاقب ومن معهما ، قالوا للمؤمنين : كونوا على ديننا ، فإنه ليس دين إلا ديننا ، فكذبهم اللّه تعالى ، فقال : قل بل الدين ملة إبراهيم ، يعني الإسلام ، ثم قال : حنيفا ، يعني مخلصا وما كان من المشركين [ آية : ١٣٥ ] ، يعني من اليهود والنصارى . ١٣٦البقرة : ١٣٦ قولوا آمنا باللّه . . . . . ثم أمر اللّه عز وجل المؤمنين ، فقال : قولوا ءامنا باللّه بأنه واحد لا شريك له ، وما أنزل إلينا ، يعني قرآن محمد صلى اللّه عليه وسلم وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ، وهم بنو يعقوب يوسف وإخوته ، فنزل على هؤلاء صحف إبراهيم ، قال : وما أوتي موسى ، يعني التوراة و ما أوتي وعيسى ، يعني الإنجيل ، يقول : ما أنزل على موسى وعيسى وصدقنا وما أوتي النبيون من ربهم ، وأوتي داود وسليمان الزبور لا نفرق بين أحد منهم ، فنؤمن ببعض النبيين ونكفر ببعض ، كفعل أهل الكتاب ونحن له مسلمون [ آية : ١٣٦ ] ، يعني مخلصون ، نظيرها في آل عمران . ١٣٧البقرة : ١٣٧ فإن آمنوا بمثل . . . . . يقول اللّه سبحانه : فإن ءامنوا بمثل ما ءامنتم به ، يقول : فإن صدق أهل الكتاب بالذي صدقتم به يا معشر المسلمين من الإيمان بجميع الأنبياء والكتب فقد اهتدوا من الضلالة وإن تولوا ، أي وإن كفروا بالنبيين وجميع الكتب فإنما هم في شقاق ، يعني في ضلال واختلاف ، نظيرها : وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد [ البقرة : ١٧٦ ] ، يعني لفي ضلال واختلاف ؛ لأن اليهود كفروا بعيسى ومحمد ، صلى اللّه عليهما وسلم ، وبما جاءا به ، وكفرت النصارى بمحمد صلى اللّه عليه وسلم وبما جاء به ، فلما نزلت هذه الآية قرأها النبي صلى اللّه عليه وسلم على اليهود والنصارى ، فقال : ′ إن اللّه عز وجل أمرني أن أوصي بهذه الآية ، فإن أنتم آمنتم ، يعني صدقتم بالنبي صلى اللّه عليه وسلم والكتاب ، فقد اهتديتم ، وإن توليتم وأبيتم عن الإيمان ، فإنما أنتم في شقاق ′ . فلما سمعت اليهود ذكر عيسى صلى اللّه عليه وسلم ، لا نؤمن بعيسى ، وقالت النصارى : وعيسى بمنزلتهم مع الأنبياء ، ولكنه ولد اللّه ، يقول : إن أبوا أن يؤمنوا بمثل ما آمنتم به ، فسيكفيكهم اللّه يا محمد ، يعني أهل الكتاب ، ففعل اللّه عز وجل ذلك ، فقتل أهل قريظة ، وأجلى بني النضير من المدينة إلى الشام وهو السميع العليم [ آية : ١٣٧ ] ، لقولهم للمؤمنين : كونوا هودا أو نصارى تهتدوا ، ١٣٨البقرة : ١٣٨ صبغة اللّه ومن . . . . . ثم قال : العليم بما قل لهم : صبغة اللّه التي صبغ الناس عليها ومن أحسن من اللّه صبغة ، يعني الإسلام ؛ لقولهم للمؤمنين : اتبعوا ديننا ، فإنه ليس دين إلا ديننا ، يقول اللّه عز وجل : دين اللّه ، ومن أحسن من اللّه دينا ؟ يعني الإسلام ونحن له عابدون [ آية : ١٣٨ ] ، يعني موحدون . ١٣٩البقرة : ١٣٩ قل أتحاجوننا في . . . . . قل أتحاجوننا في اللّه ، يقول : أتخاصموننا في اللّه وهو ربنا وربكم ، فقال لهم : ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون [ آية : ١٣٩ ] ، يقول : لنا ديننا ولكم دينكم ، يعني أن يهود أهل المدينة ونصارى أهل نجران قالوا للمؤمنين : إن أنبياء اللّه كانوا منا من بني إسرائيل ، فكانوا على ديننا ، فأنزل اللّه عز وجل يكذبهم : ١٤٠البقرة : ١٤٠ أم تقولون إن . . . . . أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ، وإنما سموا الأسباط ؛ لأنه ولد لكل واحد منهم أمة من الناس كانوا هودا أو نصارى قل لهم يا محمد : ءأنتم أعلم بدينهم أم اللّه ، ثم قال عز وجل : ومن أظلم ، يقول : فلا أحد أظلم ممن كتم شهادة عنده من اللّه وما اللّه بغافل عما تعملون [ آية : ١٤٠ ] ، فكتموا تلك الشهادة التي عندهم ، وذلك أن اللّه عز وجل بين أمر محمد في التوراة والإنجيل ، وكتموا تلك الشهادة التي عندهم ، وذلك قوله : وإذ أخذ اللّه ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس [ آل عمران : ١٨٧ ] ، يعني أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم . ١٤١البقرة : ١٤١ تلك أمة قد . . . . . فلما إن إبراهيم وبنيه ، ويعقوب وبنيه كانوا على ديننا ، قال اللّه تعالى : تلك أمة ، يعني عصبة ، يعني إبراهيم وبنيه ويعقوب وبنيه قد خلت ، يعني قد مضت لها ما كسبت ، يعني من العمل ، يعني من الدين ولكم معشر اليهود والنصارى ما كسبتم من العمل ، يعني من الدين ولا تسألون عما كانوا يعملون [ آية : ١٤١ ] أولئك . ١٤٢البقرة : ١٤٢ سيقول السفهاء من . . . . . سيقول السفهاء من الناس ، وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه كانوا بمكة يصلون ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي ، فلما عرج بالنبي صلى اللّه عليه وسلم إلى السماء ليلا ، أمر بالصلوات الخمس ، فصارت الركعتان للمسافر ، وللمقيم أربع ركعات ، فلما هاجر إلى المدينة لليلتين خلتا من ربيع الأول ، أمر أن يصلي نحو بيت المقدس ؛ لئلا يكذب به أهل الكتاب إذا صلى إلى غير قبلتهم مع ما يجدون من نعته في التوراة ، فصلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه قبل بيت المقدس من أول مقدمة المدينة سبعة عشر شهرا ، وصلت الأنصار قبل بيت المقدس سنتين قبل هجرة النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وكانت الكعبة أحب القبلتين إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال لجبريل ، عليه السلام : ′ وددت أن ربي صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها ′ ، فقال جبريل ، عليه السلام : إنما أنا عبد مثلك لا أملك شيئا ، فاسأل ربك ذلك ، وصعد جبريل إلى السماء ، وجعل النبي صلى اللّه عليه وسلم يديم النظر إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل ، عليه السلام ، بما سأل . فأنزل اللّه عز وجل في رجب عند صلاة الأولى قبل قتال بدر بشهرين : قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ، ولما صرفت القبلة إلى الكعبة ، قال مشركو مكة : قد تردد على أمره واشتاق إلى مولد آبائه ، وقد توجه إليكم وهو راجع إلى دينكم ، فكان قولهم هذا سفها منهم ، فأنزل اللّه عز وجل : سيقول السفهاء من الناس ، يعني مشركي مكة ما ولاهم ، يقول : ما صرفهم عن قبلتهم الأولى التي كانوا عليها قل يا محمد للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم [ آية : ١٤٢ ] ، يعني دين الإسلام ، يهدي اللّه نبيه والمؤمنين لدينه . ١٤٣البقرة : ١٤٣ وكذلك جعلناكم أمة . . . . . وكذلك جعلناكم أمة وسطا ، وذلك أن اليهود منهم مرحب ، ورافع ، وربيعة قالوا لمعاذ : ما ترك محمد قبلتنا إلا حسدا ، وإن قبلتنا قبلة الأنبياء ، ولقد علم محمد أنا عدل بين الناس ، فقال معاذ : إنا على حق وعدل ، فأنزل اللّه عز وجل في قول معاذ : وكذلك ، يعني وهكذا جعلناكم أمة وسطا ، يعني عدلا ، نظيرها في ن والقلم ، قوله سبحانه : قال أوسطهم [ القلم : ٢٨ ] ، يعني أعدلهم ، وقوله سبحانه : من أوسط ما تطعمون أهليكم [ المائدة : ٨٩ ] ، يعني أعدل ، فقول اللّه : وكذلك جعلناكم أمة وسطا ، يعني أمة محمد تشهد بالعدل في الآخرة بين الأنبياء وبين أممهم ، لتكونوا شهداء على الناس ، يعني على الرسل هل بلغت الرسالة عن ربها إلى أممهم ويكون الرسول ، يعني محمد صلى اللّه عليه وسلم عليكم شهيدا ، يعني على أمته أنه بلغهم الرسالة . وما جعلنا القبلة التي كنت عليها ، يعني بيت المقدس إلا لنعلم ، إلا لنرى من يتبع الرسول ، يعني محمدا صلى اللّه عليه وسلم على دينه في القبلة ومن يخالفه من اليهود ، ممن ينقلب على عقبيه ، يقول : ومن يرجع إلى دينه الأول وإن كانت لكبيرة ، يعني القبلة حين صرفها عن بيت المقدس إلى الكعبة ، فعظمت على اليهود ، ثم استثنى فقال : إلا على الذين هدى اللّه فإنه لا يكبر عليهم ذلك وما كان اللّه ليضيع إيمانكم ، وذلك أن حيي بن أخطب اليهودي وأصحابه قالوا للمسلمين : أخبرونا عن صلاتكم نحو بيت المقدس ، أكانت هدى أم ضلالة ، فواللّه لئن كانت هدى لقد تحولتم عنه ، ولئن كانت صلالة لقد دنتم اللّه بها فتقربتم إليه بها ، وإن من مات منكم عليها مات على الضلالة . فقال المسلمون : إنما الهدى ما أمر اللّه عز وجل به ، والضلالة ما نهى اللّه عنه ، فما شهادتكم على من مات منكم على قبلتنا ؟ وكان قد مات قبل أن تحول القبلة إلى الكعبة : أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار بن مالك ابن الخزرج ، من بني النجار ، ومات البراء بن معرور بن صخر بن سنان بن عبيد بن عدي بن سلمة بن سعد بن علي بن شاردة بن زيد بن جشم بن الخزرج ، من بني سلمة ، وكانا من النقباء ، ومات رجال ، فانطلقت عشائرهم ، فقالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم : توفي إخواننا وهم يصلون إلى القبلة الأولى ، وقد صرفك اللّه عز وجل إلى قبلة إبراهيم ، عليه السلام ، فكيف بإخواننا ، فأنزل اللّه عز وجل : وما كان اللّه ليضيع إيمانكم ، يعني إيمان صلاتكم نحو بيت المقدس ، يقول : لقد تقبلت منهم إن اللّه بالناس لرءوف ، يعني يرق لهم رحيم [ آية : ١٤٣ ] حين قبلها منهم قبل تحويل القبلة . ١٤٤البقرة : ١٤٤ قد نرى تقلب . . . . . قد نرى تقلب وجهك في السماء ، يعني نرى أنك تديم نظرك إلى السماء ، فلنولينك ، يعني لنحولنك إلى قبلة ترضاها ؛ لأن الكعبة كانت أحب إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم من بيت المقدس فول ، يعني فحول وجهك شطر ، يعني تلقاء المسجد الحرام وحيث ما كنتم من الأرض فولوا وجوهكم شطره ، يعني فحولوا وجوهكم في الصلاة تلقاءه ، وقد كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يصلي في مسجد بني سلمة ، فصلى ركعة ، ثم حولت القبلة إلى الكعبة ، وفرض اللّه صيام رمضان ، وتحويل القبلة ، والصلاة إلى الكعبة قبل بدر بشهرين ، وحرم الخمر قبل الخندق . وإن الذين أوتوا الكتاب ، يعني أهل التوراة ، وهم اليهود ، منهم الحميس بن عمرو ، قال : يا محمد ، ما أمرت بهذا الأمر ، وما هذا إلا شيء ابتدعته ، يعني في أمر القبلة ، فأنزل اللّه عز وجل : وإن الذين أوتوا الكتاب ، يعني أهل التوراة ليعلمون أنه الحق من ربهم ، بأن القبلة هي الكعبة ، فأوعدهم اللّه ، فقال : وما اللّه بغافل عما يعملون [ آية : ١٤٤ ] ، يعني عما يعملون من كفرهم بالقبلة ، ١٤٥البقرة : ١٤٥ ولئن أتيت الذين . . . . . ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب ، يعني اليهود ، ينحوم بن سكين ، ورافع بن سكين ، ورافع ابن حريملة ، ومن النصارى أهل نجران السيد والعاقب ، فقالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم : ائتنا بآية نعرفها كما كانت الأنبياء تأتي بها ، فأنزل اللّه عز وجل : ولئن أتيت ، يقول : ولئن جئت يا محمد الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك ، يعني الكعبة وما أنت بتابع قبلتهم ، يعني بيت المقدس ، ثم قال : وما بعضهم بتابع قبلة بعض ، يقول : إن اليهود يصلون قبل المغرب لبيت المقدس ، والنصارى قبل المشرق ، فأنزل اللّه عز وجل يحذر نبيه صلى اللّه عليه وسلم ويخوفه : ولئن اتبعت أهواءهم ، فصليت إلى قبلتهم من بعد ما جاءك من العلم ، يعني البيان إنك إذا لمن الظالمين [ آية : ١٤٥ ] . ١٤٦البقرة : ١٤٦ الذين آتيناهم الكتاب . . . . . الذين ءاتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، يعني اليهود منهم : أبو ياسر بن أخطب ، وكعب بن الأشرف ، وكعب بن أسيد ، وسلام بن صوريا ، وكنانة بن أبي الحقيق ، ووهب بن يهوذا ، وأبو نافع ، فقالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم : لم تطوفون بالكعبة ، وإنما هي حجارة مبنية ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ′ إنكم لتعلمون أن الطواف بالبيت حق ، فإنه هو القبلة مكتوب في التوراة والإنجيل ، ولكنكم تكتمون ما في كتاب اللّه من الحق وتجحدونه ، فقال ابن صوريا : ما كتمنا شيئا مما في كتابنا ، فأنزل اللّه عز وجل : الذين ءاتيناهم الكتاب ، يقول : أعطيناهم التوراة يعرفونه ، أي يعرفون البيت الحرام أنه القبلة ، كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ، يعني طائفة من هؤلاء الرءوس ليكتمون الحق ، يعني أمر القبلة وهم يعلمون [ آية : ١٤٦ ] أن البيت هو القبلة . ١٤٧البقرة : ١٤٧ الحق من ربك . . . . . قال سبحانه : الحق من ربك يا محمد إن القبلة التي وليناكها هي القبلة ، فلا ، يعني لئلا تكونن يا محمد من الممترين [ آية : ١٤٧ ] ، يعني من الشاكين أن البيت الحرام هو القبلة ، ١٤٨البقرة : ١٤٨ ولكل وجهة هو . . . . . ولكل وجهة هو موليها ، يقول : لكل أهل ملة قبلة هم مستقبلوها ، يريدون بها اللّه عز وجل فاستبقوا الخيرات ، يقول : سارعوا في الصالحات من الأعمال أين ما تكونوا من الأرض أنتم وأهل الكتاب يأت بكم اللّه جميعا يوم القيامة إن اللّه على كل شيء قدير [ آية : ١٤٨ ] من البعث وغيره قدير . ١٤٩البقرة : ١٤٩ ومن حيث خرجت . . . . . ومن حيث خرجت ، يقول : ومن أين توجهت من الأرض فول وجهك شطر المسجد الحرام ، يقول : فحول وجهك في الصلاة تلقاء المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما اللّه بغافل عما تعملون [ آية : ١٤٩ ] ، ١٥٠البقرة : ١٥٠ ومن حيث خرجت . . . . . ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام ، يعني الحرم كله ، فإنه مسجد كله وحيث ما كنتم من الأرض ، فولوا وجوهكم شطره ، يعني فحولوا وجوهكم تلقاءه ، ثم قال : لئلا يكون للناس عليكم حجة ، يعني اليهود في أن الكعبة هي القبلة ، ولا حجة لهم عليكم في انصرافكم إليها ، ثم استثنى ، فقال : إلا الذين ظلموا منهم ، يعني من الناس ، يعني مشركي العرب ، وذلك أن مشركي مكة إن الكعبة هي القبلة ، فما بال محمد تركها وكانت لهم في ذلك حجة ، يقول اللّه عز وجل : فلا تخشوهم أن يكون لهم عليكم حجة في شيء غيرها واخشوني في ترك أمري في أمر القبلة ، ثم قال عز وجل : ولأتم نعمتي عليكم في انصرافكم إلى الكعبة وهي القبلة ولعلكم ولكي تهتدون [ آية : ١٥٠ ] من الضلالة ، فإن الصلاة قبل بيت المقدس بعد ما نسخت الصلاة إليه ضلالة . قال : حدثنا عبيد اللّه بن ثابت ، قال : حدثنا أبي ، قال الهذيل ، عن ليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الجهم مرثد ، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص ، قال : إنكم ستفتحون قسطنطينية والرومية وحمقلة . قال : حدثنا عبيد اللّه ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن ابن لهيعة ، عن أبي قبيل ، عن عبد اللّه بن عمرو ، قال : إنكم ستفتحون رومية ، فإذا دخلتموها فادخلوا كنيستها الشرقية ، فعدوا سبع بلاطات وأقلعوا الثامنة ، وهي بلاطة حمراء ، فإن تحتها عصا موسى ، وإنجيل عيسى ، وحلي إيلياء ، يعني بيت المقدس ، هذا خزيهم في الدنيا ، ولهم في الآخرة عذاب النار . قال : حدثنا عبيد اللّه ، قال : حدثني أبي ، عن الهذيل بن حبيب ، عن مقاتل ، قال : كل من ملك القبط يسمى قيطوس ، وكل من ملك الروم يسمى قيصر ، وكل من ملك الفرس يسمى كسرى . ١٥١البقرة : ١٥١ كما أرسلنا فيكم . . . . . كما أرسلنا فيكم رسولا منكم ، يعني محمدا صلى اللّه عليه وسلم يتلوا عليكم ءاياتنا القرآن ويزكيكم ، يعني ويطهركم من الشرك والكفر ويعلمكم الكتاب ، يعني القرآن والحكمة ، يعني الحلال والحرام ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون [ آية : ١٥١ ] ، إذا فعلت ذلك بكم ، ١٥٢البقرة : ١٥٢ فاذكروني أذكركم واشكروا . . . . . فاذكروني ، يقول : فاذكروني بالطاعة أذكركم بخير واشكروا لي ولا تكفرون [ آية : ١٥٢ ] ، يقول : اشكروا اللّه عز وجل في هذه النعم لا تكفروا بها ل قوله : كما أرسلنا فيكم رسولا منكم إلى آخر الآية . ١٥٣البقرة : ١٥٣ يا أيها الذين . . . . . يا أيها الذين ءامنوا استعينوا بالصبر والصلاة ، يقول : استعينوا على طلب الآخرة بالصبر على الفرائض والصلوات الخمس في مواقيتها نحو الكعبة ، حين عيرتهم اليهود بترك قبلتهم إن اللّه مع الصابرين [ آية : ١٥٣ ] على الفرائض والصلاة ، ١٥٤البقرة : ١٥٤ ولا تقولوا لمن . . . . . ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل اللّه أموات ، نزلت في قتلى بدر من المسلمين ، وهم أربعة عشر رجلا من المسلمين ، ثمانية من الأنصار ، وستة من المهاجرين ، فمن المهاجرين : عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ، وعمير بن نضلة ، وعقيل بن بكير ، ومهجع ابن عبد اللّه مولى عمر بن الخطاب ، رضي اللّه عنه ، وصفوان بن بيضاء ، فهؤلاء ستة من المهاجرين ، ومن الأنصار : سعد بن خيثمة بن الحارث بن النخاط بن كعب بن غنم بن أسلم بن مالك بن الأوس ، ومبشر بن عبد المنذر ، ويزيد بن الحارث ، وعمر بن الحمام ، ورافع بن المعلى ، وحارثة بن سراقة ، ومعوذ بن عفراء ، وعوف بن عفراء ، وعما ابنا الحارث بن مالك بن سوار ، فهؤلاء ثمانية من الأنصار . وذلك أن الرجل كان يقتل في سبيل اللّه ، مات فلان ، فأنزل اللّه عز وجل : ولا تقولوا معشر المؤمنين لمن يقتل في سبيل اللّه أموات بل أحياء مرزوقون في الجنة عند اللّه ، قال سبحانه : ولكن لا تشعرون [ آية : ١٥٤ ] بأنهم أحياء مرزوقون ، ومساكن أرواح الشهداء سدرة المنتهى في جنة المأوى ، ١٥٥البقرة : ١٥٥ ولنبلونكم بشيء من . . . . . ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ، يعني القحط ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ، يعني قحط المطر وبشر الصابرين [ آية : ١٥٥ ] على هذه البلية بالجنة . ١٥٦البقرة : ١٥٦ الذين إذا أصابتهم . . . . . ثم نعت أهل المصيبة ، فقال : الذين إذا أصابتهم مصيبة ، يعني فيما ذكر من هذه الآية قالوا إنا للّه وإنا إليه راجعون [ آية : ١٥٦ ] ، ١٥٧البقرة : ١٥٧ أولئك عليهم صلوات . . . . . أولئك عليهم صلوات من ربهم ، يعني مغفرة ، كقوله سبحانه : وصل عليهم ، يعني استغفر لهم إن صلاتك ، يعني استغفارك سكن لهم [ التوبة : ١٠٣ ] من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون [ آية : ١٥٧ ] للاسترجاع . ١٥٨البقرة : ١٥٨ إن الصفا والمروة . . . . . إن الصفا والمروة من شعائر اللّه ، وذلك أن الحمس ، وهم : قريش ، وكنانة ، وخزاعة ، وعامر بن صعصعة ، ليست الصفا والمروة من شعائر اللّه ، وكان على الصفا صنم يقال له : نائلة ، وعلى المروة صنم يقال له : يساف في الجاهلية ، إنه حرج علينا في الطواف بينهما ، فكانوا لا يطوفون بينهما ، فأنزل اللّه عز وجل : إن الصفا والمروة من شعائر اللّه ، يقول : هما من أمر المناسك التي أمر اللّه بها فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ، يقول : لا حرج عليه أن يطوف بينهما لقولهم : إن علينا حرجا في الطواف بينهما ، قال سبحانه : ومن تطوع خيرا بعد الفريضة ، فزاد في الطواف فإن اللّه شاكر عليم [ آية : ١٥٨ ] لأعمالكم عليم بها ، وقد طاف إبراهيم الخليل صلى اللّه عليه وسلم بين الصفا والمروة . ١٥٩البقرة : ١٥٩ إن الذين يكتمون . . . . . إن الذين يكتمون ، وذلك أن معاذ بن جبل ، وسعد بن معاذ ، وحارثة بن زيد ، سألوا اليهود عن أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم وعن الرجم وغيره فكتموهم ، يعني اليهود ، منهم : كعب ابن الأشرف ، وابن صوريا ما أنزلنا من البينات ، يعني ما بين اللّه عز وجل في التوراة ، يعني الرجم والحلال والحرام والهدى ، يعني أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم في التوراة ، فكتموه الناس ، يقول اللّه سبحانه : من بعد ما بيناه ، يعني أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم للناس في الكتاب ، يعني لبني إسرائيل في التوراة ، وذلك قوله سبحانه في العنكبوت : وما يجحد بآياتنا ، أي بمحمد صلى اللّه عليه وسلم إلا الظالمون [ العنكبوت : ٤٩ ] ، يعني المكذبون بالتوراة ، وهم أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللاعنون [ آية : ١٥٩ ] ، وذلك أن الكافر يضرب في قبره فيصيح ويسمع صوته الخليقة كلهم ، غير الجن والإنس ، إنما كان يحبس عنا الرزق بذنب هذا ، فتلعنهم الخليقة ، فهم اللاعنون . البقرة : ١٦٠ إلا الذين تابوا . . . . . ثم استثنى مؤمني أهل التوراة ، فقال سبحانه : إلا الذين تابوا من الكفر وأصلحوا العمل وبينوا أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم للناس فأولئك أتوب عليهم ، يعني أتجاوز عنهم وأنا التواب الرحيم ، [ آية : ١٦٠ ] ، ١٦٠البقرة : ١٦٠ إلا الذين تابوا . . . . . ثم ذكر من مات من اليهود على الكفر ، فقال : إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة اللّه و لعنة والملائكة و لعنة والناس أجمعين [ آية : ١٦١ ] ، يعني المؤمنين جميعا ، البقرة : ١٦٢ خالدين فيها لا . . . . . خالدين فيها ، يعني في اللعنة ، واللعنة النار ولا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون [ آية : ١٦٢ ] ، لا يناظر بهم حتى يعذبوا . ١٦٣البقرة : ١٦٣ وإلهكم إله واحد . . . . . ثم قال لأهل الكتاب : وإلاهكم إله واحد ، يقول : ربكم رب واحد ، فوحد نفسه تبارك اسمه لا إله إلا هو الرحمن الرحيم [ آية : ١٦٣ ] . ١٦٤البقرة : ١٦٤ إن في خلق . . . . . إن في خلق السماوات والأرض ، وذلك أن كفار مكة قالوا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ائتنا بآية ، اجعل لنا الصفا ذهبا ، فقال اللّه سبحانه : إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري ، يعني السفن التي في البحر بما ينفع الناس في معايشهم وما أنزل اللّه من السماء من ماء فأحيا به ، يعني بالماء الأرض بعد موتها يبسها وبث فيها ، يعني وبسط من كل دابة وتصريف الرياح في العذاب والرحمة والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون [ آية : ١٦٤ ] ، فيما ذكر من صنعه فيوحدوه . ١٦٥البقرة : ١٦٥ ومن الناس من . . . . . ومن الناس ، يعني مشركي العرب من يتخذ من دون اللّه أندادا ، يعني شركاء ، وهي الآلهة يحبونهم كحب اللّه ، يقول : يحبون آلهتهم كما يحب الذين آمنوا ربهم ، قال سبحانه : والذين ءامنوا أشد حبا للّه منهم لآلهتهم ، ثم أخبر عنهم ، فقال : ولو يرى محمد يوم القيامة الذين ظلموا ، يعني مشركي العرب ستراهم يا محمد في الآخرة إذ يرون العذاب فيعلمون حينئذ أن القوة للّه جميعا وأن اللّه شديد العذاب [ آية : ١٦٥ ] ، ثم أخبر سبحانه عنهم ، فقال : ١٦٦البقرة : ١٦٦ إذ تبرأ الذين . . . . . إذ تبرأ الذين اتبعوا ، يعني القادة من الذين اتبعوا ، يعني الأتباع ورأوا العذاب ، يعني القادة والأتباع وتقطعت بهم الأسباب [ آية : ١٦٦ ] ، يعني المنازل والأرحام التي كانوا يجتمعون عليها من معاصي اللّه ، ويتحابون عليها في غير عبادة اللّه ، انقطع عنهم ذلك وندموا . ١٦٧البقرة : ١٦٧ وقال الذين اتبعوا . . . . . وقال الذين اتبعوا ، أي الأتباع : لو أن لنا كرة ، يعني رجعة إلى الدنيا ، فنتبرأ منهم من القادة كما تبرءوا منا في الآخرة ، وذلك قوله سبحانه : ثم يوم القيامة يكفر ، يعني يتبرأ بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ، كذلك يقول : هكذا يريهم اللّه أعمالهم ، يعني القادة والأتباع حاسرات عليهم ، يعني ندامة وما هم بخارجين من النار [ آية : ١٦٧ ] . ١٦٨البقرة : ١٦٨ يا أيها الناس . . . . . يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ، يعني مما حرموا من الحرث والأنعام ، نزلت في ثقيف ، وفي بني عامر بن صعصعة ، وخزاعة ، وبني مدلج ، وعامر والحارث ابني عبد مناة ، قال سبحانه : ولا تتبعوا خطوات الشيطان ، يعني تزيين الشيطان في تحريم الحرث والأنعام إنه لكم عدو مبين [ آية : ١٦٨ ] ، يعني بين ، ١٦٩البقرة : ١٦٩ إنما يأمركم بالسوء . . . . . إنما يأمركم بالسوء ، يعني بالإثم والفحشاء ، يعني وبالمعاصي ؛ لأنه لكم عدو مبين وأن تقولوا على اللّه بأنه حرم عليكم ما لا تعلمون [ آية : ١٦٩ ] أنتم أنه حرمه . ١٧٠البقرة : ١٧٠ وإذا قيل لهم . . . . . ثم أخبر عنهم ، فقال : وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل اللّه من القرآن في تحليل ما حرموه قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه ءاباءنا من أمر الدين ، فإن آباءنا أمرونا أن نعبد ما كانوا يعبدون ، قل يا محمد : أولو كان ءاباؤهم لا يعقلون شيئا من الدين ولا يهتدون [ آية : ١٧٠ ] به أفتتبعونهم ، ثم ضرب لهم مثلا ، فقال سبحانه : ١٧٠البقرة : ١٧٠ وإذا قيل لهم . . . . . ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق ، يعني الشاة والحمار بما لا يسمع إلا دعاء ونداء ، يعني مثل الكافر كمثل البهيمة إن أمرت أن تأكل أو تشرب سمعت صوتا ولا تعقل ما يقال لها ، فكذلك الكافر الذين يسمع الهدى والموعظة إذا دعى إليها ، فلا يعقل ولا يفهم بمنزلة البهيمة ، يقول : صم ، فلا يسمعون الهدى بكم ، فلا يتكلمون بالهدى عمي ، فلا يبصرون الهدى فهم لا يعقلون [ آية : ١٧١ ] الهدى . ١٧٢البقرة : ١٧٢ يا أيها الذين . . . . . يا أيها الذين ءامنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم من تحليل الحرث والأنعام ، يعني بالطيب الحلال واشكروا للّه إن كنتم إياه تعبدون [ آية : ١٧٢ ] ، ولا تحرموا ما أحل اللّه لكم من الحرث والأنعام ، ١٧٣البقرة : ١٧٣ إنما حرم عليكم . . . . . ثم بين ما حرم ، فقال : إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير اللّه ، يقول : وما ذبح للأوثان فمن اضطر إلى شيء مما حرم اللّه غير باغ استحلاله ولا عاد ، يعني ولا معتديا لم يضطر إليه فلا إثم عليه في أكله إن اللّه غفور لما أكل من الحرام في الاضطرار رحيم [ آية : ١٧٣ ] ، إذ رخص لهم في الاضطرار ، مثلها في الأنعام ، والمضطر يأكل على قدر قوته . ١٧٤البقرة : ١٧٤ إن الذين يكتمون . . . . . إن الذين يكتمون ما أنزل اللّه من الكتاب ، يعني التوراة أنزلت في رءوس اليهود ، منهم : كعب بن الأشرف ، وابن صوريا ، كتموا أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم في التوراة ويشترون به ثمنا قليلا ، يعني عرضا من الدنيا ، ويختارون على الكفر ، بمحمد ثمنا قليلا ، يعني عرضا من الدنيا يسيرا مما يصيبون من سفلة اليهود من المآكل كل عام ، ولو تابعوا محمدا لحبست عنهم تلك المآكل ، فقال اللّه تعالى ذكره : أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم اللّه يوم القيامة ولا يزكيهم ، يقول : ولا يزكي لهم أعمالهم ولهم عذاب أليم ، [ آية : ١٧٤ ] ، يعني وجيع . ثم أخبر عنهم ، فقال سبحانه : ١٧٥البقرة : ١٧٥ أولئك الذين اشتروا . . . . . أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ، يعني باعوا الهدى الذي كانوا فيه من إيمان بمحمد صلى اللّه عليه وسلم قبل أن يبعث بالضلالة التي دخلوا فيها بعدما بعث محمد ، ثم قال : والعذاب بالمغفرة ، أي اختاروا العذاب على المغفرة ، فما أصبرهم على النار [ آية : ١٧٥ ] ، يقول : أي شيء جرأهم على عمل يدخلهم النار ، فما أصبرهم عليها إلا أعمالهم الخبيثة ، ١٧٦البقرة : ١٧٦ ذلك بأن اللّه . . . . . ذلك العذاب الذي نزل بهم في الآخرة بأن اللّه نزل الكتاب ، يعني القرآن بالحق ، يقول : لم ينزل باطلاً لغير شيء ، فلم يؤمنوا به وإن الذين اختلفوا في الكتاب ، يعني في القرآن لفي شقاق بعيد [ آية : ١٧٦ ] ، يعني لفي ضلال بعيد ، يعني طويل . ١٧٧البقرة : ١٧٧ ليس البر أن . . . . . ليس البر أن تولوا وجوهكم ، يعني ليس التقوى أن تحولوا وجوهكم في الصلاة قبل ، يعني تلقاء المشرق والمغرب ، فلا تفعلوا ذلك ولكن البر من ءامن باللّه ، يعني صدق باللّه بأنه واحد لا شريك له واليوم الآخر ، يعني وصدق بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال بأنه كائن والملائكة ، أي وصدق بالملائكة ، والكتاب والنبيين وءاتي المال ، يعني وأعطى المال على حبه له أعطى ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، يعني والضيف نازل عليك و أعطى والسائلين وفي الرقاب ، فهذا تطوع ، قال سبحانه : وأقام الصلاة المكتوبة وءاتى وأعطى الزكاة المفروضة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا فيما بينهم وبين الناس والصابرين في البأساء والضراء ، يعني الفقر ، والضراء يعني البلاء ، وحين البأس ، يعني وعند القتال هم صابرون أولئك الذين صدقوا في إيمانهم ، وأولئك هم المتقون [ آية : ١٧٧ ] . البقرة : ١٧٧ ليس البر أن . . . . . يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى إذا كان عمدا ، وذلك أن حيين من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل ، وكانت بينهم قتلى وجرحى ، حتى قتل العبيد والنساء ، فلم يأخذ بعضهم من بعض الأموال حتى أسلموا ، وكان أحد الحيين له طول على الآخر في العدد والأموال ، فحلفوا ألا نرضى حتى يقتل بالعبد منا الحر منهم ، وبالمرأة منا الرجل منهم ، فأنزل اللّه عز وجل : الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ، فسوى بينهم في الدماء ، وأمرهم بالعدل فرضوا ، فصارت منسوخة نسختها الآية التي في المائدة قوله سبحانه : وكتبنا فيما قضينا عليهم فيها أن النفس بالنفس [ المائدة : ٥٤ ] ، يعني النفس المسلم الحر بالنفس ، المسلم الحر ، والمسلمة الحرة بالمسلمة الحرة فمن عفى له من أخيه شيء . ثم رجع إلى أول الآية في قوله سبحانه : كتب عليكم القصاص في القتلى إذا كان عمدا إذا عفى ولي المقتول عن أخيه القاتل ورضي بالدية فاتباع بالمعروف ، يعني الطالب ليطلب ذلك في رفق ، ثم قال للمطلوب : وأداء إليه بإحسان ، يقول : ليؤدي الدية إلى الطالب عفوا في غير مشقة ولا أذى ذلك العفو والدية تخفيف من ربكم إذ جعل في قتل العمد العفو والدية ، ثم قال : ورحمة ، يعني وتراحموا ، وكان اللّه عز وجل حكم على أهل التوراة أن يقتل القاتل ، ولا يعفى عنه ، ولا يقبل منه الدية ، وحكم على أهل الإنجيل العفو ، ولا يقتل القاتل بالقصاص ، ولا يأخذ ولي المقتول الدية . ثم جعل اللّه عز وجل التخفيف لأمة محمد صلى اللّه عليه وسلم إن شاء ولي المقتول قتل القاتل ، وإن شاء عفا عنه ، وإن شاء أخذ منه الدية ، فكان لأهل التوراة أن يقتل قاتل الخطأ والعمد فرخص اللّه عز وجل لأمة محمد صلى اللّه عليه وسلم ، فذلك قوله سبحانه في الأعراف : ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم [ الأعراف : ١٥٧ ] من التشديدات ، وهم أن يقتل قاتل العمد ولا يعفى عنه ، ولا يؤخذ منه الدية ، ثم قال : فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم [ آية : ١٧٨ ] ، يعني وجيع ، ، فإنه يقتل ، ولا يؤخذ منه دية ، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ′ لا عفو عمن قتل القاتل بعد أخذ الدية ، وقد جعل اللّه له عذابا أليما ′ . قال سبحانه : ١٧٩البقرة : ١٧٩ ولكم في القصاص . . . . . ولكم في القصاص حياة ، يعني بقاء يحجز بعضكم عن بعض يا أولي الألباب ، يعني من كان له لب أو عقل ، فذكر القصاص ، فيحجزه الخوف عن القتل لعلكم ، يعني لكي تتقون [ آية : ١٧٩ ] الدماء مخافة القصاص . ١٨٠البقرة : ١٨٠ كتب عليكم إذا . . . . . كتب عليكم ، يعني فرض عليكم ، نظيرها : كتب عليكم القتال [ البقرة : ٢١٦ ] ، يعني فرض ، نظيرها أيضا : ما كتبناها ، يعني ما فرضناها عليهم [ الحديد : ٢٧ ] ، يعني الرهبانية إذا حضر أحدكم الموت إن ترك بعد موته خيرا ، يعني المال الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف ، يعني تفضيل الوالدين على الأقربين في الوصية ، وليوص للأقربين بالمعروف . والذين لا يرثون يقول اللّه عز وجل تلك الوصية حقا على المتقين [ آية : ١٨٠ ] ، فمن لم يوص لقرابته عند موته ، فقد ختم عمله بالمعصية ، ثم نزلت آية الميراث بعد هذه الآية ، فنسخت للوالدين ، وبقيت الوصية للأقربين الذين لا يرثون ، ما بينه وبين ثلث ماله ، ١٨١البقرة : ١٨١ فمن بدله بعد . . . . . فمن بدله بعدما سمعه ، يقول : من بدل وصية الميت ، يعني الوصي والولي بعدما سمعه من الميت ، فلم يمض وصيته فإنما إثمه على الذين يبدلونه ، عني الوصي والولي وبرئ منه الميت إن اللّه سميع لوصية الميت عليم [ آية : ١٨١ ] بها . ثم قال : ١٨٢البقرة : ١٨٢ فمن خاف من . . . . . فمن خاف ، يعني الوصي من موص ، يعني الميت جنفا ميلا عن الحق خطأ أو إثما تعمدا للجنف ، أي إن جار الميت في وصيته عمدا أو خطأ ، فلم يعدل ، فخاف الوصي أو الولي من جور وصيته فأصلح بينهم بين الورثة بالحق والعدل فلا إثم عليه حين خالف جور الميت إن اللّه غفور للمصلح رحيم [ آية : ١٨٢ ] به إذا رخص في مخالفة جور الميت . ١٨٣البقرة : ١٨٣ يا أيها الذين . . . . . يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام ، وذلك أن لبيد الأنصاري من بني عبد الأشهل كبر فعجز عن الصوم ، فقال للنبي صلى اللّه عليه وسلم : ما على من عجز عن الصوم ، فأنزل اللّه عز وجل : يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام ، يعني فرض عليكم ، نظيرها : كتب عليكم القتال ، يعني فرض عليكم القتال كما كتب ، يعني كما فرض على الذين من قبلكم ، يعني أهل الإنجيل لعلكم تتقون [ آية : ١٨٣ ] ، يعني لكي تتقون الطعام والشراب والجماع ، فمن صلى العشاء الآخرة أو نام قبل أن يصلي العشاء الآخرة ، حرم عليه ما يحرم على الصائم . وكان ذلك على الذين من قبلنا ١٨٤البقرة : ١٨٤ أياما معدودات فمن . . . . . أياما معدودات وهي دون الأربعين ، فإذا كانت فوق الأربعين فلا يقال لهم : معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية ، أي ومن كان يطيق الصوم ، وليس بمريض ولا مسافر ، فإن شاء صام وإن شاء أفطر ، وعليه فدية طعام مسكين ، لكل مسكين نصف صاع حنطة فمن تطوع خيرا ، فزاد على مسكين فأطعم مسكينين أو ثلاثة مكان كل يوم فهو خير له من أن يطعم مسكينا واحدا ، ثم قال : وأن تصوموا خير ، يعني ولأن تصوموا خير لكم من الطعام إن كنتم تعلمون [ آية : ١٨٤ ] ، وكان المؤمنون قبل رمضان يصومون عاشوراء ولا يصومون غيره ، ثم أنزل اللّه عز وجل صوم رمضان بعد ، فنسخ الطعام ، وثبت الصوم ، إلا على من لا يطيق الصوم ، فليفطر وليطعم مكان كل يوم مسكينا نصف صاع حنطة . ١٨٥البقرة : ١٨٥ شهر رمضان الذي . . . . . ثم بين لهم أي شهر يصومون ، فقال عز وجل : شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان ، من اللوح المحفوظ في عشرين شهرا ، وأنزل به جبريل ، عليه السلام ، عشرين سنة ، قال سبحانه : هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ، يعني في الدين من الشبهة والضلالة ، نظيرها في آل عمران [ الآية : ٤ ] : وأنزل الفرقان ، يعني المخرج من الشبهات فمن شهد منكم الشهر فليصمه ، فواجب عليه الصيام ، ولا يطعم ومن كان منكم مريضا أو على سفر ، فلم يصم ، فإذا برئ المريض من مرضه فعدة فليصم عدة من أيام أخر ، إن شاء صام متتابعا ، وإن شاء متقطعا ، وهكذا المسافر يريد اللّه بكم اليسر ، يعني الرفق في أمر دينكم حين رخص للمريض والمسافر في الفطر ولا يريد بكم العسر ، يعني الضيق في الدين ، فلو لم يرخص للمريض والمسافر ، كان عسرا ، ثم قال عز وجل : ولتكملوا العدة يعني تمام الأيام المعدودات ولتكبروا ، يعني لكي تعظموا اللّه على ما هداكم من أمر دينه ولعلكم ، يعني لكي ، تشكرون [ آية : ١٨٥ ] ربكم في هذه النعم إذ هداكم لأمر دينه . ١٨٦البقرة : ١٨٦ وإذا سألك عبادي . . . . . قال سبحانه : وإذا سألك عبادي عني ، وذلك أنه كان في الصوم الأول أن الرجل إذا صلى العشاء الآخرة ، أو نام قبل أن يصليها ، حرم عليه الطعام والشراب والجماع ، كما يحرم بالنهار على الصائم ، ثم إن عمر بن الخطاب ، رضي اللّه عنه ، صلى العشاء الآخرة ، ثم جامع امرأته ، فلما فرغ ندم وبكا ، فلما أصبح أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فأخبره ، فقال : يا نبي اللّه ، إني أعتذر إلى اللّه عز وجل ، ثم إليك من نفسي هذه الخاطئة واقعت أهلي بعد الصلاة ، فهل تجد لي رخصة ، فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم : ′ لم تك جديرا بذلك يا عمر ′ ، فرجع حزينا ، ورأى النبي صلى اللّه عليه وسلم صرمة بن أنس بن صرمة بن مالك ، من بني عدي بن النجار عند العشاء ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ′ يا أبا قيس ، ما لك طليحا ؟ ′ ، فقال : يا رسول اللّه ، ظللت أمس في حديقتي ، فلما أمسيت أتيت أهلي ، وأرادت المرأة أن تطعمني شيئا سخنا ، فأبطأت علي بالطعام ، فرقدت فأيقظتني وقد حرم علي الطعام ، فأمسيت وقد أجهدني الصوم . واعترف رجال من المسلمين عند ذلك بما كانوا يصنعون بعد العشاء ، ف ما توبتنا ومخرجنا مما علمنا ، فأنزل اللّه عز وجل : وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ، أي فأعلمهم أني قريب منهم في الاستجابة أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي بالطاعة وليؤمنوا بي ، يعني وليصدقوا بي ، فإني قريب سريع الإجابة أجيبهم لعلهم يرشدون [ آية : ١٨٦ ] ، يعني لكي يهتدون . ١٨٧البقرة : ١٨٧ أحل لكم ليلة . . . . . ثم قال : أحل لكم ليلة الصيام رخصة للمؤمنين بعد صنيع عمر ، رضي اللّه عنه الرفث ، يعني الجماع إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ، يقول : هن سكن لكم ، وأنتم سكن لهن علم اللّه أنكم كنتم تختانون أنفسكم ، يعني عمر بن الخطاب ، رضي اللّه عنه ، في جماع امرأته فتاب عليكم ، يعني فتجاوز عنكم وعفا عنكم . قوله سبحانه : تختانون أنفسكم بالمعصية ، نظيرها : فخانتاهما [ التحريم : ١٠ ] ، فخالفتاهما ، يعني بالمعصية ، وكقوله سبحانه : ولا تزال تطلع على خائنة منهم [ المائدة : ١٣ ] ، يعني على معصية وعفا عنكم ، يقول : ترككم فلم يعاقبكم فالآن باشروهن ، يعني جامعوهن من حيث أحللت لكم الجماع الليل كله ، وابتغوا من نسائكم ما كتب اللّه لكم من الولد ، يعني واطلبوا ما قضى لكم وأنزل في صرمة بن أنس وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، حتى يتبين لكم وجه الصبح ، يعني بياض النهار من سواد الليل من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ، والخيط الأبيض يعني أول بياض الصبح ، الضوء المعترض قبل المشرق ، والخيط الأسود أول سواد الليل ولا تباشروهن ، نزلت في علي بن أبي طالب ، رضي اللّه عنه ، وعمار بن ياسر ، وأبي عبيدة بن الجراح ، كان أحدهم يعتكف ، فإذا أراد الغائط من السحر رجع إلى أهله بالليل ، فيباشر ويجامع امرأته ويغتسل ويرجع إلى المسجد ، فأنزل اللّه عز وجل : ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ، يقول : لا تجامعوا النساء ليلا ولا نهارا ما دمتم معتكفين ، ثم قال عز وجل : تلك حدود اللّه المباشرة تلك معصية اللّه فلا تقربوها كذلك يبين اللّه آياته ، يعني أمره للناس وأمر الاعتكاف لعلهم ، يعني لكي يتقون [ آية : ١٨٧ ] المعاصي في الاعتكاف . ١٨٨البقرة : ١٨٨ ولا تأكلوا أموالكم . . . . . ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ، يعني ظلما ، وذلك أن امرأ القيس بن عابس ، وعبدان بن أشوع الحضرمي اختصما في أرض ، فكان امرؤ القيس المطلوب ، وعبدان الطالب ، فلم يكن لعبدان بينة ، وأراد امرؤ القيس أن يحلف ، فقرأ النبي صلى اللّه عليه وسلم : ′ إن الذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنا قليلا ′ [ آل عمران : ٧٧ ] ، يعني عرضا يسيرا من الدنيا ، إلى آخر الآية ، فلما سمعها امرؤ القيس كره أن يحلف ، ولم يخاصمه في أرضه ، وحكمه فيها ، فأنزل اللّه عز وجل : ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام ، يقول : لا يدلين أحدكم بخصومة في استحلال مال أخيه ، وهو يعلم أنه مبطل ، فذلك قوله سبحانه : لتأكلوا فريقا ، يعني طائفة من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون [ آية : ١٨٨ ] أنكم تدعون الباطل ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ′ إنما أنا بشر مثلكم ، فلعلى بعضكم أعلم بحجته ، فأقضى له وهو مبطل ′ . ثم قال عليه السلام : ′ أيما رجل قضيت له بمال امرئ مسلم ، فإنما هي قطعة من نار جهنم أقطعها ، فلا تأكلوها ′ . ١٨٩البقرة : ١٨٩ يسألونك عن الأهلة . . . . . قوله سبحانه : يسئلونك عن الأهلة ، نزلت في معاذ بن جبل ، وثعلبة بن غنمة ، وهما من الأنصار ، فقال معاذ : يا رسول اللّه ، ما بال الهلال يبدو مثل الخيط ، ثم يزيد حتى يمتلئ فيستوي ، ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدأ ، فأنزل اللّه عز وجل : يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس في أجل دينهم ، وصومهم ، وفطرهم ، وعدة نسائهم ، والشروط التي بينهم إلى أجل ، ثم قال عز وجل : والحج ، يقول : وقت حجهم والأهلة مواقيت لهم ، وذلك قوله سبحانه : وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ، وذلك أن الأنصار في الجاهلية وفي الإسلام كانوا إذا أحرم أحدهم بالحج أو بالعمرة ، وهو من أهل المدن ، وهو مقيم في أهله لم يدخل منزله من باب الدار ، ولكن يوضع له سلم إلى ظهر البيت فيصعد فيه ، وينحدر منه ، أو يتسور من الجدار ، وينقب بعض بيوته ، فيدخل منه ويخرج منه ، فلا يزال كذلك حتى يتوجه إلى مكة محرما ، وإذا كان من أهل الوبر دخل وخرج من وراء بيته . وأن النبي صلى اللّه عليه وسلم دخل يوما نخلا لبني النجار ، ودخل معه قطبة بن عامر بن حديدة الأنصاري من بني سلمة بن جشم من قبل الجدار ، وهو محرم ، فلما خرج النبي صلى اللّه عليه وسلم من الباب وهو محرم ، خرج قطبه من الباب ، فقال رجل : هذا قطبة خرج من الباب وهو محرم ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ′ ما حملك أن تخرج من الباب وأنت محرم ؟ ′ . قال : يا نبي ، رأيتك خرجت من الباب وأنت محرم ، فخرجت معك ، وديني دينك ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ′ خرجت لأني من أحمس ′ ، فقال قطبة للنبي صلى اللّه عليه وسلم : إن كنت أحمسيا فإني أحمسي ، وقد رضيت بهديك ودينك ، فاستننت بسنتك ، فأنزل اللّه في قول قطبة بن عامر للنبي صلى اللّه عليه وسلم : وليس البر ، يعني التقوى بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى اللّه واتبع أمره ، ثم قال عز وجل : وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا اللّه ولا تعصوه يحذركم لعلكم ، يقول : لكي تفلحون [ آية : ١٨٩ ] ، والحمس قريش ، وكنانة ، وخزاعة ، وعامر بن صعصعة ، الذين لا يسلون السمن ولا يأكلون الأقط ولا يبنون الشعر والوبر . ١٩٠البقرة : ١٩٠ وقاتلوا في سبيل . . . . . وقوله سبحانه : وقاتلوا في سبيل اللّه الذين يقاتلونكم ، وذلك أن اللّه عز وجل نهى النبي صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين عن الشهر الحرام أن يقاتلوا في الحرم إلا أن يبدأهم المشركون بالقتال ، وأن النبي صلى اللّه عليه وسلم بينا هو وأصحابه معتمرون إلى مكة في ذي القعدة ، وهم محرمون عام الحديبية ، والمسلمون يومئذ ألف وأربعمائة رجل ، فصدهم مشركو مكة عن المسجد الحرام وبدأوهم بالقتال ، فرخص اللّه في القتال ، فقال سبحانه : وقاتلوا في سبيل اللّه الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا فتبدأوا بقتالهم في الشهر الحرام وفي الحرم ، فإنه عدوان إن اللّه لا يحب المعتدين [ آية : ١٩٠ ] ، قال سبحانه : ١٩١البقرة : ١٩١ واقتلوهم حيث ثقفتموهم . . . . . واقتلوهم حيث ثقفتموهم ، يعني أين أدركتموهم في الحل والحرم وأخرجوهم من مكة من حيث أخرجوكم ، يعني من مكة والفتنة أشد من القتل ، يعني الشرك أعظم عند اللّه عز وجل جرما من القتل ، نظيرها : ألا في الفتنة سقطوا [ التوبة : ٤٩ ] ، يعني في الكفر وقعوا ، فلما نزلت : واقتلوهم حيث ثقفتموهم ، أنزل اللّه عز وجل بعد : ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام ، يعني أرض الحرم كله ، فنسخت هذه الآية ، ثم رخص لهم حتى يقاتلوكم فيه ، يعني حتى يبدءوا بقتالكم في الحرم فإن قاتلوكم فيه فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين [ آية : ١٩١ ] إن بدأوا بالقتال في الحرم أن يقاتلوا فيه . قال سبحانه : ١٩٢البقرة : ١٩٢ فإن انتهوا فإن . . . . . فإن انتهوا عن قتالكم ووحدوا ربهم فإن اللّه غفور لشركهم رحيم [ آية : ١٩٢ ] بهم في الإسلام ، نظيرها في الأنفال : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله للّه [ الأنفال : ٣٩ ] إلى آخر الآية : ثم قال : ١٩٣البقرة : ١٩٣ وقاتلوهم حتى لا . . . . . وقاتلوهم أبدا حتى لا تكون فتنة ، يقول : حتى لا يكون فيهم شرك فيوحدوا ربهم ولا يعبدوا غيره ، يعني مشركي العرب خاصة ويكون ، يعني ويقوم الدين للّه ، فيوحدوه ولا يعبدوا غيره فإن انتهوا عن الشرك ووحدوا ربهم فلا عدوان ، يعني فلا سبيل إلا على الظالمين [ آية : ١٩٣ ] الذين لا يوحدون ربهم ، نظيرها في القصص : فلا عدوان علي [ القصص : ٢٨ ] ، يعني فلا سبيل علي . ١٩٤البقرة : ١٩٤ الشهر الحرام بالشهر . . . . . الشهر الحرام بالشهر الحرام ، وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم والمسلمين ساروا إلى مكة محرمين بعمرة ، ومن كان معه عام الحديبية ، لست سنين من هجرته إلى المدينة ، فصدهم مشركو مكة ، وأهدى أربعين بدنة ، ويقال : مائة بدنة ، فردوه وحبسوه شهرين لا يصل إلى البيت ، وكانت بيعة الرضوان عامئذ ، فصالحهم النبي صلى اللّه عليه وسلم على أن ينحر الهدى مكانه في أرض الحرم ويرجع في يدخل مكة ، فإذا كان العام المقبل خرجت قريش من مكة ، وأخلوا له مكة ثلاثة أيام ، ليس مع المسلمين سلاح إلا في غمده ، فرجع النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ثم توجه من فوره ذلك إلى خيبر ، فافتتحها في المحرم ، ثم رجع إلى المدينة ، فلما كان العام المقبل ، وأحرم النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه بعمرة في ذي القعدة وأهدوا . ثم أقبلوا من المدينة ، فأخلى لهم المشركون مكة ثلاثة أيام ، وأدخلهم اللّه عز وجل مكة ، فقضوا عمرتهم ونحروا البدن ، فأنزل اللّه عز وجل : الشهر الحرام الذي دخلتم فيه مكة هذا العام بالشهر الحرام ، يعني الذي صدوكم فيه العام الأول والحرمات قصاص ، يعني اقتصصت لك منهم في الشهر الحرام ، يعني في ذي القعدة كما صدوكم في الشهر الحرام ، وذلك أنهم فرحوا وافتخروا حين صدوا النبي صلى اللّه عليه وسلم عن المسجد الحرام ، فأدخله اللّه عز وجل من قابل ، قال سبحانه : فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه ، وذلك أن أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم أهلوا إلى مكة محرمين بعمرة ، فخافوا ألا يفي لهم المشركون بدخول المسجد الحرام ، وأن يقاتلوهم عنده ، فأنزل اللّه عز وجل : فمن اعتدى عليكم فقاتلكم في الحرم فاعتدوا عليه ، يقول : فقاتلوهم فيه ، بمثل ما اعتدى عليكم فيه واتقوا اللّه ، يعني المؤمنين ، ولا تبدءوهم بالقتال في الحرم ، فإن بدأ المشركون فقاتلوهم واعلموا أن اللّه في النصر مع المتقين [ آية : ١٩٤ ] ، الشرك ، فخبرهم أنه ناصرهم . ١٩٥البقرة : ١٩٥ وأنفقوا في سبيل . . . . . قوله سبحانه : وأنفقوا في سبيل اللّه ، وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم والمسلمين ساروا من المدينة إلى مكة محرمين بعمرة في العام الذي أدخله اللّه عز وجل مكة ، فقال ناس من العرب منازلهم حول المدينة : واللّه ما لنا زاد ، وما يطعمنا أحد ، فأمر اللّه عز وجل بالصدقة عليهم ، فقال سبحانه : ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ، أي ولا تكفوا أيديكم عن الصدقة فتهلكوا . وقال رجل من الفقراء : يا رسول اللّه ، ما نجد ما نأكل ، فبأي شيء نتصدق ، فأنزل اللّه عز وجل : وأنفقوا في سبيل اللّه ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ، فإن أمسكتم عنها فهي التهلكة وأحسنوا النفقة في سبيل اللّه إن اللّه يحب المحسنين [ آية : ١٩٥ ] ، يعني من أحسن في أمر النفقة في طاعة اللّه . ١٩٦البقرة : ١٩٦ وأتموا الحج والعمرة . . . . . وأتموا الحج والعمرة للّه من المواقيت ، ولا تستحلوا فيهما ما لا ينبغي لكم ، فريضتان واجبتان ، ويقال : العمرة هي الحج الأصغر ، وتمام الحج والعمرة المواقيت والإحرام خالصا لا يخالطه شيء من أمر الدنيا ، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يشركون في إحرامهم ، فأمر اللّه عز وجل النبي صلى اللّه عليه وسلم والمسلمين أن يتموهما للّه ، فقال : وأتموا الحج والعمرة للّه ، وهو ألا يخلطوهما بشيء ، ثم خوفهم أن يستحلوا منهما ما لا ينبغي ، فقال سبحانه في آخر الآية : واعلموا أن اللّه شديد العقاب فإن أحصرتم ، يقول : فإن حبستم كقوله سبحانه : الذين أحصروا في سبيل اللّه [ البقرة : ٢٧٣ ] ، يعني حبسوا ، نظيرها أيضا : وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا [ الإسراء : ٨ ] ، يعني محبسا يقول : إن حبسكم في إحرامكم بحج أو بعمرة كسر أو مرض أو عدو عن المسجد الحرام فما استيسر من الهدي ، يعني فليقم محرما مكانه ويبعث ما استيسر من الهدى أو بثمن الهدى ، فيشتري له الهدى ، فإذا نحر الهدى عنه ، فإنه يحل من إحرامه مكانه ، ثم قال : ولا تحلقوا رءوسكم في الإحرام حتى يبلغ الهدي محله ، يعني حتى يدخل الهدى مكة ، فإذا نحر الهدى حل من إحرامه فمن كان منكم مريضا ، وذلك أن كعب بن عجرة الأنصاري كان محرما بعمرة عام الحديبية ، فرأى النبي صلى اللّه عليه وسلم على مقدم رأسه قملا كثيرا ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ′ يا كعب ، أيؤذيك هوام رأسك ؟ ′ ، قال : نعم يا نبي اللّه ، فأمره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يحلق ، فأنزل اللّه عز وجل في كعب : فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ، فحلق رأسه ففدية من صيام ، فعليه فدية صيام ثلاثة أيام إن شاء متتابعا ، وإن شاء متقطعا أو صدقة على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من حنطة أو نسك ، يعني شاة أو بقرة أو بعيرا ينحره ، ثم يطعمه المساكين بمكة ، ولا يأكل منه ، وهو بالخيار ، إن شاء ذبح شاة أو بقرة أو بعيرا ، فأما كعب ، فذبح بقرة . فإذا أمنتم من الحبس من العدو عن البيت الحرام فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ، يقول : وهو يريد الحج ، فإن دخل مكة وهو محرم بعمرة في غرة شوال ، أو ذي القعدة ، أو في عشر من ذي الحجة فما استيسر من الهدي ، يعني شاة فما فوقها يذبحها فيأكل . منها ويطعم ، فقال أبو هريرة ، وسلمان ، وأبو العرباض للنبي صلى اللّه عليه وسلم : إنا لا نجد الهدى ، فلنصم ثلاثة أيام ، فأنزل اللّه عز وجل فيهم : فمن لم يجد الهدى فليصم ، فصيام ثلاثة أيام في الحج ، في عشر الأضحى في أول يوم من العشر إلى يوم عرفة ، فإن كان يوم عرفة يوم الثالث ، تم صومه ، ثم قال : وسبعة ، يعني ولتصوموا سبعة أيام إذا رجعتم من منى إلى أهليكم تلك عشرة كاملة ، فمن شاء صام في الطريق ، ومن شاء صام في أهله ، إن شاء متتابعا ، وإن شاء متقطعا ، ثم قال : ذلك التمتع لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا اللّه واعلموا أن اللّه شديد العقاب [ آية : ١٩٦ ] ، يعني من لم يكن منزله في أرض الحرم كله ، فمن كان أهله في أرض الحرم ، فلا متعة عليه ولا صوم . ثم قال عز وجل : ١٩٧البقرة : ١٩٧ الحج أشهر معلومات . . . . . الحج أشهر معلومات ، يقول : من أحرم بالحج ، فليحرم في شوال ، أو في ذي القعدة ، أو في عشر ذي الحجة ، فمن أحرم في سوى هذه الأشهر ، فقد أخطأ السنة ، وليجعلها عمرة ، ثم قال : فمن فرض ، يقول : فمن أحرم فيهن الحج ، أي الحج فلا رفث ، يعني فلا جماع ، كقوله سبحانه : أحل لكم ليلة الصيام الرفث ، يعني الجماع إلى نسائكم [ البقرة : ١٨٧ ] ولا فسوق ، يعني ولا سباب ولا جدال في الحج ، يعني ولا مراء ، كقوله سبحانه : ما يجادل في آيات اللّه [ غافر : ٤ ] ، يعني ما يمارى حتى يغضب وهو محرم ، أو يغضب صاحبه وهو محرم ، فمن فعل ذلك فليطعم مسكينا ، وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أمر في حجة الوداع ، فقال : ′ من لم يكن معه هدى فليحل من إحرامه ، وليجعلها عمرة ′ ، فقالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم : إنا أهللنا بالحج ، فذلك جدالهم للنبي صلى اللّه عليه وسلم . ثم قال عز وجل : وما تفعلوا من خير ، يعني ما نهى من ترك الرفث والفسوق والجدال يعلمه اللّه ، فيجزيكم به ، ثم قال عز وجل : وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ، وذلك أن ناسا من أهل اليمن وغيرهم كانوا يحجون بغير زاد ، وكانوا يصيبون من أهل الطريق ظلما ، فأنزل اللّه عز وجل : وتزودوا من الطعام ما تكفون به وجوهكم عن الناس وطلبهم ، وخير الزاد التقوى ، يقول اللّه تبارك اسمه : التقوى خير زاد من غيره ، ولا تظلمون من تمرون عليه واتقون ولا تعصون يا أولي الألباب [ آية : ١٩٧ ] ، يعني يا أهل اللب والعقل ، فلما نزلت هذه الآية قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ′ تزودوا ما تكفون به وجوهكم عن الناس ، وخير ما تزودتم التقوى ′ . ١٩٨البقرة : ١٩٨ ليس عليكم جناح . . . . . ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يحجون منهم الحاج والتاجر ، فلما أسلموا قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم : إن سوق عكاظ وسوق منى وذي المجاز في الجاهلية كانت تقوم قبل الحج وبعد الحج ، فهل يصلح لنا البيع والشراء في أيام حجنا قبل الحج وبعد الحج ، فأنزل اللّه عز وجل : ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ، في مواسم الحج ، يعني التجارة ، فرخص اللّه سبحانه في التجارة فإذا أفضتم من عرفات بعد غروب ، فاذكروا اللّه تلك الليلة عند المشعر الحرام ، فإذا أصبحتم ، يعني بالمشعر حيث يبيت الناس بالمزدلفة ، فاذكروا اللّه واذكروه كما هداكم لأمر دينه وإن كنتم من قبله من قبل أن يهديكم لدينه لمن الضالين [ آية : ١٩٨ ] ، يعني عن الهدى . ١٩٩البقرة : ١٩٩ ثم أفيضوا من . . . . . ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ، وذلك الحمس ، قريش ، وكنانة ، وخزاعة ، وعامر بن صعصعة ، كانوا يبيتون بالمشعر الحرام ، ولا يخرجون من الحرم خشية أن يقتلوا ، وكانوا لا يقفون بعرفات ، فأنزل اللّه عز وجل فيهم يأمرهم بالوقوف بعرفات ، فقال لهم : ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ، يعني ربيعة ، واليمن كانوا يفيضون من عرفات قبل غروب الشمس ، ويفيضون من جمع إذا طلعت الشمس ، فخالف النبي صلى اللّه عليه وسلم في الإفاضة واستغفروا اللّه لذنوبكم إن اللّه غفور لذنوب المؤمنين رحيم [ آية : ١٩٩ ] بهم . ٢٠٠البقرة : ٢٠٠ فإذا قضيتم مناسككم . . . . . فإذا قضيتم مناسككم بعد أيام التشريق فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم ، وذلك أنهم كانوا إذا فرغوا من المناسك وقفوا بين مسجد منى وبين الجبل يذكر كل واحد منهم أباه ومحاسنه ، ويذكر صنائعه في الجاهليو أنه كان من أمره كذا وكذا ، ويدعو له بالخير ، فقال اللّه عز وجل : فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا اللّه ، كذكر الأبناء الآباء ، فإني فعلت ذلك الخير إلى آبائكم الذين تثنون عليهم ، قال سبحانه : أو أشد ، يعني أكثر ذكرا للّه منكم لآبائكم ، وكانوا إذا قضوا مناسكهم اللّهم أكثر أموالنا ، وأبناءنا ، ومواشينا ، وأطل بقاءنا ، ونزل علينا الغيث ، وأنبت لنا المرعى ، وأصحبنا في سفرنا ، وأعطنا الظفر على عدونا ، ولا يسألون ربهم عن أمر آخرتهم شيئا ، فأنزل اللّه تعالى فيهم : فمن الناس من يقول ربنا آتنا ، يعني أعطنا في الدنيا ، يعني هذا الذي ذكر ، فقال سبحانه : وما له في الآخرة من خلاق [ آية : ٢٠٠ ] ، يعني من نصيب ، نظيرها في براءة : فاستمتعوا بخلاقهم [ التوبة : ٦٩ ] ، يعني بنصيبهم ، فهؤلاء مشركو العرب . فلما أسلموا وحجوا دعوا ربهم ، فقال سبحانه : ٢٠١البقرة : ٢٠١ ومنهم من يقول . . . . . ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار [ آية : ٢٠١ ] ، أي دعوا ربهم أن يؤتيهم في الدنيا حسنة ، يعني الرزق الواسع ، وأن يؤتيهم وفي الآخرة حسنة ، فيجعل ثوابهم الجنة ، وأن يقيهم عذاب النار . ثم أخبر عنهم ، فقال : ٢٠٢البقرة : ٢٠٢ أولئك لهم نصيب . . . . . أولئك لهم نصيب مما كسبوا ، يقول : حظ من أعمالهم الحسنة واللّه سريع الحساب [ آية : ٢٠٢ ] ، يقول : كأنه قد كان ، فهؤلاء المؤمنون . ٢٠٣البقرة : ٢٠٣ واذكروا اللّه في . . . . . واذكروا اللّه في أيام معدودات إذا رميتم الجمار ، يعني أيام التشريق ، والأيام المعلومات يعني يوم النحر ويومين من أيام التشريق بعد النحر ، فكان عمر ، رضى اللّه عنه ، يكبر في قبته بمنى ، فيرفع صوته ، فيسمع أهل مسجد منى فيكبرون كلهم حتى يرتج منى تكبيرا فمن تعجل في يومين ، يعني بعد يوم النحر بيومين ، يقول : من تعجل فنفر قبل غروب الشمس فلا إثم عليه ، يقول : فلا ذنب عليه ، يقول : ذنوبه ، مغفورة ، فمن لم ينفر حتى تغرب الشمس فليقم إلى الغد يوم الثالث ، فيرمي الجمار ، ثم ينفر مع الناس ، قال : ومن تأخر إلى يوم الثالث حتى ينفر الناس فلا إثم عليه ، يقول : لا ذنب عليه ، يقول : ذنوبه مغفورة ، ثم قال : لمن اتقى قتل الصيد واتقوا اللّه ، ولا تستحلوا قتل الصيد في الإحرام واعلموا يخوفهم أنكم إليه تحشرون [ آية : ٢٠٣ ] في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم نظيرها في المائدة : وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما واتقوا اللّه الذي إليه تحشرون [ المائدة : ٩٦ ] فيجزيكم بأعمالكم . ٢٠٤البقرة : ٢٠٤ ومن الناس من . . . . . ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ، نزلت في الأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب بن أبي سلمة الثقفي ، وأمه اسمها ريطة بنت عبد اللّه بن أبي قيس القرشي ، من بني عامر بن لؤي ، وكان عديد بني زهرة ، وكان يأتي النبي صلى اللّه عليه وسلم فيخبره أنه يحبه ويحلف باللّه على ذلك ، ويخبره أنه يتابعه على دينه ، فكان النبي صلى اللّه عليه وسلم يعجبه ذلك ويدنيه في المجلس ، وفي قلبه غير ذلك ، فأنزل اللّه عز وجل : ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد اللّه على ما يقول : يعني يمينه التي حلف باللّه ، و ما في قلبه أن الذي يقول حق وهو ألد الخصام [ آية : ٢٠٤ ] ، يقول : جدلا بالباطل ، كقوله سبحانه : وتنذر به قوما لدا [ مريم : ٩٧ ] ، يعني جدلاء خصماء . ثم أخبر نبيه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال : ٢٠٥البقرة : ٢٠٥ وإذا تولى سعى . . . . . وإذا تولى ، يعني إذا توارى وكان رجلا مانعا جريئا على القتل سعى في الأرض بالمعاصي ؛ ليفسد فيها ، / يعني في الأرض ، ويهلك الحرث والنسل ، يعني كل دابة ، وذلك أنه عمد إلى كديس بالطائف إلى رجل مسلم ، فأحرقه وعقر دابته واللّه لا يحب الفساد [ آية : ٢٠٥ ] ، ٢٠٦البقرة : ٢٠٦ وإذا قيل له . . . . . وإذا قيل له اتق اللّه أخذته العزة بالإثم ، يعني الحمية ، نظيرها في ص آية : ٢ قوله سبحانه : بل الذين كفروا في عزة وشقاق يعني حمية بالإثم فحسبه جهنم شدة عذاب ولبئس المهاد [ آية : ٢٠٦ ] ، وكان الأخنس يسمى أبي بن شريق ، من بني زهرة بن كعب بن لؤي بن غالب ، وإنما سمي الأخنس ؛ لأنه يوم بدر رد ثلاثمائة رجل من بني زهرة عن قتال النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وقال لهم : إن محمدا ابن أختكم ، وأنتم أحق من كف عنه ، فإن كان نبيا لم نقتله ، وإن كان كاذبا كنتم أحق من كف عنه ، فخنس بهم ، فمن ثم سمي الأخنس . ٢٠٧البقرة : ٢٠٧ ومن الناس من . . . . . ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه ، وذلك أن كفار مكة أخذوا عمارا ، وبلالا ، وخبابا ، وصهيبا ، فعذبوهم لإسلامهم حتى يشتموا النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فأما صهيب بن سنان مولى عبد اللّه بن جدعان القرشي ، وكان شخصا ضعيفا ، فقال لأهل مكة : لا تعذبوني ، هل لكم إلى خير ؟ وما هو ؟ قال : أنا شيخ كبير ، لا يضركم إن كنت معكم أو مع غيركم ، لئن كنت معكم لا أنفعكم ، ولئن كنت مع غيركم لا أضركم ، وإن لي عليكم لحقا لخدمتي وجواري إياكم ، فقد علمت أنكم إنما تريدون مالي ، وما تريدون نفسي ، فخذوا مالي واتركوني وديني غير راحلة ، فإن أردت أن ألحق بالمدينة فلا تمنعوني ، فقال بعضهم لبعض : صدق ، خذوا ماله فتعاونوا به على عدوكم ، ففعلوا ذلك ، فاشترى نفسه بماله كله غير راحلة ، واشترط ألا يمنع عن صلاة ، ولا هجرة . فأقام بين أظهرهم ما شاء ، ثم ركب راحلته نهارا حتى أتى المدينة مهاجرا ، فلقيه أبو بكر ، رضي اللّه عنه ، فقال : ربح البيع يا صهيب ، فقال : وبيعك لا يخسر ، فقال أبو بكر ، رضي اللّه عنه : قد أنزل اللّه فيك : ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه واللّه رءوف بالعباد [ آية : ٢٠٧ ] ، يعني للفعل فعل الرومي صهيب بن سنان مولى عبد اللّه بن جدعان بن عمرو بن سعيد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي . قال عبد اللّه بن ثابت : سمعت أبي يقول : سمعت هذا الكتاب من أوله إلى آخره من الهذيل أبي صالح ، عن مقاتل بن سليمان ببغداد درب السدرة سنة تسعين ومائة ، قال : وسمعته من أوله إلى آخره قراءة عليه في المدينة في سنة أربع ومائتين ، وهو ابن خمس وثمانين سنة ، رحمنا اللّه وإياهم . ٢٠٨البقرة : ٢٠٨ يا أيها الذين . . . . . يا أيها الذين ءامنوا ادخلوا في السلم كافة ، وذلك أن عبد اللّه بن سلام ، وسلام بن قيس ، وأسيد وأسد ابنا كعب ، ويامين بن يامين ، وهم مؤمنوا أهل التوراة ، استأذنوا النبي صلى اللّه عليه وسلم في قراءة التوراة في الصلاة ، وفي أمر السبت ، وأن يعملوا ببعض ما في التوراة ، فقال اللّه عز وجل : خذوا سنة محمد صلى اللّه عليه وسلم وشرائعه ، فإن قرآن محمد ينسخ كل كتاب كان قبله ، فقال : ادخلوا في السلم كافة ، يعني في شرائع الإسلام كلها ولا تتبعوا خطوات الشيطان ، يعني تزيين الشيطان ، فإن السنة الأولى بعدما بعث محمد صلى اللّه عليه وسلم ضلالة من خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين [ آية : ٢٠٨ ] ، يعني بين . ٢٠٩البقرة : ٢٠٩ فإن زللتم من . . . . . فإن زللتم ، يعني ضللتم عن الهدى وفعلتم هذا من بعد ما جاءتكم البينات ، يعني شرائع محمد صلى اللّه عليه وسلم وأمره ، ثم حذرهم عقوبته ، فقال : فاعلموا أن اللّه عزيز في نقمته حكيم [ آية : ٢٠٩ ] حكم عليهم العذاب ، ٢١٠البقرة : ٢١٠ هل ينظرون إلا . . . . . هل ينظرون ، يعني ما ينظرون إلا أن يأتيهم اللّه في ظلل من الغمام ، يعني كهيئة الضبابة أبيض والملائكة في غير ظلل في سبعين حجابا من نور عرشه والملائكة يسبحون ، فذلك قوله : ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا [ الفرقان : ٢٥ ] ، يعني وليس بسحاب ، قال سبحانه : وقضي الأمر ، يعني وقع العذاب وإلى اللّه ترجع الأمور [ آية : ٢١٠ ] ، يقول : يصير أمر الخلائق إليه في الآخرة . ٢١١البقرة : ٢١١ سل بني إسرائيل . . . . . سل بني إسرائيل ، يعني يهود المدينة كم ءاتيناهم من آية بينة ، يعني كم أعطيناهم من آية بينة ، يعني حين فرق بهم البحر ، وأهلك عدوهم ، وأنزل عليهم المن والسلوى والغمام والحجر ، فكفروا برب هذه النعم حين كفروا بمحمد صلى اللّه عليه وسلم ، فذلك قوله سبحانه : ومن يبدل نعمة اللّه من بعد ما جاءته ، فخوفهم عقوبته ب قوله : فإن اللّه شديد العقاب [ آية : ٢١١ ] إذا عاقب . ٢١٢البقرة : ٢١٢ زين للذين كفروا . . . . . زين للذين كفروا الحياة الدنيا ، وما بسط لهم فيها من الخير ، نزلت في المنافقين عبد اللّه بن أبي وأصحابه ويسخرون من الذين ءامنوا في أمر المعيشة بأنهم فقراء ، نزلت في عبد اللّه بن ياسر المخزومي ، وصهيب بن سنان ، من بني تيم بن مرة ، وبلال بن رباح مولى أبي بكر ، رضي اللّه عنه ، وخباب بن الأرت مولى ابن أم بهار الثقفي حليف بني زهرة ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق ، رضي اللّه عنه ، وعبد اللّه بن مسعود ، وأبي هريرة الدوسي ، وفي نحوهم من الفقراء ، يقول اللّه عز وجل : والذين اتقوا الشرك ، يعني هؤلاء النفر فوقهم ، يعني فوق المنافقين والكافرين يوم القيامة واللّه يرزق من يشاء بغير حساب [ آية : ٢١٢ ] ، حين يبسط للكافرين الرزق ، ويقدر على المؤمنين يقول : ليس فوقي ملك يحاسبني ، أنا الملك أعطي من شئت بغير حساب حين أبسط للكافرين في الرزق وأقتر على المؤمنين . ٢١٣البقرة : ٢١٣ كان الناس أمة . . . . . كان الناس ، يعني أهل السفينة أمة واحدة ، يعني على ملة الإسلام وحدها ، وذلك أن عبد اللّه بن سلام خاصم اليهود في أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم فبعث اللّه النبيين إبراهيم ، وإسماعيل ، وإسحاق ، ويعقوب ، ولوط بن حران بن آزر ، فبعثهم اللّه مبشرين بالجنة ومنذرين من النار وأنزل معهم الكتاب بالحق ، يعني صحف إبراهيم ؛ ليحكم بين الناس ؛ ليقضي الكتاب فيما اختلفوا فيه من الدين ، فدعا بها إبراهيم وإسحاق قومهما ، ودعا بها إسماعيل جرهم ، فآمنوا به ، ودعا بها يعقوب أهل مصر ، ودعا بها لوط سدوم وعامورا وصابورا ودمامورا ، فلم يسلم منهم غير ابنتيه ريتا وزعوتا ، يقول اللّه عز وجل : وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه ، يعني أعطوا الكتاب من بعد ما جاءتهم البينات ، يعني البيان بغيا بينهم ، يقول : تفرقوا بغيا وحسدا بينهم فهدى اللّه الذين ءامنوا لما اختلفوا فيه ، يقول : حين اختلفوا في القرآن من الحق بإذنه ، يعني التوحيد واللّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم [ آية : ٢١٣ ] ، يعني دين الإسلام ؛ لأن غير دين الإسلام باطل . ٢١٤البقرة : ٢١٤ أم حسبتم أن . . . . . ثم بين للمؤمنين أن لا بد لهم من البلاء والمشقة في ذات اللّه ، فقال سبحانه : أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ، نظيرها في آل عمران قوله سبحانه : أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم اللّه [ آل عمران : ١٤٢ ] ، وفي العنكبوت : الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون [ العنكبوت : ١ ، ٢ ] ، وذلك أن المنافقين قالوا للمؤمنين في قتال أحد : لم تقتلون أنفسكم وتهلكون أموالكم ، فإنه لو كان محمد بيننا لم يسلط عليكم القتل ، فرد المؤمنون عليهم ، ف قال اللّه : من قتل منا دخل الجنة ، فقال المنافقون : لم تمنون أنفسكم بالباطل ؟ فأنزل اللّه عز يوم أحد : أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ، نزلت في عثمان بن عفان وأصحابه ، رحمهم اللّه . يقول اللّه عز وجل : ولما يأتكم مثل ، يعني سنة الذين خلوا من قبلكم من البلاء ، يعني مؤمني الأمم الخالية ، ثم أخبر عنهم ليعظ أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال سبحانه : مستهم ، يعني أصابتهم البأساء ، يعني الشدة ، وهي البلاء ، والضراء ، يعني البلاء وزلزلوا ، يعني وخوفوا حتى يقول الرسول وهو اليسع والذين ءامنوا معه ، وهو حزقيا الملك حين حضر القتال ومن معه من المؤمنين ، متى نصر اللّه ، فقال اللّه عز وجل : ألا إن نصر اللّه قريب [ آية : ٢١٤ ] ، يعني سريع ، وإن ميشا بن حزقيا قتل اليسع ، واسمه اشعيا . ٢١٥البقرة : ٢١٥ يسألونك ماذا ينفقون . . . . . يسئلونك ماذا ينفقون من أموالهم ، وذلك أن اللّه أمر بالصدقة ، فقال عمرو بن الجموح الأنصاري من بني سلمة بن جشم بن الخزرج ، قتل يوم أحد ، رضي اللّه عنه ، قال : يا رسول اللّه ، كم ننفق ؟ وعلى من ننفق ؟ فأنزل اللّه عز وجل في قول عمرو : كم ننفق ؟ وعلى من ننفق ؟ : يسئلونك ماذا ينفقون من الصدقة قل ما أنفقتم من خير من مال ، كقوله سبحانه إن ترك خيرا [ البقرة : ١٨٠ ] ، يعني مالا ، فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل ، فهؤلاء موضع نفقة أموالكم ، وما تفعلوا من خير من أموالكم فإن اللّه به عليم [ آية : ٢١٥ ] ، يعني بما أنفقتم عليم . وأنزل في قول عمرو : يا رسول اللّه ، كم ننفق من أموالنا ؟ وعلى من ننفق ؟ قول اللّه عز وجل : قل العفو ، يعني فضل قوتك ، فإن كان الرجل من أصحاب الذهب والفضة أمسك الثلث وتصدق بسائره ، وإن كان من أصحاب الزرع والنخل أمسك ما يكفيه في سنته وتصدق بسائره ، وإن كان ممن يعمل بيده أمسك ما يكفيه يومه ذلك وتصدق بسائره ، فبين اللّه عز وجل ما ينفقون في هذه الآية ، فقال : قل العفو ، يعني فضل القوت كذلك يعظكم هكذا يبين اللّه لكم الآيات ، يعني أمر الصدقات لعلكم تتفكرون [ البقرة : ٢١٩ ] ، يقول لكي تتفكروا في أمر الدنيا ، فتقولون : هي دار بلاء ، وهي دار فناء ، ثم تتفكروا في الآخرة فتعرفون فضلها ، فتقولون : هي دار خير ، ودار بقاء ، فتعملون لها في أيام حياتكم ، فهذا التفكر فيهما ، فشق على الناس حين أمرهم أن يتصدقوا بالفضل ، حتى نزلت آية الصدقات في براءة ، فكان لهم الفضل وإن كثر إذا أدوا الزكاة . ٢١٦البقرة : ٢١٦ كتب عليكم القتال . . . . . قوله سبحانه : كتب عليكم القتال ، يعني فرض عليكم ، ك قوله : كتب عليكم الصيام ، يعني فرض وهو كره لكم ، يعني مشقة لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ، فيجعل اللّه عاقبته فتحا وغنيمة وشهادة وعسى أن تحبوا شيئا ، يعني القعود عن الجهاد وهو شر لكم ، فيجعل اللّه عاقبته شر ، فلا تصيبون ظفرا ولا غنيمة واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون [ آية : ٢١٦ ] ، أي واللّه يعلم من ذلك ما لا تعلمون . ٢١٧البقرة : ٢١٧ يسألونك عن الشهر . . . . . يسئلونك عن الشهر الحرام ، وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم بعث عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب على سرية في جمادى الآخرة قبل قتال بدر بشهرين ، على رأس ستة عشر شهرا ، بعد قدوم النبي صلى اللّه عليه وسلم المدينة ، فلما ودع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فاضت عيناه ، ووجد من فراق النبي صلى اللّه عليه وسلم بعد أن عقد له اللواء ، فلما رأى النبي صلى اللّه عليه وسلم وجده ، بعث مكانه عبد اللّه ابن جحش الأسدي من بني غنم بن دودان ، وأمه عمة النبي صلى اللّه عليه وسلم أميمة بنت عبد المطلب ، وهو حليف لبني عبد شمس ، وكتب له كتابا ، وأمره أن يتوجه قبل مكة ، ولا يقرأ الكتاب حتى يسير ليلتين ، فلما سار عبد اللّه ليلتين ، قرأ الكتاب ، فإذا فيه : سر باسم اللّه إلى بطن نخلة ، على اسم اللّه وبركته ، ولا تكرهن أحد من أصحابك على السير ، وامض لأمري ومن اتبعك منهم ، فترصد بها عير قريش ، فلما قرأ الكتاب استرجع عبد اللّه ، واتبع استرجاعه بسمع وطاعة اللّه عز وجل ولرسوله صلى اللّه عليه وسلم . ثم قال عبد اللّه لأصحابه : من أحب منكم أن يسير معي فليسر ، ومن أحب أن يرجع فليرجع ، وهم ثمانية رهط من المهاجرين : عبد اللّه بن جحش الأسدي ، وسعد بن أبي وقاص الزهري ، وعتبة بن غزوان المزني حليف لقريش ، وأبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، وسهل بن بيضاء القرشي ، ويقال : سهل من بني الحارث بن فهد ، وعامر بن ربيعة القرشي من بني عدي بن كعب ، وواقد بن عبد اللّه التميمي ، فرجع من القوم سعد ابن أبي وقاص ، وعتبة بن غزوان ، وسار عبد اللّه ومعه خمسة نفر وهو سادسهم ، فلما قدموا لبطن نخلة بين مكة والطائف ، حملوا على أهل العير ، فقتلوا عمر بن الحضرمي القرشي ، قتله واقد بن عبد اللّه التميمي ، رماه بسهم ، فكان أول قتيل في الإسلام من المشركين ، وأسروا عثمان بن عبد اللّه بن المغيرة ، والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة المخزومي ، فغديا بعد ذلك في المدينة ، وأفلتهم نوفل بن عبد اللّه بن المغيرة المخزومي على فرس له جواد أنثى ، فقدم مكة من الغد ، وأخبر الخبر مشركي مكة ، وكرهوا الطلب ؛ لأنه أول يوم من رجب ، وسار المسلمون بالأسارى والغنيمة حتى قدموا المدينة ، ف يا نبي اللّه ، أصبناالقوم نهارا ، فلما أمسينا رأينا هلال رجب ، فما ندري أصبناهم في رجب أو في آخر يوم من جمادى الآخرة . وأقبل مشركو مكة على مسلميهم ، ف يا معشر الصباة ، ألا ترون أن إخوانكم استحلوا القتال في الشهر الحرام ، وأخذوا أسارانا وأموالنا ، وأنتم تزعمون أنكم على دين اللّه ، أفوجدتم هذا في دين اللّه حيث أمن الخائف ، وربطت الخيل ، ووضعت الأسنة ، وبدأ الناس لمعاشهم ، فقال المسلمون : اللّه ورسوله اعلم ، وكتب مسلمو مكة إلى عبد اللّه بن جحش أن المشركين عابونا في القتال ، وأخذ الأسرى والأموال في الشهر الحرام ، فاسأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ألنا في ذلك متكلم ، أو أنزل اللّه بذلك قرآنا ، فدفع عبد اللّه بن جحش الأسدي الكتاب إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فأنزل اللّه عز وجل : يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير ، ولم يرخص فيه القتال . ثم قال : وصد عن سبيل اللّه ، يعني دين الإسلام وكفر به أي وكفر باللّه و صد عن والمسجد الحرام وإخراج أهله منه من عند المسجد الحرام ، فذلك صدهم ، وذلك أنهم أخرجوا النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه من مكة أكبر عند اللّه ، فهذا أكبر عند اللّه من القتل والأسر وأخذ الأموال ، قال سبحانه : والفتنة ، يعني الإشراك الذي أنتم فيه أكبر عند اللّه من القتل ، ثم أخبر عز وجل عن رأى مشركي العرب في المسلمين ، فقال سبحانه : ولا يزالون يقاتلونكم ، يعني مشركي مكة حتى يردوكم يا معشر المؤمنين عن دينكم الإسلام إن استطاعوا ، ثم خوفهم ، فقال : ومن يرتدد منكم عن دينه الإسلام ، يقول : ومن ينقلب كافرا بعد إيمانه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت ، يعني بطلت أعمالهم الخبيثة ، فلا ثواب لهم في الدنيا و لا في والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون [ آية : ٢١٧ ] ، يعني لا يموتون . ٢١٨البقرة : ٢١٨ إن الذين آمنوا . . . . . فكتب عبد اللّه بن جحش إلى مسلمي أهل مكة بهذه الآية ، وكتب إليهم أن عيروكم ، فعيروهم بما صنعوا ، وقال عبد اللّه بن جحش وأصحابه : أصبنا القوم في رجب ، فنرجو أن يكون لنا أجر المجاهدين في سبيل اللّه ، فأنزل اللّه عز وجل : إن الذين ءامنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه أولئك يرجون رحمت اللّه واللّه غفور رحيم [ آية : ٢١٨ ] . الذين ءامنوا والذين هاجروا إلى المدينة وجاهدوا المشركين في سبيل اللّه أولئك يرجون رحمت اللّه ، يعني جنة اللّه ، نظيرها في آل عمران قوله سبحانه : وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة اللّه [ آل عمران : ١٠٧ ] ، يعني ففي جنة اللّه ؛ لقولهم للنبي صلى اللّه عليه وسلم : هل لنا أجر المجاهدين في سبيل اللّه . واللّه غفور رحيم ؛ لاستحلالهم القتل والأسر والأموال في الشهر الحرام ، فكانت هذه أول سرية ، وأول غنيمة ، وأول خمس ، وأول قتيل ، وأول أسر كان في الإسلام ، فأما نوفل بن عبد اللّه الذي أفلت يومئذ ، فإنه يوم الخندق ضرب بطن فرسه ليدخل الخندق على المسلمين في غزوة الأحزاب ، فوقع في الخندق ، فتحطم هو وفرسه ، فقتله اللّه تعالى ، وطلب المشركون جيفته بثمن ، فقال صلى اللّه عليه وسلم : ′ خذوه ، فإنه خبيث الجيفة ، خبيث الدية ′ . ٢١٩البقرة : ٢١٩ يسألونك عن الخمر . . . . . يسئلونك عن الخمر والميسر ، يعني القمار ، نزلت في عبد الرحمن بن عوف ، وعمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، ونفر من الأنصار ، رضي اللّه عنهم ، وذلك أن الرجل كان يقول في الجاهلية : أين أصحاب الجزور ، فيقوم نفر ، فيشترون الجزور ، فيجعلون لكل رجل منهم سهم ، ثم يقرعون ، فمن خرج سهمه يبرأ من الثمن ، حتى يبقى آخرهم رجلا ، فيكون ثمن الجزور كله عليه وحده ، ولا حق له في الجزور ، ويقتسم الجزور بقيتهم بينهم ، فذلك المسير ، قال سبحانه : قل فيهما إثم كبير ، في ركوبهما ؛ لأن فيهما ترك الصلاة ، وترك ذكر اللّه عز وجل ، وركوب المحارم ، ثم قال سبحانه : ومنافع للناس ، يعني بالمنافع اللذة والتجارة في ركوبهما قبل التحريم ، فلما حرمهما اللّه عز وجل ، قال : وإثمهما