سورة الحج

مقدمة

 مكية ، إلا عشر آيات ، فإنها نزلت بالمدينة ، من

قوله : يا أيها إلى قوله تعالى : شديد [ الحج : ١ ، ٢ ] نزلت في غزوة بني المصطلق بالمدينة وإلا

قوله تعالى : سواء العاكف فيه [ الحج : ٢٥ ] الآية ، نزلت في عبد اللّه ابن أنس بن خطل .

قوله تعالى : وليعلم الذين أوتوا العلم [ آية : الحج : ٥٤ ] الآية نزلت في أهل التوراة .

وقوله تعالى : والذين هاجروا في سبيل اللّه ثم قتلوا أو ماتوا [ الحج : ٥٨ ، ٥٩ ] الآيتين .

وقوله تعالى : أذن للذين يقاتلون إلى

قوله : قوي عزيز

[ الحج : ٣٩ ، ٤٠ ] ، و

قوله : ومن الناس من يعبد اللّه على حرف الآية : [ الحج : ١١ ] الآية .

 بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

الحج : ١ يا أيها الناس . . . . .

حدثنا عبيد اللّه ، قال : حدثني أبي ، عن الهذيل ، عن مقاتل يا أيها الناس اتقوا ربكم يخوفهم ، يقول : اخشوا ربكم إِن زلزلة الساعة شيءُ عظيمٌ [ آية :١ ] .

٢

الحج : ٢ يوم ترونها تذهل . . . . .

 يوم ترونها تذهل كل مرضعة يقول : تدع البنين لشدة الفزع من الساعة ، وذلك قبل النفخة الأولى ينادي مناد من السماء الدنيا ، يا أيها الناس ، جاء أمر اللّه ، فيسمع صوته أهل الأرض جميعاً فيفزعون فزعاً شديداً ، ويموج بعضهم في بعض ، ويشيب فيها الصغير ، ويسكر فيها الكبير ، وتضع الحوامل ما في بطونها ، وتدع المراضع البنين من الفزع الشديد ، فذلك قوله عز وجل : يوم ترونها تذهل كل مرضعة .

 عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها النساء والدواب حملها من شدة الفزع وترى الناس سكارى من الخوف وما هم بسكارى من الشراب ولكن عذاب اللّه شديد [ آية : ٢ ] نزلت هاتان الآيتان ليلاً والناس يسيرون في غزاة بني المصطلق ، وهم حي خزاعة ، فقرأها النبي صلى اللّه عليه وسلم تلك الليلة على الناس ثلاث مرات ، ثم قال : هل تدرون أي يوم هذا ؟   اللّه ورسوله أعلم ، قال : هذا يوم يقول اللّه عز وجل لآدم عليه السلام : قم فابعث بعث النار من ذريتك ، فيقول : يا رب وما بعث النار ، قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون ، إلى النار ، وواحد إلى الجنة ، فلما سمع القوم ذلك اشتد عليهم وحزنوا ، فلما أصبحوا أتوا النبي صلى اللّه عليه وسلم : ف

وما توبتنا وما حيلتنا ، فقال لهم النبي صلى اللّه عليه وسلم : ابشروا فإن معكم خليقتين لم يكونا في أمة

قط إلا كثرتها يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ، ما أنتم في الناس إلا

كشعرة بيضاء في ثور أسود ، أو كشعرة سوداء في ثور أبيض ، أو كالرقم في ذراع

الدابة ، أو كالشامة في سنام البعير ، فابشروا وقاربوا وسددوا واعملوا .

ثم قال : أيسركم أن تكونوا ربع أهل الجنة ؟   من أين لنا ذلك يا رسول اللّه ؟

قال : أفيسركم أن تكونوا ثلث أهل الجنة ؟   من أين لنا ذلك يا رسول اللّه ، قال :

أيسركم أن تكونوا شطر أهل الجنة ؟   من أين لنا ذلك يا رسول اللّه ، قال :

فإنكم أكثر أهل الجنة ، أهل الجنة عشرون ومائة صف ، أمتي من ذلك ثمانون صفاً ،

وسائر أهل الجنة أربعون صفاً ، ومع هؤلاء أيضاً سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب

مع كل رجل سبعون ألفاً .

ف  من هم يا رسول اللّه ؟ قال : هم لا يرقون ، ولا يسترقون ، ولا يكتون ، ولا

يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون . فقام عكاشة بن محصن الأسدي ، فقال : يا رسول اللّه ،

ادع اللّه أن يجعلني منهم ، قال : فإنك منهم ، فقام رجل آخر من رهط ابن مسعود من

هذيل ، فقال : يا رسول اللّه ، ادع اللّه أن يجعلني منهم ، قال : سبقك بها عكاشة .

٣

الحج : ٣ ومن الناس من . . . . .

قوله سبحانه : ومن الناس من يجادل في اللّه بغير علم يعلمه نزلت في النضر بن

الحارث القرشي ، وأمه ، اسمها صفية بنت الحارث بن عثمان بن عبد الدار بن قصي ، قال :

 ويتبع النصر كل شيطان مريد [ آية : ٣ ] يعنى مارد .

٤

الحج : ٤ كتب عليه أنه . . . . .

 كتب عليه يعنى قضي عليه ، يعنى الشيطان أنه من تولاه يعنى من اتبع

الشيطان فأنه يضله عن الهدى فأنه يضله  ويهديه يعنى ويدعوه

 إلى عذاب السعير [ آية : ٤ ] يعنى الوقود ، ثم ذكر صنعه ليعتبروا في البعث .

٥

الحج : ٥ يا أيها الناس . . . . .

فقال سبحانه : يا أيها الناس يعنى كفار مكة إن كنتم في ريب من البعث

يعنى في شك من البعث بعد الموت ، فانظروا إلى بدء خلقكم فإنا خلقناكم من تراب

ولم تكونوا شيئاً ثم من نطفة ثم من علقة مثل الدم ثم من مضغة مخلقة

يعنى من النطقة مخلقة وغير مخلقة يعنى السقط يخرج من بطن أمه مصوراً ، وغير

مصور لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء فلا يكون سقطاً إلى أجل مسمى يقول : خروجه من بطن أمه ليعتبروا في البعث ، ولا يشكوا فيه أن الذي بدأ

خلقكم ، لقادر على أن يعيدكم بعد الموت .

