بسم اللّه الرحمن الرحيم

 سورة الأنفال

١ مدنية كلها ، غير آية واحدة : وإذ يمكر بك الذين كفروا [ الآية : ٣٠ ] الآية ١ وهي خمس وسبعون آية كوفية

 بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

الأنفال : ١ يسألونك عن الأنفال . . . . .

 يَسئلُونكَ عن الأنفال ، وذلك أن رسول اللّه [ صلى اللّه عليه وسلم ] ، قال يوم بدر : إن اللّه وعدني

النصر أو الغنيمة ، فمن قتل قتيلاً ، أو أسر أسيراً ، فله من عسكرهم كذا وكذا ، إن شاء اللّه ، ومن جاء برأس ، فله غرة ، فلما تواقعوا انهزم المشركون وأتباعهم سرعان الناس ،

فجاءوا بسبعين أسيراً ، وقتلوا سبعين رجلاً ، فقال أبو اليسر الأنصاري : أعطنا ما وعدتنا

من الغنيمة ، وكان قتل رجلين ، وأسر رجلين ، العباس بن عبد المطلب ، وأبا عزة ابن عمير بن هشام بن عبد الدار ، وكان معه لواء المشركين يوم بدر ، قال سعد بن عبادة الأنصاري ، من بنى ساعدة ، للنبي صلى اللّه عليه وسلم : ما منعنا أن نطلب المشركين كما طلب هؤلاء

زهادة في الآخرة ، ولا جبناً عن العدو ، ولكن خفنا أن نعرى صفك ، فتعطف عليك خيل المشركين ، رجالنهم ، فتصاب بمصيبة ، فإن تعط هؤلاء ما ذكرت لهم ، لم يبق لسائر أصحابك كبير شيء ، فأنزل اللّه عز وجل : يَسئلُونكَ عن الأنفال ، يعني النافلة التي وعدتهم ، يعني أبا اليسر ، اسمه كعب بن عمرو الأنصاري ، من بنى سلمة بن جشم ابن مالك ، ومالك بن دخشم الأنصاري ، من بنى عوف بن الخزرج .

فأنزل اللّه عز وجل : قل لهم يا محمد : الأنفال للّه والرسول فاتقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم ، يقول : ليرد بعضكم على بعض الغنيمة وأطيعوا اللّه ورسوله في أمر الصلح إن كنتم مؤمنين [ آية : ١ ] ، يعنى مصدقين بالتوحيد ، فأصلحوا .

٢

الأنفال : ٢ إنما المؤمنون الذين . . . . .

فقال : إنما المؤمنون الذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم

ءايته في أمر الصلح زادتهم إيمانا ، يعني تصديقاً مع إيمانهم مع تصديقهم بما أنزل اللّه عليهم قبل ذلك من القرآن وعلى ربهم يتوكلون [ آية : ٢ ] ، يعنى وبه يثقون .

٣

الأنفال : ٣ الذين يقيمون الصلاة . . . . .

فقال : الذين يقيمون الصلاة ، يعنى يتمون الصلاة ، ركوعها ، وسجودها في مواقيتها ومما رزقنهم من الأموال ينفقون [ آية : ٣ ] في طاعة ربهم .

٤

الأنفال : ٤ أولئك هم المؤمنون . . . . .

 أولئك هم المؤمنون حقا ، لا شك في إيمانهم كشك المنافقين لهم بذلك درجت ، يعنى فضائل عند ربهم في الآخرة في الجنة ومغفرة لذنوبهم ورزق كريم [ آية : ٤ ] ، يعني حسن في الجنة ، فلما نزلت هؤلاء الآيات ،   سمعنا وأطعنا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فلم تقسم الغنيمة حتى رجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

إلى المدينة ، فقسم بينهم بالسوية ، ورفع الخمس منه .

٥

الأنفال : ٥ كما أخرجك ربك . . . . .

قوله : كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ، وذلك أن عير كفار قريش جاءت من الشام تريد مكة فيها أبو سفيان بن حرب ، وعمرو بن العاص ، وعمرو بن هشام ، ومخرمة بن نوفل الزهري ، في العير ، فبلغهم أن رسول اللّه [ صلى اللّه عليه وسلم ] يريدهم ، فبعثوا عمرو بن ضمضم الغفاري إلى مكة مستغيثاً ، فخرجت قريش ، وبعث النبي صلى اللّه عليه وسلم عدى بن أبي الزغفاء عيناً على العير ؛ ليعلم أمرهم ، ونزل جبريل ، عليه السلام ، فأخبر النبي صلى اللّه عليه وسلم بعير أهل مكة ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لأصحابه : إن اللّه يعدكم إحدى الطائفتين ، إما العير ، وإما النصر والغنيمة ، فما ترون ؟ ، فأشاروا عليه ، بل نسير إلى العير ، وكرهوا القتال ، و

إنا لم نأخذ أهبة القتال ، وإنما نفرنا إلى العير ، ثم أعاد النبي صلى اللّه عليه وسلم المشورة ، فأشاروا عليه بالعير .

فقال سعد بن عبادة الأنصاري : يا رسول اللّه ، انظر أمرك فامض له ، فواللّه لو سرت بنا إلى عدن ما تخلف عنك رجل من الأنصار ، ففرح النبي صلى اللّه عليه وسلم ، حتى عرف السرور في وجهه ، فقال المقداد بن الأسود الكندي : إنا معك ، فضحك النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وقال لهم معروفاً ، فأنزل اللّه عز وجل : كما أخرجك ربك من بيتك بالحق  وإن فريقا من المؤمنين لكارهون [ آية : ٥ ] للقتال ، فلذلك فاتقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم في أمر الغنيمة ، فيها تقديم .

٦

الأنفال : ٦ يجادلونك في الحق . . . . .

ثم قال : يجدلونك في الحق بعدما تبين لهم أنك لا تصنع إلا ما أمرك اللّه كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون [ آية : ٦ ] .

٧

الأنفال : ٧ وإذ يعدكم اللّه . . . . .

 وإذ يعدكم اللّه إحدى الطائفتين العير أو هزيمة المشركين وعسكرهم أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة ، يعنى العير تكون لكم ويريد اللّه أن يحق الحق بكلماته ، يقول : يحقق الإسلام بما أنزل إليك ويقطع دابر الكفرين [ آية : ٧ ] ، يعني أصل الكافرين ببدر .

٨

الأنفال : ٨ ليحق الحق ويبطل . . . . .

 ليحق الحق ، يعنى الإسلام ويبطل البطل ، يعنى الشرك ، يعني عبادة الشيطان ولو كره المجرمون [ آية : ٨ ] ، يعنى كفار مكة .

٩

الأنفال : ٩ إذ تستغيثون ربكم . . . . .

قوله : إذ تستغيثون ربكم ، وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لما رأى المشركين يوم بدر ، وعلم أنه لا قوة له بهم إلا باللّه ، دعا ربه ، فقال : اللّهم إنك أمرتنى بالقتال ، ووعدتنى بالنصر ، وإنك لا تخلف الميعاد ، فاستجاب له ربه ، فأنزل اللّه : إذ تستغيثون في النصر ، فاستجاب لكم أنى ممدكم بألف من الملئكة يوم بدر مردفين [ آية : ٩ ] ، يعنى متتابعين ، كقوله في المؤمنين : رسلنا تترا [ المؤمنون : ٤٤ ] ، و

قوله : طيراً أبابيل [ الفيل : ٣ ] ، و

قوله : يرسل السماء عليكم مدراراً [ هود : ٥٢ ] ، يعنى متتابع قطرها .

فنزل جبريل ، عليه السلام ، في ألف من الملائكة ، فقام جبريل ، عليه السلام ، في

خمسمائة ملك عن ميمنة الناس ، معهم أبو بكر ، ونزل ميكائيل ، عليه السلام ، في

خمسمائة على ميسرة الناس ، معهم عمر في صور الرجال ، عليهم البياض ، وعمائم البيض ، قد أرخوا أطرافها بين أكتافهم ، فقاتلت الملائكة يوم بدر ، ولم يقاتلوا يوم الأحزاب ، ولا يوم خيبر .

١٠

الأنفال : ١٠ وما جعله اللّه . . . . .

ثم قال وما جعله اللّه ، يعنى مدد الملائكة إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم ، يعنى لتسكن إليه قلوبكم وما النصر ، وليس النصر إلا من عند اللّه ، وليس النصر بقلة العدد ولا بكثرته ، ولكن النصر من عند اللّه أن اللّه عزيز حكيم [ آية : ١٠ ] عزيز ، يعني منيع حكيم في أمره ، حكم النصر .

١١

الأنفال : ١١ إذ يغشيكم النعاس . . . . .

