سورة النساءبسم اللّه الرحمن الرحيم وبه توفيقي ١{ يا أيها الناس اتقوا ربكم } الآية: ١ قال بعضهم: { يا أيها الناس } يا بني النسيان والجهل. قال الواسطي رحمه اللّه: يا بني الأعمار والأعمال والآمال، لا تذهبون فيما سبق ولا تغيبون عما أنتم فيه. وقال ابن عطاء رحمه اللّه: { يا أيها الناس } كونوا مع الناس الذين آنسوا باللّه واستوحشوا ممن سواه. وقال جعفر الصادق رحمه اللّه: { يا أيها الناس } كونوا من الناس الذين هم الناس، ولا تغفلوا عن اللّه فمن عرف أنه من الناس الذين خص خلقه ما خص به، كبرت همته عن طلب المنازل، وسمت به الرفعة حتى يكون الحق عز وجل نهايته كما قال تعالى: { وأن إلى ربك المنتهى } وسمو همته فيما خص به من الإختصاص من التعريف والإلهام. وقال بعضهم: { يا أيها الناس } خطاب العام، و ' يا عبادي ' خطاب الخاص، وخطاب خاص الخاص { يا أيها النبي }، و { يا أيها الرسول }. قوله تعالى: { اتقوا ربكم }. روى الليث عن مجاهد عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه أن رجلا جاء إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال له: أوصني قال: ' اتق اللّه فإنه جماع كل خير '. وقال بعضهم: أصل التقوى أنه وصفك وقابلك بما يليق بك. قال سمعت النصر آباذي رحمه اللّه يقول: التقوى نيل الحق، قال اللّه عز وجل: { لن ينال اللّه لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم }. قال بعضهم: التقوى ترك المخالفات أجمع. وقال سهل رحمه اللّه: من أراد التقوى فليترك الذنوب كلها وكل شيء يقع فيه خلل فيدخل عليه التقوى شاء أم أبى. وقال أيضا: التقوى ترك النهى والفواحش. وقال بعضهم رحمه اللّه: التقوى الاقتداء بالنبي صلى اللّه عليه وسلم. وقال بعضهم: التقوى في الأمر ترك التسويف والتقوى في النهى ترك الفكرة والقيام عليه. والتقوى أداب مكارم الأخلاق، والتقوى في الترغيب أن لا يظهر ما في سرك، والتقوى في الترهيب أن لا يقف على الجهل. وقال بعضهم رحمه اللّه: التقوى من اللّه الاجتناب من كل شيء سوى اللّه. وقال الجريري رحمه اللّه: من لم يحكم فيما بينه وبين اللّه تعالى بالتقوى والمراقبة لا يصل إلى الكشف والمشاهدة. قال الواسطي رحمه اللّه: التقوى على أربعة أوجه: للعامة تقوى الشرك، وللخاص تقوى المعاصي، وللخاص من الأولياء تقوى التوسل بالأفعال، وللأنبياء تقواهم منه إليه. وقال أبو يزيد رحمه اللّه: كل التقوى من إذا قال للّه ولم يقل لغيره، وإذا نوى نوى للّه ولم يتب لغيره، هكذا في جمعي ما يبدو منه. قوله تعالى: { الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها } الآية. قيل: من أوجد النفس الأولى إلا القدرة الجارية والمشيئة النافذة. وقال عمرو بن عثمان: إن اللّه عز وجل خلق العالم فهيأه باتساقه نظما وذكرا من أطرافه وأكنافه وأوله وآخره وبدؤه ومنتهاه من أسفله إلى أعلاه، وجعله بحيث لا خلل فيه ولا تفاوت ولا فطور، أحكم بناءه باتصال التدبير وحبسه عن حد تقديره وإن اختلفت أجزاؤه في التفرقة والأجسام والهيئات والتخطيط والتصوير، وفرقه بتفرقة الأماكن وحققه بائتلاف المصالح، فهو مربوط بحدود تقديره وشائع بأفضال تدبيره وبث فيه الأجناس بينهما من شواهد الزينة، فأظهر القدرة بإيجاد آدم عليه السلام ثم بث أولاده في البسط إلى تصاريف التدبير لهم والمشيئة. قال اللّه تعالى: { هو الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها }. قال الواسطي رحمه اللّه في قوله تعالى: { خلقكم من نفس واحدة } قال: خلقهم بعلم سابق ودبرهم بالتركيب وألبسهم شواهد النعت، حتى عرفهم فكانت أنفاسهم مدخرة عنده، حتى أبداها، فما أبداها هو ما أخفاها، وما أخفاها هو ما أبداها. ٥قوله تعالى: { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم } الآية: ٥ قيل: أولادكم الذين يمنعونكم عن الصدقة. قال سهل رحمه اللّه: أسفه السفهاء نفسك فإن زخرفتها بالعلم والخوف والورع، وإلا حجزتك عن طريق نجاتك من الخروج عن الدنيا والآخرة، قال اللّه تعالى: { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل اللّه لكم قياما } أي: جعلها لكم إن قطعتم في سبيلي وأورثتكم المحن إن تركتم قوله تعالى: { فإن آنستم منهم رشدا } قيل: يعني أبصرتم منهم إصابة الحق. وقيل: القيام في العبادات على شرط السنة. وقيل: سخاء النفس، وقيل: صحبة الأكابر والميل إليهم. وقال أبو عثمان رحمه اللّه: صحبة أهل الصلاح. قال رويم: الرشيد: الرجوع إلى التفويض وترك التدبير. وقال ابن عطاء رحمه اللّه: الرشيد من يفرق بين الإلهام والوسوسة. قوله تعالى: { وكفى باللّه شهيدا }. قال: هو الشاهد عليك، الشهيد على خواطرك وأنفاسك فاتقه فيها. وقال الواسطي رحمه اللّه: لا تشهد أفعالك ولا أحوالك وكفى باللّه شهيدا عليها وهو شاهد لها. قوله عز وجل: { إن اللّه كان عليكم رقيبا }. قيل: هو المراقب بسرك والناظر إليك، فاجتهد أن لا ينظر إليك فيراك مشتغلا بغيره فيقطعك ويمحقك. وقال ابن عطاء رحمه اللّه: في قوله تعالى: { إن اللّه كان عليكم رقيبا } قال: عالما بما تغمره في سرك وما تخفيه من خواطرك، فراقب من هو الرقيب عليك. الآية: ٨ قال محمد بن الفضل رحمه اللّه: دلت هذه الآية على كرم اللّه عز وجل مع عباده، لأنه