سورة الإسراء

مقدمة

سورة بني إسرائيل ، مكية كلها ، إلا هذه الآيات ، فإنهن مدنيات

 وهي قوله تعالى : وقل رب أدخلني مدخل صدق [ آية : ٨٠ ] الآية . وقوله تعالى : إن الذين أوتوا العلم من قبله إلى

قوله : خُشوعاً [ آية : ١٠٧ - ١٠٩ ]

 وقوله تعالى : إِن ربكَ أَحاط بالناس . . . [ آية : ٦٠ ] الآية .

وقوله تعالى : وإن كادوا ليفتنونك . . . [ آية : ٧٣ ] الآية .

 وقوله تعالى : ولولا أن ثبتناك . . . [ آية : ٧٤ ، ٧٥ ] الآيتين .

 وقوله تعالى : وَإن كادواْ ليستفزونك من الأرض . . . [ آية : ٧٦ ] الآية عددها مائة وإحدى عشرة آية كوفية .

 بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

الإسراء : ١ سبحان الذي أسرى . . . . .

 سُبحانَ ، يعنى عجب الذي أَسرى بِعبدِهِ ، في رجب ، يعنى النبي صلى اللّه عليه وسلم ،

 ليلاً منَ المسجد الحرام إِلى المسجد الأقصا ، يعنى بيت المقدس ، قبل الهجرة بسنة ،

وفرضت عليه الصلوات الخمس تلك الليلة ، وعرضت على النبي صلى اللّه عليه وسلم ثلاثة أنهار : نهر من

لبن ، ونهر من عسل ، ونهر من خمر ، فلم يشرب النبي صلى اللّه عليه وسلم الخمر ، فقال جبريل : أما إن

اللّه حرمها على أمتك الذي باركنا حَولهُ ، يعنى بالبركة الماء ، والشجر ، والخير ،

 لنريهُ من ءايتنا ، فكان مما رأى من الآيات البراق ، والرجال ، والملائكة ، وصلى

بالنبيين تلك إِنهُ هُو السَّميع البَصيرُ [ آية : ١ ] .

وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أصبح بمكة ليلة أسرى به من مكة ، فقال لأم هانئ ابنة أبي

طالب ، وزوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي : لقد رأيت الليلة عجباً ، قالت : وما

ذلك بأبي أنت وأمي ؟ قال : لقد صليت في مصلاي هذا صلاة العشاء ، وصلاة الفجر ،

وصليت فيما بينهما في بيت المقدس ، فقالت : وكيف فعلت ؟ قال : أتاني جبريل ، عليه

السلام ، وقد أخذت مضجعي من الفراش قبل أن أنام ، وأخذ بيدي وأخرجني من الباب ،

وميكائيل ، عليه السلام ، بالباب معه دابة ، فوق الحمار ودون البغل ، ووجهها كوجه

الإنسان ، وخدها كخد الفرس ، وعرفها كعرف الفرس ، بلقاء ، سيلاء ، مضطربة الخلق ،

لها جناحان ، ذنبها كذنب البقر ، وحافزها كأظلاف البقر ، خطوها عند منتهى بصرها ،

كان سليمان بن داود ، عليه السلام ، يغدوا عليها مسيرة شهر ، فحملاني عليها ، ثم أخذا

يزفان بي حتى أتيت بيت المقدس ، ومثل لي النبيون ، فصليت بهم ، ورأيت ورأيت .

فلما أراد النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يقوم فيخرج ، أخذت أم هانئ بحبرته ، قالت : أين تخرج ؟ قال :

أخرج إلى قريش ، فأخبرهم بالذي رأيت ، فقالت : لا تفعل ، فواللّه ليجتر أن عليك

المكذب ، وليمترين فيك المصدق ، قال : وإن كذبوني لأخرجن ، ونزع يدها من حبرته ،

فخرج إلى المسجد ، فإذا فيه شيوخ من شيوخ قريش جلوس في الحجر ، فقام عليهم ،

فقال : ألا أحدثكم بالعجب ؟ ،   أخبرنا ، فإن أمرك كله عجب ، قال : لقد صليت

في هذا الوادي صلاة العشاء ، وصلاة الفجر ، وصليت فيما بينهما ببيت المقدس ، ومثل لي

النبيون ، فصليت بهم وكلمت بعضهم ، فصدقه المؤمنون ، وكذبه المشركون .

فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف : ما ثكلتني يدي على هذا الكذاب ألا

لن أكون ذلك اليوم جزعاً ، فأخذك بيدي أخذاً ، تخبرنا أنك صليت ببيت المقدس ،

ورجعتك من ليلتك ، ونحن لا نبلغه إلا في أربعين ليلة بعد شق الأنفس ، أشهد أنك

كذاب ساحر ، فبينما هم كذلك ، إذ جاء أبو بكر الصديق ، رضوان اللّه عليه ، فقالت

قريش : يا أبا بكر ، ألا تسمع ما يقول صاحبك ، يزعم أنه صلى العشاء الآخرة والفجر

بمكة ، وصلى فيما بينهما ببيت المقدس ، قال أبو بكر الصديق ، رضي اللّه عنه : إن كان

قال ذلك ، فقد صدق .

وقال أبو بكر ، رضي اللّه عنه ، للنبي صلى اللّه عليه وسلم : بأبي أنت وأمي ، حدثني عن باب بيت

المقدس ، وعن البيت ، وعن سواريه ، وعن الصخرة ، وعن هذا كله ، فأخبره النبي صلى اللّه عليه وسلم ،

فألتزمه أبو بكر ، فقال : أشهد أنك صادق ، فسمى يومئذ الصديق ، اسمه : عتيق بن عثمان

ابن عمرو بن كعب بن سعد بن مرة ، فقال المسلمون : يا رسول اللّه ، كيف رأيت

الأنبياء ، عليهم السلام ؟ قال : رأيت عيسى ابن مريم صلى اللّه عليه وسلم رجلاً أبيض ، فوق الربعة ،

ودون الطويل ، ظاهر الدم ، عريض الصدر ، جعد الرأس ، يعلوه صهوبة ، أشبه الناس بعروة بن معتب الثفي .

ورأيت موسى ، عليه السلام ، رجلاً طويلاً ، آدم شديد الأدمة ، ضرب اللحم ، سبط

الشعر أشعر كأنه من رجال أزد شنوءة ، لو لبس قميصين لرؤى شعره منهما ، ورأيت

إبراهيم عليه السلام ، أشبه الناس بي خلقاً وخُلقاً ، فبدأني بالسلام والمصافحة والترحم ،

ورأيت الدجال ، رجلاً جسيماً ، لحيماً ، آدم ، جعد الرأس ، كث اللحية ، ممسوح العين ،

أحلى الجبهة براق الثنايا ، مكتوب بين عينيه كافر ، شبيه بفطن بن عبد العزى .

ورأيت عمرو بن ربيعة بن يحيى بن قمعة بن خندف الخزاعي ، والحارث بن كعب

ابن عمرو ، وعليهما وفرة يجران قصبهما في النار ، يعنى أمعاءهما ، قيل للنبي صلى اللّه عليه وسلم : ولم ؟

قال : لأنهما أول من سيبا السائبة ، واتخذا البحيرة والوصيلة والحام ، وأول من سميا اللات

والعزى ، وأمرا بعبادتهما ، وغيرا دين الحنيفية ملة إبراهيم ، عليه السلام ، ونصبا الأوثان

حول الكعبة ، فأما عمرو بن ربيعة ، فهو رجل قصير ، أشبه الناس به هذا ، يعنى أكثم بن

الجون الخزاعي ، فقال أكثم : يا رسول اللّه ، أيضرني شبهه ؟ قال : لا أنت مؤمن وهو

كافر .

فقال رجل من كفار قريش للمطعم بن عدي : عجلت على ابن أخيك ، ثم قال كهيئة

المستهزئ : رويدك يا محمد حتى نسألك عن عيرنا ، هل رأيتها في الطريق ؟ قال : نعم ،

قال : فأين رأيتها ؟ قال : رأيت عير بني فلان بالروحاء نزولاً ، قد ضلت لهم ناقة ، وهم

في طلبها ، فمررت على رجالهم وليس بها أحد منهم ، فوجدت في إناء لهم ماء ، فشربت

منه وتوضأت ، فاسألوهم إذا أتوكم ، هل كان ذلك ؟ ،   هذه آية .

قال : ومررت على عير بني فلان ، في وادي كذا وكذا ، في ساعة كذا وكذا من

الليل ، ومعي جبريل وميكائيل ، عليهما السلام ، فنفرت منا إبلهم ، فوقعت ناقة حمراء

فانكسرت ، فهم يجبرونها ، فاسألوهم إذا أتوكم ، هل كان ذلك ؟ ،   نعم ، هذه آية ،

قال رجل منهم : فأين تركت عيرنا ؟ قال : تركتها بالتنعيم قبيل ، قال : فإن كنت

صادقاً ، فهي قادمة الآن ، قال : نعم ، قال : فأخبرنا بعدتها وأحمالها وما فيها ، قال :

كنت عن ذلك مشغولاً ، غير أن برنساً كان لهم على البعير الذي يقدم الركب ، فسقط

البرنس فرجع حبشي من القوم فأصابه ، فوضعه على آخر الركب ، فاسألوهم إذا أتوكم

هل كان ذلك .

فبينا هو صلى اللّه عليه وسلم يحدثهم ، إذ مثل اللّه عز وجل له كل شيء حتى نظر إلى عدتها وأحمالها

ومن فيها ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : أين السائل آنفاً عن إبله ، فإن عدتها وأحمالها ومن فيها كذا

وكذا ، ويقدمها جمل أورق ، وهي قادمة الآن ، فانطلقوا يسعون ، فإذا هي منحدرة من

عتبة التنعيم ، وإذا هي وأحمالها وعدتها وما فيها كما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال المشركون : لقد

صدق الوليد بن المغيرة ، إن هذا لساحر مبين ، وما يجري محمد صلى اللّه عليه وسلم وهو بين أظهرنا متى

تقدم عيرنا ، وما حالها وأحمالها ومن فيها ، فكفوا بعض الأذى سنة .

٢

الإسراء : ٢ وآتينا موسى الكتاب . . . . .

قال سبحانه : وءاتينا مُوسى الكتاب ، يقول : أعطينا موسى التوراة وجعلناه هدى ، يعنى التوراة هدى لبني إسرائيل من الضلالة ألا تتخذوا من دوني وكيلا [ آية : ٢ ] ، يعنى ولياً ، فيها تقديم .

٣

الإسراء : ٣ ذرية من حملنا . . . . .

يا ذرية آدم من حملنا مع نوح في السفينة ، ألا تتخذوا من دوني

وكيلاً ، يعنى الأهل ، يعني ولياً ، ثم أثنى على نوح بن لملك النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال سبحانه :

 إنه كان عبدا شكورا [ آية : ٣ ] ، فكان من شكره أنه كان يذكر اللّه عز وجل

حين يأكل ويشرب ، ويحمد اللّه تعالى حين يفرغ ، ويذكر اللّه سبحانه حين يقوم ويقعد ،

ويذكر اللّه جل ثناؤه حين يستجد الثوب الجديد ، وحين يخلق ، ويذكر اللّه عز وجل حين

يدخل ويخرج وينام ويستيقظ ، ويذكر اللّه جل ثناؤهُ بكل خطوة يخطوها ، وبكل عمل

يعمله ، فسماه اللّه عز وجل عبداً شكوراً

٤

الإسراء : ٤ وقضينا إلى بني . . . . .

