٧٦ سورة الإنسانمكية ، عددها إحدى وثلاثون آية ١الإنسان : ١ هل أتى على . . . . . قوله : هل أتى على الإنسن يعنى قد أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا [ آية : ١ ] يعني به آدم لا يذكر ، وذلك أن اللّه حلق السماوات وأهلها ، والأرض وما فيها من الجن قبل أن يخلق آدم ، عليه السلام ، بواحد وعشرين ألف سنة ، وهي ثلاثة أسباع ، فكانوا لا يعرفون آدم ، ولا يذكرونه ، وكان سكان الأرض من الجن زماناً ودهراً ، ثم إنهم عصوا اللّه تعالى وضر بعضهم بعضاً ، فأرسل اللّه عليهم قبيلة من الملائكة ، يقال لهم : الجن وإبليس فيهم ، وكان اسم إبليس الحارث ، أرسلهم اللّه على الجن ، فطردوهم حتى أخرجوهم من الأرض إلى الظلمة خلف الحجاب ، وهو جبل تغيب الشمس خلفه ، وفي أصله ، وفيما بين ذلك الجبل وبين جبل قاف مسيرة سنة كلها ظلمة ومائ قائم ، ثم إن إبليس وجنده طهروا الأرض وعبدوه زماناً ، فما أراد اللّه تعالى أن يخلق آدم ، صلى اللّه عليه ، أوحى إليهم أني جاعل في الأرض خليفة يعبدونني ، ويطهرون الأرض ، فردوا إلى اللّه قوله ، وإبليس منهم : ف ربنا أتجعل فيها من يفسد فيها ، يعني من يعصي فيها ، ويسفك الدماء ، كفعل الجن ، لا أنهم علموا الغيب ، ولكن قالوا ما عرفوا عن الجن الذين عصوا ربهم ، و نحن نسبح بحمدك ونقدس لك ، يعنى ونطهر لك الأرض ، فأوحى اللّه إليهم أنى أعلم ما لا تعملون ، ثم إن اللّه تبارك وتعالى ، قال : يا جبريل ائتنى بطينن فهبط جبريل ، عليه السلام ، إلى الأرض فأخذ تراباً من تحت الكعبة وهو أديم الأرض وصب عليه الماء ، فتركه زماناً ، حتى أنتن الطين فصار فوقها طين حر ، وأسفلها حمأة . حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن مقاتل بن سليمان ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قال : ′ ما كان من الحر منها فهم أصحاب اليمين ، وما كان من الحمأة فهم من أصحاب الشمال ′ ، وذلك أن امرأ القيس بن عابس الكتمي ، ومالك بن الضيف اليهودي اختصما بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في أمر آدم ، عليه السلام ، وخلقه ، فقال مالك بن الضيف : إنما نجد في التوارة أن اللّه خلق آدم حين خلق السماوات والأرض ، فأنزل اللّه عز وجل يكذب مالك بن الضيف اليهودي : فقال : هل أتى على الإنسن حينٌ من الدهر يعنى واحداً وعشرين ألف سنة ، وهي ثلاثة أسباع ، بعد خلق السموات والأرض لم يكن شيئا مذكورا يذكر ، ثم خلق ذريته ، فقال : ٢الإنسان : ٢ إنا خلقنا الإنسان . . . . . إنا خلقنا الإنسن من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه يعني ماء مختلطاً ، وهو ماء الرجل ، وماء المرأة ، فإذا اختلطا ، فذلك المشج ، فماء الرجل غليظ أبيض ، فمنه العصب ، والعظم ، والقوة ، ونطفة المرأة صفراء رقيقة ، فمنها اللحم ، والدم ، والشعر ، والظفر ، فيختلطان فذلك الأمشاج ، فيها تقديم ، يقول : جعلناه سميعاً بصيراً لنبتليه . ثم قال : فجعلنه بعد النطفة سميعا بصيرا [ آية : ٢ ] لنبتليه ، أي جعلناه نطفة ، علقة ، مضغة ، ثم صار إنساناً بعد ماء ودم فجعلنه سمعياً بصيراً من بعد ما كان نطفة ميتة ، ثم قال : ٣الإنسان : ٣ إنا هديناه السبيل . . . . . إ نا هديناه السبيل يعنى سبيل الضلالة والهدى إما شاكرا أن يكون شاكرا يعني موحداً في حسن خلقه للّه تعالى وإما كفورا [ آية : ٣ ] فلا يوحده ، وأيضاً إما شاكراً للّه في حسن خلقه وإما كفوراً ، يجعل هذه النعم لغير اللّه ، ثم ذكر مستقر من أحسن من خلقه ، ثم كفر به وعبد غيره . ٤الإنسان : ٤ إنا أعتدنا للكافرين . . . . . فقال : إنا أعتدنا للكفرين في الآخرة يعني يسرنا للكافرين يعنى لمن كفر بنعم اللّه تعالى سلسلأ يعنى سلسلة طولها سبعون ذراعاً بذراع الرجل الطويل من الخلق الأول . حدثني أبي ، رحمه اللّه ، قال : حدثنا الهذيل ، عن مقاتل بن سليمان ، عن الضحاك بن مزاحم الخراساني ، عن علي بن أبي طالب ، عليه السلام ، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قال : ′ لو أن حلقة من سلاسل جهنم وضعت على ذروة جبل لذاب كما يذوب الرصاص ، فكيف يا ابن آدم ، وهي عليك وحدك ′ . ثم قال : وأغللاً فأما السلاسل ففي أعناقهم ، وأما الأغلال ففي أيديهم ، ثم قال : وسعيرا [ آية : ٤ ] يعنى وقوداً لا يطفأ ، ثم ذكر ما أعد للشاكرين من نعمة ، فقال : ٥الإنسان : ٥ إن الأبرار يشربون . . . . . إن الأبرار يعنى الشاكرين المطيعين للّه تعالى ، يعنى أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وسلمان الفارسي ، وأبا ذر الغفاري ، وابن مسعود ، وحذيفة بن اليمان ، وأبا عبيدة بن الجراح ، وأبا الدرداء ، وابن عباس يشربون من كأس يعنى الخمر ، وأيضاً إن الأبرار ، يعني علي بن أبي طالب وأصحابه الأبرار الشاكرين للّه تعالى يشربون من كأس ، سعنى من خمر كان مزاجها كافورا [ آية : ٥ ] . ٦الإنسان : ٦ عينا يشرب بها . . . . . ثم ذكر الكافور ، فقال : عينا يشرب بها يعنى الخمر عباد اللّه يفجرونها تفجيرا [ آية : ٦ ] يعنى أولياء اللّه يمزجون ذلك الخمر ، ثم جاء بذلك الماء ، فهو على برد الكافور ، وطعم الزنجبيل ، وريح المسك لا بمسك أهل الدنيا ، ولا زنجبليهم ، ولا كافورهم ، ولكن اللّه تعالى وصف ما عنده بما عندهم لتهتدى إليه القلوب ، ثم ذكر محاسنهم ، فقال : ٧الإنسان : ٧ يوفون بالنذر ويخافون . . . . . يوفون بالنذر يعنى من نذر للّه نذراً ، فقضى اللّه حاجته فيوفى للّه بما قد نذره ، قال : ويخافون يوما يعني يوم القيامة كان شره مستطيرا [ آية : ٧ ] يعني كان شراً فاشياً في أهل السماوات والأرض ، فانشقت السماء ، وتناثرت الكواكب ، وفزعت الملائكة ، وكورت الشمس ، والقمر ، فذهب ضوءها وبدلت الأرض ونسفت الجبال ، وغارت المياه ، وتكسر كل شئ على الأرض من جبل ، أو بناء ، أو شجر ، ففشى شر يوم القيامة فيها . ٨الإنسان : ٨ ويطعمون الطعام على . . . . . وأما قوله : ويطعمون الطعام على حبه أي على حبهم الطعام مسكينا ويتيما وأسيرا [ آية : ٨ ] نزلت في أبي الدحداح الأنصاري ، ويقال : في علي بن أبي طالب ، رضي اللّه عنه ، وذلك أنه صام يوماً ، فلما أراد أن يفطر دعا سائل ، فقال : عشوني بما عندكم ، فإني لم أطعم اليوم شيئاً ، قال أبو الدحداح ، أو على : قومى فاثردى رغيفاً وصبى عليه مرقة ، وأطعميه ، ففعلت ذلك فما لبثوا أن جاءت جارية يتيمة ، فقالت : أطعموني ، فإني ضعيفة لم أطعم اليوم شيئاً ، قال : يا أم الدحداح ، : قومى فاثردى رغيفاً وأطعمها ، فإن هذه واللّه أحق من ذلك المسكين ، فبينما هم كذلك إذ جاء على الباب سائل أسير ينادي : عشوا الغريب في بلادكم ، فإني أسير في أيديكم وقد أجهدنى الجوع ، فبالذي أعزكم وأذلني لما أطعمتموني ، فقال أبو الدحداح : يا أم الدحداح ، قومي ويحك فاثردى رغيفاً وأطعمي الغريب الأسير ، فإن هذا أحق من أولئك فاطعموا ثلاث أرغفة ، وبقى لهم رغيف واحد ، فأنزل اللّه تبارك وتعالى فيهم يمدحهم بما فعلوا ، فقال : ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا يعنى باليتيم من لا أب له ولا أم وأسيرا من أسارى المشركين ٩الإنسان : ٩ إنما نطعمكم لوجه . . . . . إنما نطعمكم لوجه اللّه يعنى لمرضات اللّه تعالى لا نريد منكم جزاء ولا شكورا [ آية : ٩ ] يعني أن تثنوا به علينا ١٠الإنسان : ١٠ إنا نخاف من . . . . . إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا يعني يوم الشدة . قال الفراء ، هو وأبو عبيدة : هو المنتهى في الشدة قمطريرا [ آية : ١٠ ] يعنى إذا عرق الجبين فسال العرق بين عينيه من شدة الهول ، فذلك قوله : قمطريرا فشكر اللّه أمرهم ، فقال : ١١الإنسان : ١١ فوقاهم اللّه شر . . . . . فوقاهم اللّه شر ذلك اليوم يعنى يوم القيامة شر جهنم ولقهم نضرةً وسروراً [ آية : ١١ ] نضرة في الوجوه وسروراً في القلوب ، وذلك أن المسلم إذا خرج من قبره يوم القيامة نظر أمامه ، فإذا هو بإنسان وجهه مثل الشمس يضحك طيب النفس ، وعليه ثياب بيض ، وعلى رأس تاج ، فينظر إليه حتى يدنو منه ، فيقول : سلام عليك ، يا ولي اللّه ، فيقول : وعليك السلام من أنت يا عبد اللّه أنت ملك من الملائكة . فيقول : لا ، واللّه ، فيقول : أنت نبي من الأنبياء ؟ فيقول : لا واللّه ، فيقول : أنت من المقربين ؟ فيقول : لا واللّه ، فيقول : من أنت ؟ فيقول : أنا عملك الصالح أبشرك بالجنة ، والنجاة من النار ، فيقول له : يا عبد اللّه ، اللّه أبعلم تبشرنى ؟ فيقول : نعم ، فيقول : ما تريد مني ؟ فيقول له : اركبني ، فيقول : يا سبحان اللّه ، ما ينبغى لمثلك أن يركب عليه ، فيقول : بلى فإني طال ما ركبتك في دار الدنيا ، فإني أسألك بوجه اللّه ، إلا ما ركبتنى ، فيقول : لا تخف أنا دليلك إلى الجنة فيعم ذلك الفرح في وجهه حتى يتلألأ ، ويرى النور والسرور في قلبه ، فذلك قلبه : ولقاهم نضرة وسرورا ، وأما الكافر ، فإنه إذا خرج من قبره نظر أمامه ، فإذا هو برجل قبيح ، الوجه أزرق العينين أسود الوجه اشد سواداً من القبر في ليلة مظلمة ، وثيابه سود يجر أنيابه في الأرض تدهده دهدهة الرعد ، ريحه انتن من الجيفة ، فيقول : من أنت يا عدو اللّه ؟ ويريد أن يعرض بوجهه عنه ، فيقول : يا عدو اللّه إلى إلى ، وأنا لك اليوم ، فيقول : ويحك أشيطان أنت ؟ فيقول : لا واللّه ، ولكني عملك ، فيقول : ويحك ، ما تريد منى ؟ فيقول : أريد أن أركبك ، فيقول : أنشدك اللّه ، مهلاً فإنك تفضحني على رءوس الخلائق ، فيقول : واللّه ما منك بد فطال ما ركبتنى فأنا اليوم أركبك ، قال فتركبه ، فذلك قوله : وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون [ الأنعام : ٣١ ] . ١٢الإنسان : ١٢ وجزاهم بما صبروا . . . . . ثم ذكر أولياءه ، فقال : وجراهم بعد البشارة بما صبروا على البلاء جنة وحريرا [ آية : ١٢ ] ، فأما الجنة فيتنعمون فيها ، وأما الحرير فليبسونه ١٣الإنسان : ١٣ متكئين فيها على . . . . . متكئين فيها على الأرائك يعنى على السرر عليها الحجال لا يرون فيها شمسا لا يصيبهم حر الشمس ولا زمهريرا [ آية : ١٣ ] يعنى ولا يصيبهم برد الزمهرير لأنه ليس فيها شتاء ولا صيف ، فأما قوله : ١٤الإنسان : ١٤ ودانية عليهم ظلالها . . . . . ودانيةً عليهم ظللّها يعنى ظلال الشجر ، وذلك أن أهل الجنة يأكلون من الفواكه إن شاءوا نياماً ، وإن شاءوا قعوداً ، وإن شاءوا قياماً ، إذا أرادوا دنت منهم حتى يأخذوا منها ، ثم تقوم قياماً ، فذلك قوله : وذللت قطوفها تذليلا [ آية : ١٤ ] يعنى أغصانها تذليلاً . ١٥الإنسان : ١٥ ويطاف عليهم بآنية . . . . . قوله : ويطاف عليهم بئانيةٍ من فضةٍ وأكوابٍ فهي الأكواز مدورة الرءوس التي ليس لها عرى ، قال : كانت قواريرا [ آية : ١٥ ] ولكنها من فضة ، وذلك أن قوارير الدنيا من ترابها وقوارير الجنة من فضة ، فذلك قوله : كانت قواريرا ثم قطعها ، ثم استأنفن فقال : ١٦الإنسان : ١٦ قوارير من فضة . . . . . قواريراً من فضة قدروها تقديراً [ آية : ١٦ ] يعني فدرت الأكواب على الإناء وقدر الإناء على كف الخادم ورى القوم ، فذلك قوله : قدروها تقديرا . قال : ١٧الإنسان : ١٧ ويسقون فيها كأسا . . . . . ويسقون فيها كأسا يعني خمراً ، وكل شراب في الإناء ليس بخمر ، وليس هو بكأس ، فقال : كان مزاجها زنجبيلا [ آية : ١٧ ] يعني كأنما قد مزج فيه الزنجبيل ، قوله : ١٨الإنسان : ١٨ عينا فيها تسمى . . . . . عينا فيها تسمى