قال سبحانه : ثم نخرجكم من بطون أمهاتكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثماني عشرة سنة إلى أربعين سنة ومنكم من يتوفى من قبل أن

يبلغ أشده ومنكم من يرد بعد الشباب إلى أرذل العمر يعنى الهرم

 لكيلا يعلم من بعد علم كان يعلمه شيئا فذكر بدء الخلق ، ثم ذكر

الأرض الميتة كيف يحيها ليعتبروا في البعث ، فإن البعث ليس بأشد من بدء الخلق ، ومن

الأرض حين يحيها من بعد موتها ، فذلك قوله سبحانه : وترى الأرض هامدة يعنى

ميتة ليس نبت يعنى متهشمة فإذا أنزلنا عليها الماء يعنى المطر اهتزت

الأرض ، يعنى تحركت بالنبات ، ك

قوله : تهتز كأنها جان [ القصص : ٣١ ] أي تحرك

كأنها حية . ثم قال للأرض : وربت يعنى وأضعفت النبات وأنبتت من كل زوج بهيج [ آية : ٥ ] يعنى من كل صنف من النبات حسن .

٦

الحج : ٦ ذلك بأن اللّه . . . . .

 ذلك يقول : هذا الذي فعل ، هذا الذي ذكر من صنعه ، يدل على توحيده بصنعه

 بأن اللّه هو الحق وغيره من الآلهة باطل وَأَنهُ يُحي الموتى في الآخرة وَأَنهُ علَى

كُل شيءٍ قديرٌ [ آية : ٦ ] من البعث وغيره قدير .

٧

الحج : ٧ وأن الساعة آتية . . . . .

 وَأَنَّ الساعة ءاتيةٌ لا ريب يعنى لا شك فيها أنها كائنة وأن اللّه يبعث في الآخرة من في القبور [ آية : ٧ ] من الأموات ، فلا تشكوا في البعث .

٨

الحج : ٨ ومن الناس من . . . . .

 ومن الناس يعنى النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن السياف بن عبد الدار

ابن قصي بن كلاب بن مرة ، ومن الناس من يجادل في اللّه بغير علم يعنى يخاصم في

اللّه ، عز وجل ، أن الملائكة بنات اللّه تعالى ولا هدى ولا كتاب منير [ آية : ٨ ] ولا هدى ولا بيان معه من اللّه ، عز وجل ، بما يقول : ولا كتاب من اللّه تعالى منير

يعنى مضيئاً فيه حجة بأن الملائكة بنات اللّه فيخاصم بهذا .

٩

الحج : ٩ ثاني عطفه ليضل . . . . .

قال الفراء وأبو عبيدة في قوله

عز وجل : ثاني عطفه يقول : يتبختر في مشيته تكبيراً .

ثم أخبر عن النضر ، فقال سبحانه : ثاني عطفه يقول : يلوي عنقه عن الإيمان

 ليضل عن سبيل اللّه يقول : ليستزل عن دين الإسلام له في الدنيا خزي يعنى

القتل ببدر ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق [ آية : ٩ ] يعنى نحرقه بالنار .

١٠

الحج : ١٠ ذلك بما قدمت . . . . .

 ذلك العذاب بما قدمت يداك من الكفر والتكذيب وأن اللّه ليس بظلام للعبيد [ آية : ١٠ ] فيعذب على غير ذنب .

١١

الحج : ١١ ومن الناس من . . . . .

 ومن الناس من يعبد اللّه على حرف يعنى على شك ، نزلت في أناس من أعراب

أسد بن خزيمة ، وغطفان .

قال مقاتل : إذا سألك رجل على كم حرف تعبد اللّه ، عز وجل ، فقل : لا أعبد اللّه

على شيء من الحروف ، ولكن أعبد اللّه تعالى ولا أشرك به شيئاً ؛ لأنه واحد لا شريك

له .

كان الرجل يهاجر إلى المدينة ، فإن أخصبت أرضه ، ونتجت فرسه ، وولد له غلام ،

وصح بالمدينة ، وتتابعت عليه الصدقات ، قال : هذا دين حسن ، يعنى الإسلام .

فذلك قوله تعالى : فإن أصابه خير اطمأن به يقول : رضي بالإسلام ، وإن أجدبت

أرضه ، ولم تنتج فرسه ، وولدت له جارية ، وسقم بالمدينة ، ولم يجد عليه بالصدقات ، قال :

هذا دين سوء ، ما أصابني من ديني هذا الذي كنت عليه إلا شراً فرجع عن دينه ، فذلك

قوله سبحانه : وإن أصابته فتنة يعنى بلاء انقلب على وجهه يقول : رجع إلى

دينه الأول كافراً خسر الدنيا

والآخرة خسر دنياه التي كان يحبها ، فخرج منها

ثم أفضى إلى الآخرة وليس له فيها شيء ، مثل

قوله : إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة [ الزمر : ١٥ ] يقول اللّه عز وجل : ذلك هو الخسران المبين [ آية : ١١ ] يقول : ذلك هو الغبن البين ، ثم أخبر عن هذا المرتد عن

الإسلام .

١٢

الحج : ١٢ يدعو من دون . . . . .

فقال سبحانه : يدعواْ يعنى يعبد من دون اللّه يعنى الصنم ما لا يضره في الدنيا إن لم يعبده وما لا ينفعه في الآخرة إن عبده ذلك هو الضلال البعيد [ آية : ١٢ ] يعنى الطويل .

١٣

الحج : ١٣ يدعو لمن ضره . . . . .

 يدعواْ يعنى يعبد لمن ضره في الآخرة أقرب من نفعه في الدنيا

 لبئس المولى يعنى الولي ولبئس العشير [ آية : ١٣ ] يعنى الصاحب ، كقوله

سبحانه : وعاشروهن بالمعروف [ النساء : ١٩ ] يعنى وصاحبوهن بالمعروف .

١٤

الحج : ١٤ إن اللّه يدخل . . . . .

ثم ذكر ما أعد للصالحين ، فقال سبحانه : إِن اللّه يدخل الذين ءامنوا وعملوا

الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يقول : تجري العيون من تحت البساتين إن اللّه يفعل ما يريد [ آية : ١٤ ] .

١٥

الحج : ١٥ من كان يظن . . . . .

 من كان يظن يعنى يحسب أن لن ينصره اللّه في الدنيا

والآخرة يعنى النبي

 صلى اللّه عليه وسلم  فليمدد بسبب إلى السماء يعنى بحبل إلى سقف البيت ثم ليقطع يعنى

ليختنق فلينظر هل يذهبن كيده يقول : فعله بنفسه إذا فعل ذلك ، هل يذهبن ذلك

ما يجد في قلبه من الغيظ بأن محمداً لا ينصر ما يغيظ [ آية : ١٥ ] هل يذهب ذلك

ما يجد في قلبه من الغيظ ، نزلت في نفر من أسد وغطفان ،   إنا نخاف ألا ينصر

محمد فينقطع الذي بيننا وبين حلفائنا من اليهود ، فلا يجيرونا ولا يأوونا .

١٦

الحج : ١٦ وكذلك أنزلناه آيات . . . . .

 وكذلك يعنى وهكذا أنزلناه يعنى القرآن ءايات بيناتٍ يعنى

واضحات وأن اللّه يهدي إلى دينه من يريد [ آية : ١٦ ] .

