سورة النساء

مدنية وهي مائة وستة وسبعون آية كوفية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

النساء : ١ يا أيها الناس . . . . .

 يا أيها الناس اتقوا ربكم يخوفهم ، يقول : اخشوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، يعني آدم وخلق منها زوجها ، يعني من نفس آدم من ضلعه حواء ، وإنما سميت حواء لأنها خلقت من حي آدم ، قال سبحانه : وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ، يقول : وخلق من آدم وحواء رجالا كثيرا ونساء ، هم ألف أمة واتقوا اللّه الذي تساءلون به والأرحام ، يقول : تسألون باللّه بعضكم ببعض الحقوق والحوائج ، واتقوا الأرحام أن تقطعوها وصلوها ، إن اللّه كان عليكم رقيبا [ آية : ١ ] ، يعني حفيظاً لأعمالكم .

٢

النساء : ٢ وآتوا اليتامى أموالهم . . . . .

 وآتوا اليتامى ، يعني الأوصياء ، يعني أعطوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ، يقول : ولا تتبدلوا الحرام من أموال اليتامى بالحلال من أموالكم ، ولا تذرو

الحلال وتأكلوا الحرام ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ، يعني مع أموالكم ، كقوله

سبحانه : فأرسل إلى هارون [ الشعراء : ١٣ ] ، يعني معى هارون ، إنه كان حوبا كبيرا [ آية : ٢ ] ، يعني إثما كبيرا بلغة الحبش ، وقد كان أهل الجاهلية يسمون الحوب

الإثم ، نزلت في رجل من غطفان ، يقال له : المنذر بن رفاعة ، كان معه مال كبير ليتيم ،

وهو ابن أخيه ، فلما بلغ طلب ماله فمنعه ، فخاصمه إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فأمر أن يرد عليه

ماله ، وقرأ عليه الآية ، فلما سمعها قال : أطعنا اللّه وأطعنا الرسول ، ونعوذ باللّه من الحوب

الكبير ، فدفع إليه ماله ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : هكذا من يطع ربه عز وجل ، ويوق شح نفسه ،

فإنه يحل داره ، يعني جنته ، فلما قبض الفتى ماله ، أنفقه في سبيل اللّه ، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم :

ثبت الأجر وبقى الوزر ، فقالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم : قد عرفنا ثبت الأجر ، فكيف بقى الوزر وهو ينفق في سبيل اللّه ؟ فقال الأجر للغلام ، والوزر على والده .

٣

النساء : ٣ وإن خفتم ألا . . . . .

 وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ، نزلت في خميصة بن الشمردل ، وذلك أن اللّه

عز وجل أنزل : إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ، يعني بغير حق إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا [ النساء ١٠ ] ، فخاف المؤمنون الحرج ،

فعزلوا كل شيء لليتيم من طعام ، أو لبن ، أو خادم ، أو ركوب ، فلم يخالطوهم في شيء

منه ، فشق ذلك عليهم وعلى اليتامى ، فرخص اللّه عز وجل من أمولهم في الخلطة ،

فقال : وإن تخالطوهم فإخوانكم [ البقرة : ٢٢٠ ] : ، فنسخ من ذلك الخلطة ، فسألوا

النبي صلى اللّه عليه وسلم عما ليس به بأس ، وتركوا أن يسألوه عما هو أعظم منه ، وذلك أنه كان

يكون عند الرجل سبع نسوة ، أو ثمان ، أو عشر حرائر ، لا يعدل بينهن ، فقال سبحانه :

 وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ، يقول : ألا تعدلوا في أمر اليتامى ، فخافوا الإثم

في أمر النساء ، واعدلوا بينهن ، فذلك قوله عز وجل : فانكحوا ما طاب لكم ، يعني ما يحل لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ، ولم يطب فوق الأربع ، قال سبحانه :

 فإن خفتم  الإثم ألا تعدلوا في الاثنين والثلاث والأربع في القسمة والنفقة ،

 فواحدة ، يقول : فتزوج واحدة ولا تأثم ، فإن خفت أن لا تحسن إلى تلك الواحدة ؛

 أو ما ملكت أيمانكم من الولائد ، فاتخذ منهن ذلك أدنى ألا تعولوا [ آية : ٣ ] ،

يقول : ذلك أجدر ألا تميلوا عن الحق في الواحدة وفي إتيان الولائد بعضهم على بعض ،

ولما نزلت : مثنى وثلاث ورباع ، كان يومئذ تحت قيس بن الحارث ثمان نسوة ، فقال

النبي صلى اللّه عليه وسلم : خل سبيل أربعة منهن وأمسك أربعة ، فقال للتي يريد إمساكها : أقبلي ،

وللتي لا يريد إمساكها أدبري ، فأمسك أربعة وطلق أربعة .

٤

النساء : ٤ وآتوا النساء صدقاتهن . . . . .

 وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ، وذلك أن الرجل كان يتزوج بغير مهر ، فيقول :

أرثك وترثيني ، وتقول المرأة : نعم ، فأنزل اللّه عز وجل : وآتوا النساء ، يعني أعطوا

الأزواج النساء صدقاتهن ، يعني مهورهن نحلة ، يعني فريضة فإن طبن لكم ، يعني أحللن لكم ، يعني الأزواج عن شيء منه ، يعني المهر نفسا فكلوه هنيئا مريئا [ آية : ٤ ] ، يعني حلالا ، مريئا يعني طيبا .

٥

النساء : ٥ ولا تؤتوا السفهاء . . . . .

 ولا تؤتوا السفهاء ، يعني الجهال بموضع الحق في الأموال ، يعني لا تعطوا

نساءكم وأولادكم أموالكم التي جعل اللّه لكم قياما ، يعني قواما لمعاشكم ، فإنهن

سفهاء ، يعني جهالا بالحق ، نظيرها في البقرة : سفيها أو ضعيفا [ البقرة : ٢٨٢ ] ،

ولا يدري الصغير ما عليه من الحق في ماله ، ولكن وارزقوهم فيها ، يقول : أعطوهم

منها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا [ آية : ٥ ] ، يعني العدة الحسنة أني سأفعل ، وكنت

أنت القائم على مالك .

٦

النساء : ٦ وابتلوا اليتامى حتى . . . . .

 وابتلوا اليتامى ، يقول : اختبروا عقولهم حتى إذا بلغوا النكاح ، يعني الحلم ،

 فإن آنستم منهم رشدا معشر الأولياء والأوصياء صلاحا في دينهم وحفظا لأموالهم ،

 فادفعوا إليهم أموالهم التي معكم ولا تأكلوها إسرافا ، يعني بغير حق وبدارا

أن يكبروا ، يقول : يبادر أكلها خشية أن يبلغ اليتيم الحلم فيأخذ منه ماله ، ثم رخص

للذي معه مال اليتيم ، فقال سبحانه : ومن كان غنيا فليستعفف عن أموالهم ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ، يعني بالقرض ، فإن أيسر رد عليه ، وإلا فلا إثم عليه ،

 فإذا دفعتم ، يعني الأولياء والأوصياء إليهم ، يعني إلى اليتامى أموالهم إذا

احتلموا فأشهدوا عليهم بالدفع إليهم وكفى باللّه حسيبا [ آية : ٦ ] ، يعني شهيدا ،

فلا شاهد أفضل من اللّه بينكم وبينهم ، نزلت في ثابت بن رفاعة وعمه ، وذلك أن رفاعة

توفي وترك ابنه ثابت ، فولى ميراثه ، فنزلت فيه : وابتلوا اليتامى ، يقول : واختبروا ،

يعني به عم ثابت بن رفاعة اليتامى ، يعني ثابت بن رفاعة ، الآية كلها ، حتى قال

سبحانه : وكفى باللّه حسيبا .

٧

النساء : ٧ للرجال نصيب مما . . . . .

وقوله سبحانه : للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ، نزلت في أوس بن

مالك الأنصاري ، وذلك أن أوس بن مالك الأنصاري توفي وترك امرأته أم كحة

الأنصارية ، وترك ابنتين إحداهن صفية ، وترك ابنى عمه عرفطة وسويد ابنى الحارث ، فلم

يعطياها ولا ولداها شيئا من الميراث ، وكان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا الولدان

الصغار شيئا ، ويجعلون الميراث لذوي الأسنان منهم ، فانطلقت أم كحة وبناتها إلى النبي

 صلى اللّه عليه وسلم ، فقالت : إن أباهن توفي ، وإن سويد بن الحارث وعرفطة منعاهن حقهن من

الميراث ، فأنزل اللّه عز وجل في أم كحة ويناتها : للرجال نصيب ، يعني حظا ،

 وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ، يعني حظا مما قل منه ، يعني من

الميراث أو كثر نصيبا مفروضا [ آية : ٧ ] ، يعني حظا مفروضا ، يعني معلوما ،

فأخذت أم كحة الثمن وبناتها الثلثين ، وبقيته لسويد وعرفطة .

٨

النساء : ٨ وإذا حضر القسمة . . . . .

 وإذا حضر القسمة ، يعني المواريث ، فيها تقديم ، وإذا حضر أولوا القربى ، يعني قرابة الميت واليتامى والمساكين قسمة المواريث فارزقوهم منه ، يعني فأعطوهم من الميراث ، وإن قل ، وليس بموقت هذه قبل قسمة المواريث ،

 وقولوا لهم قولا معروفا [ آية : ٨ ] ، يقول سبحانه : إن كانت الورثة صغارا فليقل

أولياء الورثة لأهل هذه القسمة : إن بلغوا أمرناهم أن يدفعوا حقكم ويتبعوا وصية ربهم

عز وجل ، وإن ماتوا ورثناهم وأعطيناكم حقكم ، فهذا القول المعروف ، يعني العدة

الحسنة .

٩

النساء : ٩ وليخش الذين لو . . . . .

ثم قال عز وجل : وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا ، فهو الرجل

يحضر الميت ، فيقول له : قدم لنفسك ، أوص لفلان وفلان ، حتى يوصي بعامة ماله ، فيزيد

على الثلث ، فنهى اللّه عز وجل عن ذلك ، فقال : وليخش الذين يأمرون الميت بالوصية

بأكثر من الثلث ، فليخش على ورثة الميت الفاقة والضيعة ، كما يخشى على ذريته

الضعيفة من بعده ، فكذلك لا يأمر الميت بما يؤثمه ، فذلك قوله سبحانه : وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا ، يعني عجزة ، لا حيلة لهم ، نظيرها في البقرة ،

 خافوا عليهم الضيعة فليتقوا اللّه وليقولوا إذا جلسوا إلى الميت قولا

سديدا [ آية : ٩ ] ، يعني عدلا ، فليأمره بالعدل في الوصية ، فلا يحرفها ، ولا يجر فيها .

١٠

النساء : ١٠ إن الذين يأكلون . . . . .

 إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما  بغير حق إنما يأكلون في بطونهم نارا

وسيصلون سعيرا [ آية : ١٠ ] ، وذلك أن خازن النار يأخذ شفتيه ، وهما أطول من

مشفري البعير ، وطول شفتيه أربعون ذراعا ، أحداهما بالغة على منخره ،

والأخرى على

بطنه ، فيلقمه جمر جهنم ، ثم يقول : كل بأكلك أموال اليتامى ظلما ، فنسخت هذه

الآية : ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن [ الأنعام : ١٥٢ ] وإن

تخالطوهم فإخوانكم [ البقرة : ٢٢٠ ] ، فرخص في المخالطة ، ولم يرخص في أكل

أموال اليتامى ظلما .

١١

النساء : ١١ يوصيكم اللّه في . . . . .

ثم بين قسمة المواريث بين الورثة ، فقال عز وجل : يوصيكم اللّه في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين ، يعني بنات أم كحة فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت ابنة واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك الميت إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث ، وبقية المال

للأب فإن كان له إخوة فلأمه السدس ، وما بقي فللأب من بعد وصية يوصي بها أو دين ، يعني إلى الثلث أو دين عليه ، فإنه يبدأ بالدين من ميراث الميت بعد

الكفن ، ثم الوصية بعد ذلك ، ثم الميراث .

 آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا ، يعني في الآخرة ، فيكون معه

في درجته ، وذلك أن الرجل يكون عمله دون عمل ولده ، أو يكون عمله دون عمل

والده ، فيرفعه اللّه عز وجل في درجته لتقر أعينهم ، ثم قال في التقديم لهذه القسمة :

 فريضة ثابتة من اللّه إن اللّه كان عليما حكيما [ آية : ١١ ] في الميراث ،

 حكيما حكم قسمته .

١٢

النساء : ١٢ ولكم نصف ما . . . . .

 ولكم نصف ما ترك أزواجكم إذا متن إن لم يكن لهن ولد فإن

كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين

عليهم ، قال سبحانه : ولهن الربع مما تركتم بعد الموت من الميراث إن

لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من المال ،

 من بعد وصية توصون بها أو دين .

ثم قال عز وجل : وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة فيها تقديم ،

 يورث كلالة ، والكلالة الميت يموت وليس له ولد ولا والد ولا جد وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث ، فهم الإخوة لأم ، والذكر والأنثى في الثلث سواء ، ولا يوصى لوارث ، ولا

يقر بحق ليس عليه مضارة للورثة ، فذلك قوله سبحانه : من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من اللّه ، يعني هذه القسمة فريضة من اللّه واللّه عليم

بالضرار ، يعني من يضار في أمر الميراث حليم [ آية : ١٢ ] حين لا يعجل عليهم

بالعقوبة .

١٣

النساء : ١٣ تلك حدود اللّه . . . . .

 تلك حدود اللّه ، يعني هذه القسمة فريضة من اللّه ومن يطع اللّه ورسوله في قسمة المواريث يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها لا يموتون وذلك الثواب الفوز العظيم [ آية :

١٣ ] ،

١٤

النساء : ١٤ ومن يعص اللّه . . . . .

 ومن يعص اللّه ورسوله في قسمة المواريث ، فلم يقسمها ويتعد حدوده ، يعني يخالف أمره وقسمته إلى غيرها يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين [ آية : ١٤ ] ، يعني الهوان .

فلما فرض اللّه عز وجل لأم كحة وبناتها انطلق سويد وعرفطة وعيينة بن حصن إلى

النبي صلى اللّه عليه وسلم ف  إن المرأة لا تركب فرسا ولا تجاهد ، وليس عند الصبيان الصغار منفعة

في شيء ، فأنزل اللّه عز وجل في ذلك : ويستفتونك في النساء قل اللّه يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب ، يعني ما بين في قسمة المواريث في أول السورة ،

ويفتيكم في بنات أم كحة في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن إلى قوله سبحانه : فإن اللّه كان به عليما [ النساء :

١٢٧ ] .

١٥

النساء : ١٥ واللاتي يأتين الفاحشة . . . . .

قوله سبحانه : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ، يعني المعصية ، وهي

الزنا ، وهي المرأة الثيب تزني ولها زوج فاستشهدوا عليهن أربعة منكم عدولا ،

 فإن شهدوا عليهن بالزنا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت ، وإن

كان لها زوج وقد زنت أخذ الزوج المهر منها من غير طلاق ولا حد ولا جماع ، وتحبس

في السجن حتى تموت أو يجعل اللّه لهن سبيلا [ آية : ١٥ ] ، يعني مخرجا من

الحبس ، وهو الرجم ، يعني الحد ، فنسخ الحد في سورة النور الحبس في البيوت .

١٦

النساء : ١٦ واللذان يأتيانها منكم . . . . .

ثم ذكر البكرين اللذين لم يحصنا ، فقال عز وجل : والّذان يأتيانها منكم ،

يعني الفاحشة ، وهو الزنا ، منكم فآذوهما باللسان ، يعني بالتعيير والكلام القبيح

بما عملا ، ولا حبس عليهما ؛ لأنهما بكران ، فيعيران ليندما ويتوبا ، يقول اللّه عز وجل :

 فإن تابا من الفاحشة وأصلحا العمل فيما بقي فأعرضوا عنهما ،

يعني فلا تسمعوهما الأذى بعد التوية إن اللّه كان توابا رحيما [ آية : ١٦ ] .

ثم أنزل اللّه عز وجل في البكرين : فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة

[ النور : ٢ ] ، فنسخت هذه الآية التي في النور : الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد

منهما مئة جلدة ، فلما أمر اللّه عز وجل بالجلد ، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : اللّه أكبر ، جاء اللّه

بالسبيل ، البكر بالبكر جلد مائة ونفى سنة ، والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة ،

فأخرجوا من البيوت ، فجلدوا مائة وحدوا ، فلم يحبسوا ، فذلك قوله عز وجل أو يجعل اللّه لهن سبيلا ، يعني مخرجا من الحبس بجلد البكر ورجم المحصن .

١٧

النساء : ١٧ إنما التوبة على . . . . .

 إنما التوبة على اللّه ، يعني التجاوز على اللّه للذين يعملون السوء

بجهالة ، فكل ذنب يعمله المؤمن فهو جهل منه ثم يتوبون من قريب ، يعني قبل

الموت فأولئك يتوب اللّه عليهم ، يعني يتجاوز عنهم وكان اللّه عليما

حكيما [ آية : ١٧ ] ،

١٨

النساء : ١٨ وليست التوبة للذين . . . . .

 وليست التوبة للذين يعملون السيئات ، يعني

الشرك حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ، فلا توبة له عند الموت ،

 ولا  توبة الذين يموتون وهم كفار أولئك اعتدنا لهم عذابا أليما [ آية :

١٨ ] .

١٩

النساء : ١٩ يا أيها الذين . . . . .

 يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ، نزلت في محصن بن

أبي قيس بن الأسلت الأنصاري ، من بني الحارث بن الخزرج ، وفي امرأته هند بنت

صبرة ، وفي الأسود بن خلف الخزاعي ، وفي امرأته حبيبة بنت أبي طلحة ، وفي منظور

بن يسار الفزاري ، وفي امرأته ملكة بنت خارجة بن يسار المري ، تزوجوا نساء آبائهم

بعد الموت ، وكان الرجل من الأنصار إذا مات له حميم ، عمد الذي يرث الميت ، وألقى

على امرأة الميت ثوبا ، فيرث تزويجها ، رضيت أو كرهت ، على مثل مهر الميت ، فإن

ذهبت المرأة إلى أهلها قبل أن يلقى عليها ثوبا ، فهي أحق بنفسها ، فأتين النبي صلى اللّه عليه وسلم ،

فقلن : يا رسول اللّه ، ما يدخل بنا ولا ينفق علينا ولا نترك أن نتزوج ، فأنزل اللّه عز وجل

في هؤلاء النفر : لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ، يعن وهن كارهات ، ولكن

تزوجوهن برضى منهن ، وكان أحدهم يقول : أنا أرثك لأني ولي زوجك ، فأنا أحق

بك ، ثم انقطع الكلام .

