سورة النحل

مقدمة

 مكية كلها غير قوله تعالى : وإن عاقبتم [ آية : ١٢٦ - ١٢٨ ] إلى آخر السورة

.

 وقوله تعالى : ثم إن ربك للذين هاجروا [ آية : ١١٠ ] الآية .

 وقوله تعالى : من كفر باللّه من بعد إيمانه [ الآية : ١٠٦ ] الآية

.

 وقوله تعالى : والذين هاجروا [ آية : ٤١ ] الآية .

 وقوله تعالى : وضرب اللّه مثلا قرية الآية : ١١٢ ] الآية .

فإن هذه الآيات مدنيات ، وهي مائة وثمان وعشرون آية كوفية .

 بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

النحل : ١ أتى أمر اللّه . . . . .

 أتى أمر اللّه ، وذلك أن كفار مكة لما أخبرهم النبي صلى اللّه عليه وسلم الساعة ، فخوفهم بها

أنها كائنة ، ف  متى تكون ؟ تكذيباً بها ، فأنزل اللّه عز وجل : يا عبادي

 أتى أمر اللّه فلا تستعجلوه ، أي فلا تستعجلوا وعيدي ، أنزل اللّه عز وجل أيضاً في قولهم :

حم عسق : يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها [ الشورى : ١٨ ] ، فلما سمع النبي

 صلى اللّه عليه وسلم من جبريل ، عليه السلام : أتى أمر اللّه ، وثب قائماً ، وكان جالساً ، مخافة الساعة ،

فقال جبريل ، عليه السلام : فلا تستعجلوه ، فاطمأن النبي صلى اللّه عليه وسلم عند ذلك ، ثم قال :

 سبحانه ، نزه الرب تعالى نفسه عن شرك أهل مكة ، ثم عظم نفسه جل جلاله ،

فقال : وَتَعَلى ، يعنى وارتفع عما يشركون [ آية : ١ ] .

٢

النحل : ٢ ينزل الملائكة بالروح . . . . .

 ينزل الملائكة ، يعنى جبريل ، عليه السلام بالروح ، يقول : بالوحي من أمره ، يعنى بأمره على من يشاء من عباده من الأنبياء ، عليهم السلام ، ثم أمرهم

اللّه عز وجل أن ينذروا الناس ، فقال : أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون [ آية :

٢ ] ، يعنى فاعبدون .

٣

النحل : ٣ خلق السماوات والأرض . . . . .

 خلق السماوات والأرض بالحق ، يقول : لم يخلقهما باطلاً لغير شيء ، ولكن

خلقهما لأمر هو كائن تعالىَ ، يعنى ارتفع عما يشركون [ آية : ٣ ] به .

٤

النحل : ٤ خلق الإنسان من . . . . .

 خلق الإنسان من نطفة ، يعنى أبي بن خلف الجمحي ، قتله النبي صلى اللّه عليه وسلم يوم

أُحد فإذا هو خصيم مبين [ آية : ٤ ] ، قال للنبي صلى اللّه عليه وسلم : كيف يبعث اللّه هذه العظام ،

وجعل يفتها ويذريها في الريح ، ونظيرها في آخر يس : قال من يحيي العظام وهي رميم [ يس : ٧٨ ] .

٥

النحل : ٥ والأنعام خلقها لكم . . . . .

ثم قال تعالى : والأنعام ، يعنى الإبل ، والبقر ، والغنم خلقها لكم فيها دفء ، يعنى ما تستدفئون به من أصوافها ، وأوبارها ، وأشعارها أثاثاً ومنافع

في ظهورها ، وألبانها ومنها تأكلون [ آية : ٥ ] ، يعنى من لحم الغنم .

٦

النحل : ٦ ولكم فيها جمال . . . . .

 ولكم فيها ، يعنى في الأنعام جمال حين تريحون ، يعنى حين تروح من

مراعيها إليكم عند المساء وحين تسرحون [ آية : ٦ ، من عندكم بكرة إلى الرعي .

٧

النحل : ٧ وتحمل أثقالكم إلى . . . . .

 وتحملُ أثقالكُمُ ، يعنى الإبل ، والبقر إِلى بلدٍ لم تكونواْ بلغيه إِلا بشق

الأنفس ، يعنى بجهد الأنفس إِن ربكُم لرءوفٌ ، يعنى لرفيق رحيمٌ

[ آية : ٧ ] بكم فيما جعل لكم من الأنعام من المنافع .

٨

النحل : ٨ والخيل والبغال والحمير . . . . .

ثم ذكرهم النعم : والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ، يقول : لكم في

ركوبها جمال وزينة ، يعنى الشارة الحسنة ويخلق ما لا تعلمون [ آية : ٨ ] من الخلق ،

كقوله تعالى : فخرج على قومه في زينته [ القصص : ٧٩ ] ، يعنى في شارته .

٩

النحل : ٩ وعلى اللّه قصد . . . . .

قال سبحانه : وعلى اللّه قصد السبيل ، يعنى بيان الهدي ومنها جائر ،

يقول : ومن السبيل ما تكون جائرة على الهدي ولو شاء لهداكم أجمعين [ آية :

٩

٩ ] إلى دينه .

النحل : ١٠ هو الذي أنزل . . . . .

 هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ، يعنى المطر لكم منه شراب ،

 ومنه شجر فيه تسيمون [ آية : ١٠ ] ، يعنى وفيه ترعون أنعامكم .

١١

النحل : ١١ ينبت لكم به . . . . .

 ينبت لكم به بالمطر الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية ، فيما ذكر لكم من النبات لعبرة لقوم يتفكرون [ آية : ١١ ] ، في توحيد اللّه عز وجل .

١٢

النحل : ١٢ وسخر لكم الليل . . . . .

 وسخر لكم اليل والنهار والشمس والقمر والنُّجوم مُسخرات بِأمره إِن في ذلك

لايتٍ ، يقول : فيما سخر لكم في هذه الآيات لعبرة لقوم يعقلون [ آية : ١٢ ]

في توحيد اللّه عز وجل .

١٣

النحل : ١٣ وما ذرأ لكم . . . . .

 وما ذرأ لكم ، يعنى وما خلق لكم في الأرض من الدواب ، والطير ،

والشجر مختلفا ألوانه إن في ذلك ، يعنى فيما ذكر من الخلق في الأرض ،

 لآية لقوم يذكرون [ آية : ١٣ ] ، في توحيد اللّه عز وجل ، وما ترون من

صنعه وعجائبه .

١٤

النحل : ١٤ وهو الذي سخر . . . . .

 وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا ، وهو السمك ما أصيد ،

أو ألقاه الماء وهو حي وتستخرجوا منه حلية تلبسونها ، يعنى اللؤلؤ وترى الفلك ، يعنى السفن مواخر فيه ، يعنى في البحر مقبلة ومدبرة بريح واحد ،

 ولتبتغوا من فضله ، يعنى سخر لكم الفلك لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون [ آية : ١٤ ] ربكم في نعمه عز وجل .

١٥

النحل : ١٥ وألقى في الأرض . . . . .

 وألقى في الأرض رواسي ، يعنى الجبال أن تميد بكم ، يعنى لئلا تزول

بكم الأرض فتميل بمن عليها وأنهارا ، تجري وسبلا ، ، يعنى وطرقاً لعلكم تهتدون ، [ آية : ١٥ ] ، يعنى تعرفون طرقها .

١٦

النحل : ١٦ وعلامات وبالنجم هم . . . . .

 وعلامات ، يعنى الجبال ، كقوله سبحانه : كالأعلام [ الرحمن : ٢٤ ] ، يعنى

الجبال وبالنجم هم يهتدون ، [ آية : ١٦ ] .

حدثنا عبيد اللّه ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، قال مقاتل : هي بنات نعش ،

والجدي ، والفرقدان ، والقطب ، قال : بعينها لأنهن لا يزلن عن أماكنهن شتاء ولا صيفاً ،

يعنى بالجبال ، والكواكب ، وبها يعرفون الطرق في البر والبحر ، كقوله سبحانه : لا يهتدون سبيلا [ النساء : ٩٨ ] ، يعنى لا يعرفون .

١٧

النحل : ١٧ أفمن يخلق كمن . . . . .

ثم قال عز وجل : أفمن يخلق ، هذه الأشياء من أول السورة إلى هذه الآية ،

 كمن لا يخلق شيئاً من الآلهة : اللات ، والعزى ، ومناة ، وهبل ، التي تعبد من دون اللّه

عز وجل أفلا تذكرون [ آية : ١٧ ] ، يعنى أفلا تعتبرون في صنعه فتوحدونه عز

وجل .

١٨

النحل : ١٨ وإن تعدوا نعمة . . . . .

 وإن تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها إن اللّه لغفور ، في تأخير العذاب عنهم ،

 رحيم [ آية : ١٨ ] بهم حين لا يعجل عليهم بالعقوبة .

١٩

النحل : ١٩ واللّه يعلم ما . . . . .

 واللّه يعلم ما تسرون في قلوبكم ، يعنى الخراصين الذي أسروا الكيد بالبعثة في

طريق مكة ممن يصد الناس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم بالموسم و يعلم وما تعلنون [ آية :

١٩ ] ، يعنى يعلم ما تظهرون بألسنتكم ، حين قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم : هذا دأبنا ودأبك .

٢٠

النحل : ٢٠ والذين يدعون من . . . . .

ثم ذكر الآلهة ، فقال سبحانه لكفار مكة : والذين يدعُونَ ، يعنى يعبدون من دون اللّه ، يعنى اللات ، والعزى ، ومناة ، وهبل لا يخلقون شيئا ، ، ذباباً ولا غيرها ،

 وهم يخلقون ، [ آية : ٢٠ ] ، وهم ينحتونها بأيديهم .

٢١

النحل : ٢١ أموات غير أحياء . . . . .

ثم وصفهم ، فقال تعالى : أموات ، لا تتكلم ، ولا تسمع ، ولا تبصر ، ولا تنفع ، ولا

تضر غير أحياء ، لا روح فيها ، ثم نعت كفار مكة ، فقال : وما يشعرون أيان يبعثون [ آية : ٢١ ] ، يعنى متى يبعثون ، نظيرها في سورة النمل : لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا اللّه وما يشعرون أيان يبعثون ، [ النمل : ٦٥ ] ، وهم

الخراصون .

