٢المائدة : ٢ يا أيها الذين . . . . . قال تعالى ذكره : يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر اللّه ، يعني مناسك الحج والعمرة ، وذلك أن الحمس ، قريشا ، وخزاعة ، وكنانة ، وعامر بن صعصعة ، كانوا يستحلون أن يغير بعضهم على بعض في الأشهر الحرم وغيرها ، وكانوا لا يسعون بين الصفا والمروة ، وكانوا لا يرون الوقوف بعرفات من شعائر اللّه ، فلما أسلموا أخبرهم اللّه عز وجل بأنها من شعائر اللّه ، فقال عز وجل : الصفا والمروة من شعائر اللّه [ البقرة : ١٥٨ ] . وأمر سبحانه أن يسعى بينهما ، فأنزل اللّه عز وجل : يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر اللّه ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ، يقول : لا تستحلوا القتل في الشهر الحرام ، وذلك أن أبا ثمامة جنادة بن عوف بن أمية من بني كنانة كان يقوم كل سنة في سوق عكاظ ، فيقول : ألا إني قد أحللت المحرم ، وحرمت صفرا ، وأحللت كذا ، وحرمت كذا ، ما شاء ، وكانت العرب تأخذ به ، فأنزل اللّه تعالى : إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا ، يعني جنادة بن عوف يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطؤوا عدة ما حرم اللّه ، يعني خلافا على اللّه جل اسمه وعلى ما حرم ، فيحلوا ما حرم اللّه [ التوبة : ٣٧ ] من الأشهر الحرم . ثم رجع إلى الآية الأولى في التقديم ، فقال تعالى : ولا القلائد ، كفعل أهل الجاهلية ، وذلك أنهم كانوا يصيبون من الطريق ، قال : وكان في الجاهلية من أراد الحج من غير أهل الحرم ، يقلد نفسه من الشعر والوبر ، فيأمن به إلى مكة ، وإن كان من أهل الحرم ، قلد نفسه وبعيره من لحيا شجر الحرم ، فيأمن به حيث يذهب ، فهذا في غير أشهر الحرم ، فإذا كان أشهر الحرم ، لم يقلدوا أنفسهم ولا أباعرهم وهم يأمنون حيث ما ذهبوا . قال عز وجل : ولا آمين البيت الحرام ، يعني متوجهين نحو البيت ، نزلت في الخطيم ، يقول : لا تتعرضوا الحجاج بيت اللّه يبتغون فضلا من ربهم ، يعني الرزق في التجارة في مواسم الحج ورضوانا ، يعني رضوان اللّه بحجهم ، فلا يرضى اللّه عنهم حتى يسلموا ، فنسخت آية السيف هذه الآية كلها . قوله سبحانه : وإذا حللتم من الإحرام فاصطادوا ، يقول : إذا حللتم من إحرامكم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنئان قوم ، يقول : ولا يحملنكم عداوة المشركين من أهل مكة أن صدوكم عن المسجد الحرام ، يعني منعوكم من دخول البيت الحرام أن تطوفوا به عام الحديبية أن تعتدوا ، يعني أن ترتكبوا معاصيه ، فتستحلوا أخذ الهدى والقلائد والقتل في الشهر الحرام من حجاج بكر بن وائل من أهل اليمامة ، نزلت في الخطيم ، واسمه شريح بن ضبيعة بن شرحبيل بن عمر بن جرثوم البكري ، ومن بني قيس بن ثعلبة ، وفي حجاج المشركين ، وذلك أن شريح بن ضبيعة جاء إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال : يا محمد ، اعرض علي دينك ، فعرض عليه وأخبره بما له وبما عليه ، فقال له شريح : إن في دينك هذا غلظا ، فأرجع إلى قومي فأعرض عليهم ما قلت ، فإن قبلوه كنت معهم ، وإن لم يقبلوه كنت معهم . فخرج من عند النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ′ لقد دخل بقلب كافر ، وخرج بوجه غادر ، وما أرى الرجل بمسلم ′ ، ثم مر على مسرح المدينة فاستاقها ، فطلبوه فسبقهم إلى المدينة ، وأنشأ يقول : قد لفها الليل بسواق حطم ليس براعي إبل ولا غنم ولا بجزار على ظهر وضم خدلج الساق ولا رعش القدم قال أبو محمد عبد اللّه بن ثابت : سمعت أبي يقول : قال أبو صالح : قتله رجل من قومه على الكفر ، وقدم الرجل الذي قتله مسلما ، فلما سار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم معتمرا عام الحديبية في العام الذي صده المشركون ، جاء شريح إلى مكة معتمرا ، معه تجارة عظيمة في حجاج بكر بن وائل ، فلما سمع أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بقدوم شريح وأصحابه ، وعرفوا بنبئهم ، فأراد أهل السرح أن يغيروا عليه كما أغار عليهم من قبل شريح وأصحابه ، ف نستأمر النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فاستأمروه ، فنزلت الآية : يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر اللّه ، يعني أمر المناسك . ولا تستحلوا في الشهر الحرام أخذ الهدى ولا القلائد ، يقول : ولا تخيفوا من قلد بعيره ، ولا تستحلوا القتل آمين البيت الحرام ، يعني متوجهين قبل البيت الحرام من حجاج المشركين ، يعني شريح بن ضبيعة وأصحابه يبتغون بتجاراتهم فصلا من اللّه ، يعني الرزق والتجارة ورضوانه بحجهم ، فنهى اللّه عز وجل نبيه صلى اللّه عليه وسلم عن قتالهم ، ثم لم يرض منهم حتى يسلموا ، فنسخت هذه الآية آية السيف ، فقال عز وجل : فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [ التوبة : ٥ ] ، ثم قال تعالى : وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا اللّه إن اللّه شديد العقاب [ آية : ٢ ] . |
﴿ ٢ ﴾