أمر إذا حضر من لا نصيب له في الميراث أن يرزقوهم منه، ولهذا إنه إذا حضر عباده يوم القيامة في المشهد العظيم إنه يتفضل بعطائه على من لم يكن له مستحقا لعطائه، لمخالفاته باتصال رحمته إليه، بفضله وسعة رحمته وبلوغه إلى منازل أولى الأعمال، لأنه قال عز وجل: { قل بفضل اللّه وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون }. يعني هو خير من أفعالكم وطاعاتكم التي اعتمدتم عليها، فاعتمدوا على فضلى وسعة رحمتي. ٩قوله عز وجل: { وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا } الآية: ٩ قيل: استعينوا على كثرة العيال وقلة ذات اليد بالتقوى، فإنه الذي يجبر الكسر ويغني الفقير. وقال جعفر بن محمد الصادق رحمه اللّه: الصدق والتقوى يزيدان في الرزق ويوسعان المعيشة. قال اللّه عز وجل: { فليتقوا اللّه وليقولوا قولا سديدا }. ١١قوله عز وجل: { آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من اللّه } الآية: ١١ آباؤكم ببرهم وأبناؤكم بالشفقة عليهم والتأديب لهم هما محل النفع. قوله عز وجل { تلك حدود اللّه }. قال محمد بن الفضل رحمه اللّه: حدود اللّه أوامره ونواهيه، فمن تخطاها فقد ضل عن سبيل الرشد. وقيل { تلك حدود اللّه } أي: الإظهار من الأحوال للمريدين على حسب طاقتهم لها فإن التعدي فيها يهلكهم. قال أبو عثمان رحمه اللّه: ما هلك المرء إذا لزم حده ولم يتعد طوره. وقال بعض البغداديين رحمه اللّه: العبد يتقلب في جميع الأوقات على الحدود، لكل وقت ولكل حال حد، ولكل عمل حد، فمن تخطا الحدود فدخل في هتك الحرمات قال اللّه عز وجل: { تلك حدود اللّه فلا تقربوها } لأن المرتع إلى جانب الحمى ربما يخالط الحمى. ١٧قوله أيضا: { إنما التوبة على اللّه للذين يعملون السوء بجهالة } الآية: ١٧ قال: للذين يتقربون بالطاعات إلى من لا يتقرب إليه. الآية. وقال محمد بن الفضل رحمه اللّه: ضمن اللّه عز وجل التوبة لمن يبدر منه الذنب من غير قصد، لا لمن يضمره ويتأسف على فوته، قال اللّه تعالى: { إنما التوبة على اللّه للذين يعملون السوء بجهالة }. ١٩قوله عز وجل: { وعاشروهن بالمعروف } الآية: ١٩ قيل: علموهن السنن والفرائض. وقال عبد اللّه بن المبارك: العشرة الصحيحة ما لا تورثك الندم عاجلا وآجلا. وقال أبو جعفر رحمه اللّه: المعاشرة بالمعروف حسن الخلق مع العيال فيما سأل وكرهت صحبتها. قوله عز وجل: { فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل اللّه فيه خيرا كثيرا }. قيل: غيب عنك العواقب لئلا تستكن إلى مألوف ولا تفر من مكروه. وقال أبو: عثمان رحمه اللّه: السكون إلى كراهية النفس جعل اللّه فيه خير الدارين. قال اللّه تعالى { ويجعل اللّه فيه خيرا كثيرا } والخير الكثير هو ما يتصل بالعقبى، لأنه لا كثير في الدنيا، { وأن تصبروا خير لكم }. قال: وسمعت سعيد بن أحمد يقول: سمعت جعفرا الخلدي يقول: سمعت الجنيد رحمه اللّه يقول: الصبر مفتاح كل خير. قال: وسمعت محمد بن الحسين البغدادي يقول: سمعت محمد بن أحمد بن سهل يقول: سمعت سعيد بن عثمان يقول: سمعت ذا النون يقول: أفضل الصبر الصبر عن المخالفات. وسئل الجنيد رحمه اللّه عن الصبر فقال: حمل الضرر للّه حتى تنقضي أوقاته. وقال أيضا: لا يتم تحملك الصبر إلا مع الاستقبال بما يخامر البلايا بالصبر. ٢٦قوله عز وجل: { يريد اللّه ليبين لكم } الآية: ٢٦ فتبينوا ولا تكونوا عميا عما بين لكم. وقال بعضهم رحمه اللّه: لا يتبين بيان اللّه عز وجل إلا المكاشفون من حقائق الحق. وقال بعضهم رحمه اللّه: يريد اللّه ليبين لكم أنه ليس إليكم من أموركم شيء. قوله عز وجل: { ويهديكم سنن الذين من قبلكم }. قيل: سنن الأنبياء والصديقين، وسننهم من التفويض والتسليم والرضا بالمقدور ساء أم سر. ٢٧قوله عز وجل: { واللّه يريد أن يتوب عليكم } الآية: ٢٧ قال النصرآباذي رحمه اللّه: ما تبت حتى أراد اللّه بك التوبة، ولولا إرادته لك التوبة كنت عن التوبة بمعزل. وقال أيضا: أراد لك التوبة فتاب عليك ولو أردتها لنفسك لعلك كنت تحرم. ٢٨قوله تعالى: { يريد اللّه أن يخفف عنكم } الآية: ٢٨ قيل: يعني يقال العبودية لعلمه بضعفكم وجهلكم. وقيل: يريد اللّه أن يخفف عنكم ما حملتموه بجهلكم من عظيم الأمانة. قوله عز وجل: { وخلق الإنسان ضعيفا }. قيل: ضعيف الرأي ضعيف العقل إلا من أمره اللّه بنور اليقين، فقوته باليقين لا بنفسه. ٢٩قوله عز وجل: { ولا تقتلوا أنفسكم } الآية: ٢٩ بارتكاب المخالفات واستكبار الطاعات. وقال سهل رحمه اللّه: ولا تقتلوا أنفسكم بالمعاصي والذنوب والإصرار وترك التوبة والرجوع إلى الإستقامة. وقال محمد بن الفضل رحمه اللّه: لا تقتلوا أنفسكم باتباع هواها. وقال بعضهم رحمه اللّه: بالحرص على الدنيا. وقال بعضهم رحمه اللّه: ولا تقتلوا أنفسكم بالرضا عنها. ٣١قوله عز وجل: { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه } الآية: ٣١ قال أبو تراب اليخشبي رحمه اللّه: أمر اللّه عز وجل باجتناب الكبائر، وهي الدعاوى الفاسدة والإشارات الباطلة وإطلاق الألفاظ من غير حقيقة. ٣٢قوله عز وجل: { ولا تتمنوا ما فضل اللّه به بعضكم على بعض } الآية: ٣٢ وروى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: ' ليس الإيمان بالتمني '. وقال