٢٢

النحل : ٢٢ إلهكم إله واحد . . . . .

قال سبحانه : إلهكم إله واحد ، ، فلا تعبدوا غيره ، ثم نعتهم تعالى ، فقال :

 فالذين لا يؤمنون بالآخرة ، يعنى لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال ، ثم

نعتهم ، فقال سبحانه : قلوبهم منكرة ، لتوحيد اللّه عز وجل أنه واحد وهم مستكبرون [ آية : ٢٢ ] عن التوحيد .

٢٣

النحل : ٢٣ لا جرم أن . . . . .

 لا جرم ، قسماً أن اللّه يعلم ما يسرون ، في قلوبهم حين أسروا وبعثوا

في كل طريق من الطرق رهطاً ؛ ليصدوا الناس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وما يعلنون ، حين

أظهروا للنبي صلى اللّه عليه وسلم ، و  هذا دأبنا ودأبك إنه لا يحب المستكبرين [ آية : ٢٣ ] ،

يعنى المتكبرين عن التوحيد .

٢٤

النحل : ٢٤ وإذا قيل لهم . . . . .

ثم وصفهم ، فقال سبحانه : وإذا قيل لهم ، يعنى الخراصين ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين [ آية : ٢٤ ] ، وذلك أن الوليد بن المغيرة المخزومي ، قال لكفار

قريش : إن محمداً صلى اللّه عليه وسلم حلو اللسان ، إذا كلم الرجل ذهب بعقله ، فابعثوا رهطاً من ذوي

الرأي منكم والحجا في طريق مكة ، على مسيرة ليلة أو ليلتين ، إني لا آمن أن يصدقه

بعضهم ، فمن سأل عن محمد صلى اللّه عليه وسلم ، فليقل بعضهم : إنه ساحر ، يفرق بين الاثنين ، وليقل

بعضهم : إنه لمجنون ، يهذي في جنونه ، وليقل بعضهم : إنه شاعر ، لم يضبط الروي ، وليقل

بعضهم : إنه كاهن ، يخبر بما يكون في غد ، وإن لم تروه خيراً من أن تروه ، لم يتبعه على

دينه إلا العبيد والسفهاء ، يحدث عن حديث الأولين ، وقد فارقه خيار قومه وشيوخهم .

فبعثوا ستة عشر رجلاً من قريش ، في أربع طرق ، على كل طريق أربعة نفر ، وأقام

الوليد بن المغيرة بمكة على الطريق ، فمن جاء يسأل عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، لقيه الوليد ، فقال له

مثل مقالة الآخرين ، فيصدع الناس عن قولهم ، وشق ذلك على النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وكان يرجو

أن يتلقاهُ الناس ، فيعرض عليهم أمره ، ففرحت قريش حين تفرق الناس عن قولهم ، وهم

يقولون : ما عند صاحبكم خير ، يعنون النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وما بلغنا عنه إلا الغرور ، وفيهم

المستهزءون من قريش ، فأنزل اللّه عز وجل فيهم : وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين ، يعنى حديث الأولين وكذبهم .

٢٥

النحل : ٢٥ ليحملوا أوزارهم كاملة . . . . .

يقول اللّه تعالى : قالوا ذلك ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ، يعنى يحملوا

خطيئتهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين ، يعنى من خطايا الذين

 يضلونهم ، يعنى يستنزلونهم بغير علم يعلمونه ، فيها تقديم ، قال عز وجل :

 ألا ساء ما يزرون [ الآية : ٢٥ ] ، يعنى ألا بئس ما يحملون ، يعنى يعملون .

٢٦

النحل : ٢٦ قد مكر الذين . . . . .

ثم قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : قد مكر الذين ، يعنى قد فعل الذين من قبلهم ،

يعنى قبل كفار مكة ، يعنى نمروذ بن كنعان الجبار الذي ملك الأرض ، وبنى الصرح

ببابل ؛ ليتناول فيما زعم إله السماء ، تبارك وتعالى ، وهو الذي حاج إبراهيم في ربه عز

وجل ، وهو أول من ملك الأرض كلها ، وملك الأرض كلها ثلاثة نفر : نمروذ بن كنعان

وذو القرنين ، واسمه الإسكندر قيصر ، ثم تبع بن أبي ضراحيل الحميري .

فلما بني نمروذ الصرح طوله في السماء فرسخين ، فأتاه جبريل ، عليه السلام ، في

صورة شيخ كبير ، فقال : ما تريد أن تصنع ؟ قال : أريد أن أصعد إلى السماء ، فأغلب

أهلها كما غلبت أهل الأرض ، فقال له جبريل ، عليه السلام : إن بينك وبين السماء

مسيرة خمسمائة عام ، والتي تليها مثل ذلك ، وغلظها مثل ذلك ، وهي سبع سموات ، ثم

كل سماء كذلك ، فأبي إلا أن يبني ، فصاح جبريل ، عليه السلام ، صيحة فطار رأس

الصرح ، فوقع في البحر ، ووقع البقية عليهم ، فذلك قوله عز وجل : فأتى اللّه بنيانهم من القواعد ، يعنى من الأصل فخر عليهم السقف من فوقهم ، يعنى فوقع

عليهم البناء الأعلى من فوق رؤوسهم وأتاهم ، يعني وجاءهم العذاب من حيث لا يشعرون [ آية : ٢٦ ] من بعد ذلك ، وبعدما اتخذ النسور ، وهي الصيحة من

جبريل ، عليه السلام .

٢٧

النحل : ٢٧ ثم يوم القيامة . . . . .

ثم رجع إلى الخراصين في التقديم ، فقال سبحانه : ثم يوم القيامة يخزيهم ، يعنى

يعذبهم ، كقوله سبحانه : يوم لا يخزي اللّه النبي والذين آمنوا معه [ التحريم :

٨ ] ، يعنى لا يعذب اللّه النبي المؤمنين ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم ، يعنى تحاجون فيهم قال الذين أوتوا العلم ، وهم الحفظة من الملائكة :

 إن الخزي اليوم ، يعنى الهوان والسوء ، يعنى العذاب على الكافرين

[ آية : ٢٧ ] .

٢٨

النحل : ٢٨ الذين تتوفاهم الملائكة . . . . .

فقال : الذين تتوفهم الملائكة ، يعنى ملك الموت وأعوانه ظالمي أنفسهم ، وهم ستة ، وثلاثة يلون أرواح المؤمنين ، وثلاثة يلون أرواح الكافرين فألقوا

السلام ، يعني الخضوع والاستسلام ، ثم   ما كنا نعمل من سوء ، يعنى من

شرك ؛ لقولهم في الأنعام : واللّه ربنا ما كنا مشركين [ الأنعام : ٢٣ ] ، فكذبهم اللّه

عز وجل ، فردت عليهم خزنة جهنم من الملائكة ، ف  بلي قد عملتم السوء ،

 إن اللّه عليم بما كنتم تعملون [ آية : ٢٨ ] ، يعنى بما كنتم مشركين .

٢٩

النحل : ٢٩ فادخلوا أبواب جهنم . . . . .

قالت الخزنة لهم : فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها من الموت فلبئس مثوى ، يعنى مأوى المتكبرين [ آية : ٢٩ ] عن التوحيد ، فأخبر اللّه عنهم في

الدنيا ، وأخبر بمصيرهم في الآخرة .

٣٠

النحل : ٣٠ وقيل للذين اتقوا . . . . .

ثم قال تعالى : وقيل للذين اتقوا ، يعنى الذين عبدوا ربهم : ماذا أنزل ربكم قالوا أنزل خيرا ، وذلك أن الرجل كان يبعثه قومه وافداً إلى مكة ليأتيهم بخبر

محمد صلى اللّه عليه وسلم ، فيأتي الموسم ، فيمر على هؤلاء الرهط من قريش الذين على طرق مكة ،

فيسألهم عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فيصدونه عنه لئلا يلقاه ، فيقول : بئس الرجل الوافد أنا لقومي أن

أرجع قبل أن ألقى محمداً صلى اللّه عليه وسلم ، وأنا منه على مسيرة ليلة أو ليلتين ، وأسمع منه ، فيسير حتى

يدخل مكة ، فيلقي المؤمنين ، فيسألهم عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وعن قولهم ، فيقولون للوافد : أنزل

اللّه عز وجل خيراً ، بعث رسولاً صلى اللّه عليه وسلم ، وأنزل كتاباً يأمر فيه بالخير ، وينهي عن الشر ،

ففيهم نزلت : وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا ، ثم انقطع الكلام .

يقول اللّه سبحانه : للذين أحسنوا العمل في هذه الدنيا لهم حسنة

في الآخرة ، يعني الجنة ولدار الآخرة خير ، يعنى الجنة أفضل من ثواب المشركين

في الدنيا الذي ذكر في هذه الآية الأولى ، يقول اللّه تعالى : ولنعم دار المتقين [ آية :

٣٠ ] الشرك ، يثنى على الجنة .

٣١

النحل : ٣١ جنات عدن يدخلونها . . . . .

ثم بين لهم الدار ، فقال سبحانه : جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار ، يعنى

الأنهار تجري تحت البساتين لَهُم فِيها ما يشاءونَ ، يعنى في الجنان كذلك يجزي اللّه المتقين [ آية : ٣١ ] الشرك .

٣٢

النحل : ٣٢ الذين تتوفاهم الملائكة . . . . .

ثم أخبر عنهم ، فقال جل ثناؤهُ : الذين تتوفاهم الملائكة طيبين في الدنيا ، يعنى

ملك الموت وحده ، ثم انقطع الكلام ، ثم أخبر سبحانه عن قول خزنة الجنة من الملائكة

في الآخرة لهم يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون [ آية : ٣٢ ] في

دار الدنيا .

٣٣

النحل : ٣٣ هل ينظرون إلا . . . . .

ثم رجع إلى كفار مكة ، فقال : هل ، يعنى ما ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة بالموت ، يعنى ملك الموت وحده ، عليه السلام أو يأتي أمر ربك ،

يعنى العذاب في الدنيا كذلك ، يعنى هكذا فعل الذين ، يعنى لعن الذين

 من قبلهم ، ونزل العذاب بهم قبل كفار مكة من الأمم الخالية وما ظلمهم اللّه ، فعذبهم على غير ذنب ولكن كانوا أنفسهم يظلمون [ آية : ٣٣ ] .