ثم قال اللّه عز وجل : ولا تعضلوهن ، كان الرجل يفر بامرأته لتفتدى منه ، ولا

حاجة له فيها ، يقول : لا تحبسوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ، يقول : ببعض

ما أعطيتموهن من المهر ، ثم رخص واستثنى إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ، يعني

العصيان البين ، وهو النشوز ، فقد حلت الفدية إذا جاء العصيان من قبل المرأة ، ثم قال

تبارك وتعالى : وعاشروهن بالمعروف ، يقول : صاحبوهن بإحسان فإن

كرهتموهن وأردتم فراقهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل اللّه فيه خيرا

كثيرا [ آية : ١٩ ] ، يعني في الكره خيرا كثيرا ، يقول : عسى الرجل يكره المرأة ،

فيمسكها على كراهية ، فلعل اللّه عز وجل يرزقه منها ولدا ، ويعطفه عليها ، وعسى أن

يكرهها ، فيطلقها فيتزوجها غيره ، فيجعل اللّه للذي يتزوجها فيها خيرا كثيرا ، فيرزقه

منها لطفا وولدا .

تفسيرسورة النساء آية [ ٢٠ - ٢١ ]

٢٠

النساء : ٢٠ وإن أردتم استبدال . . . . .

قال سبحانه : وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج ، يقول : وإن أراد

الرجل طلاق امرأته ويتزوج أخرى غيرهأ وآتيتم إحداهن قنطارا ، يقول :

وآتيتم إحداهن من المهر قنطارا من ذهب ، والقنطار ألف ومائتا دينار فلا تأخذوا

منه شيئا إذا أردتم طلاقها ، يقول : فليس له أن يضر بها حتى تفتدي منه ، يقول :

 أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا [ آية : ٢٠ ] ، يعني بينا ،

٢١

النساء : ٢١ وكيف تأخذونه وقد . . . . .

 وكيف تأخذونه تعظيما

له ، يعني المهر وقد أفضى بعضكم إلى بعض ، يعني به الجماع وأخذن

منكم ميثاقا غليظا [ آية : ٢١ ] ، يعني بالميثاق الغليظ ما أمروا به من قوله تبارك

وتعالى فيهن : فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف [ البقرة : ٢٣١ ] ،

والغلظ يعني الشديد ، وكل غليظ في القرآن يعني به الشديد .

٢٢

النساء : ٢٢ ولا تنكحوا ما . . . . .

 ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ، نزلت في محصن بن أبي قيس بن

الأسلت بن الأفلح الأنصاري ، وفي امرأته كبشة بنت معن بن معبد بن عدي بن عاصم

الأنصاري من الأوس من بني خطمة بن الأوس إلا ما قد سلف ؛ لأن العرب

كانت تفعل ذلك قبل التحريم ، وذلك أن محصن مات أبوه ، فشد على امرأته فتزوجها ،

وهو محصن بن أبي قيس بن الأسلت الأنصاري ، من بني الحارث بن الخزرج ، وكبشة

بنت معن بن معبد ، وفي شريك وفي امرأته كحة إنه كان فاحشة ، يعني

معصية ومقتا ، يعني وبغضا وساء سبيلا [ آية : ٢٢ ] ، يعني وبئس

المسلك ، وقال سبحانه : إلا ما قد سلف ؛ لأن العرب كانوا ينكحون نساء الآباء ،

ثم حرم النسب والصهر ، ولم يقل : إلا ما قد سلف ؛ لأن العرب كانت لا تنكح

النسب والصهر ، وقال عز وجل في الأختين : إلا ما قد سلف ؛ لأنهم كانوا

يجمعون بينهما .

٢٣

النساء : ٢٣ حرمت عليكم أمهاتكم . . . . .

ثم بين ما حرم ، فقال تعالى ذكره : حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت ، فهذا النسب ، ثم قال

سبحانه : وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ،

يعني جامعتم أمهاتهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن ، يقول : إن لم تكونوا

جامعتم أمهاتهن فلا جناح عليكم يقول : فلا حرج عليكم في تزوج

البنات وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ، يقول : وحرم ما تزوج الابن

الذي خرج من صلب الرجل ولم يتبناه ، فهذا الصهر وأن تجمعوا بين الأختين ، فحرم جمعهما ، إلا أن يكون إحداهما بملك ، فزوجها غيره ، فلا بأس ،

 إلا ما قد سلف قبل التحريم إن اللّه كان غفورا رحيما [ آية : ٢٣ ] لما

كان من جماع الأختين قبل التحريم .

٢٤

النساء : ٢٤ والمحصنات من النساء . . . . .

 والمحصنات من النساء ، يعني وكل امرأة أيضا فنكاحها حرام مع ما حرم

من النسب والصهر ، ثم استثنى من المحصنات ، فقال سبحانه : إلا ما ملكت

أيمانكم من الحرائر مثنى وثلاث ورباع كتاب اللّه عليكم ، يعني فريضة اللّه

لكم بتحليل أربع وأحل لكم ما وراء ذلكم ، يعني ما وراء الأربع أن تبتغوا

بأموالكم محصنين لفروجهن غير مسافحين بالزنا علانية ، ثم ذكر المتعة ، فقال :

 فما استمتعتم به منهن  إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة ، يعني

أعطوهن مهورهن ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ، يقول :

لا حرج عليكم فيما زدتم من المهر وازددتم في الأجل بعد الأمر الأول إن اللّه كان

عليما  بخلقه حكيما [ آية : ٢٤ ] في أمره ، نسختها آية الطلاق وآية المواريث .

٢٥

النساء : ٢٥ ومن لم يستطع . . . . .

ثم إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نهى عن المتعة بعد نزول هذه الآية مرارا ، واللّه تعالى يقول :

 وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [ الحشر : ٧ ] ، قال سبحانه :

 ومن لم يستطع منكم طولا ، يقول : من لم يجد منكم سعة من المال أن ينكح

المحصنات المؤمنات ، يعني الحرائر ، فليتزوج من الإماء فمن ما ملكت

أيمانكم ، يعني الولائد ، فتزوجوا من فتياتكم المؤمنات ، يعني الولائد ، ثم قال

سبحانه : واللّه أعلم بإيمانكم من غيره ، فيكره للعبد المسلم أن يتزوج وليدة من

أهل الكتاب ؛ لأن ولده يصير عبدا ، فإن تزوجها وولدت له ، فإنه يشتري من سيده

رضى أو كره ، ويسعى في ثمنه بعضكم من بعض يتزوج هذا وليدة هذا ، وهذا وليدة هذا .

قال سبحانه : فانكحوهن بإذن أهلهن ، يقول : تزوجوا الولائد بإذن أربابهن ،

 وآتوهن أجورهن ، يقول : وأعطوهن مهورهن بالمعروف محصنات عفائف

لفروجهن غير مسافحات غير معلنات بالزنا ولا متخذات أخدان ، يعني

أخلاء في السر ، فيزني بها سرا فإذا أحصن ، يعني أسلمن فإذا أتين

بفاحشة ، يقول : فإن جئن بالزنا فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ، يعني خمسين جلدة ، نصف ما على الحرة إذا زنت ذلك التزويج

للولائد لمن خشي العنت منكم ، يعني الإثم في دينه ، وهو الزنا وأن ،

يعني ولئن تصبروا عن تزويج الأمة خير لكم من تزويجهن واللّه غفور

لتزويجه الأمة رحيم [ آية : ٢٥ ] به حين رخص له في تزويجها إذا لم يجد طولا ،

يعني سعة في تزويج الحرة .

٢٦

النساء : ٢٦ يريد اللّه ليبين . . . . .

 يريد اللّه ليبين لكم ، يعني أن يبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ، يعني شرائع هدى من كان قبلكم من المؤمنين من تحريم النسب والصهر ،

 ويتوب عليكم ، يعني ويتجاوز عنكم من نكاحكم ، يعني تزويجكم إياهن من قبل

التحريم واللّه عليم حكيم [ آية : ٢٦ ] .

٢٧

النساء : ٢٧ واللّه يريد أن . . . . .

 واللّه يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات ، يعني به الزنا ،

وذلك أن اليهود زعموا أن نكاح ابنة الأخت من الأب حلال ، فذلك قوله سبحانه :

 أن تميلوا عن الحق ميلا عظيما [ آية : ٢٧ ] في استحلال نكاح ابنة الأخت

من الأب ،

٢٨

النساء : ٢٨ يريد اللّه أن . . . . .

 يريد اللّه أن يخفف عنكم إذ رخص في تزويج الأمة لمن لم يجد طولا

لحرة ، وذلك قوله سبحانه : وخلق الإنسان ضعيفا [ آية : ٢٨ ] ، لا يصبر عن

النكاح ، ويضعف عن تركه ، فلذلك أحل لهم تزويج الولائد لئلا يزنوا .

٢٩

النساء : ٢٩ يا أيها الذين . . . . .

 يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ، يقول : لا تأكلوها

إلا بحقها وهو الرجل يجحد حق أخيه المسلم ، أو يقتطعه بيمينه ، ثم استثنى ما استفضل

الرجل من مال أخيه من التجارة ، فلا بأس ، فقال سبحانه : إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم ، يقول : لا يقتل بعضكم بعضا ؛ لأنكم أهل دين

واحد إن اللّه كان بكم رحيما [ آية : ٢٩ ] ، إذ نهى عن ذلك ،

٣٠

النساء : ٣٠ ومن يفعل ذلك . . . . .

 ومن يفعل ذلك ، يعني الدماء والأموال جميعا عدوانا وظلما ، يعني اعتداء بغير حق وظلما

لأخيه فسوف نصليه نارا وكان ذلك على اللّه يسيرا [ آية : ٣٠ ] ، يقول : كان

عذابه على اللّه هينا .

٣١

النساء : ٣١ إن تجتنبوا كبائر . . . . .

قال سبحانه : إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه من أول هذه السورة إلى

هذه الآية نكفر عنكم سيئاتكم ، يعني ذنوب ما بين الحدين وندخلكم مدخلا كريما [ آية : ٣١ ] ، يعني حسنا ، وهي الجنة لما نزلت للذكر مثل حظ الأنثيين [ النساء : ١١ ] ، قالت النساء : لم هذا ؟ نحن أحق أن يكون لنا سهمان ولهم

سهم ؛ لأنا ضعاف الكسب والرجال أقوى على التجارة والطلب والمعيشة منا ، فإذا لم

يفعل اللّه ذلك بنا ، فإنا نرجو أن يكون الوزر على نحو ذلك علينا وعليهم ، فأنزل اللّه في

قولهم : كنا نحن أحوج إلى سهمين ،

٣٢

النساء : ٣٢ ولا تتمنوا ما . . . . .

قوله سبحانه : ولا تتمنوا ما فضل اللّه به بعضكم على بعض ، يقول : فضل الرجال على النساء في الميراث ، ونزل في قولهن :

نرجو أن يكون الوزر على نحو ذلك : للرجال نصيب ، يعني حظا مما اكتسبوا من الإثم وللنساء نصيب ، يعني حظا مما اكتسبن من الإثم ،

 وسئلوا اللّه من فضله ، يعني الرجال والنساء إن اللّه كان بكل شيء

من قسمة الميراث عليما [ آية : ٣٢ ] . به

٣٣

النساء : ٣٣ ولكل جعلنا موالي . . . . .

 ولكل جعلنا موالي ، يعني العصبة بني العم والقربى مما ترك الوالدان

والأقربون والذين عقدت أيمانكم ، كان الرجل يرغب في الرجل ، فيحالفه

ويعاقده على أن يكون معه وله من ميراثه كبعض ولده ، فلما نزلت هذه الآية آية

المواريث ، ولم يذكر أهل العقد ، فأنزل اللّه عز وجل : والذين عقدت أيمانكم

 فآتوهم نصيبهم ، يقول : أعطوهم الذي سميتم لهم من الميراث إن اللّه كان على كل شيء  من أعمالكم شهيدا [ آية : ٣٣ ] إن أعطيتم نصيبهم أو لم

تعطوهم ، فلم يأخذ هذا الرجل شيئا حتى نزلت : وأولو الأرحام بعضهم أولى

ببعض [ الأحزاب : ٦ ] ، فنسخت هذه الآية : والذين عقدت أيمانكم .

٣٤

النساء : ٣٤ الرجال قوامون على . . . . .

قوله عز وجل : الرجال قوامون على النساء ، نزلت في سعد بن الربيع بن

عمرو ، من النقباء ، وفي امرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير ، وهما من الأنصار من بني

الحارث بن الخزرج ، وذلك أنه لطم امرأته ، فأتت أهلها ، فانطلق أبوها معها إلى النبي

 صلى اللّه عليه وسلم ، فقال : أنكحته وأفرشته كريمتي فلطمها ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : لتقتص من زوجها ،

فأتت مع زوجها لتقتص منه ، ثم قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ارجعوا ، هذا جبريل ، عليه السلام ، قد

أتاني ، وقد أنزل اللّه عز وجل : الرجال قوامون على النساء ، يقول : مسلطون على

النساء بما فضل اللّه بعضهم على بعض ، وذلك أن الرجل له الفضل على امرأته

في الحق وبما أنفقوا من أموالهم ، يعني وفضلوا بما ساق إليها من المهر ، فهم

مسلطون في الأدب والأخذ على أيديهن ، فليس بين الرجل وبين امرأته قصاص إلا في

النفس والجراحة ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم عند ذلك : أردنا أمرا وأراد اللّه أمرا ، والذي أراد اللّه

خيرا .

فقال سبحانه : فالصالحات  في الدين قانتات ، يعني

مطيعات له ولأزواجهن حافظات للغيب لغيبة أزواجهن في فروجهن

وأموالهم بما حفظ اللّه ، يعني بحفظ اللّه لهن ، ثم قال : والاتي تخافون

نشوزهن ، يعني تعلمون عصيانهن من نسائكم ، يعني سعدا ، يقول : تعلمون

معصيتهن لأزواجهن فعظوهن باللّه ، فإن لم يقبلن العظة واهجروهن في المضاجع ، يقول : لا تقربها للجماع ، فإن رجعت إلى طاعة زوجها بالعظة والهجران ،

وإلا واضربوهن ضرباً غير مبرح ، يعني غير شائن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ، يعني عللا ، يقول : لا تكلفها في الحب لك ما لا تطيق إن اللّه كان عليا ، يعني رفيعا فوق خلقه كبيرا [ آية : ٣٤ ] .

٣٥

النساء : ٣٥ وإن خفتم شقاق . . . . .

 وإن خفتم ، يعني علمتم شقاق بينهما ، يعني خلاف بينهما ، بين سعد

وامرأته ، ولم يتفقا ، ولم يدر من قبل من منهما النشوز من فبل الرجل أو من قبل المرأة ؟

 فابعثوا ، يعني الحاكم ، يقول للحاكم ، قابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ، فينظرون في أمرهما في النصيحة لهما ، إن كان من قبل النفقة أو إضرار وعظا

الرجل ، وإن كان من قبلها ، وعظاها لعل اللّه أن يصلح على أيديهما ، فذلك قوله عز

وجل : إن يريدا إصلاحا ، يعني الحكمين يوفق اللّه بينهما للصلح ، فإن لم

يتفقا وظنا أن الفرقة خير لهما في دينهما ، فرق الحكمان بينهما برضاهما إن اللّه كان عليما ، بحكمهما خبيرا [ آية : ٣٥ ] بنصيحتهما في دينهما .

٣٦

النساء : ٣٦ واعبدوا اللّه ولا . . . . .

 واعبدوا اللّه ، يعني وحدوا اللّه ولا تشركوا به شيئا ؛ لأن أهل

الكتاب يعبدون اللّه في غير إخلاص ، فلذلك قال اللّه : ولا تشركوا به شيئا من

خلقه وبالوالدين إحسانا ، يعني برا بهما وبذي القربى والإحسان إلى ذي

القربى ، يعني صلته و الإحسان إلى واليتامى والمساكين أن تتصدقوا عليهم ،

والإحسان إلى والجار ذي القربى ، يعني جارا بينك وبينه قرابة والجار الجنب ، يعني من قوم آخرين والصاحب بالجنب ، يقول : الرفيق في السفر

والحضر وابن السبيل ، يعني الضيف ينزل عليك أن تحسن إليه و إلى

 وما ملكت أيمانكم من الخدم وغيره ، وعن على وعبد اللّه ، قالا : والصاحب بالجنب المرأة ، فأمر اللّه عز وجل بالإحسان إلى هؤلاء إن اللّه لا يحب من كان مختالا ، يعني بطرا مرحا فخورا [ آية : ٣٦ ] في نعم اللّه ، لا يأخذ ما

أعطاه اللّه عز وجل فيشكر .

٣٧

النساء : ٣٧ الذين يبخلون ويأمرون . . . . .

 الذين يبخلون ، يعني رءوس اليهود ويأمرون الناس بالبخل ، وذلك

أن رءوس اليهود كعب بن الأشرف وغيره ، كانوا يأمرون سفلة اليهود بكتمان أمر

محمد صلى اللّه عليه وسلم خشية أن يظهروه ويبينوه ، ومحوه من التوراة ويكتمون ما آتاهم اللّه عز وجل ، يعني ما أعطاهم من فضله في التوراة من أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم ونعته ،

ثم أخبر عما لهم في الآخرة ، فقال : وأعتدنا يا محمد للكافرين ، يعني

لليهود عذابا مهينا [ آية : ٣٧ ] ، يعني الهوان .

٣٨

النساء : ٣٨ والذين ينفقون أموالهم . . . . .

ثم أخبر عنهم ، فقال سبحانه : والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ، يعني

اليهود ولا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ، يقول : لا يصدقون باللّه أنه واحد لا

شريك له ، ولا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال بأنه كائن ومن يكن الشيطان له قرينا ، يعني صاحبا فساء قرينا [ آية : ٣٨ ] ، يعني فبئس الصاحب ،

٣٩

النساء : ٣٩ وماذا عليهم لو . . . . .

ثم قال عز وجل : وماذا عليهم ، يعني وما كان عليهم لو آمنوا باللّه واليوم الآخر ، يعني بالبعث وأنفقوا مما رزقهم اللّه من الأموال في الإيمان ومعرفته ،

 وكان اللّه بهم عليما [ آية : ٣٩ ] أنهم لن يؤمنوا .

٤٠

النساء : ٤٠ إن اللّه لا . . . . .

 إن اللّه لا يظلم مثقال ذرة ، يعني لا ينقص وزن أصغر من الذرة من أموالهم ،

 وإن تك حسنة واحدة يضاعفها حسنات كثيرة ، فلا أحد أشكر من اللّه عز

وجل ويؤتي من لدنه أجرا عظيما [ آية : ٤٠ ] ، يقول : ويعطي من عنده في الآخرة

جزاء كثيرا ، وهي الجنة ،

٤١

النساء : ٤١ فكيف إذا جئنا . . . . .

ثم خوفهم ، فقال تعالى : فكيف بهم إذا جئنا من كل أمة بشهيد ، يعني نبيهم ، وهو شاهد عليهم بتبليغ الرسالة إليهم من ربهم وجئنا بك يا محمد على هؤلاء شهيدا [ آية : ٤١ ] ، يعني كفار أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم بتبليغ

الرسالة .