بعد التحريم أكبر من نفعهما قبل التحريم ، وأنزل اللّه عز وجل تحريمهما بعد هذه الآية بسنة ، والمنفعة في الميسر أن بعضهم ينتفع به ، وبعضهم يخسر ، يعني المقامر ، وإنما سمي الميسر ؛ لأنهم يسروا لنا ثمن الجزور ، يقول الرجل : افعل كذا وكذا . ويسئلونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين اللّه لكم الآيات لعلكم تتفكرون [ آية : ٢١٩ ] ، ٢٢٠البقرة : ٢٢٠ في الدنيا والآخرة . . . . . في الدنيا والآخرة ويسئلونك عن اليتامى ، وذلك أن اللّه عز وجل أنزل في أموال اليتامى : إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا [ النساء : ١٠ ] ، فلما نزلت هذه الآية ، أشفق المسلمون من خلطة اليتامى ، فعزلوا بيت اليتيم وطعامه وخدامه على حدة مخافة العذر ، فشق ذلك على المسلمين ، وعلى اليتامى اعتزالهم ، فقال ثابت بن رفاعة للنبي صلى اللّه عليه وسلم : قد سمعنا ما أنزل اللّه عز وجل في اليتامى فعزلناهم ، والذي لهم ، وعزلنا الذي لنا ، فشق ذلك علينا وعليهم ، وليس كلنا يجد سعة في عزل اليتيم وطعامه وخادمه ، فهل يصلح لنا خلطتهم ، فيكون البيت والطعام واحد والخدمة وركوب الدابة ، ولا نرزأهم شيئا ، إلا أن نعود عليهم بأفضل منه ، فأنزل اللّه عز وجل في قول ثابت بن رفاعة الأنصاري : ويسئلونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير ، يقول : ما كان لليتيم في صلاح ، فهو خير أن تفعلوه . قال سبحانه : إن تخالطوهم في المسكن والطعام والخدمة وركوب الدابة ، فإخوانكم ، فهم إخوانكم واللّه يعلم المفسد ، لمال اليتيم من المصلح لماله ولو شاء اللّه لأعنتكم ، يقول : لآثمكم في دينكم ، نظيرها في براءة قوله سبحانه : عزيز عليه ما عنتم [ التوبة : ١٢٨ ] ، يقول : ما أثمتم ، فحرم عليكم خلطتهم في الذي لهم ، كتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير ، فلم تنتفعوا بشيء منه إن اللّه عزيز في ملكه حكيم [ آية : ٢٢٠ ] ، يعني ما حكم في أموال اليتامى . ٢٢١البقرة : ٢٢١ ولا تنكحوا المشركات . . . . . ولا تنكحوا المشركات ، نزلت في أبي مرثد الغنوي ، واسمه أيمن ، وفي عناق القرشية ، وذلك أن أبا مرثد كان رجلا صالحا ، وكان المشركون أسروا أناسا بمكة ، وكان أبو مرثد ينطلق إلى مكة مستخفيا ، فإذا كان الليل أخذ الطريق ، وإذا كان النهار تعسف الجبال ؛ لئلا يراه أحد ، حتى يقدم مكة ، فيرصد المسلمين ليلا ، فإذا أخرجهم المشركون للبراز ، تركوهم عند البراز والغائط ، فينطلق أبو مرثد ، فيجعل الرجل منهم على عنقه حتى إذا أخرجه من مكة كسر قيده بفهر ويلحقه بالمدينة ، كان ذلك دأبه ، فانطلق يوما حتى انتهى إلى مكة ، فلقيته عناق ، وكان يصيب منها في الجاهلية ، فقالت : أبا مرثد ، ما لك في حاجة ، فقال : إن اللّه عز وجل قد حرم الزنا . فلما أيست منه أنذرت به كفار مكة ، فخرجوا يطلبونه ، فاستتر منهم بالشجر ، فلم يقدروا عليه ، فلما رجعوا احتمل بعض المسلمين حتى أخرجه من مكة ، فكسر قيده ، ورجع إلى المدينة ، فأتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فأخبره بالخبر ، فقال : والذي بعثك بالحق ، لو شئت أن آخذهم وأنا مستتر بالشجرة لفعلت ، فقال له الني صلى اللّه عليه وسلم : اشكر ربك أبا مرثد ، إن اللّه عز وجل حجزهم عنك ، فقال أبو مرثد : يا رسول اللّه ، إن عناق أحبها ، وكان بيني وبينها في الجاهلية ، أفتأذن لي في تزويجها ، فإنها لتعجبني ، فأنزل اللّه عز وجل : ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ، يصدقن بتوحيد اللّه ولأمة مؤمنة ، يعني مصدقة بتوحيد اللّه خير من مشركة ولو أعجبتكم ؛ ل قوله : إنها لتعجبني ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار واللّه يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون [ آية : ٢٢١ ] . ٢٢٢البقرة : ٢٢٢ ويسألونك عن المحيض . . . . . ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى ، يعني قذر ، نزلت في عمرو بن الدحداح الأنصاري ، من قضاعة ، فلما نزلت هذه الآية لم يؤاكلوهن في إناء واحد ، وأخرجوهن من البيوت والفرش كفعل العجم ، فقال ناس من العرب للنبي صلى اللّه عليه وسلم : قد شق علينا اعتزال الحائض ، والبرد شديد ، فإن آثرناهم بالثياب هلك سائر البيت ، وإن آثرنا أهل البيت هلكت النساء بردا ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ′ إنكم لم تؤمروا أن تعزلوهن من البيوت ، إنما أمرتم باعتزال الفرج إذا حضن ، ويؤتين إذا طهرن ′ وقرأ عليهم : فاعتزلوا النساء في في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن ، يعني يغتسلن فإذا تطهرن ، يعني اغتسلن من المحيض فأتوهن من حيث أمركم اللّه ، أي يؤتين غير حيض في فروجهن التي نهى عنها في الحيض إن اللّه يحب التوابين من الذنوب ويحب المتطهرين [ آية : ٢٢٢ ] من الأحداث والجنابة والحيض . ٢٢٣البقرة : ٢٢٣ نساؤكم حرث لكم . . . . . نساؤكم حرث لكم ، وذلك أن حيي بن أخطب ونفرا من اليهود قالوا للمسلمين : إنه لا يحل لكم جماع النساء إلا مستلقيات ، وإنا نجد في كتاب اللّه عز وجل أن جماع المرأة غير مستلقية ذنبا عند اللّه عز وجل ، فقال المسلمون لرسول اللّه : إنا كنا في الجاهلية وفي الإسلام نأتي النساء على كل حال ، فزعمت اليهود أنه ذنب عند اللّه عز وجل إلا مستلقيات ، فأنزل اللّه عز وجل : نساؤكم حرث لكم ، يعني مزرعة للولد ، فأتوا حرثكم أنى شئتم في الفروج وقدموا لأنفسكم من الولد واتقوا اللّه يعظكم ، فلا تقربوهن حيضا ، ثم حذرهم ، فقال سبحانه : واعلموا أنكم ملاقوه ، فيجزيكم بأعمالكم وبشر المؤمنين [ آية : ٢٢٣ ] ، يعني المصدقين بأمر اللّه ونهيه بالجنة . ٢٢٤البقرة : ٢٢٤ ولا تجعلوا اللّه . . . . . ولا تجعلوا اللّه عرضة لأيمانكم ، نزلت في أبي بكر الصديق ، رضي اللّه عنه ، وفي ابنه عبد الرحمن ، حلف أبو بكر ، رضي اللّه عنه ، ألا يصله حتى يسلم ، وذلك أن الرجل كان إذا حلف ، قال : لا يحل إلا إبرار القسم ، فأنزل اللّه عز وجل : ولا تجعلوا اللّه عرضة لأيمانكم ، يقول : لا يحلف على ما هو في معصية إلا يصل قرابته ، وذلك أن الرجل يحلف أن لا يدخل على جاره ، ولا يكلمه ، ولا يصلح بين إخوانه ، والرجل يريد الصلح بين الرجلين ، فيغضبه أحدهما أو يتهمه ، فيحلف المصلح أن لا يتكلم بينهما ، قال اللّه عز وجل : لا تحلفوا ألا تصلوا القرابة : أن تبروا وتتقوا اللّه وتصلحوا بين الناس ، فهو خير لكم من وفاء باليمين في معصية اللّه واللّه سميع لليمين ؛ لقولهم : حلفنا عليها عليم [ آية : ٢٢٤ ] ، يقول : عالم بها ، كان هذا قبل أن تنزل الكفارة في المائدة . ٢٢٤البقرة : ٢٢٥ لا يؤاخذكم اللّه . . . . . لا يؤاخذكم اللّه باللغو في أيمانكم ، وهو الرجل يحلف على أمر يرى أنه فيه صادق وهو مخطئ ، فلا يؤاخذه اللّه بها ، ولا كفارة عليه فيها ، فذلك العفو ، ثم قال عز وجل : ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ، يعني بما عقدت قلوبكم من المأثم ، يعني اليمين الكاذبة التي حلف عليها ، وهو يعلم أنه فيها كاذب ، فهذه فيها كفارة واللّه غفور ، يعني ذا تجاوز عن اليمين التي حلف عليها حليم [ آية : ٢٢٥ ] ، حين لا يوجب فيها الكفارة . ٢٢٦البقرة : ٢٢٦ للذين يؤلون من . . . . . ثم نزلت الكفارة في سورة المائدة ، فبين فيها للذين يؤلون ، يعني يقسمون من نسائهم ، فهو الرجل يحلف أن لا يقرب امرأته تربص أربعة أشهر فإن فاءو ، يعني فإن رجع في يمينه فجامعها قبل أربعة أشهر ، فهي امرأته ، وعليه أن يكفر عن يمينه ، فإن اللّه غفور لهذه اليمين رحيم [ آية : ٢٢٦ ] به ، إذ جعل اللّه عز وجل الكفارة فيها ؛ لأنه لم يكن أنزل الكفارة في المائدة ، ثم نزلت بعد ذلك الكفارة في المائدة . ٢٢٧البقرة : ٢٢٧ وإن عزموا الطلاق . . . . . وإن عزموا الطلاق ، يعني فإن حققوا الطلاق ، يعني أنفذوا في السراح ، فلم يجامعها أربعة أشهر بانت منه بتطليقه فإن اللّه سميع ليمينه عليم [ آية : ٢٢٧ ] ، يعني عالم بها . ٢٢٨البقرة : ٢٢٨ والمطلقات يتربصن بأنفسهن . . . . . والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ، يعني ثلاث حيض إذا كانت ممن تحيض ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهن من الولد إن كن يؤمن باللّه ، يعني يصدقن باللّه بأنه واحد لا شريك له واليوم الآخر ، يصدقن بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال بأنه كائن ، ثم قال عز وجل : وبعولتهن أحق بردهن في ذلك ، يقول : الزوج أحق برجعتها وهي حبلى ، نزلت في إسماعيل الغفاري وفي امرأته لم تشعر بحبلها ، قال سبحانه : إن أرادوا إصلاحا ، يعني بالمراجعة فيما بينهما ، فعمد إسماعيل فراجعها وهي حبلى ، فولدت منه ، ثم ماتت ومات ولدها ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ، يقول : لهن من الحق على أزواجهن مثل ما لأزواجهن عليهن ، ثم قال سبحانه : وللرجال عليهن درجة ، يقول : لأزواجهن عليهن فضيلة في الحق وبما ساق إليها من الحق واللّه عزيز في ملكه حكيم [ آية : ٢٢٨ ] ، يعني حكم الرحمة عليها في الحبل . ٢٢٩البقرة : ٢٢٩ الطلاق مرتان فإمساك . . . . . ثم نسختها الآية التي بعدها ، فأنزل اللّه بعد ذلك بأيام يسيرة ، فبين للرجل كيف يطلق المرأة ، وكيف تعتد ، فقال : الطلاق مرتان فإمساك بمعروف ، يعني بإحسان ، أو تسريح بإحسان ، يعني التطليقة الثالثة في غير ضرار ، كما أمر اللّه سبحانه في وفاء المهر ولا يحل لكم إذا أردتم طلاقها أن تأخذوا مما ءاتيتموهن شيئا ، وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته ، أخرجها من بيته ، فلا يعطيها شيئا من المهر ، ثم استثنى ورخص ، فقال سبحانه : إلا أن يخافا ألا يقيما حدود اللّه ، يعني أمر اللّه عز وجل فيما أمرهما ، وذلك أن تخاف المرأة الفتنة على نفسها ، فتعصى اللّه فيما أمرها زوجها ، أو يخاف الزوج أن لم تطعه امرأته أن يعتدى عليها ، يقول سبحانه : فإن خفتم ، يعني علمتم ألا يقيما ، يعني الحاكم حدود اللّه ، يعني أمر اللّه في أنفسهما إن نشزت عليه فلا جناح عليهما ، يعني الزوج والزوجة فيما افتدت به من شيء ، يقول : لا حرج عليهما إذا رضيا أن تفتدى منه ويقبل منها الفدية ثم يفترقا ، وكانت نزلت في ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري من بني الحارث بن الخزرج ، وفي امرأته أم حبيبة بنت عبد اللّه بن أبي رأس المنافقين ، وكان أمهرها حديقة فردتها عليه ، واختلعت منه ، فهي أول خلعة كانت في الإسلام ، ثم قال : تلك حدود اللّه ، يعني أمر اللّه فيهما فلا تعتدوها ومن يتعد حدود اللّه ، يقول : ومن يخالف أمر اللّه إلى غيره فأولئك هم الظالمون [ آية : ٢٢٩ ] لأنفسهم . ٢٣٠البقرة : ٢٣٠ فإن طلقها فلا . . . . . ثم رجع إلى الآية الأولى في قوله : الطلاق مرتان فإن طلقها بعد التطليقتين تطليقة أخرى ، سواء أكان بها حبل أم لا فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فيجامعها ، فنسخت هذه الآية الآية التي قبلها في قوله عز وجل وبعولتهن أحق بردهن في ذلك ، ونزلت فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره في تميمة بنت وهب بن عتيك النقرى ، وفي زوجها رفاعة بن عبد الرحمن بن الزبير ، وتزوجها عبد الرحمن بن الزبير القرظي ، يقول : فإن طلقها الزوج الأخير عبد الرحمن فلا جناح عليهما ، يعني الزوج الأول رفاعة ، ولا على المرأة تميمة أن يتراجعا بمهر جديد ونكاح جديد إن ظنا ، يعني إن حسبا أن يقيما حدود اللّه أمر اللّه فيما أمرهما ، وتلك حدود اللّه ، يعني أمر اللّه في الطلاق ، يعني ما ذكر من أحكام الزوج والمرأة في الطلاق وفي المراجعة يبينها لقوم يعلمون [ آية : ٢٣٠ ] . ٢٣١البقرة : ٢٣١ وإذا طلقتم النساء . . . . . وإذا طلقتم النساء واحدة فبلغن أجلهن ، يعني انقضاء عدتهن من قبل أن تغتسل من قرئها الثالث فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ، يعني بإحسان من غير ذرار ، فيوفيها المهر والمتعة ، نزلت في ثابت بن ياسر الأنصاري في الطعام والكسوة وغير ذلك ، فقال سبحانه : ولا تمسكوهن ضرارا ، وذلك أنه طلق امرأته ، فلما أرادت أن تبين منه راجعها ، فما زال يضارها بالطلاق ويراجعها ، يريد بذلك أن يمنعها من الزواج لتفتدي منه ، فذلك قوله سبحانه : لتعتدوا ، وكان ذلك عدوانا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ، ولا تتخذوا ءايات اللّه هزوا ، يعني استهزاء فيما أمر اللّه عز وجل في كتابه من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، ولا تتخذوها لعبا ، واذكروا ، يعني واحفظوا نعمت اللّه عليكم بالإسلام و احفظوا وما أنزل اللّه عليكم من الكتاب ، يعني القرآن والحكمة والموعظة التي في القرآن من أمره ونهيه ، يقول : يعظكم به ، يعني بالقرآن واتقوا اللّه ، يعظكم فلا تعصوه فيهن ، ثم حذرهم ، فقال : واعلموا أن اللّه بكل شيء من اعمالكم عليم [ آية : ٢٣١ ] ، فيجزيكم بها . ٢٣٢البقرة : ٢٣٢ وإذا طلقتم النساء . . . . . وإذا طلقتم النساء تطليقة واحدة فبلغن أجلهن ، يقول : انقضت عدتهن ، نزلت في أبي البداح بن عاصم بن عدي الأنصاري ، من بني العجلان الأنصاري ، وهو حي من قضاعة ، وفي امرأته جمل بنت يسار المزني ، بانت منه بتطليقه ، فأراد مراجعتها ، فمنعها أخوها ، وقال : لئن فعلت لا أكلمك أبدا ، أنكحتك وأكرمتك وآثرتك على قومي فطلقتها ، وأجحفت بها ، واللّه لا أزوجكها أبدا ، فقال اللّه عز وجل ، يعني معقل : فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ، يعني فلا تمنعوهن أن يراجعهن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ، يعني بمهر جديد ونكاح جديد ذلك الذي ذكر من النهى ألا يمنعها من الزوج ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن باللّه واليوم الآخر ، يعني يصدق باللّه بأنه واحد لا شريك له ، ويصدق بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال ، فليفعل ما أمره اللّه عز وجل من المراجعة ذلكم أزكى لكم ، يعني خير لكم من الفرقة ، وأطهر لقلوبكم من الريبة واللّه يعلم حب كل واحد منهما لصاحبه وأنتم لا تعلمون [ آية : ٢٣٢ ] ذلك منهما . فلما نزلت هذه الآية ، قال صلى اللّه عليه وسلم : ′ يا معقل ، إن كنت تؤمن باللّه واليوم الآخر ، فلا تمنع أختك فلانا ′ ، يعني أبا البداح ، قال : فإني أنا أؤمن باللّه واليوم الآخر ، وأشهدك أني قد أنكحته . ٢٣٣البقرة : ٢٣٣ والوالدات يرضعن أولادهن . . . . . والوالدات يرضعن أولادهن ، يعني إذا طلقن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ، يعني يكمل الرضاعة ، وليس الحولان بالفريضة ، فمن شاء أرضع فوق الحولين ، ومن شاء قصر عنهما ، ثم قال : وعلى المولود له إذا طلق امرأته وله ولد رضيع ترضعه أمه ، فعلى الأب رزق الأم والكسوة رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها ، يعني إلا ما أطاقت من النفقة والكسوة ، قال سبحانه : لا تضار والدة بولدها ، يقول : لا يجعل بالرجل إذا طلق امرأته أن يضارها ، فينزع منها ولدها وهي لا تريد ذلك ، فيقطعه عن أمه ، فيضارها بذلك بعد أن ترضى بعطية الأب من النفقة والكسوة . ثم ذكر الأم ، فقال : ولا مولود له بولده ، يعني لا يجمل بالمرأة أن تضار زوجها وتلقى إليه ولدها ، ثم قال في التقديم : وعلى الوارث مثل ذلك ، يقول : وعلى من يرث اليتيم إذا مات الأب مثل ما على الأب من النفقة والكسوة لو كان حيا ، فلا يضار الوارث الأم ، وهي بمنزلة الأب إذا لم يكن لليتيم ماله فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور ، يقول : واتفقا فلا جناح عليهما ، يعني لا حرج ما لم يضار أحدهما صاحبه أن يفصلا الولد قبل الحولين ، والأم أحق بولدها من المرضع إذا رضيت من النفقة والكسوة بما يرضي به غيرها ، فإن لم ترض الأم بما يرضى به غيرها من النفقة فلا جناح عليهما ، يقول عز وجل : فلا جناح على الوالد أن يسترضع لولده ، ويسلم للظئر أجرها ، ولا كسوة لها ، ولا رزق ، وإنما هو أجرها ، قوله سبحانه : وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم لأمر اللّه في المراضع ما ءاتيتم بالمعروف ، يقول : ما أعطيتم الظئر من فضل على أجرها واتقوا اللّه ولا تعصوه فيما حذركم اللّه في هذه الآية من أمر المضارة والكسوة والنفقة للأم وأجر الظئر ، ثم حذرهم ، فقال : واعلموا أن اللّه بما تعملون بصير [ آية : ٢٣٣ ] . ٢٣٤البقرة : ٢٣٤ والذين يتوفون منكم . . . . . والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا من يوم يموت زوجها فإذا بلغن أجلهن ، يعني إذا مضى الأجل مما ذكر في هذه الآية ، فلا جناح عليكم في قراءة ابن مسعود : لا حرج عليهن ′ فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف ، يعني لا حرج على المرأة إذا نقضت عدتها أن تتشوف وتتزين وتلتمس الأزواج واللّه بما تعملون خبير [ آية : ٢٣٤ ] من أمر العدة . ٢٣٥البقرة : ٢٣٥ ولا جناح عليكم . . . . . ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء ، يعني لا حرج على الرجل أن يقول للمرأة قبل أن تنقضي عدتها : إنك لتعجبينني ، وما أجاوزك إلى غيرك ، فهذا التعريض أو أكننتم في أنفسكم ، فلا جناح عليكم أن تسروا في قلوبكم تزويجهن في العدة علم اللّه أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا ، يعني الجماع في العدة ، ثم استثنى ، فقال : إلا أن تقولوا قولا معروفا عدة حسنة ، نظيرها في النساء : وقولوا لهم قولا معروفا [ النساء : ٨ ] ، يعني عدة حسنة ، فتقول : وهي في العدة ، إنه حبيب إلى أن أكرمك وأن آتى ما أحببت ولا أجاوزك إلى غيرك ولا تعزموا عقدة النكاح ، يعني ولا تحققوا عقدة النكاح ، يعني لا تواعدوهن في العدة حتى يبلغ الكتاب أجله ، يعني حتى تنقضي عدتها ، ثم خوفهم ، فقال سبحانه : واعلموا أن اللّه يعلم ما في أنفسكم ، يعني ما في قلوبكم من أمورهن فاحذروه ، أي فاحذروا أن ترتكبوا في العدة ما لا يحل واعلموا أن اللّه غفور ، يعني ذا تجاوز لكم حليم [ آية : ٢٣٥ ] لا يعجل بالعقوبة . ٢٣٦البقرة : ٢٣٦ لا جناح عليكم . . . . . لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ، يقول : وإن لم تسموا لهن المهر ، فلا حرج في الطلاق في هذه الأحوال كلها ، وهو الرجل يطلق امرأته قبل أن يجامعها ولم يسم لها مهرا ، فلا مهر لها ، ولا عدة عليها ، ولا المتعة بالمعروف ويجبر الزوج على متعة هذه المرأة التي طلقها قبل أن يسمى لها مهرا ، وليس بمؤقت ، نزلت في رجل من الأنصار تزوج امرأة من بني حنيفة ، ولم يسم لها مهرا ، ثم طلقها قبل أن يمسها ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ′ هل متعتها بشيء ′ ؟ ، قال : لا ، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ′ متعها بقلنسوتك ، أما إنها لا تساوي شيئا ، ولكن أحببت أن أحيي سنة ′ ، فذلك قوله عز وجل : ومتعوهن على الموسع قدره في المال وعلى المقتر قدره في المال ، متاعا بالمعروف وليس بمؤقت ، وهو واجب حقا على المحسنين [ آية : ٢٣٦ ] . ٢٣٧البقرة : ٢٣٧ وإن طلقتموهن من . . . . . ثم إن النبي صلى اللّه عليه وسلم كساه ثوبين بعد ذلك ، فتزوج امرأة فأمهرها أحد ثوبيه ، ثم قال سبحانه : وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ، يعني من قبل الجماع وقد فرضتم لهن من المهر فريضة فنصف ما فرضتم عليكم من المهر ، ثم استثنى ، فقال : إلا أن يعفون ، يعني إلا أن يتركن ، يعني المرأة تترك نصف مهرها ، فتقول المرأة : أما إنه لم يدخل بي ولم ينظر لي إلى عورة ، فتعفو عن نصف مهرها وتتركه لزوجها ، وهي بالخيار ، ثم قال : أو بعفوا الذي بيده عقدة النكاح ، يعني الزوج ، فيوفيها المهر كله ، فيقول : كانت في حبالي ومنعتها من الأزواج ، فيعطيها المهر كله ، وهو بالخيار ، ثم قال : وأن تعفوا ، يعني ولأن تعفوا أقرب للتقوى ، يعني المرأة والزوج كلاهما أمرهما أن يأخذا بالفضل في الترك ، ثم قال عز وجل : ولا تنسوا ، يعني المرأة والزوج ، يقول : لا تتركوا الفضل بينكم في الخير حين أمرها أن تترك نصف المهر للزوج ، وأمر الزوج أن يوفيها المهر كله إن اللّه بما تعملون بصير [ آية : ٢٣٧ ] ، يعني بصيرا أن ترك أو وفاها . ٢٣٨البقرة : ٢٣٨ حافظوا على الصلوات . . . . . حافظوا على الصلوات الخمس في مواقيتها والصلاة الوسطى ، يعني صلاة العصر وقوموا للّه قانتين [ آية : ٢٣٨ ] في صلاتكم ، يعني مطيعين ، نظيرها : وكانت من القانتين [ التحريم : ١٢ ] ، يعني من المطيعين ، وكقوله سبحانه : إن إبراهيم كان أمة قانتا [ النحل : ١٢٠ ] ، يعني مطيعا ، وكقوله سبحانه : قانتات [ النساء : ٣٤ ] ، يعني مطيعات ، وذلك أن أهل الأوثان يقومون في صلاتهم عاصين ، قال اللّه : قوموا أنتم مطيعين ، ٢٣٩البقرة : ٢٣٩ فإن خفتم فرجالا . . . . . فإن خفتم العدو فصلوا فرجالا أو ركبانا ، يقول : على أرجلكم أو على دوابكم ، فصلوا ركعتين حيث كان وجهه إذا كان الخوف شديدا ، فإن لم يستطع السجود ، فليومئ برأسه إيماء ، وليجعل السجود أخفض من الركوع ، ولا يجعل جبهته على شيء ، قال سبحانه : فإذا أمنتم العدو ، فاذكروا اللّه ، يقول : فصلوا للّه كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون [ آية : ٢٣٩ ] . ٢٤٠البقرة : ٢٤٠ والذين يتوفون منكم . . . . . والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول ، يعني بالمتاع أن ينفق عليها في الطعام والكسوة سنة ما لم تتزوج ، قال : غير إخراج ، يقول : لا تخرج من بيت زوجها سنة وهي كارهة فإن خرجن إلى أهلهن طائعة قبل الحلول ، فلا نفقة لها ، فعدتها ثلاثة قروء ، يقول : فلا جناح عليكم في قراءة ابن مسعود : ′ فلا جناح عليهن ′ في ما فعلن في أنفسهن من معروف ، يعني بالمعروف ، يعني أن تتشوف وتتزين وتلتمس الأزواج واللّه عزيز حكيم [ آية : ٢٤٠ ] ، عزيز في ملكه ، حكيم فيما حكم من النفقة حولا ، نزلت في حكيم بن الأشرف ، قدم الطائف ومات بالمدينة وله أبوان وأولاد ، فأعطى النبي صلى اللّه عليه وسلم الميراث الوالدين ، وأعطى الأولاد بالمعروف ، ولم يعط امرأته شيئا . غير أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أمر بالنفقة عليها في الطعام والكسوة حولا ، فإن كانت المرأة من أهل المدر ، التمست السكنى فيما بينها وبين الحول ، وإن كانت من أهل الوبر نسجت ما تسكن فيه إلى الحول ، فكان هذا قبل أن تنزل آية المواريث ، ثم نزل : ٢٤١البقرة : ٢٤١ وللمطلقات متاع بالمعروف . . . . . والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا نسخت هذه الحول ، ثم أنزل اللّه عز وجل آية المواريث ، فجعل لهن الربع والثمن ، فنسخت نصيبها من الميراث نفقة سنة ، ثم قال : وللمطلقات اللاتي دخل بهن متاع بالمعروف ، يعني على قدر مال الزوج ، ولا يجبر الزوج على المتعة ؛ لأن لها المهر كامل حقا على المتقين [ آية : ٢٤١ ] أن يمتع الرجل امرأته ، ٢٤٢البقرة : ٢٤٢ كذلك يبين اللّه . . . . . كذلك يبين اللّه لكم ءاياته ، يقول : هكذا يبين اللّه لكم أمره في المتعة لعلكم ، يعني لكي تعقلون ، [ آية : ٢٤٢ ] . ٢٤٣البقرة : ٢٤٣ ألم تر إلى . . . . . ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم من بني إسرائيل ألوف ثمانية آلاف حذر الموت ، يعني حذر القتل ، وذلك أن نبيهم حزقيل بن دوم ، وهو ذو الكفل بن دوم ، ندبهم إلى قتال عدوهم ، فأبوا عليه جبنا عن عدوهم واعتلوا ، ف إن الأرض التي نبعث إليها لنقاتل عدونا ، هي أرض يكون فيها الطاعون ، فأرسل اللّه عز وجل عليهم الموت ، فلما رأوا أن الموت كثر فيهم ، خرجوا من ديارهم فرارا من الموت ، فلما رأى ذلك حزقيل ، قال : اللّهم رب يعقوب وإله موسى ، قد ترى معصية عبادك ، فأرهم آية في أنفسهم حتى يعلموا أنهم لن يستطيعوا فرارا منك ، فأمهلهم اللّه عز وجل حتى خرجوا من ديارهم ، وهي قرية تسمى دامردان . فلما خرجوا قال اللّه عز وجل لهم : فقال لهم اللّه موتوا عبرة لهم ، فماتوا جميعا وماتت دوابهم كموت رجل واحد ثمانية أيام ، فخرج إليهم الناس ، فعجزوا عن دفنهم حتى حظروا عليهم وأروحت أجسادهم ثم إن اللّه عز وجل أحياهم بعد ثمانية أيام وبهن نتن شديد ، ثم إن حزقيل بكى إلى ربه عز وجل ، فقال : اللّهم رب إبراهيم وإله موسى ، لا تكن على عبادك الظلمة كأنفسهم ، واذكر فيهم ميثاق الأولين ، فسمع اللّه عز وجل ، فأمره أن يدعوهم بكلمة واحدة ، فقاموا كقيام رجل واحد كان وسنانا فاستيقظ ، فذلك قوله عز وجل : إن اللّه لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون [ آية : ٢٤٣ ] رب هذه النعمة حين أحياهم بعدما أراهم عقوبته ، ثم أمرهم عز وجل أن يرجعوا إلى عدوهم فيجاهدوا ، فذلك قوله : موتوا ثم أحياهم إن اللّه لذو فضل على الناس أنه أحياهم بعدما أماتهم ولكن أكثر الناس لا يشكرون . ٢٤٤البقرة : ٢٤٤ وقاتلوا في سبيل . . . . . وقوله سبحانه : وقاتلوا في سبيل اللّه واعلموا أن اللّه سميع ؛ لقولهم : إن الأرض التي نبعث إليها فيها الطاعون عليم [ آية : ٢٤٤ ] بذلك ، حتى إنه ليوجد في ذلك السبط من اليهود ريح كريح الموتى ، وكانوا ثمانية آلاف ٢٤٥البقرة : ٢٤٥ من ذا الذي . . . . . من ذا الذي يقرض اللّه قرضا حسنا طيبة بها نفسه محتسبا فيضاعفه له بها أضعافا كثيرة ، نزلت في أبي الدحداح ، وأسمه عمر بن الدحداح الأنصاري ، وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال : ′ من تصدق بصدقة ، فله مثلها في الجنة ′ ، قال أبو الدحداح : إن تصدقت بحديقتي فلي مثلها في الجنة ؟ قال : ′ نعم ′ ، قال : وأم الدحداح معي ؟ قال : ′ نعم ′ ، فال : والصبية ؟ قال : ′ نعم ′ . وكان له حديقتان ، فتصدق بأفضلهما واسمها الجنينة ، فضاعف اللّه عزوجل صدقته ألفي ألف ضعف ، فذلك قوله عزوجل : أضعافا كثيرة واللّه يقبض ويبصط ، يعني يقتر ويوسع وإليه ترجعون [ آية : ٢٤٥ ] فيجزيكم بأعمالكم ، فرجع أبو الدحداح إلى حديقته ، فوجد أم الدحداح والصبية في الحديقة التي جعلها صدقة ، فقام على باب الحديقة ، وتحرج أن يدخلها ، وقال : يا أم الدحداح ، قالت له : لبيك يا أبا الدحداح ، قال : إني قد جعلت حديقتي هذه صدقة ، واشترطت مثلها في الجنة ، وأم الدحداح معي ، والصبية معي ، قالت : بارك اللّه لك فيما اشتريت ، فخرجوا منها ، وسلم الحديقة إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال : كم من نخلة مدلا عذوقها لأبي الدحداح في الجنة لو اجتمع على عذق منها أهل منى أن يقلوه ما أقلوه . ٢٤٦البقرة : ٢٤٦ ألم تر إلى . . . . . قوله سبحانه : ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى ، وذلك ان كفار بني إسرائيل قهروا مؤمنيهم ، فقتلوهم وسبوهم وأخرجوهم من ديارهم وأبنائهم ، فمكثوا زمانا ليس لهم ملك يقاتل عدوهم ، والعدو بين فلسطين ومصر إذ قالوا لنبي لهم فقالوا لنبي لهم ، عليه السلام ، اسمه اشماويل ، وهو بالعربية إسماعيل بن هلقابا ، واسم أمه حنة ، وهو من نسل هارون بن عمران أخو موسى : ابعث لنا ملكا نقاتل عدونا في سبيل اللّه قال لهم نبيهم هل عسيتم إن بعث اللّه لكم ملكا و كتب ، يعني وفرض عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل اللّه وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب أي فلما فرض ، كقوله سبحانه : كتب عليكم الصيام ، يعني فرض عليكم عليهم القتال ، يعني على بني إسرائيل تولوا إلا قليلا منهم ، يعني كره القتال العصابة الذين وقفوا في النهر واللّه عليم بالظالمين [ آية : ٢٤٦ ] ، يعينهم لقولهم : لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ، وكان القليل أصحاب الفرقة ثلاثمائة وثلاثة عشر عدد أصحاب بدر . ٢٤٧البقرة : ٢٤٧ وقال لهم نبيهم . . . . . وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم يوم بدر : ′ إنكم على عدد أصحاب طالوت ′ وقال لهم نبيهم إسماعيل : إن اللّه عز وجل قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك ، يعني من أين يكون له الملك علينا ، وليس طالوت من سبط النبوة ولا من سبط الملوك ، وكان طالوت فيهم حقير الشأن دون ونحن أحق بالملك منه ، منا الأنبياء والملوك ، وكانت النبوة في سبط لاوى بن يعقوب والملوك في سبط يهوذا بن يعقوب ولم يؤت طالوت سعة من المال أن ينفق علينا ، قال لهم نبيهم إسماعيل : إن اللّه عز وجل اصطفاه عليكم ، يعني اختاره ، كقوله سبحانه : إن اللّه اصطفى لكم الدين ، يعني اختاره وزاده بسطة في العلم والجسم ، وكان أعلم بني إسرائيل ، وكان طالوت من سبط بنيامين ، وكان جسيما عالما ، وكان اسمه شارل بن كيس ، وبالعربية طالوت بن قيس ، وسمي طالوت لطوله واللّه يؤتي ملكه من يشاء واللّه واسع بعطية الملك عليم [ آية : ٢٤٧ ] بمن يعطيه الملك . ٢٤٨البقرة : ٢٤٨ وقال لهم نبيهم . . . . . فلما أنكروا أن يكون طالوت عليهم ملكا وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أنه من اللّه أن يأتيكم التابوت الذي أخذ منكم فيه سكينة من ربكم ، ورأس كرأس الهرة ، ولها جناحان ، فإذا صوتت عرفوا أن النصر لهم ، فكانوا يقدمونها أمام الصف وبقية مما ترك ءال موسى وءال هارون ، يعني بالبقية رضراضا من الألواح وقفير من في طست من ذهب وعصا موسى ، عليه السلام ، وعمامته ، وكان التابوت يكون مع الأنبياء إذا حضروا القتال قدموه بين أيديهم يستفتحون به على عدوهم ، فلما تفرقت بنو إسرائيل وعصوا الأنبياء ، سلط اللّه عز وجل عليهم عدوهم ، فقتلوهم وغلبوهم على التابوت ، فدفنوه في مخرأة لهم ، فابتلاهم اللّه عز وجل بالبواسير ، فكان الرجل إذا تبرز عند التابوت أخذه الباسور ، ففشى ذلك فيهم فهجروه ، ف ما ابتلينا بهذه إلا بفعلنا بالتابوت ، فاستخرجوه ، ثم وجهوه إلى بني إسرائيل على بقرة ذات لبن ، وبعث اللّه عز وجل الملائكة ، فساقوا العجلة ، فإذا التابوت بين أظهرهم ، فذلك قوله سبحانه تحمله الملائكة ، يعني تسوقه الملائكة إن في ذلك ، يعني في رد التابوت لآية لكم إن كنتم مؤمنين [ آية : ٢٤٨ ] ، يعني مصدقين بأن طالوت ملكه من اللّه عز وجل . وكان التابوت من عود الشمشار التي تتخذ منه الأمشاط الصفر مموه بالذهب ، فلما رأوا التابوت أيقنوا بأن ملك طالوت من اللّه عز وجل ، فسمعوا له وأطاعوا ، وكان موسى عليه السلام ، ترك التابوت في التيه قبل موته عند يوشع بن نون ، ثم إن طالوت تجهز لقتال جالوت ، وقال النبي إسماعيل لطالوت : إن اللّه عز وجل سيبعث رجلا من أصحابك فيقتل جالوت ، وأعطاه النبي صلى اللّه عليه وسلم درعا ، فقال لطالوت : من صلحت هذه الدرع عليه ، لم تقصر عليه ، ولم تطل ، فإنه قاتل جالوت ، فاجعل لقاتله نصف ملكك ونصف مالك . فبلغ ذلك داود النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو يرعى الغنم في الجبل فاستودع غنمه ربه جل وعز ، فقال : آتي الناس وأطالع أخوتي ، وهم سبعة من طالوت ، وانظر ما هذا الخبر ، فمر داود ، عليه السلام ، على حجر ، فقال : يا داود خذني ، فأنا حجر هارون الذي به قتل كذا وكذا ، فارم بي جالوت الجبار ، فأقع في بطنه ، فأنفذ من جانبه الآخر ، فأخذه فألقاه في مخلاته ، ثم مر بحجر آخر ، فقال له : يا داود خذني ، فأنا حجر موسى الذي قتل بي كذا وكذا ، فارم بي جالوت ، فأقع في قلبه فأنفذ من الجانب الآخر ، فألقاه في مخلاته ، ثم مر بحجر آخر ، فقال : يا داود خذني ، فأنا الذي أقتل جالوت الجبار ، فأستعين بالريح فتلقى البيضة فأقع في دماغه فأقتله ، فأخذه فألقاه في مخلاته . ثم انطلق حتى دخل على طالوت ، فقال : أنا قاتل جالوت بإذن اللّه ، وكان داود ، عليه السلام ، رث المنظر ، هبير ، دوير ، فأنكر طالوت أن يقتله داود ، عليه السلام ، فقال داود : تجعل لي نصف ملكك ونصف مالك إن قتلت جالوت الجبار ؟ قال طالوت : لك ذلك عندي ، وأزوجك ابنتي ، ولن يخفى علي إن كنت أنت صاحبه ، قد أتاني قومي كلهم يزعم أنه يقتله ، وقد أخبرني إسماعيل أن اللّه يبعث له رجلا من أصحابي فيقتله ، فالبس هذا الدرع ، فلبسها داود ، عليه السلام ، فطالت عليه ، فانتفض فيها ، فتقلص منها وجعل داود يدعو اللّه عز وجل ، ثم انتفض فيها ، فتقلص منها ، ثم انتفض فيها الثالثة فاستوت عليه ، فعلم طالوت أنه يقتل جالوت . ٢٤٩البقرة : ٢٤٩ فلما فصل طالوت . . . . . فلما فصل طالوت بالجنود ، وهم مائة ألف إنسان ، فسار في حر شديد فلما فصل طالوت بالجنود قال إن اللّه عز وجل مبتليكم بنهر بين الأردن وفلسطين فمن شرب منه فليس مني ، يقول : ليس معي على عدوى ، كقول إبراهيم ، عليه السلام : فمن تبعني فإنه مني [ إبراهيم : ٣٦ ] ، يعني معي ، ومن لم يطعمه فإنه مني ، فإنه معي على عدوى ، ثم استثنى ، فقال : إلا من اغترف غرفة بيده ، الغرفة يشرب منها الرجل وخدمه ودابته ويملأ قربته ، ووصلوا إلى النهر من مفازة ، وأصابهم العطش ، فلما رأى الناس الماء ابتدروا فوقعوا فيه ، فشربوا منه إلا قليلا منهم ، والقليل ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، عدة أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم يوم بدر . فلما جاوزه ، أي جاوز النهر هو ، يعني طالوت والذين ءامنوا معه ، وكلهم مؤمنون ، فقال العصاة الذين وقعوا في النهر : قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ، فرد عليهم أصحاب الغرفة قال الذين يظنون ، يعني الذين يعلمون ، كقوله سبحانه : وظن أنه الفراق [ القيامة : ٢٨ ] ، يعني وعلم ، وكقوله عز وجل : فظنوا أنهم مواقعوها [ الكهف : ٥٣ ] ، وكقوله عز وجل : ألا يظن أولئك [ المطففين : ٤ ] ، أي ألا يعلم أنهم ملاقوا اللّه ؛ لأنهم قد طابت أنفسهم بالموت كم من فئة ، يعني جند قليلة عددهم ، غلبت فئة كثيرة عددهم بإذن اللّه واللّه مع الصابرين [ آية : ٢٤٩ ] ، يعني بني إسرائيل في النصر على عدوهم ، فرد طالوت العصاة وسار بأصحاب الغرفة حتى عاينوا العدو . ٢٥٠-٢٥١البقرة : ٢٥٠ - ٢٥١ ولما برزوا لجالوت . . . . . ولما برزوا لقتال لجالوت وجنوده ، قال أصحاب الغرفة : قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا ، يعني ألق ، أصبب علينا صبرا ، كقوله سبحانه : أفرغ ، يعني أصبب عليه قطرا [ الكهف : ٩٦ ] وثبت أقدامنا عند القتال حتى لا تزول وانصرنا على القوم الكافرين [ آية : ٢٥٠ ] ، يعني جالوت وجنوده ، وكانوا يعبدون الأوثان ، فاستجاب اللّه لهم ، وكانوا مؤمنين ، أصحاب الغرفة في العصاة . فلما التقى الجمعان وطالوت في قلة وجالوت في كثرة ، عمد داود ، عليه السلام ، فقام بحيال جالوت ، لا يقوم ذلك المكان إلا من يريد قتال جالوت ، فجعل الناس يسخرون من داود حين قام بحيال جالوت ، وكان جالوت من قوم عاد عليه بيضة فيها ثلاثمائة رطل ، فقال جالوت : من أين هذا الفتى ؟ ارجع ويحك ، فإني أراك ضعيفا ، ولا أرى لك قوة ، ولا أرى معك سلاحا ، ارجع فإني أرحمك ، فقال داود ، عليه السلام : أنا أقتلك بإذن اللّه عز وجل ، فقال جالوت : بأي شيء تقتلني ؟ وقد قمت مقام الأشقياء ، ولا أرى معك سلاحا إلا عصاك هذه ، هلم فاضربني بها ما شئت ، وهي عصاه التي كان يرد بها غنمه ، قال داود : أقتلك بإذن اللّه بما شاء اللّه . فتقدم جالوت ليأخذه بيده مقتدرا عليه في نفسه ، وقد صارت الحجارة الثلاثة حجرا واحدا ، فلما دنا جالوت من داود ، أخرج الحجر من مخلاته ، وألقت الريح البيضة عن رأسه ، فرماه فوقع الحجر في دماغه حتى خرج من أسفله ، وانهزم الكفار ، وطالوت ومن معه وقوف ينظرون ، فذلك قوله سبحانه : فهزموهم بإذن اللّه وقتل داود جالوت بحذافة فيها حجر واحد ، وقتل معه ثلاثون ألفا ، وطلب داود نصف مال طالوت ونصف ملكه ، فحسده طالوت على صنيعه وأخرجه ، فذهب داود حتى نزل قرية من قرى بني إسرائيل وندم طالوت على صنيعه ، فقال في نفسه : عمدت إلى خير أهل الأرض بعثه اللّه عز وجل لقتل جالوت فطردته ، ولم أف له ، وكان داود ، عليه السلام ، أحب إلى بني إسرائيل من طالوت . فانطلق في طلب داود ، فطرق امرأة ليلا من قدماء بني إسرائيل تعلم اسم اللّه الأعظم ، وهي تبكي على داود ، فضرب بابها ، فقالت : من هذا ؟ قال : أنا طالوت ، فقالت : أنت أشقى الناس وأشرهم ، هل تعلم ما صنعت ؟ طردت داود النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وكان أمره من اللّه عز وجل ، وكانت لك آية فيه من أمر الدرع وصفة أشماويل وظهوره على جالوت ، وقتل اللّه عز وجل به أهل الأوثان فانهزموا ، ثم غذرت بداود وطردته ، هلكت يا شقي ، فقال لها : إنما أتيتك لأسألك ما توبتي ؟ قالت : توبتك أن تأتي مدينة بلقاء فتقاتل أهلها وحدك ، فإن افتتحتها ، فهي توبتك ، فانطلق طالوت ، فقاتل أهل بلقاء وحده ، فقتل وعمدت بنو إسرائيل إلى داود ، عليه السلام ، فردوه وملكوه ، ولم يجتمع بنو إسرائيل لملك قط غير داود ، عليه السلام ، فكانوا اثنى عشر سبطا ، لكل سبط ملك بينهم ، فذلك قوله تبارك وتعالى : فهزموهم بإذن اللّه وقتل داود جالوت . وءاتاه اللّه الملك ، يعني ملكه اثنا عشر سبطا والحكمة ، يعني الزبور وعلمه مما يشاء ، علمه صنعة الدروع ، وكلام الدواب والطير ، وتسبيح الجبال ولولا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض ، يقول اللّه سبحانه : لولا دفع اللّه المشركين بالمسلمين ، لغلب المشركون على الأرض ، فقتلوا المسلمين ، وخرجوا المساجد والبيع والكنائس والصوامع ، فذلك قوله سبحانه : لفسدت الأرض ، يقول : لهلكت الأرض نظيرها : إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها [ النمل : ٣٤ ] ، يعني أهلكوها ولكن اللّه ذو فضل على العالمين [ آية : ٢٥١ ] في الدفع عنهم . البقرة : ٢٥٢ تلك آيات اللّه . . . . . تلك ءايات اللّه ، يعني القرآن نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين [ آية : ٢٥٢ ] . ٢٥٣البقرة : ٢٥٣ تلك الرسل فضلنا . . . . . تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم اللّه ، وهو موسى صلى اللّه عليه وسلم ، ومنهم من اتخذه خليلا ، وهو إبراهيم صلى اللّه عليه وسلم ، ومنهم من أعطى الزبور ، وتسبيح الجبال والطير ، وهو داود صلى اللّه عليه وسلم ، ومنهم من سخرت له الريح والشياطين ، وعلم منطق الطير ، وهو سليمان صلى اللّه عليه وسلم ، ومنهم من يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ، ويخلق من الطين طيرا ، وهو عيسى صلى اللّه عليه وسلم ، فهذه الدرجات ، يعني الفضائل ، قال تعالى : ورفع بعضهم درجات على بعض وءاتينا ، يقول : وأعطينا عيسى ابن مريم البينات ، يعني ما كان يصنع من العجائب وما كان يحيي من الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ويخلق من الطين . ثم قال : وأيدناه بروح القدس ، يقول سبحانه : وقويناه بجبريل ، عليه السلام ، ثم قال : ولو شاء اللّه ما اقتتل الذين من بعدهم ، يعني من بعد عيسى وموسى ، وبينهما ألف نبي ، أولهم وآخرهم عيسى من بعد ما جاءتهم البينات ، يعني العجائب التي كان يصنعها الأنبياء ولكن اختلفوا ، فصاروا فريقين في الدين ، فذلك قوله سبحانه : فمنهم من ءامن ، يعني صدق بتوحيد اللّه عز وجل ومنهم من كفر بتوحيد اللّه ولو شاء اللّه ما اقتتلوا ولكن اللّه يفعل ما يريد [ آية : ٢٥٣ ] ، يعني أراد ذلك . ٢٥٤البقرة : ٢٥٤ يا أيها الذين . . . . . يا أيها الذين ءامنوا أنفقوا مما رزقناكم من الأموال في طاعة اللّه من قبل أن يأتي يوم لا بيع يقول : لا فداء فيه فيه ولا خلة فيه ليعطيه بخلة ما بينهما ولا شفاعة للكفار فيه كفعل أهل الدنيا بعضهم في بعض فليس في الآخرة شيء من ذلك والكافرون هم الظالمون [ آية : ٢٥٤ ] . ٢٥٥البقرة : ٢٥٥ اللّه لا إله . . . . . اللّه لا إله إلا هو الحي الذي لا يموت القيوم القائم على كل نفس ، لا تأخذه سنة ، يعني ريح من قبل الرأس ، فيغشى العينين ، وهو وسنان بين النائم واليقظان ، ثم قال جل ثناؤه : لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من الخلق عبيده ، وفي ملكه الملائكة ، وعزيز ، وعيسى ابن مريم ، وغيره ممن يعبد من ذا الذي يشفع عنده من الملائكة إلا بإذنه ، يقول : إلا بأمره ، وذلك قوله سبحانه : ولا يشفعون إلا لمن ارتضى [ الأنبياء : ٢٨ ] يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ، يقول : ما كان قبل خلق الملائكة ، وما كان بعد خلقهم ، ثم قال : ولا يحيطون ، يعني الملائكة بشيء من علمه إلا بما شاء الرب فيعلمهم ، ثم أخبر عن عظمة الرب جل جلاله ، فقال سبحانه : وسع كرسيه السماوات والأرض كلها كل قائمة ولا يؤده حفظهما ، يقول : ولا يثقل عليه ، ولا يجهده حملها . وهو العلي العظيم [ آية : ٢٥٥ ] الرفيع فوق كل خلقه العظيم ، فلا أعظم منه شيء ، يحمل الكرسي أربعة أملاك لكل ملك أربعة وجوه ، أقدامهم تحت الصخرة التي تحت الأرض السفلى ، مسيرة خمس مائة عام ، وما بين كل أرض مسيرة مائة عام ، ملك وجهه على صورة الإنسان ، وهو سيد الصور ، وهو يسأل الرزق للآدميين ، وملك وجهه على صورة سيد الأنعام يسأل الرزق للبهائم وهو الثور ، لم يزل الملك الذي على صورة الثور على وجهه كالغضاضة منذ عبد العجل من دون الرحمن عز وجل ، وملك وجهه على صورة سيد الطير ، وهو يسأل اللّه عز وجل الرزق للطير وهو النسر ، وملك على صورة سيد السباع ، وهو يسأل الرزق للسباع وهو الأسد . ٢٥٦البقرة : ٢٥٦ لا إكراه في . . . . . لا إكراه في الدين لأحد بعد إسلام العرب إذا أقروا بالجزية ، وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان لا يقبل الجزية إلا من أهل الكتاب ، فلما أسلمت العرب طوعا وكرها قبل الخراج ، من غير أهل الكتاب ، فكتب النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى ، وأهل هجر ، يدعوهم إلى الإسلام ، فكتب : ′ من محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى أهل هجر ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد : إن من شهد شهادتنا ، وأكل من ذبيحتنا ، واستقبل قبلتنا ، ودان بديننا ، فذلك المسلم الذي له ذمة اللّه عز وجل ، وذمة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فإن أسلمتم فلكم ما أسلمتم عليه ، ولكم عشر التمر ، ولكم نصف عشر الحب ، فمن أبى الإسلام ، فعليه الجزية ′ . فكتب المنذر إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم : إني قرأت كتابك إلى أهل هجر ، فمنهم من أسلم ، ومنهم من أبى ، فأما اليهود والمجوس ، فأقروا بالجزية ، وكرهوا الإسلام ، فقبل النبي صلى اللّه عليه وسلم منهم بالجزية . فقال منافقوا أهل المدينة : زعم محمد أنه لم يؤمر أن يأخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ، فما باله قبل من مجوس أهل هجر ، وقد أبى ذلك على آبائنا وإخواننا حتى قاتلهم عليه ، فشق على المسلمين قولهم ، فذكروه للنبي صلى اللّه عليه وسلم فأنزل اللّه عز وجل : يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم آخر الآية [ المائدة : ١٠٥ ] ، وأنزل اللّه عز وجل : لا إكراه في الدين بعد إسلام العرب . قد تبين الرشد من الغي ، يقول : قد تبين الضلالة من الهدى فمن يكفر بالطاغوت ، يعني الشيطان ويؤمن باللّه ، بأنه واحد لا شريك له فقد استمسك بالعروة الوثقى ، يقول : أخذ الثقة ، يعني الإسلام ، التي لا انفصام لها ، يقول : لا انقطاع له دون الجنة واللّه سميع لقولهم عليم [ آية : ٢٦٥ ] به . ٢٥٧البقرة : ٢٥٧ اللّه ولي الذين . . . . . واللّه ولي الذين ءامنوا ، يعني ولي المؤمنين باللّه عز وجل يخرجهم من الظلمات إلى النور ، يعني من الشرك إلى الإيمان ، نظيرها في إبراهيم : أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور [ إبراهيم : ٥ ] ؛ لأنه سبق لهم السعادة من اللّه تعالى في علمه ، فلما بعث النبي صلى اللّه عليه وسلم ، أخرجهم اللّه سبحانه من الشرك إلى الإيمان ، ثم قال : والذين كفروا ، يعني اليهود أولياؤهم الطاغوت ، يعني كعب بن الأشرف يخرجونهم ، يعني يدعونهم من النور إلى الظلمات ، نظيرها في إبراهيم قوله سبحانه : أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور [ إبراهيم : ٥ ] ، ثم قال : يدعونهم من النور الذي كانوا فيه من إيمان بمحمد صلى اللّه عليه وسلم قبل أن يبعث إلى كفر به بعد أن بعث ، وهي الظلمة أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون [ آية : ٢٥٧ ] ، يعني لا يموتون . ٢٥٨البقرة : ٢٥٨ ألم تر إلى . . . . . ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه ، وهو نمروذ بن كنعان بن ريب بن نمروذ ابن كوشى بن نوح ، وهو أول من ملك الأرض كلها ، وهو الذي بنى الصرح ببابل ، أن ءاتاه اللّه ، يقول : أن أعطاه اللّه الملك ، وذلك أن إبراهيم صلى اللّه عليه وسلم حين كسر الأصنام سجنه نمروذ ، ثم أخرجه ليحرقه بالنار ، فقال لإبراهيم ، عليه السلام : من ربك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت ، وإياه أعبد ومنه أسأل الخير ، قال نمروذ أنا أحيي وأميت ، قال له إبراهيم : أرني بيان الذي تقول ، فجاء برجلين فقتل أحدهما ، واستحيا الآخر ، وقال : كان هذا حيا فأمته وأحييت هذا ولو شئت قتلته قال إبراهيم فإن اللّه يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الجبار الذي كفر بتوحيد اللّه عز وجل ، يقول : بهت نمروذ الجبار ، فلم يدر ما يرد على إبراهيم . ثم إن اللّه عز وجل سلط على نمروذ بعوضة ، بعدما أنجا اللّه عز وجل إبراهيم من النار ، فعضت شفته ، فأهوى إليها ، فطارت في منخره ، فذهب ليأخذها فدخلت خياشيمه ، فذهب يستخرجها ، فدخلت دماغه ، فعذبه اللّه عز وجل بها أربعين يوما ، ثم مات منها ، وكان يضرب رأسه بالمطرقة ، فإذا ضرب رأسه سكنت البعوضة ، وإذا رفع عنها تحركت ، فقال اللّه سبحانه : وعزتي وجلالي لا تقوم الساعة حتى أتي بها ، يعني الشمس من قبل المغرب ، فيعلم من يرى ذلك أنى أنا اللّه قادر على أن أفعل ما شئت ، ثم قال سبحانه : واللّه لا يهدي القوم الظالمين [ آية : ٢٥٨ ] إلى الحجة ، يعني نمروذ ، مثلها في براءة : وجاهد في سبيل اللّه لا يستوون عند اللّه واللّه لا يهدي القوم الظالمين [ التوبة : ١٩ ] إلى الحجة . ٢٥٩البقرة : ٢٥٩ أو كالذي مر . . . . . أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها ، يعني ساقطة على سقوفها ، وذلك أن بخت نصر سبا أهل بابل ، وفيهم عزير بن شرحيا ، وكان من علماء بني إسرائيل ، وأنه ارتحل ذات يوم على حمار أقمر ، فمر على قرية تدعى سابور على شاطئ دجلة بين واسط والمدائن ، وكان هذا بعد ما رفع عيسى ابن مريم ، فربط حماره في ظل شجرة ، ثم طاف في القرية ، فلم ير فيها ساكنا ، وعامة شجرها حامل ، فأصاب من الفاكهة والعنب والتين . ثم رجع إلى حماره ، فجلس يأكل من الفاكهة ، وعصر من العنب ، فشرب منه ، فجعل فضل الفاكهة في سلة ، وفضل العصير في الزق ، فلما رأى خراب القرية وهلاك أهلها قال أنى يحي هذه الأرض ، يعني أهل هذه القرية [ بعد موتها بعد هلاكها ، لم يشك في البعث ، ولكنه احب أن يريه اللّه عز وجل كيف يبعث الموتى كما سأل إبراهيم ، عليه السلام ، ربه عز وجل : أرني كيف تحيي الموتى [ البقرة : ٢٦٠ ] . فلما تكلم بذلك عزير ، أراد اللّه عز وجل أن يعلمه كيف يحييها بعد موتها فأماته اللّه عز وجل وأمات حماره مائة عام ، فحيى والفاكهة والعصير موضوع عنده ، ثم بعثه اللّه عز وجل في آخر النهار بعد مائة عام ، لم يتغير طعامه وشرابه ، فنودى في السماء قال كم لبثت يا عزير ميتا قال لبثت يوما ، فالتفت فرأى الشمس ، فقال : أو بعض يوم قال له بل لبثت مائة عام ميتا ، ثم أخبره ليعتبر ، فقال سبحانه : فانظر إلى طعامك ، يعني الفاكهة في السلة ، وشرابك ، يعني العصير لم يتسنه ، يقول لم يتغير طعمه بعد مائة عام ، نظيرها في سورة محمد صلى اللّه عليه وسلم : من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه [ محمد : ١٥ ] ، فقال : سبحان اللّه ، كيف لم يتغير طعمه ؟ . ونظر إلى حماره ، وقد ابيضت عظامه ، وبليت وتفرقت أوصاله ، فنودي من السماء : أيتها العظام البالية اجتمعي ، فإن اللّه عز وجل منزل عليك روحا ، فسعت العظام بعضها ، إلى بعض ، الذراع إلى العضد ، والعضد إلى المنكبين والكتف ، وسعت الساق إلى الركبتين ، والركبتان إلى الفخذين ، والفخذان إلى الوركين ، والتصق الوركان بالظهر ، ثم وقع الرأس على الجسد ، وعزير ينظر ، ثم ألقى على العظام العروق والعصب ، ثم رد عليه الشعر ، ثم نفخ في منخره الروح ، فقام الحمار ينهق عند رأسه ، فاعلم كيف يبعث أهل هذه القبور بعد هلاكهم وبعث حماره بعد مائة عام كما لم يتغير طعامه وشرابه ، وبعث بعد طوال الدهر ليعتبر بذلك ، فذلك قوله سبحانه : فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه ، يعني لم يتغير طعمه ، كقوله في سورة محمد صلى اللّه عليه وسلم : من ماء غير آسن . وانظر إلى حمارك ولنجعلك ءاية للناس ، يعني عبرة ؛ لأنه بعثه شابا بعد مائة سنة وانظر إلى العظام ، يعني عظام الحمار كيف ننشزها ، يعني نحييها ، نظيرها : أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون [ الأنبياء : ٢١ ] ، يعني يبعثون الموتى ثم نكسوها لحما فلما تبين له ، يعني لعزير كيف يحيي اللّه الموتى ، خر للّه ساجدا قال أعلم أن اللّه على كل شيء قدير [ آية : ٢٥٩ ] ، يعني من البعث وغيره ، فرجع عزير إلى أهله ، وقد هلكوا ، وبيعت داره وبنيت فردت عليه ، وانتسب عزير إلى أولاده ، فعرفوه وعرفهم ، وأعطى عزير العلم من بعد ما بعث بعد مائة عام . ٢٦٠البقرة : ٢٦٠ وإذ قال إبراهيم . . . . . وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى ، وذلك أنه رأى جيفه حمار على شاطئ البحر تتوزعه دواب البر والبحر والطير ، فنظر إليها ساعة ، ثم قال : رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن يا إبراهيم ، يعني قال : أو لم تصدق بأني أحيي الموتى يا إبراهيم قال بلى صدقت ولكن ليطمئن قلبي ليسكن قلبي بأنك أريتني الذي أردت قال فخذ أربعة من الطير قال : خذ ديكا وبطة وغرابا وحمامة فاذبحهن يقول : قطعهن ، ثم خالف بين مفاصلهن وأجنحتهن فصرهن إليك بلغة النبط صرهن قطعهن ، واخلط ريشهن ودماءهن ، ثم خالف بين الأعضاء والأجنحة واجعل مقدم الطير مؤخر طير آخر ، ثم فرقهن على أربعة أجبال ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا فيها تقدم فدعاهن فتواصلت الأعضاء والأجنحة ، فأجابته جميعا ليس معهن رءوسهن ، ثم وضع على أجسادهن ، ففقت البطة ، وصوت الديك ، ونعق الغراب ، وقرقر الحمام يقول : خذهن فصرهن وادعهن يسعين على أرجلهن عند غروب الشمس . واعلم أن اللّه عزيز حكيم [ آية : ٢٦٠ ] ، فقال : عند ذلك أعلم أن اللّه عزيز في ملكه حكيم ، يعني حكم البعث يقول : كما بعث هذه الأطيار الأربعة من هذه الجبال الأربعة ، فكذلك يبعث اللّه عز وجل الناس من أرباع الأرض كلها ونواحيها ، وكان هذا بالشام ، وكان أمر الطير قبل أن يكون له ولد ، وقبل أن تنزل عليه الصحف ، وهو ابن خمس وسبعين سنة . ٢٦١البقرة : ٢٦١ مثل الذين ينفقون . . . . . مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه ، يعني في طاعة اللّه عز وجل ، كمثل حبة أنبتت يقول : أخرجت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة واللّه يضاعف لمن يشاء واللّه واسع لتلك الأضعاف عليم [ آية : ٢٦١ ] . بما تنفقون . ٢٦٢البقرة : ٢٦٢ الذين ينفقون أموالهم . . . . . الذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون [ آية : ٢٦٢ ] عند الموت نزلت في عثمان بن عفان ، رضي اللّه عنه ، في نفقته في غزاة تبوك وفي شرائه رومه ركية بالمدينة ، وتصدقه بها على المسلمين ، وفي عبد الرحمن بن عوف الزهري ، رضي اللّه عنه ، حين تصدق بأربعة آلاف درهم مثقال كل درهم وكان نصف ماله . ٢٦٣البقرة : ٢٦٣ قول معروف ومغفرة . . . . . قول معروف ، يعني قول حسن ، يعني دعاء الرجل لأخيه المسلم إذا جاء وهو فقير يسأله فلا يعطيه شيئاً يدعو بالخير له ومغفرة ، وتجاوز عنه خير من صدقة يعطيه إياها يتبعها أذى ، يعني المن واللّه غني عما عندكم من الصدقة حليم [ أية : ٢٦٣ ] حين لا يعجل بالعقوبة على من يمن بالصدقة ويؤذي فيها المعطي . ٢٦٤البقرة : ٢٦٤ يا أيها الذين . . . . . يا أيها الذين ءامنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى يقول : يمن بها فإن ذلك أذى لصاحبها وكل صدقة يمن بها صاحبها على المعطى ، فإن المن يبطلها ، فضرب اللّه عز وجل ، مثل لذلك : كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن باللّه يقول : ولا يصدق بأنه واحد لا شريك له . واليوم الآخر يقول : ولا يصدق بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال أنه كائن ، فمثله ، يعني مثل الذي يمن بصدقته ، كمثل مشرك أنفق ماله في غير إيمان ، فأبطل شركه الصدقة كما أبطل المن والأذى صدقة المؤمن ، ثم أخبر عمن من بها على صاحبه ، فلم يعط عليها أجرا ولا ثوابا ، ثم ضرب اللّه عز وجل لهما مثلا فقال : في مثله : فمثله كمثل صفوان ، يعني الصفا عليه تراب فأصابه وابل ، يعني المطر الشديد ، فتركه صلدا ، يقول : ترك المطر الصفا صلدا نقيا أجرد ، ليس عليه تراب ، فكذلك المشرك الذي ينفق في غير إيمان ، وينفق رئاء الناس ، وكذلك صدقة المؤمن إذا من بها . وذلك قوله سبحانه : لا يقدرون على شيء مما كسبوا ، يقول : لا يقدرون على ثواب شيء مما أنفقوا يوم القيامة وذلك قوله عز وجل : مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على ثواب شيء [ إبراهيم : ١٨ ] يوم القيامة ، كما لم يبق على الصفا شيء من التراب حين أصابه المطر الشديد واللّه لا يهدي القوم الكافرين [ آية : ٢٦٤ ] . ٢٦٥البقرة : ٢٦٥ ومثل الذين ينفقون . . . . . ثم ذكر نفقة المؤمن الذي يريد بنفقته وجه اللّه عز وجل ، ولا يمن بها ، فقال سبحانه : ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات اللّه وتثبيتا من أنفسهم ، يعني وتصديقا من قلوبهم ، فهذا مثل نفقة المؤمن التي يريد بها وجه اللّه عز وجل ، ولا يمن بها كمثل جنة بربوة ، يعني بستان في مكان مرتفع مستو ، تجري من تحتها الأنهار أصابها ، يعني أصاب الجنة وابل ، يعني المطر الكثير الشديد فآتت أكلها ، يقول : أضعفت ثمرتها في الحمل ضعفين ، فكذلك الذي ينفق ماله للّه عز وجل من غير أن يضاعف له نفقته إن كثرت أو قلت ، كما أن المطر إذا اشتد ، أو قل أضعف ثمرة الجنة حين أصابها وابل فإن لم يصبها وابل فطل ، أي أصابها عطش من المطر ، وهو الرذاذ مثل الندى واللّه بما تعملون ، يعني بما تنفقون بصير [ آية : ٢٦٥ ] . ٢٦٦البقرة : ٢٦٦ أيود أحدكم أن . . . . . أيود أحدكم أن تكون له جنة ، هذا مثل ضربه عز وجل لعمل الكافر ، جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء ، يعني عجزة لا حيلة لهم فأصابها إعصار فيه نار ، يعني ريح فيها نار ، يعني فيها سموم حارة فاحترقت ، يقول : مثل الكافر كمثل شيخ كبير له بستان فيه من كل الثمرات ، وله ذرية أولاد صغار ، يعني عجزة لا حيلة لهم ، فمعيشته ومعيشة ذريته من بستانه ، فأرسل اللّه عز وجل على بستانه السموم الحارة ، فأحرقت بستانه ، فلم يكن له قوة من كبره أن يدفع عن جنته ، ولم تستطع ذريته الصغار أن يدفعوا عن جنتهم التي كانت معيشتهم منها حين احترقت ، ولم يكن للشيخ قوة أن يغرس مثل جنته ، ولم يكن عند ذريته خير ، فيعودون به على أبيهم عندما كان أحوج إلى خير يصيبه ، ولا يجد خيرا ، ولا يدفع عن نفسه عذابا ، كما لم يدفع الشيخ الكبير ، ولا ذريته عن جنتهم شيئا حين احترقت ، ولا يرد الكافر إلى الدنيا فيعتب ، كما لا يرجع الشيخ الكبير شابا ، فيغرس جنة مثل جنته ، ولم يقدم لنفسه خيرا ، فيعود عليه في الآخرة ، وهو أحوج ما يكون إليه كما لم يكن عند والده شيئا فيعودون به على أبيهم ، ويحرم الخير في الآخرة عند شدة حاجته إليه ، كما حرم جنته عندما كان أحوج ما يكون إليها عند كبر سنة وضعف ذريته كذلك ، يعني هكذا يبين اللّه لكم الآيات ، يعني يبين اللّه أمره لعلكم ، يقول : لكي تتفكرون [ آية : ٢٦٦ ] في أمثال اللّه عز وجل فتعتبروا . ٢٦٧البقرة : ٢٦٧ يا أيها الذين . . . . . يا أيها الذين ءامنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ، يقول : أنفقوا من الحلال مما رزقناكم من الأموال الفضة والذهب وغيره ومما أخرجنا لكم من الأرض ، وأنفقوا من طيبات الثمار والنبات ، وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أمر الناس بالصدقة قبل أن تنزل آية الصدقات ، فجاء رجل بعزق من تمر عامته حشف ، فوضعه في المسجد مع التمر ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ′ من جاء بهذا ؟ ′ ، ف لا ندري ، فأمر النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يعلق العزق ، فمن نظر إليه قال : بئس ما صنع صاحب هذا ، فقال اللّه عز وجل : ولا تيمموا الخبيث ، يقول : ولا تعمدوا إلى الحشف من التمر الردئ من طعامكم للصدقات منه تنفقون ولستم بآخذيه ، يعني الردئ بسعر الطيب لأنفسكم ، يقول : لو كان لبعضكم على بعض حق لم يأخذ دون حقه ، ثم استثنى ، فقال : إلا أن تغمضوا فيه ، يقول : إلا أن يهضم بعضكم على بعض حقه ، فيأخذ دون حقه ، وهو يعلم أنه ردئ ، فيأخذه على علم واعلموا أن اللّه غني عما عندكم من الأموال حميد [ آية : ٢٦٧ ] عند خلقه في ملكه وسلطانه . ٢٦٨البقرة : ٢٦٨ الشيطان يعدكم الفقر . . . . . قال سبحانه : الشيطان يعدكم الفقر ، عند الصدقة ، ويأمركم أن تمسكوا صدقتكم ، فلا تنفقوا فلعلكم تفتقرون ويأمركم بالفحشاء ، يعني المعاصي ، يعني بالإمساك عن الصدقة واللّه يعدكم عند الصدقة مغفرة منه لذنوبكم ويعدكم وفضلا ، يعني الخلف من صدقتكم ، فيجعل لكم الخلف بالصدقة في الدنيا ويغفر لكم الذنوب في الآخرة واللّه واسع لذلك الفضل عليم [ آية : ٢٦٨ ] بما تنفقون ، وذلك قوله سبحانه في التغابن : إن تقرضوا اللّه قرضا حسنا [ التغابن : ١٧ ] ، يعني به الصدقة محتسبا طيبة بها نفسه ، يضاعفه لكم في الدنيا ، ويغفر لكم بالصدقة في الآخرة . ٢٦٩البقرة : ٢٦٩ يؤتي الحكمة من . . . . . يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة ، يقول : ومن يعط الحكمة ، وهي علم القرآن والفقه فيه فقد أوتي خيرا كثيرا ، يقول : فقد أعطى خيرا كثيرا ، وما يذكر فيما يسمع إلا أولوا الألباب [ آية : ٢٦٩ ] ، يعني أهل اللب والعقل ، ثم قال : ٢٧٠ البقرة : ٢٧٠ وما أنفقتم من . . . . . وما أنفقتم من نفقة من خير من أموالكم في الصدقة أو نذرتم من نذر في حق فإن اللّه يعلمه ، يقول : فإن اللّه يحصيه وما للظالمين من أنصار [ آية : ٢٧٠ ] ، يعني للمشركين من مانع من النار . ٢٧١البقرة : ٢٧١ إن تبدوا الصدقات . . . . . قوله سبحانه : إن تبدوا الصدقات ، يقول : إن تعلنوها فنعما هي وإن تخفوها ، يعني تسروها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم من العلانية ، وأعظم أجرا يضاعف سبعين ضعفا ويكفر عنكم بصدقات السر والعلانية من سيئاتكم من ذنوبكم ، يعني ذنوبكم أجمع ، ومن هاهنا صلة ، وكل مقبول السر والعلانية ويكفر عنكم من سيئاتكم واللّه بما تعملون خبير [ آية : ٢٧١ ] . ٢٧٢البقرة : ٢٧٢ ليس عليك هداهم . . . . . ليس عليك هداهم ولكن اللّه يهدي من يشاء ، نزلت في المشركين ؛ لأنه يأمر بالصدقة عليهم من غير زكاة ، نزلت في أسماء بنت أبي بكر ، رضي اللّه عنه ، سألت النبي صلى اللّه عليه وسلم عن صلة جدها أبي قحافة ، وعن صلة امرأته ، وهما كافران ، فكأنه شق عليه صلتهما ، فنزلت : ليس عليك هداهم ، يعني أبا قحافة ولكن اللّه يهدي من يشاء إلى دينه الإسلام وما تنفقوا من خير ، يعني المال ، فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه اللّه وما تنفقوا من خير يعني المال يوف إليكم ، يعني توفر لكم أعمالكم وأنتم لا تظلمون [ آية : ٢٧٢ ] فيها . ٢٧٣البقرة : ٢٧٣ للفقراء الذين أحصروا . . . . . ثم بين على من ينفق ، فقال : النفقة للفقراء الذين أحصروا في سبيل اللّه ، يقول : حبسوا ، نظيرها : فإن أحصرتم [ البقرة : ١٩٦ ] ، يعني حبستم ، وأيضا : وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا [ الإسراء : ٨ ] ، يعني محبسا الذين أحصروا حبسوا أنفسهم بالمدينة في طاعة اللّه عز وجل ، فهم أصحاب الصفة . قال : حدثنا عبيد اللّه ، عن أبيه ، عن هذيل بن حبيب ، عن مقاتل بن سليمان ، منهم ابن مسعود ، وأبو هريرة ، والموالى أربعمائة ، رجل لا أموال لهم بالمدينة ، فإذا كان الليل آووا إلى صفة المسجد ، فأمر اللّه عز وجل بالنفقة عليهم لا يستطيعون ضربا في الأرض ، يعني سيرا ، كقوله سبحانه : وإذا ضربتم في الأرض [ النساء : ١٠١ ] ، يعني إذا سرتم في الأرض ، يعني التجارة يحسبهم الجاهل بأمرهم وشأنهم أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم ، يعني بسيما الفقر عليهم لتركم المسألة لا يسئلون الناس إلحافا فيلحفون في المسألة وما تنفقوا من خير ، يعني من مال ، كقوله عز وجل : إن ترك خيرا [ البقرة : ١٨٠ ] ، يعني مالا للفقراء أصحاب الصفة فإن اللّه به عليم [ آية : ٢٧٣ ] ، يعني بما أنفقتم عليم . ٢٧٤البقرة : ٢٧٤ الذين ينفقون أموالهم . . . . . الذين ينفقون أموالهم في الصدقة باليل والنهار سرا وعلانية ، نزلت في علي بن أبي طالب ، رضي اللّه عنه ، لم يملك غير أربعة دراهم ، فتصدق بدرهم ليلا ، وبدرهم نهارا ، وبدرهم سرا ، وبدرهم علانية ، فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم : ′ ما حملك على ذلك ؟ ′ ، قال : حملني أن أستوجب من اللّه الذي وعدني ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ′ ألأن لك ذلك ′ ، قال : فأنزل اللّه عز وجل فيه : الذين ينفقون أموالهم باليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون [ آية : ٢٧٤ ] عند الموت . ٢٧٥البقرة : ٢٧٥ الذين يأكلون الربا . . . . . الذين يأكلون الربا استحلالا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس في الدنيا ، وذلك علامة أكل الربا ذلك الذي نزل بهم يوم القيامة بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا ، فأكذبهم اللّه عز وجل ، فقال : وأحل اللّه البيع وحرم الربا ، فكان الرجل إذا حل ماله فطلبه ، فيقول المطلوب : زدني في الأجل ، وأزيدك على مالك ، فيفعلان ذلك ، فإذا قيل لهم : إن هذا ربا ، سواء زدت في أول بيع أو في آخره عند محل المال ، فهما سواء ، فذلك قوله سبحانه : إنما البيع مثل الربا . فقال اللّه عز وجل : وأحل اللّه البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه ، يعني البيان في القراءة فانتهى عن الربا فله ما سلف ، يقول : ما أكل من الربا قبل التحريم وأمره إلى اللّه بعد التحريم وبعد تركه ، إن شاء عصمه من الربا ، وإن شاء لم يعصمه ، قال : ومن عاد فأكله استحلالا لقولهم : إنما البيع مثل الربا ، يخوف أكله الربا في الدنيا أن يستحلوا أكله ، فقال : فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون [ آية : ٢٧٥ ] لا يموتون . ٢٧٦البقرة : ٢٧٦ يمحق اللّه الربا . . . . . قال سبحانه : يمحق اللّه الربا ، فيضمحل وينقص ويربي الصدقات ، يعني ويضاعف الصدقات واللّه لا يحب كل كفار أثيم [ آية : ٢٧٦ ] بربه عز وجل . ٢٧٧البقرة : ٢٧٧ إن الذين آمنوا . . . . . إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة المكتوبة في مواقيتها ، وآتوا الزكاة ، يعني وأعطوا الزكاة من أموالهم لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون [ آية : ٢٧٧ ] . ٢٧٨البقرة : ٢٧٨ يا أيها الذين . . . . . يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه ولا تعصوه وذروا ، يعني واتقوا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين [ آية : ٢٧٨ ] نزلت في أربعة أخوة من ثقيف : مسعود ، وحبيب ، وربيعة ، وعبد ياليل ، وهم بنو عمرو بن عمير بن عوف الثقفي ، كانوا يداينون بني المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم ، وكانوا يربون لثقيف ، فلما أظهر اللّه عز وجل النبي صلى اللّه عليه وسلم على الطائف ، اشترطت ثقيف أن كل ربا لهم على الناس فهو لهم ، وكل ربا للناس عليهم فهو موضوع عنهم ، فطلبوا رباهم إلى بني المغيرة ، فاختصموا إلى عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية ، كان النبي صلى اللّه عليه وسلم استعمله على مكة ، وقال له : ′ أستعملك على أهل اللّه ′ . وقالت بنو المغيرة : أجعلنا أشقى الناس بالربا وقد وضعه عن الناس ؟ فقالت ثقيف : إنا صالحنا النبي صلى اللّه عليه وسلم أن لنا ربانا ، فكتب عتاب إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم في المدينة بقصة الفريقين ، فأنزل اللّه تبارك وتعالى بالمدينة يا أيها الذين آمنوا ، يعني ثقيفا اتقوا اللّه وذروا ما بقي من الربا الآية ؛ لأنه لم يبق غير رباهم إن كنتم مؤمنين ، فأقروا بتحريمه ، ٢٧٩البقرة : ٢٧٩ فإن لم تفعلوا . . . . . فإن لم تفعلوا وتقروا بتحريمه فأذنوا ، يعني فاستيقنوا بحرب من اللّه ورسوله ، يعني الكفر وإن تبتم من استحلال الربا وأقررتم بتحريمه فلكم رءوس أموالكم التي أسلفتم لا تزدادوا لا تظلمون أحدا إذا لم تزدادوا على أموالكم ولا تظلمون [ آية : ٢٧٩ ] فتنقصون من رءوس أموالكم . فبعث النبي صلى اللّه عليه وسلم بهذه الآية إلى عتاب بن أسيد بمكة ، فأرسل عتاب إلى بني عمرو بن عمير ، فقرأ عليهم الآية ، ف بل نتوب إلى اللّه عز وجل ، ونذر ما بقى من الربا ، فإنه لا يدان لنا بحرب اللّه ورسوله ، فطلبوا رءوس أموالهم إلى بني المغيرة ، فاشتكوا العسرة ، فقال اللّه عز وجل : ٢٨٠البقرة : ٢٨٠ وإن كان ذو . . . . . وإن كان المطلوب ذو عسرة من القوم ، يعني بني المغيرة فنظرة إلى ميسرة ، يقول : فأجله إلى غناه ، كقوله سبحانه : أنظرني إلى يوم يبعثون [ الأعراف : ١٤ ] ، يقول : أجلني وأن تصدقوا به كله على بني المغيرة وهم معسرون ، فلا تأخذونه ، فهو خير لكم من أخذه إن كنتم تعلمون [ آية : ٢٨٠ ] ، ٢٨١البقرة : ٢٨١ واتقوا يوما ترجعون . . . . . واتقوا يوما يخوفهم ترجعون فيه إلى اللّه ثم توفى ، يعني توفى كل نفس بر وفاجر ثواب ما كسبت من خير وشر ، وهم لا يظلمون [ آية : ٢٨١ ] في أعمالهم ، وهذه آخر آية نزلت من القرآن ، ثم توفي النبي صلى اللّه عليه وسلم بعدها بتسع ليال . البقرة : ٢٨٢ يا أيها الذين . . . . . يا أيها الذين ءامنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ، يعني اكتبوا الدين والأجل وليكتب الكاتب بين البائع والمشتري بينكم كاتب بالعدل يعدل بينهما في كتابه ، فلا يزداد على المطلوب ، ولا ينقص من حق الطالب ، ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه اللّه الكتابة ، وذلك أن الكتاب كانوا قليلا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، يقول : فليكتب الكاتب وليملل على الكاتب الذي عليه الحق ، يعني المطلوب ، ثم خوف المطلوب ، فقال عز وجل : وليتق اللّه ربه ولا يبخس منه شيئا ، يعني ولا ينقص المطلوب من الحق شيئا ، كقوله عز وجل : ولا تبخسوا الناس أشياءهم [ الأعراف : ٨٥ ] . فإن كان الذي عليه الحق سفيها ، يعني جاهلا بالإملاء أو ضعيقا ، يعني أو عاجزا أو به حمق أو لا يستطيع أن يمل هو ، لا يعقل الإملاء لعيه ، أو لخرسه ، أو لسفهه ، ثم رجع إلى الذي له الحق ، فقال سبحانه : فليملل وليه ، يعني ولي الحق ، فليملل هو بالعدل ، يعني بالحق ، ولا يزداد شيئا ولا ينقص ، كما قال للمطلوب قبل ذلك ، وأمر كليهما بالعدل ، قال سبحانه : واستشهدوا على حقكم شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ، يقول : ولا يشهد الرجل على حقه إلا مرضيا إن كان الشاهد رجلا أو امرأة . ثم قال : أن تضل المرأة ، يعني أن تنسى إحداهما الشهادة فتذكر إحداهما الشهادة الأخرى ، يقول : تذكرها المرأة الأخرى التي حفظت شهادتهما ، قال سبحانه : ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ، يقول : إذا ما دعى الرجل ليستشهد على أخيه ، فلا يأب إن كان فارغا ، ثم قال : ولا تسئموا ، يقول : ولا تملوا ، وكل شيء في القرآن تسأموا ، يعني تملوا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا ، يعني قليل الحق وكثيره إلى أجله ؛ لأن الكتاب أحصى للأجل وأحفظ للمال ، ذلكم ، يعني الكتاب أقسط ، يعني أعدل عند اللّه وأقوم ، يعني أصوب للشهادة وأدنى ألا ترتابوا ، يعني وأجدر ألا تشكوا ، نظيرها : ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة [ المائدة : ١٠٨ ] ، أي أجدر ، ونظيرها في الأحزاب : ذلك أدنى ، يعني أجدر أن تقر أعينهن [ الأحزاب : ٥١ ] ، في الحق والأجل والشهادة إذا كان مكتوبا . ثم رخص في الاستثناء ، فقال : إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم ، وليس فيها أجل فليس عليكم جناح ، يعني حرج ألا تكتبوها ، يعني التجارة الحاضرة ، إذا كانت يدا بيد على كل حال وأشهدوا ، على حقكم إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد ، يقول : لا يعمد أحدكم إلى الكاتب والشاهد فيدعوهما إلى الكتابة والشهادة ولهما حاجة ، فيقول : اكتب لي ، فإن اللّه أمرك أن تكتب لي ، فيضاره بذلك ، وهو يجد غيره ، ويقول للشاهد وهو يجد غيره : اشهد لي على حقي ، فإن اللّه قد أمرك أن تشهد على حقي ، وهو يجد غيره من يشهد له على حقه ، فيضاره بذلك ، فأمر اللّه عز وجل أن يتركا لحاجتهما ويلتمس غيرهما وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم ، يقول : وإن تضاروا الكاتب والشاهد وما نهيتم عنه ، فإنه إثم بكم ، ثم خوفهم ، فقال سبحانه : واتقوا اللّه ولا تعصوه فيهما ويعلمكم اللّه واللّه بكل شيء عليم [ آية : ٢٨٢ ] من أعمالكم عليم . ٢٨٣البقرة : ٢٨٣ وإن كنتم على . . . . . ثم قال : وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة ، يقول : إذا لم يكن الكاتب والصحيفة حاضرين ، فليرتهن الذي عليه الحق من المطلوب فإن أمن بعضكم بعضا في السفر ، فإن كان الذي عليه الحق أمينا عند صاحب الحق ، فلم يرتهن منه لثقته به وحسن ظنه فليؤد ذلك الذي اؤتمن أمانته ، يقول : ليرد على صاحب الحق حقه حين ائتمنه ولم يرتهن منه ، ثم خوفه اللّه عز وجل ، فقال : وليتق اللّه ربه ، يعني الذي عليه الحق . ثم رجع إلى الشهود ، فقال : ولا تكتموا الشهادة عند الحاكم ، يقول : من أشهد على حق ، فليشهد بها على وجهها كما كانت عند الحاكم ، فلا تكتموا الشهادة ، قال : ومن يكتمها ولا يشهد بها عند الحاكم فإنه ءاثم قلبه واللّه بما تعملون من كتمان الشهادة وإقامتها عليم [ آية : ٢٨٣ ] . ٢٨٤البقرة : ٢٨٤ للّه ما في . . . . . للّه ما في السماوات وما في الأرض من الخلق عبيدة وفي ملكه ، يقضي فيهم ما يريد وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه ، يقول : إن تلنوا بألسنتكم ما في قلوبكم من ولاية الكفار والنصيحة أو تسروه يحاسبكم به اللّه فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء واللّه على كل شيء من العذاب والمغفرة قدير [ آية : ٢٨٤ ] . فلما نزلت هذه الآية ، قال المسلمون : يا رسول اللّه ، إنا نحدث أنفسنا بالشرك والمعصية ، أفيحاسبنا اللّه بها ولا نعملها ؟ فأنزل اللّه عز وجل في قولهم في التقديم : لا يكلف اللّه نفسا إلا وسعها ، يقول : لا يكلفها من العمل إلا ما أطاقت لها ما كسبت من الخير وما عملته وتكلمت به وعليها ما اكتسبت من الإثم ، فنسخت هذه الآية قوله سبحانه : وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه ، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم عند ذلك : ′ إن اللّه عز وجل تجاوز عن أمتي ما حدثوا به أنفسهم ما لم يعملوه أو يتكلموا به ′ . ٢٨٥البقرة : ٢٨٥ آمن الرسول بما . . . . . قوله سبحانه : ءامن الرسول بما أنزل إليه من ربه ، يقول : صدق محمد بما أنزل إليه من ربه من القرآن ، ثم قال : والمؤمنون كل ءامن باللّه ، يقول : كل صدق باللّه بأنه واحد لا شريك له و صدق ب وملائكته وكتبه ورسله ، يقول : لا يكفر بأحد من رسله ، فكل هذه الرسل صدق بهم المؤمنون لا نفرق بين أحد من رسله كفعل أهل الكتاب ، آمنوا ببعض الكتب وببعض الرسل ، فذلك التفريق ، فأما اليهود ، فآمنوا بموسى وبالتوراة ، وكفروا بالإنجيل والقرآن ، وأما النصارى ، فآمنوا بالتوراة والإنجيل وبعيسى صلى اللّه عليه وسلم ، وكفروا بالإنجيل والقرآن ، وأما النصارى ، فآمنوا بالتوراة والإنجيل وبعيسى صلى اللّه عليه وسلم ، وكفروا بمحمد صلى اللّه عليه وسلم وبالقرآن وقالوا ، فقال المؤمنون بعد ذلك : سمعنا قول ربنا في القرآن وأطعنا أمره ، ثم قال لهم بعدما أقروا بالنبي صلى اللّه عليه وسلم والكتب : أن غفرانك ربنا ، يقول : قولوا : وأعطنا مغفرة منك يا ربنا وإليك المصير [ آية : ٢٨٥ ] ، يقول : المرجع إليك في الآخرة . ٢٨٦البقرة : ٢٨٦ لا يكلف اللّه . . . . . قال سبحانه : لا يكلف اللّه نفسا إلا وسعها ، يقول : لا يكلفها من العمل إلا ما أطاقت لها ما كسبت من الخير وما عملت أو تظلمت به وعليها ما اكتسبت من الإثم ، ثم علم جبريل النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يقول : ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ، يقول : إن جهلنا عن شيء أو أخطأنا ، فتركنا أمرك ، قال اللّه عز وجل : ذلك لك ، ثم قال : ربنا ولا تحمل علينا إصرا ، يعني عهدا كما حملته على الذين من قبلنا ما كان حرم عليهم من لحوم الإبل ، وشحوم الغنم ، ولحوم كل ذي ظفر ، يقول : لا تفعل ذلك بأمتي بذنوبها كما فعلته ببني إسرائيل ، فجعلتهم قردة وخنازير ، قال اللّه تعالى : ذلك لك . ثم قال : ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا ، يقول : واعف عنا من ذلك واغفر لنا ، يقول : وتجاوز عنا ، عن ذنوبنا من ذلك كله واغفر وارحمنا أنت مولانا ، يقول : أنت ولينا فانصرنا على القوم الكافرين [ آية : ٢٨٦ ] ، يعني كفار مكة وغيرها إلى يوم القيامة ، قال اللّه تعالى : ذلك لك ، فاستجاب اللّه عز وجل له ، ذلك فيما سأل وشفعه في أمته ، وتجاوز لها عن الخطايا والنسيان وما استكرهوا عليه ، فلما نزلت قرأهن النبي صلى اللّه عليه وسلم على أمته ، وأعطاه اللّه عز وجل هذه الخصال كلها في الآخرة ، ولم يعطها أحدا من الأمم الخالية . قال : حدثنا عبيد اللّه بن ثابت ، قال : حدثني الهذيل ، عن مقاتل ، قال : بلغني أن اللّه عز وجل كتب كتابا قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام ، فهو عنده على العرش ، فأنزل منه لآيتين ختم بهما سورة البقرة : آمن الرسول إلى آخرها ، فمن قرأها في بيته لم يدخله الشيطان ثلاثة أيام ولياليهن . قال : حدثنا عبيد اللّه ، قال : حدثني أبي ، عن الهذيل أبي صالح ، عن مقاتل بن سليمان في قوله : من ذا الذي يقرض اللّه قرضا حسنا فيضاعفه له [ البقرة : ٢٤٥ ] ، قال : فقال أبو الدحداح : يا رسول اللّه ، إن تصدقت بصدقة ، أفلى مثلها في الجنة ؟ قال : ′ نعم ′ ، قال : والصبية معي ؟ قال : ′ نعم ′ ، قال : وأم الدحداح معي ؟ قال : ′ نعم ′ ، قال : وكان له حديقتان ، إحداهما تسمى الجنة ، والأخرى الجنينة ، وكانت الجنينة أفضل من الجنة ، قال : يا رسول اللّه ، أشهد بأني قد تصدقت بها على الفقراء ، أو بعتها من اللّه ورسوله ، فمن يقبضها ؟ قال : وجاء إلى باب الحديقة ، فتحرج أن يدخلها ، إذ جعلها للّه ورسوله ، فصاح : يا أم الدحداح هداك الهادي إلى سبيل القصد والرشاد بيني من الحائط الذي بالوادي فقد مضى قرضا إلى التناد أقرضته اللّه على اعتماد طوعا بلا من ولا ارتداد إلا رجاء الضعف في الميعاد فودعي الحائط وداع العاد واستيقني وفقت للرشاد فارتحلي بالفضل والأولاد إن التقى والبر خير زاد قدمه المرء إلى المعاد فأجابته : ربح بيعك ، واللّه لولا شرطك ما كان لك منه إلا مالك ، وأنشأت تقول : مثلك أحيا ما لديه ونصح وأشهر الحق إذا لحق وضح قد منح اللّه عيالي ما صلح بالعجوة السوداء والزهر البلح واللّه أولى بالذي كان منح مع واجب الحق ومع ما قد سرح والعبد يسعى وله ما قد كدح طول الليالي وعليه ما اجترح قال : ثم خرجت وجعلت تنفض ما في أكمام الصبيان ، وتخرج ما في أفواههم ، ثم خرجوا وسلموا الحديقة إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ′ كم نخلة لأبي الدحداح مدلا عذوقها في الجنة ، لو اجتمع على عذق منها أهل منى أن يقلوه ما أقلوه ′ . |
﴿ ٠ ﴾