٤٨

سورة الفتح

مدنية عددها تسع وعشرون آية كوفي

١

الفتح : ١ إنا فتحنا لك . . . . .

 إنا فتحنا لك يوم الحديبية فتحا مبينا [ آية : ١ ] وذلك أن اللّه تعالى أنزل بمكة على نبيه صلى اللّه عليه وسلم : وما أدري ما يفعل بي ولا بكم [ الأحقاف : ٩ ] ، ففرح كفار مكة بذلك ، و  واللات والعزى وما أمره وأمرنا عند إلهه الذي يعبده إلا واحد ولولا أنه ابتدع هذا الأمر من تلقاء نفسه لكان ربه الذي بعثه يخبره بما يفعل به ، وبمن اتبعه كما فعل بسليمان بن داود ، وبعيسى ابن مريم والحواريين ، وكيف أخبرهم بمصيرهم ؟ فأما محمد فلا علم له بما يفعل به ، ولا بنا إن هذا لهو الضلال ، فشق على المسلمين نزول هذه الاية ، فقال أبو بكر ، وعمر ، رضي اللّه عنهما ، للنبي صلى اللّه عليه وسلم :

ألا تخبرنا ما اللّه فاعل بك ؟

فقال : ما أحدث اللّه إلى أمر بعد ، فلما قدم المدينة ، قال عبد اللّه بن أبي رأس المنافقين :

كيف تتبعون رجلاً لا يدري ما يفعل اللّه به ، ولا بمن تبعه ؟ وضحكوا من المؤمنين ، وعلم اللّه ما في قلوب المؤمنين من الحزن ، وعلم فرح المشركين من أهل مكة ، وفرح المنافقين من أهل المدينة ، فأنزل اللّه تعالى بالمدينة بعدما رجع النبي صلى اللّه عليه وسلم من الحديبية إنا فتحنا لك يعني قضينا لك فتحا مبينا يعني قضاء بيناً ، يعني الإسلام .

٢

الفتح : ٢ ليغفر لك اللّه . . . . .

 ليغفر يعني لكي يغفر لك اللّه الإسلام ما تقدم من ذنبك يعني ما كان في الجاهلية وما تأخر يعني وبعد النبوة ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما [ آية : ٢ ] يعني ديناً مستقيماً .

٣

الفتح : ٣ وينصرك اللّه نصرا . . . . .

 وينصرك اللّه يقول : ولكن ينصرك اللّه بالإسلام على عدوك نصرا عزيزا [ آية : ٣ ] يعني منيعاً فلا تذل الذي قضى اللّه له : المغفرة والغنيمة والإسلام والنصر فنسخت

هذه الآية ،

قوله : وما أدري ما يفعل بي ولا بكم [ الأحقاف : ٩ ] فأخبر اللّه تعالى نبيه صلى اللّه عليه وسلم بما يفعل به ، فنزلت هذه الآية على النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فلما سمع عبد اللّه بن أبي رأس المنافقين بنزول هذه الآية على النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وأن اللّه قد غفر له ذنبه ، وأنه يفتح له على عدوه ، ويهديه صراطاً مستقيماً ، وينصره نصراً عزيزاً ، قال لأصحابه :

يزعم محمد أن اللّه قد غفر له ذنبه ، وينصره على عدوه ، هيهات هيهات لقد بقي له من العدو أكثر وأكثر فأين فارس والروم ، وهم أكثر عدواً وأشد بأساً وأعز عزيزاً ؟ ولن يظهر عليهم محمد ، أيظن محمد أنهم مثل هذه العصابة التي قد نزل بين أظهرهم ، وقد غلبهم بكذبه وأباطليه ، وقد جعل لنفسه مخرجاً ، ولا علم له بما يفعل به ، ولا بمن تبعه ، إن هذا لهو الخلاف المبين .

فخرج النبي صلى اللّه عليه وسلم على أصحابه ، فقال :

لقد نزلت على آية لهي أحب إلي مما بين السماء والأرض ، فقرأ عليهم : إن فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر اللّه لك إلى آخر الآية ، فقال أصحابه : هنيئاً مريئاً ، يا رسول اللّه ، قد علمنا الآن ما لك عند اللّه ، وما يفعل بك ، فما لنا عند اللّه ، وما يفعل بنا ، فنزلت في سورة الأحزاب : وبشر المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار [ الأحزاب : ٤٧ ] .

