٥٢

 ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون [ آية : ٥٢ ] ، يقول : لكي تشكروا ربكم في هذه النعمة ، فبعثوا يوم ماتوا ، ثم انصرفوا مع موسى راجعين ، فلما دنوا من العسكر على ساحل البحر ، سمعوا اللغط حول العجل ،

ف  هذا قتال في المحلة ، فقال موسى ، عليه السلام : ليس بقتال ، ولكنه صوت الفتنة ، فلما دخلوا المعسكر رأى موسى ماذا يصنعون حول العجل ، فغضب وألقى الألواح ،

فانكسر منها لوحان ، فارتفع من اللوح بعض كلام اللّه عز وجل ، فأمر بالسامري فأخرج من محلة بني إسرائيل ، ثم عمد إلى العجل فبرده بالمبرد وأحرقه بالنار ، ثم ذراه في البحر ، فذلك

قوله : لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا [ طه : ٩٧ ] .

فقال موسى : إنكم ظلمتم ، أي ضررتم ، أنفسكم باتخاذكم العجل إلها من دون اللّه سبحانه وتعالى ، فتوبوا إلى بارئكم ، يعني خالقكم ، وندم القوم على صنيعهم ، فذلك قوله سبحانه : ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا ، يعني أشركوا باللّه عز وجل قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين [ الأعراف : ١٤٩ ] ، ف  كيف لنا بالتوبة يا موسى ، قال : اقتلوا أنفسكم ، يعني يقتل بعضكم

بعضا ، كقوله سبحانه في النساء : ولا تقتلوا أنفسكم ، يقول : لا يقتل بعضكم بعضا إن اللّه كان بكم رحيما [ النساء : ٢٩ ] ، يعني ذلك القتل والتوبة خير لكم عند بارئكم ، يعني عند خالقكم .

  قد فعلنا ، فلما أصبحوا أمر موسى ، عليه السلام ، البقية الأثنى عشر ألفا الذين لم يعبدوا العجل أن يقتلوهم بالسيف والخناجر ، فخرج من كل بني أب على حدة من منازلهم ، فقعدوا بأفنية بيوتهم ، فقال بعضهم لبعض : هؤلاء إخوانكم أتوكم شاهرين السيوف ، فاتقوا اللّه واصبروا ، فلعنة اللّه على رجل حل جيوبه ، أو قام من مجلسه ، أو اتقى بيد أو رجل ، أو حار إليهم طرفة عين ،   آمين ، فقتلوهم من لدن طلوع

الشمس إلى انتصاف النهار يوم الجمعة ، وأرسل اللّه عز وجل عليهم الظلمة حتى لا يعرف بعضهم بعضا ، فبلغت القتلى سبعين ألفا ، ثم أنزل اللّه عز وجل الرحمة ، فلم يحد فيهم السلاح ، فأخبر اللّه عز وجل موسى ، عليه السلام ، أنه قد نزلت الرحمة ، فقال لهم :

قد نزلت الرحمة ، ثم أمر موسى المنادي فنادى : أن ارفعوا سيوفكم عن إخوانكم ، فجعل

اللّه عز وجل القتلى شهداء ، وتاب اللّه على الأحياء ، وعفى عن الذين صبروا للقتل ، فلم يقتلوا ، فمن مات قبل أن يأتيهم موسى ، عليه السلام ، على عبادة العجل دخل النار ،

ومن هرب من القتل لعنهم اللّه ، فضربت عليهم الذلة والمسكنة ، فذلك

قوله : سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا [ الأعراف : ١٥٢ ] ، وذلك قوله سبحانه :

 وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب [ الأعراف : ١٦٧ ] ،

فكان الرجل يأتي نادى قومه وهم جلوس ، فيقتل من العشرة ثلاثة ويدع البقية ،

ويقتل الخمسة من العشرين ، ومن كتب عليهم الشهادة ويبقى الذين لم يقض لهم أن يقتلوا ، فذلك قوله عز وجل : ثم عفونا عنكم ، فلم نهلككم جميعا من بعد ذلك ، يعني بعد العجل لعلكم ، يعني لكي تشكرون [ البقرة : ٥٢ ] ربكم في هذه النعم ، يعني العفو ، فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم ، وذلك قوله سبحانه في الأعراف : والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها ، يعني من بعد عبادة العجل وآمنوا ، يعني وصدقوا بأن اللّه واحد لا شريك له إن ربك من بعدها لغفور رحيم [ الأعراف : ١٥٣ ] لذو تجاوز عنهم رحيم بهم عند التوبة .

﴿ ٥٢