بعضهم رحمه اللّه: لا تتمنوا منازل السادات والأكابر أن تبلغوها، ولم تهذبوا أنفسكم في ابتداء إرادتكم برياضات السنن والأسرار بالتطهير على الهمم الفاسدة ولا قلوبكم عن الاشتغال بالفانية، فإن اللّه عز وجل قد فصل هذه الأحوال أولئك، فلا ترتقوا إلى الدرجات العلى وقد ضيعتم الحقوق الأدنى. وقال أبو العباس بن عطاء رحمه اللّه: لا تتمنوا فإنكم لا تدرون ما تحت تمنيكم، فإن تحت أنوار نعمه نيران محنته، وتحت أنوار محنته أنوار نعمه. وقال الواسطي رحمه اللّه في هذه الآية: من تمنى ما قدر له فقد أساء الظن بالحق عز وجل، وإن تمنى ما لم يقدر له أساء التمني على اللّه عز وجل بأنه ينقص قسمته من أجل تمني عبده. وقال ابن عطاء رحمه اللّه في قوله عز وجل: { واسألوا اللّه من فضله } فإن عنده أبواب كرامته. قوله عز وجل: { فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا } في طلب المحبة وخلوص القلب منهن لكم، فإنهن غير مالكات لقلوبهن والقلوب بيد اللّه عز وجل، وقد قال المصطفى صلى اللّه عليه وسلم: ' اللّهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك '. ٣٤قوله عز وجل: { فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ اللّه } الآية: ٣٤ وقال بعضهم رحمه اللّه: بحفظ اللّه لهن صرن حافظات للغيب، ولو وكلهن إلى أنفسهن لهتكن ستورهن. ٣٦قوله عز وجل: { واعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئا } الآية: ٣٦ قال أبو عثمان رحمه اللّه: حقيقة العبودية قطع العلائق والشركاء عن الشرك. وقال الجنيد رحمه اللّه: إذا أحزنك أمر فأول خاطر تستغيث به فهو معبودك. وقال الواسطي رحمه اللّه: الشرك رؤية التقصير والعثرة من نفسه والملامة عليها. يقال لها: لزمت الملامة من تولى إقامتها ومن قضى عليها العثرة. وقال ابن عطاء رحمه اللّه: الشرك أن تطالع غيره أو ترى من سواه ضرا ونفعا. وقال بعضهم رحمه اللّه: العبادة أصلها ستة: التعظيم والحياء والخوف والبكاء والمحبة، والهيبة، من لم يتم له هذه المقامات لم تتم له العبودية. وقال الطيب البصري رحمه اللّه: من لم يدرج وفاء العبودية في عز الربوبية، لم تصف له العبودية. وقال بعضهم رحمه اللّه: العبودية خلع الربوبية وهي جوهرة تظهر الربوبية من غير علة. وقال يحيى بن معاذ رحمه اللّه: دللّهم ثم ذللّهم ليعرفوا بالدل فاقة العبودية، وبالذل عز الربوبية. وقال ابن عطاء رحمه اللّه: العبودية ترك الاختيار وملازمة الذل والافتقار. وقال أيضا: العبودية ترك الاختيار وهي جامعة لأربع خصال: الوفاء بالعهود والحفظ للحدود والرضا بالموجود والصبر عن المفقود. وقال الجنيد رحمه اللّه: العبودية ترك المشيئة ومن خرج من قال بالعبودية صنع به ما يصنع بالآبق. وقال بعضهم رحمه اللّه: العبودية بناؤها على ستة خصال: التعظيم وعنده الإخلاص، والحياء وعنده اضطراب القلوب، والمحبة وعندها الشوق، والخوف وعنده ترك الذنوب، والرجاء وعنده متابعة الرسول صلى اللّه عليه وسلم، والتخلق بأخلاقه، والهيبة وعنده ترك الاختيار. قوله عز وجل: { والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب }. قال سهل رحمه اللّه: الجار ذي القربى هو القلب، والجار الجنب هي النفس، والصاحب بالجنب وهو العقل الذي ظهر على اقتداء السنة والشرع، وابن السبيل الجوارح المطيعة للّه عز وجل. ٣٧قوله عز وجل: { الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل } الآية: ٣٧ قال الذين يمنون بالعطاء ويطلبون من الناس الثناء عليه. قوله عز وجل: { ويكتمون ما آتاهم اللّه من فضله }. قال ابن عطاء رحمه اللّه: من البراهين الصادقة. وقال بعضهم: لا يشكرون نعمة العافية عليهم. ٤١قوله عز وجل: { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد } الآية: ٤١ جئنا من كل أمة بولي وصديق، وجئنا بك مصدقا لولايتهم أو مكذبا لها. قال اللّه عز وجل: { لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا }. ٤٣قوله عز وجل: { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } الآية: ٤٣ قال بعضهم: السكر على أنواع: منها سكر الخمر وهو أسرعها إفاقة، وسكر الغفلة وسكر الهوى وسكر الدنيا وسكر المال وسكر الأهل والولد وسكر المعاصي وسكر الطاعات، وكل هذا وما أشبهها يمنع صاحبه عن تمام الصلاة والقيام إليها بالقعود عن كل ما سواها. قال الواسطي رحمه اللّه في هذه الآية: لا تقربوا يعني لا تتقربوا إلى مواصلتي، إلا وأنت منفصل عن جميع الأكوان وما فيها. ٤٨قوله عز وجل: { إن اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } الآية: ٤٨ قال: أن يطالع سره شيئا سوى اللّه عز وجل. وقيل: إن رؤية العمل ورؤية النفس وطلب الثواب على العمل وطلب المدح عليه، كلها من أنواع الشرك التي أخبر اللّه تعالى أنه لا يغفره. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حاكيا عن ربه عز وجل: ' من عمل عملا أشرك فيه غيري، فأنا منه بريء وهو للذي أشرك '. وقال محمد بن علي رحمه اللّه: هذا الذي أخبر اللّه عز وجل أنه لا يغفره، وهو أن يتواضع العبد لغيره في طلب الدنيا وهو المالك له دون الغير. ٤٩قوله عز وجل: { ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم } الآية: ٤٩ قال بعضهم: ليست الأنفس محل التزكية، فمن استحسن من نفسه شيئا فقد اسقط عن باطنه أنوار اليقين. ٥١قوله عز وجل: { ألم تر إلى الذين أوتوا تصيبا من الكتاب } الآية: ٥١ قال سهل بن عبد اللّه: لا ينظر إليهم. قال ابن عطاء رحمه اللّه: أعطوا الكتاب حجة عليهم لا كرامة لهم. وقال بعضهم رحمه اللّه: أوتوا نصيبا من الكتاب لا الكتاب، ونصيبهم منه كفرهم وإيمانهم بالجبت والطاغوت. قوله عز وجل: { بالجبت والطاغوت }. قال سهل رحمه اللّه: الطواغيت نفسك الامارة بالسوء، إذا خلى العبد معها عن العصمة. وقال بعضهم رحمه اللّه: الجبت مرادك، والطاغوت هيكلك. ٥٤قوله عز وجل: { أم يحسدون الناس على ما آتاهم اللّه من فضله } الآية: ٥٤ من الكرامات والولايات والمشاهدات ويكذبون صاحبها ولا يعظمونه، كذلك كانت الأولياء والصديقون قبل ذلك، فمن بين مكذب ومصدق قال اللّه عز وجل { فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه }. قوله عز وجل: { وآتيناهم ملكا عظيما }. قال: إشرافا على الأسرار. وقيل: فراسة صادقة، فمنهم من آمن به أي صدقهم بذلك، ومنهم من صد عنه اتهمهم في ذلك. ٥٦قوله عز وجل: { إن الذين كفروا بآياتنا } الآية: ٥٦ قال بعضهم رحمه اللّه: بإظهار البيان على الخواص. ٥٨قوله عز وجل: { إن اللّه يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } الآية: ٥٨ قال الجريري رحمه اللّه: أفضل الأمانات الأسرار فلا تظهرها ولا تكشفها إلا لأهلها، لأنهم أهل الأمانات العظماء. وقال سهل رحمه اللّه: عندك أمانة في سمعك وبصرك وعلى لسانك وعلى فرجك وظاهرك وباطنك. عرض اللّه عليك الأمانة فحملتها وجعلك محلا لها، فإن لم تحفظها خنت نفسك واللّه لا يحب الخائنين. وقيل الأمانة هي: أسرار اللّه عز وجل وأهل الأمانة هم العارفون باللّه والعالمون بأسراره، وهم الناظرون إلى القلوب بأنوار الغيوب، فيحكمون عليها ويحقق اللّه تعالى أحكامهم وهو الذي قال: { فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما }. ٥٩قوله عز وجل: { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } الآية: ٥٩ قال محمد بن علي رحمه اللّه: أطع اللّه عز وجل فإن تم لك ذلك وإلا فاستعن بطاعة الرسول صلى اللّه عليه وسلم على طاعة اللّه عز وجل، فإن وصلت إلى ذلك فاستعن بطاعة الأئمة والمشايخ على طاعة اللّه وطاعة رسوله صلى اللّه عليه وسلم، ولا تسقط عن هذه الدرجة فتهلك. وقال الجنيد رحمه اللّه في هذه الآية: قال: العبد مبتلى بالأمر والنهي، وللّه تعالى في قلبه أسرار تخطر دائما، فكلما خطر خطرة عرضه على الكتاب وهو طاعة اللّه تعالى، فإن وجد له شفاء وإلا عرضه على السنة وهو طاعة الرسول صلى اللّه عليه وسلم فإن وجد له شفاء وإلا عرضه على سنن السلف الصالحين وهو طاعة أولي الأمر. وقال جعفر بن محمد الصادق رحمه اللّه: لا بد للعبد المؤمن من ثلاث سنن: سنة اللّه عز وجل، وسنة الأنبياء صلوات اللّه عليهم أجمعين، وسنة الأولياء. فسنة اللّه تعالى كتمان السر. قال اللّه عز وجل: { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول }. وسنة الرسول صلى اللّه عليه وسلم مداراة الخلق، وسنة الأولياء الوفاء بالعهد والصبر في البأساء والضراء. قال: سمعت عبد اللّه بن محمد الدمشقي يقول: سمعت إبراهيم بن المولد يقول: سمعت أبا سعيد الخراز يقول: العبودية ثلاثة: الوفاء للّه عز وجل على الحقيقة ومتابعة الرسول صلى اللّه عليه وسلم في الشريعة والأمر لجميع الأمة بالنصيحة. قوله عز وجل: { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى اللّه والرسول }. قيل: إذا أشكل عليكم شيء من أحوال الكبار والسادة واختلفتم فيه، فاعرضوا ذلك على أحوال الرسول صلى اللّه عليه وسلم فردوه إليه، فإن لم يبين ذلك لكم، فردوه إلى الكتاب المنزل من رب العالمين. ٦٠قوله عز وجل: { يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت } الآية: ٦٠ قال أبو عثمان رحمه اللّه: يعني إلى إرادتهم وأهوائهم وأمثالهم وأشكالهم. قال اللّه عز وجل: { وقد أمروا أن يكفروا به } أن يخالفوه. وقال بعضهم رحمه اللّه: أعظم طاعة لك نفسك فلا تركن إليها في شيء من أوامرها وإن أمرتك بالطاعة فإنها تخفى عنك شرها وتبدي لك خيرها. ٦٢قوله عز وجل: { فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم } الآية: ٦٢ قيل: أعظم المصائب اشتغالك عن اللّه عز وجل، وأعظم الغنائم اشتغالك باللّه تعالى. وقيل: المصائب كثيرة وأجل المصائب ذهاب وقتك عنك بلا فائدة. وقال أبو الحسين الوراق رحمه اللّه: أعظم المصائب سقوط الحرمة من قلبك ونزع الحياء من وجهك ونقل السنن عن جوارحك. ٦٣قوله عز وجل: { أولئك الذين يعلم اللّه ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم } الآية: ٦٣ قال الواسطي رحمه اللّه: أعرض عن الجهال وعظ الأوساط وأخبر بعيوب الأشراف وخاطب كلا على قدر طاقته. وقال فارس رحمه اللّه: فأعرض عنهم وعظهم وتوكل، ولا يصح للعبد توكل وهو لا يجد غير اللّه معولا. وقيل في قوله عز وجل: { أعرض عنهم } بقولك وأعرض عنهم بفعلك. قوله عز وجل: { وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا }. قال الجنيد رحمه اللّه: كلمهم على مقادير العقول ومحتمل الطاقة. وقيل: أرهم عيوب ما