سورة المائدة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا } الآية: ١

قال سري: اي خواص الخواص من عبادي.

قال ذو النون. علاقة المؤمن خلع الراحة وإعطاء المجهود في الطاعة ومحبة سقوط

المنزلة.

وقال ابن عطاء في قوله: { يا أيها الذين آمنوا } أي: يا أيها الذين أعطيتهم قلوبا لا

تغفل عني ولا تحجب دوني طرفة عين.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: الإيمان إيمانان إيمان بضياء الروح وهو الحقيقي،

وإيمان محبة بظلمة الروح، لذلك استثنى من استثنى في إيمانه.

وقال بعضهم: صفة المؤمن كالأرض تحمل الأذى وتنبت المرعى.

وقال محمد بن خفيف: الإيمان تصديق القلوب بما علمه الحق من الغيوب.

وقال جعفر بن محمد في قوله: { يا أيها الذين آمنوا } قال فيه أربع خصال: نداء

وكناية، وإشارة وشهادة، فيا نداء وأي خصوص نداء وها كناية والذين إشارة وآمنوا

شهادة.

قال ابن عطاء في قوله: { يا أيها الذين آمنوا }: هم الذين خصصتهم ببري

ومشاهدتي لا يكونون كمن أعميتهم عن مشاهدتي ومطالعة بري.

وقال فارس: الإيمان تعظيم الحقيقة، وصون الشريعة والرضا بالقضية، حتى تستيقن

أنه ليس إليك من حركاتك وسكونك شيء.

قوله تعالى: { أوفوا بالعقود }.

قيل: أول عقد عقد عليك إجابتك له بالربوبية، فلا تخالفه بالرجوع إلى سواه.

والعقد الثاني: عقد بحمل الأمانة فلا تحقرنها.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: العقود إذا لم تشهد القصور تلون عليها المقصود.

وقال إبراهيم الخواص: من عرف الحق بوفاء العهد ألزمته تلك المعرفة السكون إليه

والاعتماد عليه.

وقال أبو محمد الجريري: الوفاء متصل بالصفاء.

قوله تعالى: { إن اللّه يحكم ما يريد }.

قال جعفر: حكم بما أراد وأمضى، وإرادته ومشيئته نافذة، فمن رضي بحكمه

استراح وهدى لسبيل رشده، ومن سخطه فإن حكمه ماض وله فيه السخط والهوان.

قوله عز وجل: { وتعاونوا على البر والتقوى }.

قيل البر: ما وافقك عليه العلم من غير خلاف والتقوى مخالفة الهوى { ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } قيل: الإثم طلب الرخص، والعدوان هو التخطي إلى الشبهات.

وقيل: البر: ما اطمأن إليه قلبك من غير أن تنكره بجهة ولا سبب.

وقال بعضهم: { تعاونوا على البر والتقوى } هو طاعة الأكابر من السادات والمشايخ

فلا تضيعوا حظوظكم منهم، ومن معاونتهم وخدمتهم { ولا تعاونوا على الإثم } وهو

الاشتغال بالدنيا { والعدوان } هو: موافقة النفس على مرادها وهواها.

قال الحسين: يصح للمتوكل الكسب بنية المعاونة لقوله تعالى: { تعاونوا على البر والتقوى } ويصح له ترك الكسب بحقيقة ضمان اللّه له، فإن خالف في العقد تركا أو

كسبا فقد أخطأ.

وقال سهل: البر: الإيمان. والتقوى: السنة. والإثم: الكفر. والعدوان: البدعة.

قوله تعالى: { فلا تخشوهم واخشون }.

قيل فيه: قطعك عن الكل قطعا وجذبك إليه جذبا بهذه الآية { فلا تخشوهم واخشون }

وقال ابن عطاء: لا تجعل لهم من قلبك نصيبا وأفرد قلبك لي، تجدني بصفة

الفردانية مقبلا عليك.

وقال سهل: أعجز الناس من خشي ما لا ينفعه ولا يضره، والذي بيده الضر والنفع

يخاطبه بقوله { فلا تخشوهم واخشون }.

٣

قوله عز وعلا: { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي } الآية: ٣

قال أبو حفص: كمال الدين في شيئين: في معرفة اللّه واتباع سنة نبيه صلى اللّه عليه وسلم.

قال جعفر بن محمد: اليوم إشارة إلى يوم بعث فيه محمدا صلى اللّه عليه وسلم ويوم

رسالته.

وقيل: اليوم: إشارة إلى الأزل، والإتمام: إشارة إلى الوقت، والرضا: إشارة إلى

الأبد.

وقيل: { أتممت عليكم نعمتي } بأن خصصتكم من بين عبادي بمشاهدة المصطفى

صلى اللّه عليه وسلم يخاطب به أصحابه، وجعلتكم حجة لمن بعدكم من الأمة إلى يوم

القيامة.

وقيل: { أتممت عليكم نعمتي } بالمعرفة.

وقال شقيق في هذه الآية: كمال الدين في الأمن والفراغ، إذا كنت آمنا بما

تكفل اللّه لك صرت فارغا لعبادته.

قوله تعالى: { ورضيت لكم الإسلام دينا }.

قيل: شرائط الإسلام كثيرة: منها سلامة روحك من جنايات سرك، وسلامة سرك

من جنايات صدرك، وسلامة صدرك من جنايات قلبك، وسلامة قلبك من جنايات

نفسك، وسلامة الخلق من جنايات شخصك وهيكلك وجوارحك، لذلك قال النبي

صلى اللّه عليه وسلم: ' المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده }.

وقيل: كمال الدين التبري من الحول والقوة والرجوع في الكل إلى منزلة الكل.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: الإسلام خصلة مرضية ولكن لا يهتدي إليه الكل،

والإسلام مرضي ولكن لا يلبسه الكل، والمرضي من أتى به ولكن على شرائط

الاستقامة.

