بسم اللّه الرحمن الرحيم

سورة هل أتى

١

قوله تعالى هل أتى على الانسان قيل هل بمعنى قدو الأحسن أن تكون هل على بابها للاستفهام الذي معناه التقرير وانما هو تقرير لمن أنكر البعث فلا بد أن يقول نعم قد مضى دهر طويل لا انسان فيه فيقال له من أحدثه بعد أن لم يكن وكونه بعد عدمه كيف يمتنع عليه بعثه واحياؤه بعد موته وهو معنى قوله ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون أي فهلا تذكرون فتعلمون أن من أنشأ شيئا بعد أن لم يكن على غير مثال قادر على اعادته بعد عدمه وموته

٣

قوله إما شاكرا وإما كفورا حالان من الهاء وسميع وبصير نعت لسميع وإما للتخيير على بابها ومعنى التخيير أن اللّه أخبرنا أنه اختار قوما للسعادة وقوما للشقاوة فالمعنى أن يخلقه إما سعيدا وإما شقيا وهذا من أبين ما يدل على أن اللّه تعالى قدر الاشياء كلها وخلق قوما للسعادة وبعملها يعملون وقوما للشقاوة وبعملها يعملون فالتخيير هو اعلام من اللّه تعالى أنه يختار ما يشاء ويفعل ما يشاء بجعل من يشاء شاكرا ومن يشاء كافرا وليس التخيير للانسان وقيل هي حال مقدرة والتقدير إما أن يحدث منه عند فهمه الشكر فهو علامة السعادة وإما أن يحدث منه الكفر وهو علامة الشقاوة وذلك كله على ما سبق في علم اللّه تعالى فيهم وأجاز الكوفيون أن تكون ما زائدة وإن للشرط ولا يجوز هذا عند البصريين لأن إن التي للشرط لا تدخل على الأسماء إذ لا يجازى بالأسماء إلا أن تضمر بعد إن فعلا فيجوز نحو قوله تعالى وإن أحد من المشركين فاضمر استجارك بعد إن ودل عليه استجارك الثاني فحسن حذفه ولا يمكن اضمار فعل بعد ان هاهنا لأنه يلزم رفع شاكر وكفور بذلك الفعل وأيضا فانه لا دليل على الفعل المضمر في الكلام وقيل في الآية تقديم وتأخير والتقدير انا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه إما شاكرا وإما كفورا فجعلناه سميعا بصيرا فيكونان حالين من الانسان على هذا وهو قول حسن فلار تخيير للانسان في نفسه قوله سلاسلا وقواريرا أصله كله أن لا ينصرف لأنه جمع والجمع ثقيل ولأنه لا يجمع فخالف سائر الجمع ولأنه لا نظير له في الواحد ولأنه غاية الجموع إذ لا يجمع فثقل فلم ينصرف فأما من صرفه من القراء فإنها لغة لبعض العرب حكى الكسائي أنهم يصرفون كل ما لا ينصرف الا أفعل منك وقال الأخفش سمعنا من العرب من يصرف هذا وجميع مالا ينصرف وقيل انما صرفه لأنه وقع في المصحف بالألف فصرفه على الاتباع لخط المصحف وانما كتب في المصحف بألف لأنها رؤوس الآي فأشبهت القوافي والفواصل التي تزاد فيها الألف للوقف وقيل انما صرفه لأنه جمع كسائر الجموع قد جمعه بعض العرب كالواحد فانصرف كم ينصرف الواحد ألا ترى الى قول النبي صلى اللّه عليه وسلم لحفصة أنكن لأنتن صواحبات يوسف فجمع صواحب بالألف والتاء كما يجمع الواحد فانصرف كما ينصرف الواحد وحكى الأخفش مواليات فلان فجمع موالي فصار كالواحد وأنشد النحويون للفرزدق

 وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم  خضع الرقاب نواكس الأبصار 

ورووه بكسر السين من نواكس جعلوه جمع نواكس بالياء والنون فحذفت النون للاضافة والياء لالتقاء الساكنين وبقييت السين مكسورة في اللفظ فدل جمعه على أنه يجمع كسائر الجموع والجموع كلها منصرفة فصرف هذا أيضا على ذلك

