٧٦

سورة الإنسان

مكية ، عددها إحدى وثلاثون آية

١

الإنسان : ١ هل أتى على . . . . .

قوله : هل أتى على الإنسن يعنى قد أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا [ آية : ١ ] يعني به آدم لا يذكر ، وذلك أن اللّه حلق السماوات وأهلها ، والأرض وما فيها من الجن قبل أن يخلق آدم ، عليه السلام ، بواحد وعشرين ألف سنة ، وهي ثلاثة أسباع ، فكانوا لا يعرفون آدم ، ولا يذكرونه ، وكان سكان الأرض من الجن زماناً ودهراً ، ثم إنهم عصوا اللّه تعالى وضر بعضهم بعضاً ، فأرسل اللّه عليهم قبيلة من الملائكة ، يقال لهم : الجن وإبليس فيهم ، وكان اسم إبليس الحارث ، أرسلهم اللّه على الجن ، فطردوهم حتى أخرجوهم من الأرض إلى الظلمة خلف الحجاب ، وهو جبل تغيب الشمس خلفه ، وفي أصله ، وفيما بين ذلك الجبل وبين جبل قاف مسيرة سنة كلها ظلمة ومائ قائم ، ثم إن إبليس وجنده طهروا الأرض وعبدوه زماناً ، فما أراد اللّه تعالى أن يخلق آدم ، صلى اللّه عليه ، أوحى إليهم أني جاعل في الأرض خليفة يعبدونني ، ويطهرون الأرض ، فردوا إلى اللّه قوله ، وإبليس منهم : ف  ربنا أتجعل فيها من يفسد فيها ، يعني من يعصي فيها ، ويسفك الدماء ، كفعل الجن ، لا أنهم علموا الغيب ، ولكن قالوا ما عرفوا عن الجن الذين عصوا ربهم ، و  نحن نسبح بحمدك ونقدس لك ، يعنى ونطهر لك الأرض ، فأوحى اللّه إليهم أنى أعلم ما لا تعملون ، ثم إن اللّه تبارك وتعالى ، قال : يا جبريل ائتنى بطينن فهبط جبريل ، عليه السلام ، إلى الأرض فأخذ تراباً من تحت الكعبة وهو أديم الأرض وصب عليه الماء ، فتركه زماناً ، حتى أنتن الطين فصار فوقها طين حر ، وأسفلها حمأة .

حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن مقاتل بن سليمان ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قال : ما كان من الحر منها فهم أصحاب اليمين ،

وما كان من الحمأة فهم من أصحاب الشمال ، وذلك أن امرأ القيس بن عابس الكتمي ، ومالك بن الضيف اليهودي اختصما بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في أمر آدم ، عليه السلام ،

وخلقه ، فقال مالك بن الضيف : إنما نجد في التوارة أن اللّه خلق آدم حين خلق السماوات والأرض ، فأنزل اللّه عز وجل يكذب مالك بن الضيف اليهودي :

فقال : هل أتى على الإنسن حينٌ من الدهر يعنى واحداً وعشرين ألف سنة ، وهي ثلاثة أسباع ، بعد خلق السموات والأرض لم يكن شيئا مذكورا يذكر ، ثم خلق ذريته ، فقال :

٢

الإنسان : ٢ إنا خلقنا الإنسان . . . . .

 إنا خلقنا الإنسن من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه يعني ماء مختلطاً ، وهو ماء

الرجل ، وماء المرأة ، فإذا اختلطا ، فذلك المشج ، فماء الرجل غليظ أبيض ، فمنه العصب ، والعظم ، والقوة ، ونطفة المرأة صفراء رقيقة ، فمنها اللحم ، والدم ، والشعر ، والظفر ،

فيختلطان فذلك الأمشاج ، فيها تقديم ، يقول : جعلناه سميعاً بصيراً لنبتليه .