و

قوله : إذ يغشيكم النعاس ، وذلك أن كفار مكة سبقوا النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى ماء بدر ،

فخلفوا الماء وراء ظهورهم ، ونزل المسلمون حيالهم على غير ماء ، وبينهم وبين عدوهم

بطن واد فيه رمل ، فمكث المسلمون يوماً وليلة يصلون محدثين مجنبين ، فأتاهم إبليس ،

لعنة اللّه ، فقال لهم : أليس قد زعمتم أنكم أولياء اللّه على دينه ، وقد غلبتم على الماء

تصلون على غير طهور ، وما يمنع القوم من قتالكم إلا ما أنتم فيه من العطش والبلاء ،

حتى إذا انقطعت رقابكم من العطش ، قاموا إليكم فلا يبصر بعضكم بعضاً ، فيقرنونكم

بالحبال ، فيقتلون منكم من شاءوا ، ثم ينطلقون بكم إلى مكة .

فحزن المسلمون وخافوا ، وامتنع منهم النوم ، فعلم اللّه ما في قلوب المؤمنين من

الحزن ، فألقى اللّه عليهم النعاس أمنة من اللّه ليذهب همهم ، وأرسل السماء عليهم ليلاً ،

فأمطرت مطراً جواداً حتى سالت الأودية ، وملؤوا الأسقية ، وسقوا الإبل ، واتخذوا

الحياض ، واشتدت الرملة ، وكانت تأخذ إلى كعبي الرجال ، وكانت باعة المؤمنين رجال

لم يكن معهم إلا فارسان : المقداد بن الأسود ، وأبو مرثد الغنوى ، وكان معهم ستة

أدرع ، فأنزل اللّه إذ يغشيكم النعاس  أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به من الأحداث ، والجنابة ويُذهب عنكم رجز الشَّيطن ، يعني

الوسوسة التي ألقاها في قلوبكم والحزن وليربط على قُلوبِكُم بالإيمان من تخويف

الشيطان ويثبت به ، يعنى بالمطر الأقدام [ آية : ١١ ] .

١٢

الأنفال : ١٢ إذ يوحي ربك . . . . .

 إذ يوحي ربك ، ولما وصف القوم ، أوحى اللّه عز وجل إلى الملئكة أَني مَعَكُم

فَثبِتُوا الذين آمنوا بالنصر ، فكان الملك في صورة بشر في الصف

الأول ، فيقول : أبشروا ، فإنكم كثير ، وعددهم قليل ، فاللّه ناصركم ، فيرى الناس أنه

منهم ، ثم قال : سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب بتوحيد اللّه عز وجل يوم

بدر ، ثم علمهم كيف يصنعون ، فقال : فاضربوا فوق الأعناق ، يعنى الرقاب ،

تقول العرب : لأضربن فوق رأسك ، يعنى الرقاب واضربوا بالسيف منهم كل بنان [ آية : ١٢ ] ، يعنى الأطراف .

١٣

الأنفال : ١٣ ذلك بأنهم شاقوا . . . . .

 ذلك الذي نزل بهم بأنهم شاقوا اللّه ورسوله ، يعنى عادوا اللّه ورسوله ،

 ومن يشاقق اللّه ، يعنى ومن يعاد اللّه ورسوله فإن اللّه شديد العقاب [ آية :

١٣ ] إذا عاقب .

١٤

الأنفال : ١٤ ذلكم فذوقوه وأن . . . . .

 ذلكم القتل فذوقوه يوم بدر في الدنيا ، ثم قال : وأن للكافرين

بتوحيد اللّه عز وجل مع القتل ، وضرب الملائكة الوجوه ، والأدبار أيضاً ، لهم في الآخرة

 عذاب النار [ آية : ١٤ ] .

١٥

الأنفال : ١٥ يا أيها الذين . . . . .

 يَأَيُها الذين ءامنوا إذا لقيتُم الذين كَفروُا بتوحيد اللّه عز وجل يوم بدر ،

 زحفا فلا تولوهم الأدبار [ آية : ١٥ ] .

١٦

الأنفال : ١٦ ومن يولهم يومئذ . . . . .

 ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال ، يعنى مستطرداً يريد الكرة للقتال ،

 أو متحيزا إلى فئة ، يقول : أو ينحاز إلى صف النبي صلى اللّه عليه وسلم فقد باء بغضب من اللّه ، يقول : فقد استوجب من اللّه الغضب ومأواه جهنم ، يعنى ومصيره

جهنم وبئس المصير [ آية : ١٦ ] .

١٧

الأنفال : ١٧ فلم تقتلوهم ولكن . . . . .

 فلم تقتلوهم ، يعنى ما قتلتوهم ، وذلك أن الرجل من المؤمنين كان يقول : فعلت

وقتلت ، فنزلت : فلم تقتلوهم  ولكن اللّه قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن اللّه رمى ، وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم حين صاف المشركين ، دعا بثلاث قبضات من حصى

الوادي ورمله ، فناوله علي بن أبي طالب ، فرمى بها في وجوه العدو ، وقال : اللّهم

أرعب قلوبهم ، وزلزل أقدامهم ، فملأ اللّه وجوههم وأبصارهم من الرمية ، فانهزموا عند

الرمية الثالثة ، وتبعهم المسلمون يقتلونهم ويأسرونهم ، فذلك

قوله : وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا ، يعنى القتل والأسر إن اللّه سميع لدعاء النبي صلى اللّه عليه وسلم ،

 عليم [ آية : ١٧ ] به .

١٨

الأنفال : ١٨ ذلكم وأن اللّه . . . . .

 ذلكم النصر وأن اللّه موهن ، يعنى مضعف كيد الكافرين [ آية :

١٨ ] .

١٩

الأنفال : ١٩ إن تستفتحوا فقد . . . . .

 إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ، وذلك أن عاتكة بنت عبد المطلب رأت

في المنام ، كأن فارساً دخل المسجد الحرام ، فنادى : يا آل فهر من قريش ، انفروا في ليلة

أو ليلتين ، ثم صعد فوق الكعبة ، فنادى مثلها ، ثم صعد أبا قبيس ، فنادى مثلها ، ثم نقض

صخرة من الجبل فرفعها المنادى ، فضرب بها الجبل فانفلقت ، فلم يبق بيت بمكة إلا

دخلت قطعة منه فيه ، فلما أصبحت أخبرت أخاها العباس وجلاً ، وعنده أبو جهل ابن

هشام ، فقال أبو جهل : يا آل قريش ، ألا تعذرونا من بنى عبد المطلب ، إنهم لا يرضون

أن تنبأ رجالهم حتى تنبأت نساؤهم ، ثم قال أبو جهل للعباس : تنبأت رجالكم وتنبأت

نساؤكم ، واللّه لتنتهن ، وأوعدهم ، فقال العباس : إن شئتم ناجزناكم الساعة .

فلما قدم ضمضم بن عمرو الغفاري ، قال : أدركوا العير أو لا تدركوا ، فعمد أبو

جهل وأصحابه ، فأخذوا بأستار الكعبة ، ثم قال أبو جهل : اللّهم انصر أعلى الجندين

وأكرم القبيلتين ، ثم خرجوا على كل صعب وذلول ليعينوا أبا سفيان ، فترك أبو سفيان

الطريق وأغز على ساحل البحر ، فقدم مكة وسبق أبو جهل النبي صلى اللّه عليه وسلم ومن معه من

المشركين إلى ماء بدر ، فلما التقوا ، قال أبو جهل : اللّهم اقض بيننا وبين محمد ، اللّهم أينا

كان أحب إليك وأرضى عندك فانصره ، ففعل اللّه عز وجل ذلك ، وهزم المشركين

وقتلهم ، ونصر المؤمنين .

فأنزل اللّه في قول أبي جهل : إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ، يقول : إن

تستنصروا فقد جاءكم النصر ، فقد نصرت من قلتم وإن تنتهوا فهو خير لكم من

القتال وإن تعودوا لقتالهم نعد عليكم بالقتل والهزيمة بما فعلنا ببدر ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ، يعنى جماعتكم شيئاً ولو كثرت فئتكم وأن اللّه مع المؤمنين [ آية : ١٩ ] في النصر لهم .

٢٠

الأنفال : ٢٠ يا أيها الذين . . . . .

قوله : يَأَيُها الذين ءامنوا ، يعني صدقوا بتوحيد اللّه عز وجل أطيعوا اللّه ورسوله في أمر الغنيمة ولا تولوا عنه ، يعنى ولا تعرضوا عنه ، يعنى أمر الرسول صلى اللّه عليه وسلم وأنتم تسمعون [ آية : ٢٠ ] المواعظ .

٢١

الأنفال : ٢١ ولا تكونوا كالذين . . . . .

