٤١

سورة فصلت

مكية ، عددها أربع وخمسون آية كوفية

١

حم

٢

فصلت : ٢ تنزيل من الرحمن . . . . .

 تنزيل حم ، يعني ما حم في اللوح المحفوظ ، يعني ما قضى من الأمر من الرحمن الرحيم [ آية : ٢ ] ، اسمان رقيقان ،

أحدهما أرق من الآخر الرحمن ، يعني المسترحم على خلقه ، و الرحيم ، أرق من الرحمن الرحيم اللطيف بهم .

٣

فصلت : ٣ كتاب فصلت آياته . . . . .

قوله : كتابٌ فصلت ءايته قرءاناً عربياً ؛ ليفقهوه ، ولو كان غير عربي ، ما علموه ، فذلك

قوله : لقوم يعلمون [ آية : ٣ ] ما فيه .

٤

فصلت : ٤ بشيرا ونذيرا فأعرض . . . . .

ثم قال : القرآن بشيرا بالجنة ونذيرا من النار فأعرض أكثرهم ، يعني أكثر أهل مكة عن القرآن فهم لا يسمعون [ آية : ٤ ] الإيمان به .

٥

فصلت : ٥ وقالوا قلوبنا في . . . . .

 وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه ، وذلك أن أبا جهل بن هشام ، وأبا سفيان

بن حرب ، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ،

دخلوا على علي بن أبي طالب ، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

عنده ، فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : قولوا : لا إله إلا اللّه ، فشق ذلك عليهم وقالوا قلوبنا في أكنة ، يقولون : عليها الغطاء ، فلا تفقه ما تقول وفي ءاذاننا وقرٌ ، يعني

ثقل ، فلا تسمع ما تقول ، ثم إن أبا جهل بن هشام جعل ثوبه بينه وبين النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ثم

قال : يا محمد ، أنت من ذلك الجانب ، ونحن من هذا الجانب ومن بيننا وبينك حجاب ، يعني ستر ، وهو الثوب الذي رفعه أبو جهل فاعمل يا محمد لإلهك

الذي أرسلك إننا عاملون [ آية : ٥ ] لآلهتنا التي نعبدها .

٦

فصلت : ٦ قل إنما أنا . . . . .

ثم قال تعالى : قل يا محمد لكفار مكة : إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ؛ لقولهم لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : اعمل أنت لإلهك ، ونحن لآلهتنا ، ثم قال

رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : فاستقيموا إليه بالتوحيد واستغفروه من الشرك ، ثم أوعدهم

إن لم يتوبوا من الشرك ، فقال : وويل للمشركين [ آية : ٦ ] ، يعني كفار قريش .

٧

فصلت : ٧ الذين لا يؤتون . . . . .

 الذين لا يؤتون الزكوة ، يعني لا يعطون الصدقة ، ولا يطعمون الطعام وهم بالآخرة ، يعني بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال هم كافرون [ آية : آية : ٧ ] بها

بأنها غير كائنة .

٨

فصلت : ٨ إن الذين آمنوا . . . . .

ثم قال : إن الذين ءامنوا ، يعني صدقوا بالتوحيد وعملوا الصالحات من

الأعمال لهم أجر غير ممنون [ آية : ٨ ] ، يعني غير منقوص في الآخرة .

٩

فصلت : ٩ قل أئنكم لتكفرون . . . . .

 قل أئنكم لتكفرون بالتوحيد ، و بالذي خلق الأرض في يومين ، يوم الثلاثاء

ويوم الأربعاء ، ثم قال : وتجعلون له أندادا ، يعني شركاً ذلك الذي خلق

الأرض في يومين هو رب العالمين [ آية : ٩ ] ، يعني الناس أجمعين .

١٠

فصلت : ١٠ وجعل فيها رواسي . . . . .