٤

الفتح : ٤ هو الذي أنزل . . . . .

 هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين يعني الطمأنينة ليزدادوا يعني لكي

يزدادوا إيماناً مع إيمناهم يعني تصديقاً مع تصديقهم الذي أمرهم اللّه به في كتابه

فيقروا أن يكتبوا باسمك اللّهم ، ويقروا بأن يكتبوا هذا ما صالح عليه محمد بن عبد اللّه ،

وذلك أنه لما نزل النبي صلى اللّه عليه وسلم بالحديبية بعثت قريش منهم سهيل بن عمرو القرشي ،

وحويطب بن عبد العزى ، ومكرز بن حفص بن الأحنف على أن يعرضوا على النبي صلى اللّه عليه وسلم

أن يرجع من عامه ذلك ، على أن تخلى قريش له مكة من العام المقبل ثلاثة أيام ، ففعل

ذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم وكتبوا بينهم وبينه كتاباً ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ، لعلي بن أبي طالب ، عليه

السلام : اكتب بيننا كتاباً : اكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم ، فقال سهيل بن عمرو

وأصحابه : ما نعرف هذا ، ولكن اكتب ما نعرف باسمك اللّهم . فهم أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم

ألا يقروا بذلك ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لعلي ، عليه السلام : اكتب ما يقولون ، فكتب باسمك

اللّهم .

ثم قال :

اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول اللّه أهل مكة ، فقال سهيل بن عمرو

وأصحابه : لقد ظلمناك إن علمنا أنك رسول اللّه ، ونمنعك ونردك عن بيته ، ولا نكتب

هذا ، ولكن اكتب الذي نعرف : هذا ما صالح عليه محمد بن عبد اللّه أهل مكة . فقال

النبي صلى اللّه عليه وسلم : يا علي ، اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد اللّه ، وأنا أشهد أني رسول

اللّه ، وأنا محمد بن عبد اللّه ، فهم المسلمون ألا يقروا أن يكتبوا هذا ما صالح عليه محمد

بن عبد اللّه ، فأنزل اللّه السكينة ، يعني الطمأنينة عليهم . فذلك

قوله : هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ، أن يقروا لقريش حتى يكتبوا باسمك اللّهم ، إلى آخر القصة ،

وأنزل في قول أهل مكة لا نعرف أنك رسول اللّه ولو علمنا ذلك لقد ظلمنك حين

نمنعك عن بيته وكفى باللّه شهيدا [ الفتح : ٢٨ ] أن محمداً رسول اللّه ، فلا شاهد

أفضل منه .

 وللّه جنود السماوات والأرض وكان اللّه عليما حكيما [ آية : ٤ ] عليماً بخلقه ، حكيماً

في أمره .

٥

الفتح : ٥ ليدخل المؤمنين والمؤمنات . . . . .

 ليدخل المؤمنين والمؤمنات يعني لكي يدخل المؤمنين والمؤمنات بالإسلام جنات تجري من تحتها الأنهار من تحت البساتين خالدين فيها لا يموتون و لكي

 ويكفر عنهم سيئاتهم يعني يمحو عنهم ذنوبهم وكان ذلك الخير عند اللّه فوزا عظيما [ آية : ٥ ] فأخبر اللّه تعالى نبيه بما يفعل بالمؤمنين ، فانطلق عبد اللّه بن أبي

رأس المنافقين في نفر معه إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ف  ما لنا عند اللّه ؟ فنزلت بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما يعني وجيعاً .

٦

الفتح : ٦ ويعذب المنافقين والمنافقات . . . . .

 ويعذب يعني ولكي يعذب المنافقين والمنافقات من أهل المدينة عبد اللّه

بن أبي ، وأصحابه والمشركين والمشركات يعني من أهل مكة الظانين باللّه ظن السوء وكان ظنهم حين   واللات والعزى ما نحن وهو عند اللّه إلا بمنزلة واحدة ،

وأن محمداً لا ينصر فبئس ما ظنوا .