يعتمدونه من طاعتهم. قوله عز وجل: { سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع } الآية: ٤٦ قال: إذا سمع ولم يفهم فهو غير مسموع، وإذا سمع وفهم فهو السمع المبتغى في ذلك الفهم وهو التفضيل. قوله عز وجل { وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا } الآية: ٦٣ قال سهل رحمه اللّه: مبلغا بلسانك كنه ما في قلبك بأحسن العبادة عني. ٦٤قوله عز وجل: { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم } الآية: ٦٤ قال: بالمخالفات قصدوك فدللتهم على سبيل الموافقة. وقيل: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك قال ابن عطاء رحمه اللّه: جعلوك الوسيلة إلى الوصلة ليصلوا إلي، وقال: من لم يجعل قصده إلينا على سبيلك، وسنتك وهداك ضل الطريق وأخطأ الرشد. قال بعضهم رحمه اللّه: { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم } بالمخالفات قصدوك فدللتهم على سبيل الموافقة. وقيل: { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم } بالإعراض عنا، استشفعوا بك إلينا لأقبلنا عليهم بالبر والفضل. ٦٥قوله عز وجل: { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } الآية: ٦٥ قال بعضهم رحمه اللّه في هذه الآية: أظهر الحق عز وجل على حبيبة صلى اللّه عليه وسلم خلعة من. خلع الربوبية. فجعل الرضا بقضائه ساء أم سر سببا لإيمان المؤمنين، كما جعل الرضا بقضائه سببا لإيقان الموقنين، فأسقط عنهم اسم الواسطة، لأنه متصف بأوصاف الحق عز وجل متخلق بأخلاقه ألا ترى كيف قال حسان بن ثابت: (فذوا العرش محمود وهذا محمد * وقال بعضهم: هذا في مخالفات الرسول فكيف في مخالفة أوامر اللّه تعالى وأحكامه، هل هو إلا الدخول في خبر المخالفين. ٦٦قوله عز وجل: { ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم } الآية: ٦٦ قال محمد بن الفضل رحمه اللّه: اقتلوا أنفسكم بمخالفة هواها أو اخرجوا من دياركم، يعني أخرجوا حب الدنيا من قلوبكم، ما فعلوه إلا قليل في العدد كثير في المعاني، وهم أهل التوفيق والولايات الصادقة. قوله عز وجل: { من يطع الرسول فقد أطاع اللّه }. قال جعفر بن محمد الصادق رحمة اللّه عليه: من عرفك يا محمد بالرسالة والنبوة فقد عرفني بالربوبية والإلهية. قال سهل رحمه اللّه: من يطع الرسول في سنته فقد أطاع اللّه في فرائضه. وقال أيضا: لأهل المعرفة همة الاقتداء بالنبي صلى اللّه عليه وسلم. قال: من صحح الاقتداء بالنبي صلى اللّه عليه وسلم وألزم نفسه طاعته، أوصله اللّه تعالى إلى مقامات الأنبياء صلوات اللّه تعالى عليهم وسلامه، والصديقين والشهداء. قال اللّه ٦٩تعالى { ومن يطع اللّه والرسول فأولئك مع الذين أنعم اللّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين } الآية: ٦٩ وقال بعضهم: لم يصل الأنبياء والصديقون إلى الرتب الأعلى بأفعالهم، ولكن أنعم اللّه عليهم فأوصلهم، وليس يصل إحد إلى تلك الرتب إلا بملازمة الرسول صلى اللّه عليه وسلم ظاهرا وباطنا. وقال بعضهم: المتحققون في طاعة الرسول مع الأنبياء والمقتصدون مع الشهداء والظالمون مع الصالحين. وقيل: طاعة الرسول صلى اللّه عليه وسلم طاعة للحق عز وجل لفنائه عن أوصافه وقيامه بأوصاف الحق، وفنائه عن رسومه وبقائه بالحق ظاهرا وباطنا، وطاعته طاعته وذكره ذكره، فيه يصل العبد إلى الحق وبمخالفته يقطع عنه. ٧٥قوله تعالى: { واجعل لنا من لدنك وليا } الآية: ٧٥ قيل: وليا يدلنا منك عليك. ٧٦قوله عز وجل { الذين آمنوا يقاتلون في سبيل اللّه والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت } الآية: ٧٦ قال سهل بن عبد اللّه: المؤمنون خصماء اللّه على أنفسهم، وأبدانهم، والمنافقون خصماء النفس على اللّه، يبتدرون إلى السؤال والدعاء ولا يرضون بما يختار لهم وهو سبيل الطاغوت. ٧٧قوله عز وعلا: { ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم } الآية: ٧٧ قيل: وفيه قصروا أيديكم عن تناول الشهوات. قوله عز وعلا: { قل متاع الدنيا قليل }. قال محمد بن الفضل: متاع الدنيا قليل وأقل قيمة منها من يطلبها ويفرح بها، وللآخرة خير لمن اتقى الدنيا وأهلها والركون إليها. قال الواسطي: قل متاع الدنيا قليل: هون الدنيا في أعينهم، لئلا يشق عليهم تركها. ٧٨قوله تعالى: { قل كل من عند اللّه } الآية: ٧٨ سمعت النصرآباذي يقول: الكل منه ومن عنده، ولكن لا يطيب ما منه ومن عنده إلا بما به وبماله. ٧٩قوله عز وعلا: { ما أصابك من حسنة فمن اللّه } الآية: ٧٩ قال محمد بن علي: أجل الحسنات والنعم عليك أن عرفك نفسه ووفقك لشكر نفسه وألهمك ذكره. قوله تعالى: { وما أصابك من سيئة فمن نفسك }. بداها لاتباع هواها وتركها رضا مولاها، وهي من النفس الأمارة بالسوء. ٨٢قوله تعالى: { أفلا يتدبرون القرآن } الآية: ٨٢ قال بعضهم: ألا يتعظون بكريم مواعظه ويتبعون محاسن أوامره. قال الواسطي رحمة اللّه عليه: سمي قرآنا لأنه صفة اللّه عز وجل فلا تزايله بك قارئه فسمي قرآنا؛ لأن الصفة لا تزايل الموصوف. سمعت أبا عثمان المغربي يقول: تدبرك في الخلق تدبر عبرة، وتدبرك في نفسك تدبر موعظة، وتدبرك في القرآن تدبر حقيقة ومكاشفة. { أفلا يتدبرون القرآن } جرأك به على تلاوة خطابه، ولولا ذلك لكلت الألسن عن