ثم قال : وجعل فيها روسي من فوقها ، يعني جعل الجبل من فوق الأرض أوتاداً

للأرض ؛ لئلا تزول بمن عليها وبارك فيها ، يعني في الأرض ، والبركة الزرع والثمار

والنبت وغيره ، ثم قال : وقدر فيها أقوتها في أربعة أيامٍ ، يقول : وقسم في الأرض

أرزاق العباد والبهائم سواء للسائلين [ آية : ١٠ ] ، يعني عدلاً لمن يسأل الرزق من

السائلين .

١١

فصلت : ١١ ثم استوى إلى . . . . .

 ثم استوى إلى السماء وهي دخان ، قبل ذلك فقال لها وللأرض ائتيا طوعا عبادتي

ومعرفتي ، يعني أعطيا الطاعة طيعاً أو كرها ، وذلك أن اله تعالى حين خلقهما

عرض عليهما الطاعة بالشهوات واللذات ، على الثواب والعقاب ، فأبين أن يحملنها من

المخافة ، فقال لها الرب : ائتيا المعرفية لربكما والذكر له ، على غير ثواب ولا عقاب ،

طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين [ آية : ١١ ] ، يعني أعطيناه طائعين .

١٢

فصلت : ١٢ فقضاهن سبع سماوات . . . . .

 فقضاهن سبع سماوات ، يقول : فخلق السموات السبع في يومين ، الأحد

والاثنين وأوحي ، يقول : وأمر في كل سماء أمرها الذي أراده ، قال : وزينا السماء الدنيا ، يقول : لأنها أدنى السموات من الأرض بمصابيح ، يعني

الكواكب وحفظا بالكواكب ، يعني ما يرمي الشياطين بالشهاب ؛ لئلا يستمعوا

إلى السماء ، يقول : ذلك الذي ذكر من صنعه في هذه الآية تقدير العزيز في

ملكه العليم [ آية : ١٢ ] بخلقه .

١٣

فصلت : ١٣ فإن أعرضوا فقل . . . . .

 فإن أعرضوا عن الإيمان ، يعني التوحيد فقل أنذرتكم صاعقة في الدنيا ،

 مثل صاعقة عاد وثمود [ آية : ١٣ ] ، يقول : مثل عذاب عاد وثمود ، وإنما خص عاداً

وثمود من بين الأمم ؛ لأن كفار مكة قد عاينوا هلاكهم باليمن والحجر .

قال مقاتل :

كل من يموت من عذاب ، أو سقم ، أو قتل ، فهو مصعوق .

١٤

فصلت : ١٤ إذ جاءتهم الرسل . . . . .

ثم قال : إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ، يعني من قبلهم ومن

بعدهم ، فقالوا لقومهم : ألا تعبدوا إلا اللّه ، يقول : وحدوا اللّه قالوا للرسل :

 لو شاء ربنا لأنزل ملئكةً ، فكانوا إلينا رسلاً فإنا بما أرسلتم به ، يعني بالتوحيد ،

 كافرون [ آية : ١٤ ] لا نؤمن به .

١٥

فصلت : ١٥ فأما عاد فاستكبروا . . . . .

 فأما عاد فاستكبروا ، يعني فتكبروا عن الإيمان وعملوا في الأرض بغير الحق ، فخوفهم هود العذاب وقالوا من أشد منا قوة ، يعني بطشاً ، قال :

كان

الرجل منهم ينزع الصخرة من الجبل لشدته ، وكان طوله اثنا عشر ذراعاً ، ويقال : ثمانية

عشر ذراعاً ، وكانوا باليمن في حضر موت أولم يروا ، يقول : أو لم يعلموا أن

اللّه الذي خلقهم هو أشد منهم قوةً ، يعني بطشاً وكانوا بأياتنا ، يعني بالعذاب ،

 يجحدون [ آية : ١٥ ] أنه لا ينزل بهم ، فأرسل اللّه عليهم الريح فأهلكتهم .

١٦

فصلت : ١٦ فأرسلنا عليهم ريحا . . . . .