٥-٦

قوله مزاجها كافورا . عينا انتصب عينا على البدل من كافور وقيل على البدل من كأس على الموضع وقيل على الحال من المضمر في مزاجها وقيل باضمار فعل اي يشربون عينا أي ماء عين ثم حذف المضاف وقال المبرد انتصب على اضمار أعني

١١

قوله ذلك اليوم اليوم نعت لذلك أو بدل منه

١٢

قوله جنة وحريرا نصب بجزاهم مفعول ثان والتقدير دخول جنة ولبس حرير ثم حذف المضاف فيهما ومتكئين حال من الهاء والميم في جزاهم والعامل فيه جزى ولا يعمل فيه صبروا لأن الصبر في الدنيا كان والاتكاء والجزاء في الآخرة وكذلك موضع لا يرون نصب على الحال أيضا مثل متكئين أو على الحال من المضمر في متكئين ولا يحسن أن يكون متكئين صفة لجنة لأنه يلزم اظهار المضمر الذي في متكئين لأنه يجري صفة لغير من هو له

١٤

قوله ودانية عليهم دانية نصب على العطف على جنة وهو نعت قام مقام منعوت تقديره وجنة دانية وقيل دانية حال عطف على متكئين أو على موضع لا يرون والظلال رفع بدانية لأنه فاعل الدنو وقد قرىء ودانيا بالتذكير ذكر للتفرقة وقيل لتذكير الجمع ويجوز رفع دانية على خبر الظلال فيكون الظلال مبتدأ والجملة في موضع الحال من الهاء والميم أو من المضمر في متكئين إذا جعلت لا يرون حالا منه ويجوز دان بالرفع والتذكير على الابتداء والخبر ويذكر على ما تقدم

١٧

قوله ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا عينا انتصب عينا على البدل من كأس أو على اضمار يسقون أي يسقون ماء عين ثم حذف المضاف أو على اضمار أعني

١٨

قوله تسمى سلسبيلا في تسمى مفعول ما لم يسم فاعله مضمر يعود على العين وسلسبيلا مفعول ثان وهو اسم أعجمي نكرة فلذلك انصرف

٢٠

قوله وإذا رأيت ثم رأيت رأيت الأول غير متعد الى مفعول عند أكثر البصريين وثم ظرف مكان وقال الفراء والأخفش ثم مفعول به لرأيت قال الفراء تقديره واذا رأيت ما ثم فما المفعول فحذفت ما وقامت ثم

مقامها ولا يجوز عند البصريين حذف الموصول وقيام صلته مقامه

٢١

قوله عاليهم ثياب من نصبه فعلى الظرف بمعنى فوقهم وقيل هو نصب على الحال من المضمر في لقاهم أو من المضمر في جزاهم أعني الهاء والميم وثياب رفع بعاليهم اذا جعلته حالا وان جعلته ظرفا رفعت ثيابا بالابتداء وعاليهم الخبر وفي عاليهم ضمير مرفوع وإن شئت رفعته بالاستقرار ولا ضمير في عاليهم لأنه يصير بمنزلة فعل مقدم على فاعله واذا رفعت ثياب بالابتداء فعاليهم بمنزلة فعل مؤخر عن فاعله ففيه ضمير ومن أسكن الياء في عاليهم رفعه بالابتداء وثياب الخبر وعالي بمعنى الجماعة كما قال تعالى سامرا تهجرون فأتى بلفظ الواحد يراد به الجماعة وكذلك قال تعالى فقطع دابر القوم إنما هو أدبار القوم فاكتفى بالواحد عن الجمع ويجوز أن يكون ثياب رفعا بفعلهم لأن عاليا اسم فاعل فهو مبتدأ وثياب فاعل يسد مسد خبر عاليهم فيكون عال على هذا مفردا لا يراد به الجمع كما تقول قائم الزيدون فتوحد لأنه جرى مجرى حكم الفعل المتقدم فوحد إذ قد رفع ما بعده وهو مذهب الأخفش وعاليهم نكرة لأنه يراد به الانفصال اذ هو بمعنى الاستقبال فلذلك جاز نصبه على الحال ومن أجل أنه نكرة منع غير الأخفش رفعه بالابتداء