٤٢

النساء : ٤٢ يومئذ يود الذين . . . . .

ثم أخبر عن كفار أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم ، فقال سبحانه : يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ، وذلك بأنهم قالوا في الآخرة : واللّه ربنا ما كنا مشركين ،

فشهدت عليهم الجوارح بما كتمت ألسنتهم من الشرك ، فودوا عند ذلك أن الأرض

انشقت فدخلوا فيها فاستوت عليهم ولا يكتمون اللّه حديثا [ آية : ٤٢ ] ، يعني

الجوارح حين شهدت عليهم .

٤٣

النساء : ٤٣ يا أيها الذين . . . . .

 يا أيها الذين آمنوا ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ، لما نزلت هذه الآية قال

النبي صلى اللّه عليه وسلم : قد قدم اللّه عز وجل تحريم الخمر إلينا ، وذلك أن عبد الرحمن بن عوف

الزهري صنع طعاما ، فدعا أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وسعد بن أبي وقاص ،

رحمهم اللّه جميعا ، فأكلوا وسقاهم خمرا ، فحضرت صلاة المغرب ، فأمهم على بن أبي

طالب ، رضي اللّه عنه ، فقرأ : قل يا أيها الكافرون [ الكافرون : ١ ] ، فقال في

قراءته : نحن عابدون ما عبدتم ، فأنزل اللّه عز وجل في علي بن أبي طالب ، رضي اللّه

عنه وأصحابه : يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى  حتى تعلموا ما تقولون في صلاتكم ، فتركوا شربها إلا من بعد صلاة الفجر إلى الضحى الأكبر ،

فيصلون الأولى وهم أصحياء .

ثم إن رجلا من الأنصار يسمى عتبان بن مالك دعا سعد بن أبي وقاص إلى رأس

بعير مشوى ، فأكلا ثم شربا فسكرا ، فغضب الأنصاري ، فرفع لحى البعير فكسر أنف

سعد ، فأنزل اللّه عز وجل تحريم الخمر في المائدة بعد غزوة الأحزاب ، قال سبحانه :

 لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون  ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا ، ثم استثنى المسافر الذي لا يجد الماء ، فقال سبحانه : إلا عابري سبيل وإن كنتم مرضى أو على سفر ، نزلت في عبد الرحمن بن عوف ، أصابته

جنابة وهو جريح ، فشق عليه الغسل ، وخاف منه شرا ، أو يكون به قرح أو جدري ،

فهو بهذه المنزلة ، فذاك قوله سبحانه : وإن كنتم مرضى ، يعني به جرحا فوجدتم الماء ،

فعليكم التيمم .

وإن كنتم على سفر وأنتم أصحاء ، نزلت في عائشة أم المؤمنين ، رضي اللّه عنها ،

 أو جاء أحد منكم من الغائط ، يعني الخلاء أو لمستم النساء ، يعني جامعتم ،

 فلم تجدوا ماء فتيمموا ، يقول : الصحيح الذي لا يجد الماء ، والمريض الذي يجد الماء

يتيمموا صعيدا طيبا ، يعني حلالا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إلى

الكرسوع إن اللّه كان عفوا عنكم غفورا [ آية : ٤٣ ] لما كان منكم قبل النهى

عن السكر والصلاة والتيمم بغير وضوء ، وقد نزلت آية التيمم في أمر عائشة ، رضى اللّه

عنها ، بين الصلاتين .

٤٤

النساء : ٤٤ ألم تر إلى . . . . .

 ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا ، يعن حظا ، ألم تر إلى فعل الذين أعطوا نصيبا ، يعني

حظا من الكتاب ، يعني التوراة يشترون ، يعني يختارون ، وهم اليهود ، منهم

إصبغ ورافع ابنا حريملة ، وهما من أحبار اليهود يشترون  الضلالة ، يعني باعوا

إيمانا بمحمد صلى اللّه عليه وسلم قبل أن يبعث ، بتكذيب بمحمد صلى اللّه عليه وسلم بعد بعثته ويريدون أن تضلوا السبيل [ آية : ٤٤ ] ، يعني أن تخطئوا قصد طريق الهدى كما أخطأوا الهدى ، نزلت في

عبد اللّه بن أبي ، ومالك بن دخشم ، حين دعوهما إلى دين اليهودية وعيروهما بالإسلام

وزهدوهما فيه ، وفيهما نزلت :

٤٥

النساء : ٤٥ واللّه أعلم بأعدائكم . . . . .

 واللّه أعلم بأعدائكم ، يعني بعداوتهم إياكم ، يعني

اليهود وكفى باللّه وليا ، فلا ولى أفضل من اللّه عز وجل وكفى باللّه نصيرا

[ آية : ٤٥ ] ، فلا ناصر أفضل من اللّه جل ذكره .

وفيهما نزلت : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم [ آل

عمران : ١١٨ ] ، نزلت في عبد اللّه بن أبي ، ومالك بن دخشم ، وفي بني حريملة .

٤٦

النساء : ٤٦ من الذين هادوا . . . . .

 من الذين هادوا ، يعني اليهود يحرفون الكلم عن مواضعه ، يعني

بالتحريف نعت محمد صلى اللّه عليه وسلم ، عن مواضعه ، عن بيانه في التوراة ، ليا بألسنتهم ،

 ويقولون للنبي صلى اللّه عليه وسلم  سمعنا قولك وعصينا أمرك ، فلا تطيعك ،

 واسمع منا يا محمد تحدثك غير مسمع منك قولك يا محمد ، غير مقبول ما

تقزل وراعنا ، يعني ارعنا سمعك ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ، يعني دين

الإسلام ، يقولون : إن دين محمد ليس بشيء ، ولكن الذي نحن عليه هو الدين .

يقول اللّه عز وجل : ولو أنهم قالوا سمعنا قولك وأطعنا أمرك واسمع

منا وانظرنا حتى نحدثك يا محمد لكان خيرا لهم من التحريف والطعن في

الدين ومن راعنا وأقوم ، يعني وأصوب من قولهم الذي قالوا ولكن لعنهم اللّه بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا [ آية : ٤٦ ] ، والقليل الذي آمنوا به ، إذ يعلمون أن اللّه

ربهم ، وهو خالقهم ورازقهم ، ويكفرون بمحمد صلى اللّه عليه وسلم وبما جاء به ، نزلت في رفاعة بن

زيد بن السائب ، ومالك بن الضيف ، وكعب بن أسيد ، كلهم يهود ، مثلها في آخر

السورة .

٤٧

النساء : ٤٧ يا أيها الذين . . . . .

ثم خوفهم ، فقال : يا أيها الذين أوتوا الكتاب ، يعني كعب بن الأشرف ، يعني

الذي أعطوا التوراة آمنوا بما نزلنا ، يعني بما أنزل اللّه من القرآن على محمد ،

 مصدقا لما معكم ، يقول : تصديق محمد معكم في التوراة أنه نبي رسول من

قبل أن نطمس وجوها ، يقول : نحول الملة عن الهدى والبصيرة التي كانوا عليها من

إيمان بمحمد صلى اللّه عليه وسلم قبل أن يبعث فنردها على أدبارها بعد الهدى الذي كانوا عليه

كفارا ضلالا أو نلعنهم ، يعني نعذبهم كما لعنا ، يعني كما عذبنا أصحاب

السبت ، يقول : فنمسخهم قردة كما فعلنا بأوائلهم وكان أمر اللّه مفعولا آية :

٤٧ ] ، يقول : أمره كائن لا بد ، هذا وعيد .

٤٨

النساء : ٤٨ إن اللّه لا . . . . .

 إن اللّه لا يغفر أن يشرك به ، فيموت عليه ، يعني اليهود ويغفر ما دون ذلك  الشرك لمن يشاء لمن مات موحدا ، فمشيئته تبارك وتعالى لأهل التوحيد . قال :

حدثنا عبيد اللّه بن ثابت ، قال : حدثني أبي ، عن الهذيل ، عن مقاتل بن سليمان ، عن

رجل ، عن مجاهد ، أن الاستثناء لأهل التوحيد ومن يشرك باللّه معه غيره فقد

افترى إثما عظيما [ آية : ٤٨ ] ، يقول : فقد قال ذنبا عظيما .

٤٩

النساء : ٤٩ ألم تر إلى . . . . .

 ألم تر ، يعني ألم تنظر إلى ، يعني فعل الذين يزكون أنفسهم ، يعني اليهود ، منهم بحرى بن عمرو ، ومرحب بن زيد ، دخلوا بأولادهم إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ف

أهل لهؤلاء ذنوب ؟ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : لا ، ف  والذي تحلف به ما نحن إلا كهيئتهم ،

نحن أبناء اللّه وأحباؤه ، وما من ذنب نعمله بالنهار إلا غفر لنا بالليل ، وما من ذنب نعمله

بالليل إلا غفر لنا بالنهار ، فزكوا أنفسهم ، يقول اللّه عز وجل بل اللّه يزكي من

يشاء ، يعني يصلح من يشاء من عباده ولا يظلمون ، يعني ولا ينقصون من

أعمالهم فتيلا [ آية : ٤٩ ] ، يعني الأبيض الذي يكون في شق النواة من الفتيل .

٥٠

النساء : ٥٠ انظر كيف يفترون . . . . .

يقول اللّه عز وجل : يا محمد انظر كيف يفترون على اللّه الكذب ، لقولهم : نحن

أبناء اللّه وأحباؤه وكفى به ، يعني بما قالوا إثما مبينا [ آية : ٥٠ ] ، يعني بينا ،

النساء : ٥١ ألم تر إلى . . . . .

 ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ، وذلك أن كعب بن الأشرف

اليهودي ، وكان عربيا من طيىء ، وحيى بن أخطب ، انطلقا في ثلاثين من اليهود إلى مكة

بعد قتال أحد ، فقال أبو سفيان بن حرب : إن أحب الناس إلينا من يعيننا على قتال هذا

الرجل ، حتى نفنى أو يفنوا ، فنزل كعب على أبي سفيان ، فأحسن مثواه ، ونزلت اليهود

في دور قريش ، فقال كعب لأبي سفيان : ليجيء منكم ثلاثون رجلا ، ومنا ثلاثون

رجلا ، فنلصق أكبادنا بالكعبة ، فنعاهد رب هذا البيت ، لنجتهدن على قتال محمد ،

ففعلوا ذلك .

قال أبو سفيان لكعب بن الأشرف : أنت امرؤ من أهل الكتاب تقرأ الكتاب ، فنحن

أهدى أم ما عليه محمد ؟ فقال : إلى ما يدعوكم محمد ؟ قال : إلى أن نعبد اللّه ولا نشرك به

شيئا ، قال : فأخبروني ما أمركم ؟ وهو يعلم ما أمرهم ،   ننحر الكوماء ، ونقرى

الضيف ، ونفك العاني ، يعني الأسير ، ونسقى الحجيج الماء ، ونعمر بيت ربنا ، ونصل

أرحامنا ، ونعبد إلهنا ونحن أهل الحرم ، فقال كعب : أنت واللّه أهدى مما عليه محمد ،

فأنزل اللّه عز وجل : ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ، يقول : أعطوا

حظا من التوراة يؤمنون بالجبت ، يعني حيى بن أخطب القرظي ،

 والطاغوت ، وكعب بن الأشرف ويقولون للذين كفروا من أهل مكة

 هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا [ آية : ٥١ ] ، يعني طريقا .

٥٢

النساء : ٥٢ أولئك الذين لعنهم . . . . .

يقول اللّه : أولئك الذين لعنهم اللّه ، يعني كعبا وأصحابه ومن يلعن اللّه فلن تجد له نصيرا [ آية : ٥٢ ] ، فلما رجع كعب إلى المدينة ، بعث الني صلى اللّه عليه وسلم إلى نفر من

أصحابه بقتله ، فقتله محمد بن مسلمة الأنصاري ، من بني حارثة بن الحارث تلك الليلة ،

فلما أصبح النبي صلى اللّه عليه وسلم سار في المسلمين ، فحاصر أهل النضير حتى أجلاهم من المدينة إلى

أذرعات وأريحا من أرض الشام ،

٥٣

النساء : ٥٣ أم لهم نصيب . . . . .

 أم لهم ، تقول : ألهم ، والميم ها هنا صلة ، فلو كان

لهم ، يعني اليهود نصيب ، يعني حظا من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا [ آية :

٥٣ ] ، يعني لا يعطون الناس من بخلهم وحسدهم وقلة خيرهم ، نقيرا يعني بالنقير النقرة

التي في ظهر النواة التي ينبت منها النخلة .

٥٤

النساء : ٥٤ أم يحسدون الناس . . . . .

 أم يحسدون الناس ، يعني النبي صلى اللّه عليه وسلم وحده على ما آتاهم اللّه من فضله ،

يعني ما أعطاهم من فضله ، وذلك أن اليهود   انظروا إلى هذا الذي لا يشبع من

الطعام ، ما له هم إلا النساء ، يعنون النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فحسدوه على النبوة وعلى كثرة النساء ،

ولو كان نبيا ما رغب في النساء ، يقول اللّه عز وجل : فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة ، يعني النبوة وآتيناهم ملكا عظيما [ آية : ٥٤ ] ، وكان يوسف منهم

على مصر ، وداود وسليمان منهم ، وكان لداود تسعة وتسعون امرأة ، وكان لسليمان

ثلاثمائة امرأة حرة ، وسبعمائة سرية ، فكيف تذكرون محمدا في تسع نسوة ، ولا تذكرون

داود وسليمان ، عليهما السلام ، فكان هؤلاء أكثر نساء ، وأكثر ملكا من محمد صلى اللّه عليه وسلم .

ومحمد أيضا من آل إبراهيم ، وكان إبراهيم ولوطا ، وإسحاق ، وإسماعيل ، ويعقوب ،

عليهم السلام ، يعملون بما في صحف إبراهيم ،

٥٥

النساء : ٥٥ فمنهم من آمن . . . . .

 فمنهم ، يعني من آل إبراهيم من آمن به ، يقول : صدق بالكتاب الذي جاء به ومنهم من صد عنه ، يعني أعرض

عن الإيمان بالكتاب ولم يصدق به وكفى بجهنم سعيرا [ آية : ٥٥ ] ، يقول : وكفى

بوقودها وعذابها وقودا لمن كفر بكتاب إبراهيم ، فلا وقود أحر من جهنم لأهل الكفر .

٥٦

النساء : ٥٦ إن الذين كفروا . . . . .

ثم أخبر بمستقر الكفار ، فقال سبحانه : إن الذين كفروا ، يعني اليهود ،

 بآياتنا ، يعني القرآن سوف نصليهم نارا كلما نضجت ، يعني احترقت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ، جددنا لهم جلودا غيرها ، وذلك أن النار إذا أكلت جلودهم

بدلت كل يوم سبع مرات على مقدار كل يوم من أيام الدنيا ليذوقوا العذاب

عذاب النار جديدا إن اللّه كان عزيزا في نقمته حكيما [ آية : ٥٦ ] ، حكم

لهم النار .

٥٧

النساء : ٥٧ والذين آمنوا وعملوا . . . . .

ثم أخبر بمستقر المؤمنين ، فقال سبحانه : والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات ، يعني البساتين تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ، لا يموتون لهم فيها أزواج ، يعني النساء مطهرة ، يعني المطهرات من الحيض والغائط والبول

والقذر كله وندخلهم ظلا ، يعني أكنان القصور ظليلا [ آية : ٥٧ ] ، يعني لا

خلل فيها .

٥٨

النساء : ٥٨ إن اللّه يأمركم . . . . .

 إن اللّه يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ، نزلت في عثمان بن طلحة بن عبد

اللّه القرشي ، صاحب الكعبة في أمر مفاتيح الكعبة ، وذلك أن العباس بن عبد المطلب ،

رضي اللّه عنه ، قال للنبي صلى اللّه عليه وسلم : اجعل فينا السقاية والحجابة لنسود بها الناس ، وقد كان

أخذ المفتاح من عثمان حين افتتح مكة ، فقال عثمان بن طلحة للنبي صلى اللّه عليه وسلم : إن كنت

تؤمن باللّه واليوم الآخر فادفع إلى المفتاح ، فدفع النبي صلى اللّه عليه وسلم المفتاح ، ثم أخذه ثلاث

مرات ، ثم إن النبي صلى اللّه عليه وسلم طاف بالبيت ، فأنزل اللّه تبارك وتعالى : إن اللّه يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لعثمان : خذه بأمانة اللّه ، حيث دفع إليه

المفتاح ، فقال العباس ، رضي اللّه عنه ، للنبي صلى اللّه عليه وسلم : جعلت السقاية فينا والحجابة لغيرنا ،

فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : أما ترضون أني جعلت لكم ما تدرون ، ونحيت عنكم ما لا تدرون ، ولكم أجر ذلك ؟ ، قال العباس : بلى ، قال : بشرفهم بذلك ، أي تفضلون على الناس ، ولا يفضل الناس عليكم .

ثم قال عز وجل : وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن اللّه نعما يعظكم به إن اللّه كان سميعا بصيرا [ آية : ٥٨ ] ، فلا أحد أسمع منه بصيرا ، فلا أحد أبصر منه ،

فكان من العدل أن دفع السقاية إلى العباس بن عبد المطلب ، والحجابة إلى عثمان بن

طلحة ؛ لأنهما كانا أهلها في الجاهلية .

٥٩

النساء : ٥٩ يا أيها الذين . . . . .

 يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ، وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم ،

بعث خالد بن الوليد على سرية فيهم عمار بن ياسر ، فساروا حتى دنوا من الماء ،

فعرسوا قريبا ، وبلغ العدو أمرهم فهربوا ، وبقى منهم رجل ، فجمع متاعه ، وجاء ليلا

فلقى عمارا ، فقال : يا أبا اليقظان ، إن القوم سمعوا بكم ، فهربوا ولم يبق غيري ، وقد

أسلمت ، وشهدت ألا إله إلا اللّه ، وأن محمدا عبده ورسوله ، فهل الإسلام نافعي ؟ فقال

عمار : ينفعك ، فأقم ، فلما أصبح خالد غار بخيلة ، فلم يجد إلا هذا الرجل وماله ، فقال

عمار : خل عن هذا الرجل وماله ، فقد أسلم وهو في أماني ، قال خالد : فبم أنت تجير

دوني وأنا أمير عليك ، فاستبا ، فلما رجعا إلى المدينة أجاز النبي صلى اللّه عليه وسلم أمان عمار ، ونهاه

أن يجير الثانية على أمير ، فقال خالد : يا نبي اللّه ، يسبني هذا العبد الأجدع ، وشتم خالد

عمارا .

فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لخالد : لا تسب عمارا ، فمن سب عمارا سب اللّه ، ومن أبغض

عمارا أبغضه اللّه ، ومن لعن عمارا لعنه اللّه ، فغضب عمار ، فقام فذهب ، فقال النبي

 صلى اللّه عليه وسلم لخالد : قم فاعتذر إليه ، فأتاه خالد فأخذ بثوبه ، فاعتذر إليه ، فأعرض عنه ، فأنزل

اللّه عز وجل في عمار : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ،

يعني خالد بن الوليد ؛ لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان ولاه أمرهم ، فأمر اللّه عز وجل بطاعة أمراء

سرايا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .

 فإن تنازعتم في شيء من الحلال والحرام ، يعني خالدا وعمارا فردوه إلى اللّه ،

يعني إلى القرآن والرسول ، يعني سنة النبي صلى اللّه عليه وسلم ، نظيرها في النور ، ثم قال : إن كنتم تؤمنون باللّه ، يعني تصدقون باللّه بأنه واحد لا شريك له واليوم الآخر ، يعني

باليوم الذي فيه جزاء الأعمال ، فليفعل ما أمر اللّه ذلك الرد إليهما خير وأحسن تأويلا آية : ٥٩ ] ، يعني وأحسن عاقبة .

٦٠

النساء : ٦٠ ألم تر إلى . . . . .

 ألو تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا ، يعني صدقوا بما أنزل إليك من

القرآن و صدقوا ب وما أنزل من قبلك من الكتب على الأنبياء ، وذلك أن

بشر المنافق خاصم يهوديا ، فدعاه اليهودي إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ودعاه المنافق إلى كعب ، ثم

إنهما اختصما إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقضى لليهودي على المنافق ، فقال المنافق لليهودي : اتطلق

أخاصمك إلى عمر بن الخطاب ، رضى اللّه عنه ، فقال اليهودي لعمر ، رضي اللّه عنه : إني

خاصمته إلى محمد صلى اللّه عليه وسلم ، فقضى لي ، فلم يرض بقضائه ، فزعم أنه مخاصمني إليك ، فقال

عمر ، رضي اللّه عنه ، للمنافق : أكذلك ؟ قال : نعم ، أحببت أن أفترق عن حكمك ، فقال

عمر ، رضى اللّه عنه ، مكانك حتى أخرج إليكما ، فدخل عمر ، رضي اللّه عنه ، فأخذ

السيف ، واشتمل عليه ، ثم خرج إلى المنافق فضربه حتى برد ، فقال عمر ، رضي اللّه عنه :

هكذا أقضى على من لم يرض بقضاء اللّه عز وجل وقضاء رسوله صلى اللّه عليه وسلم .

وأتى جبريل ، عليه السلام ، إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال : يا محمد ، قد قتل عمر الرجل ، وفرق

اللّه بين الحق والباطل ، فسمى عمر ، رضى اللّه عنه ، الفاروق ، فأنزل اللّه عز وجل في

بشر المنافق : ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك  يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ، يعني كعب بن الأشرف ، وكان

يتكهن وقد أمروا أن يكفروا به ، يعني أن يتبرأوا من الكهنة ويريد الشيطان أن يضلهم عند الهدى ضلالا بعيدا [ آية : ٦٠ ] ، يعني طويلا .

٦١

النساء : ٦١ وإذا قيل لهم . . . . .

 وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل اللّه في كتابه وإلى الرسول رأيت المنافقين ، يعني بشرا يصدون عنك صدودا [ آية : ٦١ ] ، يعني يعرضون

عنك يا محمد إعراضا إلى غيرك ، مخافة أن تحيف عليهم ،

٦٢

النساء : ٦٢ فكيف إذا أصابتهم . . . . .

 فكيف بهم ، يعني

المنافقين إذا أصابتهم مصيبة في أنفسهم بالقتل بما قدمت أيديهم

من المعاصي في التقديم ، ثم انقطع الكلام ، ثم ذكر الكلام ، فقال عز ذكره : ثم

جاءوك يحلفون باللّه نظيرها في سورة براءة إن أردنا ببناء مسجد القرار ،

 إلا إحسانا وتوفيقا [ آية : ٦٢ ] ، يعني إلا الخير والصواب ، وفيهم نزلت :

 وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى ، يعني إلا الخير واللّه يشهد إنهم لكاذبون

[ التوبة : ١٠٧ ] في قولهم الذي حلفوا به .

٦٣

النساء : ٦٣ أولئك الذين يعلم . . . . .

 أولئك الذين يعلم اللّه ما في قلوبهم من النفاق فأعرض عنهم

وعظهم  بلسانك وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا [ آية : ٦٣ ] ، نسختها آية

السيف ،

٦٤

النساء : ٦٤ وما أرسلنا من . . . . .

 وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع ، يعني إلا لكي يطاع بإذن

اللّه ، يقول : لا يطيعه أحد حتى يأذن اللّه عز وجل له في طاعة رسوله صلى اللّه عليه وسلم ولو

أنهم إذا ظلموا أنفسهم جاءوك بالذنوب ، يعني حين لم يرضوا بقضائك جاءوك :

 فاستغفروا اللّه من ذنوبهم واستغفر لهم الرسول لوجدوا اللّه توابا

رحيما [ آية : ٦٤ ] .

٦٥

النساء : ٦٥ فلا وربك لا . . . . .

 فلا وربك لا يؤمنون ، وذلك أن الزبير بن العوام ، رضى اللّه عنه ، وهو من بنى

أسد بن عبد العزى ، وحاطب بن أبي بلتعة العنسي من مذحج ، وهو حليف لبني أسد

بن عبد العزى ، اختصما إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم في الماء ، وكانت أرض الزبير فوق أرض حاطب ،

وجاء السيل ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم للزبير : اسق ، ثم أرسل الماء إلى جارك ، فغضب حاطب

وقال للنبي صلى اللّه عليه وسلم : أما إنه ابن عمتك ، فتغير وجه النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ومر حاطب على المقداد بن

الأسود الكندي ، فقال : يا أبا لتعة ، لمن كان القضاء ، فقال : قضى لابن عمته ، ولوى

شدقه ، فأنزل اللّه عز وجل ، فأقسم : فلا وربك لا يؤمنون  حتى يحكموك فيما

شجر بينهم ، يعني اختلفوا بينهم ، يقول : لا يستحقون الإيمان حتى يرضوا بحكمك

فيما اختلفوا فيه من شيء ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ، يقول :

لا يجدون في قلوبهم شكا مما قضيت أنه الحق ويسلموا لقضائك لهم وعليهم

 تسليما [ آية : ٦٥ ] .

فقالت اليهود : قاتل اللّه هؤلاء ، ما أسفههم ، يشهدون أن محمدا رسول اللّه ويبذلون

له دماءهم ، وأموالهم ، ووطئوا عقبة ، ثم يتهمونه في القضاء ، فواللّه لقد أمرنا موسى ، عليه

السلام ، في ذنب واحد ، أتيناه فقتل بعضنا بعضا ، فبلغت القتلى سبعين ألفا حتى رضى

اللّه عنا ، وما كان يفعل ذلك غيرنا ، فقال عند ذلك ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري :

فواللّه ، إن اللّه عز وجل ليعلم أنه لو أمرنا أن نقتل أنفسنا لقتلناها ، فأنزل اللّه عز وجل في

قول ثابت :

٦٦

النساء : ٦٦ ولو أنا كتبنا . . . . .

 ولو أنا كتبنا ، يقول : لو أنا فرضنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ، فكان من ذلك القليل عمار بن ياسر ، وعبد

اللّه بن مسعود ، وثابت بن قيس ، فقال عمر بن الخطاب ، رضى اللّه عنه ، واللّه لو فعل

ربنا لفعلنا ، فالحمد للّه الذي لم يفعل بنا ذلك ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : والذي نفسي بيده ،

للإيمان أثبت في قلوب المؤمنين من الجبال الرواسي .

ثم قال : ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به من القرآن لكان خيرا لهم في

دينهم وأشد تثبيتا [ آية : ٦٦ ، يعني تصديقا في أمر اللّه عز وجل ،

٦٧

النساء : ٦٧ وإذا لآتيناهم من . . . . .

 وإذا لآتيناهم من لدنا ، يعني من عندنا أجرا عظيما [ آية : ٦٧ ] ، يعني الجنة ،

٦٨

النساء : ٦٨ ولهديناهم صراطا مستقيما

 ولهديناهم صراطا مستقيما [ آية : ٦٨ ] ، فلما نزلت : إلا قليل منهم ، قال النبي

 صلى اللّه عليه وسلم : لعمار بن ياسر ، وعبد اللّه بن مسعود ، وثابت بن الشماس من أولئك القليل .

٦٩

النساء : ٦٩ ومن يطع اللّه . . . . .

 ومن يطع اللّه والرسول ، نزلت في رجل من الأنصار يسمى : عبد اللّه بن زيد بن

عبد ربه الأنصاري ، قال للنبي صلى اللّه عليه وسلم ، وهو الذي رأى الأذان في المنام مع عمر بن

الخطاب ، رضى اللّه عنهما : إذا خرجنا من عندك إلى أهالينا اشتقنا إليك ، فلم ينفعنا شيء

حتى نرجع إليك ، فذكرت درجاتك في الجنة ، فكيف لنا برؤيتك إن دخلنا الجنة ؟ فأنزل

اللّه عز وجل : ومن يطع اللّه والرسول  فأولئك مع الذين أنعم اللّه عليهم من النبيين بالنبوة والصديقين بالتصديق ، وهم أول من صدق بالأنبياء ، عليهم

السلام ، حين عاينوهم والشهداء ، يعني القتلى في سبيل اللّه بالشهادة ،

 والصالحين ، يعني المؤمنين أهل الجنة وحسن أولئك رفيقا [ آية : ٦٩ ] ،

٧٠

النساء : ٧٠ ذلك الفضل من . . . . .

 ذلك ، يعني هذا الثواب هو الفضل من اللّه وكفى باللّه عليما [ آية : ٧٠ ] ،

فلما توفي النبي صلى اللّه عليه وسلم أتاه ابنه وهو في حديقة له ، فأخبره بموت النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال عند

ذلك : اللّهم اعمني ، فلا أرى شيئا بعد حبيبي أبدا ، فعمى مكانه ، وكان يحب النبي صلى اللّه عليه وسلم

حبا شديدا ، فجعله اللّه عز وجل مع النبي صلى اللّه عليه وسلم في الجنة .

٧١

النساء : ٧١ يا أيها الذين . . . . .

 يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم ، يعني عدتكم من السلاح فانفروا ثبات ، عصبا سرايا جماعة إلى عدوكم أو انفروا إليهم جميعا [ آية : ٧١ ]

مع النبي صلى اللّه عليه وسلم ، إذا نفر ،

٧٢

النساء : ٧٢ وإن منكم لمن . . . . .

 وإن منكم لمن ليبطئن ، يعني ليتخلفن النفر ، نزلت في عبد اللّه

بن أبي بن ملك بن أبي عوف بن الخزرج رأس المنافقين فإن أصابتكم مصيبة ، يعني

بلاء من العدو أو شدة من العيش قال المنافق قد أنعم اللّه علي إذ لم أكن معهم شهيدا [ آية : ٧٢ ] ، يعني شاهدا فيصيبني من البلاء ما أصابهم .

٧٣

النساء : ٧٣ ولئن أصابكم فضل . . . . .

 ولئن أصابكم فضل ، يعني رزق من اللّه عز وجل ، يعني الغنيمة ،

 ليقولن ندامة في التخلف كأن لم تكن بينكم وبينه مودة في الدين والولاية ،

 يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما [ آية : ٧٣ ] ، فالحق من الغنيمة نصيبا وافرا ،

٧٤

النساء : ٧٤ فليقاتل في سبيل . . . . .

 فليقاتل في سبيل اللّه الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل اللّه فيقتل أو يغلب ، فيقتل في سبيله أو يغلب عدوه فسوف نؤتيه أجرا عظيما ، [ آية : ٧٤ ] في الجنة ، لقولهم للنبي صلى اللّه عليه وسلم : إن نقاتل فنقتل ولا نقتل ؟ فنزلت هذه

الآية ، فأشركهم جميعا في الأجر ،

٧٥

النساء : ٧٥ وما لكم لا . . . . .

 وما لكم لا تقاتلون في سبيل اللّه ، وتقاتلون عن ،

 والمستضعفين ، يعني المقهورين من الرجال والنساء والولدان المقهورين بمكة حتى

يتسع الأمر ، ويأتي إلى الإسلام من أراد منهم .

ثم أخبر عنهم ، فقال سبحانه : الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية ، يعني

مكة الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا ، يعني من عندك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا [ آية : ٧٥ ] على أهل مكة والمستضعفين من الرجال ، يعني المؤمنين ، قال

ابن عباس ، رحمه اللّه : كنت أنا وأمي من المستضعفين من النساء والولدان .

٧٦

النساء : ٧٦ الذين آمنوا يقاتلون . . . . .

ثم قال : الذين آمنوا يقاتلون في سبيل اللّه ، يعني طاعة اللّه والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت ، يعني في طاعة الشيطان ، ثم حرض اللّه عز وجل المؤمنين ، فقال :

 فقاتلوا أولياء الشيطان ، يعني المشركين بمكة إن كيد ، يعني إن مكر

 الشيطان كان ضعيفا [ آية : ٧٦ ] ، يعني واهنا ، كقوله سبحانه : موهن كيد الكافرين [ الأنفال : ١٨ ] ، يعني مضعف كيد الكافرين ، فسار النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى مكة

ففتحها ، وجعل اللّه عز وجل للمستضعفين مخرجا .

٧٧

النساء : ٧٧ ألم تر إلى . . . . .

 ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم عن القتال ، نزلت في عبد الرحمن بن عوف ،

وسعد بن أبي وقاص ، رضى اللّه عنهما ، وهما من بني زهرة ، وقدامة بن مظعون

الجمحي ، والمقداد بن الأسود الكندي ، رضى اللّه عنهم ، وذلك أنهم استأذنوا في قتال

كفار مكة سرا ، مما كانوا يلقون منهم من الأذى ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : مهلا ، كفوا أيديكم

عن قتالهم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ، فإني لم أومر بقتالهم ، فلما هاجر النبي

 صلى اللّه عليه وسلم إلى المدينة ، أمر اللّه عز وجل بالقتال ، فكره بعضهم ، فذلك قوله عز وجل : فلما كتب عليهم القتال ، يعني فرض القتال بالمدينة إذا فريق منهم ، نزلت في طلحة بن

عبيد اللّه ، رضى اللّه عنه يخشون الناس ، يعني كفار مكة كخشية اللّه ، فلا

يقاتلونهم أو أشد خشية وقالوا ، وهو الذي قال : ربنا لم كتبت علينا القتال ،

يعني لم فرضت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب هلا تركتنا حتى نموت موتا

وعافيتنا من القتل قل متاع الدنيا قليل ، تتمتعون فيها يسيرا

والآخرة خير من

الدنيا ، يعني الجنة أفضل من الدنيا لمن اتقى ولا تظلمون من أعمالكم الحسنة

 فتيلا [ آية : ٧٧ ] ، يعني الأبيض الذي يكون في وسط النواة حتى يجازوا بها .

٧٨

النساء : ٧٨ أينما تكونوا يدرككم . . . . .

ثم أخبر عن كراهيتهم للقتال ذاكرا لهم أن الموت في أعناقكم ، فقال سبحانه :

 أينما تكونوا من الأرض يدرككم ، يعني يأتيكم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ، يعني القصور الطوال المشيدة إلى السماء في الحصانة حين لا يخلص إليه ابن

آدم يخلص إليه الموت حين يفر منه ، وقال عبد اللّه بن أبي ، لما قتلت الأنصار يوم أحد ،

قال : لو أطاعونا ما قتلوا ، فنزلت : أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ، يعني القصور .

ثم أخبر سبحانه عن المنافقين عبد اللّه بن أبي وأصحابه ، فقال : وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند اللّه ببدر ، يعني نعمة ، وهي الفتح والغنيمة ، يقول : هذه الحسنة من

عند اللّه وإن تصبهم سيئة ، يعني بلية ، وهي القتل والهزيمة يوم أحد يقولوا هذه من عندك يا محمد ، أنت حملتنا على هذا ، وفي سببلك كان هذا ، فقال عز وجل لنبيه

 صلى اللّه عليه وسلم : قل كل ، يعني الرخاء والشدة من عند اللّه فمال هؤلاء القوم ، يعني المنافقين

 لا يكادون يفقهون حديثا [ آية : ٧٨ ] ، أن الشدة والرخاء والسيئة والحسنة من اللّه ، ألا

يسمعون ما يحذرهم ربهم في القرآن ؟ يعني عبد اللّه بن أبي .

٧٩

النساء : ٧٩ ما أصابك من . . . . .

فقال اللّه عز وجل لنبيه صلى اللّه عليه وسلم : ما أصابك من حسنة ، يعني الفتح والغنيمة يوم بدر ،

 فمن اللّه كان وما أصابك من سيئة ، يعني البلاء من العدو ، والشدة من العيش

يوم أحد فمن نفسك ، يعني فبذنبك ، يعني ترك المركز ، وفي مصحف عبد اللّه بن

مسعود ، وأبي بن كعب : فبذنبك ، وأنا كتبتها عليك وأرسلناك للناس رسولا وكفى باللّه شهيدا [ آية : ٧٩ ] ، يعني فلا شاهد أفضل من اللّه بأنك رسوله .

٨٠

النساء : ٨٠ من يطع الرسول . . . . .

 من يطع الرسول فقد أطاع اللّه ، وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال في المدينة : من أحبني

فقد أحب اللّه ، ومن أطاعني فقد أطاع اللّه ، فقال المنافقون : ألا تسمعون إلى هذا

الرجل وما يقول ؟ لقد قارب الشرك ، وهو ينهى ألا يعبد إلا اللّه ، فما حمله على الذي

قال إلا ان نتخذه حنانا ، يعنون ربا ، كما اتخذت النصارى عيسى ابن مريم حنانا ، فأنزل

اللّه عز وجل تصديقا لقول نبيه صلى اللّه عليه وسلم : من يطع الرسول فقد أطاع اللّه  ومن تولى

عرض عن طاعتهما فما أرسلناك عليهم حفيظا [ آية : ٨٠ ] ، يعني رقيبا .

٨١

النساء : ٨١ ويقولون طاعة فإذا . . . . .

ثم أخبر عن المنافقين ، فقال سبحانه : ويقولون طاعة للنبي صلى اللّه عليه وسلم حين أمرهم

بالجهاد ، وذلك أنهم دخلوا على النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ف  مرنا بما شئت ، فأمرك طاعة ، فإذا خرجوا من عنده خالفوا ، وقالوا غير الذي قال لهم النبي صلى اللّه عليه وسلم فأنزل اللّه عز وجل :

 ويقولون طاعة للنبي صلى اللّه عليه وسلم فإذا برزوا من عندك ، يعني خرجوا من عندك يا

محمد بيت طائفة ، يقول : ألفت طائفة منهم غير الذي تقول واللّه يكتب ما يبيتون ، يعني الحفظة ، فيكتبون ما يقولون من الكذب فأعرض عنهم ، يعني

الجلاس بن سويد ، وعمرو بن زيد ، فلا تعاتبهم وتوكل على اللّه ، يعني وثق باللّه عز

وجل وكفى باللّه وكيلا [ آية : ٨١ ] ، يعني وكفى به منيعاً ، فلا أحد أمنع من اللّه عز

وجل ، ويقال : وكيلا ، يعني شهيدا لما يكتمون .