فذلك قوله تعالى : فأرسلنا ، فأرسل اللّه عليهم ريحا صرصرا ، يعني باردة ،

 في أيام نحسات ، يعني شداداً ، وكانت ريح الدبور فأهلكتهم ، فذلك

قوله :

 لنذيقهم ، يعني لكي نعذبهم عذاب الخزي ، يعني الهوان في الحيوة الدنيا ،

فهو الريح ولعذاب الأخرة أخرى ، يعني أشد وأكثر إهانة من الريح التي أهلكتهم

في الدنيا وهم لا ينصرون [ آية : ١٦ ] ، يعني لا يسمعون من العذاب .

قال عبد اللّه :

سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى يقول : الصرصر ، الريح الباردة التي لها

صوت .

١٧

فصلت : ١٧ وأما ثمود فهديناهم . . . . .

ثم ذكر ثمود ، فقال : وأما ثمود فهدينهم ، يعني بينا لهم فاستحبوا العمى على الهدى ، يقول : اختاروا الكفر على الإيمان فأخذتهم صاعقة ، يعني صيحة جبريل ،

عليه السلام العذاب الهون بما كانوا يكسبون [ آية : ١٧ ] ، يعني يعملون من الشرك .

فصلت : ١٨ ونجينا الذين آمنوا . . . . .

ثم قال : ونجينا الذين ءامنوا ، يعني صدقوا بالتوحيد من العذاب الذي نزل

بكفارهم وكانوا يتقون [ آية : ١٨ ] الشرك .

١٩

فصلت : ١٩ ويوم يحشر أعداء . . . . .

قوله : ويوم يحشر أعداء اللّه إلى النار فهم يوزعون [ آية : ١٩ ] ، نزلت في صفوان

بن أمية الجمحي ، وفي ربيعة ، وعبد باليل ابني عمرو الثقفيين [ . . . . . . . . . . . . ] ، إلى خمس

آيات ، ويقال : إن الثلاثة نفر : صفوان بن أمية ، وفرقد بن ثمامة ، وأبو فاطمة فهم يوزعون ، يعني يساقون إلى النار ، تسوقهم خزنة جهنم .

٢٠

فصلت : ٢٠ حتى إذا ما . . . . .

 حتى إذا ما جاءوها ، يعني النار وعاينوها ، قيل لهم : أين شركاؤكم الذين كنتم

تزعمون في الدنيا ؟ قالوا عند ذلك : واللّه ربنا ما كنا مشركين [ الأنعام : ٢٣ ] ،

فختم اللّه على أفواههم ، وأوحى إلى الجوارح فنطقت بما كتمت الألسن من الشرك ،

فذلك

قوله : شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم وأيديهم ، وأرجلهم بما كانوا يعملون [ آية : ٢٠ ] من الشرك .

٢١

فصلت : ٢١ وقالوا لجلودهم لم . . . . .

فلما شهدت عليهم الجوارح وقالوا لجلودهم ، قالت الألسن للجوارح : لم شهدتم علينا ، يعني الجوارح ،   أبعدكم اللّه ، إنما كنا نجاحش عنكم ، فلم شهدتم

علينا بالشرك ، ولم تكونوا تتكلمون في الدنيا قالوا ، قالت الجوارح للألسن :

 أنطقنا اللّه اليوم الذي أنطق كل شئٍ من الدواب وغيرها وهو خلقكم أول مرة ، يعني هو أنطغكم أول مرة من قبلها في الدنيا ، قبل أن ننطق نحن اليوم وإليه ترجعون [ آية : ٢١ ] ، يقول : إلى اللّه تردون في الآخرة ، فيجزيكم بأعمالكم ، في

التقديم .

٢٢

فصلت : ٢٢ وما كنتم تستترون . . . . .

وذلك أن هؤلاء النفر الثلاثة كانوا في ظل الكعبة يتكلمون ، فقال

أحدهما : هل يعلم

اللّه ما تقول ؟ فقال الثاني : إن خفضنا لم يعلم ، وإن رفعنا علمه ، فقال الثالث :

إن كان اللّه

يسمع إذا رفعنا ، فإنه يسمع إذا خفضنا ، فسمع قولهم عبد اللّه بن مسعود ، فأخبر بقولهم

النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فأنزل اللّه في قولهم : وما كنتم تستترون ، يعني تستيقنون ، و

تستكتمون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم ، يعني

حسبتم أن اللّه لا يعلم كثيرا مما تعملون [ آية : ٢٢ ] ، يعني هؤلاء الثلاثة ، قول

بعضهم لبعض : هل يعلم اللّه ما نقول ؟ لقول الأول والثاني والثالث ، يقول : حسبتم

 أن اللّه لا يعلم كثيرا مما تعملون .