وقال أبو يعقوب السوسي: الإسلام دار عليها أربعة أبواب وأربع قناطر ثم المراتب

بعد ذلك، من لم يدخل الدار ولم يعبر القناطر لم يصل إلى المراتب. فأول باب منها

أداء الفرائض ثم اجتناب المحارم ثم الأمن بالرزق ثم الصبر على المكروه، فإذا دخل

الدار استقبلته القناطر، فأول قنطرة منها الرضاء بالقضاء.

والثاني: التوكل على اللّه.

والثالث: الشكر لنعماء اللّه.

والرابع: إخلاص العمل للّه، فمن لم يعبر هذه القناطر

لا يصل إلى المراتب.

وقال بعضهم: نزلت هذه الآية يوم عرفة في حجة الوداع والنبي صلى اللّه عليه وسلم واقف

وعندها كان كمال الدين حيث يرد الحج إلى يوم عرفه، فإنهم كانوا يحجون في كل سنة

في شهر فلما رد اللّه عز وجل وقت الحج إلى ميقات فريضته، أنزل اللّه تعالى: { اليوم أكملت لكم دينكم }.

٤

قوله تعالى: { يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات } الآية: ٤

قال سهل: الطيبات: الرزق من الحلال.

وقال يوسف بن الحسين: الطيب من الرزق ما يبدو لك من غير تكلف ولا إشراف

نفس.

وقال الروذباري: أطيب أرزاق العارفين المعونات.

٥

قوله تعالى: { ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله } الآية: ٥

قيل: من لم يشكر اللّه على ما وهب له من المعرفة واليقين، فقد كفر بمعاني درجات

الإيمان وفيه إحباط ما سواه من الاجتهادات والرياضات.

وقيل: من لم ير سوابق المنن في خصائص الإيمان فقد عمى عن محل الشكر.

وقال علي بن بابويه في هذه الآية: من لم يجتهد في معرفته لا تقبل خدمته.

٦

قوله عز وعلا: { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم }

 الآية: ٦

قال: شرائع الطهارة معروفة، وحقيقتها لا ينالها إلا الموفقون من طهارة السر وأكل

الحلال وإسقاط الوساوس عن القلب، وترك الظنون والإقبال على الأمر بحسب

الطاقة.

وقال سهل: أفضل الطهارات أن يطهر العبد من رؤية الطهارة.

وقال سهل: الطهارة على سبعة أوجه: طهارة العلم من الجهل، وطهارة الذكر من

النسيان، وطهارة الطاعة من المعصية، وطهارة اليقين من الشك، وطهارة العقل من

الحمق، وطهارة الظن من التهمة، وطهارة الإيمان مما دونه، وكل عقوبة طاهرة إلا

عقوبة القلب، فإنها قسوة.

وقال سهل: إسباغ طهارة الظاهر يورث طهارة الباطن، وإتمام الصلاة يورث الفهم

عن اللّه عز وجل.

وقال سهل: الطهارة تكون في أشياء: في صفاء المطعم، ومباينة الآثام، وصدق

اللسان، وخشوع السر، وكل واحد من هذه الأربع مقابل لما أمر اللّه بتطهيره من

الأعضاء الظاهرة.

قال ابن عطاء: البواطن موضع النظر من الحق، لأنه روى عن المصطفى صلى اللّه عليه

وسلم أنه

قال: ' إن اللّه لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم ' فموضع

النظر إلي بالطهارة لحق. فالطهارة الظاهرة هو تطهير الأعضاء الظاهرة الأربع لاتباع الأمر

والاقتداء وطهارة الباطن من الخيانات والجنايات وأنواع المخالفات وفنون الوسواس

والغش والحقد والرياء والسمعة، وغير ذلك من أنواع النواهي لحق.

وقال بعضهم: ليس شيء أشد على العارفين من جمع الهمم وطهارة السر.

قال بعضهم: لا يصح لأحد طهارة الباطن إلا بأكل الحلال والنظر إلى الحلال وأخذ

الحلال والمشي إلى الحلال وصدق اللسان هذا، أولئك طهارات الأسرار.

قوله عز وعلا: { ولكن يريد ليطهركم }.

قال بعضهم: يريد أن يطهركم من أفعالكم وأحوالكم وأخلاقكم، ويفنيكم عنها

لترجعوا إليه لحقيقة الفقر من غير تعلق ولا علاقة بسبب من الأسباب.

٧

قوله تعالى وتقدس: { واذكروا نعمة اللّه عليكم وميثاقه الذي واثقكم به }

 الآية: ٧

قال أبو عثمان: النعم كثيرة وأجل النعم المعرفة، والمواثيق كثيرة وأجل المواثيق

الإيمان.

قيل للواسطي رحمة اللّه عليه: ما الحكمة فيما أنعم اللّه على خلقه، قال: أنعم

عليهم لكي يشهدوا المنعم بالنعم، فاستقطعتهم النعمة عن المنعم كما استقطعتهم الآفات

عن متوليها.

وقيل: اذكروا نعمة اللّه فيما أجرى عليكم من معرفته وطاعته.

قال بعضهم: اذكروا نعمة اللّه عليكم أن جعلكم من أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم ومن

أهل

القرآن، وأن زينكم بخدمته وجعلكم من أهل مناجاته حين قال صلى اللّه عليه وسلم: '

المصلى يناجى

ربه '.

قال أبو بكر الوراق في قوله: ' اذكروا نعمة اللّه عليكم ' حين زين باطنكم بأنوار

معرفته وظاهركم بآداب خدمته.

وقال يحيى بن معاذ: أعظم نعمة عليك أن جعل قلبك وعاء لمعرفته، وأطلق لسانك

بحلاوة ذكره، وإن أدبرت عنه خمسين سنة يصالحك باستغفار واحد.