١٧

الحج : ١٧ إن الذين آمنوا . . . . .

 إِن الذين ءامنوا والذين هادواْ والصابئينَ قوم يعبدون الملائكة ، ويصلون للقبلة ،

ويقرأون الزبور والنصارى والمجوس يعبدون الشمس ، والقمر ، والنيران والذين أشركوا يعنى مشركي العرب يعبدون الأوثان ، فالأديان ستة ، فواحد للّه ، عز وجل ،

وهو الإسلام ، وخمسة للشيطان إن اللّه يفصل يعنى يحكم بينهم يوم القيامة

إِن اللّه على كُل شيءٍ من أعمالهم شهيد [ آية : ١٧ ] .

١٨

الحج : ١٨ ألم تر أن . . . . .

 ألم تر يعنى ألم تعلم أن اللّه يسجد له من في السماوات من الملائكة وغيرهم

 ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم سجود هؤلاء الثلاثة حين تغرب الشمس

قبل المغرب للّه تعالى تحت العرش و يسجد والجبال والشجر والدواب ظلهم

حين تطلع الشمس ، وحين تزول إذا تحول ظل كل شيء فهو سجوده ، قال سبحانه :

 و يسجد وكثير من الناس يعنى المؤمنين و يسجد وكثير ممن

 حق عليه العذاب من كفار الإنس والجن سجودهم هو سجود ظلالهم ومن يهن اللّه فما له من مكرم إن اللّه يفعل ما يشاء [ آية : ١٨ ] في خلقه ، فقرأ النبي صلى اللّه عليه وسلم هذه

الآية فسجد لها هو وأصحابه ، رضي اللّه عنهم .

١٩

الحج : ١٩ هذان خصمان اختصموا . . . . .

 هذان خصمان اختصموا في ربهم نزلت في المؤمنين وأهل الكتاب ، ثم بين ما

أعد للخصمين ، فقال : فالذين كفروا يعنى اليهود والنصارى قطعت لهم

يعنى جعلت لهم ثياب من نار يعنى قمصاً من نحاس من نار ، فيها تقديم يُصب

من فوق رءوسهم الحميمُ [ آية : ١٩ ] إذا ضربه الملك بالمقمعة ثقب رأسه ، ثم صب فيه

الحميم الذي قد انتهى حره .

٢٠

الحج : ٢٠ يصهر به ما . . . . .

 يصهر يعنى يذاب به يعنى بالحميم ما في بطونهم والجلود [ آية : ٢٠ ] يقول : وتنضج الجلود .

٢١

الحج : ٢١ ولهم مقامع من . . . . .

 ولهم مقمعُ من حديد [ آية : ٢١ ]

٢٢

الحج : ٢٢ كلما أرادوا أن . . . . .

 كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذلك إذا جاشت جهنم ألقت الرجال في أعلى الأبواب فيريدون الخروج

فتعيدهم الملائكة ، يعنى الخزان فيها بالمقامع ، وتقول لهم الخزانة إذا ضربوهم بالمقامع :

 وذوقوا عذاب الحريق [ آية : ٢٢ ] يعنى النار ، ثم ذكر ما أعد اللّه ، عز وجل ،

للمؤمنين ،

٢٣

الحج : ٢٣ إن اللّه يدخل . . . . .

فقال سبحانه : إِن اللّه يدخل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جناتٍ تجري

من تحتها الأنهار يقول : تجري العيون من تحت البساتين يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا أي أساور من لؤلؤ ولباسهم فيها حرير [ آية : ٢٣ ]

مما يلي الجسد الحرير ، وأعلاه السندس والإستبرق

٢٤

الحج : ٢٤ وهدوا إلى الطيب . . . . .

 وهدوا في الدنيا إلى الطيب من القول يعنى التوحيد ، وهو قول : لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، ك

قوله :

 كلمة طيبة [ إبراهيم : ٢٤ ] يعنى التوحيد وهدوا إلى صراط يعنى دين

الإسلام الحميد [ آية : ٢٤ ] عند خلقه يحمده أولياؤه

٢٥

الحج : ٢٥ إن الذين كفروا . . . . .

 إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل اللّه يقول : ويمنعون الناس عن دين الناس عن دين اللّه ، عز وجل و عن والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه يعنى المقيم في الحرم ، وهم أهل مكة

 والباد يعنى من دخل مكة من غير أهلها ومن يرد فيه بإلحاد بظلم يقول :

من لجأ إلى الحرم يميل فيه بشرك نذقه من عذاب أليم [ آية : ٢٥ ] يعنى وجيعاً نزلت

في عبد اللّه بن أنس بن خطل القرشي من بني تيم بن مرة ، وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

بعث عبد اللّه مع رجلين

أحدهما مهاجر ،

والآخر من الأنصار ، فافتخروا في الأنساب ،

فغضب ابن خطل ، فقتل الأنصاري ، ثم هرب إلى مكة ، ورجع المهاجر إلى المدينة ، فأمر

النبي صلى اللّه عليه وسلم بقتل عبد اللّه يوم فتح مكة ، فقتله أبو برزة الأسلمي ، وسعد بن حريث

القرشي ، أخو عمرو بن حريث .

٢٦

الحج : ٢٦ وإذ بوأنا لإبراهيم . . . . .

قوله عز وجل : وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت المعمور ، قال : دللنا إبراهيم

عليه ، فبناه مع ابنه إسماعيل ، عليهما السلام ، وليس له أثر ولا أساس ، كان الطوفان محا

أثره ، ورفعه اللّه ، عز وجل ، ليالي الطوفان إلى السماء فعمرته الملائكة ، وهو البيت

المعمور ، قال اللّه عز وجل لإبراهيم : أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي من الأوثان

لا تنصب حوله وثناً للطائفين بالبيت والقائمين يعنى المقيمين بمكة من

أهلها والركع السجود [ آية : ٢٦ ] يعنى في الصلوات الخمس ، وفي الطواف حول

البيت من أهل مكة وغيرهم ، والبيت الحرام اليوم مكان البيت المعمور ، ولو أن حجراً

وقع من البيت المعمور وقع على البيت الحرام ، وهو في العرض والطول مثله ، إلا أن قامته

كما بين السماء والأرض .

٢٧

الحج : ٢٧ وأذن في الناس . . . . .

 وأذن يا إبراهيم في الناس يعنى المؤمنين بالحج فصعد أبا قبيس ، وهو

الجبل الذي الصفا في أصله ، فنادى يا أيها الناس أجيبوا ربكم ، إن اللّه عز وجل يأمركم

أن تحجوا بيته ، فسمع نداء إبراهيم ، عليه السلام ، كل مؤمن على ظهر الأرض ، ويقال :

في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، فالتلبية اليوم جواب نداء إبراهيم ، عليه السلام ، عن

أمر ربه ، عز وجل ، فذلك قوله سبحانه : يأتوك رجالا يعنى على أرجلهم مشاة

 وعلى كل ضامر يعنى الإبل يأتين من كل فج عميق [ آية : ٢٧ ] يعنى

يجيء من كل مكان بعيد .