٢٣

فصلت : ٢٣ وذلكم ظنكم الذي . . . . .

 وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم ، يقول : يقينكم الذي أيقنتم بربكم وعلمكم باللّه

بأن الجوارح لا تشهد عليكم ، ولا تنطق ، وأن اللّه لا يخزيكم بأعمالكم الخبيثة ،

 أرداكم ، يعني أهلككم سوء الظن فأصبحتم من الخاسرين [ آية : ٢٣ ] بظنكم

السيئ ، كقوله لموسى : فتردى [ طه : ١٦ ] ، يقول فتهلك فأصبحتم من الخاسرين ، يعني من أهل النار .

٢٤

فصلت : ٢٤ فإن يصبروا فالنار . . . . .

 فإن يصبروا على النار فالنار مثوى لهم ، يعني فالنار مأواهم وإن

يستعتبوا  في الآخرة فما هم من المعتبين [ آية : ٢٤ ] ، يقول : وإن يستقيلوا ربهم

في الآخرة ، فما هم من المقالين ، لا يقبل ذلك منهم .

٢٥

فصلت : ٢٥ وقيضنا لهم قرناء . . . . .

ثم قال : وقيصنا لهم  في الدنيا قرناء من الشياطين ، يقول : وهيأنا لهم

قرناء في الدنيا فزينوا لهم ، يقول : فحسنوا لهم ، ك

قوله : كذلك زين

[ يونس : ١٢ ] ، يقول : حسن ما بين أيديهم ، يعني من أمر الآخرة ، وزينوا لهم

التكذيب بالبعث والحساب والثواب والعقاب أن ذلك ليس بكائن و  زينوا لهم وما خلفهم من الدنيا ، فحسنوه في أعينهم ، وحببوها إليهم حتى لا يعملوا خيراً ،

 وحق عليهم القول ، يعني وجب عليهم العذاب في أممٍ ، يعني مع أمم قد

خلت من قبلهم ، يعني من قبل كفار مكة من  كفار الجن والإنس من الأمم

الخالية إنهم كانوا خاسرين [ آية : ٢٥ ] .

٢٦

فصلت : ٢٦ وقال الذين كفروا . . . . .

 وقال الذين كفروا ، يعني الكفار لا تسمعوا لهذا القرءان [ آية : . . . . . . . ] ، إلى

ثلاث آيات ، هذا قول أبي جهل ، وأبي سفيان لكفار قريش ، قالوا لهم :

إذا سمعتم القرآن

من محمد صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه ، فارفعوا أصواتكم بالأشعار والكلام في وجوههم ، حتى تلبسوا

عليهم قولهم فيسكتون ، فذلك

قوله : والغوا فيه بالأشعار والكلام لعلكم تغلبون [ آية : ٢٦ ] ، يعني لكي تغلبونهم فيسكتون .

٢٧

فصلت : ٢٧ فلنذيقن الذين كفروا . . . . .

فأخبر اللّه تعالى بمستقرهم في الآخرة ، فقال : فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ،

يعني أبا جهل وأصحابه ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون [ آية : ٢٧ ] من الشرك .

٢٨

فصلت : ٢٨ ذلك جزاء أعداء . . . . .

 ذلك العذاب جزاء أعداء اللّه النار ، يعني أبا جهل وأصحابه لهم فيها دار الخلد لا يموتون جزاء بما كانوا بآياتنا ، يعني بآيات القرآن يجحدون [ آية :

٢٨ ] أنه ليس من اللّه تعالى ، وقد عرفوا أن محمداً صلى اللّه عليه وسلم صادق في قوله ، ونزل في أبي

جهل بن هشام ، وأبي بن خلف : إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون

[ فصلت : ٤٠ ] الآية .