يقول اللّه : عليهم دائرة السوء وغضب اللّه عليهم ولعنهم وأعد لهم في الآخرة

 جهنم وساءت مصيرا [ آية : ٦ ] يعني : وبئس المصير ، وأنزل اللّه تعالى في قول عبد

اللّه بن أبي حين قال : فأين أهل فارس والروم ؟

٧

الفتح : ٧ وللّه جنود السماوات . . . . .

 وللّه جنود السماوات يعني الملائكة والأرض يعني المؤمنين ، فهؤلاء أكثر من

فارس والروم وكان اللّه عزيزا في ملكه حكيما [ آية : ٧ ] في أمره ، فحكم النصر

للنبي صلى اللّه عليه وسلم وأنزل في قول عبد اللّه بن أبي كتب اللّه لأغلبن أنا ورسلي أي محمد صلى اللّه عليه وسلم وحده إن اللّه قوي عزيز [ المجادلة : ٢١ ] يقول : أقوى وأعز من أهل فارس

والروم لقول عبد اللّه بن أبي هم أشد بأساً وأعز عزيزاً .

٨

الفتح : ٨ إنا أرسلناك شاهدا . . . . .

 إنا أرسلناك يا محمد إلى هذه الأمة شهدا عليها بالرسالة و أرسلناك

 ومبشرا بالنصر في الدنيا والجنة في الآخرة ونذيرا [ ٨ ] من النار .

٩

الفتح : ٩ لتؤمنوا باللّه ورسوله . . . . .

 لتؤمنوا باللّه يعني لتصدقوا باللّه أنه واحد لا شريك له ورسوله محمداً

 صلى اللّه عليه وسلم  وتعزروه يعني تنصروه وتعاونوه على أمره كله وتوقروه يعني وتعظموا

النبي صلى اللّه عليه وسلم  وتسبحوه بكرة وأصيلا [ آية : ٩ ] يعني وتصلوا للّه بالغداة والعشي ،

وتعزروه مثل قوله في الأعراف : الذين آمنوا به وعزروه . ولما قال المسلمون للنبي

 صلى اللّه عليه وسلم :

إنا نخشى ألا يفي المشركون بشرطهم فعند ذلك تبايعوا على أن يقاتلوا ، ولا يفروا

يقول : اللّه رضي عنهم إبيعتهم .

١٠

الفتح : ١٠ إن الذين يبايعونك . . . . .

 إن الذين يبايعوك يوم الحديبية تحت الشجرة في الحرم ، وهي بيعة الرضوان ،

كان المسلمون يومئذٍ ألفاً وأربع مائة رجل ، فبايعوا النبي صلى اللّه عليه وسلم على أن يقاتلوا ولا يفروا

من العدو ، فقال : إنما يبايعون اللّه يد اللّه بالوفاء لهم بما وعدهم من الخير فوق

أيديهم حين قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم إنا نبايعك على ألا نفر ونقاتل فاعرف لنا ذلك فمن

نكث بالبيعة فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عهد عليه اللّه من البيعة

 فسيؤتيه  في الآخرة أجراً يعني جزاء عظيماً [ آية : ١٠ ] يعني في الجنة

نصيباً وافراً .

١١

الفتح : ١١ سيقول لك المخلفون . . . . .

 سيقول لك المخلفون من الأعراب مخافة القتال وهم مزينة وجهينة وأسلم وغفار

وأشجع شغلتنا أموالنا وأهلونا في التخلف وكانت منازلهم بين مكة والمدينة

 فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم يعني يتكلمون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم من

أمر الاستغفار لا يبالون استغفر لهم النبي صلى اللّه عليه وسلم أم لا قل لهم يا محمد : فمن يملك

يعني فمن يقدر لكم من اللّه شيئاً نظيرها في الأحزاب إن أراد بكم ضراًّ يعني

الهزيمة أو أراد بكم نفعاً يعني الفتح والنصر ، يعني حين يقول : فمن يملك دفع الضر

عنكم ، أو منع النفع غير اللّه ، بل اللّه يملك ذلك كله .