٨

قوله عز وجل: { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين للّه شهداء بالقسط } الآية: ٨

قال بعضهم: كونوا أعوانا لأوليائه على أعدائه.

قال بعضهم: كونوا خصماء اللّه على أنفسكم ولا تكونوا خصماء لأنفسكم على

اللّه.

وقال بعضهم: كونوا طالبين من أنفسكم آداب الخدمة وقضاء حقوق المسلمين غير

مقتضين منهم حقوق أنفسكم.

١٢

قوله تعالى: { ولقد أخذ اللّه ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا }

 الآية: ١٢

قال: أبو بكر الوراق: لم يزل في الأمم أخيار وبدلاء وأوتاد على المراتب، كما قال

اللّه تعالى: { وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا } وهم الذين كانوا يرجعون إليهم عند

الضرورات والفاقات والمصايب كما ذكر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: ' إنه يكون

في هذه الأمة

أربعون على خلق إبراهيم، وسبعة على خلق موسى، وثلاثة على خلق عيسى، وواحد

على خلق محمد صلى اللّه عليه وسلم وعليهم فهم على مراتبهم للخلق والذين ذكر النبي

صلى اللّه عليه وسلم

أن بهم يمطرون، وبهم يدفع اللّه البلاء، وبهم يرزقون.

سمعت أبا عثمان المغربي يقول: البدلاء أربعون والامناء سبعة والخلفاء من الأئمة

ثلاثة، والواحد هو القطب، والقطب عارف بهم جميعا ومشرف عليهم ولا يعرفه أحد

ولا يشرف عليه وهو إمام الأولياء، والثلاثة الذين هم الخلفاء من الأئمة يعرفون

السبعة، والسبعة الأمناء يعرفون الأربعين الذين هم البدلاء ولا يعرفهم البدلاء،

والأربعون يعرفون سائر الأولياء من الأمة ولا يعرفهم من الأولياء أحد فإذا نقص اللّه

من الأربعين واحدا أبدل مكانه واحدا من أولياء الأمة، وإذا نقص من السبعة واحدا

جعل مكانه واحدا من الأربعين وإذا نقص من الثلاثة واحدا جعل مكانه من السبعة فإذا

مضى القطب الذي هو واحد في العدد، وبه قوام إعداد الخلق جعل بدله واحدا من

الثلاثة هكذا إلى أن يأذن اللّه في قيام الساعة.

١٣

قوله عز وجل: { فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم } الآية: ١٣

قال أبو عثمان: نقض الميثاق: الرجوع إلى الخلق بعد الإقرار الأول بالوحدانية.

وقال بعضهم: نقض العهد مع الحق السكون إلى سواه.

١٥

قوله تعالى: { قد جاءكم من اللّه نور وكتاب مبين } الآية: ١٥

قال بعضهم: جاءكم نور قبلتم به ما آتاكم الرسول صلى اللّه عليه وسلم من بيان الكتاب.

وقال بعضهم: بعناية الأزل وصلتم إلى نور الكتاب المبين ونور التوحيد والأنوار

الظاهرة والباطنة.

قال ابن عطاء: تنال بهذا النور ما هو أجل من النور كمن أخذ سراجا إلى بيت مظلم

فبذره في البيت، فيجد به أخل من السراج.

وقيل: كشف عن أسرارهم غطاء الوحشة وألبسهم لباس الأنس.

١٦

قوله تعالى: { يهدي به اللّه من اتبع رضوانه سبل السلام } الآية: ١٦

قيل: فبه يهدي اللّه لأسلم المسالك في سبيل إرادته من خصه برضوانه.

قيل: إيجاده ليوصله الرضوان إلى محل الرضا.

١٧

قوله تعالى: { يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء } الآية: ١٨

قال: يغفر لمن يشاء فضلا، ويعذب من يشاء عدلا.

وقيل: يغفر لمن يشاء بتقصيره في شكر النعمة، ويعذب من يشاء بتقصيره في شكر

المنعم، نس قارون النعمة فخسف به ونسي المنعم فما يرجو.

٢٠

قوله تعالى: { وجعلكم ملوكا } الآية: ٢٠

قال القرشي: ملككم سياسة أنفسكم.

وقال سهل: مالكين لأنفسكم ولا كملككم نفوسكم وأنشد في معناه.

(ملكت نفسي وذاك ملك

* ما مثله للأنام ملك

*

(فصرت حرا بملك نفسي

* فما خلف علي ملك

*

وقال بعضهم: جعلكم ملوكا أي: قانعين بما أعطيتم، والقناعة هو الملك الأكبر.

وقال بعضهم: جعلكم ملوكا وزراء أنبيائكم.

وقال الحسين: { وجعلكم ملوكا } قال: أحرارا من رق الكون وما فيه.

قوله تعالى: { وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين }.

قال محمد بن علي: أحل لكم أكل الغنائم والانتفاع بها.

وقال ابن عطاء: قلوبا سليمة من الغش والغل.

وقال بعضهم في قوله: { وآتاكم ما لم يؤت أحد من العالمين } قال: سياسة النبوة

وآداب الملك.

٢٢

قوله تعالى: { إن فيها قوما جبارين } الآية: ٢٢

قال بعضهم: معجبين بأنفسهم غير راجعين إلى ربهم في أحوالهم.

٢٣

قوله تعالى: { وعلى اللّه فتوكلوا إن كنتم مؤمنين } الآية: ٢٣

سمعت محمد بن الحسن البغدادي يقول: سمعت محمد بن أحمد بن سهل يقول:

سمعت سعيد بن عثمان يقول: سمعت رجلا يسأل ذا النون ما التوكل؟

قال: خلع الأرباب وقطع الأسباب، فقال: زدني، فيه حالة أخرى. فقال: إلقاء

النفس في العبودية وإخراجها من الربوبية.