٢٨

الحج : ٢٨ ليشهدوا منافع لهم . . . . .

 ليشهدوا منافع لهم يعنى الأجر في الآخرة في مناسكهم و لكي

 ويذكروا اسم اللّه في أيام معلومات يعنى ثلاثة أيام ، يوم النحر ، ويومين بعده

إلى غروب الشمس على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس

يعنى الضرير الزمن الفقير [ آية : ٢٨ ] الذي ليس له شيء .

٢٩

الحج : ٢٩ ثم ليقضوا تفثهم . . . . .

 ثم ليقضوا تفثهم يعنى حلق الرأس ، والذبح ، والجمار وليوفوا يعنى

لكي يوفوا نذورهم في حج ، أو عمرة بما أوجبوا على أنفسهم من هدى ، أو غيره ،

 وليطوفوا بالبيت العتيق [ آية : ٢٩ ] أعتق في الجاهلية من القتل ، والسبي ،

والخراب . قال الفراء : أعتق من الفرق ، ومن أن يدعي ملكه أحد من الجبابرة ، ويقال :

العتيق القديم .

٣٠

الحج : ٣٠ ذلك ومن يعظم . . . . .

 ذلك ومن يعظم حرمات اللّه يعنى أمر المناسك كلها فهو خير له عند ربه في الآخرة وأحلت لكم بهيمة الأنعام التي حرموا للآلهة في

سورة الأنعام إلا ما يتلى عليكم من التحريم في أول سورة المائدة

 فاجتنبوا الرجس من الأوثان فيها تقديم يقول : اتقوا عبادة اللات والعزى

ومناة ، وهي الأوثان واجتنبوا قول الزور [ آية : ٣٠ ] يقول : اتقوا الكذب ، وهو الشرك .

حدثنا أبو محمد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن مقاتل ، عن محمد بن

علي ، في قوله تعالى : واجتنبوا قول الزور قال : الكذب وهو الشرك في التلبية ،

وذلك أن الخمس قريش ، وخزاعة ، وكنانة ، وعامر بن صعصعة ، في الجاهلية كانوا

يقولون في التلبية : لبيك اللّهم لبيك ، ليبك لا شريك لك ، إلا شريكاً هو لك ، تملكه وما

ملك ، يعنون الملائكة التي تعبد هذا هو قول الزور لقولهم : إلا شريكاً هو لك .

وكان أهل اليمن في الجاهلية يقولون في التلبية : نحن عراباً عك عك إليك عانية ،

عبادك اليمانية ، كيما نحج الثانية ، على القلاص الناحية . وكانت تميم تقول في إحرامها :

لبيك ما نهارنا نجره ، إدلاجه وبرده وحره ، لا يتقي شيئاً ولا يضره ، حجاً لرب مستقيم

بره .

وكانت ربيعة تقول : لبيك اللّهم حجاً حقاً ، تعبداً ورقاً ، لم نأتك للمناحة ، ولا حباً

للرباحة . وكانت قيس عيلان تقول : لبيك لولا أن بكراً دونكا ، بنو أغيار وهم يلونكا ،

ببرك الناس ويفخرونكا ، ما زال منا عجيجاً يأتونكا .

وكانت جرهم تقول في إحرامها : لبيك إن جرهما عبادك ، والناس طرف وهم

تلادك ، وهم لعمري عمروا بلادك ، لا يطاق ربنا يعادك ، وهم الأولون على ميعادك ،

وهم يعادون كل من يعادك ، حتى يقيموا الذين في وادك . وكانت قضاعة تقول : لبيك

رب الحل والإحرام ، ارحم مقام عبد وآم ، أتوك يمشون على الأقدام .

وكانت أسد وغطفان تقول في إحرامها بشعر اليمن : لبيك ، إليك تعدوا قلقا

وضينها ، معترضاً في بطنها جنينها ، مخالفاً دين النصارى دينها ، وكانت النساء تطفن

بالليل عراة ، وقال بعضهم : لا بل نهاراً تأخذ إحداهن حاشية برد تستر به ، وتقول : اليوم

يبدوا بعضه أو كله ، وما بدا منه فلا أحله ، كم من لبيب عقله يضله ، وناظر ينظر فما يمله

ضخم من الجثم عظيم ظله .

وكانت تلبيه آدم ، عليه السلام : لبيك اللّه لبيك عبد خلقته بيديك ، كرمت فأعطيت ،

قربت فأدنين ، تباركت وتعاليت ، أنت رب البيت .

فأنزل اللّه عز وجل : واجتنبوا قول الزور يعنى الكذب ، وهو الشرك في

الإحرام ،

٣١

الحج : ٣١ حنفاء للّه غير . . . . .

 حنفاء للّه يعنى مخلصين للّه بالتوحيد غير مشركين به ثم عظم الشرك ،

فقال : ومن يشرك باللّه فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير يعنى فتذهب به الطير

النسور أو تهوي به الريح في مكان سحيق [ آية : ٣١ ] يعنى بعيداً ، فهذا مثل الشرك

في البعد من اللّه ، عز وجل .

٣٢

الحج : ٣٢ ذلك ومن يعظم . . . . .

 ذلك يقول : هذا الذي أمر اجتناب الأوثان ومن يعظم شعائر اللّه يعنى

البدن من أعظمها وأسمنها فإنها من تقوى القلوب [ آية : ٣٢ ] يعنى من إخلاص

القلوب

٣٣

الحج : ٣٣ لكم فيها منافع . . . . .

 لكم فيها في البدن منافع في ظهورها وألبانها إلى أجل مسمى

يقول : إلى أن تقلد ، أو تشعر ، أو تسمى هديا ، فهذا الأجل المسمى ، فإذا فعل ذلك بها لا

يحمل عليها إلا مضطراً ويركبها بالمعروف ، ويشرب فضل ولدها من اللبن ، ولا يجهد

الحلب حتى لا ينهك أجسامها .

 ثم محلها إلى البيت العتيق [ الآية : ٣٣ ] يعنى منحرها إلى أرض الحرم كله

كقوله سبحانه : فلا يقربوا المسجد الحرام يعنى أرض الحرم كله ، ثم ينحر ويأكل

ويطعم ، إن شاء نحر الإبل ، وإن ذبح الغنم ، أو البقر ، ثم تصدق به كله ، وإن شاء

أكل وأمسك منه ، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا لا يأكلون شيئاً من البدن ، فأنزل اللّه ،

عز وجل ، فكلوا منها وأطعموا ، فليس الأكل بواجب ، ولكنه رخصة ، كقوله سبحانه

 وإذا حللتم فاصطادوا [ المائدة : ٢ ] وليس الصيد بواجب ولكنه رخصة .