ثم استأنف بل كان اللّه بما تعملون خبيراً [ آية : ١١ ] في تخلفكم وقولكم إن محمداً

 صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه كلفوا شيئاً لا يطيقونه ، ولا يرجعون أبداً ، وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم مر بهم

فاستنفرهم ، فقال بعضهم لبعض : إن محمداً صلى اللّه عليه وسلم ، أصحابه أكلة رأس لأهل مكة لا يرجع

هو وأصحابه أبداً فأين تذهبون ؟ أتقتلون أنفسكم ؟ انتظروا حتى تنظروا ما يكون من

أمره ، فأنزل اللّه عز وجل لقولهم له   شغلتنا أموالنا وأهلونا

١٢

الفتح : ١٢ بل ظننتم أن . . . . .

 بل منعكم من السير أنكم ظننتم أن لن ينقلب الرسول يقول : أن لن يرجع

الرسول والمؤمنون من الحديبية إلى أهليهم أبداً وزين ذلك في قلوبكم وظننتم

ظن السوء فبئس ما ظنوا ظن السوء حين زين لهم في قلوبهم وأيأسهم أن محمداً

وأصحابه لا يرجعون أبداً .

نظيرها في الأحزاب : وتظنون باللّه الظنون [ الأحزاب : ١٠ ] ، يعني الإياسة من

النصير ، فقال اللّه تعالى وكنتم قوما بورا [ آية : ١٢ ] يعني هلكي بلغة عمان ، مثل

قوله : وأحلوا قومهم دار البوار [ إبراهيم : ٢٨ ] ، أي دار الهلاك ، ومثل

قوله :

 تجارة لن تبور [ فاطر : ٢٩ ] يعني لن تهلك .

١٣

الفتح : ١٣ ومن لم يؤمن . . . . .

 ومن لم يؤمن باللّه يعني بصدق بتوحيد اللّه ورسوله محمداً صلى اللّه عليه وسلم  فإنا أعتدنا في الآخرة للكافرين سعيرا [ آية : ١٣ ] يعني وقوداً ، فعظم نفسه وأخبر أنه

غنى عن عباده .

١٤

الفتح : ١٤ وللّه ملك السماوات . . . . .

فقال : وللّه ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان اللّه غفورا لذنوب المؤمنين رحيما [ آية : ١٤ ] بهم .

١٥

الفتح : ١٥ سيقول المخلفون إذا . . . . .

 سيقول المخلفون عن الحديبية مخافة القتل إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها يعني غنائم خيبر ذرونا نتبعكم إلى خيبر ، وكان اللّه تعالى وعد نبيه صلى اللّه عليه وسلم

بالحديبية أن يفتح عليه خيبر ، ونهاه عن أن يسير معه أحد من المتخلفين ، فلما رجع النبي

 صلى اللّه عليه وسلم من الحديبية يريد خيبر ، قال المخلفون : ذرونا نتبعكم فنصيب معكم من الغنائم ،

فقال اللّه تعالى : يريدون أن يبدلوا كلام اللّه يعني أن يغيروا كلام اللّه الذي أمر

النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وهو ألا يسير معه أحد منهم قل لن تتبعونا كذلكم يعني هكذا

 قال اللّه بالحديبية من قبل خيبر أن لا تتبعونا فسيقولون للمؤمنين إن

اللّه لم ينهكم بل تحسدوننا بل منعكم الحسد أن نصيب معكم الغنائم . ثم قال :

 بل كانوا لا يفقهون النهي من اللّه إلا قليلا [ آية : ١٥ ] منهم .

١٦

الفتح : ١٦ قل للمخلفين من . . . . .

ثم قال قل للمخلفين من الأعراب عن الحديبية مخافة القتل ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد يعني أهل اليمامة يعني بني حنيفة ، مسيلمة بن حبيب الكذاب الحنفي

وقومه ، دعاهم أبو بكر ، رضي اللّه عنه ، إلى قتال أهل اليمامة ، يعني هؤلاء الأحياء

الخمسة جهينة ، ومزينة ، وأشجع ، وغفار ، وأسلم تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا أبا

بكر إذا دعاكم إلى قتالهم يؤتكم اللّه أجرا حسنا في الآخرة ، يعني جزاء كريماً في

الجنة وإن تتولوا يعني تعرضوا عن قتال أهل اليمامة كما توليتم يعني كما

أعرضتم من قبل عن قتال الكفار يوم الحديبية يعذبكم اللّه في الآخرة عذابا أليما [ آية : ١٦ ] يعني وجيعاً .