سمعت محمد بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا علي الروذباري يقول: التوكل على

ثلاث درجات:

الأولى منها إذا أعطى شكر، وإذا منع صبر، وأعلا منها حالا أن يكون المنع والعطاء

عندهم سواء، وأعلا منها حالا أن يكون المنع مع الشكر أحب إليهم.

وقال ذو النون: التوكل نفض العلائق وترك التملق للخلائق في السلائق،

واستعمال الصدق في الحقائق.

سمعت سعيد بن أحمد البلخي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت محمد بن عبد اللّه

يقول: سمعت خالي محمد بن الليث يقول: سمعت حامدا اللفاف يقول: سمعت

حاتما الأصم يقول: سمعت شقيق بن إبراهيم يقول: التوكل طمأنينة القلب بوعود اللّه.

قال سهل: التوكل طرح البدن في العبودية وتعلق القلب بالربوبية.

وقال أيضا: لا يصح التوكل إلا للمتقين.

وقال الواسطي رحمة اللّه عليه: من توكل على اللّه بعلة غير اللّه، فليس بمتوكل على

اللّه جعله سببا إلى مقصوده في ذلك وله قلة المعرفة بربه.

٢٥

قوله تعالى: { إني لا أملك إلا نفسي } الآية: ٢٥

قال سهل: في مخالفة هواها.

وقال بعضهم: في بذلها للّه واستعمالها في طاعته.

٢٧

قوله تعالى: { لأقتلنك } الآية: ٢٧

قال ممشاد الدينوري: كان معصية آدم من الحرص، ومعصية إبليس من الكبر،

ومعصية ابن آدم من الحسد، فالحرص يوجب الحرمان والكبر يوجب الإهانة والحسد

يوجب الخذلان.

قوله تعالى: { إنما يتقبل اللّه من المتقين }.

قال سهل: التقوى والإخلاص محلا القلوب لأعمال الجوارح.

وقال ابن عطاء: المخلصين له فيما يقولون ويعملون.

قال السلامي: القرابين مختلفة وأقرب القرابين ما وعد اللّه جل وعز بقبوله ووعده

الصدق وهو الذكر في السجود، لأنه محل القربة. قال اللّه تعالى: { واسجد واقترب }.

قوله تعالى: { ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا اللّه شيئا }.

قال الواسطي: تعليما بعد تعليم، يريد اللّه ألا يجعل لهم حظا: في الآخرة، لأنه

استعملهم فبما فيه هلاكهم.

٣٥

قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه وابتغوا إليه الوسيلة } الآية: ٣٥

قال جعفر: اطلبوا منه القربة.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: في أداء الفرائض واجتناب المحارم السلامة من النار،

والوسيلة: القربة بآداب الإسلام إلى من وضعها وفرضها.

وقال أيضا: { وابتغوا إليه الوسيلة } قال: لو كشف عنهم ما عاملهم به، لنسبق

أوقاتهم وأوقات من يقتدي بهم.

وقال أيضا: { وابتغوا إليه الوسيلة } قال: ما توسل به إليكم بقوله: { كتب ربكم على نفسه الرحمة }.

وقال أيضا: الوسيلة المشار إليها النعوت فمن توسل إلى من لا وسيلة إليه إلا به فلم

يبتغ إليه الوسيلة.

ومن توسل بما لا خطر له في الملك خسر.

وقال محمد بن علي في قوله { وابتغوا إليه الوسيلة } قال: هو الرضا بالقضية

والصبر على الرزية والمجاهدة في سبيله والصبر على عبادته.

وقال ابن عطاء: الوسيلة: القربة بآداب الإسلام وأداء الفرائض لدخول الجنة

والنجاة من النار.

قال فارس: اتقوه واجعلوا تقواكم سببا لقربكم إليه.

قال الحسين: { وابتغوا إليه الوسيلة } التي كانت لكم مني إلي لا منكم إلي،

فالوسيلة منه إليك من غير سبب ولا سؤال.

قال بعضهم: اتقوا اللّه في المخالفات، وابتغوا إليه الوسيلة بالطاعات.

٤١

قوله تعالى: { ومن يرد اللّه فتنته فلن تملك له من اللّه شيئا } الآية: ٤١

قال الخواص: من يرد افتراق أوقاته لم يملك جمعها له.

قال ابن عطاء: من يحجبه اللّه عن فوائد أوقاته لن يقدر أحد أيضا لها إليه.

وقال أبو عثمان: أفتن الفتن اتباع الشهوات والغفلة في الأوقات.

قوله تعالى: { أولئك الذين لم يرد اللّه أن يطهر قلوبهم }.

قال أبو عثمان: يطهر قلوبهم بالمراقبة والمراعاة.

وقال في موضع آخر: بالحياء من اللّه عز وجل.

قال أبو بكر الوراق: طهارة القلب في شيئين:

إخراج الحسد والغش منه وحسن الظن بجماعة المسلمين.

٤٢

قوله تعالى: { سماعون للكذب أكالون للسحت } الآية: ٤٢

قال بعضهم: سماعون للدعاوى الباطلة، أكالون للسحت يعني: أكالون بدينهم.

٤٤

قوله تعالى: { والربانيون والأحبار } الآية: ٤٤

قيل: الربانيون الراجعون إلى الرب في جميع أحوالهم، والأحبار: العلماء باللّه

وبآياته.

وقيل: الربانيون: العلماء، والأحبار: العلماء بأحكام اللّه.

وقال ابن طاهر: الربانيون هم الصحابة الذين أخذوا كلام الرب التدبير الأعلى،

والواسطة الأدنى، والأحبار هم علماء الأمة العالمون بعلمهم.