٣٤

النحل : ٣٤ فأصابهم سيئات ما . . . . .

 فأصابهم سيئات ، يعنى عذاب ما عملواْ ، يعنى في الدنيا وحاق بهم ،

يعنى ودار بهم العذاب ما كانوا به بالعذاب يستهزءونَ [ آية : ٣٤ ] بأنه

غير نازل بهم في الدنيا .

٣٥

النحل : ٣٥ وقال الذين أشركوا . . . . .

 وقال الذين أشركوا مع اللّه غيره ، يعنى كفار مكة : لو شاء اللّه ما عبدنا من

دونه من شيءٍ من الآلهة نَحنُ ولاَ ءاباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيءٍ ، من

الحرث والأنعام ، ولكن اللّه أمرنا بتحريم ذلك ، يقول اللّه عز وجل : كذلك ، يعنى

هكذا فعل الذين من قبلهم من الأمم الخالية برسلهم ، كما كذبت كفار مكة ،

وتحريم ما أحل اللّه من الحرث والأنعام ، فلما كذبوا النبي صلى اللّه عليه وسلم ، قال اللّه عز وجل : فهل على الرسل إلا البلاغ المبين [ آية : ٣٥ ] ، يقول : ما على الرسول إلا أن يبلغ ويبين لكم

أن اللّه عز وجل لم يحرم الحرث والأنعام .

٣٦

النحل : ٣٦ ولقد بعثنا في . . . . .

ثم قال عز وجل : ولقد بعثنا في كُل أُمة رسولاً اعبدواْ اللّه ، يعنى أن

وحدوا اللّه واجتنبوا الطاغوت ، يعنى عبادة الأوثان فمنهم من هدى اللّه إلى

دينه ومنهم من حقت عليه ، يعنى وجبت الظلالةُ فسيرواْ في الأرض فانظرواْ

كيفَ كانَ عاقبةُ المُكذبينَ [ آية : ٣٦ ] ، رسلهم بالعذاب الذين حقت عليهم

الضلالة في الدنيا ، يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية ، ليحذروا عقوبته ، ولا

يكذبوا محمداً صلى اللّه عليه وسلم .

٣٧

النحل : ٣٧ إن تحرص على . . . . .

وقال سبحانه : إن تحرص على هداهم يا محمد صلى اللّه عليه وسلم فإن اللّه لا يهدي إلى

دينه من يضل ، يقول : من أضله اللّه فلا هادي له وما لهم من ناصرين

[ آية : ٣٧ ] ، يعنى مانعين من العذاب .

٣٨

النحل : ٣٨ وأقسموا باللّه جهد . . . . .

 وأقسموا باللّه جهد أيمانهم ، يقول : جهدوا في أيمانهم حين حلفوا باللّه عز

وجل ، يقول اللّه سبحانه : إن القسم باللّه لجهد أيمانهم ، يعنى كفار مكة لا يبعث اللّه من يموت ، فكذبهم اللّه عز وجل ، فقال : بلي يبعثهم اللّه عز وجل وعدا عليه حقا ، نظيرها في الأنبياء : كما بدأنا أول خلق نعيده [ الأنبياء : ١٠٤ ] ، يقول اللّه

تعالى : كما بدأنهم فخلقتهم ولم يكونوا شيئاً ولكن أكثر الناس ، يعنى أهل

مكة لا يعلمون [ آية : ٣٨ ] أنهم مبعثون من بعد الموت .

٣٩

النحل : ٣٩ ليبين لهم الذي . . . . .

يبعثهم اللّه ؛ ليبين لهم ، يعنى ليحكم اللّه بينهم في الآخرة الذين يختلفونَ

فيه ، يعنى البعث وليعلم الذين كفروا بالبعث أنهم كانوا كاذبين [ آية :

٣٩ ] بأن اللّه لا يبعث الموتى .

٤٠

النحل : ٤٠ إنما قولنا لشيء . . . . .

قال سبحانه : إنما قولنا ، يعنى أمرنا في البعث لشيءٍ إِذا أردناهُ أن نقُولَ

لَهُ مرة واحدة : كن فيكون [ آية : ٤٠ ] لا يثنى قوله مرتين .

٤١

النحل : ٤١ والذين هاجروا في . . . . .

قال سبحانه : والذين هاجروا قومهم إلى المدينة ، واعتزلوا بدينهم من

المشركين في اللّه ، وفروا إلى اللّه عز وجل من بعد ما ظلموا ، يعنى من بعد ما

عذبوا على الإيمان بمكة ، نزلت في خمسة نفر : عمار بن ياسر مولى أبي حذيفة بن المغيرة

المخزومي ، وبلال بن أبي رباح المؤذن ، وصهيب بن سنان مولى عبد اللّه بن جدعان بن

النمر بن قاسط ، وخباب بن الأرت ، وهو عبد اللّه بن سعد بن خزيمة بن كعب مولى لأم

أنما امرأة الأخنس بن شريق .

 لنبوئنهم ، يعنى لنعطينهم في الدنيا حسنة ، يعنى بالحسنة الرزق الواسع ،

 ولأجر ، يعنى جزاء الآخرة ، يعنى الجنة أكبر ، يعنى أعظم مما أعطوه

في الدنيا من الرزق لو كانوا ، يعنى أن لو كانوا يعلمون [ آية : ٤١ ] .

٤٢

النحل : ٤٢ الذين صبروا وعلى . . . . .

فقال سبحانه : الذين صبروا على العذاب في الدنيا وعلى ربهم يتوكلون [ آية : ٤٢ ] ، يعنى وبه يثقون .

٤٣

النحل : ٤٣ وما أرسلنا من . . . . .

 وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ، نزلت في أبي جهل بن هشام ،

والوليد بن المغيرة ، وعقبة بن أبي معيط ، وذلك أنهم قالوا في سبحان : أبعث اللّه بشرا رسولا [ الإسراء : ٩٤ ] بأكل ويشرب ، وتلاك الملائكة ، فأنزل اللّه عز وجل :

 وما أرسلنا من قبلك يا محمد صلى اللّه عليه وسلم إلا رجالا نوحي إليهم ، ثم قال : فسئلوا

أهل الذكر ، يعنى التوراة إن كنتم لا تعلمون [ آية : ٤٣ ] بأن الرسل كانوا من

البشر ، فسيخبرونكم أن اللّه عز وجل لم يبعث رسولاً إلا من الإنس .

٤٤

النحل : ٤٤ بالبينات والزبر وأنزلنا . . . . .

يعنى بالبينات بالآيات والزبر ، يعنى حديث الكتب وأنزلنا إليك الذكر ، يعنى القرآن لتبين للناس ما نزل إليهم من ربهم ولعلهم ، يعنى

لكي يتفكرون [ آية : ٤٤ ] فيؤمنوا .

٤٥

النحل : ٤٥ أفأمن الذين مكروا . . . . .

ثم خوف كفار مكة ، فقال سبحانه : أفأمن الذين مكروا السيئات ، يعنى الذين

قالوا الشرك أن يخسف اللّه بهم الأرض ، يعنى جانبا منها أو يأتيهم غير

الخسف العذاب من حيث لا يشعرون [ آية : ٤٥ ] ، يعنى لا يعلمون أنه يأتيهم منه .

٤٦

النحل : ٤٦ أو يأخذهم في . . . . .

 أو يأخذهم العذاب في تقلبهم في الليل والنهار فما هم بمعجزين

[ آية : ٤٦ ] ، يعنى سابقي اللّه عز وجل بأعمالهم الخبيثة ، حتى يجزيهم بها .

٤٧

النحل : ٤٧ أو يأخذهم على . . . . .

 أو يأخذهم على تخوف ، يقول : يأخذ أهل هذه القرية بالعذاب ويترك الأخرى قريباً

منها لكي يخافوا فيعتبروا ، يخوفهم بمثل ذلك فإن ربكم لرءوفٌ ، يعنى يرق لهم ،

 رحيم [ آية : ٤٧ ] بهم حين لا يعجل عليهم بالعقوبة .

٤٨

النحل : ٤٨ أو لم يروا . . . . .

ثم وعظ كفار مكة ليعتبروا في سنعه ، فق قال سبحانه : أَولم يروا إلى ما خلق اللّه من

شيء في الأرض يتفيؤا ظلالهُ عن اليمين والشمائل سُجداً ، وذلك أن الشجر ،

والبنيان ، والجبال ، والدواب ، وكل شيء ، إذا طلعت عليه الشمس يتحول ظل كل شيء

عن اليمين قبل المغرب ، فذلك قوله سبحانه : يتفيؤا ظلالهُ ، يعنى يتحول الظل ،

فإذا زالت الشمس ، تحول الظل عن الشمال قبل المشرق ، كسجود كل شيء في الأرض

للّه تعالى ، ظله في النهار سجداً للّه ، يقول : وهم داخرون [ آية : ٤٨ ] ، يعنى

صاغرون .

٤٩

النحل : ٤٩ وللّه يسجد ما . . . . .

 وللّه يسجد ما في السماوات من الملائكة وما في الأرض من دابة أيضاً

يسجدون .

قال : قال مقاتل ، رحمه اللّه : إذا قال : ما في السموات ، يعنى من الملائكة وغيرهم

وكل شيء في السماء ، والأرض ، والجبال ، والأشجار ، وكل شيء في الأرض ، وإذا قال :

من في السموات ، يعنى كل ذي روح من الملائكة ، والآدميين ، والطير ، والوحوش ،

والدواب ، والسباع ، والهوام ، والحيتان في الماء ، وكل ذي روح أيضاً سجدون .

ثم نعت اللّه الملائكة ، فقال : والملائكة وهم لا يستكبرون [ آية : ٤٩ ] ، يعنى لا

يتكبرون عن السجود .

٥٠

النحل : ٥٠ يخافون ربهم من . . . . .

 يخافون ربهم من فوقهم ، الذي هو فوقهم ؛ لأن اللّه تعالى فوق كل شيء ، خلق

العرش ، والعرش فوق كل شيء ويفعلون ما يؤمرون [ آية : ٥٠ ] .

٥١

النحل : ٥١ وقال اللّه لا . . . . .