حدثنا عبد اللّه ، قال : حدثني أبي ، عن الهذيل ، قال : قال مقاتل : خلافة أبي بكر ،

رضي اللّه عنه ، في هذه الآية مؤكدة .

١٧

الفتح : ١٧ ليس على الأعمى . . . . .

ثم عذر أهل الزمانة ، فقال : ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج في تخلفهم عن الحديبية ، يقول : من تخلف عن الحديبية من هؤلاء

المعذورين ، فمن شاء منهم أن يسير معكم فليسر ومن يطع اللّه ورسوله في الغزو

 يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعني يعرض عن طاعتهما في التخلف

من غير عذر يعذبه عذابا أليما [ آية : ١٧ ] يعني وجيعاً .

١٨

الفتح : ١٨ لقد رضي اللّه . . . . .

 لقد رضي اللّه عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة بالحديبية يقول :

رضى ببيعتهم إياك فعلم ما في قلوبهم من الكراهية للبيعة على أن يقاتلوا ولا يفروا

في أمر البيعة فأنزل السكينة عليهم وأثابهم يعني وأعطاهم فتحا قريبا [ آية :

١٨ ] يعني مغانم خيبر .

١٩

الفتح : ١٩ ومغانم كثيرة يأخذونها . . . . .

 ومغانم كثيرة يأخذونها وكان اللّه عزيزا يعني منيعاً حكيما [ آية : ١٩ ] في

أمره فحكم على أهل خيبر القتل والسبي .

٢٠

الفتح : ٢٠ وعدكم اللّه مغانم . . . . .

ثم قال : وعدكم اللّه مغانم كثيرة تأخذونها مع النبي صلى اللّه عليه وسلم ومن بعده إلى يوم

القيامة فعجل لكم هذه يعني غنيمة خيبر وكف أيدي الناس عنكم يعني حلفاء

أهل خيبر أسد ، وغطفان جاءوا لينصروا أهل خيبر ، وذلك أن مالك بن عوف النضري ،

وعيينة بن حصن الفزاري ، ومن معهما من أسد وغطفان جاءوا لينصروا أهل خيبر ،

فقذف اللّه في قلوبهم الرعب ، فانصرفوا عنهم ، فذلك

قوله : وكف أيدي الناس عنكم

يعني أسد وغطفان .

 ولتكون يعني ولكي تكون هزيمتهم من غير قتال ءايةً للمؤمنين ويهديكم

صراطاً مستقيماً [ آية : ٢٠ ] يعني تزدادون بالإسلام تصديقاً مما ترون من عدة اللّه في

القرآن من الفتح والغنيمة كما قال نظيرها في المدثر : ويزداد الذين آمنوا إيمانا

[ المدثر : ٣١ ] ، يعني تصديقاً بمحمد صلى اللّه عليه وسلم ، وبما جاء به في خزنة جهنم .

٢١

الفتح : ٢١ وأخرى لم تقدروا . . . . .

قوله : وأخرى لم تقدروا عليها يعني قوى فارس والروم وغيرها قد أحاط اللّه

علمه بها أن يفتحها على يدي المؤمنين وكان اللّه على كل شئٍ من القرى

 قديرا [ آية : ٢١ ] على فتحها .

٢٢

الفتح : ٢٢ ولو قاتلكم الذين . . . . .

قال : ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار منهزمين ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا [ آية : ٢٢ ] يعني ولا مانعاً يمنعهم من الهزيمة .

٢٣

الفتح : ٢٣ سنة اللّه التي . . . . .

يقول كذلك كان سنة اللّه التي قد خلت من قبل كفار مكة حين هزموا ببدر

فهؤلاء بمنزلتهم ولن تجد لسنة اللّه تبديلا [ آية : ٢٣ ] يعني تحويلاً .

٢٤

الفتح : ٢٤ وهو الذي كف . . . . .

