١٨

قوله تعالى: { شهد اللّه أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط }

الآية: ١٨ . سئل سهل بن عبد اللّه عن هذه الآية فقال: شهد لنفسه بنفسه وهو مشاهد

ذاته، واستشهد من استشهد من خلقه قبل خلقه لهم، فكان ذلك تنبيه أنه عالم بما

يكون قبل كونه، وإنه لا يتجاوز أحد من خلقه ما تجلى به.

وقيل في قوله تعالى: { وأولوا العلم }: إن العلماء ثلاثة: عالما بأمور اللّه تعالى

وأحكامه فيهم علماء الشريعة، وعالما بصفاته ونعوته فهم علماء النسبة، وعالما به

وبأسمائه فهم العالم الرباني.

قال أبو يزيد يوما لأصحابه: بقيت البارحة إلى الصباح أجهد أن أقول: أشهد أن لا

إله إلا اللّه ما قدرت عليه قيل: ولم؟ قال: ذكرت كلمة قلتها في صباي جائتني وحشة

تلك الكلمة فمنعتني عن ذلك وأعجب من يذكر اللّه تعالى وهو متصف بشيء من

صفاته.

سمعت محمد بن عبد اللّه يقول: سمعت الشبلي يقول: ما قلت اللّه إلا استغفرت

من ذلك، لأن اللّه تعالى يقول: { شهد اللّه أنه لا إله إلا هو } فمن شهد بذلك له من

الأكوان إلا عن أمن أو غفلة.

وقال ابن عطاء: أول ما نحلوا من حقائق البقاء فنوا عن كل شيء دون اللّه تعالى

حتى بقوا مع اللّه تعالى.

وقيل: لا يصل إلى الشهادة للّه تعالى بما شهد لنفسه حتى يصل إلى الفاقة الكبرى

قيل: وما الفاقة الكبرى؟ قال: حتى يعلم أنه لا يصل إليه إلا به، ولا ينجو منه إلا به.

وقال ابن منصور لرجل: أتشهد في الأذان؟ قال: نعم قال: ألحدت من حيث

وحدت في تشهدك حين شهدت للّه تعالى وللرسول صلى اللّه عليه وسلم ولم تفرق بينهما

حتى تشهد للّه

تعالى بالتعظيم وللرسول (بالبلاغ والتسليم، عند ذلك باهت الأسرار فيما وراء الغيرة

ولا غير.

وقيل للشبلي رحمه اللّه: لم تقول اللّه ولا تقول لا إله إلا اللّه؟ فأنشأ يقول:

(شمس يغالب فقدها بثبوتها

* فإذا استحال الفقد ماذا يغيب

*

ثم قال: وهل يبقى إلا ما يستحيل كونه، وهل يثبت إلا ما لا يجوز فقده؟

وقال ابن عطاء في قوله: { شهد اللّه أنه لا إله إلا هو }، فقال: دلنا بنفسه من نفسه

على نفسه بأسمائه وفيه بيان ربوبيته وصفاته، فجعل لنا في كلامه وأسمائه شاهدا

ودليلا، وإنما فعل ذلك لأن اللّه تعالى وحد نفسه ولم يكن معه غيره، فكان الشاهد

عليه توحيده، ولا يستحق أن يشهد عليه من حيث الحقيقة سواه، إذ هو الشاهد فلا

شاهد معه، ثم دعا الخلق إلى شهادته، فمن وافقت شهادته فقد أصاب حظه من حقيقة

التوحيد، ومن حرم ضل.

وقال جعفر في قوله: ' شهد اللّه ' فقال: شهد اللّه بوحدانيته وأبديته وصمديته،

وشهد الملائكة وأولوا العلم له بتصديق ما شهد هو لنفسه.

سئل جعفر عن حقيقة هذه الشهادة ما هي؟ قال: هي مبنية على أربعة أركان: أولها

اتباع الأمر، والثاني اجتناب النهي، والثالث القناعة، والرابع الرضا.

قال ابن عطاء: إن اللّه شهد لنفسه بالفردانية والصمدية والأبدية ثم خلق الخلق

فشغلهم بعبادة هذه الكلمة فلا يطيقون حقيقة عبادتها، لأن شهادته لنفسه حق،

وشهادتهم له بذلك رسم، وأنى يستوي الحق مع الرسم.

قال أبو عبد اللّه القرشي في قوله تعالى: { شهد اللّه أنه لا إله إلا هو } فقال: هو

تعليم منه ولطف وإرشاد بعباده إلى أن تشهدوا له بذلك، ولو لم يعلمهم ذلك ولم

يرشدهم لهلكوا كما هلك إبليس عند المعارضة. قال المزني: دخل أبو منصور مكة

فسئل عن شهادة الذر للحق بالوحدانية وعن التوحيد، فقال: هذا يليق به من حيث

رضى به نعتا وأمرا، ولا يليق به وصفا ولا حقيقة كما رضي بشكرنا لنعمه، وأنى يليق

شكرنا بنعمه. قال: وما دمت تشير فلست بموحد حتى يستولي الحق على إشارتك

بإخفائها عنك فلا تبقى مشيرا، وفي إشارة قوله تعالى: { العزيز الحكيم } قال: العزيز:

الممتنع عن أن تلحقه توحيد موحد، أو صفة التوحيد من حيث التوحيد ما شهد به الحق

لنفسه قبل الأكوان. وقال بعضهم: شهادة اللّه تعالى لنفسه بما شهد به شهادة صدق ولا

تقبل الشهادة إلا من الصادقين، فظهر بهذا أنه لا يصح إلا للصادقين دون غيرهم من

الخلق.

قال الحسين في قوله: { شهد اللّه أنه لا إله إلا هو } شهادته لنفسه أن لا صانع غيره،

آمن بنفسه قبل أن يؤمن به مما وصف من نفسه، فهو المؤمن بغيبه الداعي إلى نفسه،

والملائكة مؤمنون به وبغيبه داعين إليه، والمؤمنون يؤمنون به وبغيبه، داعون إليه بكتبه

ورسله، فمن آمن به فقد آمن بغيبه، وكل ما في القرآن مما يشير إلى غيبه، فإنما يشير

بنفسه إلى غيبه ولا يعلم غيبه إلا هو.

﴿ ١٨