تلاوته. سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت أبا الحسين يقول: سمعت علي بن حميد يقول: سمعت السري يقول: فهم الناس من فهم أسرار القرآن وتدبر فيه. قال سهل في قوله: { أفلا يتدبرون القرآن } قال: تدبروا بفهمه، ولا يكون التدبير إلا لمن عرف المقاصد فيه ونطق بمعنى الحق. ٨٣قوله تعالى: { ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه } الآية: ٨٣ قال ابن عطاء: لو أخذوا طريق السنة وطريق الأكابر في إرادتهم، لأوصلهم ذلك إلى مقامات جليلة من مقامات الإيمان التي هي محل مقامات الاستنباط وطريق المكاشفات قال أبو سعيد الخراز: إن للّه عبادا يدخل عليهم الخلل، ولولا ذلك لفسدوا وتعطلوا وذلك أنهم إذا بلغوا من العلم غاية، صاروا إلى العلم المجهول الذي لم ينصه كتاب ولا جاء به خبر، لكن العقلاء العارفون يحتجون به من الكتاب والسنة بحسن الاستنباط معرفتهم. قال اللّه تعالى: { لعلمه الذين يستنبطونه منهم }. قال الحسين: استنباط القرآن على مقدار تقوى العبد في ظاهره وباطنه وتمام معرفته، وهذا أجل مقامات الإيمان. قوله تعالى: { ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته }. قال ابن عطاء: لولا فضله عليكم في قبول طاعتكم، لخسرتم ما ضمن لكم في آخرتكم ولكن برحمته نجاكم من خسرانكم وتفضل عليكم بما نجاكم. ٨٩قوله عز وعلا: { ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء } الآية: ٨٩ قال بعضهم: ود أهل الدعاوى الفاسدة أن يكون المتحققون في أحوالهم أمثالهم فأظهر عليهم فضائح دعاويهم. ٩٤قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبينوا ولا تقولوا } الآية: ٩٤ قال: إذا سافرتم فاطلبوا أولياء اللّه وتثبتوا أن لا تفوتكم مشاهدتهم، فإنها الفوائد في الأسفار وموضع التثبت والاستقامة. ٩٥قوله تعالى: { وفضل اللّه المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما } الآية: ٩٥ قال بعضهم: العاملين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على القاعدين عنه أجرا عظيما. ٩٦قوله تعالى: { ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها } الآية: ٩٧ حدثنا محمد بن عبد اللّه بن شاذان قال: حدثنا زيد بن عبد اللّه الرومي بمصر قال: سمعت عبد اللّه بن حبيق قال: سمعت يوسف بن أسباط قال: سمعت الهندي يقول: حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه قال: سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: ليس بين أحدكم وبين أرض نسب فخير البلاد ما حملكم. ٩٨قوله تعالى: { لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا } الآية: ٩٨ قال أبو سعيد: هم الذين أسرهم البلاء واستولى عليهم، حتى صار البلاء عليهم الحال وطنا، ثم أفنى عنهم شاهد البلاء بإثبات علم البلاء، فدل عليهم علم الأشياء بما تثابت عليهم علم الحق وذلك حين ردت عليهم صفاتهم بعد محو آثارهم، فإذ ذاك لا يستطيون حيلة ولا يهتدون سبيلا. ١٠٠قوله تعالى: { ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى اللّه ورسوله } الآية: ١٠٠ قال: أن يهاجر عما دون اللّه عز وجل وقال بعضهم: أن يخرج من جميع مراداته وهواه متبعا لأمر اللّه وما يوصله إلى رضوانه. ١٠٢قوله تعالى: { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة } الآية: ١٠٢ قال الحسين: ليس للّه مقام ولا شهود في ناديه ولا استهلال في حيزه ولا ذهول في عظمه، يقطع عن آداب الشريعة ولا له مقام وقف فيه الموحدين أشهدهم فصبح أن جزنا بها عليهم علما للغير لا له ومما يصحح هذا قوله: وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة، فجعل إقامته للصلاة أدبا لهم وهو في الحقيقة في عين الحصول لا يرجع إلى غير الحق في متصرفاته، ولا يشهد سواه في سعاياته، وقال بعضهم: ما دمت فيه فإن الصلاة تكون قائمة، وإذا غبت فالصلاة آتية أيضا كما قال: { ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى }. ١٠٣قوله تعالى: { فاذكروا اللّه قياما وقعودا وعلى جنوبكم } الآية: ١٠٣ قال أبو عثمان: وقت اللّه العبادات كلها بالمواقيت إلا الذكر، فإنه أمرك به على كل حال وفي كل أوان. ١٠٥قوله تعالى: { لتحكم بين الناس بما أراك اللّه } الآية: ١٠٥ قال سهل: بما علمك اللّه من الحكمة في القرآن والشريعة. وقال بعضهم: لتحكم بين الناس بما أراك وأظهره لك لا على ما يظهرونه، فإن رؤيتك لهم رؤية كشف وعيان. وقال ابن عطاء في هذه الآية: بما أراك اللّه فإنك بنا ترى وعنا تنطق، وأنت بمرأى منا ومسمع. قوله تعالى: { أيبتغون عندهم العزة فإن العزة للّه جميعا } الآية: ١٣٩ قال القاسم: أتطلب العز عند من عززته، ولا تطلبه مني وأنا الذي عززته. قال الحسين: من اعتز بغير الحق فبعزه ذل. ١٠٧قوله تعالى: { ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم } الآية: ١٠٧ قال بعضهم: خيانة النفس اتباع هواها ومرادها وترك نصيحتها. سمعت محمد بن عبد اللّه يقول: سمعت الحسن بن علي البامعاني يقول: من خان اللّه في السر هتك ستره في العلانية. ١٠٨قوله تعالى: { يستخفون من الناس ولا يستخفون من اللّه } الآية: ١٠٨ قال محمد بن الفضل: من لم يكن أعظم شيء في قلبه ربه، كان جاهلا ومبعدا عنه. ١١٣{ وكان فضل اللّه