٣٤

الحج : ٣٤ ولكل أمة جعلنا . . . . .

 ولكل أمة يعنى لكل قوم من المؤمنين فيما خلا ، كقوله سبحانه : أن تكون أمة هي أربى من أمة [ النحل : ٩٢ ] أن يكون قوم أكثر من قوم ، ثم قال :

 جعلنا منسكا يعنى ذبحاً ، يعنى هراقة الدماء ليذكروا اسم اللّه على ما رزقهم من بهيمة الأنعام وإنما خص الأنعام من البهائم ؛ لأن من البهائم ما ليس من الأنعام ،

وإنما سميت البهائم ؛ لأنها لا تتكلم فإلهكم إله واحد ليس له شريك يقول : فربكم

رب واحد فله أسلموا وبشر المخبتين [ آية : ٣٤ ] يعنى المخلصين بالجنة .

٣٥

الحج : ٣٥ الذين إذا ذكر . . . . .

ثم نعتهم فقال : الذين إذا ذكر اللّه وجلت يعنى خافت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم من أمر اللّه والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون [ آية : ٣٥ ] من الأموال .

٣٦

الحج : ٣٦ والبدن جعلناها لكم . . . . .

قوله عز وجل : والبدن جعلناها لكم من شعائر اللّه يعنى من أمر المناسك لكم فيها خير يقول : لكم في نحرها أجر في الآخرة ومنفعة في الدنيا ، وإنما سميت البدن ؛

لأنها تقلد وتشعر وتساق إلى مكة ، والهدى الذي ينحر بمكة ، ولم يقلد ، ولم يشعر والجزور البعير الذي ليس ببدنه ، ولا بهدي

 فاذكروا اسم اللّه عليها إذا نحرت صواف يعنى معقولة يدها اليسرى قائمة

على ثلاثة قوائم مستقبلات القبلة . قال الفراء : صواف ، يعنى يصفها ، ثم ينحرها ، فهذا

تعليم من اللّه ، عز وجل ، فمن شاء نحرها على جنبها .

 فإذا وجبت جنوبها يعنى فإذا خرت لجنبها على الأرض بعد نحرها فكلوا منها وأطعموا القانع يعنى الراضي الذي يقنع بما يعطي ، وهو السائل والمعتر

الذي يتعرض للمسألة ، ولا يتكلم فهذا تعليم من اللّه ، عز وجل ، فمن شاء أكل ، ومن لم

يشأ لم يأكل ، ومن شاء أطعم ، قال سبحانه : كذلك سخرناها يعنى هكذا ذللناها

 لكم يعنى المدن لعلكم تشكرون [ آية : ٣٦ ] ربكم ، عز وجل ، في نعمه .

٣٧

الحج : ٣٧ لن ينال اللّه . . . . .

 لن ينال اللّه لحومها ولا دماؤها وذلك أن كفار العرب كانوا في الجاهلية إذا نحروا

البدن عند زمزم أخذوا دماءها فنضحوها قبل الكعبة ، و  اللّهم تقبل منا ، فأراد

المسلمون أن يفعلوا ذلك ، فأنزل اللّه ، عز وجل لن ينال اللّه لحومها ولا دماؤها

 ولكن يناله التقوى منكم يقول : النحر هو تقوى منكم ، فالتقوى هو الذي ينال اللّه

ويرفعه إليه ، فأما اللحوم والدماء فلا يرفعه إليه كذلك سخرها لكم يعنى البدن

 لتكبروا لتعظموا اللّه على ما هداكم لدينه وبشر المحسنين [ آية :

٣٧ ] بالجنة فمن فعل ما ذكر اللّه في هذه الآيات فقد أحسن .

٣٨

الحج : ٣٨ إن اللّه يدافع . . . . .

قوله عز وجل : إِن

اللّه يدفعُ كفار مكة عن الذين ءامنوا بمكة ، هذا حين أمر المؤمنين بالكف عن

كفار مكة قبل الهجرة حين آذوهم ، فاستشاروا النبي صلى اللّه عليه وسلم في قتالهم في السر ، فنهاهم اللّه

عز وجل ، ثم قال : إن اللّه لا يحب كل خوان يعنى كل عاص كفور [ آية :

٣٨ ] بتوحيد اللّه ، عز وجل ، يعنى كفار مكة .

٣٩

الحج : ٣٩ أذن للذين يقاتلون . . . . .

فلما قدموا المدينة أذن اللّه ، عز وجل ، للمؤمنين في القتال بعد النهي بمكة ، فقال

سبحانه : أذن للذين يقاتلون في سبيل اللّه بأنهم ظلموا ظلمهم كفار مكة

 وإن اللّه على نصرهم لقدير [ آية : ٣٩ ] فنصرهم اللّه تعالى على كفار مكة بعد النهي ،

٤٠

الحج : ٤٠ الذين أخرجوا من . . . . .

ثم أخبر عن ظلم كفار مكة ، فقال سبحانه : الذين أخرجوا من ديارهم وذلك أنهم

عذبوا منهم طائفة ، وآذوا بعضهم بالألسن ، حتى هربوا من مكة إلى المدينة بغير حق إلا أن يقولوا يقول : لم يخرج كفار مكة المؤمنين من ديارهم ، إلا أن يقولوا : ربنا اللّه فعرفوه ووحدوهُ ، قال سبحانه : ولولا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض يقول :

لولا أن يدفع اللّه المشركين بالمسلمين لغلب المشركون فقتلوا المسلمين لهدمت يقول :

لخربت صوامع الرهبان وبيع النصارى وصلوات يعنى اليهود

 ومساجد المسلمين يذكر فيها اسم اللّه كثيرا كل هؤلاء الملل يذكرون اللّه

كثيراً في مساجدهم ، فدفع اللّه ، عز وجل ، بالمسلمين عنها .

قال سبحانه : وتعالى : ولينصرن اللّه على عدوه من ينصره يعنى من

يعنيه حتى يوحد اللّه ، عز وجل إن اللّه لقوي في نصر أوليائه عزيز [ آية :

٤٠ ] يعنى منيع في ملكه وسلطانه نظيرها في الحديد وليعلم اللّه من ينصره [ الحديد : ٢٥ ] يعنى من يوحده ، وغيرها في الأحزاب ، وهود ، وهو سبحانه أقوى

وأعز من خلقه .

٤١

الحج : ٤١ الذين إن مكناهم . . . . .

