سورة الإسراءمقدمة سورة بني إسرائيل ، مكية كلها ، إلا هذه الآيات ، فإنهن مدنيات وهي قوله تعالى : وقل رب أدخلني مدخل صدق [ آية : ٨٠ ] الآية . وقوله تعالى : إن الذين أوتوا العلم من قبله إلى قوله : خُشوعاً [ آية : ١٠٧ - ١٠٩ ] وقوله تعالى : إِن ربكَ أَحاط بالناس . . . [ آية : ٦٠ ] الآية . وقوله تعالى : وإن كادوا ليفتنونك . . . [ آية : ٧٣ ] الآية . وقوله تعالى : ولولا أن ثبتناك . . . [ آية : ٧٤ ، ٧٥ ] الآيتين . وقوله تعالى : وَإن كادواْ ليستفزونك من الأرض . . . [ آية : ٧٦ ] الآية عددها مائة وإحدى عشرة آية كوفية . بسم اللّه الرحمن الرحيم ١الإسراء : ١ سبحان الذي أسرى . . . . . سُبحانَ ، يعنى عجب الذي أَسرى بِعبدِهِ ، في رجب ، يعنى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ليلاً منَ المسجد الحرام إِلى المسجد الأقصا ، يعنى بيت المقدس ، قبل الهجرة بسنة ، وفرضت عليه الصلوات الخمس تلك الليلة ، وعرضت على النبي صلى اللّه عليه وسلم ثلاثة أنهار : نهر من لبن ، ونهر من عسل ، ونهر من خمر ، فلم يشرب النبي صلى اللّه عليه وسلم الخمر ، فقال جبريل : أما إن اللّه حرمها على أمتك الذي باركنا حَولهُ ، يعنى بالبركة الماء ، والشجر ، والخير ، لنريهُ من ءايتنا ، فكان مما رأى من الآيات البراق ، والرجال ، والملائكة ، وصلى بالنبيين تلك إِنهُ هُو السَّميع البَصيرُ [ آية : ١ ] . وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أصبح بمكة ليلة أسرى به من مكة ، فقال لأم هانئ ابنة أبي طالب ، وزوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي : ′ لقد رأيت الليلة عجباً ′ ، قالت : وما ذلك بأبي أنت وأمي ؟ قال : ′ لقد صليت في مصلاي هذا صلاة العشاء ، وصلاة الفجر ، وصليت فيما بينهما في بيت المقدس ′ ، فقالت : وكيف فعلت ؟ قال : ′ أتاني جبريل ، عليه السلام ، وقد أخذت مضجعي من الفراش قبل أن أنام ، وأخذ بيدي وأخرجني من الباب ، وميكائيل ، عليه السلام ، بالباب معه دابة ، فوق الحمار ودون البغل ، ووجهها كوجه الإنسان ، وخدها كخد الفرس ، وعرفها كعرف الفرس ، بلقاء ، سيلاء ، مضطربة الخلق ، لها جناحان ، ذنبها كذنب البقر ، وحافزها كأظلاف البقر ، خطوها عند منتهى بصرها ، كان سليمان بن داود ، عليه السلام ، يغدوا عليها مسيرة شهر ، فحملاني عليها ، ثم أخذا يزفان بي حتى أتيت بيت المقدس ، ومثل لي النبيون ، فصليت بهم ، ورأيت ورأيت ′ . فلما أراد النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يقوم فيخرج ، أخذت أم هانئ بحبرته ، قالت : أين تخرج ؟ قال : ′ أخرج إلى قريش ، فأخبرهم بالذي رأيت ′ ، فقالت : لا تفعل ، فواللّه ليجتر أن عليك المكذب ، وليمترين فيك المصدق ، قال : ′ وإن كذبوني لأخرجن ′ ، ونزع يدها من حبرته ، فخرج إلى المسجد ، فإذا فيه شيوخ من شيوخ قريش جلوس في الحجر ، فقام عليهم ، فقال : ′ ألا أحدثكم بالعجب ؟ ′ ، أخبرنا ، فإن أمرك كله عجب ، قال : ′ لقد صليت في هذا الوادي صلاة العشاء ، وصلاة الفجر ، وصليت فيما بينهما ببيت المقدس ، ومثل لي النبيون ، فصليت بهم وكلمت بعضهم ′ ، فصدقه المؤمنون ، وكذبه المشركون . فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف : ما ثكلتني يدي على هذا الكذاب ألا لن أكون ذلك اليوم جزعاً ، فأخذك بيدي أخذاً ، تخبرنا أنك صليت ببيت المقدس ، ورجعتك من ليلتك ، ونحن لا نبلغه إلا في أربعين ليلة بعد شق الأنفس ، أشهد أنك كذاب ساحر ، فبينما هم كذلك ، إذ جاء أبو بكر الصديق ، رضوان اللّه عليه ، فقالت قريش : يا أبا بكر ، ألا تسمع ما يقول صاحبك ، يزعم أنه صلى العشاء الآخرة والفجر بمكة ، وصلى فيما بينهما ببيت المقدس ، قال أبو بكر الصديق ، رضي اللّه عنه : إن كان قال ذلك ، فقد صدق . وقال أبو بكر ، رضي اللّه عنه ، للنبي صلى اللّه عليه وسلم : بأبي أنت وأمي ، حدثني عن باب بيت المقدس ، وعن البيت ، وعن سواريه ، وعن الصخرة ، وعن هذا كله ، فأخبره النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فألتزمه أبو بكر ، فقال : أشهد أنك صادق ، فسمى يومئذ الصديق ، اسمه : عتيق بن عثمان ابن عمرو بن كعب بن سعد بن مرة ، فقال المسلمون : يا رسول اللّه ، كيف رأيت الأنبياء ، عليهم السلام ؟ قال : ′ رأيت عيسى ابن مريم صلى اللّه عليه وسلم رجلاً أبيض ، فوق الربعة ، ودون الطويل ، ظاهر الدم ، عريض الصدر ، جعد الرأس ، يعلوه صهوبة ، أشبه الناس بعروة بن معتب الثفي ′ . ′ ورأيت موسى ، عليه السلام ، رجلاً طويلاً ، آدم شديد الأدمة ، ضرب اللحم ، سبط الشعر أشعر كأنه من رجال أزد شنوءة ، لو لبس قميصين لرؤى شعره منهما ، ورأيت إبراهيم عليه السلام ، أشبه الناس بي خلقاً وخُلقاً ، فبدأني بالسلام والمصافحة والترحم ، ورأيت الدجال ، رجلاً جسيماً ، لحيماً ، آدم ، جعد الرأس ، كث اللحية ، ممسوح العين ، أحلى الجبهة براق الثنايا ، مكتوب بين عينيه كافر ، شبيه بفطن بن عبد العزى ′ . ′ ورأيت عمرو بن ربيعة بن يحيى بن قمعة بن خندف الخزاعي ، والحارث بن كعب ابن عمرو ، وعليهما وفرة يجران قصبهما في النار ′ ، يعنى أمعاءهما ، قيل للنبي صلى اللّه عليه وسلم : ولم ؟ قال : ′ لأنهما أول من سيبا السائبة ، واتخذا البحيرة والوصيلة والحام ، وأول من سميا اللات والعزى ، وأمرا بعبادتهما ، وغيرا دين الحنيفية ملة إبراهيم ، عليه السلام ، ونصبا الأوثان حول الكعبة ، فأما عمرو بن ربيعة ، فهو رجل قصير ، أشبه الناس به هذا ، يعنى أكثم بن الجون الخزاعي ′ ، فقال أكثم : يا رسول اللّه ، أيضرني شبهه ؟ قال : ′ لا أنت مؤمن وهو كافر ′ . فقال رجل من كفار قريش للمطعم بن عدي : عجلت على ابن أخيك ، ثم قال كهيئة المستهزئ : رويدك يا محمد حتى نسألك عن عيرنا ، هل رأيتها في الطريق ؟ قال : ′ نعم ′ ، قال : فأين رأيتها ؟ قال : ′ رأيت عير بني فلان بالروحاء نزولاً ، قد ضلت لهم ناقة ، وهم في طلبها ، فمررت على رجالهم وليس بها أحد منهم ، فوجدت في إناء لهم ماء ، فشربت منه وتوضأت ، فاسألوهم إذا أتوكم ، هل كان ذلك ؟ ′ ، هذه آية . قال : ′ ومررت على عير بني فلان ، في وادي كذا وكذا ، في ساعة كذا وكذا من الليل ، ومعي جبريل وميكائيل ، عليهما السلام ، فنفرت منا إبلهم ، فوقعت ناقة حمراء فانكسرت ، فهم يجبرونها ، فاسألوهم إذا أتوكم ، هل كان ذلك ؟ ′ ، نعم ، هذه آية ، قال رجل منهم : فأين تركت عيرنا ؟ قال : ′ تركتها بالتنعيم قبيل ′ ، قال : فإن كنت صادقاً ، فهي قادمة الآن ، قال : ′ نعم ′ ، قال : فأخبرنا بعدتها وأحمالها وما فيها ، قال : ′ كنت عن ذلك مشغولاً ، غير أن برنساً كان لهم على البعير الذي يقدم الركب ، فسقط البرنس فرجع حبشي من القوم فأصابه ، فوضعه على آخر الركب ، فاسألوهم إذا أتوكم هل كان ذلك ′ . فبينا هو صلى اللّه عليه وسلم يحدثهم ، إذ مثل اللّه عز وجل له كل شيء حتى نظر إلى عدتها وأحمالها ومن فيها ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ′ أين السائل آنفاً عن إبله ، فإن عدتها وأحمالها ومن فيها كذا وكذا ، ويقدمها جمل أورق ، وهي قادمة الآن ′ ، فانطلقوا يسعون ، فإذا هي منحدرة من عتبة التنعيم ، وإذا هي وأحمالها وعدتها وما فيها كما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال المشركون : لقد صدق الوليد بن المغيرة ، إن هذا لساحر مبين ، وما يجري محمد صلى اللّه عليه وسلم وهو بين أظهرنا متى تقدم عيرنا ، وما حالها وأحمالها ومن فيها ، فكفوا بعض الأذى سنة . ٢الإسراء : ٢ وآتينا موسى الكتاب . . . . . قال سبحانه : وءاتينا مُوسى الكتاب ، يقول : أعطينا موسى التوراة وجعلناه هدى ، يعنى التوراة هدى لبني إسرائيل من الضلالة ألا تتخذوا من دوني وكيلا [ آية : ٢ ] ، يعنى ولياً ، فيها تقديم . ٣الإسراء : ٣ ذرية من حملنا . . . . . يا ذرية آدم من حملنا مع نوح في السفينة ، ألا تتخذوا من دوني وكيلاً ، يعنى الأهل ، يعني ولياً ، ثم أثنى على نوح بن لملك النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال سبحانه : إنه كان عبدا شكورا [ آية : ٣ ] ، فكان من شكره أنه كان يذكر اللّه عز وجل حين يأكل ويشرب ، ويحمد