٢٩

فصلت : ٢٩ وقال الذين كفروا . . . . .

 وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس ؛ لأنهما أول من أقاما

على المعصية من الجن إبليس ، ومن الإنس ابن آدم قاتل هابيل رأس الخطيئة نجعلهما تحت أقدامنا ، يعني من أسلف منا في النار ليكونا من الأسفلين [ آية : ٢٩ ] في

النار .

٣٠

فصلت : ٣٠ إن الذين قالوا . . . . .

ثم أخبر عن المؤمنين ، فقال : إن الذين قالوا ربنا اللّه ، فعرفوه ثم

استقموا على المعرفة ، ولم يرتدوا عنها تتنزل عليهم الملئكة في الآخرة

من السماء ، وهم الحفظة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون [ آية : ٣٠ ] ، وذلك أن المؤمن إذا خرج من قبره ، فينفض رأسه ، وملكه

قائم على رأسه يسلم عليه ، فيقول الملك للمؤمن : أتعرفني ؟ فيقول : لا ، فيقول : أنا الذي

كنت أكتب عملك الصالح ، فلا تخف ولا تحزن ، وأبشر بالجنة التي كنت توعد ، وذلك

أن اللّه وعدهم على ألسنة الرسل في الدنيا الجنة .

٣١

فصلت : ٣١ نحن أولياؤكم في . . . . .

وتقول الحفظة يومئذٍ للمؤمنين : نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا ، ونحن أولياؤكم

اليوم وفي الآخرة ولكم فيها ، يعني في الجنة ما تشتهي أنفسكم ولكن فيها ما

تدعون [ آية : ٣١ ] ، يعني مما تتمنون .

٣٢

فصلت : ٣٢ نزلا من غفور . . . . .

هذا الذي أعطاكم اللّه كان نزلا من غفور رحيم [ آية : ٣٢ ] .

٣٣

فصلت : ٣٣ ومن أحسن قولا . . . . .

قوله : ومن أحسن قولا ممن دعا إلى اللّه ، يعني التوحيد وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين [ آية : ٣٣ ] ، يعني المخلصين ، يعني النبي صلى اللّه عليه وسلم .

٣٤

فصلت : ٣٤ ولا تستوي الحسنة . . . . .

قوله : ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن ، وذلك أن أبا جهل

كان يؤذي النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وكان النبي مبغضاً له ، يكره رؤيته ، فأمر بالعفو والصفح ، يقول :

إذا فعلت ذلك فإذا الذي بينك وبينه عدوةٌ ، يعني أبا جهل كأنه ولي لك في

الدين حميم [ آية : ٣٤ ] لك في النسب ، الشفيق عليك .

٣٥

فصلت : ٣٥ وما يلقاها إلا . . . . .

ثم أخبر نبيه ، عليه السلام : وما يلقاها ، يعني لا يؤتاها ، يعني الأعمال الصالحة ،

العفو والصفح إلا الذين صبروا على كظم الغيظ وما يلقاها ، يعني لا يؤتاها ،

 إلا ذو حظ عظيم [ آية : ٣٥ ] نصيباً وافراً في الجنة ، فأمره اللّه بالصبر ، والاستعاذة

من الشيطان في أمر أبي جهل .

٣٦

فصلت : ٣٦ وإما ينزغنك من . . . . .

 وإما ينزغنك ، يعني يفتننك في أمر أبي جهل والرد عنه من الشيطان نزغ ،

يعني فتنة فاستعذ باللّه إنه هو السميع

بالاستعاذة العليم [ آية : ٣٦ ] بها ،

نظيرها في حم المؤمن : إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه [ غافر : ٥٦ ] ، وفي

الأعراف أمر أبي جهل .

٣٧

فصلت : ٣٧ ومن آياته الليل . . . . .

 ومن ءاياته أن يعرف التوحيد بصنعه ، وإن لم تروه اليل والنهار

والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا للّه الذي خلقهن ، يعني

الذي خلق هؤلاء الآيات إن كنتم إياه تعبدون [ آية : ٣٧ ] ، فسجد النبي صلى اللّه عليه وسلم

والمؤمنون يومئذٍ ، فقال كفار مكة عند ذلك : بل نسجد للات ، والعزى ، ومناة .