قال سبحانه : وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب ، يقول : وعهدنا إليهم في

التوراة لتفسدن لتهلكن في الأرض مرتين ، فكان بين الهلاكين مائتا سنة

وعشر سنين ولتعلن علوا كبيرا [ آية : ٤ ] ، يقول : ولتقهرن قهراً شديداً حتى

تذلوا ، وذلك بمعصيتهم اللّه عز وجل .

فذلك قوله تعالى :

٥

فإذا جاء وعدُ أُولهما ، يعنى وقت أول الهلاكين بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد ، بختنصر المجوسي ملك بابل وأصحابه فجاسوا خلال الديار ، يعنى فقتل الناس في الأزقة ، وسبي ذراريهم ، وخرب بيت المقدس ،

وألقى فيه الجيف ، وحرق التوراة ، ورجع بالسبي إلى بابل ، فذلك قوله سبحانه : وكان وعدا مفعولا [ آية : ٥ ] ، يعنى وعداً كائناً لا بد منه ، فكانوا ببابل سبعين سنة .

٦

ثم إن اللّه عز وجل استنقذهم على يد كروس بن مزدك الفارس ، فردهم إلى بيت

المقدس ، فذلك قوله عز وجل : ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين ، حتى كثروا ، فذلك قوله عز وجل : وجعلناكم أكثر نفيرا [ آية : ٦ ] ،

يعنى أكثر رجالاً منكم قبل ذلك ، فكانوا بها مائتي سنة وعشر سنين ، فيهم أنبياء .

٧

الإسراء : ٧ إن أحسنتم أحسنتم . . . . .

قال سبحانه : إن أحسنتم العمل للّه بعد هذه المرة أحسنتم لأنفسكم ،

فلا تهلكوا وإن أسأتم فلها ، يعنى وإن عصيتم فعلى أنفسكم ، فعادوا إلى المعاصي

الثانية ، فسلط اللّه عليهم أيضاً انطباخوس بن سيس الرومي ملك أرض نينوي ، فذلك

قوله عز وجل فإذا جاء وعد الآخرة ، يعنى وقت آخر الهلاكين لِيسوئوا

وجوهكم ، يعنى ليقبح وجوهكم ، فقتلهم وسبي ذراريهم ، وخرب بيت المقدس ،

وألقى فيه الجيف ، وقتل علماءهم ، وحرق التوراة ، فذلك قوله عز وجل : وليدخلواْ

المسجد ليدخلوا المسجدِ ، يعنى بيت المقدس ، انطياخوس بن سيس ومن معه بيت

المقدس كما دخلوه أول مرة ، يقول : كما دخله بختنصر المجوسي وأصحابه قبل

ذلك ، قال سبحانه : وليتبروا ما علوا تتبيرا [ آية : ٧ ] ، يقول عز وجل : وليدمروا ما

علوا ، يقول : ما ظهروا عليه تدميراً ، كقوله سبحانه في الفرقان : وكلا تبرنا تتبيرا [ الفرقان : ٣٩ ] ، يعنى وكلا دمرنا تدميراً .

٨

الإسراء : ٨ عسى ربكم أن . . . . .

ثم قال : عسى ربكم أن يرحمكم ، فلا يسلط عليكم القتل والسبي ، ثم إن اللّه عز

وجل استنقذهم على يدي المقياس ، فردهم إلى بيت المقدس فعمروه ، ورد اللّه عز وجل

إليهم ألفتهم ، وبعث فيهم أنبياء ، ثم قال لهم : وإن عدتم عدنا ، يقول : وإن عدتم إلى

المعاصي عدنا عليكم بأشد مما أصابكم ، يعنى من القتل والسبي ، فعادوا إلى الكفر ، وقتلوا

يحيى بن زكريا ، فسلط اللّه عليهم ططس بن استاتوس الرومي ، ويقال : اصطفابوس ، فقتل

على دم يحيى بن زكريا مائة ألف وثمانين ألفا من اليهود ، فهم الذين قتلوا الرقيب على

عيسى الذي كان شبه لهم ، وسبي ذراريهم ، وأخرق التوراة ، وخرب بيت المقدس ، وألقى

فيه الجيف ، وذبح فيه الجنازير ، فلم يزل خراباً حتى جاء الإسلام ، فعمره المسلمون ،

 وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا [ آية : ٨ ] ، يعنى محسباً لا يخرجون منها أبداً ، كقوله عز

وجل : للفقراء الذين أحصروا [ البقرة : ٢٧٣ ] ، يعنى حبسوا في سبيل اللّه .

٩

الإسراء : ٩ إن هذا القرآن . . . . .

 إن هذا القرآن يهدي ، يعنى يدعو للتي هي أقوم ، يعنى أصوب ،

 ويبشر القرآن المؤمنين ، يعنى المصدقين الذين يعملون الصالحات من

الأعمال بما فيه من الثواب ، فذلك قوله سبحانه : أن لهم أجرا كبيرا [ آية : ٩ ] ، يعنى

جزاء عظيماً في الآخرة .

١٠

الإسراء : ١٠ وأن الذين لا . . . . .

 وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة ، يعنى بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال أعتدنا لهم عذابا أليما [ آية : ١٠ ] ، يعنى عذاباً وجيعاً .

١١

الإسراء : ١١ ويدع الإنسان بالشر . . . . .

 ويدع الإنسان بالشر على نفسه ، يعنى النضر بن الحارث ، حين قال : ائتنا بعذاب أليم [ الأنفال : ٣٢ ] دعاءه بالخير ، كدعائه بالخير لنفسه وكان الإنسان عجولا [ آية : ١١ ] ، يعنى آدم ، عليه السلام ، حين نفخ فيه الروح من قبل رأسه ، فلما

بلغت الروح وسطه عجل ، فأراد أن يجلس قبل أن تتم الروح وتبلغ إلى قدميه ، فقال اللّه

عز وجل : وكان الإنسان عجولا ، وكذلك النضر يستعجل بالدعاء على نفسه كعجلة

آدم عليه السلام ، في خلق نفسه ، إذا أراد أن يجلس قبل أن يتم دخول الروح فيه ، فتبلغ

الروح إلى قدميه ، فعجلة الناس كلهم ورثوها عن أبيهم آدم ، عليه السلام ، فذلك قوله

سبحانه : وكان الإنسان عجولا

١٢

الإسراء : ١٢ وجعلنا الليل والنهار . . . . .

 وجعلنا اليل والنهار ءايتين ، يعنى علامتين مضيئتين ، فكان ضوء القمر مثل ضوء

الشمس ، فلم يعرف الليل من النهار ، يقول اللّه تعالى : فمحونا ءاية اليل ، يعنى علامة

القمر ، فالمحو السواد الذي في وسط القمر ، فمحي من القمر تسعة وستين جزءاً ، واحد

من سبعين جزءاً من الشمس ، فعرف الليل من النهار وجعلنا ءاية ، يعنى علامة

 النهار ، وهي الشمس مُبصرةً ، يعنى أقررنا ضوءها فيها لتبتغوا فضلاً من

ربكم ، يعنى رزقاً ولتعلموا  بها عدد السنين والحساب وكل شيءٍ فصلاناهُ

تفصيلاً [ آية : ١٢ ] ، يعنى بيناه تبياناً .

١٣

الإسراء : ١٣ وكل إنسان ألزمناه . . . . .

 وكل إِنسان ألزمناهُ طائرهُ ، يعنى عمله الذي عمل ، خيراً كان أو شراً ، فهو في

عُنقه لا يفارقه حتى يحاسب عليه ونُخرج لَهُ يوم القيامة كتاباً يلقهُ منشوراً [ آية :

١٣ ] ، وذلك أن ابن آدم إذا ما طويت صحيفته التي فيها عمله ، فإذا كان يوم القيامة ،

نشر كتابة ، فدفع إليه منشوراً .

١٤

الإسراء : ١٤ اقرأ كتابك كفى . . . . .

ثم يقال له : اقرأ كتابكَ كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً [ آية : ١٤ ] ، يعنى شهيداً ،

فلا شاهد عليك أفضل من نفسك ، وذلك حين   واللّه ربنا ما كنا مشركينَ

الأنعام : ٢٣ ] ، ختم اللّه على ألسنتهم ، ثم أمر الجوارح ، فشهدت عليه بشركة وتكذيبه ،

وذلك قوله سبحانه : كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً ، وذلك قوله عز وجل : بل الإنسان على نفسه بصيرةُ [ القيامة : ١٤ ] ، يعنى جوارحهم حين شهدت عليهم

أنفسهم ، وألسنتهم ، وأيديهم ، وأرجلهم .

١٥

الإسراء : ١٥ من اهتدى فإنما . . . . .

 من اهتدى فإنما يهتدى لنفسه  الخير ومن ضل عن الهدى ، فإنما يضل عليها ، أي على نفسه ، يقول : فعلى نفسه إثم ضلالته ولا تزر وزارةٌ وزر أخرى ،

يقول : لا تحمل نفس خطيئة نفس أخرى وما كنا معذبين في الدنيا أحداً حتى

نبعث رسولاً [ آية : ١٥ ] لينذرهم بالعذاب في الدنيا بأنه نازل بهم ، كقوله سبحانه :

 وما أهلكنا  في الدنيا من قريةٍ إلا لها منذرون [ الشعراء : ٢٠٨ ] .

١٦

الإسراء : ١٦ وإذا أردنا أن . . . . .

 وإذا أردنا أن نهلك قريةً بالعذاب في الدنيا أمرنا مترفيها ، ي

قوله : أكثرنا

جبابرتها فبطروا في المعيشة ففسقوا فيها ، يقول : فعصوا في القرية فحق عليها

القول ، يعنى فوجب عليهم الذي سبق لهم في علم اللّه عز وجل فدمرنها تدميراً

[ آية : ١٦ ] ، يقول : فأهلكناها بالعذاب هلاكاً .

١٧

الإسراء : ١٧ وكم أهلكنا من . . . . .

يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية ، فقال سبحانه : وكم أهلكنا بالعذاب

في الدنيا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده ، يقول : كفار مكة خبيرا

بصيراً [ آية : ١٧ ] ، يقول اللّه عز وجل : فلا أحد أخبر بذنوب العباد من اللّه عز وجل ،

يعنى كفار مكة .

١٨

الإسراء : ١٨ من كان يريد . . . . .

 من كان يريد  في الدنيا العاجلة عجلنا له فيها ، يعنى في الدنيا ما نشاء

لمن نريد  من المال ثم جعلنا له جهنم ، يقول : ثم نصيره إلى جهنم يصلها

مذموماً  عند اللّه مدحوراً [ آية : ١٨ ] ، يعنى مطروداً في النار ، نزلت في ثلاثة نفر

من ثقيف ، فرقد بن يمامة ، وأبي فاطمة بن البحتري ، وصفوان ، وفلان ، وفلان .