ثم قال : فجعلنه بعد النطفة سميعا بصيرا [ آية : ٢ ] لنبتليه ، أي جعلناه نطفة ، علقة ، مضغة ، ثم صار إنساناً بعد ماء ودم فجعلنه سمعياً بصيراً من بعد ما كان نطفة ميتة ، ثم قال :

٣

الإنسان : ٣ إنا هديناه السبيل . . . . .

 إ نا هديناه السبيل يعنى سبيل الضلالة والهدى إما شاكرا أن

يكون شاكرا يعني موحداً في حسن خلقه للّه تعالى وإما كفورا [ آية : ٣ ] فلا

يوحده ، وأيضاً إما شاكراً للّه في حسن خلقه وإما كفوراً ، يجعل هذه النعم لغير اللّه ، ثم

ذكر مستقر من أحسن من خلقه ، ثم كفر به وعبد غيره .

٤

الإنسان : ٤ إنا أعتدنا للكافرين . . . . .

فقال : إنا أعتدنا للكفرين في الآخرة يعني يسرنا للكافرين يعنى لمن كفر

بنعم اللّه تعالى سلسلأ يعنى سلسلة طولها سبعون ذراعاً بذراع الرجل الطويل من

الخلق الأول .

حدثني أبي ، رحمه اللّه ، قال : حدثنا الهذيل ، عن مقاتل بن سليمان ، عن الضحاك بن

مزاحم الخراساني ،

عن علي بن أبي طالب ، عليه السلام ، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قال : لو أن

حلقة من سلاسل جهنم وضعت على ذروة جبل لذاب كما يذوب الرصاص ، فكيف يا

ابن آدم ، وهي عليك وحدك .

ثم قال : وأغللاً فأما السلاسل ففي أعناقهم ، وأما الأغلال ففي أيديهم ، ثم قال :

 وسعيرا [ آية : ٤ ] يعنى وقوداً لا يطفأ ، ثم ذكر ما أعد للشاكرين من نعمة ، فقال :

٥

الإنسان : ٥ إن الأبرار يشربون . . . . .

 إن الأبرار يعنى الشاكرين المطيعين للّه تعالى ، يعنى أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ،

وعلي ، وسلمان الفارسي ، وأبا ذر الغفاري ، وابن مسعود ، وحذيفة بن اليمان ، وأبا عبيدة

بن الجراح ، وأبا الدرداء ، وابن عباس يشربون من كأس يعنى الخمر ، وأيضاً إن

الأبرار ، يعني علي بن أبي طالب وأصحابه الأبرار الشاكرين للّه تعالى يشربون من كأس ،

سعنى من خمر كان مزاجها كافورا [ آية : ٥ ] .

٦

الإنسان : ٦ عينا يشرب بها . . . . .

ثم ذكر الكافور ، فقال : عينا يشرب بها يعنى الخمر عباد اللّه يفجرونها تفجيرا

[ آية : ٦ ] يعنى أولياء اللّه يمزجون ذلك الخمر ، ثم جاء بذلك الماء ، فهو على برد الكافور ،

وطعم الزنجبيل ، وريح المسك لا بمسك أهل الدنيا ، ولا زنجبليهم ، ولا كافورهم ، ولكن

اللّه تعالى وصف ما عنده بما عندهم لتهتدى إليه القلوب ، ثم ذكر محاسنهم ، فقال :

٧

الإنسان : ٧ يوفون بالنذر ويخافون . . . . .

 يوفون بالنذر يعنى من نذر للّه نذراً ، فقضى اللّه حاجته فيوفى للّه بما قد نذره ، قال :

 ويخافون يوما يعني يوم القيامة كان شره مستطيرا [ آية : ٧ ] يعني كان شراً فاشياً في

أهل السماوات والأرض ، فانشقت السماء ، وتناثرت الكواكب ، وفزعت الملائكة ،

وكورت الشمس ، والقمر ، فذهب ضوءها وبدلت الأرض ونسفت الجبال ، وغارت

المياه ، وتكسر كل شئ على الأرض من جبل ، أو بناء ، أو شجر ، ففشى شر يوم القيامة

فيها .

