بسم اللّه الرحمن الرحيم    

سورة يس

١

قوله تعالى { يس } حق النون الساكنةمن هجاء يس اذا وصلت كلامك أن تدغم ف الواو بعدها أبدا وقد قرأ جماعة باظهار النون من يس ونون والقلم والعلة في ذلك ان هذه الحروف المقطعة في أوائل السور حقها أن يوقف على كل حرف منها لأنها ليست بخبر لما قبلها ولا يخبر عنها ولا يعطف بعضها على بعض كالعدد فحقها الوقف والسكون عليها ولذلك لم تعرب فوجب اظهار النون عند الواو لأنها موقوف عليها غير متصلة بما بعدها هذا أصلها ومن أدغم أجراها مجرى المتصل والاظهار أولى بها لما ذكرنا وقد قرأ عيسى بن عمر بفتح النون على أنه مفعول به على معنى اذكر ياسين لكنه لم ينصرف لأنه مؤنث اسم للسورة ولأنه أعجمي فهو على زنة هابيل وقابيل ويجوز

أن يكون أراد أن يصله بما بعده فالتقى ساكنان الياء والنون ففتحه لالتقاء الساكنين فبني على الفتح كأين وكيف وقد قرىء بكسر النون حركت أيضا لالتقاء الساكنين فكسرت على أصل اجتماع الساكنين فجعلت كخير في القسم وأوائل السور قد قيل فيها انها قسم أقسم اللّه بها لشرفها ولأنها مباني أسمائه

٤

قوله { على صراط مستقيم } خب ثان لأن وقيل على متعلقة بالمرسلين

٥

قوله { تنزيل العزيز الرحيم } من رفعة أضمر مبتدأ أي هو تنزيل ومن نصبه جعله مصدرا ويجوز الخفض في الكلام على البدل من القران

٦

قوله { ما أنذر آباؤهم } ما حرف ناف لأن آباءهم لم ينذروا برسول قبل محمد عليه الصلاة السلام وقيل موضعها نصب لأنها في موضع المصدر وهو قول عكرمة لأنه قال قد أنذر اباؤهم وتقديره لتنذر قوما انذارا مثل امذار ابائهم فما والفعل مصدر

١٢

قوله { ونكتب ما قدموا } أي ذكر ما قدموا ثم

حذف المضاف وكذلك واثارهم أي ونكب ذكر اثارهم وهي الخطى الى المساجد وقيل هي ما سنوا من سنة حسنة فعمل بها بعدهم قوله وكل شيء نصب باضمار فعل تقديره وأحصينا كل شىء أحصيناه وهو الاختيار ليعطف ما عمل فيه الفعل على ما عمل فيه الفعل ويجوز الرفع على الابتداء وأحصيناه الخبر

١٣

قوله { واضرب لهم مثلا أصحاب القرية } أصح ما يعطي النظر والقياس في مثل وأصحاب أنهما مفعولان لا ضرب دليله

قوله تعالى { إنما مثل الحياة الدنيا كماء } فلا خلاف أن مثلا ابتداء وكماء خبره فهذا ابتداء وخبر بلا شك ثم قال تعالى في موضع اخر واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه فدخل اضرب على الابتداء والخبر فعمل في الابتداء ونصبه فلا بد أن يعمل في الخبر أيضا لأن كل فعل دخل على الابتداء والخبر فعمل في الابتداء فلابد أن يعمل في الخبر اذ هو هو فقد تعدى اضرب الذي هو لتمثيل الأمثال الى مفعولين بلااختلاف في هذا فوجب أن يجري في غير هذا الموضع على ذلك فيكون قوله واضرب لهم مثلا أصحاب القرية

٢٧

مفعولين لاضرب كما كان في دخوله على الابتداء والخبر وقد قيل ان أصحاب القرية بدل من مثل وتقديره واضرب لهم مثلا مثل أصحاب القرية فالمثل الثاني بدل من الأول ثم حذف المضاف قوله بما { غفر لي ربي } تكون ما والفعل مصدرا أي بغفران ربي لي ويجوز أن تكون بمعنى الذي وتحذف الهاء من الصلة تقديره الذي غفره لي ربي ويجوز أن تكون ما استفهاما وفيه معنى التعجب من مغفره اللّه له تقديره بأي شيء غفر لي ربي على التقليل لعمله والتعظيم لمغفرة اللّه له فتبتدىء به في هذا الوجه وفي كونه استفهاما بعد لثبات الألف في ما وحقها أن تحذف في الاستفهام اذا دخل عليها حرف جر نحو فبم تبشرون ولا يحسن اثبات ألف ما في الاستفهام الا في شعر فبعد لذلك

