٨

الإنشقاق : ٨ فسوف يحاسب حسابا . . . . .

 فسوف يحاسب حسابا يسيرا [ آية : ٨ ] يقول : باليسير ، بأن اللّه لا يغير حسناته ولا يفضحه .

وذلك أن اللّه عز وجل إذا جمع الخلائق يوم القيامة ، فإنهم يومج بعضهم في بعض ، مقدار ثلاث مائة سنة ، حتى إذا استوى الرب جل وعز على كرسيه ليحاسب خلقه ، فإذا جاء الرب تبارك وتعالى والملائكة صفاً صفاً ، فينظرون إلى الجنة ، وإلى النار ، ويجاء بالنار ، من مسيرة خمس مائة عام ، عليها تسعون ألف زمام ، في كل زمام سبعون ألف ملك ، متعلق يحبسونها عن الخلائق ، طول عنق أحدهم مسيرة سنة ، وغلظها مسيرة سنة ، ما بين منكبى أحدهم مسيرة خمسين سنة ، وجوههم مثل الجمر ، وأعينهم مثل البرق ، إذا تكلم أحدهم ، تناثرت من فيه النار ، بيد كل واحد منهم مرزبة ، عليها ثلاث مائة وستون رأساً ، كأمثال الجبال ، هي أخف بيده من الريشة ، فيجئون بها فيسوقونها ، حتى تقام عن يسار العرش .

ويجاء بالجنة يزفونها كما تزف العروس إلى زوجها ، حتى تقام عن يمين العرش ، فإذا

ما عاين الخلائق النار ، وما أعد اللّه لأهلها ، ونظروا إلى ربهم وسكتوا ، فانقطعت عند

ذلك أصواتهم ، فلا يتكلم أحد منهم من فرق اللّه وعظمته ، ولما يرون من العجائب من

الملائكة ، ومن حملة العرش ، ومن أهل السماوات ، ومن جهنم ، ومن خزنتها ، فانقطعت

أصواتهم عند ذلك .

وترتعد مفاصلهم ، فإذا علم اللّه ما أصاب أولياءه من الخوف ، وبلغت القلوب

الجناجر ، فيقوم منادٍ عن يمين العرش ، فينادى : يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون [ الزخرف : ٦٨ ] ، فيرفع عند ذلك الإنس والجن كلهم رءوسهم والمؤمنون

والكفار ، لأنهم عباده كلهم ، ثم ينادى في الثانية : الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين [ الزخرف : ٦٩ ] ، فيرفع المؤمنون رءوسهم ، وينكس أهل الأديان كلهم

رءوسهم ، والناس سكوت مقدار أربعين عاماً ، فذلك

قوله : هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون [ المرسلات : ٣٥ ] ، ٣٦ ] .

و

قوله : لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا [ النبأ : ٣٨ ] ، وقال : لا

إله إلا اللّه ، فذلك الصواب ، و

قوله : وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا [ طه : ١٠٨ ] ، فلا يجبهم اللّه ، ولا يكلمهم ، ولا يتكلمون هم مقدار أربعين

سنة ، يقول بعد ذلك لملك من الملائكة ، وهو جبريل ، عليه السلام :

ناد الرسل وابدأ

بالأمى ، قال : فيقوم الملك ، فينادى عند ذلك اين النبي الأمي ؟ فتقول الأنبياء عند ذلك :

كلنا نبيون وأميون فبين بين ، فيقول النبي العرب الأمى الحرمى ، فيقوم عند ذلك رسول

اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيرفع صوته بالدعاء ، فيقول :

كم من ذنب قد عملتموه ونسيتموه ، وقد أحصاده

اللّه ، رب لا تفضح أمتي ، قال : فلا يزال يدنو من اللّه تعالى ، حتى يقوم بين يديه ، أقرب

خلقه إليه ، فيحمد اللّه ويثنى عليه ، ويذكر من الثناء على اللّه تعالى والحمد ، حتى تعجب الملائكة منه والخلائق .

فيقول اللّه عز وجل :

قد رضيت عنك يا محمد ، اذهب فناد أمتك ، فينادى ، وأول ما

يدعو يدعو من أمته عبد اللّه بن عبد الأسد  أبا سلمة ، فلا يزال يدنو فيقربه اللّه عز

وجل منه فيحاسبه حساباً يسيراً ، واليسير الذي لا يأخذه بالذنب الذي عمله ، ولا

يغضب اللّه عز وجل عليه ، فيجعل سيئاته داخل صحيفته وحسناته ظاهر صحيفته ،

فيضوع على رأسه التاج من ذهب عليه تسعون ألف ذؤابة ، كل ذؤابة درة تساوي مال

المشرق والمغرب ويلبس سبعين حلة من الاستبرق والسندس ، فالذي يلى جسده حريرة

بيضاء .

فذلك

قوله : ولباسهم فيها حرير [ الحج : ٢٣ ] ، ويسور بثلاث أسورة ، سوار

من فضة ، وسوار من ذهب ، وسوار من لؤلؤ ، ويوضع إكليل مكلل بالدر والياقوت ، وقد

تلألأ في وجهه ، من نور ذلك ، فيرجع إلى إخوانه من المؤمنين ، فينظرون إليه وهو جاء

من عند اللّه ، فتقول الملائكة والناس والجن : واللّه لقد أكرم اللّه هذا ، لقد أعطى اللّه لهذا ،

فينظرون إلى كتابه فإذا سيئاته باطن صحيفته ، وإذا حسناته ظاهر كتابه ، فتقول عند ذلك

الملائكة ما كان أذنب هذا الآدمى ذنباً قط ، واللّه ، لقد اتقى هذا العبد ، فحق أن يكرم

مثل هذا العبد ، وهم لا يشعرون أن سيئاته باطن كتابه ، وذلك لمن أراد اللّه تعالى أن

يكرمه ولا يفضحه ، قال : فيأتي إخوانه من المسلمين ، فلا يعرفونه ، فيقول : أتعرفوني .

فيقولون كلهم : لا ، واللّه ، فيقول : إنما برحت الساعة ، وقد نسيتوني ، فيقول : أنا أبو

سلمة ، أبشروا بمثله يا معشر الإخوان ، لقد حاسبني ربي حساباً يسيراً ، وأكرمني ، فذلك

قوله : فسوف يحاسب حسابا يسيرا .

﴿ ٨