عليك عظيما } الآية: ١١٣ قال الواسطي رحمة اللّه عليه: إنما عظمت بالمباشرة فاحتمل الذات بعد ما احتمل الصفات، وموسى صلى اللّه عليه وسلم احتمل الصفات ولم يحتمل الذات. وقال بعضهم: فضلت في الأزل بالفضائل وقد تغتر في المشاهد العثرة، كما قال اللّه عز وجل: { عفا اللّه عنك } فتعاتب ثم ترد إلى الفضل الذي جرى لك في الأزل. قوله تعالى: { وعلمك ما لم تكن تعلم }. قال الجنيد رحمة اللّه عليه: عرفك قدر نفسك وقال أيضا: العلوم أربعة: علم المعرفة، وعلم العبارة، وعلم العبودية، وعلم الخدمة. جعل حظك منها أوفر الحظوظ. قال أبو يزيد: العلم علمان: علم بيان وعلم برهان. قال سهل: العلماء ثلاثة: عالم باللّه لا عالم بأمر اللّه ولا بأيام اللّه وهم المؤمنون. وعالم باللّه: عالم بأمر اللّه لا عالم بأيام اللّه وهم العلماء. وعالم باللّه: عالم بأمر اللّه عالم بأيام اللّه فهم النبيون والصديقون. وقيل: علمتك من مكنون أسراري ما لم تعلمه إلا بي. وقال أبو محمد الجريري: الأدلة ثلاثة: العلماء والحكماء، والأكابر، فالعلماء يرون ظاهر الأشياء ومناقبها، والحكماء يرون باطن الأشياء وعيوبها، والأكابر يرون عيون الأشياء وحقائقها. وقال بعضهم: العلماء أربعة: عالم حظه من اللّه اللّه. وعالم حظه من اللّه العلم، والمعرفة باللّه، وعالم حظه السير إلى الآخرة. وعالم حظه علم السير إلى الآخرة. ١١٤قوله تعالى: { لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس } الآية: ١١٤ قيل: الأخير في الجماعات إلا ما يعود نفعه عليك أو على أهل مجلسك. وقيل: { إلا من أمر بصدقة } إلا من تصدق على نفسه بمنعه عن أذى المسلمين. وارتكاب المحارم { أو معروف } قيل: المعروف حث النفس على سبل الرشاد. وقيل: إلا من تصدق بنفسه على الخلق فلا ينتقم لنفسه. ١١٨قوله تعالى: { لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا } الآية: ١١٨ قال الواسطي رحمة اللّه عليه: إن كان إليك شيء من القدرة والقوة فاغو جيدا سوى ما جعل له من النصيب المفروض عند ذلك يظهر عجزه وضعفه. وقال بعضهم في هذه الآية: أكثر في أعينهم طاعاتهم وأغلق دونهم أبواب الإنابة ورؤية الفضل. ١٢٠قوله تعالى: { يعدهم ويمنيهم } الآية: ١٢٠ قال بعضهم: يعدهم طول العمر والموت غايتهم ويمنيهم الغنى والفقر سبيلهم. { وما يعدهم الشيطان إلا غرورا }. إلا ما يقربهم من الدنيا ويبعدهم عن الآخرة. ١٢٥قوله تعالى: { ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه للّه وهو محسن } الآية: ١٢٥ قيل: من أحسن حالا ممن رضى بالمقدور، ومجازيها عليه من العسر واليسر، وأسلم قلبه إلى ربه وأخلص وجهه له، وهو محسن أي متبع السنة للمصطفى صلى اللّه عليه وسلم. قال الواسطي رحمة اللّه عليه: في قوله: { ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه للّه وهو محسن } أي وهو يحسن أن يسلم وجهه للّه، فمن دخل على السلطان مسرعا بطاعته بغير أدب فما ناله من المكروه أكثر، فلذلك من لا يحسن أن يبقى ولا يحسن أن يسلم وجهه للّه. وقيل: ومن أحسن طريقة إلى اللّه ممن أسلم دينه له ولم يشرك فيه غيره. قوله تعالى: { واتبع ملة إبراهيم حنيفا }. قال ابن طاهر: يخرج من الكونين إقبالا منه على الحق. وقال بعضهم: يبذل نفسه لربه وولده لاتباع أمره وماله شفقة على خلقه. قال سهل بن عبد اللّه: كانت ملة إبراهيم السخاء وحاله التبري من كل شيء سوى اللّه. ألا تراه قال لجبريل صلى اللّه عليهما: ' أما إليك فلا ' لم يعتمد في الكونين سواه. قال الواسطي رحمة اللّه عليه: حنيفا: أي مطهرا من أدناس الكون، خالصا للحق فيما يبدو له وعليه. قال تعالى: { واتخذ اللّه إبراهيم خليلا }. قال الواسطي رحمة اللّه عليه: اتخذه فلما اتخذه اختص به. قال ابن عطاء: اتخذه خليلا فلم يخالل سرائره شيئا غيره، وذلك حقيقة الخله وأنشد: (قد تخللت مسلك الروح منى * وبذا سمى الخليل خليلا * (فإذا ما نطقت كنت حديثي * وإذا ما سكت كنت الغليلا * قال الحسن: اتخذه خليلا ولا صنع لإبراهيم فيه وذلك موضع المنة، ثم أثنى عليه بالخلة وذلك فعل الخلة. وقال بعضهم: أخلاه عن الكل حتى كان له بالكلية. قال الواسطي رحمة اللّه عليه: تخاللّه أنوار بره فسماه خليلا. وقال محمد بن عيسى الهاشمي: سمي خليلا لأنه خلا به عما سواه. سمعت منصورا يقول: سمعت أبا القاسم بإسناده عن جعفر بن محمد عليه السلام في قوله: { واتخذ اللّه إبراهيم خليلا } قال: أظهر اسم الخلة لإبراهيم، لأن الخليل ظاهر في المعنى وأخفى اسم المحبة لمحمد صلى اللّه عليه وسلم لتمام حاله، إذ لا يحب الحبيب إظهار حال حبيبه، بل يحب إخفاءه وستره، لئلا يطلع عليه سواه ولا يدخل أحد فيما بينهما وقال لنبيه وصفيه محمد صلى اللّه عليه وسلم لما أظهر له حال المحبة: { قل إن كنتم تحبون اللّه فاتبعوني }. أي: ليس الطريق إلى محبة اللّه إلا باتباع حبيبه وطلب رضاه. ١٢٨قوله تعالى: { وأحضرت الأنفس الشح } الآية: ١٢٨ قال النوري: ألزمت الأشباح مخالفة الحق في جميع الأحوال، وشحها ما يضرها في طلب الدنيا. ١٢٩قوله تعالى: { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء } الآية: ١٢٩ فكيف تستطيعون أن تعدلوا بينكم وبين الحق وليس من العدل أن تحب ما يشغلك عن حبيبك وليس من العدل