٣١

قوله تعالى: { قل إن كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم اللّه } الآية: ٣١

قال عمرو بن عثمان: محبة اللّه تعالى منى معرفته ودوام خشيته ودوام اشتغال

القلب به ودوام انتصاب القلب بذكره، ودوام الأنس به.

قال محمد بن خفيف: المحبة: الموافقة للّه تعالى في التماس مرضاته.

وقيل المحبة: اتباع الرسول صلى اللّه عليه وسلم في أقواله وأفعاله وآدابه إلا ما خص به،

لأن اللّه

تعالى قرن محبته باتباعه.

وقيل المحبة: هي الأثرة للّه تعالى على جميع خلقه.

قال بعضهم: المحبة هي موافقة القلوب عند بروز لطائف الجمال.

قال أبو يزيد: أحببت اللّه تعالى حتى أبغضت نفسي، وأبغضت الدنيا حتى أحببت

طاعة اللّه تعالى، وتركت ما دون اللّه تعالى حتى وصلت إلى اللّه تعالى، واخترت الخالق

على المخلوق، فاشتغل بخدمتي كل مخلوق.

سئل الأنطاكي ما علامة المحبة؟ فقال: أن يكون قليل العبارة دائم التفكر، كثير

الخلوة، ظاهر الصمت، لا يبصر إذا نظر ولا يسمع إذا نودي، ولا يحزن إذا أصيب ولا

يفرح إذا أصاب ولا يخشى أحدا ولا يرجوه.

سئل يحيى بن معاذ عن حقيقة المحبة فقال: الذي لا يزيد بالبر ولا ينقص

بالجفوة.

قال سهل بن عبد اللّه: محب اللّه تعالى على الحقيقة من يكون اقتداؤه في أحواله

وأفعاله وأقواله بالنبي صلى اللّه عليه وسلم.

قال جعفر رحمه اللّه في قوله تعالى: { قل إن كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم اللّه }

قيد أسرار الصديقين بمتابعة نبيه صلى اللّه عليه وسلم لكي يعلموا أنهم وإن علت أحوالهم وارتفعت مراتبهم لا يقدرون مجاورته ولا اللحوق به.

قال ابن عطاء في هذه الآية: أمر بطلب نور الأدنى من عمى عن نور الأعلى.

قال أبو عبد الرحمن السلمي رحمه اللّه: لا وصول إلى النور الأعلى لمن لا يستدل عليه بالنور الأدنى، ومن لم يجعل السبيل إلى النور الأعلى التمسك بآداب صاحب النور الأدنى ومتابعته صلى اللّه عليه وسلم فقد عمي عن النورين جميعا فألبس ثوب الاغترار.

قال أبو عثمان في قوله تعالى: { قل إن كنتم تحبون اللّه فاتبعوني } قال: صدقوا

محبتكم إياي بمتابعة حبيبي، فإنه لا وصول إلى محبتي إلا بتقديم محبته، واتباعه على

طريقته، فإن طريقته هي الطريقة المثلى والوصلة إلى الحبيب الأعلى.

قال أبو يعقوب السوسي رحمه اللّه: حقيقة المحبة هي أن ينسى العبد حظه من ربه

وينسى حوائجه إليه.

قال الواسطي: لا تصح المحبة وللإعراض على سره أثر وللشواهد في قلبه خطر،

بل صحة المحبة نسيان الكل في استغراق مشاهدة المحبوب وفناه به عنه.

قال ابن منصور: حقيقة المحبة قيامك مع محبوبك وخلع أوصافك والاتصاف

بأوصافه.

قال محمد بن الفضل في قوله تعالى: { قل إن كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم اللّه }:

نفى اسم المحبة عمن يخالف شيئا من سنن الشريعة ظاهرا وباطنا، أو يترك متابعة

الرسول صلى اللّه عليه وسلم فيما دق وجل، لأن المتابع له من لا يخالفه في شيء من

طريقته صلى اللّه عليه وسلم.

سمعت النصرآباذي يقول: محبة توجب حقن الدم، ومحبة توجب سفكه بأسياف

الحب وهو الأجل.

سمعت السلامي يقول في قول اللّه تعالى: { قل إن كنتم تحبون اللّه } قال:

اشتقت المحبة من حبة القلب، وحبة القلب عين القلب، وهو مثل أن تقع الحبة في

الأرض فتنبت.

﴿ ٣١