٨

الإنسان : ٨ ويطعمون الطعام على . . . . .

وأما

قوله : ويطعمون الطعام على حبه أي على حبهم الطعام مسكينا ويتيما وأسيرا

[ آية : ٨ ] نزلت في أبي الدحداح الأنصاري ، ويقال :

في علي بن أبي طالب ، رضي اللّه

عنه ، وذلك أنه صام يوماً ، فلما أراد أن يفطر دعا سائل ، فقال : عشوني بما عندكم ، فإني

لم أطعم اليوم شيئاً ، قال أبو الدحداح ، أو على : قومى فاثردى رغيفاً وصبى عليه مرقة ،

وأطعميه ، ففعلت ذلك فما لبثوا أن جاءت جارية يتيمة ، فقالت : أطعموني ، فإني ضعيفة

لم أطعم اليوم شيئاً ، قال : يا أم الدحداح ، : قومى فاثردى رغيفاً وأطعمها ، فإن هذه واللّه

أحق من ذلك المسكين ، فبينما هم كذلك إذ جاء على الباب سائل أسير ينادي : عشوا

الغريب في بلادكم ، فإني أسير في أيديكم وقد أجهدنى الجوع ، فبالذي أعزكم وأذلني

لما أطعمتموني ، فقال أبو الدحداح : يا أم الدحداح ، قومي ويحك فاثردى رغيفاً وأطعمي

الغريب الأسير ، فإن هذا أحق من أولئك فاطعموا ثلاث أرغفة ، وبقى لهم رغيف واحد ،

فأنزل اللّه تبارك وتعالى فيهم يمدحهم بما فعلوا ، فقال : ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا يعنى باليتيم من لا أب له ولا أم وأسيرا من أسارى المشركين

٩

الإنسان : ٩ إنما نطعمكم لوجه . . . . .

 إنما نطعمكم لوجه اللّه يعنى لمرضات اللّه تعالى لا نريد منكم جزاء ولا شكورا [ آية : ٩ ] يعني أن

تثنوا به علينا

١٠

الإنسان : ١٠ إنا نخاف من . . . . .

 إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا يعني يوم الشدة .

قال الفراء ، هو وأبو عبيدة : هو المنتهى في الشدة قمطريرا [ آية : ١٠ ] يعنى إذا عرق

الجبين فسال العرق بين عينيه من شدة الهول ، فذلك

قوله : قمطريرا فشكر اللّه أمرهم ،

فقال :

١١

الإنسان : ١١ فوقاهم اللّه شر . . . . .

 فوقاهم اللّه شر ذلك اليوم يعنى يوم القيامة شر جهنم ولقهم نضرةً وسروراً

[ آية : ١١ ] نضرة في الوجوه وسروراً في القلوب ، وذلك أن المسلم إذا خرج من قبره

يوم القيامة نظر أمامه ، فإذا هو بإنسان وجهه مثل الشمس يضحك طيب النفس ، وعليه

ثياب بيض ، وعلى رأس تاج ، فينظر إليه حتى يدنو منه ، فيقول : سلام عليك ، يا ولي اللّه ،

فيقول : وعليك السلام من أنت يا عبد اللّه أنت ملك من الملائكة . فيقول : لا ، واللّه ،

فيقول : أنت نبي من الأنبياء ؟ فيقول : لا واللّه ، فيقول : أنت من المقربين ؟ فيقول : لا واللّه ،

فيقول : من أنت ؟ فيقول : أنا عملك الصالح أبشرك بالجنة ، والنجاة من النار ، فيقول له : يا

عبد اللّه ، اللّه أبعلم تبشرنى ؟ فيقول : نعم ، فيقول : ما تريد مني ؟ فيقول له : اركبني ،

فيقول : يا سبحان اللّه ، ما ينبغى لمثلك أن يركب عليه ، فيقول : بلى فإني طال ما ركبتك

في دار الدنيا ، فإني أسألك بوجه اللّه ، إلا ما ركبتنى ، فيقول : لا تخف أنا دليلك إلى الجنة