اللّه تعالى حين يفرغ ، ويذكر اللّه سبحانه حين يقوم ويقعد ، ويذكر اللّه جل ثناؤه حين يستجد الثوب الجديد ، وحين يخلق ، ويذكر اللّه عز وجل حين يدخل ويخرج وينام ويستيقظ ، ويذكر اللّه جل ثناؤهُ بكل خطوة يخطوها ، وبكل عمل يعمله ، فسماه اللّه عز وجل عبداً شكوراً ٤الإسراء : ٤ وقضينا إلى بني . . . . . قال سبحانه : وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب ، يقول : وعهدنا إليهم في التوراة لتفسدن لتهلكن في الأرض مرتين ، فكان بين الهلاكين مائتا سنة وعشر سنين ولتعلن علوا كبيرا [ آية : ٤ ] ، يقول : ولتقهرن قهراً شديداً حتى تذلوا ، وذلك بمعصيتهم اللّه عز وجل . فذلك قوله تعالى : ٥فإذا جاء وعدُ أُولهما ، يعنى وقت أول الهلاكين بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد ، بختنصر المجوسي ملك بابل وأصحابه فجاسوا خلال الديار ، يعنى فقتل الناس في الأزقة ، وسبي ذراريهم ، وخرب بيت المقدس ، وألقى فيه الجيف ، وحرق التوراة ، ورجع بالسبي إلى بابل ، فذلك قوله سبحانه : وكان وعدا مفعولا [ آية : ٥ ] ، يعنى وعداً كائناً لا بد منه ، فكانوا ببابل سبعين سنة . ٦ثم إن اللّه عز وجل استنقذهم على يد كروس بن مزدك الفارس ، فردهم إلى بيت المقدس ، فذلك قوله عز وجل : ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين ، حتى كثروا ، فذلك قوله عز وجل : وجعلناكم أكثر نفيرا [ آية : ٦ ] ، يعنى أكثر رجالاً منكم قبل ذلك ، فكانوا بها مائتي سنة وعشر سنين ، فيهم أنبياء . ٧الإسراء : ٧ إن أحسنتم أحسنتم . . . . . قال سبحانه : إن أحسنتم العمل للّه بعد هذه المرة أحسنتم لأنفسكم ، فلا تهلكوا وإن أسأتم فلها ، يعنى وإن عصيتم فعلى أنفسكم ، فعادوا إلى المعاصي الثانية ، فسلط اللّه عليهم أيضاً انطباخوس بن سيس الرومي ملك أرض نينوي ، فذلك قوله عز وجل فإذا جاء وعد الآخرة ، يعنى وقت آخر الهلاكين لِيسوئوا وجوهكم ، يعنى ليقبح وجوهكم ، فقتلهم وسبي ذراريهم ، وخرب بيت المقدس ، وألقى فيه الجيف ، وقتل علماءهم ، وحرق التوراة ، فذلك قوله عز وجل : وليدخلواْ المسجد ليدخلوا المسجدِ ، يعنى بيت المقدس ، انطياخوس بن سيس ومن معه بيت المقدس كما دخلوه أول مرة ، يقول : كما دخله بختنصر المجوسي وأصحابه قبل ذلك ، قال سبحانه : وليتبروا ما علوا تتبيرا [ آية : ٧ ] ، يقول عز وجل : وليدمروا ما علوا ، يقول : ما ظهروا عليه تدميراً ، كقوله سبحانه في الفرقان : وكلا تبرنا تتبيرا [ الفرقان : ٣٩ ] ، يعنى وكلا دمرنا تدميراً . ٨الإسراء : ٨ عسى ربكم أن . . . . . ثم قال : عسى ربكم أن يرحمكم ، فلا يسلط عليكم القتل والسبي ، ثم إن اللّه عز وجل استنقذهم على يدي المقياس ، فردهم إلى بيت المقدس فعمروه ، ورد اللّه عز وجل إليهم ألفتهم ، وبعث فيهم أنبياء ، ثم قال لهم : وإن عدتم عدنا ، يقول : وإن عدتم إلى المعاصي عدنا عليكم بأشد مما أصابكم ، يعنى من القتل والسبي ، فعادوا إلى الكفر ، وقتلوا يحيى بن زكريا ، فسلط اللّه عليهم ططس بن استاتوس الرومي ، ويقال : اصطفابوس ، فقتل على دم يحيى بن زكريا مائة ألف وثمانين ألفا من اليهود ، فهم الذين قتلوا الرقيب على عيسى الذي كان شبه لهم ، وسبي ذراريهم ، وأخرق التوراة ، وخرب بيت المقدس ، وألقى فيه الجيف ، وذبح فيه الجنازير ، فلم يزل خراباً حتى جاء الإسلام ، فعمره المسلمون ، وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا [ آية : ٨ ] ، يعنى محسباً لا يخرجون منها أبداً ، كقوله عز وجل : للفقراء الذين أحصروا [ البقرة : ٢٧٣ ] ، يعنى حبسوا في سبيل اللّه . ٩الإسراء : ٩ إن هذا القرآن . . . . . إن هذا القرآن يهدي ، يعنى يدعو للتي هي أقوم ، يعنى أصوب ، ويبشر القرآن المؤمنين ، يعنى المصدقين الذين يعملون الصالحات من الأعمال بما فيه من الثواب ، فذلك قوله سبحانه : أن لهم أجرا كبيرا [ آية : ٩ ] ، يعنى جزاء عظيماً في الآخرة . ١٠الإسراء : ١٠ وأن الذين لا . . . . . وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة ، يعنى بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال أعتدنا لهم عذابا أليما [ آية : ١٠ ] ، يعنى عذاباً وجيعاً . ١١الإسراء : ١١ ويدع الإنسان بالشر . . . . . ويدع الإنسان بالشر على نفسه ، يعنى النضر بن الحارث ، حين قال : ائتنا بعذاب أليم [ الأنفال : ٣٢ ] دعاءه بالخير ، كدعائه بالخير لنفسه وكان الإنسان عجولا [ آية : ١١ ] ، يعنى آدم ، عليه السلام ، حين نفخ فيه الروح من قبل رأسه ، فلما بلغت الروح وسطه عجل ، فأراد أن يجلس قبل أن تتم الروح وتبلغ إلى قدميه ، فقال اللّه عز وجل : وكان الإنسان عجولا ، وكذلك النضر يستعجل بالدعاء على نفسه كعجلة آدم عليه السلام ، في خلق نفسه ، إذا أراد أن يجلس قبل أن يتم دخول الروح فيه ، فتبلغ الروح إلى قدميه ، فعجلة الناس كلهم ورثوها عن أبيهم آدم ، عليه السلام ، فذلك قوله سبحانه : وكان الإنسان عجولا ١٢الإسراء : ١٢ وجعلنا الليل والنهار . . . . . وجعلنا اليل والنهار ءايتين ، يعنى علامتين مضيئتين ، فكان ضوء القمر مثل ضوء الشمس ، فلم يعرف الليل من النهار ، يقول اللّه تعالى : فمحونا ءاية اليل ، يعنى علامة القمر ، فالمحو السواد الذي في وسط القمر ، فمحي من القمر تسعة وستين جزءاً ، واحد من سبعين جزءاً من الشمس ، فعرف الليل من النهار وجعلنا ءاية ، يعنى علامة النهار ، وهي الشمس مُبصرةً ، يعنى أقررنا ضوءها فيها لتبتغوا فضلاً من ربكم ، يعنى رزقاً ولتعلموا بها عدد السنين والحساب وكل شيءٍ فصلاناهُ تفصيلاً [ آية : ١٢ ] ، يعنى بيناه تبياناً . ١٣الإسراء : ١٣ وكل إنسان ألزمناه . . . . . وكل إِنسان ألزمناهُ طائرهُ ، يعنى عمله الذي عمل ، خيراً كان أو شراً ، فهو في عُنقه لا يفارقه حتى يحاسب عليه ونُخرج لَهُ يوم القيامة كتاباً يلقهُ منشوراً [ آية : ١٣ ] ، وذلك أن ابن آدم إذا ما طويت صحيفته التي فيها عمله ، فإذا كان يوم القيامة ، نشر كتابة ، فدفع إليه منشوراً . ١٤الإسراء : ١٤ اقرأ كتابك كفى . . . . . ثم يقال له : اقرأ كتابكَ كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً [ آية : ١٤ ] ، يعنى شهيداً ، فلا شاهد عليك أفضل من نفسك ، وذلك حين واللّه ربنا ما كنا مشركينَ الأنعام : ٢٣ ] ، ختم اللّه على ألسنتهم ، ثم أمر الجوارح ، فشهدت عليه بشركة وتكذيبه ، وذلك قوله سبحانه : كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً ، وذلك قوله عز وجل : بل الإنسان على نفسه بصيرةُ [ القيامة : ١٤ ] ، يعنى جوارحهم حين شهدت عليهم أنفسهم ، وألسنتهم ، وأيديهم ، وأرجلهم . ١٥الإسراء : ١٥ من اهتدى فإنما . . . . . من اهتدى فإنما يهتدى لنفسه الخير ومن ضل عن الهدى ، فإنما يضل عليها ، أي على نفسه ، يقول : فعلى نفسه إثم ضلالته ولا تزر وزارةٌ وزر أخرى ، يقول : لا تحمل نفس خطيئة نفس أخرى وما كنا معذبين في الدنيا أحداً حتى نبعث رسولاً [ آية : ١٥ ] لينذرهم بالعذاب في الدنيا بأنه نازل بهم ، كقوله سبحانه : وما أهلكنا في الدنيا من قريةٍ إلا لها منذرون [ الشعراء : ٢٠٨ ] . ١٦الإسراء : ١٦ وإذا أردنا أن . . . . . وإذا أردنا أن نهلك قريةً بالعذاب في الدنيا أمرنا مترفيها ، ي قوله : أكثرنا جبابرتها فبطروا في المعيشة ففسقوا فيها ، يقول : فعصوا في القرية فحق عليها القول ، يعنى فوجب عليهم الذي سبق لهم في علم اللّه عز وجل فدمرنها تدميراً [ آية : ١٦ ] ، يقول : فأهلكناها بالعذاب هلاكاً . ١٧الإسراء : ١٧ وكم أهلكنا من . . . . . يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية ، فقال سبحانه : وكم أهلكنا بالعذاب في الدنيا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده ، يقول : كفار مكة خبيرا بصيراً [ آية : ١٧ ] ، يقول اللّه عز وجل : فلا أحد أخبر بذنوب العباد من اللّه عز وجل ، يعنى كفار مكة . ١٨الإسراء : ١٨ من كان يريد . . . . . من كان يريد في الدنيا العاجلة عجلنا له فيها ، يعنى في الدنيا ما نشاء لمن نريد من المال ثم جعلنا له جهنم ، يقول : ثم نصيره إلى جهنم يصلها مذموماً عند اللّه مدحوراً [ آية : ١٨ ] ، يعنى مطروداً في النار ، نزلت في ثلاثة نفر من ثقيف ، فرقد بن يمامة ، وأبي فاطمة بن البحتري ، وصفوان ، وفلان ، وفلان . ١٩الإسراء : ١٩ ومن أراد الآخرة . . . . . ومن أراد الأخرة من الأبرار بعلمه الحسن ، وهو مؤمن ، يعنى بالدار الآخرة ، وسعى لها سعيها ، يقول : للآخرة عملها وهو مؤمن ، يعنى مصدق بتوحيد اللّه عز وجل فأولئك كان سعيهم مشكوراً [ آية : ١٩ ] ، فشكر اللّه عز وجل سعيهم ، فجزاهم بعلمهم الجنة ، نزلت في بلال المؤذن وغيره . ٢٠الإسراء : ٢٠ كلا نمد هؤلاء . . . . . قال سبحانه : كلاً نمد هؤلآء وهؤلآء البر والفاجر ، يعنى هؤلاء النفر من المسلمين ، وهؤلاء النفر من ثقيف من عطاء ربك ، يعنى رزق ربك وما كان عطاء ربك ، يعنى رزق ربك محظورا [ آية : ٢٠ ] ، يعنى ممسكاً ، يعنى ممنوعاً . ٢١الإسراء : ٢١ انظر كيف فضلنا . . . . . انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض ، يعنى الفجار ، يعنى من كفار ثقيف على بعض في الرزق في الدنيا ، يعنى الأبرار بلال بن رباح ومن معه وللآخرة أكبر درجت في الآخرة ، يعنى أعظم فضائل وأكبر ، يعنى وأعظم تفضيلا [ آية : ٢١ ] من فضائل الدنيا ، فلما صار هؤلاء إلى الآخرة ، أعطى هؤلاء المؤمنون بلال ومن معه ، أعطوا في الآخرة فضلاً كبيراً أكثر مما أعطى الفجار في الدنيا ، يعنى ثقيفاً . ٢٢الإسراء : ٢٢ لا تجعل مع . . . . . لا تجعل مع اللّه إلهاً ءاخر ، يقول للنبي صلى اللّه عليه وسلم : لا تضف مع اللّه إلهاً ، وذلك حين دعى النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى ملة آبائه فتقعد مذموما ، ملوماً تلام عند الناس مخذولا [ آية : ٢٢ ] في عذاب اللّه تعالى . ٢٣الإسراء : ٢٣ وقضى ربك ألا . . . . . حدثنا عبيد اللّه ، قال : حدثني أبي ، عن الهذيل ، عن مقاتل ، عن الضحاك ، عن ابن مسعود ، أنه كان في المصحف : ووصى ربك ، فالتزق الواو بالصاد ، فقال : وقضى ربك ، يعنى وعهد ربك ألا تعبدوا إلا إياه ، يعنى ألا توحدوا غيره وبالوين إحسنا براً بهما إما يبلغن عندك الكبر ، يعنى أبويه ، يعنى سعد بن أبي وقاص أحدهما ، يعنى أحد الأبوين أو كلاهما ، فبرهما فلا تقل لهما أف ، يعنى الكلام الرديء ، أن تقول : اللّهم أرحني منهما ، أو تغلظ عليهما في القول عند كبرهما ، ومعالجتك إياهما وعند مبط القذر عنهما ولا تنهرهما عند المعالجة ، يعنى تغلظ لهما القول : وقل لهما قولا كريما [ آية : ٢٣ ] ، يعنى حسناً ليناً . ٢٤الإسراء : ٢٤ واخفض لهما جناح . . . . . واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ، يقول : تلين جناحك لهما رحمة بهما ، وقل رب ارحمهما عندما تعالج منهما كما ربياني صغيرا [ آية : ٢٤ ] ، يعنى كما عالجا ذلك منى صغيراً ، فالطف بهما ، واعصهما في الشرك ، فإنه ليس معصيتك إياهما في الشرك قطيعة لهما ، ثم نسخت : رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى [ التوبة : ١١٣ ] . ٢٥الإسراء : ٢٥ ربكم أعلم بما . . . . . ثم قال تعالى : ربكم أعلم بما في نفوسكم ، يقول : هو أعلم بما في نفوسكم منكم من البر للوالدين عند كبرهما ، فذلك قوله تعالى : إن تكونوا صلحين ، يعنى محتسبين مما تعالجون منهما أو لا تحسبون فإنه كان للأوبين غفورا [ آية : ٢٥ ] ، يعنى المتراجعين من الذنوب إلى طاعة الوالدين غفوراً . ٢٦الإسراء : ٢٦ وآت ذا القربى . . . . . وءات ، يعنى فأعط ذا القربى حقه ، يعنى صلته ، ثم قال تعالى : والمسكين ، يعنى السائل ، فتصدق عليه و حق وابن السبيل أن تحسن إليه ، وهو الضيف نازل عليه ، قوله سبحانه : ولا تبذراً تبذيرا [ آية : ٢٦ ] ، يعنى المنفقين في غير حق . ٢٧الإسراء : ٢٧ إن المبذرين كانوا . . . . . ثم قال : إن المبذرين ، يعنى المنفقين ، يعنى كفار مكة ، في غير حق كانوا إخوان الشيطين في المعاصي وكان الشيطن ، يعنى إبليس وحده لربه كفورا [ آية : ٢٧ ] ، يعنى عاص . ٢٨الإسراء : ٢٨ وإما تعرضن عنهم . . . . . ثم رجع إلى المسكين وابن السبيل ، فقال : وإما تعرضن عنهم ، نزلت في خباب ، وبلال ، ومهجع ، وعمار ، ونحوهم من الفقراء ، كانوا يسألون النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فلا يجد ما يعطيهم فيعرض عنهم فيسكت ، ثم قال عز وجل : ابتغاء رحمة من ربك ترجوها ، يعنى انتظار رزق من ربك ترجوها من اللّه أن يأتيك فقل لهم قولا ميسورا [ آية : ٢٨ ] ، يقول : اردد عليهم معروفاً ، يعنى العدة الحسنة أنه سيكون فأعطيكم . ٢٩الإسراء : ٢٩ ولا تجعل يدك . . . . . ثم علمهم كيف يعمل في النفقة ، فقال سبحانه : ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ، يقول : ولا تمسك يدك من البخل عن النفقة في الحق ولا تبسطها ، يعنى في العطية كل البسط ، فلا تبقى عندك ، فإن سئلت لم تجد ما تعطيهم ك قوله : يد اللّه مغلولة [ المائدة : ٦٤ ] فتقعد ملوما يلومك الناس محسورا [ آية : ٢٩ ] ، يعنى منقطعاً بك ، كقوله سبحانه في تبارك الملك : وهو حسير [ الملك : ٤ ] ، يعنى منقطع به . ٣٠الإسراء : ٣٠ إن ربك يبسط . . . . . إن ربك يبسط الرزق ، يعنى يوسع الرزق لمن يشاء ويقدر ، يعنى ويقتر على من يشاء إنه كان بعباده خبيرا ، بأمر الرزق بالسعة والتقتير بصيرا [ آية : ٣٠ ] به . ٣١الإسراء : ٣١ ولا تقتلوا أولادكم . . . . . ولا تقتلوا أولادكم ، يعنى دفن البنات وهن أحياء خشيةَ إملقٍ ، يعنى مخافة للفقر نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئاً ، يعنى إثماً كبيرا [ آية : ٣١ ] . ٣٢الإسراء : ٣٢ ولا تقربوا الزنى . . . . . قوله سبحانه : ولا تقربوا الزنى إنه كان فحشة ، يعنى معصية وساء سبيلا [ آية : ٣٢ ] ، يعنى المسلك ، لم يكن يومئذ في الزنا حد ، حتى نزل الحد بالمدنية في سورة النور . ٣٣الإسراء : ٣٣ ولا تقتلوا النفس . . . . . [ ولا تقتلوا النفس التي حرم اللّه ] قتلها ، يعنى باغياً إلا بالحق الذي يقتل فيقتل به ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه ، يعنى ولى المقتول سلطنا ، يعنى مسلطاً على القتلى إن شاء قبله ، وإن شاء عفا عنه ، وإن شاء أخذ الدية ، ثم قال لولى المقتول : فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا [ آية : ٣٣ ] من أمر اللّه عز وجل في كتابه ، جعل الأمر إليه ، ولا تقتلن غير القاتل ، فإن من قتل غير القاتل ، فقد أسرف ؛ لقوله سبحانه : إنه كان منصورا . ٣٤الإسراء : ٣٤ ولا تقربوا مال . . . . . ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ، إلا لتنمى ماله بالأرباح ، نسختها : إن تخالطوهم فإخوانكم [ البقرة : ٢٢٠ ] حتى يبلغ أشده ، يعنى ثماني عشرة سنة ، وأوفوا بالعهد فيما بينكم وبين الناس إن العهد إذا نقض كان مسئولاً [ آية : ٣٤ ] ، يقول : اللّه سائلكم عنه في الآخرة . ٣٥الإسراء : ٣٥ وأوفوا الكيل إذا . . . . . وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس ، يعنى بالميزان بلغة الروم المستقيم ذلك الوفاء خير من النقصان وأحسن تأويلا [ آية : ٣٥ ] ، يعنى وخير عاقبة في الآخرة . ٣٦الإسراء : ٣٦ ولا تقف ما . . . . . ولا تقف ما ليس لك به علم ، يقول : ولا ترم بالشرك ، فإنه ليس لك به علم إن لي شريكاً ، ثم حذرهم : إن السمع والبصير والفؤاد ، يعنى القلب كل أولئك كان عنه مسئولاً [ آية : ٣٦ ] ، يعنى عن الشرك مسئولاً في الآخرة . ٣٧الإسراء : ٣٧ ولا تمش في . . . . . ولا تمش في الأرض مرحا ، يعنى بالعظمة ، والخيلاء ، والكبرياء إنك لن تخرق الأرض إذا مشيت بالخيلاء والكبرياء ولن تبلغ رأسك الجبال طولا [ آية : ٣٧ ] إذا تكبرت . ٣٨الإسراء : ٣٨ كل ذلك كان . . . . . كل ذلك ، يعنى كل ما أمر اللّه عز وجل به ، ونهى عنه في هؤلاء الآيات ، كان سيئه ، يعنى ترى ما أمر اللّه عز وجل به ، ونهى عنه في هؤلاء الآيات ، أي وركوب ما نهى عنه ، كان عند ربك مكروها [ آية : ٣٨ ] . ٣٩الإسراء : ٣٩ ذلك مما أوحى . . . . . ذلك مما آوحى إليك ربك ، أي ذلك أمر اللّه به ونهى عنه في هؤلاء الآيات من الحكمة التي أوحاها إليك يا محمد ، ثم قال للنبي صلى اللّه عليه وسلم : ولا تجعل مع اللّه إلهاً ءاخر ، فإن فعلت فتلقى في جهنم ملوما ، تلوم نفسك يومئذ مدحورا [ آية : ٣٩ ] ، يعنى