١٩

الإسراء : ١٩ ومن أراد الآخرة . . . . .

 ومن أراد الأخرة من الأبرار بعلمه الحسن ، وهو مؤمن ، يعنى بالدار الآخرة ،

 وسعى لها سعيها ، يقول : للآخرة عملها وهو مؤمن ، يعنى مصدق

بتوحيد اللّه عز وجل فأولئك كان سعيهم مشكوراً [ آية : ١٩ ] ، فشكر اللّه عز

وجل سعيهم ، فجزاهم بعلمهم الجنة ، نزلت في بلال المؤذن وغيره .

٢٠

الإسراء : ٢٠ كلا نمد هؤلاء . . . . .

قال سبحانه : كلاً نمد هؤلآء وهؤلآء البر والفاجر ، يعنى هؤلاء النفر من

المسلمين ، وهؤلاء النفر من ثقيف من عطاء ربك ، يعنى رزق ربك وما كان عطاء ربك ، يعنى رزق ربك محظورا [ آية : ٢٠ ] ، يعنى ممسكاً ، يعنى ممنوعاً .

٢١

الإسراء : ٢١ انظر كيف فضلنا . . . . .

 انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض ، يعنى الفجار ، يعنى من كفار ثقيف على

بعض في الرزق في الدنيا ، يعنى الأبرار بلال بن رباح ومن معه وللآخرة أكبر

درجت في الآخرة ، يعنى أعظم فضائل وأكبر ، يعنى وأعظم تفضيلا

[ آية : ٢١ ] من فضائل الدنيا ، فلما صار هؤلاء إلى الآخرة ، أعطى هؤلاء المؤمنون بلال

ومن معه ، أعطوا في الآخرة فضلاً كبيراً أكثر مما أعطى الفجار في الدنيا ، يعنى ثقيفاً .

٢٢

الإسراء : ٢٢ لا تجعل مع . . . . .

 لا تجعل مع اللّه إلهاً ءاخر ، يقول للنبي صلى اللّه عليه وسلم : لا تضف مع اللّه إلهاً ، وذلك حين

دعى النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى ملة آبائه فتقعد مذموما ، ملوماً تلام عند الناس مخذولا

[ آية : ٢٢ ] في عذاب اللّه تعالى .

٢٣

الإسراء : ٢٣ وقضى ربك ألا . . . . .

حدثنا عبيد اللّه ، قال : حدثني أبي ، عن الهذيل ، عن مقاتل ، عن الضحاك ، عن ابن

مسعود ، أنه كان في المصحف : ووصى ربك ، فالتزق الواو بالصاد ، فقال : وقضى ربك ، يعنى وعهد ربك ألا تعبدوا إلا إياه ، يعنى ألا توحدوا غيره وبالوين

إحسنا براً بهما إما يبلغن عندك الكبر ، يعنى أبويه ، يعنى سعد بن أبي

وقاص

أحدهما ، يعنى أحد الأبوين أو كلاهما ، فبرهما فلا تقل لهما أف ، يعنى الكلام الرديء ، أن تقول : اللّهم أرحني منهما ، أو تغلظ عليهما في

القول عند كبرهما ، ومعالجتك إياهما وعند مبط القذر عنهما ولا تنهرهما عند

المعالجة ، يعنى تغلظ لهما القول : وقل لهما قولا كريما [ آية : ٢٣ ] ، يعنى حسناً

ليناً .

٢٤

الإسراء : ٢٤ واخفض لهما جناح . . . . .

 واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ، يقول : تلين جناحك لهما رحمة بهما ،

 وقل رب ارحمهما عندما تعالج منهما كما ربياني صغيرا [ آية : ٢٤ ] ، يعنى كما

عالجا ذلك منى صغيراً ، فالطف بهما ، واعصهما في الشرك ، فإنه ليس معصيتك إياهما

في الشرك قطيعة لهما ، ثم نسخت : رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى [ التوبة : ١١٣ ] .

٢٥

الإسراء : ٢٥ ربكم أعلم بما . . . . .

ثم قال تعالى : ربكم أعلم بما في نفوسكم ، يقول : هو أعلم بما في نفوسكم منكم

من البر للوالدين عند كبرهما ، فذلك قوله تعالى : إن تكونوا صلحين ، يعنى محتسبين

مما تعالجون منهما أو لا تحسبون فإنه كان للأوبين غفورا [ آية : ٢٥ ] ، يعنى

المتراجعين من الذنوب إلى طاعة الوالدين غفوراً .

٢٦

الإسراء : ٢٦ وآت ذا القربى . . . . .

 وءات ، يعنى فأعط ذا القربى حقه ، يعنى صلته ، ثم قال تعالى :

 والمسكين ، يعنى السائل ، فتصدق عليه و حق وابن السبيل أن تحسن

إليه ، وهو الضيف نازل عليه ، قوله سبحانه : ولا تبذراً تبذيرا [ آية : ٢٦ ] ، يعنى

المنفقين في غير حق .

٢٧

الإسراء : ٢٧ إن المبذرين كانوا . . . . .

ثم قال : إن المبذرين ، يعنى المنفقين ، يعنى كفار مكة ، في غير حق كانوا

إخوان الشيطين في المعاصي وكان الشيطن ، يعنى إبليس وحده لربه كفورا [ آية : ٢٧ ] ، يعنى عاص .

٢٨

الإسراء : ٢٨ وإما تعرضن عنهم . . . . .

ثم رجع إلى المسكين وابن السبيل ، فقال : وإما تعرضن عنهم ، نزلت في خباب ،

وبلال ، ومهجع ، وعمار ، ونحوهم من الفقراء ، كانوا يسألون النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فلا يجد ما

يعطيهم فيعرض عنهم فيسكت ، ثم قال عز وجل : ابتغاء رحمة من ربك ترجوها ، يعنى

انتظار رزق من ربك ترجوها من اللّه أن يأتيك فقل لهم قولا ميسورا [ آية :

٢٨ ] ، يقول : اردد عليهم معروفاً ، يعنى العدة الحسنة أنه سيكون فأعطيكم .

٢٩

الإسراء : ٢٩ ولا تجعل يدك . . . . .

ثم علمهم كيف يعمل في النفقة ، فقال سبحانه : ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ،

يقول : ولا تمسك يدك من البخل عن النفقة في الحق ولا تبسطها ، يعنى في

العطية كل البسط ، فلا تبقى عندك ، فإن سئلت لم تجد ما تعطيهم ك

قوله : يد اللّه مغلولة [ المائدة : ٦٤ ] فتقعد ملوما يلومك الناس محسورا [ آية : ٢٩ ] ،

يعنى منقطعاً بك ، كقوله سبحانه في تبارك الملك : وهو حسير [ الملك : ٤ ] ، يعنى

منقطع به .

٣٠

الإسراء : ٣٠ إن ربك يبسط . . . . .

 إن ربك يبسط الرزق ، يعنى يوسع الرزق لمن يشاء ويقدر ، يعنى ويقتر

على من يشاء إنه كان بعباده خبيرا ، بأمر الرزق بالسعة والتقتير بصيرا [ آية :

٣٠ ] به .

٣١

الإسراء : ٣١ ولا تقتلوا أولادكم . . . . .

 ولا تقتلوا أولادكم ، يعنى دفن البنات وهن أحياء خشيةَ إملقٍ ، يعنى مخافة

للفقر نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئاً ، يعنى إثماً كبيرا [ آية :

٣١ ] .

٣٢

الإسراء : ٣٢ ولا تقربوا الزنى . . . . .

قوله سبحانه : ولا تقربوا الزنى إنه كان فحشة ، يعنى معصية وساء سبيلا

[ آية : ٣٢ ] ، يعنى المسلك ، لم يكن يومئذ في الزنا حد ، حتى نزل الحد بالمدنية في سورة

النور .

٣٣

الإسراء : ٣٣ ولا تقتلوا النفس . . . . .

[ ولا تقتلوا النفس التي حرم اللّه ] قتلها ، يعنى باغياً إلا بالحق الذي يقتل

فيقتل به ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه ، يعنى ولى المقتول سلطنا ، يعنى

مسلطاً على القتلى إن شاء قبله ، وإن شاء عفا عنه ، وإن شاء أخذ الدية ، ثم قال لولى

المقتول : فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا [ آية : ٣٣ ] من أمر اللّه عز وجل

في كتابه ، جعل الأمر إليه ، ولا تقتلن غير القاتل ، فإن من قتل غير القاتل ، فقد أسرف ؛

لقوله سبحانه : إنه كان منصورا .

٣٤

الإسراء : ٣٤ ولا تقربوا مال . . . . .

 ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ، إلا لتنمى ماله بالأرباح ، نسختها : إن تخالطوهم فإخوانكم [ البقرة : ٢٢٠ ] حتى يبلغ أشده ، يعنى ثماني عشرة سنة ،

 وأوفوا بالعهد فيما بينكم وبين الناس إن العهد إذا نقض كان مسئولاً

[ آية : ٣٤ ] ، يقول : اللّه سائلكم عنه في الآخرة .

٣٥

الإسراء : ٣٥ وأوفوا الكيل إذا . . . . .

 وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس ، يعنى بالميزان بلغة الروم المستقيم ذلك

الوفاء خير من النقصان وأحسن تأويلا [ آية : ٣٥ ] ، يعنى وخير عاقبة في

الآخرة .

٣٦

الإسراء : ٣٦ ولا تقف ما . . . . .

 ولا تقف ما ليس لك به علم ، يقول : ولا ترم بالشرك ، فإنه ليس لك به علم إن

لي شريكاً ، ثم حذرهم : إن السمع والبصير والفؤاد ، يعنى القلب كل أولئك كان

عنه مسئولاً [ آية : ٣٦ ] ، يعنى عن الشرك مسئولاً في الآخرة .

٣٧

الإسراء : ٣٧ ولا تمش في . . . . .

 ولا تمش في الأرض مرحا ، يعنى بالعظمة ، والخيلاء ، والكبرياء إنك لن تخرق الأرض إذا مشيت بالخيلاء والكبرياء ولن تبلغ رأسك الجبال طولا [ آية :

٣٧ ] إذا تكبرت .

٣٨

الإسراء : ٣٨ كل ذلك كان . . . . .

 كل ذلك ، يعنى كل ما أمر اللّه عز وجل به ، ونهى عنه في هؤلاء الآيات ،

 كان سيئه ، يعنى ترى ما أمر اللّه عز وجل به ، ونهى عنه في هؤلاء الآيات ، أي

وركوب ما نهى عنه ، كان عند ربك مكروها [ آية : ٣٨ ] .

٣٩

الإسراء : ٣٩ ذلك مما أوحى . . . . .