سلسبيلا [ آية : ١٨ ] تسيل عليهم من جنة عدن ، فتمر على كل جنة ، ثم ترجع لهم الجنة كلها . ١٩الإنسان : ١٩ ويطوف عليهم ولدان . . . . . وأما قوله : ويطوف عليهم ولدان مخلدون فأما الولدان فهم الغلمان الذين لا يشيبون أبداً مخلدون ، يعنى لا يحتلمون ، ولا يشيبون أبداً هم على تلك الحال لا يختلفون و لا يكبرون ، قال : إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا [ آية : ١٩ ] في الحسن والبياض ، يعني في الكثرة ، مثل اللؤلؤ المنثور الذي لا يتناهى عدده ، قوله : ٢٠الإنسان : ٢٠ وإذا رأيت ثم . . . . . وإذا رأيت ثم رأيت يعنى هنالك في الجنة رأيت نعيما وملكا كبيرا [ آية : ٢٠ ] وذلك أن الرجل من أهل الجنة له قصر ، في ذلك القصر سبعون قصراً ، في كل قصر سبعون بيتاً ، كل بيت من لؤلؤة مجوفة طولها في السماء فرسخ ، وعرضها فرسخ ، عليها أربعة ألف مصراع من ذهب ، في ذلك البيت سرير منسوج بقضبان الدر والياقوت ، عن يمين السرير ، وعن يساره أربعون ألف كرسي من ذهب قوائمها باقوت أحمر ، على ذلك السرير سبعون فراشاً ، كل فراش على لون ، وهو جالس فوقها ، وهو متكئ على يساره عليه سبعون حلة من ديباج ، الذي بلى جسده حريرة بيضاء ، و على جبهته أكليل مكلل بالزبرجد ، والياقوت ، وألوان الجواهر كل جوهرة على لون . وعلى رأسه تاج من ذهب فيه سبعون ذؤابة ، في كل ذؤابة درة ، تساوى مال المشرق والمغرب ، وفي يديه ثلاث أسورة ، سوار من ذهب ، وسوار من فضة ، وسوار من لؤلؤ ، وفي أصابع يديه ورجليه خواتيم من ذهب وفضة فيه ألوان الفصوص ، وبين يديه عشرة آلاف غلالا يكبرون ولا يشيبون أبداً ، ويوضع بين يديه مائدة من ياقوتة حمراء ، طولها ميل في ميل ، ويوضع على المائدة سبعون ألف إناء من ذهب وفضة في كل إناء سبعون لوناً من الطعام ، يأخذ اللقمة بيديه ، فما يخطر على باله حتى تتحول اللقمة عن حالها التي يشتهيها ، وبين يديه غلمان بأيديهم أكواب من ذهب ، وإناء من فضة معهم الخمر والماء ، فيأكل على قدر أربعين رجلاً من الألوان كلها ، كلما شبع من لون من الطعام سقوه شربة مما يشتهى من الأشربة فيتجشى . فيفتح اللّه تعالى عليه ألف باب من الشهوة من الشراب ، فيدخل عليه الطير من الأبواب ، كأمثال النجائب فيقومون بين يديه صفاً ، فينعت كل نقسه بصوت مطرب لذيذ ألذ من كل غناء في الدنيا ، يقول : يا ولي اللّه ، كلني إني كنت أرعى في روضة كذا وكذا ، من رياض الجنة ، فيحلون عليه أصواتها ، فيرفع بصره فينظر إليهم ، فينظر إلى أزهاها صوتاً ، وأجودها نعتاً ، فيشتهيها ، فيعلم اللّه ما وراء شهوته في قلبه من حبه ، فيجئ الطير فيقع على المائدة بعضه قديد ، وبعضه شواء ، أشد بياضاً من الثلج ، وأحلى من العسل ، فيأكل حتى إذا شبع منها ، واكتفى طارت طيراً كما كانت ، فتخرج من الباب الذي كانت دخلت منه . فهو على