ثم وعظ المؤمنين ، فقال : ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا الإيمان وهم لا يسمعون [ آية : ٢١ ] ، يعنى المنافقين .

٢٢

الأنفال : ٢٢ إن شر الدواب . . . . .

ثم قال : إن شر الدواب عند اللّه الصم عن الإيمان البكم ، يعنى الخرس

لا يتكلمون بالإيمان ولا يعقلون الذين لا يعقلون [ آية : ٢٢ ] ، يعنى ابن عبد الدار

بن قصي ، وأبو الحارث بن علقمة ، وطلحة بن عثمان ، وعثمان ، وشافع ، وأبو الجلاس ،

وأبو سعد ، والحارث ، والقاسط بن شريح ، وأرطاة بن شرحبيل .

٢٣

الأنفال : ٢٣ ولو علم اللّه . . . . .

ثم أخبر عنهم ، فقال : ولو علم اللّه فيهم خيرا لأسمعهم ، يعني لأعطاهم الإيمان ،

 ولو أسمعهم ، يقول : ولو أعطاهم الإيمان لتولوا ، يقول : لأعرضوا عنه ،

 وهم معرضون [ الآية : ٢٣ ] ، لما سبق لهم في علم اللّه من الشقاء ، وفيهم نزلت :

 وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية إلى آخر الآية [ الأنفال : ٣٥ ] .

٢٤

الأنفال : ٢٤ يا أيها الذين . . . . .

 يأيُها الذين ءامنوا استجيبوا للّه وللرسُول في الطاعة في أمر القتال إذا دعاكم

لما يُحييكُم ، يعنى الحرب التي وعدكم اللّه ، يقول : أحياكم بعد الذل ، وقواكم

بعد الضعف ، فكان ذلك لكم حياء واعلموا أن اللّه يحول بين المرء وقلبه ،

يقول : يحول بين قلب المؤمن وبين الكفر ، وبين قلب الكافر وبين الإيمان وأنه إليه تحشرون [ آية : ٢٤ ] في الآخرة ، فيجزيكم بأعمالكم .

٢٥

الأنفال : ٢٥ واتقوا فتنة لا . . . . .

 واتقوا فتنة تكون من بعدكم ، يحذركم اللّه ، تكون مع علي بن أبي طالب ،

 لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ، فقد أصابتهم يوم الجمل ، منهم : طلحة ،

والزبير ، ثم حذرهم ، فقال : واعلموا أن اللّه شديد العقاب [ آية : ٢٥ ] إذا عاقب .

٢٦

الأنفال : ٢٦ واذكروا إذ أنتم . . . . .

ثم ذكرهم النعم ، فقال : واذكروا إذ أنتم قليل ، يعنى المهاجرين خاصة ،

 مستضعفون في الأرض ، يعنى أهل مكة تخافون أن يتخطفكم الناس ، يعنى

كفار مكة ، نزلت هذه الآية بعد قتال بدر ، يقول : فئاواكُم إلى المدينة والأنصار ،

 وأيدكم بنصره ، يعنى وقواكم بنصره يوم بدر ورزقكم من الطيبات ، يعنى

الحلال من الرزق وغنيمة بدر لعلكم ، يعنى لكي تشكرون [ آية : ٢٦ ]

تشكرون ربكم في هذه النعم التي ذكرها في هذه الآية .

٢٧

الأنفال : ٢٧ يا أيها الذين . . . . .

 يأَيُها الذين ءامنوا لا تخونُوا اللّه والرسولَ ، يعنى أبا لبابة ، وفيه نزلت هذه الآية ،

نظيرها في المتحرم وتخونوا [ التحريم : ١٠ ] يعنى فخالفتاهما في الدين ، ولم يكن

في الفرج ، واسمه مروان بن عبد المنذر الأنصاري ، من بني عمرو بن عوف ، وذلك أن

النبي صلى اللّه عليه وسلم حاصر يهود قريظة إحدى وعشرين ليلة ، فسألوا الصلح على مثل صلح أهل

النصير ، على أن يسيروا إلى إخواتهم إلى أذرعات وأريحا في أرض الشام ، وأبى النبي صلى اللّه عليه وسلم

أن ينزلوا إلا على الحكم ، فأبوا ، و  أرسل إلينا أبا لبابة ، وكان مناصحهم ، وهو

حليف لهم ، فبعثه النبي صلى اللّه عليه وسلم إليهم ، فلما أتاهم ،   يا أبا لبابة ، أتنزل على حكم محمد

 صلى اللّه عليه وسلم ؟ فأشار أبا لبابة بيده إلى حلقه إنه الذبح ، فلا تنزلوا على الحكم ، فأطاعوه ، وكان أبو

لبابة وولده مهم ، فغش المسلمين وخان ، فنزلت في أبي لبابة : يَأيُها الذين ءامنوا لا تخونوا اللّه والرسُولَ  وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون [ آية : ٢٧ ] أنها الخيانة .

٢٨

الأنفال : ٢٨ واعلموا أنما أموالكم . . . . .

ثم حذرهم ، فقال : واعلموا أَنما أمولكُم وأولادُكُم فتنةٌ ، يعنى بلاء ؛ لأنه ما

نصحهم إلا من أجل ماله وولده ؛ لأنه كان في أيديهم وأن اللّه عنده أجر ، يعنى

جزاء عظيم [ آية : ٢٨ ] ، يعنى الجنة .

٢٩

الأنفال : ٢٩ يا أيها الذين . . . . .

 يَأيُها الذين ءامنوا إِن تتقُوا اللّه ، فلا تعصوه يجعل لكم فرقانا ، يعنى

مخرجاً من الشبهات ويكفر عنكم سيئاتكم ، يعنى ويمحو عنكم خطاياكم ،

 ويغفر لكم  ، يقول : ويتجاوز عنكم واللّه ذو الفضل العظيم [ آية : ٢٩ ] .

٣٠

الأنفال : ٣٠ وإذ يمكر بك . . . . .

 وإذ يمكر بك الذين كفروا ، وذلك أن نفراً من قريش ، منهم : أبو جهل بن هشام ،

وعتبة بن ربيعة ، وهشام بن عمرو ، وأبو البحتري بن هشام ، وأُمية بن خلف ، وعقبة بن

أبي معيط ، وعيينة بن حصن الفزارى ، والوليد بن المغيرة ، والنضر بن الحارث ، وأبي بن

خلف ، اجتمعوا في دار الندوة بمكة يوم ، وهو يوم السبت ليمكروا بالنبي صلى اللّه عليه وسلم ، فأتاهم

إبليس في صورة رجل شيخ كبير ، فجلس معهم ، ف  ما أدخلك في جماعتنا بغير

إذننا ، قال : إنما أنا رجل من أهل نجد ، ولست من أهل تهامة ، قدمت مكة فرأيتكم حسنة

وجوهكم ، طيبة ريحكم ، نقية ثيابكم ، فأحببت أن أسمع من حديثكم ، وأستر عليكم ، فإن

كرهتم مجلسي خرجت من عندكم ، ف  هذا رجل من أهل نجد ، وليس من أهل

تهامة ، فلا بأس عليكم منه ، فتعملوا بالمكر بمحمد .

فقال أبو البحتري بن هشام ، من بني أسد بن عبد العزى : أما أنا فرأيي أن تأخذوا

محمداً ، فتجعلوه في بيت ، وتسدوا بابه ، وتدعوا له كوة ، يدخل منها طعامه وشرابه حتى

يموت ، قال إبليس : بئس واللّه الرأي رأيتم ، تعمدون إلى رجل له فيكم صغو قد سمع به

من حولكم ، فتحبسونه فتطعمونه وتسقونه فيوشك الصغو الذي له فيكم أن يقاتلكم

عليه ، فيفسد جماعتكم ويسفك دماءكم ، ف  صدق واللّه الشيخ .

فقال هشام بن عمرو ، من بني عامر بن لؤي : أما أنا ، فرأيي أن تحملوا محمداً على

بعير ، فيخرج من أرضكم ، فيذهب حيث شاء ، ويليه غيركم ، قال إبليس : بئس واللّه

الرأي رأيتم ، تعمدون إلى رجل قد شتت وأفسد جماعتكم ، واتبعه منكم طائفة ،

فتخرجوه إلى غيركم ، فيفسدهم كما أفسدكم ، فيوشك واللّه أن يقبل بهم عليكم ويتولى

الصغو الذي له فيكم ،   صدق واللّه الشيخ .

فقال أبو جهل بن هشام المخزومي : أما أنا ، فرأيي أن تعمدوا إلى كل بطن من قريش ،

فتأخذوا من كل بطن رجلاً ، ثم تعطوا كل رجل منهم سيفاً ، فيضربونه جميعاً بأسيافهم

فلا يدرى قومه من يأخذون به ، وتؤدى قريش ديته ، قال إبليس : صدق واللّه الشاب ، إن

الأمر لكما قال ، فتفرقوا على قول أبي جهل .