 ذلك مما آوحى إليك ربك ، أي ذلك أمر اللّه به ونهى عنه في هؤلاء

الآيات من الحكمة التي أوحاها إليك يا محمد ، ثم قال للنبي صلى اللّه عليه وسلم : ولا تجعل مع

اللّه إلهاً ءاخر ، فإن فعلت فتلقى في جهنم ملوما ، تلوم نفسك يومئذ مدحورا

[ آية : ٣٩ ] ، يعنى مطروداً في النار ، كقوله سبحانه : ويقذفون من كل جانب دحورا [ الصافات : ٨ ، ٩ ] ، يعنى طرداً .

٤٠

الإسراء : ٤٠ أفأصفاكم ربكم بالبنين . . . . .

قل يا محمد لكفار مكة : أفأصفاكم ربكم بالبنين ، نزلت هذه الآية بعد

قوله :

 قل لو كان معه آلهة كما يقولون [ الإسراء : ٤٢ ] ، يعنى مشركي العرب حين

  الملائكة بنات الرحمن واتخذ لنفسه من الملائكة إِنثاً ، يعنى البنات ،

 إنكم لتقولون قولا عظيما [ آية : ٤٠ ] حين تقولون : إن الملائكة بنات اللّه عز وجل .

٤١

الإسراء : ٤١ ولقد صرفنا في . . . . .

 ولقد صرفنا في هذا القرءان في أمور شتى ليذكروا فيعتبروا وما يزيدهم

القرآن إلا نفورا [ آية : ٤١ ] ، يعنى إلا تباعداً عن الإيمان بالقرآن ، كقوله تعالى :

 بل لجوا في عتو ونفور [ الملك : ٢١ ] ، يعني تباعداً .

٤٢

الإسراء : ٤٢ قل لو كان . . . . .

 قل لكفار مكة : لو كان معهُ ءالهة كما يقولون ، حين يزعمون أن الملائكة

بنات الرحمن ، فيعبدونهم ليشفعوا لهم عند اللّه عز وجل في الآخرة إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا [ آية : ٤٢ ] ، ليغلبوه ويقهروه ، كفعل ملوك الأرض بعضهم ببعض ، يلتمس

بعضهم أن يقهر صاحبه ويعلوه .

٤٣

الإسراء : ٤٣ سبحانه وتعالى عما . . . . .

ثم قال : سبحانه نزه نفسه تعالى عن قول البهتان ، فقال : وتعالى ، يعنى

وارتفع عما يقولون من البهتان علوا كبيرا [ آية : ٤٣ ] ، نظيرها في المؤمنين .

٤٤

الإسراء : ٤٤ تسبح له السماوات . . . . .

ثم عظم نفسه جل جلاله ، فقال سبحانه : تسبح له ، يعنى تذكره السموات السبع

والأرض ومن فيهن وإِن شيءٍ ، يعنى وما من شيء إلا يُسبحُ بحمده ، يقول : إلا

يذكر اللّه بأمره ، يعني من نبت ، إذا كان في معدنه يسبحون بحمد ربهم [ الزمر : ٧٥ ] ، كقوله سبحانه : ويسبحُ الرعد بحمده [ الرعد : ١٣ ] ، يعنى بأمره ، من

نبت ، أو دابة ، أو خلق ولكن لا تفقهون تسبيحهم ، يقول : ولكن لا تسمعون ذكرهم

للّه عز وجل إِنهُ كان حليماً عنهم ، يعنى عن شركهم غفوراً [ آية : ٤٤ ] ، يعنى

ذو تجاوز عن قولهم ، ل

قوله : لو كان معهُ آلهة كما يزعمون إذا لابتغوا إلى

ذي العرش سبيلاً ، بأن الملائكة بنات اللّه ، حين لا يعجل عليهم بالعقوبة ،

 غفوراً في تأخير العذاب عنهم إلى المدة ، مثلها في سورة الملائكة ، قوله سبحانه :

 إِن اللّه يمسك السماوات والأرض أن تزولاً . . . [ فاطر : ٤١ ] آخر الآية : إنَّهُ

كان حليماً ، يعنى ذو تجاوز عن شركهم غَفُوراً في تأخير العذاب عنهم إلى

المدة .

٤٥

الإسراء : ٤٥ وإذا قرأت القرآن . . . . .

 وَإذا قرأَت القرآن في الصلاة أو غير الصلاة جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون

بِالأخرة ، يعنى لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال حجاباً مستوراً [ آية :

٤٥ ] ، نزلت في أبي لهب وامرأته ، وأبي البحتري ، وزمعة اسمه عمرو بن الأسود ،

وسهيل ، وحويطب ، كلهم من قريش ، يعنى بالحجاب المستور .

٤٦

الإسراء : ٤٦ وجعلنا على قلوبهم . . . . .

قوله تعالى : وجعلنا على قُلوبهم أكنةً ، يعنى الغطاء على القلوب أَن يفقهوهُ ،

لئلا يفقهوا القرآن وفي ءاذانهم وقراً ، يعنى ثقلاً لئلا يسمعوا القرآن وإذا ذكرت

ربك في القرآن وحدهُ ، فقلت : لا إله إلا اللّه ولوا على أدبرهم نُفوراً [ آية : ٤٦ ] ، يعنى

أعرضوا عن التوحيد ونفروا عنه كراهية التوحيد ، وذلك حين قال لهم النبي صلى اللّه عليه وسلم يود

دخلوا على أبي طالب وهم الملأ ، فقال : قولوا : لا إله إلا اللّه ، تملكون بها العرب وتدين

لكم العجم .

٤٧

الإسراء : ٤٧ نحن أعلم بما . . . . .

 نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك يا محمد وأنت تقرأ القرآن وإذ هم نجوى ، فبين نجواهم في سورة الأنبياء : وأسروا النجوى الذين ظلموا ، يعنى فيما

بينهم هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون [ الأنبياء : ٣ ] ،

فذلك قوله سبحانهُ : إذ يقول الظالمون ، يعنى الوليد بن المغيرة وأصحابه إن تتبعون إلا رجلا مسحورا [ آية : ٤٧ ] ، يعنى بالمسحور المغلوب على عقله ، نظيرها في

الفرقان : وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا [ الفرقان : ٨ ] .

٤٨

الإسراء : ٤٨ انظر كيف ضربوا . . . . .

 انظر كيف ضربوا لك الأمثال ، يعنى كيف وصفوا لك الأنبياء حين   إنك

ساحر فضلوا عن الهدي فلا يستطيعون ، يعنى فلا يجدون سبيلا [ آية :

٤٨ ] ، يعنى لا يقدرون على مخرج مما قالوا لك بأنك ساحر .

٤٩

الإسراء : ٤٩ وقالوا أئذا كنا . . . . .

 وقالوا أَءذا كنا عظماً ورفاتاً ، يعنى تراباً أَءنا لمبعوثونَ بعد الموت خلقا جديدا [ آية : ٤٩ ] ، يعنى البعث .

٥٠

الإسراء : ٥٠ قل كونوا حجارة . . . . .

و قل لهم يا محمد : كونوا حجارة في القوة أو حديدا [ آية : ٥٠ ] في

الشدة ، فسوف يميتكم ثم يبعثكم ، ثم تحيون من الموت .

٥١

الإسراء : ٥١ أو خلقا مما . . . . .

 أو خلقا مما يكبر في صدوركم ، يعنى مما يعظم في قلوبكم ، قل لو كنتم أنتم

الموت لأمتكم ثم بعثتكم في الآخرة فسيقولون من يعيدنا ، يعني من يبعثنا أحياء من بعد الموت قل الذي فطركم أول مرة ، يعنى خلقكم أول مرة في الدنيا ولم تكونوا

شيئاً ، فهو الذي يبعثكم في الآخرة فسينغضون إليك ، يعنى يهزون إليك ،

 رُءوسهم استهزاء وتكذيباً بالبعث ويقولون متى هو ، يعنون البعث قل عسى أن يكون البعث قريبا [ آية : ٥١ ] .

٥٢

الإسراء : ٥٢ يوم يدعوكم فتستجيبون . . . . .

ثم أخبر عنهم ، فقال سبحانه : يوم يدعوكم من قبوركم في الآخرة ،

 فتستجيبون بحمده ، يعنى تجيبون الداعي بأمره وتظنون ، يعنى وتحسبون

 أن ، يعنى ما لبثتم في القبور إلا قليلا [ آية : ٥٢ ] ، وذلك أن إسرافيل

قائم على صخرة بيت المقدس يدعو أهل القبور في قرن ، فيقول : أيتها اللحوم المتفرقة ،

وأيتها العروق المتقطعة ، وأيتها الشعور المتفرقة ، اخرجوا إلى فصل القضاء لتنفخ فيكم

أرواحكم ، وتجازون بأعمالكم ، فيخرجون ، ويديم المنادي الصوت ، فيخرجون من

قبورهم ، ويسمعون الصوت ، فيسعون إليه ، فذلك قوله سبحانه : فإذا هم جميع لدنيا

مُحضرونَ [ يس : ٥٣ ] .

٥٣

الإسراء : ٥٣ وقل لعبادي يقولوا . . . . .

 وقل لعبادي ، يعنى عمر بن الخطاب ، رضي اللّه عنه يقولوا التي هي أحسن ،

ليرد خيراً على من شتمه ، وذلك أن رجلاً من كفار مكة شتمه ، فهم به عمر ، رضي اللّه ،

فأمره اللّه عز وجل بالصفح والمغفرة ، نظيرها في الجاثية : قل للذين آمنوا

[ الجاثية : ١٤ ] إلى آخر الآية إِن الشيطان ينزع بينهم ، يعنى يغري بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا [ آية : ٥٣ ] .

٥٤

الإسراء : ٥٤ ربكم أعلم بكم . . . . .

 ربكم أعلم بكم من غيره إن يشأ يرحمكم ، فيتوب عليكم أَو إِن يشاء

يعذبكم ، فيميتكم على الكفر ، نظيرها في الأحزاب : ليعذب اللّه المنافقين والمنافقات [ الأحزاب : ٧٣ ] وما أرسلناك عليهم وكيلا [ آية : ٥٤ ] ، يعنى

مسيطراً عليهم .

٥٥

الإسراء : ٥٥ وربك أعلم بمن . . . . .

 وربكَ أَعلمُ بمن في السموات والأرض ولقد فضلنا بعض النبين على بعض ، منهم من كلم

اللّه ، ومنهم من اتخذه اللّه خليلاً ، ومنهم من سخر اللّه له الطير ، والجبال ، ومنهم من أعطى

ملكاً عظيماً ، ومنهم من يحيى الموتى ، ويبرئ الأكمة والأبرص ، ومنهم من رفعه اللّه عز

وجل إلى السماء ، فكل واحد منهم فضل بأمر لم يعطه غيره ، فهذا تفضيل بعضهم على

بعض ، قال سبحانه : وءاتينا ، يعنى وأعطينا داود زبورا [ آية : ٥٥ ] ، مائة

وخمسين سورة ، ليس فيها حكم ، ولا حد ، ولا فريضة ، ولا حلال ، ولا حرام ، وإنما هو

ثناء على اللّه عز وجل ، وتمجيد وتحميد .

٥٦

الإسراء : ٥٦ قل ادعوا الذين . . . . .