قوله تعالى: { ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا } الآية: ٤٤

قال محمد بن الفضل: لا تطلبوا الدنيا بعمل الآخرة.

وقال بعضهم: لا تجعلوا طاعاتكم سببا لطلب الدنيا فقد خاب من فعل ذلك.

قوله تعالى: { ومن لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الكافرون }. والظالمون

والفاسقون.

قال بعضهم: من لم يحكم للناس كحكمه لنفسه فقد كفر نعمة اللّه عنده، وجحد

سنى مواهبه لديه وظلم نفسه بذلك.

قال بعضهم: من لم يحكم بخواطر الحق على قلبه كان محجوبا من المبعدين.

٤٨

قوله تعالى: { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } الآية: ٤٨

قال بعضهم: كل قد فتح له الطريق إلى اللّه، فمن استقام على الطريق وصل إلى

اللّه ومن زاغ وقع في سبل الشيطان وضل عن سواء السبيل.

وقال أبو يزيد البسطامي رحمة اللّه عليه في هذه الآية: كما أنه بذاته يحبهم كذلك

يحبون ذاته فإن الإله راجعه إلى الذات دون النعوت والصفات.

وسمعت السلامي يقول في قوله: ' يحبهم ويحبونه ' بفضل حبه لهم أحبوه، كذلك

ذكرهم بفضل ذكره لهم ذكروه.

وقال: الحب شرطه أن يلحقه سكرات المحبة، فإذا لم يكن كذلك لم تكن فيه

حقيقة.

وقال يوسف بن الحسين: المحبة: الإيثار.

وأنشدني في معناه الحسين بن أحمد الرازي قال: أنشدني أبو علي الروذاباري

لنفسه:

(سامرت صفو صبابتي أشجانها

* جزق الهوى وغليله نيرانها

*

(وسألت عن فرط الصبابة قيل لي

* إيثار حبك قلت جذب عنانها

*

* وكل له وبه ومنه فزين

* وصف فاتورة فطاح لسانها

*

وقال بعضهم: سكون بعد الطلب، وطلب بعد السكون، لأن الطلب لا يساكن

الأحوال إلا بوجود مراده وهوى محبوبه.

وقيل: المحبة ارتياح الذات لمشاهدة الصفات.

وقيل: المحبة هي أن تصير ذات المحب صفة المحبوب.

وقال بعضهم: المحبون للّه هم الذين قطعوا العلائق التي تقطع عن اللّه من قبل أن

تقطعهم.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: بطل حبهم بذكر حبه لهم بقوله { يحبهم ويحبونه }

وأنى تقع صفات المعلولة من صفات الأزلي الأبدي.

وقال الشبلي: المحبة استواء الحب في الشدة والرخاء، إذا صح قوله ودعواه.

سمعت عبد اللّه بن محمد بن عبد الرحمن الداري يقول: سمعت أبا عثمان يقول:

إنه قد ذكر حبهم له وحبه لهم، ثم نعتهم في حبه لهم فقال: { أذلة على المؤمنين } فبدأ

من نعت المحبة بالتواضع الذي ضده الكبر، والكبر يتولد من الجهل الذي يؤدي إلى

الأمن واليأس. والتواضع يتولد من حقيقة العلم.

وقال الجنيد: من أثبت محبته للّه من غير شرط محبة اللّه له، كان في دعواه مبطلا

حتى يثبت أولا محبة اللّه له، قال اللّه تعالى: { فسوف يأتي اللّه بقوم يحبهم ويحبونه }.

٥٤

قوله تعالى: { يجاهدون في سبيل اللّه ولا يخافون لومة لائم } الآية: ٥٤

قال أبو بكر الوراق: الجهاد ثلاثة: جهاد مع نفسك، وجهاد مع عدوك، وجهاد مع

قلبك والجهاد في سبيل اللّه هو مجاهدة القلب لئلا تتمكن منه الغفلة بحال، وجهاد

النفس لا تفتر عن الطاعة بحال، وجهاد الشيطان أن لا يجد منك فرصة فيأخذ منك

بحظه.

وقال الجنيد رحمة اللّه عليه: الناس في مجاهداتهم ثلاثة نفر مرتبطون بأفعالهم

وصفاتهم، يقولون في القيامة { هآؤم اقرءوا كتابيه } و { يا ليت قومي يعلمون }

ونفر غلبت صفات اللّه على سرائرهم، فهم ينظرون إلى السبق وإلى ما جرى به من

الحكم، ونفر تجلى اللّه لقلوبهم فخشعت عما سواه، فهم لا يدركون صفاتهم

وأعمالهم، ولا يدركون صفات الحق انقطاعا إلى اللّه واتصالا به.

قوله تعالى: { ومن يتول اللّه ورسوله والذين آمنوا فإن حزب اللّه هم الغالبون }

٥٦

 الآية: ٥٦

قال سهل: التوبة لها مقامات وحالات، والتوبة الصحيحة ما قال اللّه عز وجل:

{ ومن يتول اللّه ورسوله فإن حزب اللّه هم الغالبون }.

قال القاسم: موالاة اللّه مشتقة من موالاة رسوله وموالاة الرسول مشتقة من موالاة

السادة والأكابر من عباده وهم المؤمنون، ومن لم يعظم الكبراء السادة لا يبلغ إلى شيء

من مقامات المولاة مع اللّه ورسوله فإن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: ' من تعظيم جلال

اللّه إكرام ذي

الشيبة المسلم '، وقال: صلى اللّه عليه وسلم: ' بجلوا المشايخ فإن تبجيل المشايخ من

إجلال اللّه '.

وقال سهل في قوله: { فإن حزب اللّه هم الغالبون } قال: لأهوائهم وإراداتهم

ومقاصدهم.

وقال بعضهم: حزب اللّه أهل خاصته والقائمون معه على شرائط الاستقامة.