مطروداً في النار ، كقوله سبحانه : ويقذفون من كل جانب دحورا [ الصافات : ٨ ، ٩ ] ، يعنى طرداً . ٤٠الإسراء : ٤٠ أفأصفاكم ربكم بالبنين . . . . . قل يا محمد لكفار مكة : أفأصفاكم ربكم بالبنين ، نزلت هذه الآية بعد قوله : قل لو كان معه آلهة كما يقولون [ الإسراء : ٤٢ ] ، يعنى مشركي العرب حين الملائكة بنات الرحمن واتخذ لنفسه من الملائكة إِنثاً ، يعنى البنات ، إنكم لتقولون قولا عظيما [ آية : ٤٠ ] حين تقولون : إن الملائكة بنات اللّه عز وجل . ٤١الإسراء : ٤١ ولقد صرفنا في . . . . . ولقد صرفنا في هذا القرءان في أمور شتى ليذكروا فيعتبروا وما يزيدهم القرآن إلا نفورا [ آية : ٤١ ] ، يعنى إلا تباعداً عن الإيمان بالقرآن ، كقوله تعالى : بل لجوا في عتو ونفور [ الملك : ٢١ ] ، يعني تباعداً . ٤٢الإسراء : ٤٢ قل لو كان . . . . . قل لكفار مكة : لو كان معهُ ءالهة كما يقولون ، حين يزعمون أن الملائكة بنات الرحمن ، فيعبدونهم ليشفعوا لهم عند اللّه عز وجل في الآخرة إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا [ آية : ٤٢ ] ، ليغلبوه ويقهروه ، كفعل ملوك الأرض بعضهم ببعض ، يلتمس بعضهم أن يقهر صاحبه ويعلوه . ٤٣الإسراء : ٤٣ سبحانه وتعالى عما . . . . . ثم قال : سبحانه نزه نفسه تعالى عن قول البهتان ، فقال : وتعالى ، يعنى وارتفع عما يقولون من البهتان علوا كبيرا [ آية : ٤٣ ] ، نظيرها في المؤمنين . ٤٤الإسراء : ٤٤ تسبح له السماوات . . . . . ثم عظم نفسه جل جلاله ، فقال سبحانه : تسبح له ، يعنى تذكره السموات السبع والأرض ومن فيهن وإِن شيءٍ ، يعنى وما من شيء إلا يُسبحُ بحمده ، يقول : إلا يذكر اللّه بأمره ، يعني من نبت ، إذا كان في معدنه يسبحون بحمد ربهم [ الزمر : ٧٥ ] ، كقوله سبحانه : ويسبحُ الرعد بحمده [ الرعد : ١٣ ] ، يعنى بأمره ، من نبت ، أو دابة ، أو خلق ولكن لا تفقهون تسبيحهم ، يقول : ولكن لا تسمعون ذكرهم للّه عز وجل إِنهُ كان حليماً عنهم ، يعنى عن شركهم غفوراً [ آية : ٤٤ ] ، يعنى ذو تجاوز عن قولهم ، ل قوله : لو كان معهُ آلهة كما يزعمون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً ، بأن الملائكة بنات اللّه ، حين لا يعجل عليهم بالعقوبة ، غفوراً في تأخير العذاب عنهم إلى المدة ، مثلها في سورة الملائكة ، قوله سبحانه : إِن اللّه يمسك السماوات والأرض أن تزولاً . . . [ فاطر : ٤١ ] آخر الآية : إنَّهُ كان حليماً ، يعنى ذو تجاوز عن شركهم غَفُوراً في تأخير العذاب عنهم إلى المدة . ٤٥الإسراء : ٤٥ وإذا قرأت القرآن . . . . . وَإذا قرأَت القرآن في الصلاة أو غير الصلاة جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بِالأخرة ، يعنى لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال حجاباً مستوراً [ آية : ٤٥ ] ، نزلت في أبي لهب وامرأته ، وأبي البحتري ، وزمعة اسمه عمرو بن الأسود ، وسهيل ، وحويطب ، كلهم من قريش ، يعنى بالحجاب المستور . ٤٦الإسراء : ٤٦ وجعلنا على قلوبهم . . . . . قوله تعالى : وجعلنا على قُلوبهم أكنةً ، يعنى الغطاء على القلوب أَن يفقهوهُ ، لئلا يفقهوا القرآن وفي ءاذانهم وقراً ، يعنى ثقلاً لئلا يسمعوا القرآن وإذا ذكرت ربك في القرآن وحدهُ ، فقلت : لا إله إلا اللّه ولوا على أدبرهم نُفوراً [ آية : ٤٦ ] ، يعنى أعرضوا عن التوحيد ونفروا عنه كراهية التوحيد ، وذلك حين قال لهم النبي صلى اللّه عليه وسلم يود دخلوا على أبي طالب وهم الملأ ، فقال : ′ قولوا : لا إله إلا اللّه ، تملكون بها العرب وتدين لكم العجم . ٤٧الإسراء : ٤٧ نحن أعلم بما . . . . . نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك يا محمد وأنت تقرأ القرآن وإذ هم نجوى ، فبين نجواهم في سورة الأنبياء : وأسروا النجوى الذين ظلموا ، يعنى فيما بينهم هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون [ الأنبياء : ٣ ] ، فذلك قوله سبحانهُ : إذ يقول الظالمون ، يعنى الوليد بن المغيرة وأصحابه إن تتبعون إلا رجلا مسحورا [ آية : ٤٧ ] ، يعنى بالمسحور المغلوب على عقله ، نظيرها في الفرقان : وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا [ الفرقان : ٨ ] . ٤٨الإسراء : ٤٨ انظر كيف ضربوا . . . . . انظر كيف ضربوا لك الأمثال ، يعنى كيف وصفوا لك الأنبياء حين إنك ساحر فضلوا عن الهدي فلا يستطيعون ، يعنى فلا يجدون سبيلا [ آية : ٤٨ ] ، يعنى لا يقدرون على مخرج مما قالوا لك بأنك ساحر . ٤٩الإسراء : ٤٩ وقالوا أئذا كنا . . . . . وقالوا أَءذا كنا عظماً ورفاتاً ، يعنى تراباً أَءنا لمبعوثونَ بعد الموت خلقا جديدا [ آية : ٤٩ ] ، يعنى البعث . ٥٠الإسراء : ٥٠ قل كونوا حجارة . . . . . و قل لهم يا محمد : كونوا حجارة في القوة أو حديدا [ آية : ٥٠ ] في الشدة ، فسوف يميتكم ثم يبعثكم ، ثم تحيون من الموت . ٥١الإسراء : ٥١ أو خلقا مما . . . . . أو خلقا مما يكبر في صدوركم ، يعنى مما يعظم في قلوبكم ، قل لو كنتم أنتم الموت لأمتكم ثم بعثتكم في الآخرة فسيقولون من يعيدنا ، يعني من يبعثنا أحياء من بعد الموت قل الذي فطركم أول مرة ، يعنى خلقكم أول مرة في الدنيا ولم تكونوا شيئاً ، فهو الذي يبعثكم في الآخرة فسينغضون إليك ، يعنى يهزون إليك ، رُءوسهم استهزاء وتكذيباً بالبعث ويقولون متى هو ، يعنون البعث قل عسى أن يكون البعث قريبا [ آية : ٥١ ] . ٥٢الإسراء : ٥٢ يوم يدعوكم فتستجيبون . . . . . ثم أخبر عنهم ، فقال سبحانه : يوم يدعوكم من قبوركم في الآخرة ، فتستجيبون بحمده ، يعنى تجيبون الداعي بأمره وتظنون ، يعنى وتحسبون أن ، يعنى ما لبثتم في القبور إلا قليلا [ آية : ٥٢ ] ، وذلك أن إسرافيل قائم على صخرة بيت المقدس يدعو أهل القبور في قرن ، فيقول : أيتها اللحوم المتفرقة ، وأيتها العروق المتقطعة ، وأيتها الشعور المتفرقة ، اخرجوا إلى فصل القضاء لتنفخ فيكم أرواحكم ، وتجازون بأعمالكم ، فيخرجون ، ويديم المنادي الصوت ، فيخرجون من قبورهم ، ويسمعون الصوت ، فيسعون إليه ، فذلك قوله سبحانه : فإذا هم جميع لدنيا مُحضرونَ [ يس : ٥٣ ] . ٥٣الإسراء : ٥٣ وقل لعبادي يقولوا . . . . . وقل لعبادي ، يعنى عمر بن الخطاب ، رضي اللّه عنه يقولوا التي هي أحسن ، ليرد خيراً على من شتمه ، وذلك أن رجلاً من كفار مكة شتمه ، فهم به عمر ، رضي اللّه ، فأمره اللّه عز وجل بالصفح والمغفرة ، نظيرها في الجاثية : قل للذين آمنوا [ الجاثية : ١٤ ] إلى آخر الآية إِن الشيطان ينزع بينهم ، يعنى يغري بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا [ آية : ٥٣ ] . ٥٤الإسراء : ٥٤ ربكم أعلم بكم . . . . . ربكم أعلم بكم من غيره إن يشأ يرحمكم ، فيتوب عليكم أَو إِن يشاء يعذبكم ، فيميتكم على الكفر ، نظيرها في الأحزاب : ليعذب اللّه المنافقين والمنافقات [ الأحزاب : ٧٣ ] وما أرسلناك عليهم وكيلا [ آية : ٥٤ ] ، يعنى مسيطراً عليهم . ٥٥الإسراء : ٥٥ وربك أعلم بمن . . . . . وربكَ أَعلمُ بمن في السموات والأرض ولقد فضلنا بعض النبين على بعض ، منهم من كلم اللّه ، ومنهم من اتخذه اللّه خليلاً ، ومنهم من سخر اللّه له الطير ، والجبال ، ومنهم من أعطى ملكاً عظيماً ، ومنهم من يحيى الموتى ، ويبرئ الأكمة والأبرص ، ومنهم من رفعه اللّه عز وجل إلى السماء ، فكل واحد منهم فضل بأمر لم يعطه غيره ، فهذا تفضيل بعضهم على بعض ، قال سبحانه : وءاتينا ، يعنى وأعطينا داود زبورا [ آية : ٥٥ ] ، مائة وخمسين سورة ، ليس فيها حكم ، ولا حد ، ولا فريضة ، ولا حلال ، ولا حرام ، وإنما هو ثناء على اللّه عز وجل ، وتمجيد وتحميد . ٥٦الإسراء : ٥٦ قل ادعوا الذين . . . . . قل لكفار مكة : ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهة من دونه ، من دون اللّه ، يعنى الملائكة ، فليكشفوا الضر عنكم ، يعنى الجوع سبع سنين إذا نزل بكم ، ثم أخبر عن الملائكة الذين عبدوهم ، فقال سبحانه : فلا يملكون ، يعنى لا يقدرون على كشف الضر عنكم ، يعنى الجوع الذي أصابهم بمكة سبع سنين حتى أكلوا الميتة ، والكلاب ، والجيف ، فيرفعونه عنكم ولا تحويلا [ آية : ٥٦ ] ، يقول : ولا تقدر الملائكة على تحويل