٣٨

فصلت : ٣٨ فإن استكبروا فالذين . . . . .

يقول اللّه تعالى : فإن استكبروا عن السجود للّه فالذين عند ربك من

الملائكة يسبحون له باليل والنهار وهم لا يسئمون [ آية : ٣٨ ] ، يعني لا يملون من

الذكر له والعبادة ، وليست لهم فترة ولا شآمة .

٣٩

فصلت : ٣٩ ومن آياته أنك . . . . .

 ومن ءاياته أن يعرف التوحيد بصنعه ، وإن لم تروه أنك ترى الأرض خاشعة

متهشمة غبراء لا نبت فيها فإذا أنزلنا عليها الماء ، يعني على الأرض المطر ، فصارت

حية ، ، فأنبتت ، و اهتزت بالخضرة وربت ، يقول : وأضعفت النبات ، ثم قال :

 إن الذي أحياها بعد موتها لمحى الموتى في الآخرة ، ليعتبر من يشك في

البعث إنه على كل شئٍ قديرٌ [ آية : ٣٩ ] ، من البعث وغيره .

٤٠

فصلت : ٤٠ إن الذين يلحدون . . . . .

قوله : إن الذين يلحدون في ءاياتنا ، يعني أبا جهل ، يميل عن الإيمان بالقرآن ،

بالأشعار والباطل لا يخفون علينا ، يعني أبا جهل ، وأخبر اللّه تعالى بمستقره في

الآخرة ، فقال : أفمن يلقى في النار خير ، يعني أبا جهل ، خير أم من يأتي ءامناً يوم

القيامة ، يعني النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ثم قال لكفار مكة : اعملوا ما شئتم ، هذا وعيد إنه

بما تعملون بصيرٌ [ آية : ٤٠ ] ، من الشرك وغيره .

٤١

فصلت : ٤١ إن الذين كفروا . . . . .

 إن الذين كفروا ، يعني أبا جهل بالذكر لما جاءهم ، يعني به القرآن حين

جاءهم ، وهو أبو جهل وكفار مكة وإنه لكتاب عزيز [ آية : ٤١ ] ، يقول : وإنه

لقرآن منيع من الباطل ، فلا يستذل ؛ لأنه كلام اللّه .

٤٢

فصلت : ٤٢ لا يأتيه الباطل . . . . .

 لا يأتيه الباطل من بين يديه ، يقول : لا يأتي القرآن بالتكذيب ، بل يصدق هذا

القرآن الكتب التي كانت قبله : التوراة ، والإنجيل ، والزبور ، ثم قال : ولا يأتيه

الباطل من خلفه ، يقول : لا يجيئه من بعده كتاب يبطله فيكذبه ، بل هو

 تنزيل ، يعني وحي من حكيم في أمره حميد [ آية : ٤٢ ] عند خلقه .

٤٣

فصلت : ٤٣ ما يقال لك . . . . .

ثم قال : ما يقال لك يا محمد من التكذيب بالقرآن أنه ليس بنازل عليك ، إلا ما قد قيل للرسل من قبلك من قومهم من التكذيب لهم أنه ليس العذاب بنازل بهم ،

يعزي نبيه صلى اللّه عليه وسلم ليصبر على الأذى والتكذيب إن ربك لذو مغفرة ، يقول : ذو تجاوز

في تأخير العذاب عنهم إلى الوقت ، حين سألوا العذاب في الدنيا ، وإذا جاء الوقت ،

وذو عقابٍ ، فهو ذو عقاب أليمٍ [ آية : ٤٣ ] ، يعني وجيع ، ك

قوله : إن

تكونوا تألمون [ النساء : ١٠٤ ] ، إن كنتم تتوجعون .

٤٤

فصلت : ٤٤ ولو جعلناه قرآنا . . . . .