 قل لكفار مكة : ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهة من دونه ، من دون اللّه ،

يعنى الملائكة ، فليكشفوا الضر عنكم ، يعنى الجوع سبع سنين إذا نزل بكم ، ثم أخبر عن

الملائكة الذين عبدوهم ، فقال سبحانه : فلا يملكون ، يعنى لا يقدرون على

 كشف الضر عنكم ، يعنى الجوع الذي أصابهم بمكة سبع سنين حتى أكلوا الميتة ،

والكلاب ، والجيف ، فيرفعونه عنكم ولا تحويلا [ آية : ٥٦ ] ، يقول : ولا تقدر

الملائكة على تحويل هذا الضر عنكم إلى غيره ، فكيف تعبدونهم ، مثلها في سورة سبأ :

 قل ادعوا الذين زعمتم من دون اللّه لا يملكون مثقال ذرة [ سبأ : ٢٢ ] ، يعنى

أصغر النمل التي لا تكاد أن ترى من الصغر ، وهي النملة الحمراء .

٥٧

الإسراء : ٥٧ أولئك الذين يدعون . . . . .

ثم قال بعضهم : أولئك الذين يدعون ، يقول : أولئك الملائكة الذين تعدونهم ،

 يبتغون إلى ربهم الوسيلة ، يعنى الزلفة ، وهي القربة بطاعتهم أيهم أقرب إلى

اللّه درجة ، مثل قوله سبحانه : وابتغوا إليه الوسيلة [ المائدة : ٣٥ ] ، يعنى القربة إلى

اللّه عز وجل ويرجون رحمته ، يعنى جنته ، نظيرها في البقرة : أولئك يرجون رحمة اللّه [ البقرة : ٢١٨ ] ، يعنى جنة اللّه عز وجل ويخافون عذابه ، يعنى

الملائكة إن عذاب ربك كان محذورا [ آية : ٥٧ ] ، يقول : يحذره الخائفون له ، فابتغوا

إليه الزلفة كما تبتغي الملائكة وخافوا أنتم عذابه كما يخافون ، وارجعوا أنتم رحمته كما

يرجون : ف إن عذاب ربك كان محذورا .

٥٨

الإسراء : ٥٨ وإن من قرية . . . . .

 وإن من قرية ، يقول : وما من قرية طالحة أو صالحة إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا ، فأما الصالحة ، فهلاكها بالموت ، وأما الصالحة ،

فيأخذها العذاب في الدنيا كان ذلك ، يعنى هلاك الصالحة بالموت ، وعذاب الطالحة

في الدنيا في الكتاب مسطورا [ آية : ٥٨ ] ، يعنى في أم الكتاب مكتوباً ، يعنى اللوح

المحفوظ ، فتموت أو ينزل بها ذلك .

٥٩

الإسراء : ٥٩ وما منعنا أن . . . . .

 وما منعنا أَن نُرسل بالأيت مع محمد صلى اللّه عليه وسلم ، وذلك أن عبد اللّه بن أبي أمية بن

المغيرة ، والحارث بن هشام بن المغيرة المخزومين ، سألاً للنبي صلى اللّه عليه وسلم أن يريهم اللّه الآيات

كما فعل بالقرون الأولى ، وسؤالهما النبي صلى اللّه عليه وسلم أنهما قالا في هذه السورة : وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا إلى آخر الآيات ، فأنزل اللّه عز وجل :

 وما منعنا أن نُرسل بالأيتِ إلى قومك كما سألوا إلا أن كذب بها الأولون ،

يعنى الأمم الخالية ، فعذبتهم ، ولو جئتهم بآية فردوها وكذبوا بها أهلكناهم ، كما فعلنا

بالقرآن الأولى ، فلذلك أخرنا الآيات عنهم ، قال سبحانه : وءاتينا ، يعنى

وأعطينا ثُمود الناقة مُصرةً ، يعنى معاينة يبصرونها فظلموا بها ، يعنى فجحدوا

بها أنها ليست من اللّه عز وجل ، ثم عقروها ، ثم قال عز وجل : وما نرسل بالآيات إلا تخويفا [ آية : ٥٩ ] للناس ، فإن لم يؤمنوا بها عذبوا في الدنيا .

٦٠

الإسراء : ٦٠ وإذ قلنا لك . . . . .

 وإذ ، يعنى وقد قلنا لك إن ربك أحاط بالناس ، يعنى حين أحاط علمه

بأهل مكة أن يفتحها على النبي صلى اللّه عليه وسلم ، قال سبحانه : وما جعلنا الرءيا التي أريناك إلا

فتنةً للناس ، يعنى الإسراء ليلة أسرى به إلى بيت المقدس ، فكانت لأهل مكة فتنة ، ثم

قال سبحانه : والشجرة الملعونة في القرآن ، يعنى شجرة الزقوم ، قال سبحانه :

 ويخوفهم بها ، يعنى بالنار والزقوم فما يزيدهم التخويف إلا طغيانا ،

يعنى إلا ضلالاً كبيرا [ آية : ٦٠ ] ، يعنى شديداً ، وقال أيضاً في الصفات لقولهم

الزقوم التمر والزبد : إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين [ الصفات : ٦٤ ، ٦٥ ] ، ولا يشبه طلع النخل .

وذلك أن اللّه عز وجل ذكر شجرة الزقوم في القرآن ، فقال أبو جهل : يا معشر

قريش ، إن محمد يخوفكم بشجرة الزقوم ، ألستم تعلمون أن النار تحرق الشجر ، ومحمد

يزعم أن النار تنبت الشجرة ، فهل تدورن ما الزقوم ؟ فقال عبد اللّه بن الزبعري السهمي :

إن الزقوم بلسان بربر : التمر والزبد ، قال أبو الجهل : يا جارية ، ابغنا تمراً ، فجاءته ، فقال

لقريش وهم حوله : تزقموا من هذا الزقوم الذي يخوفكم به محمد ، فأنزل اللّه تبارك

وتعالى : ويُخوفهم فما يزيدهم إِلا طغيناً كبِيراً ، يعنى شديداً .

٦١

الإسراء : ٦١ وإذ قلنا للملائكة . . . . .

 وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ، منهم إبليس فسجدوا ثم استثنى ،

فقال : إلا إِبليس قال ءاسجدُ لمن خلقت طيناً [ آية : ٦١ ] ، وأنا خلقتني من نار ، يقول

ذلك تكبيراً .

٦٢

الإسراء : ٦٢ قال أرأيتك هذا . . . . .

ثم قال إبليس لربه عز وجل : أَرءيتك هذا الذي كرمت على ، يعنى فضلته

على بالسجود ، يعنى آدم ، أنا ناري وهو طيني لئن أخرتن ، يقول : لئن متعتني

 إلى يوم القيامة لأحتنكن ، يعنى لأحتوين ذريته ذرية آدم إلا قليلا

[ آية : ٦٢ ] حتى يطيعوني ، يعنى بالقليل الذي أراد اللّه عز وجل ، فقال : إن عبادي ليس لك عليهم سلطان [ الحجر : ٤٢ ] ، يعنى ملكاً .

٦٣

الإسراء : ٦٣ قال اذهب فمن . . . . .

ثم قال اذهب فمن تبعك منهم على دينك ، يعنى من ذرية آدم فإن جهنم جزاؤكم بأعمالكم الخبيثة جزاء ، يعنى الكفر جزاء موفورا [ آية : ٦٣ ] ،

يعنى وافراً لا يفتر عنهم من عذابها شيء .

٦٤

الإسراء : ٦٤ واستفزز من استطعت . . . . .

قال سبحانه : واستفزز ، يقول : واستزل من استطعت منهم بصوتك ، يعنى

بدعائك وأجلب ، يعنى واستعن عليهم بخيلك ، يعنى كل راكب يسير في

معصيته ورجلك ، يعنى كل راجل يمشي في معصية اللّه عز وجل من الجن

والإنس من يطيعك منهم وشاركهم في الأموال ، يقول : زين لهم في الأموال ، يعنى

كل مال حرام ، وما حرموا من الحرث والأنعام والأولاد .

حدثنا عبيد اللّه ، قال : حدثنا أبي ، عن الهذيل ، عن مقاتل ، عن الضحاك ، عن ابن

عباس ، قال : إن الزنا ، والغضب ، والأولاد ، يعنى كل ولد من حرام ، فهذا كله من طاعة

إبليس وشركته .

قال سبحانه : وعدهم ، يعنى ومنيهم الغرور ألا بعث وَما يعدهم

الشيطان إِلا غُروراً [ آية : ٦٤ ] ، يعنى باطلاً الذي ليس بشيء .

٦٥

الإسراء : ٦٥ إن عبادي ليس . . . . .

 إِن عبادي  المخلصين ليس لك عليهم سُلطانٌ ملك في الكفر والشرك أن

تضلهم عن الهدى وكفى بربك وكيلاً [ آية : ٦٥ ] ، يعنى حرزاً ومانعاً ، فلا أحد

أمنع من اللّه عز وجل ، فلا يخلص إليهم إبليس .

٦٦

الإسراء : ٦٦ ربكم الذي يزجي . . . . .

 ربكم الذي يزجي لكم ، يعنى يسوق لكم الفُلكَ في البحر لتبتغواْ من

فضلهِ  الرزق إِنهُ كانَ بِكم رحيماً [ آية : ٦٦ ] .

٦٧

الإسراء : ٦٧ وإذا مسكم الضر . . . . .

 وَإذا مسكم الضُر ، يقول : إذا أصابكم في البحر ضل من تدعونَ ، يعنى بطل ،

مثل قوله عز وجل : أَضل أعمالهم [ محمد : ١ ] ، يعنى أبطل ، من تدعون من الآلهة ،

يعنى تعبدون فلا تدعونهم إنما تدعون اللّه عز وجل ، فذلك قوله سبحانه : إِلا إِياهُ ،

يعني نفسه عز وجل فلما نجاكم الرب جل جلاله من البحر إِلى البر أعرضتم

عن الدعاء في الرخاء ، فلا تدعون اللّه عز وجل وكان الإنسان كفوراً [ آية : ٦٧ ]

للنعم حين أنجاه اللّه تعالى من أهوال البحر إلى البر ، فلم يعبده .

٦٨

الإسراء : ٦٨ أفأمنتم أن يخسف . . . . .

ثم خوفهم ، فقال سبحانه : أَفأمنتم إذا أخرجتم من البحر إلى الساحل إن

يخسف بكم جانب البر ، يعنى ناحية من البر أَو يُرسل عليكم  في البر حاصباً ، يعنى الحجارة ثم لا تجدوا لكم وكيلاً [ آية : ٦٨ ] ، يقول : ثم لا

تجدوا مانعاً يمنعكم من اللّه عز وجل .

٦٩

الإسراء : ٦٩ أم أمنتم أن . . . . .