 الذين إن مكناهم في الأرض يعنى أرض المدينة وهم المؤمنون بعد القهر بمكة ، ثم

أخبر عنهم ، فقال تعالى أقاموا الصلوة وءاتوا الزكوة وأمروا بالمعروفِ يعنى

التوحيد الذي يعرف ونهوا عن المنكر الذي لا يعرف ، وهو الشرك وللّه عاقبة الأمور [ آية : ٤١ ] يعنى عاقبة أمر العباد إليه في الآخرة

٤٢

الحج : ٤٢ وإن يكذبوك فقد . . . . .

 وإن يكذبوك يا محمد

يعزى نبيه صلى اللّه عليه وسلم ليصبر على تكذيبهم إياه بالعذاب فقد كذبت قبلهم يعنى قبل

أهل مكة قوم نوح وعاد وثمود [ آية : ٤٢ ]

٤٣

الحج : ٤٣ وقوم إبراهيم وقوم . . . . .

 وقوم إبراهيم وقوم لوط [ آية : ٤٣ ] .

٤٤

الحج : ٤٤ وأصحاب مدين وكذب . . . . .

 وأصحاب مدين يعنى قوم شعيب ، عليه السلام ، كل هؤلاء كذبوا رسلهم وكذبَ

مُوسى يعنى عصى موسى ، عليه السلام ، لأنه ولد فيهم كما ولد محمد صلى اللّه عليه وسلم فيهم

 فأمليتُ يعنى فأمهلت للكافرينَ فلم أعجل عليهم بالعذاب ثم

أَخذتهم بعد الإمهال بالعذاب فكيف كان نكيرٍ [ آية : ٤٤ ] يعنى تغييري أليس

وجدوه حقاً ، فكذلك كذب كفار مكة كما كذبت مكذبي الأمم الخالية .

٤٥

الحج : ٤٥ فكأين من قرية . . . . .

 فكأن من قريةٍ يعنى وكم من قرية أهلكناها بالعذاب في الدنيا أَهلكناها

وهي ظالمة فهي خاوية يعنى خربة على عُرُوشها يعنى ساقطة من فوقها ،

يعنى بالعروش سقوف البيت ، أي ليس فيها مساكن وَبئرٍ معطلةٍ يعنى خالية لا

تستعمل وقصر مشيدٍ [ آية : ٤٥ ] يعنى طويلاً في السماء ليس له أهل .

٤٦

الحج : ٤٦ أفلم يسيروا في . . . . .

 أَفلم يسيروا في الأرض يقول : فلو ساروا في الأرض فتفكروا فتكون لهم قلوب

يعقلونَ بها المواعظ أَو ءاذانٌ يسمعونَ بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القُلوب التي

في الصُدورٍ [ آية : ٤٦ ] .

٤٧

الحج : ٤٧ ويستعجلونك بالعذاب ولن . . . . .

 ويستعجلونك بالعذاب نزلت في النضر بن الحارث القرشي يقول اللّه تعالى :

 ولن يخلفَ اللّه وعده في العذاب بأنه كائن ببدر ، يعنى القتل وإِن يوماً عند ربكَ

كألفِ سنةٍ مما تعدونَ [ آية : ٤٧ ] وهي الأيام الست التي خلق اللّه فيهن السموات

والأرض ، وإنما قال اللّه تعالى ذلك لاستعجالهم بالعذاب ، فاليوم عند اللّه ، عز وجل ،

كألف سنة .

٤٨

الحج : ٤٨ وكأين من قرية . . . . .

فمن ثم قال : وَكأَين من قريةٍ أَمليتُ لها يعنى أمهلت لها ، فلم أعجل عليها

بالعذاب وهي ظالمةٌ ثم أخذتها بعد الإملاء بالعذاب وَإِلىِّ  إلى اللّه المصير [ آية : ٤٨ ] يقول : إلى اللّه يصيرون .

٤٩

الحج : ٤٩ قل يا أيها . . . . .

 قُل يأَيُها النَّاس يعنى كفار مكة إِنما أَنا لكم نذيرٌ مُبينٌ [ آية : ٤٩ ] يعنى بين

٥٠

الحج : ٥٠ فالذين آمنوا وعملوا . . . . .

 فالذين ءامنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزقٌ كريمٌ [ آية : ٥٠ ]

٥١

الحج : ٥١ والذين سعوا في . . . . .

 والذين سعوا

في ءايتنا معجزينَ يعنى في القرآن مثبطين ، يعنى كفار مكة يثبطون الناس عن الإيمان

بالقرآن .

 أُولئكَ أَصحاب الجحيم [ آية : ٥١ ]

٥٢

الحج : ٥٢ وما أرسلنا من . . . . .

 وما أَرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبي إلا

إذا تمنى يعنى إذا حدث نفسه أَلقى الشيطانُ في أُمنيته يعنى في حديثه مثل

قوله : ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني [ البقرة : ١٧٨ ] يقول :

إلا ما يحدثوا عنها ، يعنى التوراة وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يقرأ في الصلاة عند مقام

إبراهيم صلى اللّه عليه وسلم فنعس ، فقال : أفرأيتم اللات والعزى ، ومناة الثالثة الأخرى ، تلك الغرانيق

العلى ، عندها الشفاعة ترتجى ، فلما سمع كفار مكة أن لآلهتهم شفاعة فرحوا ، ثم رجع

النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال : أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى [ طه : ١١٤ ] فذلك قوله سبحانه : فينسخ اللّه ما يلقي الشيطان على لسان محمد صلى اللّه عليه وسلم  ثُم يحكم اللّه ءايتهِ من الباطل الذي يلقي

الشيطان على لسان محمد صلى اللّه عليه وسلم  واللّه عليم حكيم [ آية : ٥٢ ] .

٥٣

الحج : ٥٣ ليجعل ما يلقي . . . . .

 ليجعل ما يلقي الشيطان على لسان النبي صلى اللّه عليه وسلم وما يرجون من شفاعة آلهتم

 فتنة للذين في قلوبهم مرض يعنى الشك والقاسية قلوبهم يعنى الجافية قلوبهم

عن الإيمان ، فلم تلن له وإن الظالمين يعنى كفار مكة لفي شقاق بعيد

[ آية : ٥٣ ] يعنى لفي ضلال بعيد ، يعنى طويل .

٥٤

الحج : ٥٤ وليعلم الذين أوتوا . . . . .

ثم ذكر المؤمنين سبحانه : وليعلم الذين أوتوا العلم باللّه عز وجل إنه

يعنى القرآن الحق من ربك فيؤمنوا به يعنى فيصدقوا به فتخبت يعنى

فتخلص لَهُ قُلوبهم وإِن اللّه لهادِ الذين ءامنوا إِلى صراط مُستقيم [ آية : ٥٤ ] يعنى

ديناً مستقيماً .

٥٥

الحج : ٥٥ ولا يزال الذين . . . . .