ثم قال : وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم يعني كفار مكة يوم الحديبية

 ببطن مكة يوم الحديبية ، يعني ببطن أرض مكة كلها والحرم كله مكة من بعد أن أظفركم عليهم وقد كانوا خرجوا يقاتلون النبي صلى اللّه عليه وسلم فهزمهم النبي صلى اللّه عليه وسلم بالطعن والنبل

حتى أدخلهم بيوت مكة وكان اللّه بما تعملون بصيرا [ آية : ٢٤ ] .

٢٥

الفتح : ٢٥ هم الذين كفروا . . . . .

ثم قال : هم الذين كفروا يعني كفار مكة وصدوكم عن المسجد الحرام

أن تطوفوا به و صدوار والهدى في عمرتكم يوم الحديبية معكوفا يعني

محبوساً ، وكان النبي صلى اللّه عليه وسلم أهدى عام الحديبية في عمرته مائة بدنة ، ويقال : ستين بدنة ،

فمنعوه أن يبلغ الهدى محله يعني منحره .

ثم قال : ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أنهم مؤمنون أن

تطئوهم بالقتل بغير علم تعلمونه منهم فتصيبكم منهم معرةٌ بغير علمٍ يعني

فينالكم من قتلهم عنت فيها تقديم ، لأدخلكم من عامكم هذا مكة ليدخل لكي

يدخل اللّه في رحمته من يشاء منهم عياش بن أبي ربيعة ، وأبو جندل بن سهيل بن

عمرو ، والوليد بن الوليد بن المغيرة ، وسلمة بن هشام بن المغيرة ، كلهم من قريش ، وعبد

اللّه بن أسد الثقفي .

يقول : لو تزيلوا يقول : لو اعتزل المؤمنون الذين بمكة من كفارهم لعذبنا

الذين كفروا منهم يعني كفار مكة عذاباً أليماً [ آية : ٢٥ ] يعني وجيعاً ، وهو

القتل بالسيف .

٢٦

الفتح : ٢٦ إذ جعل الذين . . . . .

قوله : إذ جعل الذين كفروا من أهل مكة في قلوبهم الحمية حميةً

الجاهلية وذلك

أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قدم عام الحديبية في ذي القعدة معتمراً ، ومعه الهدى ،

فقال كفار مكة : قتل آباءنا وإخواننا ، ثم أتانا يدخل علينا في منازلنا ونساءنا ، وتقول

العرب : إنه دخل على رغم آنافنا ، واللّه لا يدخلها أبداً علينا ، فتلك الحمية التي في

قلوبهم .

 فأنزل اللّه سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم يعني أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم

 كلمة التقوى يعني كلمة الإخلاص وهي لا إله إلا اللّه وكانوا أحق بها من

كفار مكة و كانوا وأهلها في علم اللّه عز وجل وكان اللّه بكل شئٍ

عليماً [ آية : ٢٦ ] بأنهم كانوا أهل التوحيد في علم اللّه عز وجل .

٢٧

الفتح : ٢٧ لقد صدق اللّه . . . . .

قوله : لقد صدق اللّه رسوله الرءيا بالحق وذلك أن اللّه عز وجل أرى النبي صلى اللّه عليه وسلم

في المنام ، وهو بالمدينة قبل أن يخرج إلى الحديبية أنه وأصحابه حلقوا وقصروا ، فأخبر

النبي صلى اللّه عليه وسلم بذلك أصحابه ففرحوا واستبشروا وحبسوا أنهم داخلوه في عامهم ذلك ،

و  إن رؤيا النبي صلى اللّه عليه وسلم حق ، فردهم اللّه عز وجل عن دخول المسجد الحرام إلى غنيمة

خيبر ، فقال المنافقون عبد اللّه بن أبي ، وعبد اللّه بن رسل ، ورفاعة بن التابوه : واللّه ، ما

حلقنا ولا قصرنا ، ولا رأينا المسجد الحرام ، فأنزل اللّه تعالى : لقد صدق اللّه رسوله

الرءيا بالحق .