 وقال اللّه لا تتخذوا إلاهين اثنين ، وذلك أن رجلاً من المسلمين دعا اللّه عز

وجل في صلاته ، ودعا الرحمن ، فقال رجل من المشركين : أليس يزعم محمد صلى اللّه عليه وسلم

وأصحابه أنهم يعبدون رباً واحداً ، فما بال هذا يدعو ربين اثنين ، فأنزل اللّه عز وجل في

قوله : وقال اللّه لا تتخذوا إلاهينِ اثنين  إنما هو إله واحد فإياي فارهبون [ آية :

٥١ ] ، يعنى إياي فخافون في ترك التوحيد ، فمن لم يوحد فله النار .

٥٢

النحل : ٥٢ وله ما في . . . . .

ثم عظم الرب تبارك وتعالى نفسه من أن يكون معه إله آخر ، فقال عز وجل : وله ما في السماوات والأرض من الخلق عبيده وفي ملكه وله الدين واصبا ، يعنى الإسلام

دائماً أفغير اللّه من الآلهة تتقون [ آية : ٥٢ ] ، يعنى تعبدون ، يعنى كفار مكة .

٥٣

النحل : ٥٣ وما بكم من . . . . .

ثم ذكرهم النعم ، فقال سبحانه : وما بكم من نعمة فمن اللّه ، ليوحدوا رب هذه

النعم ، يعنى بالنعم الخير والعافية ثم إذا مسكم الضر ، يعنى الشدة ، وهو الجوع ،

والبلاء ، وهو قحط المطر بمكة سبع سنين فإليه تجئرونَ [ آية : ٥٣ ] ، يعنى

تضرعون بالدعاء ، لا تدعون غيره أن يكشف عنكم ما نزل بكم من البلاء والدعاء حين

قالوا في حم الدخان : ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون [ الدخان : ١٢ ] ، يعنى

مصدقين بالتوحيد .

٥٤

النحل : ٥٤ ثم إذا كشف . . . . .

 ثم إذا كشف الضر عنكم ، يعنى الشدة ، وهو الجوع ، وأرسل السماء بالمطر

مدراراً إذا فريق منكم بربهم يشركون [ آية : ٥٤ ] ، يعنى يتركون التوحيد للّه تعالى في

الرخاء ، فيعبدون غيره ، وقد وحدوه في الضر .

٥٥

النحل : ٥٥ ليكفروا بما آتيناهم . . . . .

 ليكفرواْ بما ءاتيناهم ، يعنى لئلا يكفروا بالذي أعطيناهم من الخير والخصب في

كشف الضر عنهم ، وهو الجوع فتمتعوا إلى آجالكم قليلاً فسوف تعلمون

[ آية : ٥٥ ] ، هذا وعيد ، نظيرها في الروم ، وإبراهيم ، والعنكبوت .

٥٦

النحل : ٥٦ ويجعلون لما لا . . . . .

 ويجعلون ، يعنى ويصفون لما لا يعلمون من الآلهة أنها آلهة نصيبا مما رزقناهم ، من الحرث والأنعام تاللّه ، قل لهم يا محمد : واللّه لتسئلن في

الآخرة عما كنتم تفترون [ آية : ٥٦ ] حين زعمتم أن اللّه أمركم بتحريم الحرث

والأنعام .

٥٧

النحل : ٥٧ ويجعلون للّه البنات . . . . .

ثم قال يعنيهم : ويجعلون ، يعنى ويصفون للّه البنات ، حين زعموا أن

الملائكة بنات اللّه تعالى سبحانه ، نزه نفسه عن قولهم ، ثم قال عز وجل : ولهم ما يشتهون [ آية : ٥٧ ] من البنين .

٥٨

النحل : ٥٨ وإذا بشر أحدهم . . . . .

ثم أخبر عنهم ، فقال سبحانه : وإذا بشر أحدهم بالأنثى ، فقيل له : ولدت لك ابنة ،

 ظل وجهه مسودا ، يعنى متغيراً وهو كظيم [ آية : ٥٨ ] ، يعنى مكروباً .

٥٩

النحل : ٥٩ يتوارى من القوم . . . . .

 يتوارى من القوم من سوء ما بشر به ، يعنى لا يريد أن يسمع تلك البشرى أحداً ،

ثم أخبر عن صنيعه بولده ، فقال سبحانه : أيمسكه على هون ، فأما اللّه فقد علم أنه

صانع

أحدهما لا محالة أم يدسه ، وهي حية في التراب ألا ساء ما يحكمون

[ آية : ٥٩ ] ، يعنى ألا بئس ما يقضون ، حين زعموا أن لي البنات وهو يكرهونها

لأنفسهم .

٦٠

النحل : ٦٠ للذين لا يؤمنون . . . . .

ثم أخبر عنهم ، فقال سبحانه : للذين لا يؤمنون بالآخرة ، يعني لا يصدقون بالبعث

الذي فيه جزاء الأعمال مثل السوء ، يعني شبه السوء وللّه المثل الأعلى ؛ لأنه

تبارك وتعالى رباً واحد لا شريك له ولد وهو العزيز في ملكه ، جل جلاله ؛

لقولهم : إن اللّه لا يقدر على البعث الحكيم [ آية : ٦٠ ] في أمره حكم البعث .

٦١

النحل : ٦١ ولو يؤاخذ اللّه . . . . .

ثم قال عز وجل : ولو يؤاخذ اللّه الناس ، يعني كفار مكة يظلمهم ، يعنى بما

علموا من الكفر والتكذيب ، لعجل لهم العقوبة ما ترك عليها من دابة ، يعنى فوق الأرض من دابة ، يعنى يقحط المطر ، فتموت الدواب ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى ،

الذي وقت لهم في اللوح المحفوظ فإذا جاء أجلهم ، يعنى وقت عذابهم في الدنيا ،

 لا يستئخرون ساعة ولا يستقدمون  آية : ٦١ ، يعنى لا يتأخرون عن أجلهم حتى

يعذبوا في الدنيا .

٦٢

النحل : ٦٢ ويجعلون للّه ما . . . . .

 ويجعلون ، يعنى ويصفون للّه ما يكرهون من البنات ، يقولون : للّه

البنات وتصف ، يعني وتقول ألسنتهم الكذب ب أن لهم الحسنى

البنين وله البنات لا جرم قسماً حقاً أن لهم النار وأنهم مفرطون [ آية : ٦٢ ] ،

يعنى متروكون في النار ؛ لقولهم : للّه البنات .

٦٣

النحل : ٦٣ تاللّه لقد أرسلنا . . . . .

 تاللّه ، يعنى واللّه لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك ، فكذبوهم فزين لهم الشيطان أعمالهم ، الكفر والتكذيب فهو وليهم اليوم ، يعنى الشيطان وليهم في

الآخرة ولهم عذاب أليم [ آية : ٦٣ ] ، يعنى وجيع .

٦٤

النحل : ٦٤ وما أنزلنا عليك . . . . .

 وما أنزلنا عليك يا محمد صلى اللّه عليه وسلم الكتاب ، يعنى القرآن إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه ، وذلك أن أهل مكة اختلفوا في القرآن ، فآمن به بعضهم ، وكفر بعضهم ،

 وهدى من الضلالة ورحمة من العذاب لمن آمن بالقرآن ، فذلك

قوله :

 لقوم يؤمنون [ آية : ٦٤ ] ، يعنى يصدقون بالقرآن أنه جاء من اللّه عز وجل .

٦٥

النحل : ٦٥ واللّه أنزل من . . . . .

ثم ذكر صنعه ليعرف توحيده ، فقال تعالى : واللّه أنزل من السماء ماء ، يعنى المطر ،

 فأحيا به الأرض بعد موتها بالنبات إن في ذلك لآية ، يقول : إن في المطر والنبات

لعبرة وآية لقوم يسمعون [ آية : ٦٥ ] المواعظ .

٦٦

النحل : ٦٦ وإن لكم في . . . . .

 وإن لكم في الأنعام لعبرة ، يعنى التفكر نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا من القذر سائغا للشاربين [ آية : ٦٦ ] ، يسيغ من يشربه ، وهو لا يسيغ

الفرث والدم .

٦٧

النحل : ٦٧ ومن ثمرات النخيل . . . . .

قال سبحانه : ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ، يعنى

بالثمرات ؛ لأنها جماعة ثمر ، يعنى بالسكر ما حرم من الشراب مما يسكرون من ثمره ، يعنى

النخيل والأعناب ورزقا حسنا ، يعنى طيباً ، نسختها الآية التي في المائدة ، كقوله عز

وجل : قرضا حسنا [ البقرة : ٢٤٥ ] ، يعنى طيبة بها أنفسهم ، بما لا يسكر منها من

الشراب وثمرتها ، فهذا الرزق الحسن ، قال سبحانه : إن في ذلك لآية لقوم يعقلون

[ آية : ٦٧ ] ، يعنى فيما ذكر من اللبن والثمار لعبرة لقوم يعقلون بتوحيد اللّه وجل .

٦٨

النحل : ٦٨ وأوحى ربك إلى . . . . .

ثم قال : وأوحى ربك إلى النحل إلهاماً من اللّه عز وجل ، يقول : قذف فيها أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون [ آية : ٦٨ ] ، يعنى ومما يبنون من البيوت .

٦٩

النحل : ٦٩ ثم كلي من . . . . .

 ثم كلى من كل الثمرت فاسلكى ، يقول : فادخلى سبل ربك في الجبال وخلل

الشجر ذللا ؛ لأن اللّه تعالى ذلل لها طرفها حيثما توجهت يخرج من بطونها شراب ، يعنى عملاً مختلف الونة ، أبيض ، وأصفر ، وأحمر فيه شفاء للناس ،

يعنى العسل شفاء لبعض الأوجاع إن في ذلك لآية ، يعنى فيما ذكر من أمر النحل

وما يخرج من بطونها لعبرة لقوم يتفكرون [ آية : ٦٩ ] في توحيد اللّه عز وجل .

٧٠

النحل : ٧٠ واللّه خلقكم ثم . . . . .

قال سبحانه : واللّه خلقكم ، ولم تكونوا شيئاً لتعتبروا في البعث ثم

يتوفكم ، عند آجالكم ، ومنكم من يرد إلى أرذل العمر ، يعنى الهرم لكى لا يعلم بعد

علم شيئاً إن اللّه عليم بالبعث أنه كائن قدير [ آية : ٧٠ ] ، يعنى قادراً عليه .