فنزل جبريل ، عليه السلام ، فأخبره بما ائتمر به القوم ، وأمره بالخروج ، فخرج النبي صلى اللّه عليه وسلم

من ليلته إلى الغار ، وأنزل اللّه عز وجل : وإذ يمكر بك الذين كفروا من قريش

 ليثبتوك ، يعنى ليحبسوك في بيت ، يعنى أبا البحتري بن هشام أو يقتلوك

يعنى أبا جهل أو يخرجوك من مكة ، يعني به هشام بن عمرو ويمكرون

بالنبي صلى اللّه عليه وسلم الشر ويمكر اللّه بهم حين أخرجهم من مكة فقتلهم ببدر ، فذلك

قوله :

 واللّه خير الماكرين [ آية : ٣٠ ] ، أفضل مكراً منهم ، أنزل اللّه : أم أبرموا أمرا ، يقول : أم أجمعوا على أمر فإنا مبرمون ، يقول : لنخرجنهم إلى بدر

فنقلتهم ، أو نعجل أرواحهم إلى النار [ الزخرف : ٧٩ ]

٣١

الأنفال : ٣١ وإذا تتلى عليهم . . . . .

قوله : وإذا تُتلى عَليهم ءاياتُنا ، يعنى القرآن قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا القرآن ، قال ذلك النضر بن الحارث بن علقمة ، من بني عبد الدار بن

قصي ، ثم قال : إن هذا الذي يقول محمد من القرآن إلا أساطير الأولين

[ آية : ٣١ ] ، يعني أحاديث الأولين ، يعني محمداً صلى اللّه عليه وسلم يحدث عن الأمم الخالية ، وأنا

أحدثكم عن رستم وأسفندباز ، كما يحدث محمد ، فقال عثمان بن مظعون الجمحي : اتق

اللّه يا نضر ، فإن محمداً يقول الحق ، قال : وأنا أقول الحق ، قال عثمان : فإن محمداً يقول :

لا إله إلا اللّه ، قال : وأنا أقول : لا إله إلا اللّه ، ولكن الملائكة بنات الرحمن .

فأنزل اللّه عز وجل في حم الزخرف ، فقال : قل يا محمد : إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين [ الزخرف : ٨١ ] ، أول الموحدين من أهل مكة ، فقال عند

ذلك : ألا ترون قد صدقنى : إن كان للرحمن ولد ، قال الوليد بن المغيرة : لا واللّه

ما صدقك ، ولكنه قال : ما كان للرحمن ولد ، ففطن لها النضر ،

٣٢

الأنفال : ٣٢ وإذ قالوا اللّهم . . . . .

فقال : وإذ قالوا اللّهم إن كان هذا ما يقول محمد هو الحق من عندك ، يعنى القرآن فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم [ آية : ٣٢ ] ، يعنى وجيع .

٣٣

الأنفال : ٣٣ وما كان اللّه . . . . .

فأنزل اللّه : وما كان اللّه ليعذبهم ، يعنى أن يعذبهم وأنت فيهم بين

أظهرهم حتى يخرجك عنهم كما أخرجت الأنبياء عن قومهم وما كان اللّه معذبهم وهم يستغفرون [ آية : ٣٣ ] ، يعنى يصلون للّه ، ك

قوله : وبالأسحار هم يستغفرون [ الذاريات : ١٨ ] ، يعنى يصلون ، وذلك أن نفراً من بنى عبد الدار ،  

إنا نصلى عند البيت ، فلم يكن اللّه ليعذبنا ونحن نصلى له .

٣٤

الأنفال : ٣٤ وما لهم ألا . . . . .

ثم قال : وما لهم ألا يعذبهم اللّه إذ لم يكن نبى ولا مؤمن بعد ما خرج النبي

 صلى اللّه عليه وسلم إلى المدينة من أهل مكة وهم يصدون عن المسجد الحرام المؤمنين وما كانوا أولياءه ، يعنى أولياء اللّه إن أولياؤه ، يعنى ما أولياء اللّه إلا المتقون الشرك ، يعنى المؤمنين أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم ولكن أكثرهم لا يعلمون

[ آية : ٣٤ ] ، يقول : أكثر أهل مكة لا يعلمون توحيد اللّه عز وجل .

وأنزل اللّه عز وجل في قول النضر أيضاً حين قال : اللّهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ، يعنى وجيع ، أنزل :

 سأل سائل بعذاب واقع [ المعارج : ١ ] إلى آيات منها .

٣٥

الأنفال : ٣٥ وما كان صلاتهم . . . . .

ثم أخبر عن صلاتهم عند البيت ، فقال : وما كان صلاتهم عند البيت ، يعنى

عند الكعبة الحرام إلا مكاء وتصدية ، يعني بالتصدية الصفير والتصفية ،

وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان إذا صلى في المسجد الحرام ، قام رجلان من بنى عبد الدار بن

قصي من المشركين عن يمين النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فيصفران كما يصفر المكاء ، يعنى به طيراً اسمه

المكاء ، ورجلان عن يسار النبي صلى اللّه عليه وسلم فيصفقان بأيديهما ليخلطا على النبي صلى اللّه عليه وسلم صلاته

وقراءته ، فقتلهم اللّه ببدر هؤلاء الأربعة ، ولهم يقول اللّه ولبقية بنى عبد الدار : فذوقوا العذاب ، يعنى القتل ببدر بما كنتم تكفرون [ آية : ٣٥ ] بتوحيد اللّه عز

وجل .

٣٦

الأنفال : ٣٦ إن الذين كفروا . . . . .

 إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ، وذلك أن رءوس كفار قريش استأجروا

رجالا من قبائل العرب أعواناً لهم على قتال النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فأطعموا أصحابهم كل يوم عشر

جزائر ويوماً تسعة ، فنزلت : إن الذين كفروا ينفقون أموالهم  ليصدوا عن سبيل اللّه ، يعنى عن دين اللّه فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ، يعنى ندامة ،

 ثم يغلبون ، يقول : تكون عليهم أموالهم التي أنفقوها ندامة على إنفاقهم ، ثم

يهزمون ، ثم أخبر بمنزلتهم في الآخرة ، فقال : والذين كفروا بتوحيد اللّه إلى جهنم في الآخرة يحشرون [ آية : ٣٦ ] .

٣٧

الأنفال : ٣٧ ليميز اللّه الخبيث . . . . .

 ليميز اللّه الخبيث من الطيب ، يعنى يميز الكافر من المؤمن ، ثم قال :

 ويجعل في الآخرة الخبيث أنفسهم بعضه على بعض فيركمه جميعاَ

فيجعله في جهنم أولئك هم الخسرون [ آية : ٣٧ ] ، يعنى المطعمين في غزوة

بدر : أبا جهل والحارث ابنا هشام ، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ، ومنبه ونبيه ابنا الحجاج ، وأبا

البحتري بن هشام ، والنضر بن الحارث ، والحكم بن حزام ، وأبي بن خلف ، وزمعة بن

الأسود ، والحارث بن عامر بن نوفل ، كلهم من قريش .

٣٨

الأنفال : ٣٨ قل للذين كفروا . . . . .

 قل يا محمد للذين كفروا بالتوحيد إن ينتهوا عن الشرك

ويتوبوا يغفر لهم ما قد سلف من شركهم قبل الإسلام وإن يعودوا لقتال

النبي صلى اللّه عليه وسلم ولم يتوبوا فقد مضت سنت الأولين [ آية : ٣٨ ] ، يعنى القتل ببدر ،

فحذرهم العقوبة لئلا يعودوا فيصيبهم مثل ما أصابهم ببدر .

٣٩

الأنفال : ٣٩ وقاتلوهم حتى لا . . . . .

ثم قال للمؤمنين : وقتلوهم حتى لا تكون فتنةُُ ، يعنى شركاً ويوحدوا

ربهم ويكون ، يعنى ويقوم الدين كله للّه ، ولا يعبد غيره فإن انتهوا عن الشرك فوحدوا ربهم فإن اللّه بما يعلمون بصيرُُ [ آية : ٣٩ ] .

٤٠

الأنفال : ٤٠ وإن تولوا فاعلموا . . . . .

 وإن تولوا ، يقول : وإن أبوا أن يتوبوا من الشرك فاعلموا يا معشر المؤمنين ،

 أن اللّه مولكم ، يعنى وليكم نعم المولى حين نصركم ونعم النصير

[ آية : ٤٠ ] ، يعنى ونعم النصير لكم كما نصركم ببدر ، وكانت وقعة بدر ليلة الجمعة في

سبع عشرة ليلة خلت من رمضان ، وكانت وقعة أحد في عشر ليال خلت من شوال يوم

السبت بينهما سنة .