٨٢

النساء : ٨٢ أفلا يتدبرون القرآن . . . . .

ثم وعظهم ، فقال سبحانه : أفلا يتدبرون ، يعني أفلا يسمعون القرآن

فيعلمون أنه ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا [ آية : ٨٢ ] ، يعني

كذبا كبيرا ؛ لأن الاختلاف في قول الناس ، وقول اللّه عز وجل لا اختلاف فيه ،

٨٣

النساء : ٨٣ وإذا جاءهم أمر . . . . .

 وإذا جاءهم ، يعني المنافقين أمر من الأمن ، يعني شيئا من الأمر يسر المؤمنين من

الفتح والخير ، قصروا عما جاءهم من الخير .

قال سبحانه : أو الخوف ، يعني فإن جاءهم بلاء أو شدة نزلت بالمؤمنين ،

 أذاعوا به ، يعني أفشوه ، فإذا سمع ذلك المسلمون كاد أن يدخلهم الشك ولو ردوه إلى الرسول حتى يخبر الرسول صلى اللّه عليه وسلم بما كان من الأمر أو ردوه وإلى أولي الأمر منهم ، يقول : أمراء السرايا ، فيكونون هم الذين يخبرون ويكتبون به لعلمه الذين يستنبطونه منهم ، يعني الذين يتبينونه منهم ، يعني الخير على وجهه ، ويحبوا أن يعلموا ذلك فيعلمونه ، قال سبحانه : ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته ، يعني

ونعمته فعصمكم من قول المنافقين لاتبعتم الشيطان إلا قليلا [ آية : ٨٣ ] ، نزلت

في أناس كانوا يحدثون أنفسهم بالشرك .

٨٤

النساء : ٨٤ فقاتل في سبيل . . . . .

ثم قال عز وجل : فقاتل في سبيل اللّه ، فأمره أن يقاتل بنفسه لا تكلف إلا نفسك ، يعني ليس عليك ذنب غيرك وحرض المؤمنين ، يعني وحرض على القتال ،

يعني على قتال العدو عسى اللّه أن يكف بأس ، يعني قتال الذين كفروا واللّه أشد بأسا ، يعني أخذا وأشد تنكيلا [ آية : ٨٤ ] ، يعني نكالا ، يعني عقوبة

من الكفار ، ولو لم يطع النبي صلى اللّه عليه وسلم أحدا من الكفار ، لكفاه اللّه عز وجل .

٨٥

النساء : ٨٥ من يشفع شفاعة . . . . .

وقوله سبحانه : من يشفع شفاعة حسنة لأخيه المسلم بخير يكن له نصيب منها ، يعني حظا من الأجر من أجل شفاعته ومن يشفع شفاعة سيئة ، وهو

الرجل يذكر أخاه بسوء عند رجل فيصيبه عنت منه ، فيأثم المبلغ ، فذلك قوله سبحانه :

 يكن له كفل منها ، يعني إثما من شفاعته وكان اللّه على كل شيء مقيتا [ آية :

٨٥ ] من الحيوان ، عليه قوت كل دابة لمدة رزقها .

٨٦

النساء : ٨٦ وإذا حييتم بتحية . . . . .

 وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها ، نزلت في نفر بخلوا بالسلام ، فحيوا

بأحسن منها أو ردوها ، يقول : فردوا عليه أحسن مما قال : قال فيقول : وعليك

ورحمة اللّه وبركاته ، أو يرد عليه مثل ما سلم عليه إن اللّه كان على كل شيء من أمر

التحية ، إن رددت عليها أحسن منها أو مثلها حسيبا [ آية : ٨٦ ] ، يعني شهيدا ،

٨٧

النساء : ٨٧ اللّه لا إله . . . . .

 اللّه لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة ، نزلت في قوم شكوا في البعث ،

فأقسم اللّه عز وجل بنفسه ليبعثهم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ، يعني لا شك في

البعث ومن أصدق من اللّه حديثا [ آية : ٨٧ ] ، يقول : فلا أحد أصدق من اللّه حديثا

إذا حدث ، يعني في أمر البعث .

٨٨

النساء : ٨٨ فما لكم في . . . . .

 فما لكم صرتم في المنافقين نزلت في تسعة نفر ، منهم : مخرمة بن زيد

القرشي ، هاجروا من مكة إلى المدينة ، فقدموا وأرادوا الرجعة ، فقال بعضهم : نخرج

كهيئة البداة ، فإذا غفل عنا مضينا إلى مكة ، فجعلوا يتحولون منقله منقلة ، حتى تباعدوا

من المدينة ، ثم إنهم أدلجوا حتى أصبحوا قد قطعوا أرضا بعيدة ، فلحقوا بمكة ، فكتبوا إلى

النبي صلى اللّه عليه وسلم : إنا على ما فرقناك عليه ، ولكنا اشتقنا إلى بلادنا وإخوتنا بمكة ، ثم إنهم

خرجوا تجارا إلى الشام ، واستبضعهم أهل مكة بضائعهم ، فقالوا لهم : أنتم على دين محمد

 صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه ، فلا بأس عليكم ، فساروا وبلغ المسلمين أمرهم ، فقال بعضهم لبعض :

أخرجوا إلى هؤلاء فنقاتلهم ، ونأخذ ما معهم ، فإنهم تركوا دار الهجرة وظاهروا عدونا .

وقال آخرون : ما حلت دماؤهم ولا أموالهم ولكنهم فتنوا ، ولعلهم يرجعوا للتوبة ،

والنبي صلى اللّه عليه وسلم ساكت ، فأنزل اللّه عز وجل يخبر عن التسعة رهط ويعظ المؤمنين ليكون

أمرهم جميعا عليهم ، فقال اللّه عز وجل : فما لكم صرتم في المنافقين

 فئتين تختصمون واللّه أركسهم ، يعني أضلهم فردهم إلى الكفر بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل اللّه ومن يضلل اللّه عن الهدى فلن تجد له سبيلا [ آية : ٨٨ ] .

٨٩

النساء : ٨٩ ودوا لو تكفرون . . . . .

ثم أخبر عن التسعة ، فقال سبحانه : ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء أنتم

وهم على الكفر فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل اللّه ، يعني حتى

يهاجروا إلى دار الهجرة بالمدينة فإن تولوا ، فإن أبوا الهجرة فخذوهم ، يعني

فأسروهم واقتلوهم حيث ، يعني أين وجدتموهم من الأرض في الحل

والحرم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا [ آية : ٨٩ ] ، يعني ولا ناصرا .

٩٠

النساء : ٩٠ إلا الذين يصلون . . . . .

ثم استثنى ، فقال : إلا الذين يصلون ، يعني التسعة المرتدين إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق ، يعني عهد خزاعة وبني خزيمة ، وفيهم نزلت : إلا الذين عاهدتم من المشركين [ التوبة : ٤ ] ، إن وصل هؤلاء التسعة إلى أهل عهدكم وهم خزاعة ، منهم :

هلال بن عويمر الأسلمى ، وسراقة بن مالك بن جشم ، وبنو مدلج ، وبنو جذيمة ، وهما

حيان بن كنانة ، فلا تقتلوا التسعة ؛ لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم صالح هؤلاء على أن من يأتيهم من

المسلمين فهو آمن ، يقول : إن وصل هؤلاء وغيرهم إلى أهل عهدكم ، فإن لهم مثل الذي

لحلفائهم .

ثم قال عز وجل : أو جاءوكم ، يعني بني جذيمة حصرت صدورهم ، يعني

ضيقة قلوبهم إن يقاتلوكم ، يعني ضاقت قلوبهم أن يقتالوكم أو يقاتلوا قومهم من التسعة ، ثم قال : ولو شاء اللّه لسلطهم عليكم فلقاتلوكم ، يخوف

المؤمنين ، ثم قال : فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم ، يعني الصلح ، يعني

هلالا وقومه حزاعة فما جعل اللّه لكم عليهم سبيلا [ آية : ٩٠ ] في قتالهم .

٩١

النساء : ٩١ ستجدون آخرين يريدون . . . . .

 ستجدون آخرين منهم أسد غطفان ، أتوا النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال لهم النبي صلى اللّه عليه وسلم : أجئتم

مهاجرين ؟ ،   بل جئنا مسلمين ، فإذا رجعوا إلى قومهم ،   آمنا بالعقرب

والخنفساء إذ تعود ، فقال : ستجدون آخرين  يريدون أن يأمنوكم ، يعني يأمنوا

فيكم معشر المؤمنين بأنهم مقرون بالتوحيد ويأمنوا قومهم المشركين ؛ لأنهم على

دينهم كل ما ردوا إلى الفتنة ، يعني كلما دعوا إلى الشرك أركسوا فيها ،

يقول : عادوا في الشرك فإن لم يعتزلوكم في القتال ويلقوا إليكم السلم ، يعني

الصلح ويكفوا أيديهم عن قتالكم فخذوهم واقتلوهم ، يعني أأسروهم

واقتلوهم حيث ثقفتموهم ، يعني أدركتموهم من الأرض في الحل والحرم ،

 وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا [ آية : ٩١ ] ، يعني حجة بينة .

٩٢

النساء : ٩٢ وما كان لمؤمن . . . . .

ثم صارت منسوخة وما كان لمؤمن ، يعني عياش بن أبي ربيعة بن المغيرة

المخزومي ، يقول : ما كان ينبغي لمؤمن أن يقتل مؤمنا ، يعني الحارث بن يزيد بن

أبي أنيسة من بني عامر بن لؤي إلا خطئا ، وذلك أن الحارث أسلم في موادعة

أهل مكة ، فقتله عياش خطأ ، وكان عياش قد حلف على الحارث بن يزيد ليقتلنه ، وكان

الحارث يومئذ مشرك ، فأسلم الحارث ولم يعلم به عياش فقتله بالمدينة ومن قتل مؤمنا

خطئا فتحرير رقبة مؤمنة أي التي قد صلت للّه ووحدت اللّه ودية مسلمة إلى أهله ، أي المقتول إلا أن يصدقوا ، يقول : إلا أن يصدق أولياء المقتول بالدية

على القاتل ، فهو خير لهم فإن كان هذا المقتول من قوم عدو لكم من

أهل الحرب وهو ، يعني المقتول مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة نزلت في

مرداس بن عمر القيسي ، ولا دية له وإن كان هذا المقتول وكان ورثته من قوم بينكم وبينهم ميثاق ، يعني عهد فدية مسلمة إلى أهله ، أي إلى

أهل المقتول ، يعني إلى ورثته بمكة ، وكان بين النبي صلى اللّه عليه وسلم وبين أهل مكة يومئذ عهد ،

 و عليه وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد الدية ف عليه

 فصيام شهرين متتابعين توبة من اللّه ، تلك الكفارة تجاوز من اللّه في قتل

الخطأ لهذه الأمة ؛ لأن المؤمن كان يقتل بالخطأ في التوراة على عهد موسى ، عليه

السلام وكان اللّه عليما حكيما [ آية : ٩٢ ] ، حكم الكفارة والرقبة .

٩٣

النساء : ٩٣ ومن يقتل مؤمنا . . . . .

 ومن يقتل مؤمنا متعمدا ، نزلت في مقيس بن ضبابة الكناني ، ثم الليثي ،

قتل رجلا من قريش ، يقال له : عمرو مكان أخيه هشام بن ضبابة ، وذلك أن مقيس بن

ضبابة وجد أخاه قتيلا في الأنصار في بني النجار ، فانطلق إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فأخبره بذلك ،

فأرسل النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى الأنصار رجلا من بني فهر مع مقيس ، فقال : ادفعوا إلى مقيس قاتل

أخيه ، إن علمتم ذلك ، وإلا فادفعوا إليه ديته ، فلما جاءهم الرسول ،   السمع

والطاعة للّه ولرسوله ، واللّه ما نعلم له قاتلا ، ولكنا نؤدي ديته ، ودفعوا إلى مقيس مائة

من الإبل دية أخيه ، فلما انصرف مقيس عمد إلى رسول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقتله وفر

وارتد عن الإسلام ، ورحل من المدينة ، وساق معه الدية ، ورجع إلى مكة كافرا ، وهو

يقول في شعره :

قتلت به فهرا وحملت عقله

سراة بني النجار أرباب فارع

وأدركت ثأري واضطجعت موسدا

وكنت إلى الأوثان أول راجع

فنزلت فيه بعدما قتل النفس وارتد عن الإسلام ، وساق معه الدية إلى مكة ، نزلت فيه

الآية : ومن يقتل مؤمنا ، يعني الفهرى متعمدا لقتله فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب اللّه عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما [ آية : ٩٣ ] وافر

الانقطاع له بقتله النفس وبأخذه الدية .

٩٤

النساء : ٩٤ يا أيها الذين . . . . .

 يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه ، وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم بعث سرية ،

وبعث عليها غالب بن عبد اللّه الليثي أخا ثميلة بن عبد اللّه ، فلما أصبحوا رأوا رجلا

يسمى مرداس بن عمرو بن نهيك العنسي من بني تيم بن مرة من أهل فدك ، معه غنيمة

له ، فلما رأى الخيل ساق غنيمته حتى أحرزها في الجبل ، وكان قد أسلم من الليل وأخبر

أهله بذلك ، فلما دنوا منه كبروا ، فسمع التكبير ، فعرفهم ، فنزل إليهم ، فقال : سلام

عليكم ، إني مؤمن ، فحمل عليه أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي من بني عبد ود ، فقال

مرداس : إني منكم أشهد أن لا إله إلا اللّه ، وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده

فطعنه أسامة برمحه فقتله وسلبه وساق غنمه ، فلما قدم المدينة أخبر أسامة النبي صلى اللّه عليه وسلم ،

فلامه النبي ملامة شديدة ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : قتلته وهو يقول : لا إله إلا اللّه ؟ ، قال : إنما

قال ذلك أراد أن يحرز نفسه وغنمه ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : أفلا شققت عن قلبه ، فتنظر

صدق أم لا ، قال : يا رسول اللّه ، كيف يتبين لي ؟ وإنما قلبه بضعة من جسده ، فقال :

فلا صدقته بلسانه ، ولا أنت شققت عن قلبه فيبين لك ، فقال : استغفر لي يا رسول

اللّه ، قال : فكيف لك بلا إله إلا اللّه ، يقول ذلك ثلاث مرات ، فاستغفر له النبي صلى اللّه عليه وسلم

الرابعة .

قال أسامة في نفسه : وددت أني لم أسلم حتى كان يومئذ ، فأمره النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يعتق

رقبة . قال مقاتل ، رحمه اللّه : فعاش أسامة زمن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، رضي اللّه

عنهم ، حتى أدرك على بن أبي طالب ، رضي اللّه عنه ، فدعاه على ، رحمه اللّه ، إلى القتال ،

فقال أسامة : ما أحد أعز على منك ، ولكن لا أقاتل مسلما بعد قول النبي صلى اللّه عليه وسلم : كيف

لك بلا إله إلا اللّه ؟ .

فإن أتيت بسيف إذا ضربت به مسلما ، قال السيف : هذا مسلم ، وإن ضربت به

كافرا ، قال لي : هذا كافر ، قاتلت معك ، فقال له علي : اذهب حيث شئت ، فأنزل اللّه

عز وجل : يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه ، يعني سرتم غزاة في سبيل

اللّه فتبينوا من تقتلوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام ، يعني مرداس ،

وذلك أنه قال لهم : السلام عليكم إني مؤمن لست مؤمناً تبتغون عرض الحيوة

الدنيا ، يعني غنم مرداس فعند اللّه مغانم كثيرة في الآخرة والجنة ،

 كذلك ، يعني هكذا كنتم من قبل الهجرة بمنزلة مرداس تأمنون في

قومكم بالتوحيد من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا لقوكم ، فلا تخيفون أحدا بأمر كان فيكم

تأمنون بمثله قبل هجرتكم فمن اللّه عليكم بالهجرة فهاجرتم فتبينوا

إذا خرجتم فلا تقتلوا مسلما إن اللّه كان بما تعملون خبيرا [ آية : ٩٤ ] ،

فقال أسامة : واللّه لا أقتل رجلا بعد هذا يقول : لا إله إلا اللّه .

٩٥

النساء : ٩٥ لا يستوي القاعدون . . . . .

وقوله سبحانه : لا يستوي القاعدون عن الغزو من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم ، يعني عبد اللّه بن جحش الأسدي ، وابن أم

مكتوم من أهل العذر .

قال أبو محمد : هم ثلاثة منهم عبد اللّه بن جحش ، عقد له النبي صلى اللّه عليه وسلم وعبيد اللّه مات

نصارنيا ، وعبد اللّه بن جحش هو الضرير الذي نزل فيه قوله عز وجل : غير أولي الضرر .

يقول عز وجل : لا يستوي في الفضل القاعد الذي لا عذر له ، والمجاهد بنفسه وماله

في سبيل اللّه ، وهي غزوة تبوك ، قال عز وجل : فضل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين من أهل العذر درجة ، يعني فضيلة على القاعدين وكلا ، يعني

المجاهد والقاعد المعذور وعد اللّه الحسنى ، يعني الجنة ، قال سبحانه : وفضل اللّه المجاهدين على القاعدين الذين لا عذر لهم أجرا عظيما [ آية : ٩٥ ] .

٩٦

النساء : ٩٦ درجات منه ومغفرة . . . . .

 درجات منه ، يعني فضائل من اللّه في الجنة سبعين درجة بين كل درجتين مسيرة

سبعين سنة ومغفرة لذنوبهم ورحمة وكان اللّه غفورا رحيما [ آية : ٩٦ ] ، يعني أبا

لبابة ، وأوس بن حزام ، ووداعة بن ثعلب ، وكعب بن مالك ، وهلال بن أمية ، ومرارة بن

ربيعة من بني عمرو بن عوف ، كلهم من الأنصار ،

٩٧

النساء : ٩٧ إن الذين توفاهم . . . . .

 إن الذين توفاهم الملائكة ، يعني

ملك الموت وحده ظالمي أنفسهم ، وذلك أنه كان نفر أسلموا بمكة مع النبي صلى اللّه عليه وسلم ،

منهم الوليد بن الوليد بن المغيرة ، وقيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبو قيس بن الفاطه بن

المغيرة ، والوليد بن عقبة بن ربيعة بن عبد شمس ، وعمرو بن أمية بن سفيان بن أمية بن

عبد شمس ، والعلاء بن أمية بن خلف الجمحي .

