٩٧

قوله عز وعلا: { فيه آيات بينات } الآية: ٩٧

قال محمد بن الفضل: علامات ظاهرة يستدل بها العارف على معروفه.

قوله عز وعلا: { مقام إبراهيم }.

قال الشبلي: مقام إبراهيم هو الخلة، فمن شاهد فيه مقام إبراهيم الخليل فهو

شريف، ومن شاهد فيه مقام الحق فهو أشرف.

وقال محمد بن علي الترمذي: مقام إبراهيم بذل النفس والمال والولد في رضا

خليله، فمن نظر إلى المقام ولم يتخل مما تخلى منه إبراهيم من النفس والمال والولد

سفره فقد بطل وخابت رحلته.

قوله تعالى: { ومن دخله كان آمنا }.

قال النوري: من دخل قلبه سلطان الاطلاع كان آمنا من هواجس نفسه ووساوس

الشيطان.

قال الواسطي: من دخله على شرط الحقيقة كان آمنا من رعونات نفسه.

قال ابن عطاء: من دخله كان آمنا من عقابه وللّه في الدنيا ثواب وعقاب، فثوابه

العافية وعقابه البلاء، فالعافية أن يتولى عليك أمرك، والعقوبة أن يكلك إلى نفسك.

قال جعفر في قوله: { ومن دخله كان آمنا } قال: من دخل الإيمان قلبه كان آمنا من

الكفر.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه في موضع آخر: من جاور الإيمان قلبه كان آمنا من

رعونات نفسه. سمعت منصورا يقول: سمعت أبا القاسم الإسكندراني يقول بإسناده

عن جعفر الصادق عليه السلام في قوله: { ومن دخله كان آمنا } فقال: من دخله على

الصفة التي دخلها الأنبياء والأولياء والأصفياء كان آمنا من عذابه كما آمنوا.

قوله تعالى: { وللّه على الناس حج البيت } الآية.

قيل: لم يخاطب اللّه عباده في شيء من العبادات بأن للّه عليهم إلا الحج وفيه

فوائد:

إحداها: أنه ليس من العبادات عبادة يشترك فيها المال والنفس إلا الحج فأخرجه بهذا

الاسم.

وقيل: هي عبادة يكثر فيها التعب والنصب على مباشرتها فأخرجه بهذا الاسم ليكون

عونا له على ما تباشره لعلمه أنه يؤدي ما للّه عليه في ذلك.

وقيل: لما كان فيه الإشارات القيمة من تجريد ووقوف وغيرة قال اللّه تعالى: عليك

لتهيئ باطنك للموقف الأكبر كما هيأت ظاهرك لهذا الموقف.

وفي الحج إشارات قيل: إن رجلا جاء إلى الشبلي فقال له: إلى أين؟ قال: إلى

الحج، قال: هات غرارتين فاملأهما رحمة واكبسهما وجئ بهما لتكون حظنا من الحج

نعرضها على من حضر ونحيي بها من زار، قال: فخرجت من عنده فلما رجعت قال

لي: أحججت؟ قلت: نعم، قال لي: أي شيء عملت؟ قلت: اغتسلت وأحرمت

وصليت ركعتين ولبيت، فقال لي: عقدت به الحج؟ قلت: نعم: قال أفسخت بعقدك

كل عقد عقدت منذ خلقت مما يضاد هذا العقد، قلت: لا، قال: فما عقدت، قال: ثم

نزعت ثيابك؟ قلت: نعم، قال: تجردت عن كل فعل فعلته؟ قلت: لا، قال: ما نزعت

قال: ثم تطهرت؟ قلت: نعم. قال: أزلت عنك كل علة بطهرك؟ قلت: لا. قال: ما

تطهرت قال: ثم لبيت؟ قلت: نعم. قال: وجدت جواب التلبية مثلا بمثل؟ قلت: لا.

قال: ما لبيت. قال: ثم دخلت الحرم؟ قلت: نعم، قال: عقدت بدخولك ترك كل

محرم؟ قلت: لا، قال: ما دخلت الحرم. قال: أشرفت على مكة؟ قلت: نعم، قال:

أشرف عليك من اللّه حال بإشرافك؟ قلت: لا، قال: ما أشرفت على مكة. قال:

دخلت المسجد الحرام؟ قلت: نعم، قال: دخلت في قربه من حيث علمته؟ قلت: لا،

قال: ما دخلت المسجد. قال: رأيت الكعبة؟ قلت: نعم، قال: رأيت ما قصدت له؟

قلت: لا. قال: ما رأيت الكعبة. قال: رملت ثلاثا ومشيت أربعا؟ قلت: نعم. قال:

هربت من الدينا هربا علمت أنك به فاصلتها، وانقطعت عنها ووجدت بمشيك الأربع

أمنا مما هربت منه فازددت للّه شكرا لذاك؟ قلت: لا. قال: فما انقطعت. قال:

أصافحت الحجر؟ قلت: نعم، قال: ويلك قيل من صافح الحجر فقد صافح الحق

ومن صافحه فهو في محل الأمن، أظهر عليك أثر الأمن؟ قلت: لا. قال: ما صافحت

الحجر. قال: أصليت ركعتين بعدها؟ قلت: نعم، قال: وقفت الوقفة بين يدي اللّه جل

وعز، ووقفت على مكانك من ذلك وأديت قصدك؟ قلت: لا. قال: ما صليت. قال

خرجت إلى الصفا ووقفت بها؟ قلت: نعم. قال: أي شيء عملت؟ قلت: كبرت

عليها. قال: هل صفا سرك بصعودك على الصفا، وصغر في عينيك الأكوان بتكبيرك

ربك؟ قلت: لا. قال: ما صعدت ولا كبرت. قال: هرولت في سعيك؟ قلت نعم.