٤١

الأنفال : ٤١ واعلموا أنما غنمتم . . . . .

 واعلموا يخبر المؤمنين أنما غنمتم من شيءٍ يوم بدر فأن للّه خمسه وللرسول ولذي القربى ، يعنى قرابة النبي صلى اللّه عليه وسلم واليتامى والمساكين وابن السبيل ، يعنى الضعيف نازل عليك إن كنتم ءامنتم باللّه ، يعنى صدقتم بتوحيد

اللّه وصدقتم ب وما أنزلنا على عبدنا من القرآن يوم الفرقان ، يعنى يوم النصر

فرق بين الحق والباطل ، فنصر النبي صلى اللّه عليه وسلم وهزم المشركين ببدر يوم التقى الجمعان ،

يعنى جمع النبي صلى اللّه عليه وسلم ببدر ، وجمع المشركين ، فأقروا الحكم للّه في أمر الغنيمة والخمس ،

وأصلحوا ذات بينكم واللّه على كل شيء قديرُ [ آية : ٤١ ] ، يعنى قادر فيما

حكم من الغنيمة والخمس .

٤٢

الأنفال : ٤٢ إذ أنتم بالعدوة . . . . .

ثم أخبر المؤمنين عن حالهم التي كانوا عليها ، فقال : أرأيتهم معشر المؤمنين : إذ أنتم بالعدوة الدنيا ، يعنى من دون الوادي على شاطىء مما يلي المدينة وهم بالعدوة القصوى من الجانب الآخر مما يلي مكة ، يعنى مشركى مكة ، فقال : والرَّكبُ

أَسفل منكم ، يعنى على ساحل البحر أصحاب العير أربعين راكباً أقبلوا من الشام

إلى مكة ، فيهم : أبو سفيان ، وعمرو بن العاص ، ومخرمة بن نوفل ، وعمرو بن هشام ،

 وَلَو تواعدتُم أنتم والمشركون لاختلفتم في الميعاد ولكن اللّه جمع بينكم

وبين عدوكم على غير ميعاد ، أنتم ومشركو مكة ليقضى اللّه أَمراً في علمه ،

 كان مفعولاً ، يقول : أمراً لا بد كائناً ؛ ليعز الإسلام وأهله ، ويذل الشرك وأهله ،

 ليهلك من هلك عن بينة ويحيى  بالإيمان من حي عن بينة وإن اللّه لسميع

عليم [ آية : ٤٢ ] .

٤٣

الأنفال : ٤٣ إذ يريكهم اللّه . . . . .

 إذ يريكهم اللّه يا محمد في التقديم في منامك قليلاً ، وذلك أن

النبي صلى اللّه عليه وسلم رأى في المنام أن العدو قليل قبل أن يلتقوا ، فأخبر النبي صلى اللّه عليه وسلم أصحابه بما رأى ،

ف  رؤيا النبي صلى اللّه عليه وسلم حق والقوم قليل ، فلما التقوا ببدر قلل اللّه المشركين في أعين

الناس ، لتصديق رؤيا النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ثم قال : ولو أراكهم كثيراً حين عاينتموهم

 لفشلتم ، يعنى لجبنتم وتركتم الصف ولتنازعتم ، يعنى و اختلفتم في

الأمر ولكن اللّه سلم ، يقول : أتم المسلمون أمرهم على عدوهم ، فهزموهم ببدر ،

 إنه  اللّه عليم بذات الصدور [ آية : ٤٣ ] ، عليم بما في قلوب المؤمنين من أمر

عدوهم .

٤٤

الأنفال : ٤٤ وإذ يريكموهم إذ . . . . .

 وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقللكم يا معشر المسلمين في

أعينهم ، يعنى في أعين المشركين ، وذلك حين التقوا ببدر ، قلل اللّه العدو في أعين

المؤمنين ، وقلل المؤمنين في أعين المشركين ليجترئ بعضهم على بعض في القتال ،

 ليقضي اللّه أمرا في علمه كان مفعولا ، ليقضى اللّه أمراً لابد كائناً ليعز

الإسلام بالنصر ويذل أهل الشرك بالقتل والهزيمة وإلى اللّه ترجع الأمور [ آية :

٤٤ ] ، يقول : مصير الخلائق إلى اللّه عز وجل ، فلما رأى عدو اللّه أبو جهل وقتله .

٤٥

الأنفال : ٤٥ يا أيها الذين . . . . .

 يأيها الذين ءامنوا ، يعنى صدقوا بتوحيد اللّه عز وجل إذا لقيتم فئة ،

يعنى كفار مكة ببدر فاثبتوا لهم واذكروا اللّه كثيرا لعلكم ، يعنى لكي

 تفلحون [ آية : ٤٥ ] .

٤٦

الأنفال : ٤٦ وأطيعوا اللّه ورسوله . . . . .

 وأطيعوا اللّه ورسوله فيما أمركم به في أمر القتال ولا تنزعوا ، يقول : ولا

تختلفوا عند القتال فتفشلوا ، يعنى فتجبنوا وتذهب ريحكم ، يعنى الصبا ؛ لأن

النبي صلى اللّه عليه وسلم قال : نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور واصبروا لقتال عدوكم ،

 إن اللّه مع الصابرين [ آية : ٤٦ ] ، يعنى في النصر للمؤمنين على الكافرين بذنوبهم

وبعملهم .

٤٧

الأنفال : ٤٧ ولا تكونوا كالذين . . . . .

ثم وعظ المؤمنين ، فقال : ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ، ليذكروا بمسيرهم ، يعنى ابن أمية ، وابن المغيرة المخزومي ، وذلك أنهم كانوا

رءوس المشركين في غزوهم بدر ، فقال أبو جهل حين نجت العير وسارت إلى مكة ،

فأشاروا عليه بالرجعة ، قال : لا نرجع حتى ننزل على بدر فننحر الجزر ، ونشرب الخمر ،

وتعزف علينا القيان ، فتسمع العرب بمسيرنا ، فذلك

قوله : بطرا ورئاء الناس ،

ليذكروا بمسيرهم ويصدون عن سبيل اللّه ، يقول : ويمنعون أهل مكة عن دين

الإسلام واللّه بما يعملون محيط [ آية : ٤٧ ] أحاط علمه بأعمالهم .

٤٨

الأنفال : ٤٨ وإذ زين لهم . . . . .

 وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس ، وذلك

أنه بلغهم أن العير قد نجت ، فأرادوا الرجوع إلى مكة ، فأتاهم إبليس في صورة سراقة بن

مالك بن جشعم الكناني ، من بنى مدلج بن الحارث ، فقال : لا ترجعوا حتى تستأصلوهم ،

فإنكم كثير وعدوكم قليل ، فتأمن عيركم ، ويسير ضعيفكم وإني جار لكم

على بنى كنانة ، أنكم لا تمرون بحي منهم إلا أمدكم بالخيل والسلاح والرجال ، فأطاعوه

ومضوا إلى بدر لما أراد اللّه من هلاكهم ، فلما التقوا نزلت ملائكة ببدر مدداً للمؤمنين ،

عليهم جبريل ، عليه السلام ، ولما رأى إبليس ذلك ، نكص على عقبيه ، يقول : استأخر

وراءه .

فذلك

قوله : فلما تراءت الفئتان فئة المشركين نكص على عقبيه ، يقول :

استأخر وراءه ، أنه لا طاقة له بالملائكة ، فأخذ الحارث بن هشام بيده ، فقال : يا

سراقة ، على هذا الحال تخذلنا ؟ وقال إبليس : إني بريءٌ منكم إني أرى ما لا

ترون فقال الحارث : واللّه ما نرى إلا خفافيش يثرب ، فقال إبليس : إني أخاف اللّه واللّه شديد العقاب [ آية : ٤٨ ] ، وكذب عدوا اللّه ما كان به الخوف ، ولكن خذلهم

عند الشدة ، فقال الحارث لإبليس وهو في صورة سراقة : فهلا كان هذا أمس ، فدفع

إبليس في صدر الحارث ، فوقع الحارث ، وذهب إبليس هارباً ، فلما انهزم المشركون ،

  انهزم بالناس سراقة ، وهو بعض الصف ، فلما بلغ سراقة سار إلى مكة ، فقال :

بلغني أنكم تزعمون بأني انهزمت بالناس ، فوالذي يحلف به ما شعرت بمسيركم حتى

بلغني هزيمتكم ، قالوا له : ما أتيتنا يوم كذا وكذا ، فحلف باللّه لهم أنه لم يفعل ، فلما

أسلموا علموا أنما ذلك الشيطان .