 لتدخلن المسجد الحرام يعني العام المقبل إن شاء اللّه يستثنى على نفسه

مثل

قوله : سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء اللّه ويكون ذلك تأديباً للمؤمنين ألا

يتركوا الاستثناء ، في رد المشيئة إلى اللّه تعالى ءامنين من العدو محلقين رءوسكم

ومقصرين من أشعاركم لا تخافون عدوكم فعلم اللّه أنه يفتح عليهم خيبر

قبل ذلك فعلم ما لم تعلموا فذلك

قوله : فجعل من دون ذلك يعني قبل ذلك

الحلق والتقصير فتحا قريبا [ ٢٧ ] يعني عنيمة خيبر وفتحها ، فلما كان في العام

المقبل بعدما رجع من خيبر أدخله اللّه هو وأصحابه المسجد الحرام ، فأقاموا بمكة ثلاثة أيام

فحلقوا وقصروا تصديق رؤيا النبي صلى اللّه عليه وسلم .

٢٨

الفتح : ٢٨ هو الذي أرسل . . . . .

 هو الذي أرسل رسوله محمداً صلى اللّه عليه وسلم  بالهدى من الضلالة ودين الحق

يعني دين الإسلام لأن كل دين باطل غير الإسلام ليظهره على الدين كله يعني

على ملة أهل الأديان كلها ، ففعل اللّه ذلك به حتى قتلوا وأقروا بالخراج ، وظهر الإسلام

على أهل كل دين ولو كره المشركون [ الصف : ٩ ] يعني العرب .

ثم قال : وكفى باللّه شهيدا [ آية : ٢٨ ] فلا شاهد أفضل من اللّه تعالى

بأن

محمداً صلى اللّه عليه وسلم رسول اللّه ، فلما كتبوا الكتاب يوم الحديبية ، وكان كتبه علي بن أبي طالب ،

عليه السلام ، فقال سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى : لا نعرف أنك رسول اللّه ،

ولو عرفنا ذلك لقد ظلمناك إذا حين نمنعك عن دخول بيته ، فلما أكروا أنه رسول اللّه ،

أنزل اللّه تعالى : هو الذي أرسل رسوله بالهدى من الضلال ودين الحق إلى

آخر السورة .

٢٩

الفتح : ٢٩ محمد رسول اللّه . . . . .

ثم قال تعالى للذين أنكروا أنه رسول اللّه : محمد رسول اللّه والذين معه من المؤمنين

 أشداء يعني غلظاء على الكفار رحماء بينهم يقول : متوادين بعضهم لبعض

 تراهم ركعاً وسجداً يقول : إذا رأيتهم تعرف أنهم أهل ركوع وسجود في الصلوات

 يبتغون فضلا يعني رزقاً من اللّه ورضوناً يعني يطلبون رضى ربهم

 سيماهم يعني علامتهم في وجوههم الهدى والسمت الحسن من أثر السجود يعني من أثر الصلاة ذلك مثلهم في التوراة يقول : ذلك الذي ذكر من

نعت أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم في التوراة .

ثم ذكر نعتهم في الأنجيل ، فقال : ومثلهم في الإنجيل كزرعٍ أخرج شطئه يعني

الحلقة وهو النبت الواحد في أول ما يخرج فئازره يعني فأغانه أصحابه ، يعني الوابلة

التي تنبت حول الساق فآزره كما آزر الحلقة والوابلة بعضه بعضاً ، فاما شطأه ، فهو

محمد صلى اللّه عليه وسلم خرج وحده كما خرج النبت وحده ، وأما الوابلة التي تنبت حول الشطأه ، فاجتمعت فهم المؤمنون كانوا في قلة كما كان أول الزرع دقيقاً ، ثم زاد نبت الزرع

فغلظ فآزره فاستغلظ كما آزر المؤمنون بعضهم بعضاً حتى إذا استغلظوا واستووا

على أمرهم كما استغلظ هذا الزرع .

 فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار فكما يعجب الزراع حسن

زرعه حين استوى قائماً على سوقه ، فكذلك يغيظ الكفار كثرة المؤمنين واجتماعهم . ثم

قال : وعد اللّه الذين ءامنوا يعني صدقوا وعملوا الصالحات من الأعمال منهم مغفرة لذنوبهم وأجرا عظيما [ آية : ٢٩ ] يعني به الجنة .

حدثنا عبد اللّه ، قال : حدثني أبي ، قال : قال الهذيل ، عن محمد بن إسحاق : قال :

المعرة الدية ، ويقال : الشين .

﴿ ٠