فيعم ذلك الفرح في وجهه حتى يتلألأ ، ويرى النور والسرور في قلبه ، فذلك قلبه :

ولقاهم نضرة وسرورا ، وأما الكافر ، فإنه إذا خرج من قبره نظر أمامه ، فإذا هو برجل

قبيح ، الوجه أزرق العينين أسود الوجه اشد سواداً من القبر في ليلة مظلمة ، وثيابه سود

يجر أنيابه في الأرض تدهده دهدهة الرعد ، ريحه انتن من الجيفة ، فيقول : من أنت يا عدو

اللّه ؟ ويريد أن يعرض بوجهه عنه ، فيقول : يا عدو اللّه إلى إلى ، وأنا لك اليوم ، فيقول :

ويحك أشيطان أنت ؟ فيقول : لا واللّه ، ولكني عملك ، فيقول : ويحك ، ما تريد منى ؟

فيقول : أريد أن أركبك ، فيقول : أنشدك اللّه ، مهلاً فإنك تفضحني على رءوس الخلائق ،

فيقول : واللّه ما منك بد فطال ما ركبتنى فأنا اليوم أركبك ، قال فتركبه ، فذلك

قوله :

 وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون [ الأنعام : ٣١ ] .

١٢

الإنسان : ١٢ وجزاهم بما صبروا . . . . .

ثم ذكر أولياءه ، فقال : وجراهم بعد البشارة بما صبروا على البلاء جنة وحريرا [ آية : ١٢ ] ، فأما الجنة فيتنعمون فيها ، وأما الحرير فليبسونه

١٣

الإنسان : ١٣ متكئين فيها على . . . . .

 متكئين فيها على الأرائك يعنى على السرر عليها الحجال لا يرون فيها شمسا لا يصيبهم حر الشمس

 ولا زمهريرا [ آية : ١٣ ] يعنى ولا يصيبهم برد الزمهرير لأنه ليس فيها شتاء ولا

صيف ، فأما

قوله :

١٤

الإنسان : ١٤ ودانية عليهم ظلالها . . . . .

 ودانيةً عليهم ظللّها يعنى ظلال الشجر ، وذلك أن أهل الجنة يأكلون

من الفواكه إن شاءوا نياماً ، وإن شاءوا قعوداً ، وإن شاءوا قياماً ، إذا أرادوا دنت منهم

حتى يأخذوا منها ، ثم تقوم قياماً ، فذلك

قوله : وذللت قطوفها تذليلا [ آية : ١٤ ] يعنى

أغصانها تذليلاً .

١٥

الإنسان : ١٥ ويطاف عليهم بآنية . . . . .

قوله : ويطاف عليهم بئانيةٍ من فضةٍ وأكوابٍ فهي الأكواز مدورة الرءوس التي ليس لها

عرى ، قال : كانت قواريرا [ آية : ١٥ ] ولكنها من فضة ، وذلك أن قوارير الدنيا من

ترابها وقوارير الجنة من فضة ، فذلك

قوله : كانت قواريرا ثم قطعها ، ثم استأنفن فقال :

١٦

الإنسان : ١٦ قوارير من فضة . . . . .

 قواريراً من فضة قدروها تقديراً [ آية : ١٦ ] يعني فدرت الأكواب على الإناء وقدر الإناء

على كف الخادم ورى القوم ، فذلك

قوله : قدروها تقديرا . قال :

١٧

الإنسان : ١٧ ويسقون فيها كأسا . . . . .

 ويسقون فيها كأسا

يعني خمراً ، وكل شراب في الإناء ليس بخمر ، وليس هو بكأس ، فقال : كان مزاجها زنجبيلا [ آية : ١٧ ] يعني كأنما قد مزج فيه الزنجبيل ،

قوله :

١٨

الإنسان : ١٨ عينا فيها تسمى . . . . .

 عينا فيها تسمى سلسبيلا

[ آية : ١٨ ] تسيل عليهم من جنة عدن ، فتمر على كل جنة ، ثم ترجع لهم الجنة كلها .

