١٠٢قوله تعالى: { اتقوا اللّه حق تقاته } الآية: ١٠٢ تلف النفس في مواجبه. قال القاسم: بذل المجهود واستعمال الطاعة وترك الرجوع إلى الراحة، ولا سبيل إليه لأن أوائل طرق الوصول التلف. قال الواسطي رحمة اللّه عليه: هو إتلاف النفس في مواجبه. قال ابن عطاء: حق تقاته: هو صدق قول لا إله إلا اللّه وليس في قلبك سواه. وقال بعضهم: أراد به أن يعرفنا مواضع فضله فيما رفهنا فيه من استعمال مواجبه، لأن واجب الحق لا يتناهى والعمل به لا يتناهى. سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت ابن عطاء يقول: حقيقة التقوى كل التقوى من إذا قال قال للّه، وإذا عمل عمل للّه، وإذا نوى نوى للّه، ويكون باللّه وللّه، وقيل أيضا إنه التورع عن جميع الشبهات. قال النصرآباذي: حق تقاته أن يتقي كل ما سواه. قال جعفر: التقوى: أن لا ترى في قلبك شيئا سواه. قال الواسطي رحمة اللّه عليه: الأكوان كلها أقدار في ميدان الحق، وميدان الحق لا يطأه إلا من اتقى ما سواه؛ قال اللّه تعالى: { اتقوا اللّه حق تقاته }. قال بعضهم: ما اتقى اللّه حق تقاته من سكن إلى شيء سواه. قوله تعالى: { ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون اللّه }. قال الواسطي رحمه اللّه: صفى النبي أصحابه وخاصهم فاختار منهم سبعين رجلا الذين بايعوا ليلة العقبة ثم صفاهم ثانيا فاختار منهم عشرة، فقال: هؤلاء في الجنة، ومدح كل واحد منهم بمدحة وحلاه بحلية ثم صفاهم فاختار منهم أربعة جعلهم خلفاء من بعده ثم صفى واختار اثنين، وقال: ' اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر - رضي اللّه عنهما - ' ثم صفى فاختار واحدا، فقال: ' لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح بهم '. ثم نقاه من الأصل فقال: ' لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا '. وأصل هذا كله. انقطاع الرؤية عن المكتوبات لقوله: ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون اللّه. قوله عز وعلا: { واعتصموا بحبل اللّه جميعا ولا تفرقوا } الآية: ١٠٢ قال أبو يزيد: ما لم تفقد نفسك ولا تعتصم بخالقك لا يستجاب لك ومتى كنت وسط الأمور والمخلوق لا يهتدي إلى الخالق، فإذا طرحت عنك كنت معتصما به. وقيل: الاعتصام إليه هو ميل القلب بالوفاء وأداء الفرائض بغير تقصير. قال ابن عطاء: حبل اللّه متصل بعبده يتوقع منه المزيد والفوائد في كل وقت، وحبله عهده وكتابه فمن اعتصم به وصل. سئل الجنيد رحمة اللّه عليه عن قوله: { واعتصموا بحبل اللّه } معناه قالت المتصوفة: هو خصوص وعموم أما قوله: { واعتصموا بحبل اللّه } معناه: اعتصموا باللّه عن الاعتصام بحبل اللّه. وقال أبو عثمان: الاعتصام باللّه والامتناع به من الغفلة والكفر والشرك والمعاصي والبدع والضلالات وسائر المخالفات. وقيل: اعتصموا بحبل اللّه: اجتمعوا على موافقة الرسول صلى اللّه عليه وسلم فإنه الحبل الأوثق، ولا تفرقوا عنه ظاهرا وباطنا وسرا وعلانية. قال الواسطي رحمة اللّه عليه: اعتصموا بحبل اللّه ومن يعتصم باللّه فقد هدى خطاب الخاص وخطاب العام: { قل بفضل اللّه وبرحمته فبذلك فليفرحوا }. قوله عز وجل: { إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم }. قيل: كنتم أعداء بملازمة حظوظ أنفسكم فألف بين قلوبكم فأزال عنكم حظوظ الأنفس وردكم منها إلى حظ الحق فيكم. وقال بعضهم: خص اللّه الأنبياء والأولياء والمؤمنين بخاصيته فأزال { إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم } بعلمه. قال: عطاياه لا تحمل إلا خطاياه فألف بين قلوب المرسلين بالرسالة، وقلوب الأنبياء بالنبوة، وقلوب الصادقين بالولاية، وقلوب الشهداء بالمشاهدة، وقلوب الصالحين بالخدمة، وقلوب عامة الخلق بالهداية، فجعل المرسلين رحمة على الأنبياء، والأنبياء رحمة على الصديقين، والصديقين رحمة على الشهداء، والشهداء رحمة على الصالحين، والصالحين رحمة على عباده المؤمنين، والمؤمنين رحمة على الكافرين. قوله تعالى: { فأصبحتم بنعمته إخوانا }. قال ابن عطاء في هذه الآية: فأثر فيكم عنايته وحسن نظره، فألف بين قلوبكم وأرواحكم، وجعل الحظين فيها حظا واحدا. قوله عز وعلا: { وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها }. قيل: برؤية النجاة بأعمالكم فأنقذكم منها برؤية الفضل. |
﴿ ١٠٢ ﴾