الأرائك وزوجته مستقبلة ، يبصر وجهه في وجهها من الصفاء والبياض ، كلما أراد أن يجامعها ينظر إليها ، فيستحى أن يدعوها ، فتعلم ما يريد منها زوجها ، فتدنو إليه ، فتقول : بأبي وأمي ، ارفع رأسك فانظر إلي فإنك اليوم لي ، وأنا لك فيجامعها على قوة مائة رجل من الآولين ، وعلى شهوة أربعين رجلاً كلما أتاها وجدها عذراء ، لا يغفل عنها مقدار أربعين يوماً ، فإذا فرغ وجد ريح المسك منها ، فيزداد حباً لها ، فيها أربعة آلاف وثمان مائة زوجة مثلها لك زوجة سبعون خادماً وجارية . حدثنا عبد اللّه بن ثابت ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن مقاتل ، عن الضحاك بن مزاحم ، عن علي بن أبي طالب ، عليه السلام ، قال : لو أن جارية أو خادماً خرجت إلى الدنيا لا قتتل عليها أهل الأرض كلهم ، حتى يتفانوا . ولو أن الحور العين أرخت ذؤايتها في الأرض لأطفأت الشمس من نورها ، قيل : يا رسول اللّه ، وكم بين الخادم والمخدوم ؟ قال : والذي نفسي بيده ، إن بين الخادم والمخدوم كالكوكب المضئ إلى جنب القمر في النصف ، قال : فبينما هو جالس على سريره إذ يبعث اللّه عز وجل إليه مالكاً معه سبعون حلة كل حلة على لون واحد ، ومعه التسليم ، والرضا ، فيجئ الملك حتى يقوم على بابه ، فيقول لحاجبه : ائذن لي على ولى اللّه ، فإني رسول رب العالمين إليه ، فيقول الحاجب : واللّه ، ما أملك منه المناجاة ، ولكن سأذكرك إلى من يليني من الحجبة ، فلا يزالون يذكرون بعضهم إلى بعض حتى يأتيه الخبر بعد سبعين باباً ، يقول : يا ولي اللّه ، إن رسول رب العزة على الباب ، فيأذن له بالدخول عليه ، فيقول : السلام عليك ، يا ولي اللّه ، إن اللّه يقرئك السلام ، وهو عنك راض ، فلولا أن اللّه تعالى لم يقض عليه الموت لمات من الفرح ، فذلك قوله : وإذا رأيت ثم رأيت يا محمد ، ثم يعنى هناك رأيت نعيماً ، يعني بالنعيم الذي هو فيه وملكاً كبيراً حين لا يدخل عليه رسول رب العزة إلا بإذن . ٢١الإنسان : ٢١ عاليهم ثياب سندس . . . . . ثم قال عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق يعني الديباج ، وإنما قال : عاليهم لأن الذي يلي جسده حريرة بيضاء ، قال : وحلوا أساور من فضة وقال في آية أخرى يحلون [ آية : ٢١ ] وذلك أن علي باب الجنة شجرة ينبع من ساقها عينان ، فإذا جاز الرجل الصراط إلى العين ، يدخل في عين منها فيغتسل فيها ، فيخرج وريحه أطيب من المسك طوله سبعون ذراعاً في السماء على طول آدم ، عليه السلام ، وميلاد عيسى ابن مريم ، أبناء ثلاث وثلاثين سنة ، فأهل الجنة كلهم رجالهم ونساؤهم على قدر واحد يكبر الصغر حتى يكون ابن ثلاث وثلاثين سنة ، وينحط الشيخ عن حاله إلى ثلاث وثلاثين سنة ، كلهم رجالهم ونساؤهم على قدر واحد في حسن يوسف بن يعقوب عليهما السلام ، ويشرب من العين الأخرى فينقى ما في