قوله خضر وإستبرق من خفض خضرا جعله نعتا لسندس وسندس اسم للجمع وقيل هو جمع واحده سندسه وهو مارق من الديباج ومن رفعه جعله نعتا لثياب ومن رفع واستبرق عطفه على ثياب ومن خفضه عطفه على سندس والاستبرق ما غلظ من الديباج واستبرق اسم أعجمي نكرة فلذلك انصرف وألفه ألف قطع في الأسماء الأعجمية وقد قرأه ابن محيصن بغير صرف وهو وهم إن جعله اسما لأنه نكرة منصرفة وقيل بل جعله فعلا ماضيا من برق فهو جائز في اللفظ بعيد في المعنى وقيل انه في الأصل فعل ماض على استفعل من برق فهو عربي من البريق فلما سمي به قطعت ألفه لأنه ليس من أصل الأسماء أن يدخلها ألف الوصل وانما دخلت في أسماء معتلة مغيرة عن أصلها معدودة لا يقاس عليها

٢٣

قوله إنا نحن نزلنا نحن في موضع نصب على الصفة لاسم ان لأن المضمر يوصف بالمضمر اذ هو بمعنى التأكيد لا بمعنى التحلية ولا يوصف بالمظهر لأنه بمعنى التحلية والمضمر مستغن عن التحلية لأنه لم يضمر الا بعد أن عرف تحليته وعينه وهو محتاج الى التأكيد ليتأكد الخبر عنه ولا يجوز أن يكون نحن فاصلة لا موضع لها من الاعراب و نزلنا الخبر ويجوز أن يكون نحن رفعا الابتداء ونزلنا الخبر والجملة خبر ان

٢٧

وقوله ويذرون وراءهم يوما وراء بمعنى قدام وأمام وجاز ذلك في وراء لأنها بمعنى التواري فما توارى عنك مما هو امامك وقدامك وخلفك يسمى وراء لتواريه عنك ويوما مفعول بيذرون وقد ذكرنا أصل يذرون وعلته قوله اثما أو كفورا أو للاباحة أي لا تطع هذا الضرب وقال الفراء أوفي هذا بمنزلة لا أي لا تطع من أثم ولا من كفر وهو بمعنى الاباحة التي ذكرنا وقيل أو بمعنى الواو وفيه بعد

٣٠

قوله وما تشاءون إلا أن يشاء اللّه أن في موضع نصب على الاستثناء أو في موضع خفض على قول الخليل باضمار الخافض وعلى قول غيره في موضع نصب اذ قد حذف الخافض تقديره الا بأن يشاء اللّه ولهذا نظائر كثيرة قد تقدمت ذكرنا اعرابها مرة على قول الخليل وسيبويه ومرة على قول غيرهما اختصارا ومرة ذكرنا القولين جميعا تنبيها

٣١

قوله والظالمين نصب على اضمار فعل أي ويعذب الظالمين أعد لهم عذابا لأن اعداد العذاب يؤول الى العذاب فلذلك حسن اضمار يعذب اذ قد دل عليه سياق الكلام ولا يجوز اضمار أعد لأنه لا يتعدى إلا بحرف فانما يضمر في هذا وما شابهه فعل يتعدى بغير حرف مما يدل عليه سياق الكلام وفحوى الخطاب وفي حرف عبداللّه وللظالمين اعد لهم بلام الجر في الظالمين على تقدير وأعد للظالمين أعد لهم وقال الكوفيون إنما انتصب والظالمين لأن الواو التي معه ظرف للفعل وهو أعد وهذا كلام لا يتحصل معناه ويجوز رفع الظالمين على الابتداء وما بعده خبره وقد سمع الأصمعي من يقرأ بذلك وليس بمعمول به في القرآن لأنه مخالف لخط المصحف ولجماعة القراء وقد جعله الفراء في الرفع بمنزلة قوله تعالى والشعراء يتبعهم الغاوون وليس مثله لأن والظالمين قبله فعل عمل في مفعول فعطفت الجملة على الجملة فوجب أن يكون الخبر في الجملة الثانية منصوبا كما كان الخبر في الجملة الأولى في قوله يدخل من يشاء وقوله والشعراء قبله جملة من ابتداء وخبر فوجب أن تكون الجملة الثانية كذلك فالرفع هو الوجه في الشعراء ويجوز النصب في غير القران والنصب هو الوجه في والظالمين ويجوز الرفع في غير القرآن فهذا أصل يعتمد عليه في هذا الباب

﴿ ٠