ثم إنهم أقاموا عن الهجرة ، وخرجوا مع المشركين إلى قتال بدر ، فلما رأوا قلة

المؤمنين شكوا في النبي صلى اللّه عليه وسلم ، و  غر هؤلاء دينهم ، وكان بعضهم نافق بمكة ، فلما

قتل هؤلاء ببدر قالوا ، أي قالت الملائكة لهم ، وهو ملك الموت وحده : فيم كنتم ؟ يقول : في أي شيء كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض ، يعني كنا مقهورين

بأرض مكة لا نطيق أن نظهر الإيمان قالوا ، أي قالت الملائكة لهم ألم تكن أرض اللّه واسعة من الضيق ، يعني أرض اللّه المدينة فتهاجروا فيها ، يعني إليها ، ثم انقطع

الكلام ، فقال عز وجل : فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا [ آية : ٩٧ ] ، يعني وبئس

المصير صاروا .

٩٨

النساء : ٩٨ إلا المستضعفين من . . . . .

ثم استثنى أهل العذر ، فقال سبحانه : إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ، فليس مأواهم جهنم لا يستطيعون حيلة ، يقول : ليس لهم سعة للخروج

إلى المدينة ولا يهتدون سبيلا [ آية : ٩٨ ] ، يعني ولا يعرفون طريقا إلى المدينة ،

٩٩

النساء : ٩٩ فأولئك عسى اللّه . . . . .

 فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم ، والعسى من اللّه واجب وكان اللّه عفوا عنهم

 غفورا [ آية : ٩٩ ] ، فلا يعاقبهم لإقامتهم عن الهجرة في عذر .

١٠٠

النساء : ١٠٠ ومن يهاجر في . . . . .

فقال ابن عباس ، رضي اللّه عنه ، أنا يومئذ من الولدان ، وامي من النساء ، فبعث النبي

 صلى اللّه عليه وسلم بهذه الآية إلى مسلمي مكة ، فقال جندب بن حمزة الليثي ، ثم الجندعي لبنيه :

احملوني فإني لست من المستضعفين ، وإني لهاد بالطريق ولو مت لنزلت في الآية ، وكان

شيخا كبيرا ، فحمله بنوه على سريره متوجها إلى المدينة ، فمات بالتنعيم ، فبلغ أصحاب

النبي صلى اللّه عليه وسلم موته ، ف  لو لحق بنا لأتم اللّه أجره ، فأراد اللّه عز وجل أن يعلمهم أنه لا

يخيب من التمس رضاه ، فأنزل اللّه عز وجل : ومن يهاجر في سبيل اللّه ، يعني في

طاعة اللّه إلى المدينة يجد في الأرض مراغما كثيرا ، يعني متحولا عن الكفر وسعه

في الرزق ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى اللّه ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على اللّه وكان اللّه غفورا رحيما [ آية : ١٠٠ ] .

١٠١

النساء : ١٠١ وإذا ضربتم في . . . . .

قال سبحانه : وإذا ضربتم ، يعني سرتم في الأرض ، يعني غزوة بني أنمار

ببطن مكة فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ،

يعني أن يقتلكم ، ك

قوله : على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم [ يونس :

٨٣ ] ، يعني أن يقتلكم الذين كفروا من أهل مكة ، فيصيبوا منكم طائفة إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا [ آية : ١٠١ ] .

١٠٢

النساء : ١٠٢ وإذا كنت فيهم . . . . .

 وإذا كنت فيهم ، يعني النبي صلى اللّه عليه وسلم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك ، وليأخذوا حذرهم من عدوهم وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون ، يعني تذرون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون ،

يعني فيحملون عليكم جميعا ميلة واحدة ، يعني حملة واحدة ، يعني كرجل

واحد عند غفلتكم ، ثم رخص لهم في وضع السلاح عند المطر أو المرض ، فقال : ولا جناح ، يعني لا حرج عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم من عدوكم عند وضع السلاح إن اللّه أعد للكافرين عذابا مهينا [ آية : ١٠٢ ] ، يعني الهوان .

١٠٣

النساء : ١٠٣ فإذا قضيتم الصلاة . . . . .

وكان تقصير الصلاة يعسفان ، بين مكة والمدينة ، والنبي صلى اللّه عليه وسلم بإزاء الذين خافوه وهم

غطفان فإذا قضيتم الصلاة ، يعني صلاة الخوف فاذكروا اللّه باللسان ،

 قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة ، إذا أقمتم في بلادكم

فأقيموا الصلاة ، يعني فأتموا الصلاة كاملة ولا تقصروا إن الصلاة كانت على

المؤمنين كتابا موقوتا [ آية : ١٠٣ ] ، يعني فريضة معلومة ، ك

قوله : كتب

عليكم القتال [ البقرة : ٢١٦ ] ، يعني فرض عليكم القتال .

١٠٤

النساء : ١٠٤ ولا تهنوا في . . . . .

 ولا تهنوا في ابتغاء القوم ، يقول : ولا تعجزوا ، ك

قوله : فما وهنوا [ آل

عمران : ١٤٦ ] ، يعني فما عجزوا في طلب أبي سفيان وأصحابه يوم أحد بعد القتل

بأيام ، فاشتكوا إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم الجراحات ، فأنزل اللّه عز وجل : إن تكونوا تألمون ،

يعني تتوجعون فإنهم يألمون كما تألمون ، يعني يتوجعون كما تتوجعون ،

 وترجون من اللّه من الثواب والأجر ما لا يرجون ، يعني أبا سفيان

وأصحابه وكان اللّه عليما  بخلقه حكيما [ آية : ١٠٤ ] في أمره .

١٠٥

النساء : ١٠٥ إنا أنزلنا إليك . . . . .

 إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق ، وذلك أن يهوديا يسمى زيد بن السمين ، كان

استودع طعمة بن أبيرق الأنصاري من الأوس من بني ظفر بن الحارث درعا من حديد ،

ثم إن زيدا اليهودي طلب درعه فجحده طعمة ، فقال زيد لقومه : قد ذكر لي أن الدرع

عنده ، فانطلقوا حتى نلتمس داره ، فاجتمعوا ليلا فأتوا داره ، فلما سمع جلبة القوم أحس

قلبه أن القوم جاءوا من أجل الدرع ، فرمى به في دار أبي مليك ، فدخل القوم داره ،

فلم يجدوا الدرع ، فاجتمع الناس .

ثم إن طعمة اطلع في دار أبي مليك ، فقال : هذا درع في دار أبي مليك ، فلا أدري

هي لكم أم لا ؟ فأخذوا الدرع ، ثم إن قوم طعمة ، قتادة بن النعمان وأصحابه ،  

انطلقوا بنا إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فلنبرئ صاحبنا ، ونقول : إنهم أتونا ليلا ففضحونا ، ولم يكن

معهم رسول من قبلك ونأمرهم أن يبرءوا صاحبنا لتنقطع ألسنة الناس عنا بما قذفونا به ،

ونخبره أنها وجدت في دار أبي مليك ، فأتوا النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فأخبروه فصدق النبي صلى اللّه عليه وسلم طعمة

وأبرأه من ذلك ، وهو يرى أنهم قد صدقوا ، فأنزل اللّه تعالى : إنا أنزلنا إليك الكتاب ، يعني القرآن بالحق لم ننزله باطلا عبثا لغير شيئ لتحكم ، يعني

لكي تحكم بين الناس بما أراك اللّه ، يعني بما علمك اللّه في كتابه ، كقوله

سبحانه : ويرى الذين أوتوا العلم [ سبأ : ٦ ] ولا تكن للخائنين خصيما

[ آية : ١٠٥ ] ، ، يعني طعمة .

١٠٦

النساء : ١٠٦ واستغفر اللّه إن . . . . .

ثم قال : واستغفر اللّه يا محمد عن جدالك عن طعمة حين كذبت عنه ، فأبرأته

من السرقة إن اللّه كان غفورا رحيما [ آية : ١٠٦ ] ، فاستغفر النبي صلى اللّه عليه وسلم عند ذلك ،

١٠٧

النساء : ١٠٧ ولا تجادل عن . . . . .

 ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ، يعني طعمة إن اللّه لا يحب من كان خوانا أثيما [ آية : ١٠٧ ] في دينه أثيما بربه ،

١٠٨

النساء : ١٠٨ يستخفون من الناس . . . . .

 يستخفون ، يعني يستترون بالخيانة

 من الناس ، يعني طعمة ولا يستخفون من اللّه ، ولا يشترون بالخيانة من اللّه ،

 وهو معهم إذ يبيتون ، يعني إذ يؤلفون ما لا يرضى من القول ، لقولهم : إنا نأتي

النبي صلى اللّه عليه وسلم فنقول له كذا وكذا ، فألقوا قولهم بينهم ، يعني قتادة وأصحابه ليدفعوا عن

صاحبهم ما لا يرضى اللّه من القول وكان اللّه بما يعملون محيطا [ آية : ١٠٨ ] ،

يعني أحاط علمه بأعمالهم ، يعني قوم الخائن قتادة بن النعمان وأصحابه .

١٠٩

النساء : ١٠٩ ها أنتم هؤلاء . . . . .

ثم قال يعينهم : هأنتم هؤلاء قوم الخائن جادلتم عنهم نبيكم في الحياة الدنيا عن طعمة فمن يجادل اللّه عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا [ آية : ١٠٩ ] ، يعني به قومه ، يقول : أم من يكون لطعمة مانعا في الآخرة ،

١١٠

النساء : ١١٠ ومن يعمل سوءا . . . . .

ثم عرض على طعمة التوبة ، فقال : ومن يعمل سوءا ، يعني إثما أو يظلم نفسه ، يعني قذف البرئ أبا مليك ثم يستغفر اللّه يجد اللّه غفورا رحيما

[ آية : ١١٠ ] .

١١١

النساء : ١١١ ومن يكسب إثما . . . . .

 ومن يكسب إثما ، يعني طعمة فإنما يكسبه على نفسه وكان اللّه عليما

حكيما [ آية : ١١١ ] في أمره ،

١١٢

النساء : ١١٢ ومن يكسب خطيئة . . . . .

 ومن يكسب لنفسه خطيئة أو إثما ، يعني

قذف البريء ثم يرم به بريئا ، يعني أنه رمى به في دار أبي مليك الأنصاري ،

 فقد احتمل بهتانا ، يعني قذفه البرئ بما لم يكن وإذنا وإثما [ آية : ١١٢ ] ،

يعني بينا .

١١٣

النساء : ١١٣ ولولا فضل اللّه . . . . .

ثم قال لنبيه صلى اللّه عليه وسلم : ولولا فضل اللّه عليك ورحمته ، يعني ونعمته بالقرآن حين بين

لك أمر طعمة ، فحولك عن تصديق الخائنين بالقرآن لهمت طائفة منهم أن

يضلوك ، يقول : لكادت طائفة من قوم الخائنين أن يستنزلوك عن الحق وما

يضلون ، يعني وما يستنزلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء ، يعني وما

ينقصونك من شيء ليس ذلك بأيديهم ، إنما ينقصون أنفسهم ، ثم قال : وأنزل اللّه

عليك الكتاب والحكمة ، يعني الحلال والحرام وعلمك ما لم تكن تعلم من

أمر الكتاب وأمر الدين وكان فضل اللّه عليك عظيما [ آية : ١١٣ ] ، يعني النبوة

والكتاب .

١١٤

النساء : ١١٤ لا خير في . . . . .

قال سبحانه : لا خير في كثير من نجواهم ، يعني قوم طعمة قيس بن

زيد ، وكنانة بن أبي الحقيق ، وأبو رافع ، وكلهم يهود ، حين تناجوا في أمر طعمة ، ثم

استثنى ، فقال : إلا من أمر بصدقة أو معروف ، يعني القرض أو إصلاح بين

الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات اللّه فسوف نؤتيه أجرا عظيما [ آية : ١١٤ ] ، يعني

جزاء عظيما ، فأنزل اللّه عز وجل في قولهم :

١١٥

النساء : ١١٥ ومن يشاقق الرسول . . . . .

 ومن يشاقق ، يعني يخالف الرسول

من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل ، يعني غير دين المؤمنين نوله ما تولى

من الآلهة ونصله جهنم وساءت مصيرا [ آية : ١١٥ ] ، يعني وبئس المصير .

١١٦

النساء : ١١٦ إن اللّه لا . . . . .

فلما قدم طعمة مكة ، نزل على الحجاج بن علاط السلمى ، فأحسن نزله ، فبلغه أن

في بيته ذهبا ، فلما كان من الليل خرج فنقب حائط البيت ، وأراد أن يأخذ الذهب وفي

البيت مسوك يابسة مسوك الشاء قد أصابها حر الشمس ولم تدبغ ، فلما دخل البيت من

النقب وطئ المسوك ، فسمعوا قعقعة المسوك في صدره عند النقب ، وأحاطوا بالبيت ،

ونادوه : اخرج فإنا قد أحطنا بالبيت ، فلما خرج إذا هم بضيفهم طعمة ، فأراد أهل مكة

أن يرجموه فاستحيا الحجاج لضيفه ، وكانوا يكرمون الضيف فأهزوه وشتموه ، فخرج

من مكة ، فلحق بحرة بني سليم يعبد صنمهم ، ويصنع ما يصنعون حتى مات على

الشرك ، فأنزل اللّه عز وجل فيه : إن اللّه لا يغفر أن يشرك به ، يعني يعدل به ،

فيموت عليه ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، يعني ما دون الشرك لمن يشاء ،

فمشيئته لأهل التوحيد ومن يشرك باللّه فقد ضل  عن الهدى ضلالا بعيدا

[ آية : ١١٦ ] .

١١٧

النساء : ١١٧ إن يدعون من . . . . .

ثم إن أبا مليك عاش حتى استخلف عمر بن الخطاب ، رضي اللّه عنه ، فحلف باللّه

لعمر ، رضي اللّه عنه ، لا يولى راجعاً ، فلما كان يوم القادسية انهزم المشركون إلى الفرات

وجاءت أساورة كسرى ، فهزموا المسلمين إلى قريب من الجيش ، فثبت أبو مليك حتى

قتل ، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب ، رضي اللّه عنه ، فقال أبو مليك : صدق اللّه وعده :

 إن يدعون من دونه إلا إناثا ، يعني أوثانا ، يعني أمواتا اللات والعزى ، وهي

الأوثان لا تحرك ولا تضر ولا تنفع ، فهي ميتة وإن يدعون ، يعني وما يعبدون

من دونه إلا شيطانا ، يعني إبليس ، زين لهم إبليس طاعته في عبادة الأوثان

 مريدا [ آية : ١١٧ ] ، يعني عاتيا تمرد على ربه عز وجل في المعصية ،

١١٨

النساء : ١١٨ لعنه اللّه وقال . . . . .

 لعنه اللّه

حين كره السجود لآدم صلى اللّه عليه وسلم وقال إبليس لربه جل جلاله : لأتخذن من

عبادك نصيبا مفروضا [ آية : ١١٨ ] ، يعني حظا معلوما من كل ألف إنسان واحد في

الجنة وسائرهم في النار ، فهذا النصيب المفروض

١١٩

النساء : ١١٩ ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم . . . . .

 و قال إبليس : ولأضلنهم عن الهدى ولأمنينهم بالباطل ،

ولأخبرنهم ألا بعث ولا جنة ولا نار ولآمرنهم فليبتكن ، يعني ليقطعن ،

 آذان الأنعام ، وهي البحيرة للأوثان ولآمرنهم فليغيرون خلق اللّه ،

يعني ليبدلن دين اللّه ومن يتخذ الشيطان ، يعني إبليس وليا ، يعني ربا

 من دون اللّه عز وجل فقد خسر خسرانا مبينا [ آية : ١١٩ ] ،

يقول : فقد ضل ضلالا بينا .

١٢٠

النساء : ١٢٠ يعدهم ويمنيهم وما . . . . .

 ٢ يعدهم إبليس الغرور إلا بعث ويمنيهم إبليس الباطل وما يعدهم الشيطان إلا غرورا آية : [ ١٢٠ ] ، يعني إلا باطلا ، الذي ليس بشيء وقال : ومن يتخذ الشيطان وليا ٢

النساء : ١٢١ أولئك مأواهم جهنم . . . . .

 ٢ أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا [ آية :

١٢١

١٢١ ] ، يعني مقرا يلجئون إليه ، يعني القرار .

١٢٢

النساء : ١٢٢ والذين آمنوا وعملوا . . . . .

ثم أخبر بمستقر من لا يتولى الشيطان ، فقال : والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد اللّه حقا ، يعني

صدقا أنه منجز لهم ما وعدهم ومن أصدق من اللّه قيلا [ آية : ١٢٢ ] ، فليس أحد

أصدق قولا منه عز وجل في أمر الجنة والنار والبعث وغيره ،

١٢٣

النساء : ١٢٣ ليس بأمانيكم ولا . . . . .

 ٢ ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب ، نزلت في المؤمنين واليهود والنصارى ، قالت اليهود : كتابنا قبل

كتابكم ، ونبينا قبل نبيكم ، فنحن أهدى وأولى باللّه منكم ، وقالت النصاري : نبينا كلمة

اللّه وروح اللّه وكلمته ، وكان يحيى الموتى ، ويبرئ الأكمه والأبرص ، وفي كتابنا العفو ، وليس فيه قصاص ، فنحن أولى باللّه منكم معشر اليهود ومعشر المسلمين .

فقال المسلمون : كذبتم ، كتابنا نسخ كل كتاب ، ونبينا صلى اللّه عليه وسلم خاتم الأنبياء ، وآمنا

بنبيكم وكتابكم ، وكذبتم نبينا وكتابنا ، وأمرتم وأمرنا أن نؤمن بكتابكم ، ونعمل بكتابنا ،

فنحن أهدى منكم وأولى باللّه منكم ، فأنزل عز وجل : ليس بأمانيكم معشر

المؤمنين ولا أماني أهل الكتاب  من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون اللّه وليا ولا نصيرا [ آية : ١٢٣ ] .

١٢٤

النساء : ١٢٤ ومن يعمل من . . . . .

 ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا [ آية : ١٢٤ ] من يعمل سوءا يجز به ، نزلت في المؤمنين

مجازات الدنيا تصيبهم في النكبة بحجر ، والضربة واختلاج عرق أو خدش عود ، أو عثره

قدم فيدميه أو غيره ، فبذنب قدم وما يعفو اللّه عنه أكبر ، فذلك قوله سبحانه : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم [ الشورة : ٣٠ ] ، ثم قال : ولا يجد له من دون اللّه وليا ، يعني قريبا ينفعه ولا نصيرا يعني ولا مانعا يمنعه من اللّه عز

وجل .

فلما افتخرت اليهود على المؤمنين بالمدينة بين اللّه عز وجل ، أمر المؤمنين ، فقال

سبحانه : ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن بتوحيد اللّه عز

وجل فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا ، يعني ولا ينقصون من أعمالهم

الحسنة نقيرا حتى يجازوا بها ، يعني النقير الذي في ظهر النواة التي تنبت منه النخلة .

١٢٥

النساء : ١٢٥ ومن أحسن دينا . . . . .