قوله تعالى: { قد جاءكم من اللّه نور وكتاب مبين } الآية: ١٥

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: ينال العبد بالنور ما هو أجل من النور، كداخل البيت

سراج يجد فيه جوهره.

قال النصر آباذي: إنه إنما دعى إلى النور الأدنى من عمي عن النور الأعلى.

وقال بعضهم: قد جاءكم من اللّه نور يفهمكم فوائد الكتاب المبين.

٦٣

قوله تعالى: { لولا ينهاهم الربانيون والأحبار } الآية: ٦٣

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: الربانيون العارفون مقادير الخلق لرحمة الحق،

والأحبار الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر.

وقال أبو عثمان رحمة اللّه عليه: الربانيون هم أهل حقيقة الحق وهم أهل المحبة للّه

بالصدق.

٦٧

قوله تعالى: { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك } الآية: ٦٧

قال الواسطي: حقائق الرسالة لو وضعت على الجبال لزالت، إلا أنهم يظهرون

للعالم على مقادير طاقتهم، ألا ترى إلى قوله تعالى { بلغ ما أنزل إليك من ربك } ولم

يقل ما تعرفنا به إليك.

وقال بعضهم: الرسول هو المبتدي والنبي هو المقتدي، قال اللّه تعالى في صفة

الأنبياء { أولئك الذين هدى اللّه فبهداهم اقتده }.

وقال بعضهم في قوله: { بلغ ما أنزل إليك من ربك } معناه: بلغ ما أنزل إليك من

ربك ودع ما تعرفنا به إليك، الأول: الشريعة

والثاني: ما أنزل من الأنوار على

سر محمد صلى اللّه عليه وسلم لا يطيقها بسر.

وقال بعضهم: بلغ ما أنزل إليك من ربك ولا تبلغ ما خصصناك به من محل

الكشف والمشاهدة فإنهم لا يطيقون سماع ما أطقت حمله من مشاهدات اللذات

والتجلي بالصفات.

قوله تعالى: { واللّه يعصمك من الناس }. قيل يعصمك منهم أن يكون منك إليهم

التفات، أو يكون لك بهم اشتغال.

وقيل: يعصمك من أن ترى لنفسك فيها شيئا بل ترى الكل منه وبه.

وقال بعضهم: لصون سرك عن الاشتغال بهم والنظر إليهم، لأنك معصوم السر عن

مولد الشكوك ونزغات الشيطان وفلتات النفس.

قوله تعالى: { وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا }

٦٩

 الآية: ٦٩

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: هم الذين تولى اللّه إضلالهم وصرف قلوبهم عن

إدراك حقائق الحكمة.

٧١

قوله تعالى: { وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا } الآية: ٧١

قال بعضهم ظنوا أن لا يفتتنوا في آرائهم وأهوائهم فعموا عن رؤية الحق وصموا عن

استماعه، إلا من أدركته رحمة اللّه وفضله فتاب عليه وفتح عينه لرشده.

وقيل: ظنوا أنهم لن يقعوا في الفتنة وهم طالبون للدنيا معتمدون على الخلق،

عميت أبصار قلوبهم وصمت آذان سرائرهم، إلا من يتداركه اللّه بكشف الغطا فيحله

محل التابعين.

٧٤

قوله تعالى: { أفلا يتوبون إلى اللّه ويستغفرونه } الآية: ٧٤

قيل: أفلا يتوبون إليه من رؤية افعالهم ويستغفرونه من تقصيرهم فيها.

وقال أبو عثمان في قوله: { أفلا يتوبون إلى اللّه }.

قال: أفلا يرجعون إليه بالكلية ويقطعون قلوبهم عن الأسباب.

وقال رويم: حقيقة التوبة هي التوبة من التوبة.

وقال سهل: التوبة أن لا تنسى ذنبك.

وقال أبو حفص: التوبة أن لا تذكر ذنبك.

وقال السوسي: التوبة الرجوع عن كل ما ذمه العلم إلى ما مدحه العلم.

وقال الدقاق: أن تكون وجها للّه بلا قفا كما كنت قفا بلا وجه.

وقال النوري: التوبة أن تتوب مما سوى الحق.

٨٠

قوله عز وجل: { أن سخط اللّه عليهم } الآية: ٨٠

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: ما أظهر اللّه من الوشم المكروه على خلقه، جعل

ذلك مضافا إلى غضبه وسخطه من غير أن يؤثر عليه شيء، ألا ترى إلى قول الحكيم

كيف يؤثر عليه، ما هو أحراه له كيف يغضبه ما هو أبداه وكيف يجري عليه الغضب

على نحو ما يعرف من الآدميين، ولا يكره شيئا خلقه وتولى إظهاره، وإن كان نفس ما

أظهره مكروها في ذاته، إذ لا ضرر عليه في شيء خلقه، كما لا زينة له في شيء

خلقه.

٨٢

قوله تعالى: { ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون } الآية: ٨٢

قال بعضهم: حرمات الخدمة أثبت عليهم وإن كانوا على طرق المخالفة، لكنهم لما

أظهروا لزوم الباب بدت عليهم آثارها في قبول الحرية وتحليل المناكحات والأسباب إلى

التزهد والرهبانية.

٨٣

قوله تعالى: { وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع }

 الآية: ٨٣

قال ابن عطاء: كادت جوارحهم وقلوبهم أن تنطق بقبول الوحي قبل سماعه في

مشاهدة المصطفى صلى اللّه عليه وسلم فلما سمعوا منه لم يطيقوا إلا ببكاء فرح أو بكاء

حسرة أو بكاء

دهشة أو بكاء حركة أو بكاء معرفة، كما قال اللّه تعالى: { مما عرفوا من الحق }.

وقال بعضهم في هذه الآية: كان فيهم ثلاثة أشياء: الدعاء والبكاء والرضاء.