١٩

الإنسان : ١٩ ويطوف عليهم ولدان . . . . .

وأما

قوله : ويطوف عليهم ولدان مخلدون فأما الولدان فهم الغلمان الذين لا يشيبون

أبداً مخلدون ، يعنى لا يحتلمون ، ولا يشيبون أبداً هم على تلك الحال لا يختلفون و لا

يكبرون ، قال : إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا [ آية : ١٩ ] في الحسن والبياض ، يعني في

الكثرة ، مثل اللؤلؤ المنثور الذي لا يتناهى عدده ،

قوله :

٢٠

الإنسان : ٢٠ وإذا رأيت ثم . . . . .

 وإذا رأيت ثم رأيت يعنى هنالك

في الجنة رأيت نعيما وملكا كبيرا [ آية : ٢٠ ] وذلك أن الرجل من أهل الجنة له قصر ،

في ذلك القصر سبعون قصراً ، في كل قصر سبعون بيتاً ، كل بيت من لؤلؤة مجوفة طولها

في السماء فرسخ ، وعرضها فرسخ ، عليها أربعة ألف مصراع من ذهب ، في ذلك البيت

سرير منسوج بقضبان الدر والياقوت ، عن يمين السرير ، وعن يساره أربعون ألف كرسي

من ذهب قوائمها باقوت أحمر ، على ذلك السرير سبعون فراشاً ، كل فراش على لون ،

وهو جالس فوقها ، وهو متكئ على يساره عليه سبعون حلة من ديباج ، الذي بلى جسده

حريرة بيضاء ، و على جبهته أكليل مكلل بالزبرجد ، والياقوت ، وألوان الجواهر كل

جوهرة على لون .

وعلى رأسه تاج من ذهب فيه سبعون ذؤابة ، في كل ذؤابة درة ، تساوى مال المشرق

والمغرب ، وفي يديه ثلاث أسورة ، سوار من ذهب ، وسوار من فضة ، وسوار من لؤلؤ ،

وفي أصابع يديه ورجليه خواتيم من ذهب وفضة فيه ألوان الفصوص ، وبين يديه عشرة

آلاف غلالا يكبرون ولا يشيبون أبداً ، ويوضع بين يديه مائدة من ياقوتة حمراء ، طولها

ميل في ميل ، ويوضع على المائدة سبعون ألف إناء من ذهب وفضة في كل إناء سبعون

لوناً من الطعام ، يأخذ اللقمة بيديه ، فما يخطر على باله حتى تتحول اللقمة عن حالها التي

يشتهيها ، وبين يديه غلمان بأيديهم أكواب من ذهب ، وإناء من فضة معهم الخمر والماء ،

فيأكل على قدر أربعين رجلاً من الألوان كلها ، كلما شبع من لون من الطعام سقوه

شربة مما يشتهى من الأشربة فيتجشى .

فيفتح اللّه تعالى عليه ألف باب من الشهوة من الشراب ، فيدخل عليه الطير من

الأبواب ، كأمثال النجائب فيقومون بين يديه صفاً ، فينعت كل نقسه بصوت مطرب

لذيذ ألذ من كل غناء في الدنيا ، يقول : يا ولي اللّه ، كلني إني كنت أرعى في روضة

كذا وكذا ، من رياض الجنة ، فيحلون عليه أصواتها ، فيرفع بصره فينظر إليهم ، فينظر إلى

أزهاها صوتاً ، وأجودها نعتاً ، فيشتهيها ، فيعلم اللّه ما وراء شهوته في قلبه من حبه ،

فيجئ الطير فيقع على المائدة بعضه قديد ، وبعضه شواء ، أشد بياضاً من الثلج ، وأحلى من

العسل ، فيأكل حتى إذا شبع منها ، واكتفى طارت طيراً كما كانت ، فتخرج من الباب

الذي كانت دخلت منه .