قوله : ولو جعلنه قرءاناً أعجمياً ، وذلك

أن كفار قريش كانوا إذا رأوا النبي صلى اللّه عليه وسلم

يدخل على يسار أبي فكيهة اليهودي [ ، فأخذه سيده فضربه ، وقال له : إنك

تعلم محمداً صلى اللّه عليه وسلم ، فقال يسار : بل هو يعلمني ، فأنزل اللّه عز وجل : ولو جعلنه قرءاناً

أعجمياً ، يقول : بلسان العجم لقالوا ، لقال كفار مكة : لولا فصلت ، يقول :

هلا بينت ءاياته بالعربية حتى نفقه ونعلم ما يقول محمد ءاعجميٌ ، ول

إن القرآن أعجمي أنزل على محمد و وهو وعربي قل نزله اللّه عربياً لكي

يفقهوه ، ولا يكون لهم علة ، يقول اللّه تعالى : هو للذين ءامنوا هدىً من الضلالة ،

 وشفاء لما في القلوب للذي فيه من التبيان ، ثم قال : والذين لا يؤمنون

بالآخرة ، يعني لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال في ءاذانهم وقرٌ ، يعني

ثقل ، فلا يسمعون الإيمان بالقرآن وهو عليهم عمى ، يعني عموا عنه ، يعني القرآن ،

فلم يبصروه ولم يفقهوه أؤلئك ينادون من مكان بعيدٍ [ آية : ٤٤ ] إلى الإيمان بأنه

غير كائن ؛ لأنهم صم عنه ، وعمي ، وفي آذانهم وقر .

٤٥

فصلت : ٤٥ ولقد آتينا موسى . . . . .

قوله : ولقد ءاتينا موسى الكتاب ، يقول : أعطينا موسى التوراة فاختلف فيه ،

يقول : فكفر به بعضهم ولولا كلمة سبقت من ربك ، وهي كلمة الفصل

بتأخير العذاب عنهم إلى أجل مسمى ، يعني يوم القيامة ، يقول : لولا ذلك الأجل ،

 لقضي ، يعني بين الذين آمنوا وبين الذين اختلفوا وكفروا بالكتاب ، لولا ذلك

الأجل ، لنزل بهم العذاب في الدنيا بينهم وإنهم لفي شكٍ منه ، يعني من

الكتاب مريب [ آية : ٤٥ ] ، يعني أنهم لا يعرفون شكهم .

٤٦

فصلت : ٤٦ من عمل صالحا . . . . .

ثم قال : من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء العمل فعليها ، يقول : إساءته

على نفسه وما ربك بظلام للعبيد [ آية : ٤٦ ] .

٤٧

فصلت : ٤٧ إليه يرد علم . . . . .

 إليه يرد علم الساعة ، وذلك أن اليهود قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم :

أخبرنا عن الساعة ، فإن

كنت رسولاً كما زعمت علمتها ، وإلا علمنا أنك لست برسول ، ولا نصدقك ، قال

النبي صلى اللّه عليه وسلم : لا يعلمها إلا اللّه ، أرد علمها إلى اللّه ، فقال اللّه عز وجل للنبي صلى اللّه عليه وسلم : فإن

كنت رددت علمها ، يعني علم الساعة إلى اللّه ، فإن الملائكة والخلق كلهم ردوا علم

الساعة ، يعني القيامة ، إلى اللّه عز وجل و يعلم وما تخرج من ثمرات من أكمامها ، يعني من أجوافهما ، يعني الطلع و يعلم وما تحمل من أنثى ذكراً

أو أنثى ، سوياً وغير سوي ، يقول : ولا تضع إلا بعلمه ، يقول : لا تحمل المرأة الولد ،

ولا تضعه إلا بعلمه ويوم يناديهم أين شركاءى قالوا ءاذنك ، يقول : أسمعناك ،

ك

قوله : وأذنت لربها [ الانشقاق : ٢ ] ، يقول : سمعت لربها ما منا من شهيد

[ آية : ٤٧ ] يشهد بأن لك شريكاً ، فتبرءوا يومئذٍ من أن يكون مع اللّه شريك .