ثم اختار من الأديان دين الإسلام ، فقال عز وجل : ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه للّه ، يعني أخلص دينه للّه وهو محسن في عمله واتبع ملة إبراهيم حنيفا ، يعني مخلصا واتخذ اللّه إبراهيم خليلا [ آية : ١٢٥ ] ، يعني محبا ، وأنزل

اللّه عز وجل فيهم هذان خصمان ، يعني كفار أهل الكتاب واختصموا ،

يعني ثلاثتهم : المسلمين واليهود والنصارى في ربهم أنهم أولياء اللّه ، ثم أخبر

بمستقر الكافر ، فقال : فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار [ الحج : ١٩ ] ، يعني

جعلت لهم ثياب من نار ، إلى آخر الآية ، ثم أخبر سبحانه بمستقر المؤمنين ، فقال : إن اللّه يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إلى

آخر الآية .

قوله : واتخذ اللّه إبراهيم خليلا ، والخليل الحبيب ؛ لأن اللّه أحبه في كسره الأصنام ، وجداله قومه ، واتخذ اللّه إبراهيم خليلا قبل ذبح ابنه ، فلما رأته الملائكة حين

أمر بذبح ابنه ، أراد المضى على ذلك ، قالت الملائكة : لو أن اللّه عز وجل اتخذ عبدا حليلا

لاتخذ هذا خليلا محبا ، ولا يعلمون أن اللّه عز وجل اتخذه خليلا ، وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال

لأصحابه ، رضى اللّه عنهم : إن صاحبكم خليل الرحمن ، يعني نفسه ، فقال المنافقون

لليهود : ألا تنظرون إلى محمد يزعم أنه خليل اللّه ، لقد اجترأ ، فأنزل اللّه عز وجل :

 واتخذ اللّه إبراهيم خليلا ، وإنما إبراهيم عبد من عباده مثل محمد ، واتخذ إبراهيم

خليلا حين ألقى في النار ، فذهب حرالنيران يومئذ من الأرض كلها .

١٢٦

النساء : ١٢٦ وللّه ما في . . . . .

 وللّه ما في السماوات وما في الأرض من الخلق عبيده ، وفي ملكه وكان اللّه

بكل شيء محيطا [ آية : ١٢٦ ] ، يعني أحاط علمه ،

١٢٧

النساء : ١٢٧ ويستفتونك في النساء . . . . .

 ويستفتونك في النساء نزلت

في سويد وعرفطة ابنى الحارث ، وعيينة بن حصن الفزاري ، وذلك أنه لما فرض اللّه عز

وجل لأم كحة وبناتها الميراث انطلق سويد وعرفطة وعيينة بن حصن الفزاري إلى النبي

 صلى اللّه عليه وسلم ، فقالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم : إن المرأة لا تركب فرسا ولا تجاهد ، وليس عند الولدان الصغار

منفعة في شيء ، فأنزل اللّه عز وجل فيهم : ويستفتونك ، يعني يسألونك عن

النساء ، يعني سويدا وصاحبيه قل اللّه يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب ، يعني ما بين من القسمة في أول هذه السورة ، قال : ويفتيكم في يتامى النساء ، يعني بنات أم كحة اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن ، يعني ما فرض لهن

من انصبائهن من الميراث في أول السورة .

ثم قال عز وجل : وترغبون أن تنكحوهن ، يعني بنات أم كحة ، وكان الرجل

يكون في حجره اليتيمة ولها مال ، ويكون فيها موق ، فيرغب عن تزويجها ، ويمنعها من

الأزواج من أجل ما لها رجاء أن تموت فيرثها ، فذلك قوله عز وجل : وترغبون أن تنكحوهن لدمامتهن و يفتيكم في والمستضعفين من الولدان أن

تعطوهم حقوقهم ، وكانوا لا يورثونهم و يفتيكم وأن تقوموا لليتامى في

الميراث بالقسط ، يعني بالعدل وما تفعلوا من خير مما أمرتم به من قسمة

المواريث فإن اللّه كان به عليما [ آية : ١٢٧ ] فيجزيكم به .

١٢٨

النساء : ١٢٨ وإن امرأة خافت . . . . .

 وإن امرأة ، واسمها خويلة بنت محمد بن مسلمة خافت ، يعني علمت

 من بعلها نشوزا ، يعني زوجها أو إعراضا عنها لما بها من العلة إلى الأخرى ،

نزلت في رافع بن خديج الأنصاري وفي امرأته خويلة بنت محمد بن مسلمة الأنصاري ،

وذلك أن رافعا طلقها ثم راجعها وتزوج عليها أشب منها ، وكان يأتي الشابة ما لا

يأتي الكبيرة ، يقول : فلا جناح عليهما الزوج والمرأة الكبيرة أن يصلحا بينهما صلحا أن ترضى المرأة الكبيرة بما له ، على أن يأتي الشابه ما لا يأتي الكبيرة ، يقول :

فلا بأس بذلك في القسمة ، فذلك قوله عز وجل : والصلح خير من المفارقة ،

 وأحضرت الأنفس الشح ، يعني الحرص على المال ، يعني الكبيرة يرضيها الزوج من

بعض ماله ، فتحرص على المال وتدع نصيبها من زوجها وإن تحسنوا الفعل فلا

تفارقها وتتقوا الميل والجور فإن اللّه كان بما تعملون خبيرا  آية :

١٢٨ ] في أمرهن من الإحسان والجور .

١٢٩

النساء : ١٢٩ ولن تستطيعوا أن . . . . .

ثم قال عز وجل : ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء في الحب أن يستوى

حبهن في قلوبكم ولو حرصتم ، فلا تقدرون على ذلك فلا تميلوا كل الميل إلى التي تحب ، وهي الشابة فتذروها كالمعلقة ، أي فتأتيها وتذر

الأخرى ، يعني الكبيرة كالمعلقة ، لا أيم ولا ذات بعل ، ولكن اعدلوا في القسمة وإن تصلحوا أمرهن وتتقوا الميل والجور فإن اللّه كان غفورا حين ملت إلى

الشابة برضى الكبيرة رحيما [ آية : ١٢٩ ] بك حين رخص لك في الصلح ، فإن

أبت الكبيرة الصلح إلا أن تسوى بينها وبين الشابة أو تطلقها كان ذلك لها .

١٣٠

النساء : ١٣٠ وإن يتفرقا يغن . . . . .

ثم إنه طلقها ، فنزلت : وإن يتفرقا ، يعني رافع وخويلة المرأة الكبيرة يغن اللّه كلا ، يعني الزوج والكبيرة من سعته ، يعني من فضله الواسع وكان

اللّه واسعا لهما في الرزق جميعا حكيما [ آية : ١٣٠ ] حين حكم فرقتهما .

١٣١

النساء : ١٣١ وللّه ما في . . . . .

 وللّه ما في السماوات وما في الأرض من الخلق عبيده وفي ملكه ولقد وصينا

الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا اللّه وإن تكفروا فإن للّه ما في السماوات وما

في الأرض وكان اللّه غنيا عن عباده وخلقه حميدا [ آية : ١٣١ ] عند خلقه في

سلطانه .

١٣٢

النساء : ١٣٢ وللّه ما في . . . . .

 وللّه ما في السماوات وما في الأرض وكفى باللّه وكيلا [ آية : ١٣٢ ] ، يعني شهيدا ،

فلا شاهد أفضل من اللّه عز وجل أن من فيهما عباده وفي ملكه .

١٣٣

النساء : ١٣٣ إن يشأ يذهبكم . . . . .

ثم قال عز وجل : إن يشأ يذهبكم بالموت أيها الناس ويأت

بآخرين ، يعني بخلق غيركم أطوع منكم وكان اللّه على ذلك قديرا [ آية : ١٣٣ ]

أن يذهبكم ويأت بغيركم إذا عصيتموه .

١٣٤

النساء : ١٣٤ من كان يريد . . . . .

 من كان يريد ثواب الدنيا بعمله فليعمل لآخرته فعند اللّه ثواب الدنيا ،

يعني الرزق في الدنيا وثواب

والآخرة ، يعني الجنة وكان اللّه سميعا بصيرا

[ آية : ١٣٤ ] بأعمالكم .

١٣٥

النساء : ١٣٥ يا أيها الذين . . . . .

 يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين ، يعني قوالين بالقسط شهداء للّه ، يقول

سبحانه : أقيموا الشهادة للّه بالعدل ولو كانت الشهادة على أنفسكم أو على

 الوالدين والأقربين إن يكن

أحدهما غنيا أو فقيرا فاللّه أولى بهما بالغنى

والفقير من غيره فلا تتبعوا الهوى في الشهادة والقرابة ، واتقوا أن تعدلوا عن

الحق إلى الهوى ، ثم قال : وإن تلوا ، يعني التحريف بالشهادة ، يلجلج بها لسانه

فلا يقيمها ليبطل بها شهادته أو تعرضوا عنها فلا تشهدوا بها فإن اللّه كان بما تعملون من كتمان الشهادة وإقامتها خبيرا [ آية : ١٣٥ ] ، نزلت في رجل

كانت عنده شهادة على أبيه ، فأمره اللّه عز وجل أن يقيمها للّه عز وجل ، ولا يقول : إني

إن شهدت عليه أجحفت بماله ، وإن كان فقيرا هلك وازداد فقره ، ويقال : إنه أبو بكر

الصديق ، رضى اللّه عنه ، الشاهد على أبيه أبي قحافة .

١٣٦

النساء : ١٣٦ يا أيها الذين . . . . .

 يا أيها الذين آمنوا ، نزلت في مؤمني أهل الكتاب ، كان بينهم وبين اليهود

كلام لما أسلموا ،   نؤمن بكتاب محمد صلى اللّه عليه وسلم ونكفر بما سواه ، فقال تعالى : آمنوا باللّه وصدقوا بتوحيد اللّه عز وجل ورسوله ، أي وصدقوا برسوله محمدا صلى اللّه عليه وسلم ،

 والكتاب الذي نزل على رسوله ، يعني محمدا صلى اللّه عليه وسلم والكتاب الذي أنزل من قبل نزول كتاب محمد صلى اللّه عليه وسلم ، ثم ذكر كفار أهل الكتاب ، فحذرهم الاخرة ، يعني

البعث ، فقال اللّه تعالى ذكره : ومن يكفر باللّه ، يعني بتوحيد اللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، يعني البعث الذي فيه جزاء الأعمال فقد ضل عن

الهدى ضلالا بعيدا [ آية : ١٣٦ ] ، وبما أعد اللّه عز وجل من الثواب والعقاب .

١٣٧

النساء : ١٣٧ إن الذين آمنوا . . . . .

ثم ذكر أهل الكتاب ، فقال : إن الذين آمنوا بالتوراة وبموسى ثم كفروا

من بعد موسى ثم آمنوا بعيسى صلى اللّه عليه وسلم وبالإنجيل ثم كفروا من بعده ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلى اللّه عليه وسلم وبالقرآن لم يكن اللّه ليغفر لهم على ذلك ولا

ليهديهم سبيلا [ آية : ١٣٧ ] إلى الهدى ، منهم : عمرو بن زيد ، وأوس بن قيس ، وقيس

ابن زيد .

١٣٨

النساء : ١٣٨ بشر المنافقين بأن . . . . .

ولما نزلت المغفرة للنبي صلى اللّه عليه وسلم وللمؤمنين في سورة الفتح ، قال عبد اللّه بن أبي ونفر

معه : فما لنا ؟ فأنزل اللّه عز وجل : بشر المنافقين ، يعني عبد اللّه بن أبي ، ومالك بن

دخشم ، وجد بن قيس بأن لهم  في الآخرة عذابا أليما [ آية : ١٣٨ ] ، يعني

وجيعا ، فقال :

١٣٩

النساء : ١٣٩ الذين يتخذون الكافرين . . . . .

 الذين يتخذون الكافرين من اليهود أولياء من دون

المؤمنين ، وذلك ان المنافقين   لا يتم أمر محمد ، فتابعوا اليهود وتولوهم ، فذلك

قوله سبحانه : أيبتغون عندهم العزة ، يعني المنعة ، وذلك أن اليهود أعانوا مشركي

العرب على قتال النبي صلى اللّه عليه وسلم ليتعززوا بذلك ، فقال سبحانه : أيبتغون عندهم العزة ،

يقول : أيبتغي المنافقون عند اليهود المنعة فإن العزة للّه جميعا [ آية : ١٣٩ ] ، يقول :

جميع من يتعزز ، فإنما هو بإذن اللّه .

١٤٠

النساء : ١٤٠ وقد نزل عليكم . . . . .

وكان المنافقون بستهزءون بالقرآن ، فأنزل اللّه عز وجل بالمدينة : وقد نزل عليكم

في الكتاب ، يعني في سورة الأنعام بمكة أن إذا سمعتم آيات اللّه يكفر بها ويستهزأ بها

فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره ، يقول : حتى يكون حديثهم ، يعني

المنافقين في غير ذكر اللّه عز وجل ، فنهى اللّه عز وجل عن مجالسة كفار مكة ومنافقي

المدينة عند الاستهزاء بالقرآن ، ثم خوفهم : إن جالستموهم ورضيتم باستهزائهم إنكم

إذا مثلهم  في الكفر إن اللّه جامع المنافقين ، يعني عبد اللّه بن أبي ، ومالك بن

دخشم ، وجد بن قيس من أهل المدينة والكافرين من أهل مكة في جهنم

جميعا [ آية : ١٤٠ ] .

١٤١

النساء : ١٤١ الذين يتربصون بكم . . . . .

ثم أخبر سبحانه عن المنافقين ، فقال عز وجل : الذين يتربصون بكم الدوائر ،

 فإن كان لكم معشر المؤمنين فتح من اللّه ، يعني النصر على العدو يوم بدر ،

 قالوا ألم نكن معكم على عدوكم ، فأعطونا من الغنيمة ، فلستم أحق بها ، فذلك

قوله سبحانه في العنكبوت : ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم

[ العنكبوت : ١٠ ] على عدوكم .

 وإن كان للكافرين نصيب ، يعني دولة على المؤمنين يوم أحد قالوا أي

المنافقون للكفار : ألم نستحوذ عليكم ، يعني ألم نحظ بكم من ورائكم ونمنعكم من المؤمنين ، وتجادل المؤمنين عنكم فنحبسهم عنكم ونخبرهم أنا معكم ، قالوا ذلك

جبنا وفرقا منهم ، قال اللّه تعالى : فاللّه يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا [ آية : ١٤١ ] ، يعني حجة أبدا ، نزلت في عبد اللّه بن أبي وأصحابه .

١٤٢

النساء : ١٤٢ إن المنافقين يخادعون . . . . .

 إن المنافقين يخادعون اللّه وهو خادعهم حين أظهروا الإيمان وأسروا التكذيب ،

 وهو خادعهم على الصراط في الآخرة حين يقال لهم : ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا [ الحديد : ١١٣ ] ، فبقوا في الظلمة ، فهذه خدعة اللّه عز وجل لهم في الآخرة ، ثم أخبر عن المنافقين ، فقال سبحانه وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى ، يعني المنافقين متثاقلين لا يروا أنها حق عليهم ، نظيرها في براءة .

 يراءون الناس بالقيام بالنهار ولا يذكرون اللّه ، يعني في الصلاة إلا قليلا [ آية : ١٤٢ ] ، يعني بالقليل ، الرياء ولا يصلون في السر ،

١٤٣

النساء : ١٤٣ مذبذبين بين ذلك . . . . .

 مذبذبين بين ذلك ،

يقول : إن المنافقين ليسوا مع اليهود فيظهرون ولايتهم ، ولا مع المؤمنين في الولاية لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل اللّه عن الهدى فلن تجد له سبيلا [ آية : ١٤٣ ] إليه .

١٤٤

النساء : ١٤٤ يا أيها الذين . . . . .

 يا أيها الذين آمنوا يرغبهم ، نزلت في المنافقين ، منهم : عبد اللّه بن أبي ، ومالك بن دخشم ، وذلك أن مواليهما من اليهود أصبغ ورافع عيروهما بالإسلام ، وزينوا لهما ترك دينهما وتوليهما اليهود فصانعا اليهود ، فقال اللّه : لا تتخذوا الكافرين من اليهود أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا للّه عليكم سلطانا مبينا [ آية : ١٤٤ ] ، يعني حجة بينة يحتج بها عليكم حين توليتم اليهود ونصحتموهم .

١٤٥

النساء : ١٤٥ إن المنافقين في . . . . .

 إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ، يعني الهاوية ولن تجد لهم نصيرا [ آية : ١٤٥ ] ، يعني مانعا من العذاب ، النساء : ١٤٦ إلا الذين تابوا . . . . .

ولما أخبر بمستقر المنافقين ، قال ناس للنبي صلى اللّه عليه وسلم :

فقد كان فلان وفلان منافقين فتابوا منه ، فكيف يفعل اللّه بهم ؟ فأنزل اللّه جل ذكره :

 إلا الذين تابوا من المنافقين وأصلحوا العمل واعتصموا ، يعني احترزوا باللّه وأخلصوا دينهم الإسلام للّه عز وجل ولم يخلطوا بشرك ،  فأولئك مع المؤمنين في الولاية وسوف يؤت اللّه المؤمنين أجرا عظيما [ آية : ١٤٦ ] ، يعني جزاء وافرا .

١٤٧

النساء : ١٤٧ ما يفعل اللّه . . . . .

 ما يفعل اللّه بعذابكم إن شكرتم نعمته وآمنتم ، يعني صدقتم ،

فإنه لا يعذب شاكرا ولا مؤمنا وكان اللّه شاكرا عليما [ آية : ١٤٧ ] بهم .

١٤٨

النساء : ١٤٨ لا يحب اللّه . . . . .

 لا يحب اللّه الجهر بالسوء من القول لأحد من الناس إلا من ظلم ،

يعني اعتدى عليه ، فينتصر من القول مثل ما ظلم ، ولا حرج عليه أن ينتصر بمثل مقالته ،

نزلت في أبي بكر ؟ ، رضى اللّه عنه ، شتمه رجل والنبي صلى اللّه عليه وسلم جالس ، فسكت عنه مرارا ،

ثم رد عليه أبو بكر ، رضى اللّه عنه ، فقام النبي صلى اللّه عليه وسلم عند ذلك ، فقال أبو بكر ، رضى اللّه عنه : يا رسول اللّه ، شتمنى وأنا ساكت ، فلم تقل له شيئا ، حتى إذا رددت عليه قمت ،

قال : إن ملكا كان يجيب عنك ، فلما أن رددت عليه ، ذهب الملك وجاء الشيطان ، فلم أكن لأجلس عند مجئ الشيطان وكان اللّه سميعا بجهر السوء عليما [ آية : ١٤٨ ] به .

١٤٩

النساء : ١٤٩ إن تبدوا خيرا . . . . .

ثم أخبر أن العفو والتجاوز خير عند اللّه من الانتصار ، فقال سبحانه : إن تبدوا خيرا ، يعني تعلنوه أو تخفوه ، يعني تسروه أو تعفوا عن سوء فعل بك ،

 فإن اللّه كان عفوا قديرا [ آية : ١٤٩ ] ، يقول : فإن اللّه أقدر على عفو ذنوبك منك على العفو عن صاحبك .