فهو على الأرائك وزوجته مستقبلة ، يبصر وجهه في وجهها من الصفاء والبياض ،

كلما أراد أن يجامعها ينظر إليها ، فيستحى أن يدعوها ، فتعلم ما يريد منها زوجها ، فتدنو

إليه ، فتقول : بأبي وأمي ، ارفع رأسك فانظر إلي فإنك اليوم لي ، وأنا لك فيجامعها على

قوة مائة رجل من الآولين ، وعلى شهوة أربعين رجلاً كلما أتاها وجدها عذراء ، لا يغفل

عنها مقدار أربعين يوماً ، فإذا فرغ وجد ريح المسك منها ، فيزداد حباً لها ، فيها أربعة

آلاف وثمان مائة زوجة مثلها لك زوجة سبعون خادماً وجارية .

حدثنا عبد اللّه بن ثابت ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن مقاتل ، عن

الضحاك بن مزاحم ، عن علي بن أبي طالب ، عليه السلام ، قال : لو أن جارية أو خادماً

خرجت إلى الدنيا لا قتتل عليها أهل الأرض كلهم ، حتى يتفانوا .

ولو أن الحور العين أرخت ذؤايتها في الأرض لأطفأت الشمس من نورها ، قيل : يا

رسول اللّه ، وكم بين الخادم والمخدوم ؟ قال :

والذي نفسي بيده ، إن بين الخادم والمخدوم

كالكوكب المضئ إلى جنب القمر في النصف ، قال : فبينما هو جالس على سريره إذ

يبعث اللّه عز وجل إليه مالكاً معه سبعون حلة كل حلة على لون واحد ، ومعه التسليم ،

والرضا ، فيجئ الملك حتى يقوم على بابه ، فيقول لحاجبه : ائذن لي على ولى اللّه ، فإني

رسول رب العالمين إليه ، فيقول الحاجب : واللّه ، ما أملك منه المناجاة ، ولكن سأذكرك إلى

من يليني من الحجبة ، فلا يزالون يذكرون بعضهم إلى بعض حتى يأتيه الخبر بعد سبعين

باباً ، يقول : يا ولي اللّه ، إن رسول رب العزة على الباب ، فيأذن له بالدخول عليه ، فيقول :

السلام عليك ، يا ولي اللّه ، إن اللّه يقرئك السلام ، وهو عنك راض ، فلولا أن اللّه تعالى لم

يقض عليه الموت لمات من الفرح ، فذلك

قوله : وإذا رأيت ثم رأيت يا محمد ، ثم

يعنى هناك رأيت نعيماً ، يعني بالنعيم الذي هو فيه وملكاً كبيراً حين لا يدخل عليه

رسول رب العزة إلا بإذن .

٢١

الإنسان : ٢١ عاليهم ثياب سندس . . . . .

ثم قال عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق يعني الديباج ، وإنما قال : عاليهم لأن

الذي يلي جسده حريرة بيضاء ، قال : وحلوا أساور من فضة وقال في آية أخرى يحلون

[ آية : ٢١ ] وذلك أن علي باب الجنة شجرة ينبع من ساقها عينان ، فإذا جاز الرجل

الصراط إلى العين ، يدخل في عين منها فيغتسل فيها ، فيخرج وريحه أطيب من المسك

طوله سبعون ذراعاً في السماء على طول آدم ، عليه السلام ، وميلاد عيسى ابن مريم ،

أبناء ثلاث وثلاثين سنة ، فأهل الجنة كلهم رجالهم ونساؤهم على قدر واحد يكبر الصغر

حتى يكون ابن ثلاث وثلاثين سنة ، وينحط الشيخ عن حاله إلى ثلاث وثلاثين سنة ،

كلهم رجالهم ونساؤهم على قدر واحد في حسن يوسف بن يعقوب عليهما السلام ،

ويشرب من العين الأخرى فينقى ما في صدره من غل ، أو هم ، أو حد ، أو حزن ، فيظهر

اللّه قلبه بذلك الماء ، فيخرج وقلبه على قلب أيوب ، عليه السلام ، ولسان محمد صلى اللّه عليه وسلم