٢٨

قوله { وما كنا منزلين } ما زائدة عند أكثر العلماء وقال بعضهم هي اسم في موضع خفض عطف على جند وهو معنى غريب حسن

٣٠

قوله { يا حسرة } نداء منكور وانما نادى الحسرة ليتحسر بها من خالف الرسل وكفر بهم والمراد بندائها تحسر المرسل اليهم بها فمعناها تعالي يا حسرة فهذا أوانك وإبانك الذي يجب أن تحضري فيه ليتحسر بك من كفر بالرسل

٣١

قوله { كم أهلكنا } كم في موضع نصب بأهلكنا وأجاز الفراء أن تنصبها بيروا وذلك لا يجوز عند جميع البصريين لأن الاستفهام وما وقع موقعه لا يعمل فيه ما قبله

قوله { أنهم إليهم } أن في موضع نصب على البدل من كم وكم وما بعدها من الجملة في موضع نصب بيروا

٣٢

قوله { وإن كل لما جميع } أن مخففة من الثقيلة فزال عملها لنقصها فارتفع ما بعدها على الابتداء وما بعده الخبر ولزمت اللام في خبرها فرقا بين الخفيفة التي بمعنى ما وبين المخففة من الثقيلة ومن قرأ

 

لما بالتشديد جعل لما بمعنى إلا وإن بمعنى ما وتقديره وما كل إلا جميع فهو ابتداء وخبر وحكى سيبويه سألتك باللّه لما فعلت بمعنى إلا فعلت وقال الفراء لما بمعنى لمن ما ثم إدغم النون في الميم فاجتمعت ثلاث ميمات فحذفت احداهن استخفافا وشبهه بقولهم‏‏‏ علماء بنو فلان يريدون على الماء ثم أدغم وحذف احدى اللامين استخفافا

٣٣

قوله { وآية لهم الأرض } اية ابتداء والأرض الخبر وقيل لهم الخبر والأرض رفع على الابتداء وأحييناها الخبر والجملة في موضع التفسير للجملة الأولى

٣٥

قوله { وما عملته أيديهم } ما في موضع خفض على العطف على ثمره ويجوز أن تكون نافية أي ولم تعمله أيديهم ومن قرأ عملت بغير هاء كان الأحسن أن تكون ما في موضع خفض وتحذف الهاء من الصلة ويبعد أن تكون نافيه لأنك تحتاج الى اضمار مفعول لعملت

٣٩

قوله { قدرناه منازل } أي قدرناه ذا منازل ثم حذف المضاف ويجوز أن يكون حذف حرف الجر من المفعول الأول ولم يحذف مضافا من الثاني تقديره قدرناه له منازل وارتفع القمر على الابتداء

وقدرناه الخبر ويجوز رفعه على اضمار مبتدأ وقدرناه في موضع الحال من القمر ويجوز نصبه على اضمار فعل يفسره قدرناه حالا من القمر انما هو تفسير لما نصب القمر

٤٣

قوله { فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون } فتحت صريخ لأنه مبني مع لا ويختار في الكلام لا صريخ بالرفع والتنوين لأجل اتيان لا ثانية مع معرفة لو قلت في الكلام لا رجل في الدار ولا زيد لكان الاختيار في رجل الرفع والتنوين لاتيان لا بعده مع معرفة لا يحسن فيها إلا الرفع

قوله { ينبغي لها أن تدرك القمر } أن في موضع رفع بينبغي قاله الفراء وغيره

قوله { وآية لهم أنا حملنا } آية ابتداء ولهم الخبر وقيل أنا هو الخبر فاذا جعلت لهم الخبر كانت أن رفعا بالابتداء والجملة الخبر وأن وما بعدها في موضع التفسير لاية فمن أجل تعلق أن بما قبلها جاز رفعها بالابتداء ولو لم تتعلق بما قبلها لم ترتفع بالابتداء وليس كذلك الخفيفة التي يجوز أن ترتفع بالابتداء وان لم تتعلق بما قبلها تقول أن تقوم خير لك فأن

ابتداء وخير الخبر ولو قلت أنك منطلق خير لك لم يجز عند البصريين والهاء والميم في ذرياتهم تعود على قوم نوح وفي لهم تعود على أهل مكة وقيل الضميران لأهل مكة

٤٤

قوله { إلا رحمة منا } نصب رحمة على حذف حرف الجر أي إلا برحمة وقال الكسائي هو نصب على الاستثناء وقال الزجاج هو مفعول من أجله ومتاعا مثله ومعطوف عليه