هذا الضر عنكم إلى غيره ، فكيف تعبدونهم ، مثلها في سورة سبأ : قل ادعوا الذين زعمتم من دون اللّه لا يملكون مثقال ذرة [ سبأ : ٢٢ ] ، يعنى أصغر النمل التي لا تكاد أن ترى من الصغر ، وهي النملة الحمراء . ٥٧الإسراء : ٥٧ أولئك الذين يدعون . . . . . ثم قال بعضهم : أولئك الذين يدعون ، يقول : أولئك الملائكة الذين تعدونهم ، يبتغون إلى ربهم الوسيلة ، يعنى الزلفة ، وهي القربة بطاعتهم أيهم أقرب إلى اللّه درجة ، مثل قوله سبحانه : وابتغوا إليه الوسيلة [ المائدة : ٣٥ ] ، يعنى القربة إلى اللّه عز وجل ويرجون رحمته ، يعنى جنته ، نظيرها في البقرة : أولئك يرجون رحمة اللّه [ البقرة : ٢١٨ ] ، يعنى جنة اللّه عز وجل ويخافون عذابه ، يعنى الملائكة إن عذاب ربك كان محذورا [ آية : ٥٧ ] ، يقول : يحذره الخائفون له ، فابتغوا إليه الزلفة كما تبتغي الملائكة وخافوا أنتم عذابه كما يخافون ، وارجعوا أنتم رحمته كما يرجون : ف إن عذاب ربك كان محذورا . ٥٨الإسراء : ٥٨ وإن من قرية . . . . . وإن من قرية ، يقول : وما من قرية طالحة أو صالحة إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا ، فأما الصالحة ، فهلاكها بالموت ، وأما الصالحة ، فيأخذها العذاب في الدنيا كان ذلك ، يعنى هلاك الصالحة بالموت ، وعذاب الطالحة في الدنيا في الكتاب مسطورا [ آية : ٥٨ ] ، يعنى في أم الكتاب مكتوباً ، يعنى اللوح المحفوظ ، فتموت أو ينزل بها ذلك . ٥٩الإسراء : ٥٩ وما منعنا أن . . . . . وما منعنا أَن نُرسل بالأيت مع محمد صلى اللّه عليه وسلم ، وذلك أن عبد اللّه بن أبي أمية بن المغيرة ، والحارث بن هشام بن المغيرة المخزومين ، سألاً للنبي صلى اللّه عليه وسلم أن يريهم اللّه الآيات كما فعل بالقرون الأولى ، وسؤالهما النبي صلى اللّه عليه وسلم أنهما قالا في هذه السورة : وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا إلى آخر الآيات ، فأنزل اللّه عز وجل : وما منعنا أن نُرسل بالأيتِ إلى قومك كما سألوا إلا أن كذب بها الأولون ، يعنى الأمم الخالية ، فعذبتهم ، ولو جئتهم بآية فردوها وكذبوا بها أهلكناهم ، كما فعلنا بالقرآن الأولى ، فلذلك أخرنا الآيات عنهم ، قال سبحانه : وءاتينا ، يعنى وأعطينا ثُمود الناقة مُصرةً ، يعنى معاينة يبصرونها فظلموا بها ، يعنى فجحدوا بها أنها ليست من اللّه عز وجل ، ثم عقروها ، ثم قال عز وجل : وما نرسل بالآيات إلا تخويفا [ آية : ٥٩ ] للناس ، فإن لم يؤمنوا بها عذبوا في الدنيا . ٦٠الإسراء : ٦٠ وإذ قلنا لك . . . . . وإذ ، يعنى وقد قلنا لك إن ربك أحاط بالناس ، يعنى حين أحاط علمه بأهل مكة أن يفتحها على النبي صلى اللّه عليه وسلم ، قال سبحانه : وما جعلنا الرءيا التي أريناك إلا فتنةً للناس ، يعنى الإسراء ليلة أسرى به إلى بيت المقدس ، فكانت لأهل مكة فتنة ، ثم قال سبحانه : والشجرة الملعونة في القرآن ، يعنى شجرة الزقوم ، قال سبحانه : ويخوفهم بها ، يعنى بالنار والزقوم فما يزيدهم التخويف إلا طغيانا ، يعنى إلا ضلالاً كبيرا [ آية : ٦٠ ] ، يعنى شديداً ، وقال أيضاً في الصفات لقولهم الزقوم التمر والزبد : إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين [ الصفات : ٦٤ ، ٦٥ ] ، ولا يشبه طلع النخل . وذلك أن اللّه عز وجل ذكر شجرة الزقوم في القرآن ، فقال أبو جهل : يا معشر قريش ، إن محمد يخوفكم بشجرة الزقوم ، ألستم تعلمون أن النار تحرق الشجر ، ومحمد يزعم أن النار تنبت الشجرة ، فهل تدورن ما الزقوم ؟ فقال عبد اللّه بن الزبعري السهمي : إن الزقوم بلسان بربر : التمر والزبد ، قال أبو الجهل : يا جارية ، ابغنا تمراً ، فجاءته ، فقال لقريش وهم حوله : تزقموا من هذا الزقوم الذي يخوفكم به محمد ، فأنزل اللّه تبارك وتعالى : ويُخوفهم فما يزيدهم إِلا طغيناً كبِيراً ، يعنى شديداً . ٦١الإسراء : ٦١ وإذ قلنا للملائكة . . . . . وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ، منهم إبليس فسجدوا ثم استثنى ، فقال : إلا إِبليس قال ءاسجدُ لمن خلقت طيناً [ آية : ٦١ ] ، وأنا خلقتني من نار ، يقول ذلك تكبيراً . ٦٢الإسراء : ٦٢ قال أرأيتك هذا . . . . . ثم قال إبليس لربه عز وجل : أَرءيتك هذا الذي كرمت على ، يعنى فضلته على بالسجود ، يعنى آدم ، أنا ناري وهو طيني لئن أخرتن ، يقول : لئن متعتني إلى يوم القيامة لأحتنكن ، يعنى لأحتوين ذريته ذرية آدم إلا قليلا [ آية : ٦٢ ] حتى يطيعوني ، يعنى بالقليل الذي أراد اللّه عز وجل ، فقال : إن عبادي ليس لك عليهم سلطان [ الحجر : ٤٢ ] ، يعنى ملكاً . ٦٣الإسراء : ٦٣ قال اذهب فمن . . . . . ثم قال اذهب فمن تبعك منهم على دينك ، يعنى من ذرية آدم فإن جهنم جزاؤكم بأعمالكم الخبيثة جزاء ، يعنى الكفر جزاء موفورا [ آية : ٦٣ ] ، يعنى وافراً لا يفتر عنهم من عذابها شيء . ٦٤الإسراء : ٦٤ واستفزز من استطعت . . . . . قال سبحانه : واستفزز ، يقول : واستزل من استطعت منهم بصوتك ، يعنى بدعائك وأجلب ، يعنى واستعن عليهم بخيلك ، يعنى كل راكب يسير في معصيته ورجلك ، يعنى كل راجل يمشي في معصية اللّه عز وجل من الجن والإنس من يطيعك منهم وشاركهم في الأموال ، يقول : زين لهم في الأموال ، يعنى كل مال حرام ، وما حرموا من الحرث والأنعام والأولاد . حدثنا عبيد اللّه ، قال : حدثنا أبي ، عن الهذيل ، عن مقاتل ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : إن الزنا ، والغضب ، والأولاد ، يعنى كل ولد من حرام ، فهذا كله من طاعة إبليس وشركته . قال سبحانه : وعدهم ، يعنى ومنيهم الغرور ألا بعث وَما يعدهم الشيطان إِلا غُروراً [ آية : ٦٤ ] ، يعنى باطلاً الذي ليس بشيء . ٦٥الإسراء : ٦٥ إن عبادي ليس . . . . . إِن عبادي المخلصين ليس لك عليهم سُلطانٌ ملك في الكفر والشرك أن تضلهم عن الهدى وكفى بربك وكيلاً [ آية : ٦٥ ] ، يعنى حرزاً ومانعاً ، فلا أحد أمنع من اللّه عز وجل ، فلا يخلص إليهم إبليس . ٦٦الإسراء : ٦٦ ربكم الذي يزجي . . . . . ربكم الذي يزجي لكم ، يعنى يسوق لكم الفُلكَ في البحر لتبتغواْ من فضلهِ الرزق إِنهُ كانَ بِكم رحيماً [ آية : ٦٦ ] . ٦٧الإسراء : ٦٧ وإذا مسكم الضر . . . . . وَإذا مسكم الضُر ، يقول : إذا أصابكم في البحر ضل من تدعونَ ، يعنى بطل ، مثل قوله عز وجل : أَضل أعمالهم [ محمد : ١ ] ، يعنى أبطل ، من تدعون من الآلهة ، يعنى تعبدون فلا تدعونهم إنما تدعون اللّه عز وجل ، فذلك قوله سبحانه : إِلا إِياهُ ، يعني نفسه عز وجل فلما نجاكم الرب جل جلاله من البحر إِلى البر أعرضتم عن الدعاء في الرخاء ، فلا تدعون اللّه عز وجل وكان الإنسان كفوراً [ آية : ٦٧ ] للنعم حين أنجاه اللّه تعالى من أهوال البحر إلى البر ، فلم يعبده . ٦٨الإسراء : ٦٨ أفأمنتم أن يخسف . . . . . ثم خوفهم ، فقال سبحانه : أَفأمنتم إذا أخرجتم من البحر إلى الساحل إن يخسف بكم جانب البر ، يعنى ناحية من البر أَو يُرسل عليكم في البر حاصباً ، يعنى الحجارة ثم لا تجدوا لكم وكيلاً [ آية : ٦٨ ] ، يقول : ثم لا تجدوا مانعاً يمنعكم من اللّه عز وجل . ٦٩الإسراء : ٦٩ أم أمنتم أن . . . . . قال سبحانه : أَم أمنتم أَن يعيدكم فيه في البحر تارة أُخرى ، يعنى مرة أخرى ، نظيرها في طه : وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى [ طه : ٥٥ ] ، فيرسل عليكم قاصفاً ، يعنى عاصفاً من الريح ، وهي الشدة فيغرقكم بما كفرتم النعم حين أنجاكم من الغرق ، ونقضتم العهد وأنتم في البر ثم لا تجدوا لكُم علينا به تبيعاً [ آية : ٦٩ ] ، يقول : لا تجدوا علينا به تبعة مما أصبناكم به من العذاب . ٧٠الإسراء : ٧٠ ولقد كرمنا بني . . . . . ثم ذكرهم النعم ، فقال سبحانه : ولقد كرمنا بني آدم ، يقول : فضلناهم على غيرهم من الحيوان غير الملائكة حين أكلوا وشربوا بأيديهم ، وسائر الطير والدواب يأكلون بأفواههم ، ثم قال عز وجل : وحملناهم في البر على الرطب ، يعنى الدواب ، و حملناهم في والبحر ، على اليابس ، يعنى السفن ورزقناهم من غير رزق الدواب من الطيبات وفضلناهم على كَثيرٍ ممن خلقنا من الحيوان ، تفضيلاً [ آية : ٧٠ ] ، يعنى بالتفضيل أكلهم بأيديهم . ٧١الإسراء : ٧١ يوم ندعوا كل . . . . . يَوم ندعوا كُل أُناس بإمامهم ، يعنى كل أمة بكتابهم الذي عملوا في الدنيا من الخير والشر ، مثل قوله عز وجل في يس : وكل شيءٍ أحصيناهُ في إمام مُبين [ يس : ١٢ ] ، وهو اللوح المحفوظ فمن أُوتي كتابهُ بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم الذي عملوه في الدنيا ولا يظلمونَ فتيلاً [ آية : ٧١ ] ، يعنى بالفتيل القشر الذي يكون في شق النواة . ٧٢الإسراء : ٧٢ ومن كان في . . . . . ومن كان في هذه النعم أَعمى ، يعنى الكافر ، عمى عنها وهو معاينها ، فلم يعرف أنها من اللّه عز وجل ، فيشكو ربها ، فيعرفه فيوحده تبارك وتعالى فَهُوَ في الآخرة أَعمى ، يقول : فهو عما غاب عنه من أمر الآخرة من البعث والحساب والجنة والنار أعمى وأَضل سَبيلاً [ آية : ٧٢ ] ، يعنى وأخطأ طريقاً . ٧٣الإسراء : ٧٣ وإن كادوا ليفتنونك . . . . . وَإن كادوا ليفتنونك ، يعنى ثقيفاً ، يقول : وقد كادوا أن يفتنوك ، يعنى قد هموا أن يصدوك عن الذي أوحينا إليك ، كقوله سبحانه في المائدة : واحذرهم أن يفتنوك ، يعنى يصدوك عن بعض ما أنزل اللّه إليك [ المائدة : ٤٩ ] ، وذلك أن ثقيفاً أتوا النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ف نحن إخوانك ، وأصهارك ، وجيرانك ، ونحن خير أهل نجد لك سلماً ، وأضره عليك حرباً ، فإن نسلم تسلم نجد كلها ، وإن نحاربك يحاربك من وراءنا ، فأعطنا الذي نريد ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ′ وما تريدون ؟ ′ ، قالوا نسلم على ألا تجش ، ولا نعش ، ولا نحني ، يقولون : على ألا نصلي ، ولا نكسر أصناماً بأيدينا ، وكل رباً لنا على الناس فهو لنا ، وكل رباً للناس فهو عنا موضوع ، ومن وجدناه في وادي وج يقطع شجرها انتزعنا عنه ثيابه ، وضربنا ظهره وبطنه ، وحرمته كحرمة مكة ، وصيده وطيره وشجره ، وتستعمل على بني مالك رجلاً ، وعلى الأحلاف رجلاً ، وأن تمتعنا باللات والعزى سنة ولا نكسرها بأيدينا من غير أن نعبدها ؛ ليعرف الناس كرامتنا عليك وفضلنا عليهم . فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ′ أما قولكم : لا تجشي ، ولا نعشي ، والربا ، فلكم ، وأما قولكم : لا نحني ، فإنه لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود ′ ، نفعل ذلك ، وإن كان علينا فيه دناءة ، ′ وأما قولكم : لا نكسر أصنامنا بأيدينا ، فإنا سنأمر من يكسرها غيركم ′ ، ثم سكت النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ف تمتعنا باللات سنة ، فأعرض عنهم ، وجعل يكره أن يقول : لا ، فيأبون الإسلام ، فقالت ثقيف للنبي [ صلى اللّه عليه وسلم ] : إن كان بك ملامة العرب في كسر أصنامهم وترك أصنامنا ، فقل لهم : إن ربي أمرني أن أقر اللات بأرضهم سنة . فقال عمر بن الخطاب ، رضي اللّه عنه ، عند ذلك : أحرقتم قلب النبي صلى اللّه عليه وسلم بذكر اللات ، أحرق اللّه أكبادكم ، لا ، ولا ونعمة ، غير أن اللّه عز وجل لا يدع الشرك في أرض يعبد اللّه تعالى فيها ، فإما أن تسلموا كما يسلم الناس ، وإما أن تلحقوا بأرضكم ، فأنزل اللّه عز وجل : وإن كادوا ليفتنونك ، يقول : وإن كادوا ليصدونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره ، يقول سبحانه : لتقول علينا غيره ما لم نقل ؛ لقولهم للنبي صلى اللّه عليه وسلم : قل إن اللّه أمرني أن أقرها وإذا لاتخذوك خليلا [ آية : ٧٣ ] ، يعنى محباً ، نظيرها في الفرقان : فلانا خليلا [ الفرقان : ٢٨ ] ، يعنى محباً ، لطواعيتكم إياهم على ما أرادوك عليه إذاً لأحبوك . ٧٤الإسراء : ٧٤ ولولا أن ثبتناك . . . . . ولولا أن ثبتناك يا محمد بالسكوت ، فأمرت بكسر الآلهة ، إذاً لركنت إلى المعصية لقد كدت تركن ، تقول : لقد هممت سويعة أن تميل إِليهم شيئاً قَليلاً [ آية : ٧٤ ] ، يعنى أمراً يسيراً ، يقول : لقد هممت سويعة ، ك قوله : فتتولى بركنه [ الذاريات : ٣٩ ] ، يعنى بميله أمراً يسيراً . ٧٥الإسراء : ٧٥ إذا لأذقناك ضعف . . . . . يقول : لقد هممت سويعة أن تميل إليهم ، ولو أطعتهم فيما سألوك إِذا لأذقناكَ العذاب في الدنيا والآخرة ، فذلك قوله سبحانه : إِذا لأذقناكَ ضِعف الحيوة وضعف الممات ، يقول سبحانه : إذاً لأذقناك ضعف العذاب في الدنيا في حياتك ، وفي مماتك بعد ثم لا تجد لك علينا نصيراً [ آية : ٧٥ ] ، يعنى مانعاً يمنعك منا . ٧٦الإسراء : ٧٦ وإن كادوا ليستفزونك . . . . . وَإِن ، يعنى وقد كَادوا ليستفزونك ، يعنى ليستزلونك من الأرض ، يعنى أرض المدينة ، نزلت في حيي بن أخطب واليهود ، وذلك أنهم كرهوا قدوم النبي صلى اللّه عليه وسلم المدينة وحسدوه ، و يا محمد ، إنك لتعلم أن هذه الأرض ليست بأرض الأنبياء ، إنما أرض الأنبياء والرسل أرض المحشر أرض الشام ، ومتى رأيت اللّه بعث الأنبياء في أرض تهامة ، فإن كنت نبياً ، فأخرج إليها ، فإنما يمنعك منها مخافة أن يغلبك الروم ، فإن كنت نبياً ، فسيمنعك اللّه كما منع الأنبياء قبلك ، فخرج النبي صلى اللّه عليه وسلم متوجهاً إلى الشام ، فعسكر على رأس ثلاثة أميال بذي الحليفة لتنضم إليه أصحابه ، فأتاه جبريل ، عليه السلام ، بهذه الآية : كَادوا ليستفزونك من الأرض ليُخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلاً [ آية : ٧٦ ] ، يقول سبحانه : لو فعلوا ذلك لم ينظروا من بعدك إلا يسيراً حتى يعذبوا في الدنيا . الإسراء : ٧٧ سنة من قد . . . . . فرجع النبي صلى اللّه عليه وسلم سُنة من قد أرسلنا قبلك من رُسلنا ، يقول اللّه سبحانه : كذلك سنة اللّه عز وجل في أهل المعاصي ، يعنى الأمم الخالية إن كذبوا رسلهم أن يعذبوا ولا تجد لسُنتنا تحويلاً [ آية : ٧٧ ] ، إن قوله حق في أمر العذاب ، يقول : السنة واحدة فيما مضى وفيما بقى . ٧٨الإسراء : ٧٨ أقم الصلاة لدلوك . . . . . أقم الصلاة لدلوك الشمس ، يعنى إذا زالت الشمس عن بطن السماء ، يعنى عند صلاة الأولى والعصر إلى غسق الليل ، يعنى ظلمة الليل إذا ذهب الشفق ، يعنى صلاة المغرب والعشاء وقرءان الفجر ، يعنى قرآن صلاة الغداة إن قرءان الفجر كان مشهوداً [ آية : ٧٨ ] ، تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ، جميع صلاة الخمس في هذه الآية كلها . ٧٩الإسراء : ٧٩ ومن الليل فتهجد . . . . . ثم قال عز وجل : ومن اليل فتهجد به نافلة لك ، بعد المغفرة ؛ لأنه اللّه عز وجل قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأجر ، فما كان من عمل فهو نافلة ، مثل قوله سبحانه : ووهبنا له إسحاق ، حين سأل الولد ويعقوب نافلة [ الأنبياء : ٧٢ ] ، يعنى فضلاً على مسألته عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا [ آية : ٧٩ ] ، يعنى مقام الشفاعة في أصحاب الأعراف يحمده الخلق كلهم ، والعسى من اللّه عز وجل واجب . ٨٠الإسراء : ٨٠ وقل رب أدخلني . . . . . فرجع النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وقال له جبريل ، عليه السلام : وقل رب أدخلني المدينة مدخل صدق ، يعنى آمناً على رغم أنف اليهود وأخرجني من المدينة إلى مكة مخرج صدق ، يعنى آمنا على رغم أنف كفار مكة ظاهراً عليهم واجعل لي من لدنك ، يعنى من عندك سلطنا نصيراً [ آية : ٨٠ ] ، يعنى النصر على أهل مكة ، ففعل اللّه تعالى ذلك به ، فافتتحها . ٨١الإسراء : ٨١ وقل جاء الحق . . . . . فلما افتتحها رأى ثلاثمائة وستين صنما حول الكعبة ، وأساف ونائلة أحدهما عند الركن ، والآخر عند الحجر الأسود ، وفي يدي النبي صلى اللّه عليه وسلم قضيب ، فجعل النبي صلى اللّه عليه وسلم يضرب رءوسهم ويقول : وقل جاء الحق ، يعنى الإسلام وزهق البطل ، يعنى وذهب عبادة الشيطان ، يعنى الأوثان إن الباطل ، يعنى إن عبادة الشيطان ، يعنى عبادة الأصنام كان زهوقا [ آية : ٨١ ] ، يعنى ذاهباً ، مثل قوله سبحانه : فإذا هو زاهق [ الأنبياء : ١٨ ] ، يعنى ذاهب . ٨٢الإسراء : ٨٢ وننزل من القرآن . . . . . ونزل من القرءان ما هو شفاءٌ للقلوب ، يعنى بياناً للحلال والحرام ورحمة من العذاب لمن آمن بالقرآن ، قوله سبحانه : ورحمة للمؤمنين ولا يزيد القرآن الظالمين إلا خسارا [ آية : ٨٢ ] ، يعنى خسراناً . ٨٣الإسراء : ٨٣ وإذا أنعمنا على . . . . . وإذا