قال سبحانه : أَم أمنتم أَن يعيدكم فيه  في البحر تارة أُخرى ، يعنى مرة

أخرى ، نظيرها في طه : وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى [ طه : ٥٥ ] ،

 فيرسل عليكم قاصفاً ، يعنى عاصفاً من الريح ، وهي الشدة فيغرقكم بما

كفرتم النعم حين أنجاكم من الغرق ، ونقضتم العهد وأنتم في البر ثم لا تجدوا لكُم

علينا به تبيعاً [ آية : ٦٩ ] ، يقول : لا تجدوا علينا به تبعة مما أصبناكم به من العذاب .

٧٠

الإسراء : ٧٠ ولقد كرمنا بني . . . . .

ثم ذكرهم النعم ، فقال سبحانه : ولقد كرمنا بني آدم ، يقول : فضلناهم على

غيرهم من الحيوان غير الملائكة حين أكلوا وشربوا بأيديهم ، وسائر الطير والدواب

يأكلون بأفواههم ، ثم قال عز وجل : وحملناهم في البر على الرطب ، يعنى الدواب ،

 و  حملناهم في والبحر ، على اليابس ، يعنى السفن ورزقناهم من غير

رزق الدواب من الطيبات وفضلناهم على كَثيرٍ ممن خلقنا من الحيوان ،

 تفضيلاً [ آية : ٧٠ ] ، يعنى بالتفضيل أكلهم بأيديهم .

٧١

الإسراء : ٧١ يوم ندعوا كل . . . . .

 يَوم ندعوا كُل أُناس بإمامهم ، يعنى كل أمة بكتابهم الذي عملوا في الدنيا

من الخير والشر ، مثل قوله عز وجل في يس : وكل شيءٍ أحصيناهُ في إمام مُبين

[ يس : ١٢ ] ، وهو اللوح المحفوظ فمن أُوتي كتابهُ بيمينه فأولئك يقرءون

كتابهم الذي عملوه في الدنيا ولا يظلمونَ فتيلاً [ آية : ٧١ ] ، يعنى بالفتيل

القشر الذي يكون في شق النواة .

٧٢

الإسراء : ٧٢ ومن كان في . . . . .

 ومن كان في هذه  النعم أَعمى ، يعنى الكافر ، عمى عنها وهو معاينها ، فلم

يعرف أنها من اللّه عز وجل ، فيشكو ربها ، فيعرفه فيوحده تبارك وتعالى فَهُوَ في

الآخرة أَعمى ، يقول : فهو عما غاب عنه من أمر الآخرة من البعث والحساب والجنة

والنار أعمى وأَضل سَبيلاً [ آية : ٧٢ ] ، يعنى وأخطأ طريقاً .

٧٣

الإسراء : ٧٣ وإن كادوا ليفتنونك . . . . .

 وَإن كادوا ليفتنونك ، يعنى ثقيفاً ، يقول : وقد كادوا أن يفتنوك ، يعنى قد هموا

أن يصدوك عن الذي أوحينا إليك ، كقوله سبحانه في المائدة : واحذرهم أن يفتنوك ، يعنى يصدوك عن بعض ما أنزل اللّه إليك [ المائدة : ٤٩ ] ، وذلك أن

ثقيفاً أتوا النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ف  نحن إخوانك ، وأصهارك ، وجيرانك ، ونحن خير أهل نجد لك

سلماً ، وأضره عليك حرباً ، فإن نسلم تسلم نجد كلها ، وإن نحاربك يحاربك من وراءنا ،

فأعطنا الذي نريد ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : وما تريدون ؟ ، قالوا نسلم على ألا تجش ، ولا

نعش ، ولا نحني ، يقولون : على ألا نصلي ، ولا نكسر أصناماً بأيدينا ، وكل رباً لنا على

الناس فهو لنا ، وكل رباً للناس فهو عنا موضوع ، ومن وجدناه في وادي وج يقطع

شجرها انتزعنا عنه ثيابه ، وضربنا ظهره وبطنه ، وحرمته كحرمة مكة ، وصيده وطيره

وشجره ، وتستعمل على بني مالك رجلاً ، وعلى الأحلاف رجلاً ، وأن تمتعنا باللات

والعزى سنة ولا نكسرها بأيدينا من غير أن نعبدها ؛ ليعرف الناس كرامتنا عليك وفضلنا

عليهم .

فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : أما قولكم : لا تجشي ، ولا نعشي ، والربا ، فلكم ، وأما

قولكم : لا نحني ، فإنه لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود ،   نفعل ذلك ،

وإن كان علينا فيه دناءة ، وأما قولكم : لا نكسر أصنامنا بأيدينا ، فإنا سنأمر من يكسرها

غيركم ، ثم سكت النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ف  تمتعنا باللات سنة ، فأعرض عنهم ، وجعل يكره

أن يقول : لا ، فيأبون الإسلام ، فقالت ثقيف للنبي [ صلى اللّه عليه وسلم ] : إن كان بك ملامة العرب في

كسر أصنامهم وترك أصنامنا ، فقل لهم : إن ربي أمرني أن أقر اللات بأرضهم سنة .

فقال عمر بن الخطاب ، رضي اللّه عنه ، عند ذلك : أحرقتم قلب النبي صلى اللّه عليه وسلم بذكر

اللات ، أحرق اللّه أكبادكم ، لا ، ولا ونعمة ، غير أن اللّه عز وجل لا يدع الشرك في

أرض يعبد اللّه تعالى فيها ، فإما أن تسلموا كما يسلم الناس ، وإما أن تلحقوا بأرضكم ،

فأنزل اللّه عز وجل : وإن كادوا ليفتنونك ، يقول : وإن كادوا ليصدونك عن الذي أوحينا إليك  لتفتري علينا غيره ، يقول سبحانه : لتقول علينا غيره ما لم

نقل ؛ لقولهم للنبي صلى اللّه عليه وسلم : قل إن اللّه أمرني أن أقرها وإذا لاتخذوك خليلا [ آية :

٧٣ ] ، يعنى محباً ، نظيرها في الفرقان : فلانا خليلا [ الفرقان : ٢٨ ] ، يعنى محباً ،

لطواعيتكم إياهم على ما أرادوك عليه إذاً لأحبوك .

٧٤

الإسراء : ٧٤ ولولا أن ثبتناك . . . . .

 ولولا أن ثبتناك يا محمد بالسكوت ، فأمرت بكسر الآلهة ، إذاً لركنت إلى

المعصية لقد كدت تركن ، تقول : لقد هممت سويعة أن تميل إِليهم شيئاً

قَليلاً [ آية : ٧٤ ] ، يعنى أمراً يسيراً ، يقول : لقد هممت سويعة ، ك

قوله : فتتولى

بركنه [ الذاريات : ٣٩ ] ، يعنى بميله أمراً يسيراً .

٧٥

الإسراء : ٧٥ إذا لأذقناك ضعف . . . . .

يقول : لقد هممت سويعة أن تميل إليهم ، ولو أطعتهم فيما سألوك إِذا

لأذقناكَ العذاب في الدنيا

والآخرة ، فذلك قوله سبحانه : إِذا لأذقناكَ  ضِعف الحيوة وضعف الممات ، يقول سبحانه : إذاً لأذقناك ضعف العذاب في الدنيا

في حياتك ، وفي مماتك بعد ثم لا تجد لك علينا نصيراً [ آية : ٧٥ ] ، يعنى مانعاً

يمنعك منا .

٧٦

الإسراء : ٧٦ وإن كادوا ليستفزونك . . . . .

 وَإِن ، يعنى وقد كَادوا ليستفزونك ، يعنى ليستزلونك من الأرض ،

يعنى أرض المدينة ، نزلت في حيي بن أخطب واليهود ، وذلك أنهم كرهوا قدوم النبي

 صلى اللّه عليه وسلم المدينة وحسدوه ، و  يا محمد ، إنك لتعلم أن هذه الأرض ليست بأرض الأنبياء ،

إنما أرض الأنبياء والرسل أرض المحشر أرض الشام ، ومتى رأيت اللّه بعث الأنبياء في

أرض تهامة ، فإن كنت نبياً ، فأخرج إليها ، فإنما يمنعك منها مخافة أن يغلبك الروم ، فإن

كنت نبياً ، فسيمنعك اللّه كما منع الأنبياء قبلك ، فخرج النبي صلى اللّه عليه وسلم متوجهاً إلى الشام ،

فعسكر على رأس ثلاثة أميال بذي الحليفة لتنضم إليه أصحابه ، فأتاه جبريل ، عليه

السلام ، بهذه الآية : كَادوا ليستفزونك من الأرض  ليُخرجوك منها وإذا لا

يلبثون خلافك إلا قليلاً [ آية : ٧٦ ] ، يقول سبحانه : لو فعلوا ذلك لم ينظروا من

بعدك إلا يسيراً حتى يعذبوا في الدنيا .

الإسراء : ٧٧ سنة من قد . . . . .

فرجع النبي صلى اللّه عليه وسلم سُنة من قد أرسلنا قبلك من رُسلنا ، يقول اللّه سبحانه :

كذلك سنة اللّه عز وجل في أهل المعاصي ، يعنى الأمم الخالية إن كذبوا رسلهم أن

يعذبوا ولا تجد لسُنتنا تحويلاً [ آية : ٧٧ ] ، إن قوله حق في أمر العذاب ، يقول :

السنة واحدة فيما مضى وفيما بقى .

٧٨

الإسراء : ٧٨ أقم الصلاة لدلوك . . . . .

 أقم الصلاة لدلوك الشمس ، يعنى إذا زالت الشمس عن بطن السماء ، يعنى عند

صلاة الأولى والعصر إلى غسق الليل ، يعنى ظلمة الليل إذا ذهب الشفق ، يعنى صلاة

المغرب والعشاء وقرءان الفجر ، يعنى قرآن صلاة الغداة إن قرءان الفجر كان

مشهوداً [ آية : ٧٨ ] ، تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ، جميع صلاة الخمس في هذه

الآية كلها .

٧٩

الإسراء : ٧٩ ومن الليل فتهجد . . . . .

ثم قال عز وجل : ومن اليل فتهجد به نافلة لك ، بعد المغفرة ؛ لأنه اللّه عز وجل

قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأجر ، فما كان من عمل فهو نافلة ، مثل قوله سبحانه :

 ووهبنا له إسحاق ، حين سأل الولد ويعقوب نافلة [ الأنبياء : ٧٢ ] ، يعنى

فضلاً على مسألته عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا [ آية : ٧٩ ] ، يعنى مقام

الشفاعة في أصحاب الأعراف يحمده الخلق كلهم ، والعسى من اللّه عز وجل واجب .

٨٠

الإسراء : ٨٠ وقل رب أدخلني . . . . .

فرجع النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وقال له جبريل ، عليه السلام : وقل رب أدخلني المدينة مدخل صدق ، يعنى آمناً على رغم أنف اليهود وأخرجني من المدينة إلى مكة مخرج صدق ، يعنى آمنا على رغم أنف كفار مكة ظاهراً عليهم واجعل لي من لدنك ،

يعنى من عندك سلطنا نصيراً [ آية : ٨٠ ] ، يعنى النصر على أهل مكة ، ففعل اللّه

تعالى ذلك به ، فافتتحها .

٨١

الإسراء : ٨١ وقل جاء الحق . . . . .