فالدعاء على الجفاء، والبكاء على العطاء، والرضاء بالقضاء وكل أحد يدعي المعرفة

ولا تكون فيه هذه الثلاثة فليس بصادق في دعواه.

٨٧

قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل اللّه لكم } الآية: ٨٧

قال سهل: هو الرفق بالأسباب من غير طلب ولا إشراف نفس، وقد يبدو الرفق

بالسبب لأهل المعرفة على الظاهر وهم يأخذونه من المسبب على الحقيقة.

وقال أبو عثمان: لا تحرموا على أنفسكم المكاسب وطلب القوت الحلال من ذلك

ولا تعتدوا لانزواء رازقا سواه، فإنه الرازق. والرازق ربما أوصل إليك رزقك بسبب

وربما قطعك عن الأسباب وردك إلى الأخذ منه.

٨٨

قوله تعالى: { كلوا مما رزقكم اللّه حلالا طيبا } الآية: ٨٨

قال بعضهم: رزقك الذي رزقك ما هو من غير حركة منك ولا استشراف، وهو

الطيب الحلال يحلك محل الدعة ويطيب قلبك بتناوله.

٩٢

قوله تعالى: { وأطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول واحذروا } الآية: ٩٢

قال الواسطي رحمة اللّه عليه في هذه الآية: الحذر لا يزول عن العبد، وإن كان

مدرجا تحت الصفات ولولا ذلك لبسطه العلم إلى شرط الجور وقلة المبالاة بالأفعال،

ولكن الآداب في إقامة الموافقات كلما ازدادت السرائر به علما ازدادت له خشية.

وقال ابن العزمي: الحذر انكسار القلب.

وقال أيضا: معنى الحذر مراقبة القلب.

وقال الواسطي: { أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول واحذروا } أي: لا تلاحظوا طاعاتكم

فتسقطوا عن درجة الكمال.

وقال أبو سعيد الخراز: الحذر من ثمانية أوجه:

احذر اللّه فيما تعرفه من ذنوبك، واحذره فيما لا تعرفه أنت ويعرفه منك، واحذره

فيما لا ترى من فضله عليك، واحذره أن لا ينسيك عيوبك، واحذره أن تكون مخدوعا

برؤية طاعتك ونسيان مخالفاتك، واحذره أن تكون مستدرجا، واحذره أن يحجبك

برؤية رحمته عن رؤية عدله، واحذره أن لا يغرك بثناء الخلق عليك بخلاف ما يعلمه

منك.

٩٣

قوله تعالى: { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طمعوا إذا ما اتقوا } الآية: ٩٣

قال سهل: إذا طلب الحلال ولم يأخذ فوق الكفاية وآثر مما حصله وواسى.

قال أبو عثمان الحيري في قوله: { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } إذا ما اتقوا الحرام وآمنوا بوعيد اللّه وعملوا الصالحات اتبعوا السنة، ثم

اتقوا البخل وآمنوا بالخلف ثم اتقوا كثرة الأكل وأحسنوا يعني قالوا: بالفضل.

قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم }

 الآية: ١٠١

قال بعضهم: لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم قال بعضهم: لا تسألوا عن

مقامات الصديقين ودرجات الأولياء، فإنه إن بدا لكم شيء منها فأنكرتم ذلك هلكتم.

وقال سهل: سؤاله حجاب ودعاؤه قسوة.

٩٧

قوله تعالى: { جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قياما للناس } الآية: ٩٧

سمعت محمد بن عبد اللّه الطبري يقول سمعت الشبلي يقول: الكعبة أمام أعين

الخلق، والحق إمام قبلة أوليائه.

وقيل: البيت الحرام أي حرام في مجاهرته لارتكاب المخالفات بحال.

وقيل: حرام على من يراه أن يرى وضعه بعد واضعه.

وقيل قياما للناس: أي من ذل عن قيامه فاعوج بالتدنس بمعصية فأتاه فتعلق به إقامة

بركاته وأثار الأنبياء عليهم السلام.

والصلاة فيه ورده إلى حال الاستقامة.

١٠٥

قوله عز وعلا: { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم }

 الآية: ١٠٥

قال محمد بن علي: عليك نفسك إن كفيت الناس شرها فقد أديت أكثر حقها.

ودخل خادم الحسين بن منصور عليه الليلة التي وعد من الغد قتله، فقال: أوصني:

فقال: عليك نفسك إن لم تشغلها شغلتك.

وسئل أبو عثمان عن هذه الآية فقال: عليك نفسك إن اشتغلت بصلاح فسادها

وستر عوراتها، شغلك ذلك عن النظر إلى الخلق والاشتغال بهم.

١٠٩

قوله تعالى وتقدس: { يوم يجمع اللّه الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا }

 الآية: ١٠٩

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: أظهر ما منه إليهم كلهم من توليه فقالوا كيف نقول

فعلت الأمم - أو فعلنا عندها - كلت إلا عن العبادة عن الحقيقة.

وقال بعضهم: لا علم لنا بسؤال عن الحقيقة.

وقال: خاطبهم لعلمه بأنهم يحملون ثقل الخطاب وأشد ما ورد على الأنبياء في

نبوتهم حمل الخطاب على المشاهدة، لذلك لم يظهروا الجواب ولم ينطقوا بالجواب إلا

على لسان العجز، لا علم لنا مع ما كشفت لنا من جبروتك.

وقال الجنيد رحمة اللّه عليه: رفق بهم ولو فقهوا أو علموا لماتوا هيبة لورود الجواب

للخطاب.

وقال بعضهم: لولا أن اللّه تعالى أيدهم بخطابه بالوسائط، لذابوا حين فجئهم

خطاب المشاهدة.

وقال بعضهم: طاشت عقولهم وذهلت ألبابهم لهيبة ورود الخطاب عليهم.