صدره من غل ، أو هم ، أو حد ، أو حزن ، فيظهر اللّه قلبه بذلك الماء ، فيخرج وقلبه على قلب أيوب ، عليه السلام ، ولسان محمد صلى اللّه عليه وسلم عربي ، ثم ينطلقون حتى يأتوا الباب ، فتقول لهم الخزنة : طبتم ، يقولون : نعم ، فتقول : ادخو لها خالدين يبشرونهم بالخلود قبل الدخول ، بأنهم لا يخرجون منها أبداً ، فأول ما يدخل من باب الجنة ، ومعه الملكان اللذان كانا معه في دار الدنيا الكرام الكاتبين ، فإذا هو بملك معه بختية من ياقوتة حمراء زمامها ياقوتة خضراء ، فإذا كانت البختية من ياقوتة خضراء كان زمامها من ياقوتة حمراء ، عليها راحلة مقدمها ومؤخرها در وياقوت ، صفحتها الذهب والفضة ، ومعه سبعون حلة فيلبسه ويضع على رأسه التاج ، ومعه عشرة آلاف غلام كاللؤلؤ المكنون ، فيقول : يا ولي اللّه ، اركب فإن هذا لك ، ولك مثلها فيركبها ، ولها جناحان ، خطوة منها منتهى البصر فيسير على بختيته وبين يديه عشرة آلاف غلام ، ومعه الملكان اللذان كانا معه في دار الدنيا حتى يأتي إلى قصوره فينزلها ، ٢٢الإنسان : ٢٢ إن هذا كان . . . . . إن هذا الذي قضيت لكم كان لكم جزاء لأعمالكم وكان سعيكم يعني عملكم مشكورا [ آية : ٢٢ ] يعني شكر اللّه أعمالهم فأثابهم بها الجنة . ٢٣-٢٤الإنسان : ٢٣ - ٢٤ إنا نحن نزلنا . . . . . إنا نحن نزلنا عليك القرءان تنزيلاً فاصبر لحكم ربك يعني حتى يحكم اللّه بينك وبين أهل مكة ، ولا تشتم إذا شتمت ، ولا تغتظ إذا ضربت ولا تطع منهم ءاثماً أو كفوراً [ آية : ٢٤ ] وهو الوليد بن المغيرة بن هشام المخزومي ، قال : أو كفوراً ، أو هاهنا صلة ، والكفور : هو عتبة بن ربيعة ، وذلك أنهم خلوا به في دار الندوة ، وفيهم عمرو بن عمير بن مسعود الثقفي ، ف يا محمد ، أخبرنا لم تركت دين آبائك وأجدادك ؟ فقال الوليد بن المغيرة : إن طلبت ما لا أعطيتك نصف مالي على أن تدع مقالتك هذه ، وقال أبو البحتري بن هشام : واللات والعزى إن ارتد عن دينه لأزوجنه ابنتى ، فإنها أحسن النساء ، وأجملهن جمالاً ، وأفصحهن قولاً ، وأبلغهن علماً ، وقد علمت العزى بذلك ، فسكت النبي صلى اللّه عليه وسلم عن ذلك فلم يجبهم شيئاً ، فقال ابن مسعود الثقفي : ما لك لا تجيبنا إن كنت تخاف عذاب ربك وذمه أجرتك فضحك النبي صلى اللّه عليه وسلم عند ذلك ، وقبض ثوبه وقام عنهم ، وقال : أقوال وأضعف أعمال ، فأنزل اللّه عز وجل إنا نحن نزلنا عليك القرءان تنزيلاً فيها تقديم ، وتأخير ولا تطع منهم ءاثماً أو كفوراً يعني الوليد بن المغيرة ، وأبا البحتري بن هشام . وقال في قول عمرو بن عمير بن مسعود الثقفي : قل إني لن يجيرني من اللّه أحد ولن أجد من دونه ملتحدا [ الجن : ٢٢ ] ، يعني لا يؤمننى من عذابه أحد ، ولن أجد من دونه مهرباً إلا بلاغاً من اللّه ورسالاً له [ الجن : ٢٣ ] . ٢٥الإنسان : ٢٥ واذكر اسم ربك . . . . . وأما قوله واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا [ آية : ٢٥ ] يعني إذا صليت صلاة الغداة وهو بكرة ، فكبر واشهد أن لا إله إلا هو ، وأصيلاً إذا أمسيت وصليت صلاة المغرب ، فكبره واشهد أن لا إله إلا هو ، فهو براءة من الشرك ، فذلك قوله : واذكر اسم ربك بشهادة أن لا إله إلا هو ، قال : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلى الغداة ، ثم يكبر ثلاثاً ، وإذا صلى المغرب كبر ثلاثاً ٢٦الإنسان : ٢٦ ومن الليل فاسجد . . . . . ومن اليل فاسجد له يعني صلاة العشاء والآخرة يقول : صل له قبل أن تنام وسبحه ليلا طويلا [ آية : ٢٦ ] يعني وصل له بالليل ، وكان قيام الليل فريضة على النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فتهجد به نافلة لك . ثم رجع إلى قوله عز وجل الأول : إنا نحن نزلنا عليك القرءان تنزيلاً فاصبر لحكم ربك ، ٢٧الإنسان : ٢٧ إن هؤلاء يحبون . . . . . فقال : إن هؤلاء الذين يأمرونك بالكفر يحبون العاجلة يعنى الدنيا ، لا يهمهم شئ إلا أمر الدنيا الذهب والفضة والبناء والثياب والدواب ويذرون وراءهم يعنى أمامه وكل شئ في القرآن وراءهم ، يعنى أمامهم يوما ثقيلا [ آية : ٢٧ ] لأنها تثقل على الكافرين إذا حشروا وإذا وقفوا وإذا حاسبوهم ، وإذا جازوا الصراط فهي مقدار ثلاث مائة سنة وأربعين سنة ، فأما المؤمن ، فإنه ييسر اللّه خروجه من قبره ، وإذا حشره ، وإذا حاسبه ، وإذا جاز الصراط ، فذلك قوله : يؤمئذٍ يوم عسير على الكافرين غير يسير [ المدثر : ٩ ، ١٠ ] . ٢٨الإنسان : ٢٨ نحن خلقناهم وشددنا . . . . . وأما قوله : نحن خلقنهم في بطون أمهاتهم وهم نطفة وشددنا أسرهم حين صاروا شباناً يعنى أسرة الشباب ، وما خلق اللّه شيئاً أحسن من الشباب ، منور الوجه أسود الشعر واللحية قوى البدن ، وقال : وإذا شئنا بدلنا أمثلهم ذلك السواد والنور بالبياض والضعف تبديلا [ آية ٢٨ ] من السواد حتى لا يبقى شئ منه إلا البياض ، فعلم اللّه عز وجل ، فقال : ٢٩الإنسان : ٢٩ إن هذه تذكرة . . . . . إن هذه إن هذا السواد والحسن والقبح تذكرة يعنى عبرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا [ آية : ٢٩ ] يعنى فمن شاء اتخذ في هذه التذكرة فيعتبر ، فيشكر اللّه ويوحده ، ويتخذ طريقاً إلى الجنة ، ثم رد المشيئة إليه ، فقال : ٣٠الإنسان : ٣٠ وما تشاؤون إلا . . . . . وما تشاءون أنتم أن تتخذوا إلى ربكم سبيلاً إلا أن يشاء اللّه فهو عليكم عمل الجنة إن اللّه كان عليما يعنى بأهل الجنة حكيما [ آية : ٣٠ ] إذ حكم على أهل الشقاء النار . ٣١الإنسان : ٣١ يدخل من يشاء . . . . . ثم ذكر العلم والقضاء بأنه إليه ، فقال : يدخل من يشاء في رحمته يعني في جنته والظلمين يعنى المشركين أعد لهم عذابا أليما [ آية : ٣١ ] يعنى وجيعاً . |
﴿ ٠ ﴾