٧١

النحل : ٧١ واللّه فضل بعضكم . . . . .

 واللّه فضل بعضكم على بعض في الرزق ، يعنى جعل بعضكم أحراراً ، وبعضكم

عبيداً ، فوسع على بعض الناس ، وقتر على بعض فما الذين فضلوا ، يعنى الرزق من

الأموال برآدى رزقهم ، يقول : برادى أموالهم على ما ملكت أيمنهم ، يعنى

عبيدهم ، يقول : أفيشركونهم وعبيدهم في أموالهم فهم فيه سواء ، فيكونون فيه

سواء ، بأنهم قوم لا يعقلون شيئاً أفبنعمة اللّه يجحدون [ آية : ٧١ ] ، يعنى

ينكرون بأن اللّه يكون واحداً لا شريك له ، وهو رب هذه النعم ، يقول : كيف أشرك

الملائكة وغيرهم في ملكي وأنتم لا ترضون الشركة من عبيدكم في أموال ، فكما لا

تدخهلون عبيدكم في أموالكم ، فكذلك لا أدخل معي شريكاً في ملكي ، وهم عبادي ،

وذلك حين قال كفار مكة في إحرامهم : لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه ،

وما ملك ، نظيرها في الروم : ضرب لكم مثلاً من أنفسكم . . . [ الروم : ٢٨ ] إلى

آخر الآية .

٧٢

النحل : ٧٢ واللّه جعل لكم . . . . .

 واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجا ، يقول : بعضكم من بعض وجعل لكم من

أزوجكم بنين وحفدة ، يعنى بالبنين الصغار ، والحفدة الكفار يحفدون أباهم بالخدمة ،

وذلك أنهم كانوا في الجاهلية يخدمهم أولادهم ، قال عز وجل : ورزقكم من

الطيبت ، ينى الحب والعسل ونحوه ، وجعل رزق غيركم من الدواب والطير لا يشبه

أرزاقكم في الطيب والحسن أفبالبطل يؤمنون ، يعنى أفبالشيطان يصدقون بأن مع

اللّه عز وجل شريكاً وبنعمت اللّه الذي أطعمهم من جوع ، وآمنهم من خوف ،

 هم يكفرون [ آية : ٧٢ ] بتوحيد اللّه ، أفلا يؤمنون برب هذه النعم فيوحدونه .

٧٣

النحل : ٧٣ ويعبدون من دون . . . . .

ثم رجع إلى كفار مكة ، ثم ذكر عبادتهم الملائكة ، فقال سبحانه : ويعبدون من دون اللّه ما لا يملك ، يعنى ما لا يقدر لهم رزقاً من السموت ، يعنى المطر ،

 والأرض ، يعنى النبات شيئا منه ولا يستطيعون [ آية : ٧٣ ] ذلك .

٧٤

النحل : ٧٤ فلا تضربوا للّه . . . . .

 فلا تضربوا للّه الأمثال ، يعنى الأشباه ، فلا تصفوا مع اللّه شريكاً ، فإنه لا إله غيره ،

 أن اللّه يعلم أن ليس له شريك وأنتم لا تعلمون [ آية : ٧٤ ] أن للّه شريكاً .

٧٥

النحل : ٧٥ ضرب اللّه مثلا . . . . .

ثم ضرب للكفار مثلاً ليعتبروا ، فقال : ضرب اللّه مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على

شىء ، من الخير والمنفعة في طاعة اللّه عز وجل ، نزلت في أبي الحواجر مولى هشام بن

عمرو بن الحارث بن ربيعة القرشي ، من بني عامر بن لؤي ، يقول : فكذلك الكافر لا

يقدر أن ينفق خيراً لمعاده ، ثم قال عز وجل : ومن رزقنه منا رزقاً حسناً ، يعنى

واسعاً ، وهو المؤمن هشام فهو ينفق منه ، فيما ينفعه في آخرته سرا وجهرا ، يعنى علانية هل يستون الكافر الذي لا ينفق خيراً لمعاده ، والمؤمن

الذي ينفق في خير لمعاده ، ثم جمعهم ، فقال تعالى : الحمد للّه بل أكثرهم لا يعلمون [ آية : ٧٥ ] بتوحيد اللّه عز وجل .

٧٦

النحل : ٧٦ وضرب اللّه مثلا . . . . .

قال سبحانه : وضرب اللّه ، يعنى وصف اللّه مثلاً آخر لنفسه عز وجل ،

والصنم ليعتبروا ، فقال : وضرب اللّه  مثلا ، يعنى شبهاً رجلين

أحدهما أبكم ، يعنى الأخرس الذي لا يتكلم ، وهو الصنم لا يقدر على شىء ، من

المنفعة والخير وهو كل على موله ، يعنى الصنم عيال على مولاه الذي يعبده ،

ينفق عليه ويكنه من الحر والشمس ويكنفه أينما يوجهه ، يقول : أينما يدعوه

من شرق أو غرب ، من ليل أو نهار لا يأت بخير ، يقول : لا يجيئه بخير هل يستوي هو ، يعنى هذا الصنم ومن يأمر بالعدل ، يعنى الرب نفسه عز وجل

يأمر بالتوحيد وهو على صرط مستقيم [ آية : ٧٦ ] ، يعن الرب نفسه عز وجل

يقول : أنا على الحق المستقيم ، ويقال : أحد الرجلين عثمان بن عفان ، رضوان اللّه عليه ،

 

والآخر أبو العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن زهرة .

٧٧

النحل : ٧٧ وللّه غيب السماوات . . . . .

 وللّه غيب السموت والأرض ، وذلك أن كفار مكة سألوا النبي صلى اللّه عليه وسلم : متى الساعة ؟

فأنزل اللّه عز وجل : وللّه غيب السموت والأرض ، وغيب الساعة ، ليس ذلك إلى

أحد من العباد ، قال سبحانه : وما أمر الساعة ، يعنى أمر تأتي ، يعنى البعث ،

 إلا كلمح البصر ، يعنى كرجوع الطرف أو هو أقرب ، يقول : بل هو أسرع

من لمح البصر إن اللّه على كل شىء من البعث وغيره قدير [ آية :

٧٧ ] .

٧٨

النحل : ٧٨ واللّه أخرجكم من . . . . .

 واللّه أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا ، فعلمكم بعد ذلك الجهل ،

 وجعل لكم السمع والأبصر والأفئدة ، يعنى القلوب لعلكم تشكرون [ آية :

٧٨ ] رب هذه النهم تعالى ذكره في حسن خلقكم فتوحدونه

٧٩

النحل : ٧٩ ألم يروا إلى . . . . .

ثم وعظ كفار مكة ليعتبروا ، فقال عز وجل : أم يروا ، يعنى ألا ينظروا إلى

الطير مسخرت في جو السماء ، يعنى في كبد السماء ما يمسكهن عند

بسط الأجنحة وعند قبضها أحد إلا اللّه تبارك وتعالى إن في ذلك لأيتٍ ، يعنى

إن في هذه لعبرة لقوم يؤمنون [ آية : ٧٩ ] ، يعنى يصدقون بتوحيد اللّه عز وجل .

٨٠

النحل : ٨٠ واللّه جعل لكم . . . . .

ثم ذكرهم النعم ، فقال سبحانه : واللّه جعل لكم بيوتكم سكناً تسكنون

فيه وجعل لكم من جلود الأنعم بيوتاً ، يعنى مما على جلودها من أصوافها وأوبارها ،

وأشعارها ، تتخذون منها بيوتاً ، يعنى الأبنية ، والخيم ، والفساطيط ، وغيرها ،

 تستخفونها في الحمل يوم ظعنكم ، يعنى حين رحلتكم وأسفاركم ،

وتستخفونها ويوم إقامتكم حين تقيمون في الأسفار وتستخفونها ، يعنى الأبيات

التي تتخذونها ، ولا يشق عليكم ضرب الأبينة ، قال سبحانه : ومن أصوافها ،

يعنى الضأن وأوبارها ، يعنى الإبل وأشعارها ، يعنى المعز أثثا ، يعنى

الثياب التي تتخذ منها ومتعاً إلى حين [ آية : ٨٠ ] ، يعنى بلاغاً إلى أن تبلى .

٨١

النحل : ٨١ واللّه جعل لكم . . . . .

ثم قال : واللّه جعل لكم مما خلق ظللاً ، يعنى البيوت والأبنية وجعل

لكم من الجبال أكنناً ؛ لتسكنوا فيها ، يعنى البيوت والأبنية وجعل لكم

سربيل تقيكم ، يعنى القمص تقيكم الحر ، يعنى من الكتان ، والقطن ،

والصوف وسربيل تقيكم بأسكم ، من القتل والجراحات ، يعنى درع الحديد

بإذن اللّه عز وجل كذلك ، يعنى هكذا يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون [ آية : ٨١ ] ، يعنى لكى تسلموا ، نظيرها في سبأ ، والأنبياء : وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون [ الأنبياء : ٨٠ ] ، يعنى

فهل أنتم مخلصون لكي تخلصوا إليه بالتوحيد .

٨٢

النحل : ٨٢ فإن تولوا فإنما . . . . .

 فإن تولوا ، يقول : فإن أعرضوا عن التوحيد فإنمآ عليك البلغ المبين [ آية :

٨٢ ] ، يقول : عليك يا محمد صلى اللّه عليه وسلم أن تبلغ وتبين لهم أن اللّه عز وجل واحد لا شريك له .

٨٣

النحل : ٨٣ يعرفون نعمة اللّه . . . . .

 يعرفون نعمت اللّه التي ذكرهم في هؤلاء الآيات من قوله عز وجل : جعل لكم من بيوتكم سكنا إلى أن قال : لعلكم تسلمون ، فتعرفون هذه النعم

أنها كلها من اللّه عز وجل ، وذلك أن كفار مكة كانوا إذا سئلوا : من أعطاكم هذا

الخير ؟   اللّه أعطانا ، فإن دعوا إلى التوحيد للذي أعطاهم ،   إنما ورثناه عن

آبائنا ، فذلك قوله عز وجل : ثم ينكرونها وأكثرهم الكفرون [ آية : ٨٣ ]

بتوحيد رب هذه النعم تعالى ذكره .

٨٤

النحل : ٨٤ ويوم نبعث من . . . . .