٤٨

فصلت : ٤٨ وضل عنهم ما . . . . .

يقول : وضل عنهم في الآخرة ما كانوا يدعون ، يقول : ما

عبدوا في الدنيا من قبل وظنوا ، يعني وعلموا ما لهم من محيص [ آية : ٤٨ ] ،

يعني من فرار من النار .

٤٩

فصلت : ٤٩ لا يسأم الإنسان . . . . .

 لا يسئم الإنسان ، يقول : لا يمل الكافر من دعاء الخير ، يقول : لا يزال

يدعو ربه الخير والعافية وإن مسه الشر ، يعني البلاء وشدة فيئوسٌ من الخير ،

 قنوط [ آية : ٤٩ ] من الرحمة .

٥٠

فصلت : ٥٠ ولئن أذقناه رحمة . . . . .

ثم قال : ولئن أذقنه رحمةً منا ، يقول : ولئن آتيناه خير وعافية من بعد ضراء مسته ، يعني بعد بلاء وشدة أصابته ليقولن هذا لي ، يقول : أنا أحق بهذا ، يقول :

 وما أظن ، يقول : ما أحسب الساعة قائمة ، يعني القيامة كائنة ، ثم قال

الكافر : ولئن رجعت إلى ربي في ألاخرة إن كانت آخرة إن لي عنده للحسنى ، يعني الجنة كما أعطيت في الدنيا ، يقول اللّه تعالى : فلنبئن الذين كفروا

بما عملوا من أعمالهم الخبيثة ولنذيقنهم من عذاب غليظ [ آية : ٥٠ ] ، يعني

شديد لا يقتر عنهم ، وهم فيه مبلسون .

٥١

فصلت : ٥١ وإذا أنعمنا على . . . . .

ثم قال : وإذا أنعمنا على الإنسان بالخير والعافية أعرض عن الدعاء ، فلا يدعو

ربه ونئا بجانبه ، يقول : وتباعد بجانبه عن الدعاء في الرخاء وإذا مسه الشر ، بلاء أن شدة أصابته فذو دعاء عريض [ آية : ٥١ ] ، يعني دعاء كبير يسأل

ربه أن يكشف ما به من الشدة في الدعاء ، ويعرض عن الدعاء في الرخاء .

٥٢

فصلت : ٥٢ قل أرأيتم إن . . . . .

 قل يا محمد لكفار مكة : أرءيتم إن كان هذا القرآن من عند اللّه ثم كفرتم به ، وذلك أنهم قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم : ما هذا القرآن إلا شئ ابتدعته من تلقاء نفسك ، أما وجد اللّه رسولاً غيرك ، وأنت أحقرنا ، وأنت أضعفنا ركناً ، وأقلنا جنداً ، أو

يرسل ملكاً ، إن هذا الذي جئت به لأمر عظيم ، يقول اللّه : من أضل ، يقول : فلا

أحد أضل ممن هو في شقاق بعيد [ آية : ٥٢ ] ، يعني في ضلال طويل .

٥٣

فصلت : ٥٣ سنريهم آياتنا في . . . . .

ثم خوفهم ، فقال : سنريهم ءاياتنا ، يعني عذابنا في الآفاق ، يعني في

البلاد ما بين اليمن والشام ، عذاب قوم عاد ، وثمود ، وقوم لوط ، كانوا تمرون عليهم ، ثم

قال : و نريهم العذاب وفي أنفسهم ، فهو القتل ببدل حتى يتبين لهم أنه الحق ، يعني أن هذا القرآن الحق من اللّه عز وجل أولم يكف بربك شاهداً أن

هذا القرآن جاء من اللّه عز وجل أنه على كل شئٍ شهيدٌ [ آية : ٥٣ ] ، كقوله في

الأنعام : قل اللّه شهيد بيني وبينكم [ الأنعام : ١٩ ] .

٥٤

فصلت : ٥٤ ألا إنهم في . . . . .

 ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ، يعني في شك من البعث وغيره ألا إنه

بكل شئٍ محيطٌ [ آية : ٥٤ ] .

﴿ ٠