٤٩

قوله { يخصمون } من قرأه بفتح الياء والخاء مشددا الصاد فأصله عنده يختصمون ثم ألقى حركة التاء على الخاء وأدغمها في الصاد ومن قرأ بفتح الياء وكسر الخاء مشددا فانه لم يلق حركة الياء على الخاء إذ أدغمها ولكن حذف الفتحة لما أدغم فاجتمع ساكنان الخاء والمشدد فكسر الخاء لالتقاء الساكنين وكذلك التقدير في قراءة من اختلس فتحة الخاء إنما اختلسها لأنها ليست بأصل للخاء وكذلك

من قرأ باخفاء حركة الخاء اخفاها لأنها ليست بأصل في الخاء ولم يمكنه اسكان الخاء لئلا يجمع بين ساكنين فيلزمه الحذف أو التحريك

٥١

قوله { ونفخ في الصور } في الصور في موضع رفع لأنه قام مقام الفاعل إذ الفعل لما لم يسم فاعله والصور جمع صورة وأصل الواو الحركة ولكن أسكنت تخفيفا فأصله الصور أي صور بني آدم وقيل هو القرن الذي ينفخ فيه الملك فهو واحد وهذا القول أشهر

٥٢

قوله { يا ويلنا } هو نداء مضاف والمعنى يقول الكفار تعال ياويل فهذا زمانك وإبانك وقيل هو منصوب على المصدر والمنادى محذوف كأنهم قالوا لبعضهم يا هؤلاء ويلا لنا فلما أضاف حذف اللام الثانيه وقال الكوفيون اللام الأولى هي المحذوفة وأصله عندهم وي لنا وقد أجازوا ويل زيد بفتح اللام وهي عندهم لام الجر ولام الجر لا تفتح مع غير المضمر وأجازوا الضم وفي ذلك دليل ظاهر بين أن الثانية هي المحذوفة

قوله { هذا ما وعد الرحمن } هذا مبتدأ وما الخبر على أنها بمعنى

الذي والهاء محذوفة من وعد أو على أنها وما بعدها مصدر فلا تقدر حذفا والتقدير فقال لهم المؤمنون أو فقال لهم الملائكة هذا ما وعد الرحمن فتقف على هذا القول على مرقدنا وتبتدىء هذا ما وعد ويجوز أن تكون هذا في موضع خفض على النعت لمرقدنا فتقف على هذا وتكون ما في موضع رفع خبر ابتداء محذوف تقديره هذا ما وعد أو حق ما وعد أو بعثكم ما وعد

٥٧

قوله { ولهم ما يدعون } ما ابتداء بمعنى الذي أو مصدر مع ما بعدها أو نكرة وما بعدها صفة لها ولهم الخبر وأصل يدعون يد تعيون على وزن يفتعلون من دعا يدعو فأسكنت الياء بعد أن ألقيت حركتها على ما قبلها وحذفت لسكونها وسكون ما بعدها وقيل بل ضمت العين لأجل واو الجمع بعدها ولم تلق عليها حركة الياء لأن العين كانت متحركة فصارت يدتعون فادغمت التاء في الدال وكان ذلك أولى من ادغام الدال في التاء لأن الدال حرف مجهور والتاء حرف مهموس والمجهور أقوى من المهموس وكان رد الحرف الى الأقوى أولى من رده الى الاضعف فأبدلوا من التاء دالا وأدغمت الدال الأولى فيها فصارت يدعون قوله سلام ارتفع على البدل من ما التي في قوله ولهم

ما يدعون ويجوز أن يكون نعتا لما اذا جعلتها نكرة تقديره ولهم شىء يدعونه مسلم ويجوز أن يكون سلام خبر ما ولهم ظرف ملغى وفي قراءة عبداللّه سلاما بالنصب على المصدر أو حال في معنى مسلما قوله قولا نصب على المصدر أي يقولونه قولا يوم القيامة أو قال اللّه جل ذكره ذلك قولا

٦٠

قوله { أن لا تعبدوا } أن في موضع نصب على حذف الجار أي بأن لا

٧٢

قوله { ركوبهم } انما اتى بغير تاء على جهة النسب عند البصريين والركوب ما يركب بالفتح والركوب بالضم اسم الفعل وعن عائشة رضي اللّه عنها انها قرأت

ركوبتهم بالتاء وهو الأصل عند الكوفيين ليفرق بين ما هو فاعل وبين ما هو مفعول فيقولون امرأة صبور وشكور فهذا فاعل ويقولون ناقة حلوبة وركوبة فيثبتون الهاء لأنه مفعول وقد تقدم ذكر نصب فيكون وشبهه

﴿ ٠