ثم قال جل اسمه : ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ، يعنى نبيهاً شاهداً على أمته

بالرسالة أنه بلغهم ثم لا يؤذن للذين كفروا في الاعتذار ولا هم يستعتبون [ آية : ٨٤ ] ، نظيرها : يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم [ غافر : ٥٢ ] .

٨٥

النحل : ٨٥ وإذا رأى الذين . . . . .

 وإذا رءاَ ، يعنى وإذا عاين الذين ظلموا ، يعنى كفروا العذاب ، يعنى

النار فلا يخفف عنهم ، يعنى العذاب ولا هم ينظرون [ آية : ٨٥ ] ، يعنى ولا

يناظر بهم ، فذلك قوله سبحانه : يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم [ غافر : ٥٢ ] .

٨٦

النحل : ٨٦ وإذا رأى الذين . . . . .

 وإذا رءا الذين أشركوا شركاءهم من الأصنام : اللات ، والعزى ، ومناة ،

 قالوا ربنا هؤلآء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك ، يعنى نعبد من دونك ،

 فألقوا إليهم القول ، فردت شركاؤهم عليهم القول إنكم لكذبون

[ آية : ٨٦ ] ما كنا لكم آلهة .

٨٧

النحل : ٨٧ وألقوا إلى اللّه . . . . .

 وألقوا إلى اللّه يومئذ السلم ، يعنى كفار مكة استسلموا له وخضعوا له وضل عنهم في الآخرة ما كانوا يفترون [ آية : ٨٧ ] ، يعنى يشركون من الكذب في

الدنيا بأن مع اللّه شريكاً .

٨٨

النحل : ٨٨ الذين كفروا وصدوا . . . . .

 الذين كفروا بتوحيد اللّه وصدوا عن سبيل اللّه ، يعنى منعوا الناس من

دين اللّه الإسلام ، وهم القادة في الكفر ، يعنى كفار مكة زدنهم عذاباً فوق العذاب بما

كانوا يفسدون [ آية : ٨٨ ] ، يعنى يعملون في الأرض بالمعاصي ، وذلك أنه يجري

من تحت العرش على رءوس أهل النار خمسة أنهار من نحاس ذائب ، وله من نار ، نهران

يجريان على مقدار نهار الدنيا ، وثلاثة أنهار على مقدار ليل الدنيا ، فتلك الزيادة ، فذلك

قوله سبحانه : يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران [ الرحمن : ٣٥ ] .

٨٩

النحل : ٨٩ ويوم نبعث في . . . . .

 ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم ، يعنى نبيهم ، وهو شاهد على

أمته أنه بلغهم الرسالة وجئنا بك يا محمد شهيدا على هؤلاء ، يعنى أمة محمد

 صلى اللّه عليه وسلم أنه بلغهم الرسالة ونزلنا عليك الكتب تبيناً لكل شيءٍ ، من أمره ، ونهيه ،

ووعده ، ووعيده ، وخبر الأمم الخالية ، وهذا القرآن وهدى من الضلالة ،

 ورحمة من العذاب لمن عمل به وبشرى ، يعنى ما فيه من الثواب ،

 للمسلمين [ آية : ٨٩ ] ، يعنى المخلصين .

٩٠

النحل : ٩٠ إن اللّه يأمر . . . . .

 إن اللّه يأمر بالعدل بالتوحيد والإحسن ، يعنى العفو عن الناس ،

 وإيتآئ ، يعنى وإعطاء ذي القربى المال ، يعنى صلة قرابة الرجل ، ك

قوله :

 وآت ذا القربى حقه [ الإسراء : ٢٦ ] ، يعنى صلته ، قال سبحانه : وينهى عن الفحشاء ، يعنى المعاصي والمنكر ، يعنى الشرك وما لا يعرف من القول ،

 والبغي ، يعنى ظلم الناس يعظكم ، يعنى يؤدبكم لعلكم تذكرون [ آية : ٩٠ ] ، يعنى لكي تذكروا فتتأدبوا .

لما نزلت هذه الآية بمكة ، قال أبو طالب بن عبد المطلب : يا آل غالب ، اتبعوا محمداً

 صلى اللّه عليه وسلم تفلحوا وترشدوا ، واللّه إن ابن أخي ليأمر بمكارمٍ الأخلاق ، وبالأمر الحسن ، ولا يأمر

إلا بحسن الأخلاق ، واللّه لئن كان محمد صلى اللّه عليه وسلم صادقاً أو كاذباً ، ما يدعوكم إلا إلى الخير ،

فبلغ ذلك الوليد بن المغيرة ، فقال : إن كان محمد صلى اللّه عليه وسلم قاله ، فنعم ما قال ، وإن إلهه قاله ،

فنعم ما قال ، فأتنا بلسانه ، ولم يصدق محمداً صلى اللّه عليه وسلم بما جاء به ولم يتبعه ، فنزلت : أفرأيت الذي تولى وأعطى قليلا بلسانه وأكدى [ النجم : ٣٣ ، ٣٤ ] ، يعنى وقطع

ذلك .

٩١

النحل : ٩١ وأوفوا بعهد اللّه . . . . .

ثم قال عز وجل : وأَفواْ بعهد اللّه إِذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد

توكيدها ، يقول : لا تنقضوا الأيمان بعد تشديدها وتغليظها وقد جعلتم اللّه عليكم كفيلا ، يعنى شهيداً في وفاء العهد إن اللّه يعلم ما تفعلون [ آية :

٩١ ] في الوفاء والنقض .

٩٢

النحل : ٩٢ ولا تكونوا كالتي . . . . .

ثم ضرب مثلاً لمن ينقض العهد ، فقال سبحانه : ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها ، يعنى امرأة من قريش حمقاء مصاحبة أسلمت بمكة تسمى ريطة بنت عمرو بن

كعب بن سعد بن تيم بن مرة ، وسميت جعرانة لحماقتها ، وكانت إذا غزلت الشعر أو

الكتان نقضته ، قال اللّه عز وجل : لا تنقضوا العهود بعد توكيدها ، كما نقضت المرأة

الحمقاء غزلها من بعد قوة ، من بعد ما أبرمته أَنكثاً ، يعنى نقضاً ، فلا هي

تركت الغزل فينتفع به ، ولا هي كفت عن العمل ، فذلك الذي يعطى العهد ، ثم ينقضه ،

لا هو حين أعطى العهد وفى به ، ولا هو ترك العهد فلم يعطه من بعد قوة ، يعنى

من بعد جده ، ولم يأثم بربه .

قال سبحانه : تتخذون أيمانكم ، يعنى العهد دخلا بينكم ، يعنى مكراً

وخديعة يستحل به نقض العهد أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم اللّه به ، يعنى إنما يبتليكم اللّه بالكثرة وليبينن لكم ، يعنى من لا يفي بالعهد ، يعنى

وليحكمن بينكم يوم القيامة ما كنتم فيه من الدين تختلفون [ آية : ٩٢ ] .

٩٣

النحل : ٩٣ ولو شاء اللّه . . . . .

قال سبحانه : ولو شاء اللّه لجعلكم أمة واحدة ، يعنى على ملة الإسلام ،

 ولكن يضل عن الإسلام من يشاءُ ويهدي إلى الإسلام من يشاء

ولتسئلنَّ يوم القيامة عما كنتم تعملون [ آية : ٩٣ ] في الدنيا .

٩٤

النحل : ٩٤ ولا تتخذوا أيمانكم . . . . .

قال سبحانه : ولا تتخذوا أيمانكم ، يعنى العهد دخلا بينكم بالمكر

والخديعة فتزل قدم بعد ثبوتها ، يقول : إن ناقض العهد يزل في دينه كما تزل قدم

الرجل بعد الاستقامة وتذوقوا السوء ، يعنى العقوبة بما صددتم عن سبيل اللّه ، يعنى بما منعتم الناس عن دين اللّه الإسلام ولكم عذاب عظيم [ آية : ٩٤ ]

في الآخرة .

٩٥

النحل : ٩٥ ولا تشتروا بعهد . . . . .

ثم وعظهم ، فقال سبحانه : ولا تشتروا بعهد اللّه ثمنا قليلا ، يقول : ولا تبيعوا

الوفاء بالعهد فتنقضونه بعرض يسير من الدنيا إنما عند اللّه من الثواب لمن وفى

منكم بالعهد هو خير لكم من العاجل إن كنتم تعلمون [ آية : ٩٥ ] .

٩٦

النحل : ٩٦ ما عندكم ينفد . . . . .

ثم زهدهم في الأموال ، فقال سبحانه : ما عندكم من الأموال ينفذُ ، يعنى

يفنى وما عند اللّه في الآخرة من الثواب باق ، يعنى دائم لا يزول عن أهله ،

 ولنجزين الذين صبروا على أمر اللّه عز وجل في وفاء العهد في الآخرة أَجرهم

بأحسن ما كانواْ ، يعنى بأحسن الذي كانوا يعملُونَ [ آية : ٩٦ ] في الدنيا ،

ويعفو عن سيئاتهم ، فلا يجزيهم بها أبداً ، نزلت في امرئ القيس بن عباس الكندي

حين حكم عبدان بن أشرع الحضرمي في أرضه وراده على حقه .

٩٧

النحل : ٩٧ من عمل صالحا . . . . .

ثم قال تعالى : من عمل صالحاً من ذكر أو أُنثى وهو مؤمن ، يعنى مصدق

بتوحيد اللّه عز وجل فلنحيينهُ حيوة طَيبةً ، يعنى حياة حسنة في الدنيا ،

 ولنجزينهم أجرهم بأَحسن ، يعنى جزاءهم في الآخرة بأحسن ما كانواْ  بأحسن الذي كانوا يعملونَ [ آية : ٩٧ ] في الدنيا ، ولهم مساوئ لا يجزيهم بها

أبداً

٩٨

النحل : ٩٨ فإذا قرأت القرآن . . . . .

 فَإذا قَرأَت القُرءان في الصلاة فاستعذ بِاللّه من الشيطان الرجيم [ آية : ٩٨ ] ،

يعنى إبليس الملعون .

٩٩

النحل : ٩٩ إنه ليس له . . . . .

 إِنهُ ليس له سُلطان ، يعنى ملك عَلى الذين ءامنوا في علم اللّه في الشرك ،

فيضلهم عن الهدى وَعَلَى ربهم يتوكلونَ [ آية : ٩٩ ] ، يقول : باللّه يتقون .