فلما افتتحها رأى ثلاثمائة وستين صنما حول الكعبة ، وأساف ونائلة

أحدهما عند

الركن ،

والآخر عند الحجر الأسود ، وفي يدي النبي صلى اللّه عليه وسلم قضيب ، فجعل النبي صلى اللّه عليه وسلم

يضرب رءوسهم ويقول : وقل جاء الحق ، يعنى الإسلام وزهق البطل ، يعنى

وذهب عبادة الشيطان ، يعنى الأوثان إن الباطل ، يعنى إن عبادة الشيطان ، يعنى

عبادة الأصنام كان زهوقا [ آية : ٨١ ] ، يعنى ذاهباً ، مثل قوله سبحانه : فإذا هو زاهق [ الأنبياء : ١٨ ] ، يعنى ذاهب .

٨٢

الإسراء : ٨٢ وننزل من القرآن . . . . .

 ونزل من القرءان ما هو شفاءٌ للقلوب ، يعنى بياناً للحلال والحرام ورحمة

من العذاب لمن آمن بالقرآن ، قوله سبحانه : ورحمة  للمؤمنين ولا يزيد القرآن

 الظالمين إلا خسارا [ آية : ٨٢ ] ، يعنى خسراناً .

٨٣

الإسراء : ٨٣ وإذا أنعمنا على . . . . .

 وإذا أنعمنا على الإنسان ، يعنى الكافر بالخير ، يعنى الرزق أعرض عن الدعاء ،

 وئا بجانبه ، يقول : وتباعد بجانبه وإذا مسه الشر ، يعنى وإذا أصابه الفقر ،

 كان يُئوساً [ آية : ٨٣ ] ، يعنى آيساً من الخير .

٨٤

الإسراء : ٨٤ قل كل يعمل . . . . .

 قل كل يعمل على شاكلته ، المحسن والمسيء على شاكلته ، على جديلته التي هو

عليها فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا [ آية : ٨٤ ] .

٨٥

الإسراء : ٨٥ ويسألونك عن الروح . . . . .

 ويسئلونك عن الروح ، نزلت في أبي جهل وأصحابه قل الروح من أمر ربي ، وهو ملك عظيم على صورة إنسان أعظم من كل مخلوق غير العرض ، فهو حافظ

على الملائكة ، وجهه كوجه الإنسان ، قال سبحانه : وما أوتيتم من العلم إلا قليلا

[ آية : ٨٥ ] ، عند كثيراً عندكم ، وذلك أن اليهود قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم : إن في التوراة علم كل

شيء ، وقال اللّه تبارك وتعالى للنبي صلى اللّه عليه وسلم : قل لليهود : وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ،

عندي كثيراً عندكم ، وعلم التوراة عندكم كثير .

فقالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم : من قال هذا ؟ فواللّه ما قاله لك إلا عدو لنا ، يعنون جبريل ، عليه

السلام ، ثم قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم : خاصة لنا إنا لم نؤت من العلم إلا قيلاً ؟ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم :

بل الناس كلهما عامة ، فقالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم : ولا أنت ولا أصحابك ؟ فقال : نعم ،

ف  كيف تجمع بين هاتين ؟ تزعم أنك أوتيت الحكمة ، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي

خيراً كثيراً ، وتزعم أنك لم تؤت من العلم إلا قليلاً ، فنزلت : ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام [ لقمان : ٢٧ ] إلى آخر الآية ، نزلت : قل لو كان البحر مدادا [ الكهف : ١٠٩ ] إلى آخر الآية :

٨٦

الإسراء : ٨٦ ولئن شئنا لنذهبن . . . . .

قال سبحانه : ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك من القرآن ، وذلك حين

دعى النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى دين آبائه ثم لا تجد لك به علينا وكيلا [ آية : ٨٦ ] ، يعنى

مانعاً يمنعك منا .

٨٧

الإسراء : ٨٧ إلا رحمة من . . . . .

فاستثنى عز وجل : إلا رحمة من ربك ، يعنى القرآن كان رحمة من ربك

اختصك بها إن فضله كان عليك كبيرا [ آية : ٨٧ ] ، يعنى عظيماً حين اختصك

بذلك .

٨٨

الإسراء : ٨٨ قل لئن اجتمعت . . . . .

 قل لئن اجتمعت الإنس والجن ، وذلك أن اللّه عز وجل أنزل في سورة هود :

 قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات [ هود : ١٣ ] ، فلم يطيقوا ذلك ، فقال اللّه تبارك

وتعالى لهم في سورة يونس : فأتوا بسورة [ يونس : ٣٨ ] واحدة مثله ، فلم يطيقوا

ذلك ، وأخبر اللّه تبارك وتعالى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال : قل لئن اجتمعت الإنس والجن ، فعان

بعضهم بعضاً على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ، يقول : لا يقدرون على

أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا [ آية : ٨٨ ] ، يعنى معيناً

٨٩

الإسراء : ٨٩ ولقد صرفنا للناس . . . . .

 ولقد صرفنا للناس ، يعنى ضربنا في هذا القرآن من كل مثل ، يعنى من كل

شبه في أمور شتى فأبى أكثر الناس إلا كفورا [ آية : ٨٩ ] ، يعنى إلا كفراً

بالقرآن .

٩٠

الإسراء : ٩٠ وقالوا لن نؤمن . . . . .

 وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا [ آية : ٩٠ ] ، يعنى من أرض

مكة ينبوعاً ، يعنى عيناً تجري ، وذلك أن أبا جهل قال للنبي صلى اللّه عليه وسلم : سير لنا الجبال ، أو

ابعث لنا الموتى فنكلمهم ، أو سخر لنا الريح ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : لا أطيق ذلك ، فقال

عبد اللّه بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي ، وهو ابن عم أبي جهل ، والحارث بن هشام ،

وهما ابنا عم ، فقالا : يا محمد ، إن كنت لست فاعلاً لقومك شيئاً مما سألوك ، فأرنا

كرامتك على اللّه بأمر تعرفه ، فجر لبني أبيك ينبوعاً بمكة مكان زمزم ، فقد شق علينا

الميح .

٩١

الإسراء : ٩١ أو تكون لك . . . . .

 أو تكون لك جنة ، يعنى بستاناً من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا [ آية : ٩١ ] ، يقول : تجري العيون في وسط النخيل ، والأعناب ، والشجر .

٩٢

الإسراء : ٩٢ أو تسقط السماء . . . . .

 أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي باللّه والملائكة قبيلا [ آية :

٩٢ ] .

٩٣

الإسراء : ٩٣ أو يكون لك . . . . .

 أو يكون لك بيت من زخرف ، يعنى من ذهب ، فإن لم تستطع شيئاً من هذا ،

فأسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً ، يعنى جانباً من السماء ، كما زعمت في سورة

سبأ : إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا ، يعنى جانباً من السماء [ سبأ : ٩ ] .

ثم قال : والذي يحلف به عبد اللّه ، لا أصدقك ولا أؤمن بك حتى تسند سلماً ، فترقى

فيها إلى السماء ، وأنا أنظر إليك ، فتأتي بكتاب من عند اللّه عز وجل بأنك رسوله ، أو

يأمرنا باتباعك ، وتجيء الملائكة يشهدون أن اللّه كتبه ، ثم قال : واللّه ما أدري إن فعلت

ذلك أؤمن بك أم لا ، فذلك قوله سبحانه : أو تأتي باللّه ، معاينة ، فيخبرنا أنك نبي

رسول ، أو تأتي بالملائكة قبيلاً ، يعنى كفيلاً ، يشهدون بأنك رسول اللّه عز وجل .

فذلك

قوله : أَو ترقى في السماءِ ولن نُؤمن لِرٌ قيكَ حتى تُنزلَ علينا ، يعنى من السماء ،

 كتابا نقرؤه من اللّه عز وجل بأنك رسوله خاصة ، فأنزل اللّه تعالى قل لكفار

مكة سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا [ آية : ٩٣ ] ، نزه نفسه جل جلاله عن

تكذيبهم إياه لقولهم لم يبعث محمداً صلى اللّه عليه وسلم رسولاً ، يقول : ما أنا إلا رسول من البشر .

٩٤

الإسراء : ٩٤ وما منع الناس . . . . .

 وما منع الناس ، يعنى رءوس كفار مكة أن يؤمنوا ، يعنى أن يصدقوا

بالقرآن إذ جاءهم الهدى ، يعنى البيان ، وهو القرآن ؛ لأن القرآن هدى من الضلالة ،

 إلا أن قالوا أبعث اللّه بشرا رسولا [ آية : ٩٤ ] ، نزلت في المستهزئين والمطعمين ببدر .

فأنزل اللّه تبارك وتعالى :

٩٥

الإسراء : ٩٥ قل لو كان . . . . .

 قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين ،

يعنى مقيمين بها ، مثل قوله سبحانه في النساء : فإذا اطمأنتم ، يقول : فإذا أقمتم

 فأقيموا الصلاة [ النساء : ١٠٣ ] لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا

[ آية : ٩٥ ] .

٩٦

الإسراء : ٩٦ قل كفى باللّه . . . . .

 قُل كفى بِاللّه شهيداً بيني وبينكم ، يقول : فلا أحد أفضل من اللّه شاهداً

بأني رسول اللّه إليكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا [ آية : ٦٩ ] ، حين اختص محمداً

 صلى اللّه عليه وسلم بالرسالة .

٩٧

الإسراء : ٩٧ ومن يهد اللّه . . . . .

 ومن يهد اللّه لدينه فهو المهتد ومن يضلل عن دينه فلن تجد لهم أولياء من دونه ، يعنى أصحاباً من دون اللّه يهدونهم إلى الإسلام من الضلالة ونحشرهم يوم القيامة بعد الحساب على وجوههم ، قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم : كيف يمشون على

وجوههم ؟ قال لهم النبي صلى اللّه عليه وسلم : من أمشاهم على أقدامهم ؟ ،   اللّه أمشاهم ، قال

النبي صلى اللّه عليه وسلم : فإن الذي أمشاهم على أقدامهم هو الذي يمشيهم على وجوههم .

قال سبحانه : عميا وبكما وصما ، وذلك إذا قيل لهم : اخسؤوا فيها ولا تكلمون [ المؤمنون : ١٠٨ ] ، فصاروا فيها عمياً لا يبصرون أبداً ، وصماً لا يسمعون

أبداً ، ثم قال : مأواهم ، يعنى مصيرهم جهنم ، قوله سبحانه : كلما خبت ، وذلك إذا أكلتهم النار ، فلم يبق منهم غير العظام ، وصاروا فحماً ، سكنت

النار ، هو الخبت زِرناهُم سعيراً [ آية : ٩٧ ] ، وذلك أن النار إذا أكلتهم بدلوا

جلوداً غيرها جدداً في النار ، فتسعر عليهم ، فذلك قوله سبحانه : زدناهم سعيرا ،

يعنى وقوداً فهذا أمرهم أبداً .

٩٨

الإسراء : ٩٨ ذلك جزاؤهم بأنهم . . . . .