٤٩

الأنفال : ٤٩ إذ يقول المنافقون . . . . .

 إذ يقول المنفقون والذين في قلوبهم مرض ، يعنى الكفر ، نزلت في قيس بن

الفاكه ، ولم يتجمع جمع قط منذ يوم كانت الهزيمة أكثر من يوم بدر ، وذلك أن إبليس

جاء بنفسه ، وجاء كل شيطان موكل بالدنيا ، إلا شيطان موكل بآدمي ، وكفر الجن

كلهم ، وسبعمائة من المشركين عليهم أبو جهل بن هشام ، وكان قبل ذلك في ألف

رجل ، فرد منهم أبى بن شريق ثلاثمائة من بنى زهرة ، وذلك أن أبى بن شريق خلا بأبي

جهل ، فقال : يا أبا الحكم ، أكذاب محمد صلى اللّه عليه وسلم ؟ فقال : واللّه ما يكذب محمد صلى اللّه عليه وسلم على

الناس ، فكيف يكذب على اللّه ، وكان يسمى قبل النبوة الأمين ؛ لأنه لم يكذب قط .

فقال أبو جهل : ولكن إذا كانت السقاية في بنى عبد مناف ، والحجابة والمشورة

والولاية ، حتى النبوة أيضاً ، فلما سمع أبى بن شريق قول أبى جهل : إن محمداً لم يكذب ،

رد أصحابه عن قتال محمد ، عليه السلام ، فخنس ، فسمى الأخنس بن شريق ؛ لأنه خنس

بثلاثمائة رجل من بنى زهرة يوم بدر عن قتال محمد ، عليه السلام ، وبقى سبعمائة عليهم

أبو جهل بن هشام ، والنبي صلى اللّه عليه وسلم يومئذ في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، وسبعين من مؤمني

الجن ، وألف من الملائكة عليه جبريل ، عليه السلام ، فكان جبريل على خمسمائة على

ميمنة الناس ، وميكائيل على خمسمائة في ميسرة الناس ، ولم تقاتل الملائكة قتالاً قط إلا

يوم بدر ، وكانوا يومئذ على صور الرجال ، وعلى قوة الرجال على خيول بلق ، وكان

جبريل ، عليه السلام ، يسير أمام صف المسلمين ، ويقول : أبشروا ، فإن النصر لكم ، وما

يرى المسلمون إلا أنه رجل منهم .

 إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ، يعنى الكفر ، نزلت في قيس

بن الفاكه بن المغيرة ، والوليد بن الوليد بن المغيرة ، وقيس بن الوليد بن المغيرة ، والوليد بن

عتبة بن ربيعة ، والعلاء بن أمية بن خلف الجمحي ، وعمرو بن أمية بن سفيان بن أمية ،

كان هؤلاء المسلمون بمكة ، ثم أقاموا بمكة مع المشركين ، فلم يهاجروا إلى المدينة ، فلما

خرج كفار مكة إلى قتال بدر ، خرج هؤلاء النفر معهم ، فلما عاينوا قلة المؤمنين شكوا

في دينهم وارتابوا ، ف  غر هؤلاء دينهم ، يعنون أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم ، يقول اللّه

عز وجل : ومن يتوكل على اللّه ، يعنى المؤمنين ، يعنى يثق به في النصر فإن اللّه عزيز ، يعنى منيع في ملكه حكيم [ آية : ٤٩ ] في أمره حكم النصر .

٥٠

الأنفال : ٥٠ ولو ترى إذ . . . . .

فلما قتل هؤلاء النفر من المشركين ، ضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم ، فذلك قوله

عز وجل : ولو ترى يا محمد إذ يتوفى الذين كفروا بتوحيد اللّه

 الملائكة ، يعنى ملك الموت وحده يضربون وجوههم وأدبارهم في الدنيا ،

ثم انقطع الكلام ، فلما كان يوم القيامة دخلوا النار ، تقول لهم خزنة جهنم : وذوقوا عذاب الحريق [ آية : ٥٠ ] .

٥١

الأنفال : ٥١ ذلك بما قدمت . . . . .

 ذلك العذاب بما قدمت أيديكم من الكفر والتكذيب وأن اللّه ليس بظلام للعبيد [ آية : ٥١ ] ، يقول : ليس يعذبهم على غير ذنب .

٥٢

الأنفال : ٥٢ كدأب آل فرعون . . . . .

فقال : كدأب ءال فرعون ، يقول : كأشباه آل فرعون في

التكذيب والجحود و كأشباه والذين من قبلهم ، أي من قبل فرعون وقومه

من الأمم الخالية ، قوم نوح ، وعاد ، وثمود ، وإبراهيم ، وقوم شعيب كفروا بئايت

اللّه ، يعنى بعذاب اللّه بأنه ليس بنازل بهم في الدنيا فأخذهم اللّه ، يعنى

فأهلكهم اللّه بذنوبهم ، يعنى بالكفر والتكذيب إن اللّه قوي في أمره حين

عذبهم شديد العقاب [ آية : ٥٢ ] إذا عاقب .

٥٣

الأنفال : ٥٣ ذلك بأن اللّه . . . . .

 ذلك العذاب بأن اللّه لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم على أهل مكة ،

أطعمهم من جوع ، وآمنهم من خوف ، ثم بعث فيهم محمداً رسوله صلى اللّه عليه وسلم ، فهذه النعمة

التي غيروها ، فلم يعرفوا ربها ، فغير اللّه ما بهم النعم ، فذلك

قوله : حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن اللّه سميع عليم [ آية : ٥٣ ] .

٥٤

الأنفال : ٥٤ كدأب آل فرعون . . . . .

ثم قال : كدأب ، يعنى كأشباه ءال فرعون وقومه في الهلاك ببدر ،

 والذين من قبلهم ، يعنى الذين قبل آل فرعون من الأمم الخالية كذبوا بئايت

ربهم ، يعنى بعذاب ربهم في الدنيا بأنه غير نازل بهم فأهلكنهم بذنوبهم ،

يقول : فعذبناهم بذنوبهم في الدنيا وبكفرهم وبتكذيبهم وأغرقنا ءال فرعون

وكل ، يعنى آل فرعون والأمم الخالية الذين كذبوا في الدنيا كانوا ظلمين [ آية :

٥٤ ] ، يعنى مشركين .

٥٥

الأنفال : ٥٥ إن شر الدواب . . . . .

 إن شر الدواب عند اللّه الذين كفروا ، يعنى بتوحيد اللّه فهم ، يعنى بأنهم لا يؤمنون [ آية : ٥٥ ] ، وهم يهود قريظة ، فمنهم حيى بن أخطب اليهودي وإخوته ،

ومالك بن الضيف .

٥٦

الأنفال : ٥٦ الذين عاهدت منهم . . . . .

ثم أخبر عنهم ، فقال : الذين عهدت منهم يا محمد ثم ينقضون عهدهم في كل مرة ، وذلك أن اليهود نقضوا العهد الذي كان بينهم وبين النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وأعانوا

مشركى مكة بالسلاح على قتال النبى صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه ، ثم يقولون : نسينا وأخطأنا ، ثم

يعاهدهم الثانية ، فينقضون العهد ، فذلك

قوله : ثم ينقضون عهدهم في كل مرة ،

يعنى في كل عام مرة وهم لا يتقون [ آية : ٥٦ ] نقض العهد .

٥٧

الأنفال : ٥٧ فإما تثقفنهم في . . . . .

 فإما تثقفنهم في الحرب ، يقول : فإن أدركتهم في الحرب ، يعنى القتال ،

فأسرتهم فشرد بهم من خلفهم ، يقول : نكل بهم لمن بعدهم من العدو وأهل عهدك لعلهم يذكرون [ آية : ٥٧ ] ، يقول : لكي يذكروا النكال ، فلا ينقضون العهد .

٥٨

الأنفال : ٥٨ وإما تخافن من . . . . .

ثم قال : وإما تخافن ، يقول : وإن تخافن من قوم خيانة ، يعني بالخيانة

نقض العهد فانبذ إليهم على سواء ، يقول : على أمر بين ، فارم إليهم بعهدهم ،

 إن اللّه لا يحب الخائنين [ آية : ٥٨ ] ، يعنى اليهود .

٥٩

الأنفال : ٥٩ ولا يحسبن الذين . . . . .

 ولا يحسبن الذين كفروا بتوحيد اللّه ، يعني كفار العرب سبقوا سابقي

اللّه بأعمالهم الخبيثة إنهم لا يعجزون [ آية : ٥٩ ] ، يقول : إنهم لن يفوقوا اللّه بأعمالهم الخبيثة حتى يعاقبهم اللّه بما يقولون .