 ولا يزالُ الذين كفروا من أهل مكة أبو جهل وأصحابه في مرية منه

يعنى في شك من القرآن حتى تأتيهم الساعة بغتة يعنى فجأة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم [ آية : ٥٥ ] يعنى بلا رأفة ولا رحمة القتل ببدر ،

٥٦

الحج : ٥٦ الملك يومئذ للّه . . . . .

ثم قال في التقديم :

 الملك يومئذ للّه يعنى يوم القيامة لا ينازعه فيه أحد ، واليوم في الدنيا ينازعه غيره

في ملكه .

 يحكم بينهم ثم بين حكمه في كفار مكة ، فقال سبحانه : فالذين

ءامنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم [ آية : ٥٦ ]

٥٧

الحج : ٥٧ والذين كفروا وكذبوا . . . . .

 والذين كفروا بتوحيد اللّه

 وكذبوا بئايتنا بالقرآن بأنه ليس من اللّه عز وجل فأولئك لهم عذاب مهين [ آية : ٥٧ ] يعنى الهوان .

٥٨

الحج : ٥٨ والذين هاجروا في . . . . .

 والذين هاجروا في سبيل اللّه إلى المدينة ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم

اللّه  في الآخرة رزقاً حسناً يعنى كريماً وَإن اللّه لهو خيرُ

الرازقينَ [ آية : ٥٨ ] وذلك أن نفراً من المسلمين قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم نحن نقاتل

المشركين ، فنقتل منهم ولا نستشهد ، فما لنا شهادة ، فأشركهم اللّه عز وجل جميعاً في

الجنة ، فنزلت فيهم آيتان .

٥٩

الحج : ٥٩ ليدخلنهم مدخلا يرضونه . . . . .

فقال : لَيُدخلنهم مُدخلاً يرضونهُ وإن اللّه لعليمُ  لقولهم حليمٌ

[ آية : ٥٩ ] عنهم . لقولهم : أنا نقاتل ولا نستشهد ،

٦٠

الحج : ٦٠ ذلك ومن عاقب . . . . .

 ذلك ومن عاقب وذلك أن

مشركي مكة لقوا المسلمين لليلة بقيت من المحرم ، فقال بعضهم لبعض : إن أصحاب محمد

يكرهون القتال في الشهر الحرام ، فاحملوا عليهم فناشدهم المسلمون أن يقاتلوهم في

الشهر الحرام ، فأبى المشركون إلا القتال . فبغوا على المسلمين فقاتلوهم وحملوا عليهم

وثبت المسلمون فنصر اللّه ، عز وجل ، المسلمين عليهم ، فوقع في أنفس المسلمين من

القتال في الشهر الحرام ، فأنزل اللّه عز وجل ذلك ومن عاقب ، هذا جزاء من عاقب .

 بِمثل ما عوقب به ثُم بغي عليه لينصرنه اللّه إِن اللّه لعفو  عنهم غَفورٌ [ آية : ٦٠ ] لقتالهم في الشهر الحرام

٦١

الحج : ٦١ ذلك بأن اللّه . . . . .

 ذلكَ يعنى هذا الذي فعل من

قدرته ، ثم بين قدرته ، جل جلاله ، فقال سبحانه : ذلك بِأنَ اللّه يُولجُ اليل في

النهار ويولج النهارَ في اليل يعنى انتقاص كل واحد منهما من الآخر ، حتى

يكون النهار خمس عشرة ساعة ، والليل تسع ساعات في كل سنة وَأَن اللّه سميعُ

بأعمالهم بصيرٌ [ آية : ٦١ ] بها .

٦٢

الحج : ٦٢ ذلك بأن اللّه . . . . .

 ذلكَ يعنى هذا الذي فعل ذلك ، يدل على توحيده بصنعه بِأن اللّه هُو

الحق وأَن ما يدعونَ من دونهِ يعنى يعبدون من دونه من الآلهة هُوَ الباطِلُ

الذي ليس بشيء ، ولا ينفعهم عبادتهم ، ثم عظم نفسه تبارك اسمه ، فقال : وَأَن اللّه

هُو العليُ يعنى الرفيع فوق خلقه الكبير [ آية : ٦٢ ] فلا شيء أعظم منه .

٦٤

الحج : ٦٣ ألم تر أن . . . . .

 أَلم تَر أَن اللّه أنزل من السماء ماءً ، يعنى المطر فتصبحُ الأرض

مخضرةً من النبات إِن اللّه لطيفُ باستخراج النبت خَبيرٌ [ آية : ٦٣ ]

الحج : ٦٤ له ما في . . . . .

ثم

قال تعالى : لَهُ ما في السموات وما في الأرض عبيده ، وفي ملكه وَإن اللّه لهُوَ

الغنيُ من عباده خلقه الحميد [ آية : ٦٤ ] عند خلقه في سلطانه .

٦٥

الحج : ٦٥ ألم تر أن . . . . .

 ألم تر أَن اللّه سخر يعنى ذلك لكم ما في الأرض والفلك يقول : وسخر

الفلك ، يعني السفن تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض يقول :

لئلا تقع على الأرض إِلا بإذنه إِن اللّه بِالناس لرءوفٌ يعنى لرفيق رحيم [ آية :

٦٥ ] بهم ، فيما سخر لهم ، وحبس عنهم السماء ، فلا تقع عليهم فيهلكوا .

٦٦

الحج : ٦٦ وهو الذي أحياكم . . . . .

 وهو الذي أحياكم يعنى خلقكم ، ولم تكونوا شيئاً ثم يميتكم عند

آجالكم ثم يحييكم بعد موتكم في الآخرة إن الإنسان لكفور [ آية :

٦٦ ] لنعم اللّه ، عز وجل ، في حسن خلقه حين لا يوحده .

٦٧

الحج : ٦٧ لكل أمة جعلنا . . . . .

قال سبحانه : لكل أمة يعنى لكل قوم فيما خلا جعلنا منسكا يعنى

ذبحاً يعنى هراقة الدماء ذبيحة في عيدهم هم ناسكوه يعنى ذابحوه ك

قوله :

 إن صلاتي ونسكي [ الأنعام : ١٦٢ ] يعنى ذبيحتي فلا ينازعنك في الأمر يعنى في أمر الذبائح ، فإنك أولى بالأمر منهم ، أي من كفار خزاعة وغيرهم ،

نزلت في بديل بن ورقاء الخزاعي ، وبشر بن سفيان الخزاعي ، ويزيد بن الحلبس ، من بني

الحارث بن عبد مناف لقولهم للمسلمين ، في الأنعام ، ما قتلتم أنتم بأيديكم فهو حلال

وما قتل اللّه فهو حرام يعنون الميتة ، قال سبحانه : وادع إلى ربك يعنى إلى معرفة

ربك وهو التوحيد إنك لعلى هدى يعنى لعلي دين مستقيم [ آية : ٦٧ ] .