و ذلك العذاب والنار جزاؤهم بأَنهم كفروا بئايتنا ، يعنى بآيات القرآن ،

 وَقالوا أَءذا كُنا عظاماً ورفاتاً ، يعنى تراباً أَءنا لمبعوثونَ خلقاً جديداً [ آية : ٩٨ ] ،

يعنون البعث سيرة الخلق الأول ، منهم أبي بن خلف ، وأبو الأشدين ، يقول اللّه :

٩٩

الإسراء : ٩٩ أولم يروا أن . . . . .

 أولم يروا ، يقول : أو لم يعلموا أن اللّه الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم ، يعنى مثل خلقهم في الآخرة ، يقول : لأنهم مقرون بأن اللّه

خلقهم ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن اللّه [ لقمان : ٢٥ ] ،

ولا يقدرون أن يقولوا غير ذلك ، وهم مع ذلك يعبدون غير اللّه عز وجل كما خلقهم في

الدنيا .

فخلق السماوات والأرض أعظم وأكبر من خلق الإنسان ؛ لأنهم مقرون بأن اللّه

خلقهم وخلق السماوات والأرض وجعل لهم أجلا مسمى يبعثون فيه لا ريب فيه ، يعنى لا شك فيه في البعث أنه كائن فأبى الظالمون إلا كفورا [ آية : ٩٩ ] ،

يعنى إلا كفراً بالبعث ، يعنى مشركي مكة .

١٠٠

الإسراء : ١٠٠ قل لو أنتم . . . . .

 قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي ، يعنى مفاتيح الرزق ، يعنى مقاليد

السموات ، يقول : لو كان الرزق بأيديكم وكنتم تقسمونه إذا لأمسكتم خشية الإنفاق ، لأمسكتموه مخافة الفقر والفاقة وكان الإنسان ، يعنى الكافر قتورا

[ آية : ١٠٠ ] ، يعنى بخيلاً ممسكاً عن نفسه .

١٠١

الإسراء : ١٠١ ولقد آتينا موسى . . . . .

 ولقد ءاتينا ، يعنى أعطينا مُوسى تسع ءايت بيناتٍ ، يعنى واضحات : اليد ،

والعصا بالأرض المقدسة ، وسبع آيات بأرض مصر : الطوفان ، والجراد ، والقمل ،

والضفادع ، والدم ، والسنين ، والطمس على الدنانير والدراهم ، أولها العصا ، وآخرها

الطمس فَسئل بني إسرائيل عن ذلك إذ جاءهم موسى بالهدى فقال له فرعون إني لأظنك ، يقول : إني لأحسبك يا موسى مسحورا [ آية : ١٠١ ] ، يعنى

مغلوباً على عقله .

١٠٢

الإسراء : ١٠٢ قال لقد علمت . . . . .

 قال موسى لفرعون : لقد علمت يا فرعون ما أنزل هؤلاء

هؤلاء الآيات التسع إلا رب السماوات والأرض بصائر ، يعنى تبصرة وتذكرة ، ولن يقدر

أحد على أن يأتي أحد بآية واحدة مثل هذه وإني لأظنك ، يعني لأحسبك ،

 يا فرعون مثبورا [ آية : ١٠٢ ] ، يعنى ملعوناً ، اسمه : فيطوس .

١٠٣

الإسراء : ١٠٣ فأراد أن يستفزهم . . . . .

 فأراد أن يستفزهم من الأرض ، يعنى أن يخرجهم من أرض مصر ، مثل قوله

سبحانه : وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها [ الإسراء : ٧٦ ] ،

يعنى أرض المدينة فأغرقناه ومن معه جميعا [ آية : ١٠٣ ] من الجنود .

١٠٤

الإسراء : ١٠٤ وقلنا من بعده . . . . .

 وقلنا من بعده ، يعنى من بعد فرعون لبني إسرائيل ، وهم سبعون ألفاً من

وراء نهر الصين معهم التوراة : اسكنوا الأرض ، وذلك من بعد موسى ، ومن بعد

يوشع بن نون فإذا جاء وعد الآخرة ، يعنى ميقات الآخرة ، يعنى يوم القيامة جئنا بكم وبقوم موسى لفيفا [ آية : ١٠٤ ] ، يعنى جميعاً .

فهم وراء الصين ، فساروا من بيت المقدس في سنة ونصف سنة ، ستة آلاف فرسخ ،

وبينهم وبين الناس نهر من رمل يجري ، اسمه : أردف ، يجمد كل سبت ، وذلك أن بني

إسرائيل قتلوا الأنبياء ، وعبدوا الأوثان ، فقال المؤمنون منهم : اللّهم فرق بيننا وبينهم ،

فضرب اللّه عز وجل سرباً في الأرض من بيت المقدس إلى وراء الصين ، فجعلوا يسيرون

فيه ، يفتح أمامهم ويسد خلفهم ، وجعل لهم عموداً من نار ، فأنزل اللّه عز وجل عليهم

المن والسلوى ، كل ذلك في المسير ، وهم الذين ذكرهم اللّه عز وجل في الأعراف :

 ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون [ الأعراف : ١٥٠ ] .

فلما أسرى بالنبي صلى اللّه عليه وسلم تلك الليلة ، أتاهم فعلمهم الأذان ، والصلاة ، وسوراً من القرآن ،

فأسلموا ، فهم القوم المؤمنون ، ليست لهم ذنوب ، وهم يجامعون نساءهم بالليل ، وأتاهم

جبريل ، عليه السلام ، مع النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فسلموا عليه قبل أن يسلم عليهم ، فقالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم :

لولا الخطايا التي في أمتك لصافحتهم الملائكة .

١٠٥

الإسراء : ١٠٥ وبالحق أنزلناه وبالحق . . . . .

 وبالحق أنزلناه ، لما كذب كفار مكة ، يقول اللّه تبارك وتعالى : وبالحق أنزلناه ،

من اللوح المحفوظ ، يعنى القرآن على محمد صلى اللّه عليه وسلم وبالحق نزل به جبريل ، عليه السلام ،

لم ينزله باطلاً لغير شيء وما أرسلناك إلا مبشرا بالجنة ونذيرا [ آية : ١٠٥ ] من

النار .

١٠٦

الإسراء : ١٠٦ وقرآنا فرقناه لتقرأه . . . . .

 وَقُرءاناً فرقناهُ ، يعنى قطعناه ، يعنى فرقناه بين أوله وآخره ، عشرون سنة تترى ، لم

ننزله جملة واحدة ، مثلها في الفرقان : لولا نزل عليه القرآن جملة [ الفرقان : ٣٢ ] ل كي لتقرأه على الناس على مكث ، يعنى على ترتيل للحفظة ونزلناه تنزيلا [ آية : ١٠٦ ] في ترسل آيات ، ثم بعد آيات ، يعنى القرآن .

١٠٧

الإسراء : ١٠٧ قل آمنوا به . . . . .

 قل لكفار مكة : ءامنوا بِهِ ، يعنى القرآن أو لا تؤمنوا ، يقول : صدقوا

بالقرآن أو لا تصدقوا به إن الذين أوتوا العلم بالتوراة من قبله ، يعنى من قبل

هذا القرآن إذا يتلى عليهم ، يعنى القرآن ، يعنى عبد اللّه بن سلام وأصحابه ،

 يخرون للأذقان ، يعنى يقعون لوجوههم سجدا [ آية : ١٠٧ ] .

١٠٨

الإسراء : ١٠٨ ويقولون سبحان ربنا . . . . .

 ويقولون سبحان ربنا ، الذي أنزله ، يعنى القرآن أنه من اللّه عز وجل إن كان ،

يعنى لقد كان وعد ربنا في التوراة لمفعولا [ آية : ١٠٨ ] أنهُ منزله على محمد

 صلى اللّه عليه وسلم ، فكان فاعلاً .

١٠٩

الإسراء : ١٠٩ ويخرون للأذقان يبكون . . . . .

 ويخرون يعنى ويقعون للأذقان لوجوههم سجداً يبكون ويزيدهم خشوعا [ آية : ١٠٩ ] ، يقول : يزيدهم القرآن تواضعاً ، لما في القرآن من الوعد والوعيد .

١١٠

الإسراء : ١١٠ قل ادعوا اللّه . . . . .

 قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرحمن ، وذلك أن رجلاً من المسلمين دعا اللّه عز وجل ،

ودعا الرحمن في صلاته ، فقال أبو جهل بن هشام : أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم

يعبدون رباً واحداً ، فما بال هذا يدعو ربين اثنين ، أولستم تعلمون أن اللّه اسم ، والرحمن

اسم ،   بلى ، فأنزل اللّه تبارك وتعالى : قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرحمن .

فدعا النبي صلى اللّه عليه وسلم الرجل ، فقال : يا فُلان ، ادع اللّه ، أو ادع الرحمن ، ورغم لآناف

المشركين أيا ما تدعوا ، يقول : فأيهما تدعو فله الأسماء الحسنى ، يعنى

الأسماء الحسنى التي في آخر الحشر ، وسائر ما في القرآن ولا تجهر بصلاتك ، وذلك

أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان بمكة يصلي إلى جانب دار أبي سفيان عند الصفا ، فجهر بالقرآن في

صلاة الغداة ، فقال أبو جهل : لم تفتري على اللّه ، فإذا سمع ذلك منه خفض صوته ، فلا

يسمع أصحابه القرآن ، فقال أبو جهل : ألم تروا يا معشر قريش ما فعلت بابن أبي كبشة

حتى خفض صوته ، فأنزل اللّه تعالى ذكره : ولا تجهر بصلاتك ، يعنى بقراءتك في

صلاتك ، فيسمع المشركين فيوءذوك ولا تخافت بها ، يقول : ولا تسر بها ، يعنى

بالقرآن ، فلا يسمع أصحابك واتبع بَينَ ذلك سَبيلاً [ آية : ١١٠ ] ، يعنى مسلكاً ،

يعنى بين الخفض والرفع .

١١١

الإسراء : ١١١ وقل الحمد للّه . . . . .

 وقل الحمد للّه ، وذلكَ أن اليهود   عزير ابن اللّه ، وقالت النصارى : المسيح

ابن اللّه ، وقالت العرب : إن اللّه عز وجل شريكاً من الملائكة ، فأكذبهم اللّه عز وجل فيها ،

فنزه نفسه تبارك وتعالى مما قالوا ، فأنزل اللّه جل جلاله : وقل الحمد للّه ، الذي علمك

هذه الآية الذي لم يتخذ ولدا ، عزيراً وعيسى ولم يكن له شريك من الملائكة ،

 في الملك ولم يكن له ولي ، يعنى صاحباً ينتصر به من الذل ، كما يلتمس الناس

النصر ، إن فاجأهم أمر يكرهونه وكبره تكبيرا [ آية : ١١١ ] ، يقول : وعظمه يا محمد

تعظيماً ، فإنه من قال : إن للّه عز وجل ولداً ، أو شريكاً ، لم يعظمه ، يقول : نزهه عن هذه

الخصال التي قالت النصارى ، واليهود ، والعرب .

﴿ ٠