١٠٠

النحل : ١٠٠ إنما سلطانه على . . . . .

 إِنما سُلطانهُ ، يعنى ملكه على الذين يتولونه ، يعنى يتبعونهُ على أمره ،

فيضلهم عن دينهم الإسلام والذين هُم به ، يعنى باللّه مُشركُونَ [ آية :

١٠٠ ] ، كقوله سبحانه : وما كان لي عليكم من سلطانٍ [ إبراهيم : ٢٢ ] من ملك ،

يعنى إبليس على أمره .

١٠١

النحل : ١٠١ وإذا بدلنا آية . . . . .

قوله عز وجل : وإِذا بدلنا ءايةٍ مكانَ ءايةٍ ، يعنى وإذا حولنا آية فيها

شدة فنسخناها وجئنا مكانها بغيرها ألين منها واللّه أَعلم بِما يُنزلُ من التبديل

من غيره قالوا ، قال كفار مكة للنبي صلى اللّه عليه وسلم : إِنما أنت مُفتر ، يعنى متقول

على اللّه الكذب من تلقاء نفسك ، قلت كذا وكذا ، ثم نقضته وجئت بغيره بَل

أَكثرهُمُ لا يعلمونَ [ آية : ١٠١ ] أن اللّه أنزله ، فإنك لا تقول إلا ما قد قيل لك .

١٠٢

النحل : ١٠٢ قل نزله روح . . . . .

 قُل يا محمد لكفار مكة : هذا القرآن نَزلَهُ  علي رُوح القُدس ، يعنى

جبريل ، عليه السلام من ربك بالحق ، لم ينزله باطلاً ليثبت ، يعنى

ليستيقن الذين ءامنوا ، يعنى صدقوا بما في القرآن من الثواب وَهُدى من

الضلالة وبُشرى لما فيه من الرحمة للمُسلمينَ [ آية : ١٠٢ ] ، يعنى

المخلصين بالتوحيد ، وأنزل اللّه عز وجل : يمحو اللّه ما يشاء  من القرآن ويثبتُ ، فينسخه ويثبت الناسخ وعندهُ أُم الكِتابِ [ الرعد : ٣٩ ] .

١٠٣

النحل : ١٠٣ ولقد نعلم أنهم . . . . .

 ولقد نعلم أَنهم يقولون إِنما يُعلمُهُ بشرٌ ، وذلك أن غلاماً لعامر بن الحضرمي

القرشي يهودياً أعجمياً ، كان يتكلم بالرومية يسمى يسار ، ويكنى أبا فكيهة ، كان كفار

مكة إذا رأوا النبي صلى اللّه عليه وسلم يحدثه ،   إنما يعلمه يسار أبو فكيهة ، فأنزل اللّه تعالى : وَلقد

نعلمُ أَنهم يقولونَ إِنما يعلمهُ بشرٌ ، ثم أخبر عن كذبهم ، فقال سبحانه :

 لسَانُ الذي يلحدُونَ إِليه ، يعنى يميلون ، كقوله سبحانه : وَمن يُردْ فيه

بإلحادٍ [ الحج : ٢٥ ] ، يعنى يميل أعجميٌ ، رومي ، يعنى أبا فكيهة وهذا  القرآن لِسَانُ عربيٌ مُبينُ [ آية : ١٠٣ ] ، يعنى بين يعقلونه ، نظيرها في حم

السجدة قوله سبحانه : ولو جعلناهُ قُرآناً أعجمياً لقالوا لولا فُصلت آياته أأعجمي

وعربيُّ [ فصلت : ٤٤ ] ، ل  محمد صلى اللّه عليه وسلم عربي ، والقرآن أعجمي ، فذلك قوله

سبحانه : قُرآناً أعجمياً إلى آخر الآية .

فضربه سيده ، فقال : إنك تعلم محمداً صلى اللّه عليه وسلم ، فقال أبو فكيهة : بل هو يعلمني ، فأنزل اللّه

عز وجل في قولهم : وإِنهُ لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمينُ [ الشعراء :

[ ١٩٢ ، ١٩٣ ] ؛ لقولهم : إنما يعلم محمداً صلى اللّه عليه وسلم يسار أبو فكيهة .

١٠٤

النحل : ١٠٤ إن الذين لا . . . . .

ثم قال : إِن الذين لا يؤمنونَ بِئايت اللّه ، يعنى لا يصدقون بالقرآن أنه جاء من

اللّه عز وجل ، ويزعمون أن محمداً صلى اللّه عليه وسلم يتعلم من أبي فكيهة لا يهديهم اللّه لدينه ،

 ولهم في الآخرة عذاب أليم [ آية : ١٠٤ ] ، يعنى وجيع .

١٠٥

النحل : ١٠٥ إنما يفتري الكذب . . . . .

ثم رجع إلى قول المشركين حين قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم : إنما أنت مفتر تقول هذا القرآن من

تلقاء نفسك ، فأنزل اللّه تعالى : إنما يفتري ، يعنى يتقول الكذب الذين لا

يؤمنونَ بئايت اللّه ، يعنى لا يصدقون بالقرآن أنه جاء من اللّه عز وجل وأولئك هم الكاذبون [ آية : ١٠٥ ] في قولهم للنبي صلى اللّه عليه وسلم إنه مفتر .

١٠٦

النحل : ١٠٦ من كفر باللّه . . . . .

 من كفر باللّه من بعد إيمانه ، نزلت في عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح

القرشي ، ومقيس بن ضبابة الليثي ، وعبد اللّه بن أنس بن حنظل ، من بني تميم بن مرة ،

وطعمة بن أبيرق الأنصاري ، من بني ظفر بن الحارث ، وقيس بن الوليد بن المغيرة

المخزومي ، وقيس بن الفاكه بن المغيرة المخزومي ، قتلا ببدر ، ثم استثنى ، فقال : إلا من أكره على الكفر وقلبه مطمئن ، يعنى راض بالإيمان كقوله عز

وجل : فإن أصابه خير اطمأن به [ الحج : ١١ ] ، نزلت في جبر غلام عامر بن

الحضرمي ، كان يهودياً فأسلم حين سمع أمر يوسف وإخوته ، فضربه سيده حتى يرجع

إلى اليهودية ، ثم قال عز وجل : ولكن من شرح من وسع بالكفر صدرا إلى

أربع آيات ، يعنى عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح ، وهؤلاء المسلمين فعليهم غضب من اللّه ولهم عذاب عظيم [ آية : ١٠٦ ] في الآخرة .

١٠٧

النحل : ١٠٧ ذلك بأنهم استحبوا . . . . .

 ذلك الغذب والعذاب بأنهم استحبوا ، يعنى اختاروا الحيوة

الدنيا الفانية على الآخرة الباقية وأن اللّه لا يهدي إلى دينه القوم الكافرين [ آية : ١٠٧ ] .

١٠٨

النحل : ١٠٨ أولئك الذين طبع . . . . .

ثم أخبر عنهم ، فقال سبحانه : أولئك الذين طبع اللّه ، يعنى ختم اللّه على

قلوبهم  بالكفر و  علي وسمعهم و  علي وأَبصارهم ، فهم لا

يسمعون الهدى ولا يبصرونه وَأَولئكَ هُمُ الغافلُونَ [ آية : ١٠٨ ] عن الآخرة .

١٠٩

النحل : ١٠٩ لا جرم أنهم . . . . .

 لا جرم ، قسماً حقاً أَنهم في الآخرة هُمُ الخاسرونَ [ آية :

١٠٩ ] .

١١٠

النحل : ١١٠ ثم إن ربك . . . . .

 ثُم إِن ربك للذين هاجروا من مكة إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم بالمدينة من بعد

ما فتنوا ، يعنى من بعد ما عذبوا على الإيمان بمكة ثم جاهدوا مع النبي

 صلى اللّه عليه وسلم وصبروا إِن ربك من بعدها ، يعنى من بعد الفتنة لغفورٌ لما سلف

من ذنوبهم رحيمٌ [ آية : ١١٠ ] بهم فيها ، نزلت في عياش بن أبي ربيعة

المخزومي ، وأبي جندل بن سهيل بن عمرو القرشي ، من بني عامر بن لؤي ، وسلمة بن

هشام بن المغيرة ، والوليد بن المغيرة المخزومي ، وعبد اللّه بن أسيد الثقفي .

١١١

النحل : ١١١ يوم تأتي كل . . . . .

 يوم تأتي كُل نفس تجادل ، يعنى تخاصم عن نفسها وتوفى ، يعنى وتوفر ،

 كُل نفسِ ، بر وفاجر ما عملت في الدنيا من خير أو شر وهم لا

يظلمونَ [ آية : ١١١ ] في أعمالهم ، ولا تسأل الرجعة كل نفس في القرآن ، إلا

كافرة .

١١٢

النحل : ١١٢ وضرب اللّه مثلا . . . . .

 وَضَرَبَ اللّه مثلاً ، يعنى وصف اللّه شبهاً قريةً ، يعني مكة كانت

ءامنة مطمئنة ، أهلها من القتل والسبي يأتيها رزقها رغداً ، يعنى ما شاءوا ،

 من كل مكانٍ ، يعنى من كل النواحي ، من اليمن ، والشام ، والحبش ، ثم بعث فيهم

محمد صلى اللّه عليه وسلم رسولاً يدعوهم إلى معرفة رب هذه النعم وتوحيده جل ثناؤه ، فإنه من لم

يوحده لا يعرفه فكفرت بِأَنعمِ اللّه حين لم يوحدوه ، وقد جعل اللّه لهم الرزق

والأمن في الجاهلية ، نظيرها في القصص والعنكبوت قوله سبحانه : يُجبى إِليه ثمرات

كُل شيءٍ [ القصص : ٥٧ ] ، وقوله عز وجل في العنكبوت : أَولم يرواْ أَنا جعلنا

حرماً آمنا ويتخطفُ الناسُ من حولهم [ العنكبوت : ٦٧ ] فأذاقها اللّه في

الإسلام ما كان دفع عنها في الجاهلية لِباسَ الجُوع  سبع سنين والخوفِ ،

يعنى القتل بِما كانوا يصنعونَ [ آية : ١١٢ ] ، يعنى بما كانوا يعملون من

الكفر والتكذيب .