٦٨

الحج : ٦٨ وإن جادلوك فقل . . . . .

 وإن جادلوك في أمر الذبائح ، يعنى هؤلاء النفر فقل اللّه أعلم بما تعملون

[ آية : ٦٨ ] وبما نعمل ، وذلك حين اختلفوا في أمر الذبائح .

٦٩

الحج : ٦٩ اللّه يحكم بينكم . . . . .

فذلك قوله عز وجل : اللّه يحكم يعنى يقضي بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون [ آية : ٦٩ ]

من الدين : نسختها آية : السيف .

٧٠

الحج : ٧٠ ألم تعلم أن . . . . .

قوله عز وجل : ألم تعلم يا محمد أن اللّه يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك العلم في كتاب يعنى اللوح المحفوظ ان ذلك الكتاب على اللّه يسير [ آية : ٧٠ ] يعنى هيناً .

٧١

الحج : ٧١ ويعبدون من دون . . . . .

 ويعبدون من دون اللّه من الآلهة ما لم ينزل به سلطانا يعنى ما لم ينزل به

كتاباً من السماء لهم فيه حجة بأنها آلهة وما ليس لهم به علم أنها آلهة وما للظالمين من نصير [ آية : ٧١ ] يقول : وما للمشركين من مانع من العذاب .

٧٢

الحج : ٧٢ وإذا تتلى عليهم . . . . .

 وَإذا تُتلى عليهم ءايتنا بيناتٍ يعنى واضحات تعرفُ في وجوهُ الذينَ كفرواْ

المُنكر ينكرون القرآن أن يكون من اللّه عز وجل يكادونَ يسطونَ بالذينَ

يتلونَ عليهم ءاياتنا يقول : يكادون يقعون بمحمد صلى اللّه عليه وسلم من كراهيتهم للقرآن ،

و  ما شأن محمد وأصحابه أحق بهذا الأمر منا ، واللّه إنهم لأشر خلق اللّه ، فأنزل اللّه عز وجل عز قل لهم يا محمد : أفأنبئكم بشر من ذلكم النار يعنى النبي صلى اللّه عليه وسلم

وأصحابه وعدها اللّه الذين كفروا من وعده اللّه النار وصار إليها ، يعنى الكفار ،

فهم شرار الخلق وبئس المصير [ آية : ٧٢ ] النار حين يصيرون إليها ، ونزل فيهم في

الفرقان : الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل

سبيلاً . . . [ الفرقان : ٣٤ ] .

٧٣

الحج : ٧٣ يا أيها الناس . . . . .

 يأيها الناس يعنى كفار مكة ضرب مثل يعنى شبهاً وهو الصنم

 فاستمعوا له ثم أخبر عنه ، فقال سبحانه : إن الذين تدعون من دون اللّه

من الأصنام يعنى اللات والعزى ومناة وهبل لن يستطيعوا أن يخلقوا ذباباً ولو

اجتمعوا له يقول : لو اجتمعت الآلهة على أن يخلقوا ذباباً ما استطاعوا ، ثم قال عز

وجل : وإن يسلبهم الذباب شيئاً مما على الآلهة من ثياب أو حلى أو طيب لا

يستنقذوه منه يقول : لا تقدر الآلهة أن تستفيد من الذباب ما أخذ منها ، ثم قال :

 ضعف الطالب والمطلوب [ آية : ٣٧ ] فأما الطالب فهو الصنم ، وأما المطلوب فهو

الذباب ، فالطالب هو الصنم الذي يسلبه الذباب ولا يمتنع منه ، والمطلوب هو الذباب ،

فأخبر اللّه عن الصنم أنه لا قوة له ، ولا حيلة ، فكيف تعبدون ما لا يخلق ذباب ، ولا يمتنع

من الذباب .

٧٤

الحج : ٧٤ ما قدروا اللّه . . . . .

قوله عز وجل : ما قدروا اللّه حق قدره يقول : ما عظموا اللّه حق عظمته حين

أشركوا به ولم يوحدوه إن اللّه لقوى في أمره عزيز [ آية : ٧٤ ] أي منيع في

ملكه ،

٧٥

الحج : ٧٥ اللّه يصطفي من . . . . .

قوله عز وجل : اللّه يصطفى من الملئكة رسلاً وهم : جبريل ،

وميكائيل ، وإسرافيل ، وملك الموت ، والحفظة الذين يكتبون أعمال بني آدم .

 ومن الناس رسلاً ، منهم محمد صلى اللّه عليه وسلم فيجعلهم أنبياء إن اللّه سميع

بمقالتهم بصيرٌ [ آية : ٧٥ ] بمن يتخذه رسولاً

٧٦

الحج : ٧٦ يعلم ما بين . . . . .

 يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم

يقول : يعلم ما كان قبل خلق الملائكة والأنبياء ، ويعلم ما يكون من بعدهم وإلى اللّه

ترجع الأمور [ آية : ٧٦ ] في الآخرة .

٧٧

الحج : ٧٧ يا أيها الذين . . . . .

قوله عز وجل : يأيها الذين ءامنو اركعوا واسجدوا يأمرهم بالصلاة

 واعبدوا ربكم يعنى وحدوا ربكم وافعلوا الخير الذي أمركم به

 لعلكم يعنى لكي تفلحون [ آية : ٧٧ ] يقول : من فعل ذلك فقد أفلح .

٧٨

الحج : ٧٨ وجاهدوا في اللّه . . . . .

 وجاهدوا في اللّه يأمرهم بالعمل حق جهاده يقول : اعملوا للّه بالخير حق

عمله نسختها الآية التي في التغابن ، وهي : فاتقوا اللّه ما استطعتم [ التغابن :

١٦ ] . ثم قال : هو اجتباكم يقول اللّه عز وجل : استخلصكم لدينه وما جعل عليكم في الدين يعنى في الإسلام من حرج يعنى من ضيق ، ولكن جعله واسعاً هو

 ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم يقول اللّه عز وجل : سماكم المسلمين فيها

تقديم من قبل قرآن محمد صلى اللّه عليه وسلم في الكتب الأولى وفي هذا القرآن أيضاً سماكم

المسلمين ليكون الرسول يعنى النبي صلى اللّه عليه وسلم  شهيدا عليكم أنه بلغ الرسالة

 وتكونوا أنتم يا معشر أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم ، يعنى مؤمنيهم شهداء على الناس يعنى

شهداء للرسل أنهم بلغوا قومهم الرسالة فأقيموا الصلاة يقول : أتموها وءاتوا

الزكوة يقول : أعطوا الزكاة من أموالكم واعتصموا باللّه يقول : وثقوا باللّه ، فإذا

فعلتم ذلك هو مولكم فنعم المولى ونعم النصير [ آية : ٧٨ ] يقول : نعم المولى هو

لكم ، ونعم النصير هو لكم .

﴿ ٠