٦٠

الأنفال : ٦٠ وأعدوا لهم ما . . . . .

ثم قال : وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ، يعنى السلاح ، وهو الرمي ومن رباط الخيل ترهبون به عدو اللّه وعدوكم ، يعنى كفار العرب وءاخرين من

دونهم لا تعلمونهم ، يقول : لا تعرفهم يا محمد ، يقول : ترهبون فيما استعددتم به آخرين

من دون كفار العرب ، يعنى اليهود ، لا تعرفهم يا محمد اللّه يعلمهم ، يقول : اللّه

يعرفهم ، يعني اليهود ، ثم قال : وما تنفقوا من شيء من أمر السلاح والخيل في سبيل اللّه يوف إليكم ، يقول : يوفر لكم ثواب النفقة وأنتم لا تظلمون [ آية :

٦٠ ] ، يقول : وأنتم لا تنقصون يوم القيامة .

٦١

الأنفال : ٦١ وإن جنحوا للسلم . . . . .

ثم ذكر يهود قريظة ، فقال : وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ، يقول : إن أرادوا

الصلح فأرده ، ثم نسختها الآية التي في سورة محمد صلى اللّه عليه وسلم : فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون [ محمد : ٣٥ ] ، ثم قال للنبي صلى اللّه عليه وسلم : وتوكل على اللّه ، يقول :

وثق باللّه ، فإنه معك في النصر إن نقضوا الصلح إنه هو السميع لما أرادوا من

الصلح العليم [ آية : ٦١ ] به .

٦٢

الأنفال : ٦٢ وإن يريدوا أن . . . . .

ثم قال : وإن يريدوا أن يخدعوك يا محمد بالصلح لتكف عنهم ، حتى إذا جاء

مشركو العرب ، أعانوهم عليك ، يعنى يهود قريظة فإن حسبك اللّه هو الذي أيدك ، يعنى هو الذي قواك بنصره ، يعنى جبريل ، عليه السلام ، وبمن معه ،

 وبالمؤمنين [ آية : ٦٢ ] من الأنصار يوم بدر ، وهو فاعل ذلك أيضاً ، وأيدك على

يهود قريظة .

٦٣

الأنفال : ٦٣ وألف بين قلوبهم . . . . .

ثم ذكر الأنصار ، فقال : وألف بين قلوبهم بعد العداوة التي كانت بينهم في أمر

شمير وحاطب ، فقال : لو أنفقت يا محمد على أن تؤلف بين قلوبهم ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن اللّه ألف بينهم بعد العداوة في دم شمير

وحاطب بالإسلام إنه عزيز ، يعنى منيع في ملكه حكيم [ آية : ٦٣ ] في

أمره ، حكم الألفة بين الأنصار بعد العداوة .

٦٤

الأنفال : ٦٤ يا أيها النبي . . . . .

 يا أيها النبي حسبك اللّه و حسب ومن اتبعك من المؤمنين [ آية : ٦٤ ]

باللّه عز وجل ، نزلت بالبيداء في غزاة بدر قبل القتال ، وفيها ، وفيها تقديم .

٦٥

الأنفال : ٦٥ يا أيها النبي . . . . .

 يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال ، يعنى حضض المؤمنين على القتال

ببدر إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا ، يعنى يقاتلوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ، يعنى يقاتلوا ألفا من الذين كفروا بالتوحيد ، كفار مكة

ببدر بأنهم قوم لا يفقهون [ آية : ٦٥ ] الخير ، فجعل الرجل من المؤمنين ، يقاتل

عشرة من المشركين ، فلم يكن فرصة اللّه لا بد منه ، ولكن تحريض من اللّه ليقاتل الواحد

عشرة .

٦٦

الأنفال : ٦٦ الآن خفف اللّه . . . . .

فلم يطق المؤمنون ذلك ، فخفف اللّه عنهم بعد قتال بدر ، فأنزل اللّه : الئن خفف

اللّه عنكم ، يعنى بعد قتال بدر وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم عدة

 مائه رجل صابرة يغلبوا مائتين ، يعنى يقاتلوا مائتين وإن يكن منكم ألف

رجل يغلبوا ألفين بإذن اللّه واللّه مع الصابرين [ آية : ٦٦ ] في النصر لهم على عدوهم ، فأمر اللّه أن يقاتل الرجل المسلم وحده رجلين من المشركين ، فمن أشره

المشركون بعد التخفيف ، فإنه لا يفادى من بيت المال إذا كان المشركون مثل المؤمنين ،

وإن كان المشركون أكثر من الضعف ، فإنه يفادى من بيت المال ، فينبغي للمسلمين أن

يقاتلوا الضعف من المشركين إلى أن تقوم الساعة ، وكانت المنزلة قبل التخفيف لا يفتدى

الأسير إلا على نحو ذلك .

٦٧

الأنفال : ٦٧ ما كان لنبي . . . . .

 ما كان لنبي من قبلك يا محمد أن يكون له أسرى حتى يثخن عدوه

 في الأرض ويظهر عليهم تريدون عرض الدنيا ، يعنى المال ، وهو الفداء من

منيع في ملكه حكيم [ آية : ٦٧ ] في أمره ، وذلك أن الغنائم لم تحل لأحد من

الأنبياء ولا المؤمنين قبل محمد صلى اللّه عليه وسلم .

٦٨

الأنفال : ٦٨ لولا كتاب من . . . . .

وأخبر اللّه الأمم : إني أحللت الغنائم للمجاهدين من أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم ، وكان المؤمنون

إذا أصابوا الغنائم جمعوها ثم أحرقوها بالنيران ، وقتلوا الناس والأسارى والدواب ، وهذا

في الأمم الخالية ، فذلك

قوله : لولا كتاب من اللّه سبق في تحليل الغنائم لأمة محمد

 صلى اللّه عليه وسلم في علمه في اللوح المحفوظ ، ثم خالفتم المؤمنين من قبلكم لمسكم ، يعنى

لأصابكم فيما أخذتم من الغنيمة عذاب عظيم [ آية : ٦٨ ] .

٦٩

الأنفال : ٦٩ فكلوا مما غنمتم . . . . .

ثم طيبها لهم وأحلها ، فقال : فكلوا مما غنمتم ببدر حلالا طيبا واتقوا اللّه

ولا تعصوه إن اللّه غفور ذو تجاوز لما أخذتم من الغنيمة قبل حلها رحيم

[ آية : ٦٩ ] بكم إذ أحلها لكم ، وكان النبى صلى اللّه عليه وسلم جعل عمر بن الخطاب ، وخباب بن

ألأرت ، أولياء القبض يوم بدر ، وقسمها النبى صلى اللّه عليه وسلم بالمدينة ، وانطلق بالأسارى فيهم

العباس بن عبد المطلب ، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، وذلك أن العباس بن عبد

المطلب يوم أسر أخذ منه عشرين أوقية من ذهب ، فلم تحسب له من الفداء ، وكان فداء

كل أسير من المشركين أربعين أوقية من ذهب وكان أول من فدى نفسه أبو وديعة

ضمرة بن صبيرة السهمي ، وسهيل بن عمرو ، من عامر بن لؤى ، القرشيان .

فقال النبى صلى اللّه عليه وسلم : أضعفوا الفداء على العباس ، وكلف أن يفتدى ابني أخيه ، فأدى

عنهما ثمانية أوقية من ذهب ، وكان فداء العباس بمثانين أوقية ، وأخذ منه عشرون أوقية ،

فأخذ منه يومئذ مائة أوقية وثمانون أوقية ، فقال العباس للنبي صلى اللّه عليه وسلم : لقد تركتني ما حييت

أسأل قريشاً بكفي ، وقال له صلى اللّه عليه وسلم : أين الذهب الذي تركته عند امرأتك أم الفضل ؟ ،

فقال العباس : أي الذهب ؟ فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : إنك قلت لها : أني لا أدرى ما

يصيبني في وجهي هذا ، فإن حدث بي ما حدث ، فهو لك ولودك ، فقال : يا ابن أخي ،

من أخبرك ؟ قال : اللّه أخبرني ، فقال العباس : أشهد أنك صادق ، وما علمت أنك

رسول قط قبل اليوم ، قد علمت أنه لم يطلعك عليه إلا عالم السرائر ، وأشهد ألا إله إلا

اللّه وأنك عبده ورسوله ، وكفرت بما سواه .

٧٠

الأنفال : ٧٠ يا أيها النبي . . . . .