أن تفتر عن طاعة من لا يفتر عن برك. قوله تعالى: { فلا تميلوا كل الميل }. قال الواسطي رحمة اللّه عليه: الجوارح تبع القلب، لأنه أمير أمرك ان تخالفه إذا خالفت الحق. ١٣١قوله تعالى: { ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا اللّه } الآية: ١٣١ قال بعضهم: أمر الكل بالتقوى، وأوصل إلى التقوى من جرى له في السبق عناية. ١٣٥قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء للّه } الآية: ١٣٥ قال الجنيد رحمة اللّه عليه: لن يصل إلى قلبك روح التوحيد وله عندك حق لم تقضه أو لم تؤده. قوله تعالى: { وكفى باللّه حسيبا }. قال ابن عطاء: الحسيب الذي لا يضيع عنده عمل. وقيل: الحسيب الكريم في المحاسبة أن يوفيك ما لك ولا يناقشك فيما عليك. ١٣٦قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا آمنوا باللّه ورسوله } الآية: ١٣٦ سئل فارس ما معنى هذه الآية وليس في ظاهرها التجريد، قال: التجريد إنما يقع بلسان السر من جهة موافقة الحق، ومعنى الآية { آمنوا باللّه وبرسوله } يريد تكرار الإيمان. وقال بعضهم في قوله { يا أيها الذين آمنوا آمنوا باللّه ورسوله }: أي يا أيها المدعون تجريد الإيمان في من غير واسطة، لا سبيل لكم إلى الوصول إلى غير التجريد إلا بقبول الوسائط واتباعهم آمنوا باللّه ورسوله. قوله تعالى: { أيبتغون عندهم العزة } الآية: ١٣٩ قال محمد بن الفضل: كيف تبتغي العزة ممن عزه بغيره، فاطلب العزة من مظانها ومعدنها ومكانها، قال اللّه عز وجل: { فإن العزة للّه جميعا } فمن اعتز بالعز أعزه، ومن اعتز بغيره أذله. روى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: ' من اعتز بالعبيد أذله اللّه، فابتغ العز من عند رب العبيد يعزك في الدنيا والآخرة '. وقال سهل: { أيبتغون عندهم العزة } قال: النعمة. قال أبو سعيد: العارف باللّه لا يرى العز إلا منه. وقال الواسطي رحمة اللّه عليه: ما مالت السريرة إلى حب العز إلا ظهر خوفها، وما مالت البحيرة إلى حب الدنيا إلا ظهر ظلمتها عليه، فصارت عن الباب محجوبة مصروفة. ١٤٦قوله تعالى: { إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا باللّه وأخلصوا دينهم للّه فأولئك مع المؤمنين } الآية: ١٤٦ ولم يقل من المؤمنين، لنعلم أن الاجتهاد لا يؤثر في سبق الأزل. قال أبو عثمان: التوبة: الرجوع من أبواب الاختلاف إلى أبواب الائتلاف. وقال محمد بن الفضل: الاعتصام: التشبث بالسنة وطريق السلف. وقال بعضهم: تابوا من المخالفات وأصلحوا ظواهرهم باتباع الرسول واعتصموا باللّه وألقوا حبال القوة والحول عن ظواهرهم وبواطنهم وأخلصوا دينهم للّه، لم تمنعهم رؤية الناس عن القيام بالخدمة. وقال سهل: تابوا من التوبة. وقال الجنيد رحمة اللّه عليه: التوية: الرجوع عما تأمرك به نفسك والطبع والهوى. وقال سهل: تابوا من غفلاتهم عن الطاعات في كل ساعة وأوان. قال بعضهم: { فأولئك مع المؤمنين } لا من المؤمنين، فإنهم مع المؤمنين ظاهرا يعني المنافقين، وهم معنا بتوبتهم في الباطن. قال اللّه تعالى: { وسوف يؤتي اللّه المؤمنين أجرا عظيما } ظاهرا وباطنا. ١٤٧قوله تعالى: { ما يفعل اللّه بعذابكم إن شكرتم وآمنتم } الآية: ١٤٧ قال الحسين: ما يفعل اللّه بتعذيبكم أنفسكم في أنواع المجاهدات إن شكرتم، أن طالعتم بري وإحساني إليكم وآمنتم. قال: قطعتم الهمم عمن سواي. قوله: { قد جاءكم من اللّه نور }. قال عطاء: العبد ينال بهذا النور ما هو أجل من النور، من أخذ سراجا إلى بيت مظلم فيدور. ١٤٨قوله تعالى: { لا يحب اللّه الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم } الآية: ١٤٨ قال الواسطي رحمة اللّه عليه: لا يرضى اللّه من عباده بإسماع الخفاء لأمثاله، إلا من جحد نعم اللّه عنده في البينات والبراهين. ١٥٣قوله تعالى: { وآتينا موسى سلطانا مبينا } الآية: ١٥٣ قال بعضهم: قوة عظيمة على سماع المخاطبة من كلام الحق. وقيل: أعطى سلطانا على نفسه في مخالفتها وهو المبين الظاهر للخلق. ١٦٢قوله تعالى: { لكن الراسخون في العلم منهم } الآية: ١٦٢ قيل: الراسخون في العلم هم: العلماء باللّه، والعلماء بأمر اللّه، والمتبعون سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وقيل: الراسخون في العلم هم الواقفون مع حدود العلم وشرائطه لا يتجاوزونه بالرخص والتأويلات. ١٧٢قوله تعالى: { لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا للّه } الآية: ١٧٢ قيل: لا يأنف أحد من القيام بالعبودية، فكيف يأنف منه وبه يتقرب إلى مولاه؟ قال بعضهم: كيف يأنف أحد من عبودية من يظهر على العبيد آثار صنائع الربوبية، كما أظهر على عيسى صلى اللّه عليه وسلم في إحياء الموتى وغيره. ١٧٤قوله تعالى: { يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم } الآية: ١٧٤ سمعت محمد بن الحسن البغدادي يقول: سمعت محمد بن أحمد بن سهل يقول: سمعت سعيد التمار يقول: سمعت ذا النون المصري رحمة اللّه عليه وعليهم يقول: استقرت منار الدجى وقامت حجة اللّه على خلقه فآخذ بحظه ومضيع لنفسه. قوله تعالى: { وأنزلنا إليكم نورا مبينا } الآية: ١٧٤ قيل: خطابا من القرآن فيه محل الشفاء لأسرار العارفين، والمبين ما يتبين به كل شيء. ذكر ما في سورة المائدة |
﴿ ٠ ﴾