قال: هربت منه إليه؟ قلت: لا، قال: ما هرولت ولا سعيت. قال: وقفت على المروة؟

قلت: نعم. قال: رأيت نزول السكينة عليك وأنت على المروة؟ قلت: لا. قال: لم

تقف على المروة. قال: خرجت إلى منى؟ قلت: نعم. قال: أعطيت ما تمنيت؟ قلت:

لا. قال: ما خرجت إلى منى. قال: دخلت مسجد الخيف؟ قلت: نعم. قال: هل

تجدد عليك خوف بدخولك مسجد الخيف؟ قلت: لا قال: ما دخلته. قال مضيت إلى

عرفات؟ قلت: نعم. قال: عرفت الحال التي خلقت لها والحال التي تصير إليها؟ وهل

عرفت من ربك ما كنت منكرا له؟ وهل تعرف الحق إليك بشيء مما تعرف به إلى

خواصه؟ قلت: لا. قال ما مضيت إلى عرفات. قال أنفدت إلى المشعر؟ قلت: نعم.

قال: ذكرت اللّه فيه ذكرا أنساك فيه ذكر من سواه؟ وهل شعرت بماذا أجبت وبماذا

خوطبت؟ قلت: لا. قال: ما نفدت إلى المشعر. قال: ذبحت؟ قلت: نعم. قال:

أفنيت شهواتك وإرادتك في رضا الحق؟ قلت: لا. قال: ما ذبحت. قال: رميت؟

قلت: رميت جهلك منك بزيادة علم طهر علمك. قلت: لا. قال: ما رميت. قال:

زرت؟ قلت: نعم. قال: كوشفت شيئا من الحقائق، أو رأيت زيادة الكرامات عليك

للزيارة، فإن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: ' الحاج والعمار زوار اللّه حق على المزور أن

يكرم

زائره '. قلت: لا. قال: ما زرت قال: أحللت؟ قلت: نعم. قال: عزمت على أكل

الحلال؟ قلت: لا. قال: ما أحللت. قال: ودعت؟ قلت: نعم. قال: خرجت من

نفسك وروحك بالكلية؟ قلت: لا. قال: ما ودعت ولا حججت وعليك العود إن

أحببت وإذا حججت فاجتهد أن تكون كما وصفت لك.

ولما دخلت على الشيخ الحصري - قدس اللّه روحه - ببغداد قال لي: أحاج أنت؟

قلت: أنا مع القوم. قال لي: أليس فرائض الحج أربعة: الإحرام والدخول فيه بلفظ

التلبية؟ قلت: نعم. قال: والتلبية إجابة. قلت: نعم. قال: والإجابة من غير دعوة

سوء الأدب. قلت: نعم. قال: فتحققت الدعوة حتى تجيب ثم الوقوف. قلت: نعم.

قال: فاجتهد فيه فإنه محل المباهاة وانظر كيف تكون، والطواف وهو محل القربة من

الحق، فيكون قربك منه بحسن الأدب ثم السعي وهو محل الفرار إليه من التبري مما

سواه، فإياك أن تتعلق بعد سعيك بعلاقة من الدارين وما فيهما.

سمعت محمد بن الحسن البغدادي يقول: سمعت محمد بن أحمد بن سهل يقول:

سمعت سعيد بن عثمان يقول: سمعت عبد الباري يقول: سئل ذو النون لم صير

الموقف بالمشعر الحرام ولم يصير بالحرم؟ فقال ذو النون: لأن الكعبة بيت اللّه والحرم

حجابه والمشعر بابه، فلما أن قصدها الوافدون وقفهم بالباب. الأول: يتضرعون إليه

حتى أذن لهم بالدخول ووقفهم بالحجاب.

الثاني: وهو المزدلفة فلما أن نظر إلى تضرعهم أمرهم بتقريب قربانهم، فلما قربوا

قربانهم وقضوا تفثهم طهروا من الذنوب التي كانت لهم حجابا من دونه، فأذن لهم

بالزيادة على الطهارة.

قال فارس: الإحرام هو الاعتقاد، والاعتقاد اعتقادان: اعتقاد قصد وإرادة واعتقاد

استشعار في الحال.

وقال بعضهم: لما أجابوا التلبية أدخلوا الحرم مقامه مقام الدهليز، ثم دخلوا الحرم

باعتقاد ترك كل محرم، ثم أشرفوا على الكعبة فأشرفت عليهم حال من الحق بإشرافهم

على الحق، ثم دخلوا المسجد الحرام فشهدوا عند ذلك قربة فطافوا ولاذوا وحنوا

وهرولوا، وكانوا في ذلك هداهم من الدنيا، والحجر شاهد لهم بوفاء عهودهم،

وخرجوا إلى الصفا فصفوا عن كل كدورة من آفاق الدنيا والنفس، ولما وصلوا إلى منى

وقع بهم التمني لما يأتلون فأعطوا ما تمنوا.

﴿ ٩٧