١١٣

النحل : ١١٣ ولقد جاءهم رسول . . . . .

 ولقد جاءهم رسولٌ ، يعنى محمداً صلى اللّه عليه وسلم منهم ، يعرفونه ولا ينكرونه ،

 فكذبوهُ فَأَخذهم العذابُ ، يعنى الجوع سبع سنين وهم ظلمونَ [ آية :

١١٣ ] .

١١٤

النحل : ١١٤ فكلوا مما رزقكم . . . . .

 فكلوا مما رزقكمُ اللّه يا معشر المسلمين ما حرمت قريش ، وثقيف ،

وخزاعة ، وبنو مدلج ، وعامر بن صعصعة ، والحارث ، وعامر بن عبد مناة ، للآلهة من

الحرث والأنعام حَللاً طيباً واشكروا نعمت اللّه فيما رزقكم من تحليل الحرث

والأنعام إن كُنتم إِياهُ تعبدونَ [ آية : ١١٤ ] ، ولا تحرموا ما أحل اللّه لكم من

الحرث والأنعام .

١١٥

النحل : ١١٥ إنما حرم عليكم . . . . .

ثم بين ما حرم ، قال عز وجل : إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل ، يعنى وما ذبح لغير اللّه به من الآلهة فمن اضطر إلى شيء مما

حرم اللّه عز وجل في هذه الآية غير باغ يستحلها في دينه ولا عاد ، يعنى

ولا معتد لم يضطر إليه فأكله فإن اللّه غفور لما أصاب من الحرام رحيم

[ آية : ١١٥ ] بهم حين أحل لهم عند الاضطرار .

١١٦

النحل : ١١٦ ولا تقولوا لما . . . . .

ثم عاب من حرم ما أحل اللّه عز وجل ، فقال سبحانه : ولا تقولوا لما تصف ،

يعنى لما تقول ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام ، يعنى ما حرموا للآلهة من

الحرث والأنعام ، وما أحلوا منها لتفتروا على اللّه الكذب ، يعنى يزعمون أن اللّه عز

وجل أمرهم بتحريم الحرث والأنعام ، ثم خوفهم ، فقال سبحانه : إن الذين يفترون على اللّه الكذب بأنه أمر بتحريمه لا يفلحون [ آية : ١١٦ ] في الآخرة ، يعنى لا

يفوزون .

١١٧

النحل : ١١٧ متاع قليل ولهم . . . . .

ثم استأنف ، فقال سبحانه : متاع قليل ، يتمتعون في الدنيا ولهم عذاب أليم

[ آية : ١١٧ ] ، يقول : في الآخرة يصيرون إلى عذاب وجيع .

١١٨

النحل : ١١٨ وعلى الذين هادوا . . . . .

ثم بين ما حرم على اليهود ، فقال سبحانه : وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل في سورة الأنعام ، قبل سورة النحل ، قال سبحانه : وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا ، يعنى المبعر أو ما اختلط من الشحم بعظم [ الأنعام : ١٤٦ ] ،

فهو لهم حلال من قبل سورة النحل وَما ظلمناهُم بتحريمنا عليهم الشحوم واللحوم

وكل ذي ظفر ولكن كانوا أنفسهم يظلمون [ آية : ١١٨ ] بقتلهم الأنبياء ،

واستحلال الربا والأموال ، وبصدهم الناس عن دين اللّه عز وجل .

١١٩

النحل : ١١٩ ثم إن ربك . . . . .

 ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ، نزلت في جبر غلام ابن الحضرمي ،

أكره على الكفر بعد إسلامه ، وقلبه مطمئن بالإيمان ، يقول : راض بالإيمان ، فعمد النبي

 صلى اللّه عليه وسلم فاشتراه وحل وثاقه ، وتاب من الكفر وزوجه مولاة لبني عبد الدار ، فأنزل اللّه عز

وجل فيه : ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ، فكل ذنب من المؤمن فهو

جهل منه ثم تابوا من بعد ذلك السوء وأصلحوا العمل إن ربك من بعدها لغفور ، يعنى بعد الفتنة لغفور لما سلف من ذنوبهم رحيم [ آية : ١١٩ ] بهم

فيما بقي .

١٢٠

النحل : ١٢٠ إن إبراهيم كان . . . . .

 إن إبراهيم كان أمة ، يعنى معلماً ، يعنى إماماً يقتدي به في الخير قانتا

مطيعاً للّه حنيفا ، يعنى مخلصاً ولم يك من المشركين [ آية : ١٢٠ ] يهودياً ولا

نصرانياً .

١٢١

النحل : ١٢١ شاكرا لأنعمه اجتباه . . . . .

 شاكرا لأنعمه ، يعنى لأنعم اللّه عز وجل اجتباه ، يعنى استخلصه

للرسالة والنبوة وهداه إلى صراط مستقيم [ آية : ١٢١ ] ، يعنى إلى دين مستقيم ، وهو

الإسلام .

١٢٢

النحل : ١٢٢ وآتيناه في الدنيا . . . . .

 وءاتينهُ في الدنيا حسنةٌ ، يقول : وأعطينا إبراهيم في الدنيا مقالة حسنة بمضيته

وصبره على رضا ربه عز وجل ، حين ألقى في النار ، وكسر الأصنام ، وأراد ذبح ابنه

إسحاق ، والثناء الحسن من أهل الأديان كلها يتولونه جميعاً ، ولا يتبرأ منه أحد منهم ،

 وإنه في الآخرة لمن الصالحين [ آية : ١٢٢ ] .

١٢٣

النحل : ١٢٣ ثم أوحينا إليك . . . . .

 ثم أوحينا إليك يا محمد أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ، يعنى الإسلام حنيفاً ،

يعنى مخلصاً وما كان من المشركين [ آية : ١٢٣ ] .

١٢٤

النحل : ١٢٤ إنما جعل السبت . . . . .

 إنما جُعل السبتُ على الذين اختلفوا فيه ، يوم السبت ، وذلك أن موسى ، عليه

السلام ، أمر بني إسرائيل أن يتفرغوا كل سبعة أيام للعبادة ، يعنى يوم الجمعة ، وأن يتركوا

فيه عمل دنياهم ، فقالوا لموسى ، عليه السلام : نتفرغ يوم السبت ، فإن اللّه تعالى لم يخلق

يوم السبت شيئاً ، فاجعل لنا السبت عيداً نتعبد فيه ، فقال موسى ، عليه السلام : إنما أُمرت

بيوم الجمعة ، فقال أحبارهم : انظروا إلى ما يأمركم به نبيكم ، فانتهوا إليه وخذوا به ،

فأبوا إلا يوم السبت ، فلما رأى موسى ، عليه السلام ، حرصهم على يوم السبت ،

واجتماعهم عليه ، أمرهم به ، فاستحلوا فيه المعاصي ، فذلك قوله عز وجل : إِنما جُعَلَ

السبتُ على الذينَ اختلفُوا فيه ، يقول : إنما أمر بالسبت على الذين كان اختلافهم فيه

حين قال بعضهم : يوم السبت ، وقال بعضهم : اتبعوا أمر نبيكم في الجمعة ، ثم قال

سبحانه : وَإِن ربك ليحكم ، يعنى ليقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا

فيه ، يعنى في يوم السبت يختلفونَ [ آية : ١٢٤ ] .

١٢٥

النحل : ١٢٥ ادع إلى سبيل . . . . .

ثم إن اللّه عز وجل قال للنبي صلى اللّه عليه وسلم : ادع إلى سبيل ربك ، يعنى دين ربك ، وهو

الإسلام بالحكمة ، يعنى بالقرآن والموعظة الحسنة ، يعنى بما فيه من الأمر

والنهي وجادلهم ، يعنى أهل الكتاب بالتي هي أحسن ، بما في القرآن من

الأمر والنهي إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله ، يعنى دينه الإسلام وهو أعلم بالمهتدين [ آية : ١٢٥ ] ، يعنى بمن قدر اللّه له الهدى من غيره .

١٢٦

النحل : ١٢٦ وإن عاقبتم فعاقبوا . . . . .

 وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ، وذلك أن كفار مكة قتلوا يوم

أحد طائفة من المؤمنين ، ومثلوا بهم ، منهم حمزة بن عبد المطلب ، عم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ،

بقروا بطنه ، وقطعوا مذاكيره وأدخلوها في فيه ، وحنظلة بن أبي عامر غسيل الملائكة ،

فحلف المسلمون للنبي صلى اللّه عليه وسلم : لئن دالنا اللّه عز وجل منهم ، لنمثلن بهم أحياء ، فأنزل اللّه

عز وجل : فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ، يقول : مثلواهم بموتاكم ، لا تمثلوا بالأحياء

منهم ولئن صبرتم عن المثلة لهو خير للصابرين [ آية : ١٢٦ ] من المثلة ،

نزلت في الأنصار .

١٢٧

النحل : ١٢٧ واصبر وما صبرك . . . . .

ثم قال للنبي صلى اللّه عليه وسلم ، وكانوا مثلوا بعمه حمزة بن عبد المطلب ، عليه السلام :

 واصبر على المثلة البتة وَما صبركَ إِلا باللّه وما صبركَ إِلا باللّه ، يقول : أنا

ألهمك حتى تصبر ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم للأنصار : إني قد أمرت بالصبر البتة ، أفتصبرون ؟ .

  يا رسول اللّه ، أما إذا صبرت وأمرت بالصبر ، فإنا نصبر ، يقول اللّه تعالى : ولا تحزن عليهم إِن تولوا عنك ، فلم يجيبوك إلى الإيمان ولا تك في ضيق مما يمكرون [ آية : ١٢٧ ] ، يقول : لا يضيقن صدرك مما يمكرون ، يعنى مما يقولون ،

يعنى كفار مكة ، حين قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم ، أيام الموسم : هذا دأبنا ودأبك ، وهم الخراصون ،

وهم المستهزءون ، فضاق صدر النبي صلى اللّه عليه وسلم بما قالوا .

١٢٨

النحل : ١٢٨ إن اللّه مع . . . . .

يقول اللّه عز وجل : إن اللّه مع الذين اتقوا الشرك في العون والنصر لهم ،

 والذين هم محسنون [ آية : ١٢٨ ] ، يعنى في إيمانهم .

﴿ ٠