عربي ، ثم ينطلقون حتى يأتوا الباب ، فتقول لهم الخزنة : طبتم ، يقولون : نعم ، فتقول :

ادخو لها خالدين يبشرونهم بالخلود قبل الدخول ، بأنهم لا يخرجون منها أبداً ، فأول ما

يدخل من باب الجنة ، ومعه الملكان اللذان كانا معه في دار الدنيا الكرام الكاتبين ، فإذا

هو بملك معه بختية من ياقوتة حمراء زمامها ياقوتة خضراء ، فإذا كانت البختية من ياقوتة

خضراء كان زمامها من ياقوتة حمراء ، عليها راحلة مقدمها ومؤخرها در وياقوت ،

صفحتها الذهب والفضة ، ومعه سبعون حلة فيلبسه ويضع على رأسه التاج ، ومعه عشرة

آلاف غلام كاللؤلؤ المكنون ، فيقول : يا ولي اللّه ، اركب فإن هذا لك ، ولك مثلها

فيركبها ، ولها جناحان ، خطوة منها منتهى البصر فيسير على بختيته وبين يديه عشرة

آلاف غلام ، ومعه الملكان اللذان كانا معه في دار الدنيا حتى يأتي إلى قصوره فينزلها ،

٢٢

الإنسان : ٢٢ إن هذا كان . . . . .

 إن هذا الذي قضيت لكم كان لكم جزاء لأعمالكم وكان سعيكم يعني

عملكم مشكورا [ آية : ٢٢ ] يعني شكر اللّه أعمالهم فأثابهم بها الجنة .

٢٣-٢٤

الإنسان : ٢٣ - ٢٤ إنا نحن نزلنا . . . . .

 إنا نحن نزلنا عليك القرءان تنزيلاً فاصبر لحكم ربك يعني حتى يحكم اللّه بينك

وبين أهل مكة ، ولا تشتم إذا شتمت ، ولا تغتظ إذا ضربت ولا تطع منهم ءاثماً أو

كفوراً [ آية : ٢٤ ] وهو الوليد بن المغيرة بن هشام المخزومي ، قال : أو كفوراً ، أو هاهنا

صلة ، والكفور :

هو عتبة بن ربيعة ، وذلك أنهم خلوا به في دار الندوة ، وفيهم عمرو بن

عمير بن مسعود الثقفي ، ف  يا محمد ، أخبرنا لم تركت دين آبائك وأجدادك ؟ فقال

الوليد بن المغيرة : إن طلبت ما لا أعطيتك نصف مالي على أن تدع مقالتك هذه ، وقال

أبو البحتري بن هشام :

واللات والعزى إن ارتد عن دينه لأزوجنه ابنتى ، فإنها أحسن

النساء ، وأجملهن جمالاً ، وأفصحهن قولاً ، وأبلغهن علماً ، وقد علمت العزى بذلك ،

فسكت النبي صلى اللّه عليه وسلم عن ذلك فلم يجبهم شيئاً ، فقال ابن مسعود الثقفي : ما لك لا تجيبنا إن

كنت تخاف عذاب ربك وذمه أجرتك فضحك النبي صلى اللّه عليه وسلم عند ذلك ، وقبض ثوبه وقام

عنهم ، وقال : أقوال وأضعف أعمال ، فأنزل اللّه عز وجل إنا نحن نزلنا عليك القرءان

تنزيلاً فيها تقديم ، وتأخير ولا تطع منهم ءاثماً أو كفوراً يعني الوليد بن المغيرة ، وأبا

البحتري بن هشام .

وقال في قول عمرو بن عمير بن مسعود الثقفي : قل إني لن يجيرني من اللّه أحد ولن أجد من دونه ملتحدا [ الجن : ٢٢ ] ، يعني لا يؤمننى من عذابه أحد ، ولن أجد

من دونه مهرباً إلا بلاغاً من اللّه ورسالاً له [ الجن : ٢٣ ] .