وأمر ابني أخيه فأسلما ، ففيهما نزلت : يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى ، يعنى العباس وابني أخيه : إن يعلم اللّه في قلوبكم خيرا ، يعنى إيمانا ،

ك

قوله : لن يؤتيهم اللّه خيرا [ هود : ٣١ ] ، يعنى إيماناً ، وهذا في هود يؤتكم خيرا مما أخذ منكم من الفداء ، فوعدهم اللّه أن يخلف لهم أفضل ما أخذ منهم ،

 ويغفر لكم ذنوبكم واللّه غفور لما كان منهم من الشرك من ذنوبهم ، ذو

تجاوز رحيم [ آية ٧٠١ ] بهم في الإسلام .

٧١

الأنفال : ٧١ وإن يريدوا خيانتك . . . . .

 وإن يريدوا خيانتك ، يعنى الكفر بعد إسلامهم واستحيائك إياهم فقد خانوا اللّه من قبل ، يقول : فقد كفروا باللّه من قبل هذا الذي نزل بهم ببدر فأمكن اللّه

 منهم النبي ، عليه السلام ، يقول : إن خانوا أمكنتك منهم فقتلتهم وأسرتهم كما

فعلت بهم ببدر واللّه عليم بخلقه حكيم [ آية : ٧١ ] في أمره ، حكم أن يمكنه

منهم .

فقال العباس بعد ذلك : لقد أعطاني اللّه خصلتين ، ما من شيء هو أفضل منهما ، أما

 

أحدهما : فالذهب الذي أخذ منى ، فآتاني اللّه خيراً منه عشرين عبداً ، وأما الثانية : فتنجيز

موعود اللّه الصادق ، وهو المغفرة ، فليس أحد أفضل من هذا . ومن كان من أسارى بدر

وليس له فدى ، فإنه يدفع إليه عشرة غلمان يعلمهم الكتاب ، فإذا حذقوا برئ الأسير من

الفداء وكان أهل مكة يكتبون ، وأهل المدينة لا يكتبون ، وكان النبى صلى اللّه عليه وسلم قد استشار

أصحابه في أسارى بدر ، فقال عمر بن الخطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم : اقتلهم ، فإنهم رءوس الكفر

وأئمة الضلال ، وقال أبو بكر : لا تقتلهم ، فقد شفي اللّه الصدور وقتل المشركين

وهزمهم ، فآدهم أنفسهم ، ليكن ما نأخذ منهم في قوة المسلمين وعونا على حرب

المشكرين ، وعسى اللّه أن يجعلهم أعواناً لأهل الإسلام فيسلموا .

فأعجب النبى صلى اللّه عليه وسلم بقول أبى بكر الصديق ، وكان النبى صلى اللّه عليه وسلم رحيماً ، وأبو بكر أيضاً

رحيماً ، وكان عمر ماضياً ، فأخذ النبي صلى اللّه عليه وسلم بقول أبى بكر ، ففاداهم ، فأنزل اللّه عز وجل

توفيقاً لقول عمر : ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ، فقال

النبى صلى اللّه عليه وسلم لعمر : أحمد اللّه إن ربك وأتاك على قولك ، فقال عمر : الحمد للّه الذي

وآتاني على قولي في أسارى بدر ، وقال النبى : لو نزل عذاب من السماء ، ما نجا

منا أحد إلا عمر بن الخطاب ، إنه نهاني فأبيت .

٧٢

الأنفال : ٧٢ إن الذين آمنوا . . . . .

 إن الذين ءامنوا ، يعنى صدقوا بتوحيد اللّه وهاجروا إلى المدينة ،

 وجهدوا العدو

 بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه ، فهؤلاء المهاجرون ، ثم ذكر

الأنصار ، فقال : والذين ءاووا النبي صلى اللّه عليه وسلم ونصروا النبي [ صلى اللّه عليه وسلم ] ثم جمع

المهاجرين والأنصار ، فقال : أولئك بعضهم أولياء بعض في الميراث ؛ ليرغبهم بذلك في

الهجرة ، فقال الزبير بن العوام ونفر معه : كيف يرثنا غير أوليائنا ، وأولياؤنا على ديننا ،

فمن أجل أنهم لم يهاجروا لا ميراث بيننا ، فقال اللّه بعد ذلك : والذين ءامنوا ، يعنى

صدقوا بتوحيد اللّه ولم يهاجروا إلى المدينة ما لكم من وليتهم من شئٍ في

الميراث حتى يهاجروا إلى المدينة ، ثم قال : وإن استنصروكم في الدين يا معشر

المهاجرين إخوانكم الذين لم يهاجروا إليكم ، فأتاهم عدوهم من المشركين ، فقاتلوهم

ليردوهم عن الإسلام فعليكم النصر فانصروهم ، ثم استثنى ، فقال : إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق ، يقول : إن استنصر الذين لم يهاجروا إلى المدينة على أهل

عهدكم ، فلا تنصروهم واللّه بما تعملون بصير [ آية : ٧٢ ] .

٧٣

الأنفال : ٧٣ والذين كفروا بعضهم . . . . .

 والذين كفروا بتوحيد اللّه بعضهم أولياء بعض في الميراث والنضرة إلا

تفعلوه ، أي إن لم تنصروهم على غير أهل عهدكم من المشركين في الدين تكن

فتنةٌ ، يعنى كفر في الأرض وَ  يكن وفساد كبيرٌ [ آية : ٧٣ ] في

الأرض .

٧٤

الأنفال : ٧٤ والذين آمنوا وهاجروا . . . . .

 والذين ءامنوا ، يعنى صدقوا بتوحيد اللّه وهاجروا من مكة إلى المدينة ،

 وجهدوا  العدو في سبيل اللّه ، يعنى في طاعة اللّه ، فهؤلاء المهاجرون ، وإنما سموا

لمهاجرين ؛ لأنهم هجروا قومهم من المشركين ، وفارقوهم إذ لم يكونوا على دينهم ، قال :

 والذين ءاووا ، يعنى ضموا النبى صلى اللّه عليه وسلم إلى أنفسهم بالمدينة ونصروا النبى صلى اللّه عليه وسلم ،

فهؤلاء الأنصار ، ثم جمع المهاجرين والأنصار ، فقال : أولئك هم المؤمنون ، يعنى

المصدقين حقا لهم بذلك مغفرةٌ  لذنوبهم ورزق كريم [ آية : ٧٤ ] ، يعنى

رزقاً حسناً في الآخرة ، وهى الجنة .

٧٥

الأنفال : ٧٥ والذين آمنوا من . . . . .

ثم قال بعد ذلك : والذين ءامنوا من بعد هؤلاء المهاجرين والأنصار وهاجروا

من ديارهم إلى المدينة وجهدوا  العدو معكم فأولئك منكم في الميراث ، ثم نسخ

هؤلاء الآيات بعد هذه الآية وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في الميراث ، فورث

المسلمون بعضهم بعضاً ، من هاجر ومن لميهاجر في الرحم والقرابة في كتب اللّه إن

اللّه بكل شئٍ عليمٌ [ آية : ٧٥ ] في أمر المواريث حين حرمهم الميراث ، وحين أشركهم

بعد ذلك .

حدثنا عبيد اللّه ، قال : حدثني أبى ، قال : حدثنا الهذيل ، عن أبى يوسف ، عن الكلبي ،

عن أبى صالح ، قال : إن الخمس كان يقسم على عهد النبى صلى اللّه عليه وسلم خمسة أسهم : للّه

ولرسوله سهم ، ولذي القربى سهم ، ولليتامى سهم ، وللمساكين سهم ، ولابن السبيل

سهم ، قال : وقسمه عمر ، وأبو بكر ، وعثمان ، وعلى ، على ثلاثة أسهم ، أسقطوا سهم

ذي القربى ، وقسم على ثلاثة أسهم ، وإنما يوضع من أولئك في أهل الحاجة والمسكنة ،

ليس يعطى الأغنياء شيئاً ، فهذا على موضع الصدقة .

حدثنا عبيد اللّه ، قال حدثنا أبى ، قال : حدثنا الهذيل ، عن محمد بن عبد الحق ، عن

أبى جعفر محمد بن على ، عليه السلام ، قال : قلت له : ما كان رأى علي ، عليه السلام ،

في الخمس ؟ قال : رأى أهل بيته ، قال : قلت : فكيف لم يمضه على ذلك حين ولى ؟ قال :

كره أن يخالف أبا بكر وعمر .

حدثنا عبيد اللّه ، قال : حدثني أبى ، قال : حدثنا الهذيل ، عن مقاتل ، قال : كان النبى

 صلى اللّه عليه وسلم يأخذ من الغنيمة قبل أن تقسم صفياً لنفسه ، ويأخذ مع ذوى القربى ، ويأخذ سهم

اللّه تعالى ورسوله ، ثم يأخذ مع المقاتلة ، فكان يأخذ من أربعة وجوه صلى اللّه عليه وسلم .

﴿ ٠