أنعمنا على الإنسان ، يعنى الكافر بالخير ، يعنى الرزق أعرض عن الدعاء ، وئا بجانبه ، يقول : وتباعد بجانبه وإذا مسه الشر ، يعنى وإذا أصابه الفقر ، كان يُئوساً [ آية : ٨٣ ] ، يعنى آيساً من الخير . ٨٤الإسراء : ٨٤ قل كل يعمل . . . . . قل كل يعمل على شاكلته ، المحسن والمسيء على شاكلته ، على جديلته التي هو عليها فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا [ آية : ٨٤ ] . ٨٥الإسراء : ٨٥ ويسألونك عن الروح . . . . . ويسئلونك عن الروح ، نزلت في أبي جهل وأصحابه قل الروح من أمر ربي ، وهو ملك عظيم على صورة إنسان أعظم من كل مخلوق غير العرض ، فهو حافظ على الملائكة ، وجهه كوجه الإنسان ، قال سبحانه : وما أوتيتم من العلم إلا قليلا [ آية : ٨٥ ] ، عند كثيراً عندكم ، وذلك أن اليهود قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم : إن في التوراة علم كل شيء ، وقال اللّه تبارك وتعالى للنبي صلى اللّه عليه وسلم : قل لليهود : وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ، عندي كثيراً عندكم ، وعلم التوراة عندكم كثير . فقالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم : من قال هذا ؟ فواللّه ما قاله لك إلا عدو لنا ، يعنون جبريل ، عليه السلام ، ثم قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم : خاصة لنا إنا لم نؤت من العلم إلا قيلاً ؟ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ′ بل الناس كلهما عامة ′ ، فقالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم : ولا أنت ولا أصحابك ؟ فقال : ′ نعم ′ ، ف كيف تجمع بين هاتين ؟ تزعم أنك أوتيت الحكمة ، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً ، وتزعم أنك لم تؤت من العلم إلا قليلاً ، فنزلت : ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام [ لقمان : ٢٧ ] إلى آخر الآية ، نزلت : قل لو كان البحر مدادا [ الكهف : ١٠٩ ] إلى آخر الآية : ٨٦الإسراء : ٨٦ ولئن شئنا لنذهبن . . . . . قال سبحانه : ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك من القرآن ، وذلك حين دعى النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى دين آبائه ثم لا تجد لك به علينا وكيلا [ آية : ٨٦ ] ، يعنى مانعاً يمنعك منا . ٨٧الإسراء : ٨٧ إلا رحمة من . . . . . فاستثنى عز وجل : إلا رحمة من ربك ، يعنى القرآن كان رحمة من ربك اختصك بها إن فضله كان عليك كبيرا [ آية : ٨٧ ] ، يعنى عظيماً حين اختصك بذلك . ٨٨الإسراء : ٨٨ قل لئن اجتمعت . . . . . قل لئن اجتمعت الإنس والجن ، وذلك أن اللّه عز وجل أنزل في سورة هود : قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات [ هود : ١٣ ] ، فلم يطيقوا ذلك ، فقال اللّه تبارك وتعالى لهم في سورة يونس : فأتوا بسورة [ يونس : ٣٨ ] واحدة مثله ، فلم يطيقوا ذلك ، وأخبر اللّه تبارك وتعالى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال : قل لئن اجتمعت الإنس والجن ، فعان بعضهم بعضاً على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ، يقول : لا يقدرون على أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا [ آية : ٨٨ ] ، يعنى معيناً ٨٩الإسراء : ٨٩ ولقد صرفنا للناس . . . . . ولقد صرفنا للناس ، يعنى ضربنا في هذا القرآن من كل مثل ، يعنى من كل شبه في أمور شتى فأبى أكثر الناس إلا كفورا [ آية : ٨٩ ] ، يعنى إلا كفراً بالقرآن . ٩٠الإسراء : ٩٠ وقالوا لن نؤمن . . . . . وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا [ آية : ٩٠ ] ، يعنى من أرض مكة ينبوعاً ، يعنى عيناً تجري ، وذلك أن أبا جهل قال للنبي صلى اللّه عليه وسلم : سير لنا الجبال ، أو ابعث لنا الموتى فنكلمهم ، أو سخر لنا الريح ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ′ لا أطيق ذلك ، فقال عبد اللّه بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي ، وهو ابن عم أبي جهل ، والحارث بن هشام ، وهما ابنا عم ، فقالا : يا محمد ، إن كنت لست فاعلاً لقومك شيئاً مما سألوك ، فأرنا كرامتك على اللّه بأمر تعرفه ، فجر لبني أبيك ينبوعاً بمكة مكان زمزم ، فقد شق علينا الميح . ٩١الإسراء : ٩١ أو تكون لك . . . . . أو تكون لك جنة ، يعنى بستاناً من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا [ آية : ٩١ ] ، يقول : تجري العيون في وسط النخيل ، والأعناب ، والشجر . ٩٢الإسراء : ٩٢ أو تسقط السماء . . . . . أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي باللّه والملائكة قبيلا [ آية : ٩٢ ] . ٩٣الإسراء : ٩٣ أو يكون لك . . . . . أو يكون لك بيت من زخرف ، يعنى من ذهب ، فإن لم تستطع شيئاً من هذا ، فأسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً ، يعنى جانباً من السماء ، كما زعمت في سورة سبأ : إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا ، يعنى جانباً من السماء [ سبأ : ٩ ] . ثم قال : والذي يحلف به عبد اللّه ، لا أصدقك ولا أؤمن بك حتى تسند سلماً ، فترقى فيها إلى السماء ، وأنا أنظر إليك ، فتأتي بكتاب من عند اللّه عز وجل بأنك رسوله ، أو يأمرنا باتباعك ، وتجيء الملائكة يشهدون أن اللّه كتبه ، ثم قال : واللّه ما أدري إن فعلت ذلك أؤمن بك أم لا ، فذلك قوله سبحانه : أو تأتي باللّه ، معاينة ، فيخبرنا أنك نبي رسول ، أو تأتي بالملائكة قبيلاً ، يعنى كفيلاً ، يشهدون بأنك رسول اللّه عز وجل . فذلك قوله : أَو ترقى في السماءِ ولن نُؤمن لِرٌ قيكَ حتى تُنزلَ علينا ، يعنى من السماء ، كتابا نقرؤه من اللّه عز وجل بأنك رسوله خاصة ، فأنزل اللّه تعالى قل لكفار مكة سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا [ آية : ٩٣ ] ، نزه نفسه جل جلاله عن تكذيبهم إياه لقولهم لم يبعث محمداً صلى اللّه عليه وسلم رسولاً ، يقول : ما أنا إلا رسول من البشر . ٩٤الإسراء : ٩٤ وما منع الناس . . . . . وما منع الناس ، يعنى رءوس كفار مكة أن يؤمنوا ، يعنى أن يصدقوا بالقرآن إذ جاءهم الهدى ، يعنى البيان ، وهو القرآن ؛ لأن القرآن هدى من الضلالة ، إلا أن قالوا أبعث اللّه بشرا رسولا [ آية : ٩٤ ] ، نزلت في المستهزئين والمطعمين ببدر . فأنزل اللّه تبارك وتعالى : ٩٥الإسراء : ٩٥ قل لو كان . . . . . قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين ، يعنى مقيمين بها ، مثل قوله سبحانه في النساء : فإذا اطمأنتم ، يقول : فإذا أقمتم فأقيموا الصلاة [ النساء : ١٠٣ ] لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا [ آية : ٩٥ ] . ٩٦الإسراء : ٩٦ قل كفى باللّه . . . . . قُل كفى بِاللّه شهيداً بيني وبينكم ، يقول : فلا أحد أفضل من اللّه شاهداً بأني رسول اللّه إليكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا [ آية : ٦٩ ] ، حين اختص محمداً صلى اللّه عليه وسلم بالرسالة . ٩٧الإسراء : ٩٧ ومن يهد اللّه . . . . . ومن يهد اللّه لدينه فهو المهتد ومن يضلل عن دينه فلن تجد لهم أولياء من دونه ، يعنى أصحاباً من دون اللّه يهدونهم إلى الإسلام من الضلالة ونحشرهم يوم القيامة بعد الحساب على وجوههم ، قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم : كيف يمشون على وجوههم ؟ قال لهم النبي صلى اللّه عليه وسلم : ′ من أمشاهم على أقدامهم ؟ ′ ، اللّه أمشاهم ، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ′ فإن الذي أمشاهم على أقدامهم هو الذي يمشيهم على وجوههم . قال سبحانه : عميا وبكما وصما ، وذلك إذا قيل لهم : اخسؤوا فيها ولا تكلمون [ المؤمنون : ١٠٨ ] ، فصاروا فيها عمياً لا يبصرون أبداً ، وصماً لا يسمعون أبداً ، ثم قال : مأواهم ، يعنى مصيرهم جهنم ، قوله سبحانه : كلما خبت ، وذلك إذا أكلتهم النار ، فلم يبق منهم غير العظام ، وصاروا فحماً ، سكنت النار ، هو الخبت زِرناهُم سعيراً [ آية : ٩٧ ] ، وذلك أن النار إذا أكلتهم بدلوا جلوداً غيرها جدداً في النار ، فتسعر عليهم ، فذلك قوله سبحانه : زدناهم سعيرا ، يعنى وقوداً فهذا أمرهم أبداً . ٩٨الإسراء : ٩٨ ذلك جزاؤهم بأنهم . . . . . و ذلك العذاب والنار جزاؤهم بأَنهم كفروا بئايتنا ، يعنى بآيات القرآن ، وَقالوا أَءذا كُنا عظاماً ورفاتاً ، يعنى تراباً أَءنا لمبعوثونَ خلقاً جديداً [ آية : ٩٨ ] ، يعنون البعث سيرة الخلق الأول ، منهم أبي بن خلف ، وأبو الأشدين ، يقول اللّه : ٩٩الإسراء : ٩٩ أولم يروا أن . . . . . أولم يروا ، يقول : أو لم يعلموا أن اللّه الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم ، يعنى مثل خلقهم في الآخرة ، يقول : لأنهم مقرون بأن اللّه خلقهم ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن اللّه [ لقمان : ٢٥ ] ، ولا يقدرون أن يقولوا غير ذلك ، وهم مع ذلك يعبدون غير اللّه عز وجل كما خلقهم في الدنيا . فخلق السماوات والأرض أعظم وأكبر من خلق الإنسان ؛ لأنهم مقرون بأن اللّه خلقهم وخلق السماوات والأرض وجعل لهم أجلا مسمى يبعثون فيه لا ريب فيه ، يعنى لا شك فيه في البعث أنه كائن فأبى الظالمون إلا كفورا [ آية : ٩٩ ] ، يعنى إلا كفراً بالبعث ، يعنى مشركي مكة . ١٠٠الإسراء : ١٠٠ قل لو أنتم . . . . . قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي ، يعنى مفاتيح الرزق ، يعنى مقاليد السموات ، يقول : لو كان الرزق بأيديكم وكنتم تقسمونه إذا لأمسكتم خشية الإنفاق ، لأمسكتموه مخافة الفقر والفاقة وكان الإنسان ، يعنى الكافر قتورا [ آية : ١٠٠ ] ، يعنى بخيلاً ممسكاً عن نفسه . ١٠١الإسراء : ١٠١ ولقد آتينا موسى . . . . . ولقد ءاتينا ، يعنى أعطينا مُوسى تسع ءايت بيناتٍ ، يعنى واضحات : اليد ، والعصا بالأرض المقدسة ، وسبع آيات بأرض مصر : الطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والسنين ، والطمس على الدنانير والدراهم ، أولها العصا ، وآخرها الطمس فَسئل بني إسرائيل عن ذلك إذ جاءهم موسى بالهدى فقال له فرعون إني لأظنك ، يقول : إني لأحسبك يا موسى مسحورا [ آية : ١٠١ ] ، يعنى مغلوباً على عقله . ١٠٢الإسراء : ١٠٢ قال لقد علمت . . . . . قال موسى لفرعون : لقد علمت يا فرعون ما أنزل هؤلاء هؤلاء الآيات التسع إلا رب السماوات والأرض بصائر ، يعنى تبصرة وتذكرة ، ولن يقدر أحد على أن يأتي أحد بآية واحدة مثل هذه وإني لأظنك ، يعني لأحسبك ، يا فرعون مثبورا [ آية : ١٠٢ ] ، يعنى ملعوناً ، اسمه : فيطوس . ١٠٣الإسراء : ١٠٣ فأراد أن يستفزهم . . . . . فأراد أن يستفزهم من الأرض ، يعنى أن يخرجهم من أرض مصر ، مثل قوله سبحانه : وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها [ الإسراء : ٧٦ ] ، يعنى أرض المدينة فأغرقناه ومن معه جميعا [ آية : ١٠٣ ] من الجنود . ١٠٤الإسراء : ١٠٤ وقلنا من بعده . . . . . وقلنا من بعده ، يعنى من بعد فرعون لبني إسرائيل ، وهم سبعون ألفاً من وراء نهر الصين معهم التوراة : اسكنوا الأرض ، وذلك من بعد موسى ، ومن بعد يوشع بن نون فإذا جاء وعد الآخرة ، يعنى ميقات الآخرة ، يعنى يوم القيامة جئنا بكم وبقوم موسى لفيفا [ آية : ١٠٤ ] ، يعنى جميعاً . فهم وراء الصين ، فساروا من بيت المقدس في سنة ونصف سنة ، ستة آلاف فرسخ ، وبينهم وبين الناس نهر من رمل يجري ، اسمه : أردف ، يجمد كل سبت ، وذلك أن بني إسرائيل قتلوا الأنبياء ، وعبدوا الأوثان ، فقال المؤمنون منهم : اللّهم فرق بيننا وبينهم ، فضرب اللّه عز وجل سرباً في الأرض من بيت المقدس إلى وراء الصين ، فجعلوا يسيرون فيه ، يفتح أمامهم ويسد خلفهم ، وجعل لهم عموداً من نار ، فأنزل اللّه عز وجل عليهم المن والسلوى ، كل ذلك في المسير ، وهم الذين ذكرهم اللّه عز وجل في الأعراف : ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون [ الأعراف : ١٥٠ ] . فلما أسرى بالنبي صلى اللّه عليه وسلم تلك الليلة ، أتاهم فعلمهم الأذان ، والصلاة ، وسوراً من القرآن ، فأسلموا ، فهم القوم المؤمنون ، ليست لهم ذنوب ، وهم يجامعون نساءهم بالليل ، وأتاهم جبريل ، عليه السلام ، مع النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فسلموا عليه قبل أن يسلم عليهم ، فقالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم : لولا الخطايا التي في أمتك لصافحتهم الملائكة . ١٠٥الإسراء : ١٠٥ وبالحق أنزلناه وبالحق . . . . . وبالحق أنزلناه ، لما كذب كفار مكة ، يقول اللّه تبارك وتعالى : وبالحق أنزلناه ، من اللوح المحفوظ ، يعنى القرآن على محمد صلى اللّه عليه وسلم وبالحق نزل به جبريل ، عليه السلام ، لم ينزله باطلاً لغير شيء وما أرسلناك إلا مبشرا بالجنة ونذيرا [ آية : ١٠٥ ] من النار . ١٠٦الإسراء : ١٠٦ وقرآنا فرقناه لتقرأه . . . . . وَقُرءاناً فرقناهُ ، يعنى قطعناه ، يعنى فرقناه بين أوله وآخره ، عشرون سنة تترى ، لم ننزله جملة واحدة ، مثلها في الفرقان : لولا نزل عليه القرآن جملة [ الفرقان : ٣٢ ] ل كي لتقرأه على الناس على مكث ، يعنى على ترتيل للحفظة ونزلناه تنزيلا [ آية : ١٠٦ ] في ترسل آيات ، ثم بعد آيات ، يعنى القرآن . ١٠٧الإسراء : ١٠٧ قل آمنوا به . . . . . قل لكفار مكة : ءامنوا بِهِ ، يعنى القرآن أو لا تؤمنوا ، يقول : صدقوا بالقرآن أو لا تصدقوا به إن الذين أوتوا العلم بالتوراة من قبله ، يعنى من قبل هذا القرآن إذا يتلى عليهم ، يعنى القرآن ، يعنى عبد اللّه بن سلام وأصحابه ، يخرون للأذقان ، يعنى يقعون لوجوههم سجدا [ آية : ١٠٧ ] . ١٠٨الإسراء : ١٠٨ ويقولون سبحان ربنا . . . . . ويقولون سبحان ربنا ، الذي أنزله ، يعنى القرآن أنه من اللّه عز وجل إن كان ، يعنى لقد كان وعد ربنا في التوراة لمفعولا [ آية : ١٠٨ ] أنهُ منزله على محمد صلى اللّه عليه وسلم ، فكان فاعلاً . ١٠٩الإسراء : ١٠٩ ويخرون للأذقان يبكون . . . . . ويخرون يعنى ويقعون للأذقان لوجوههم سجداً يبكون ويزيدهم خشوعا [ آية : ١٠٩ ] ، يقول : يزيدهم القرآن تواضعاً ، لما في القرآن من الوعد والوعيد . ١١٠الإسراء : ١١٠ قل ادعوا اللّه . . . . . قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرحمن ، وذلك أن رجلاً من المسلمين دعا اللّه عز وجل ، ودعا الرحمن في صلاته ، فقال أبو جهل بن هشام : أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون رباً واحداً ، فما بال هذا يدعو ربين اثنين ، أولستم تعلمون أن اللّه اسم ، والرحمن اسم ، بلى ، فأنزل اللّه تبارك وتعالى : قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرحمن . فدعا النبي صلى اللّه عليه وسلم الرجل ، فقال : ′ يا فُلان ، ادع اللّه ، أو ادع الرحمن ، ورغم لآناف المشركين ′ أيا ما تدعوا ، يقول : فأيهما تدعو فله الأسماء الحسنى ، يعنى الأسماء الحسنى التي في آخر الحشر ، وسائر ما في القرآن ولا تجهر بصلاتك ، وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان بمكة يصلي إلى جانب دار أبي سفيان عند الصفا ، فجهر بالقرآن في صلاة الغداة ، فقال أبو جهل : لم تفتري على اللّه ، فإذا سمع ذلك منه خفض صوته ، فلا يسمع أصحابه القرآن ، فقال أبو جهل : ألم تروا يا معشر قريش ما فعلت بابن أبي كبشة حتى خفض صوته ، فأنزل اللّه تعالى ذكره : ولا تجهر بصلاتك ، يعنى بقراءتك في صلاتك ، فيسمع المشركين فيوءذوك ولا تخافت بها ، يقول : ولا تسر بها ، يعنى بالقرآن ، فلا يسمع أصحابك واتبع بَينَ ذلك سَبيلاً [ آية : ١١٠ ] ، يعنى مسلكاً ، يعنى بين الخفض والرفع . ١١١الإسراء : ١١١ وقل الحمد للّه . . . . . وقل الحمد للّه ، وذلكَ أن اليهود عزير ابن اللّه ، وقالت النصارى : المسيح ابن اللّه ، وقالت العرب : إن اللّه عز وجل شريكاً من الملائكة ، فأكذبهم اللّه عز وجل فيها ، فنزه نفسه تبارك وتعالى مما قالوا ، فأنزل اللّه جل جلاله : وقل الحمد للّه ، الذي علمك هذه الآية الذي لم يتخذ ولدا ، عزيراً وعيسى ولم يكن له شريك من الملائكة ، في الملك ولم يكن له ولي ، يعنى صاحباً ينتصر به من الذل ، كما يلتمس الناس النصر ، إن فاجأهم أمر يكرهونه وكبره تكبيرا [ آية : ١١١ ] ، يقول : وعظمه يا محمد تعظيماً ، فإنه من قال : إن للّه عز وجل ولداً ، أو شريكاً ، لم يعظمه ، يقول : نزهه عن هذه الخصال التي قالت النصارى ، واليهود ، والعرب . |
﴿ ٠ ﴾