٢٥

الإنسان : ٢٥ واذكر اسم ربك . . . . .

وأما قوله واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا [ آية : ٢٥ ] يعني إذا صليت صلاة الغداة

وهو بكرة ، فكبر واشهد أن لا إله إلا هو ، وأصيلاً إذا أمسيت وصليت صلاة المغرب ،

فكبره واشهد أن لا إله إلا هو ، فهو براءة من الشرك ، فذلك

قوله : واذكر اسم ربك

بشهادة أن لا إله إلا هو ، قال :

كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلى الغداة ، ثم يكبر ثلاثاً ، وإذا

صلى المغرب كبر ثلاثاً

٢٦

الإنسان : ٢٦ ومن الليل فاسجد . . . . .

 ومن اليل فاسجد له يعني صلاة العشاء

والآخرة يقول : صل

له قبل أن تنام وسبحه ليلا طويلا [ آية : ٢٦ ] يعني وصل له بالليل ، وكان قيام الليل

فريضة على النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فتهجد به نافلة لك .

ثم رجع إلى قوله عز وجل الأول : إنا نحن نزلنا عليك القرءان تنزيلاً فاصبر لحكم

ربك ،

٢٧

الإنسان : ٢٧ إن هؤلاء يحبون . . . . .

فقال : إن هؤلاء الذين يأمرونك بالكفر يحبون العاجلة يعنى الدنيا ،

لا يهمهم شئ إلا أمر الدنيا الذهب والفضة والبناء والثياب والدواب ويذرون وراءهم يعنى أمامه وكل شئ في القرآن وراءهم ، يعنى أمامهم يوما ثقيلا [ آية :

٢٧ ] لأنها تثقل على الكافرين إذا حشروا وإذا وقفوا وإذا حاسبوهم ، وإذا جازوا

الصراط فهي مقدار ثلاث مائة سنة وأربعين سنة ، فأما المؤمن ، فإنه ييسر اللّه خروجه من

قبره ، وإذا حشره ، وإذا حاسبه ، وإذا جاز الصراط ، فذلك

قوله : يؤمئذٍ يوم عسير

على الكافرين غير يسير [ المدثر : ٩ ، ١٠ ] .

٢٨

الإنسان : ٢٨ نحن خلقناهم وشددنا . . . . .

وأما

قوله : نحن خلقنهم في بطون أمهاتهم وهم نطفة وشددنا أسرهم حين

صاروا شباناً يعنى أسرة الشباب ، وما خلق اللّه شيئاً أحسن من الشباب ، منور الوجه

أسود الشعر واللحية قوى البدن ، وقال : وإذا شئنا بدلنا أمثلهم ذلك السواد والنور

بالبياض والضعف تبديلا [ آية ٢٨ ] من السواد حتى لا يبقى شئ منه إلا البياض ،

فعلم اللّه عز وجل ، فقال :

٢٩

الإنسان : ٢٩ إن هذه تذكرة . . . . .

 إن هذه إن هذا السواد والحسن والقبح تذكرة

يعنى عبرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا [ آية : ٢٩ ] يعنى فمن شاء اتخذ في هذه

التذكرة فيعتبر ، فيشكر اللّه ويوحده ، ويتخذ طريقاً إلى الجنة ، ثم رد المشيئة إليه ، فقال :

٣٠

الإنسان : ٣٠ وما تشاؤون إلا . . . . .

 وما تشاءون أنتم أن تتخذوا إلى ربكم سبيلاً إلا أن يشاء اللّه فهو عليكم عمل

الجنة إن اللّه كان عليما يعنى بأهل الجنة حكيما [ آية : ٣٠ ] إذ حكم على أهل

الشقاء النار .

٣١

الإنسان : ٣١ يدخل من يشاء . . . . .

ثم ذكر العلم والقضاء بأنه إليه ، فقال : يدخل من يشاء في رحمته يعني في جنته

 والظلمين يعنى المشركين أعد لهم عذابا أليما [ آية : ٣١ ] يعنى وجيعاً .

﴿ ٠