١٥٠

النساء : ١٥٠ إن الذين يكفرون . . . . .

 إن الذين يكفرون باللّه ورسله ، يعني اليهود ، منهم : عامر بن مخلد ، ويزيد بن زيد ، كفروا بعيسى وبمحمد صلى اللّه عليه وسلم ويريدون أن يفرقوا بين اللّه ورسله ويقولون نؤمن ببعض الرسل ، يعني موسى ونكفر ببعض الرسل ، يعني عيسى ومحمدا صلى اللّه عليه وسلم ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا [ آية : ١٥٠ ] ، يعني دينا ، يعني إيمانا ببعض الرسل ، وكفرا ببعض الرسل ،

١٥١

النساء : ١٥١ أولئك هم الكافرون . . . . .

 أولئك هم الكافرون حقا حين

كفروا ببعض الرسل ، لا ينفعهم إيمان ببعض وأعتدنا للكافرين في الآخرة ،  عذابا مهينا [ آية : ١٥١ ] ، يعني الهوان .

١٥٢

النساء : ١٥٢ والذين آمنوا باللّه . . . . .

ثم ذكر المؤمنين ، فقال سبحانه : والذين آمنوا باللّه ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم ، يعني بين الرسل ، وصدقوا بالرسل جميعا أولئك سوف يؤتيهم أجورهم ، يعني جزاء أعمالهم وكان اللّه غفورا رحيما [ آية : ١٥٢ ] .

١٥٣

النساء : ١٥٣ يسألك أهل الكتاب . . . . .

 يسئلك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء ، نزلت في اليهود ، وذلك أن كعب بن الأشرف ، وفنحاص اليهودي ، قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم : إن كنت صادقا بأنك

رسول ، فائتنا بكتاب غير هذا ، مكتوب في السماء جملة واحدة كما جاء به موسى ، فذلك

قوله : يسئلك أهل الكتاب . . . إلى قوله سبحانه : فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا اللّه جهرة ، يعني معاينة فأخذتهم الصاعقة ، يعني الموت ،  بظلمهم لقولهم : أرنا اللّه جهرة معاينة ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات ، يعني الآيات التسع فعفونا عن ذلك ، فلم نستأصلهم جميعا عقوبة

باتخاذهم العجل وآتينا موسى سلطانا مبينا [ آية : ١٥٣ ] ، يعني حجة بينة ، يعني اليد والعصى .

١٥٤

النساء : ١٥٤ ورفعنا فوقهم الطور . . . . .

 ورفعنا فوقهم الطور ، يعني الجبل فوق رءوسهم ، رفعه جبريل ، عليه

وكانوا في أصل الجبل ، فرفع الطور فوق رءوسهم بميثاقهم ؛ لأن يقروا بما في التوراة وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا ، يعني باب حطة وقلنا لهم لا تعدوا في السبت ، أي لا تعدوا في أخذ الحيتان يوم السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا [ آية : ١٥٤ ] ، يعني شديدا ، والميثاق إقرارهم بما عهد اللّه عز وجل في التوراة .

١٥٥

النساء : ١٥٥ فبما نقضهم ميثاقهم . . . . .

 فبما نقضهم ميثاقهم ، يعني فبنقضهم إقرارهم بما في التوراة وكفرهم بآيات اللّه ، يعني الإنجيل والقرآن ، وهم اليهود وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف ، وذلك حين سمعوا من النبي صلى اللّه عليه وسلم : وقتلهم الأنبياء عرفوا أن الذي قال لهم النبي صلى اللّه عليه وسلم حق ، و  قلوبنا غلف ، يعني في أكنة عليها الغطاء ، فلا تفقه ولا تفهم ما تقول يا محمد ، كراهية ما سمعوا من النبي صلى اللّه عليه وسلم من كفرهم بالإنجيل والفرقان ، يقول اللّه تعالى : بل طبع عليها بكفرهم ، يعني ختم على قلوبهم فلا يؤمنون إلا قليلا [ آية : ١٥٥ ] ، يقول : ما أقل ما يؤمنون ، فإنهم لا يؤمنون البتة .

١٥٦

النساء : ١٥٦ وبكفرهم وقولهم على . . . . .

 وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما [ آية : ١٥٦ ] ، وذلك أن اليهود قذفوا مريم ، عليها السلام ، بيوسف بن ماثان بالزنا ، وكان ابن عمها ، وكان قد خطبها ، ومريم ابنة عمران بن ماثان ،

١٥٧

النساء : ١٥٧ وقولهم إنا قتلنا . . . . .

 وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم ، ولم يقولوا :

رسول اللّه ، ولكن اللّه عز وجل قال : رسول اللّه ، ثم قال تعالى : وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم بصاحبهم الذي قتلوه ، وكان اللّه عز وجل قد جعله على صورة عيسى فقتلوه ، وكان المقتول لطم عيسى ، وقال لعيسى حين لطمه ، أتكذب على اللّه حين تزعم أنك رسوله ، فلما أخذه اليهود ليقتلوه ، قال لليهود : لست بعيسى ، أنا فلان ، واسمه يهوذا ، فكذبوه وقالوا له : أنت عيسى ، وكانت اليهود جعلت المقتول رقيبا على عيسى صلى اللّه عليه وسلم ، فألقى اللّه تعالى ذكره شبهه على الرقيب فقتلوه .

قال سبحانه : وإن الذين اختلفوا فيه ، يعني في عيسى ، وهم النصارى ، فقال بعضهم : قتله اليهود ، وقال بعضهم : لم يقتل لفي شك منه في شك من قتله ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا [ آية : ١٥٧ ] ، يقول : وما قتلوا ظنهم يقينا ، يقول : لم يستيقنوا قتله ، كقول الرجل : قتلته علما ، فأكذب اللّه عز وجل اليهود في قتل عيسى صلى اللّه عليه وسلم ، فقال عز وجل :

١٥٨

النساء : ١٥٨ بل رفعه اللّه . . . . .

 بل رفعه اللّه إليه إلى السماء حيا في شهر

رمضان في ليلة القدر ، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، رفع إلى السماء من جبل بيت

المقدس ، فذلك قوله سبحانه : بل رفعه اللّه إليه  وكان اللّه عزيزا حكيما [ آية :

١٥٨ ] ، يعني عزيزا منيعا حين منع عيسى من القتل ، حكيما حين حكم رفعه ، قال :

وترك عيسى صلى اللّه عليه وسلم بعد رفعه خفين ، ومدرعة ، وحذافة يحذف بها الطير ، وقالت عائشة ،

رضى اللّه عنها : وترك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد موته إزارا غليظا ، وكساء ، ووسادة أدم

حشوها ليف .

١٥٩

النساء : ١٥٩ وإن من أهل . . . . .

 وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن ، يعني وما من أهل الكتاب ، يعني اليهود ، إلا

ليؤمنن به ، يعني بعيسى صلى اللّه عليه وسلم قبل موته أنه نبى رسول قبل موت اليهودي ،

يعني عند موته ؛ لأن الملائكة تضرب وجوههم وأدبارهم ، وتقول : يا عدو اللّه ، إن

المسيح الذي كذبتم به ، هو عبد اللّه ورسوله حقا ، فيؤمن به ولا ينفعه ، ويؤمن به من

كان منهم حيا إذا نزل عيسى صلى اللّه عليه وسلم ، فينزل عيسى صلى اللّه عليه وسلم على ثنية يقال لها : أفيق ، دهين

الرأس ، عليه ممصرتان ، ومعه حربة يقتل بها الدجال ، فقيل لابن عباس ، رحمه اللّه : فمن

غرق من اليهود ، أو أحرق بالنار ، أو أكله السبع ، قال : لا تخرج روحه حتى يؤمن

بعيسى صلى اللّه عليه وسلم ، ثم قال تعالى : ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا [ آية : ١٥٩ ] أنه قد

بلغهم الرسالة .

١٦٠

النساء : ١٦٠ فبظلم من الذين . . . . .

قوله سبحانه : فبظلم من الذين هادوا ، يعني اليهود حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ، يعني في الأنعام ، يعني اللحوم والشحوم وكل ذي ظفر لهم حلال ، فحرمها اللّه

عز وجل عليهم بعد موسى وبصدهم عن سبيل اللّه كثيرا [ آية : ١٦٠ ] ، فيها

إضمار ، يقول : وبصدهم عن سبيل اللّه كثيرا ، يعني دين الإسلام ، وعن محمد صلى اللّه عليه وسلم ،

١٦١

النساء : ١٦١ وأخذهم الربا وقد . . . . .

 وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل ، وهو محرم بغير حق وأعتدنا للكافرين منهم ، يعني اليهود عذابا أليما [ آية : ١٦١ ] ، يعني وجيعا ، فهذا الظلم الذي ذكره في هذه الآية .

١٦٢

النساء : ١٦٢ لكن الراسخون في . . . . .

ثم ذكر مؤمني أهل التوراة ، فقال سبحانه : لكن الراسخون في العلم منهم ، وذلك أن عبد اللّه بن سلام وأصحابه ، قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم : إن اليهود لتعلم أن الذي جئت به حق ، وأنك لمكتوب عندهم في التوراة ، فقالت اليهود : ليس كما تقولون ، وإنهم لا يعلمون شيئا ، وإنهم ليغرونك ويحدثونك بالباطل ، فقال اللّه عز وجل : لكن الراسخون في العلم منهم ، يعني المتدارسين علم التوراة ، يعني ابن سلام وأصحابه منهم ، يعني من اليهود والمؤمنون ، يعني أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم من غير أهل الكتاب يؤمنون بما أنزل إليك  من القرآن وما أنزل من قبلك من الكتب على الأنبياء ، التوراة والإنجيل .

فقال سبحانه : والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة ، يعني المعطون الزكاة والمؤمنون باللّه واليوم الآخر أنه واحد لا شريك له ، والبعث الذي فيه جزاء الأعمال أولئك سنؤتيهم أجرا ، يعني جزاء عظيما [ آية : ١٦٢ ] .

١٦٣

النساء : ١٦٣ إنا أوحينا إليك . . . . .

 إنا أوحينا إليك ، وذلك أن عدى بن زيد وصاحبيه اليهود ، قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم :

واللّه ما أوحى اللّه إليك ولا إلى أحد من بعد موسى ، فكذبهم اللّه عز وجل ، فقال :

 إنا أوحينا إليك  كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ، يعني من بعد نوح :

هود وصالح وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ، يعني

بني يعقوب : يوسف وإخواته ، وأوحينا إليهم في صحف إبراهيم ، ثم قال : و  أوحينا إلي وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا [ آية : ١٦٣ ] ،

ليس فيه حد ، ولا حكم ، ولا فريضة ، ولا حلال ، ولا حرام ، خمسين ومائة سورة ،

فأخبره اللّه بهن ليعلموا أنه نبي .

١٦٤

النساء : ١٦٤ ورسلا قد قصصناهم . . . . .

فقالت اليهود : ذكر محمد النبيين ولم يبين لنا أمر موسى أكلمه اللّه أم لم يكلمه ؟

فأنزل اللّه عز وجل في قول اليهود : ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ، هؤلاء

بمكة في الأنعام وفي غيرها ؛ لأن هذه مدنية ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم اللّه

موسى تكليما [ آية : ١٦٤ ] ، يعني مشافهة ، وهو ابن أربعين سنة ليلة النار ، ومرة

أخرى حين أعطى التوارة ،

١٦٥

النساء : ١٦٥ رسلا مبشرين ومنذرين . . . . .

 رسلا مبشرين  بالجنة ومنذرين  من النار لئلا

يكون للناس على اللّه حجة بعد الرسل ، فيقولوا يوم القيامة : لم يأتنا لك رسول وكان

اللّه عزيزا حكيما [ آية : ١٦٥ ] ، حكم إرسال الأنبياء إلى الناس .

١٦٦

النساء : ١٦٦ لكن اللّه يشهد . . . . .

فقال لهم النبي صلى اللّه عليه وسلم : إنكم لتعلمون حق ما أقول ، وإنه لفي التوراة ، فإن تتوبوا

وترجعوا يغفر لكم ذنوبكم ،   لو كان ما تقول في التوراة لاتبعناك ، فقال النبي

 صلى اللّه عليه وسلم : واللّه إنكم لتشهدون بما أقول ، قالوا ما عندنا بذلك شهادة ، قال اللّه عز وجل :

فإن لم يشهد لك أحد منهم ، فإن اللّه وملائكته يشهدون بذلك ، فذلك قوله عز وجل :

 لكن اللّه يشهد بما أنزل إليك  من القرآن أنزله بعلمه والملائكة

يشهدون بذلك وكفى باللّه شهيدا [ آية : ١٦٦ ] ، يقول : فلا شاهد أفضل من

اللّه بأنه أنزل عليك القرآن .

١٦٧

النساء : ١٦٧ إن الذين كفروا . . . . .

ثم قال يعنيهم : إن الذين كفروا ، يعني اليهود كفروا بمحمد والقرآن وصدوا

عن سبيل اللّه ، يعني عن دين الإسلام قد ضلوا  عن الهدى ضلالا بعيدا

[ آية : ١٦٧ ] ، يعني طويلا ، ثم قال :

١٦٨

النساء : ١٦٨ إن الذين كفروا . . . . .

 إن الذين كفروا ، يعني اليهود كفروا بمحمد

والقرآن وظلموا ، يعني وأشركوا باللّه لم يكن اللّه ليغفر لهم ولا ليهديهم

طريقا [ آية : ١٦٨ ] إلى الهدى ،

١٦٩

النساء : ١٦٩ إلا طريق جهنم . . . . .

ثم استثنى : إلا طريق جهنم خالدين فيها ، يعني

طريق الكفر ، فهو يقود إلى جهنم خالدين فيها أبذد وكان ذلك على اللّه يسيرا [ آية :

١٦٩ ] ، يعني عذابهم على اللّه هينا .

١٧٠

النساء : ١٧٠ يا أيها الناس . . . . .

 يا أيها الناس قد جاءكم الرسول ، يعني محمدا بالحق ، يعني بالقرآن ،

 من ربكم فآمنوا خيرا لكم ، يعني صدقوا بالقرآن فهو خير لكم من الكفر وإن

تكفروا فإن للّه ما في السماوات والأرض من الخلق وكان اللّه عليما حكيما [ آية :

١٧٠ ] .

١٧١

النساء : ١٧١ يا أهل الكتاب . . . . .

 يا أهل الكتاب ، يعني النصارى لا تغلوا في دينكم ، يعني الإسلام ،

فالغلو في الدين أن تقولوا على اللّه غير الحق في أمر عيسى ابن مريم صلى اللّه عليه وسلم ولا تقولوا على اللّه إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول اللّه ، وليس للّه تبارك وتعالى

ولدا وكلمته ، يعني بالكلمة ، قال : كن فكان ألقاها إلى مريم وروح منه ، يعني بالروح أنه كان من غير بشر ، نزلت في نصارى نجران في السيد والعاقب

ومن معهما .

قال سبحانه : فآمنوا ، يعني صدقوا باللّه عز وجل بأنه واحد لا شريك

له ورسله ، يعني محمدا صلى اللّه عليه وسلم بأنه نبي ورسول ولا تقولوا ثلاثة ، يعني لا

تقولوا : إن اللّه عز وجل ثالث ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما اللّه إله واحد سبحانه أن يكون له ولد ، يعني عيسى صلى اللّه عليه وسلم له ما في السماوات وما في الأرض من الخلق

عبيده ، وفي ملكه عيسى وغيره وكفى باللّه وكيلا [ آية : ١٧١ ] ، يعني شهيدا

بذلك .

١٧٢

النساء : ١٧٢ لن يستنكف المسيح . . . . .

ثم قال عز وجل : لن يستنكف المسيح ، يعني لن يأنف أن يكون عبدا للّه ولا يستنكف الملائكة المقربون أن يكونوا عبيدا للّه ، ليعتبروا بكون الملائكة

أقرب إلى اللّه عز وجل منزلة من عيسى ابن مريم وغيره ، فإن عيسى عبد من عباده ، ثم

أوعد النصارى ، فقال : ومن يستنكف ، يعني ومن يأنف عن عبادته ويستكبر ، يعني ومن يأنف عن عبادة اللّه ، يعني التوحيد ويستكبر ، يعني ويتكبر عن

العبادة فسيحشرهم إليه جميعا [ آية : ١٧٢ ] ، فلم يستنكف ويستكبر غير إبليس .

١٧٣

النساء : ١٧٣ فأما الذين آمنوا . . . . .

وأخبر المؤمنين بمنزلتهم في الآخرة ومنزلة المستنكفين ، فقال : فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ، يعني فيوفى لهم جزاءهم ويزيدهم على

أعمالهم من فضله الجنة وأما الذين استنكفوا ، يعني أنفوا

 واستكبروا عن عبادة اللّه بالتوحيد فيعذبهم عذابا أليما ، يعني وجيعا ،

 ولا يجدون لهم من دون اللّه وليا ، يعني قريبا ينفعهم ولا نصيرا [ آية : ١٧٣ ] ،

يعني مانعا يمنعهم من اللّه عز وجل .

١٧٤

النساء : ١٧٤ يا أيها الناس . . . . .

 يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم ، يعني بيان ، وهو القرآن وأنزلنا إليكم نورا مبينا [ آية : ١٧٤ ] ، يعني ضياء بينا من العمى ، وهو القرآن ،

١٧٥

النساء : ١٧٥ فأما الذين آمنوا . . . . .

 فأما الذين آمنوا باللّه ، يعني صدقوا باللّه عز وجل بأنه واحد لا شريك له واعتصموا به ،

يعني احترزوا به ، يعني باللّه عز وجل فسيدخلهم في رحمة منه ، يعني الجنة ،

 وفضل ، يعني الرزق في الجنة ويهديهم إليه صراطا مستقيما [ آية : ١٧٥ ] .

١٧٦

النساء : ١٧٦ يستفتونك قل اللّه . . . . .

 يستفتونك ، نزلت في جابر بن عبد اللّه الأنصاري من بني سلمة بن جشم بن

سعد بن علي بن شاردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج وفي أخواته قل اللّه يفتيكم في الكلالة ، يعني به الميت الذي يموت وليس له ولد ولا والد ، فهو

الكلالة ، وذلك أن جابر بن عبد اللّه الأنصاري ، رحمه اللّه ، مرض بالمدينة ، فعاده رسول

اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال : يا رسول اللّه ، إني كلالة لا أب لي ولا ولد ، فكيف أصنع في مالي ،

فأنزل اللّه عو وجل : إن امرؤا هلك ، يعني مات ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك الميت من الميراث وهو يرثها إن لم يكن لها ولد إذا ماتت قبله ،

 فإن كانتا اثنتين ، يعني أختين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء

فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين اللّه لكم أن تضلوا ، يقول : لئلا تخطئوا قسمة

المواريث واللّه بكل شيء من قسمة المواريث عليم [ آية : ١٧٦ ] ، نظيرها

في الأنفال .

﴿ ٠