وقال ابن عطاء: لا علم لنا بسؤالك ولا جواب لنا عنه.

وقال سهل بن عبد اللّه: لا عقل لنا وكانت مخاطبتهم في أصل العقل.

وقال بعضهم: لما ظهر لهم الحق بعلمه وسبقه ثم سألهم جحدوا علومهم ونسوها في

قوله: { يوم يجمع اللّه الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا } الآية: ١٠٩

وذلك من إقامة الأدب لأجلها بما أجابوا.

وحكى الواسطي رحمة اللّه عليه عن الجنيد رحمه اللّه أنه قال عن غفلة: قالوا لا

علم لنا ولو فقهوا لماتوا، ولو لحظت الرسل ما تحت خطابه لذابوا.

سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا عمرو محمد بن الأشعث يقول: في قوله:

{ ماذا أجبتم }؟ قالوا: لا علم لنا كعلمك، فإنك تعلم ما أظهروا وما أعلنوا وأضمروا،

ونحن لا نعلم إلا ما أظهروا فعلمك فيهم أنفذ.

وقال الواسطي رحمة اللّه عليه: خاطبهم بشاهدهم فثبتوا وأجابوا وسعوا في أمره

ونهيه، ثم خاطبهم بشاهده في الآخرة وبالحقيقة فجحدوا أمرهم وأنكروا ذلك حقهم،

لأن ما ستر عنهم لو أظهره لهم في الدنيا لما أبدوا رسالة ولا قاموا بحق، وكأنهم قالوا:

ما دعونا إلى الذي ظهر ولا قمنا بحق ما أظهرت لنا { لا علم لنا }.

وقال سهل بن عبد اللّه في قوله { لا علم لنا } أي: لا علم لنا بمرادك في سؤالك

وأنت علام الغيوب، وتلقى الخطاب بالجواب صعب ولا يتلقى خطابه إلا بالجهل

والاستكانة والفقر والذلة والخضوع.

سمعت محمد بن شاذان يقول: سمعت محمد بن الفضل يقول: في هذه الآية: { لا علم لنا } أي: لا علم لنا بجواب ما يصلح لهذا السؤال.

وقال أيضا: { لا علم لنا } إلا علمنا بأنك أنت أعلم بهم منا وليس علمنا كعلمك يا

ربنا.

وقال بعضهم في هذه الآية: { ماذا أجبتم }؟ أي: كيف شكركم عن عبادي قالوا:

{ لا علم لنا } بالإجابة، إن شكرنا كذبنا وإن صدقنا شكوا ولا تحتمل قلوبنا أن نشكوا

من ضعفاء إلى متكبر جبار، إنك أنت علام الغيوب، يستعفون من ذلك السؤال قوله:

{ إنك أنت علام الغيوب }.

قال بعضهم: قطعهم بذلك عن الشفاعات حتى يستأذنوا فيأذن لمن يشاء بقوله تعالى:

{ من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه }.

١١٠

قوله تعالى: { إذ أيدتك بروح القدس } الآية: ١١٠

قال بعضهم: منهم من ألقى إليه روح النبوة، ومنهم من ألقى إليه روح الصديقية،

ومنهم من ألقى إليه روح المشاهدة، ومنهم من ألقى إليه روح الإصلاح والحرمة، وأسر

إليهم بما لا يترحم، ولا يعبر علم رباني غاب وصفه وبقي حقه.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: لا تصح الصحبة مع اللّه إلا بصحبة الروح في صحبة

القدم.

 قال اللّه تعالى: { أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا } الآية: ١١٠

بالعقل فمن صحت صحبة روحه في القدم صحت صحبته مع اللّه.

وقال في قوله أيدتك بروح القدس: ذكر الروح في هذا الموضع لطف بالقربة من

المستترات.

قال بعضهم: قدست روحك أن تمازج شيئا من هيكلك وطبعك، بل طهرته لئلا يرى

غيري ولا يشاهد سواي، وأسكنته قالب جسمك، سكون عارية كإسكان آدم صلى اللّه

عليه وسلم الجنة

لأطهر به جسدك عن أدناس الكون حتى أقدسهما جميعا وأخرجهما إلى مجد القدس.

١١٢

قوله تعالى: { يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون اللّه } الآية: ١١٦

قال ابن عطاء: قمعه هذا الخطاب وأسره حتى أحوجه وجميع الأنبياء معا أن أقروا

بالجهل فقالوا: لا علم لنا.

 قال تعالى: { وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني } الآية: ١١١

سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا الروذباري يقول: غاية الربوبية

في غاية العبودية لما استقام على بساط العبودية أظهر عليه شيئا من أوصاف الربوبية

بقضائه وقدره.

قوله تعالى: { تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك }.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: تعلم ما في نفسي لك ولا أعلم ما في نفسك لي.

قال يحيى: تعلم ما في نفسي لأنك أوجدتها، ولا أعلم ما في نفسك لبعد الذات

عن الدرك.

سمعت محمد بن عبد العزيز يقول: سمعت محمد الجريري يقول: سمعت الجنيد

رحمة اللّه عليه يقول: وقد سئل عن قوله تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك.

قال: تعلم ما أنا لك عليه وما لك عندي، ولا أعلم ما لي عندك إلا ما أطلعتني

عليه وأخبرتني به.

وقال: تعلم ما في نفسي من تدبيرك في وقضائك لي، ولا أعلم ما في نفسك من

المحبة لي أو الإبعاد.

١١٧

قوله تعالى: { ما قلت لهم إلا ما أمرتني به } الآية: ١١٧

قيل أنى يكون لي لسان القول إلا بعد الإذن بعد قولك { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه)

.*

قوله تعالى: { فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم }.

قيل: لما أسقطت عني ثقل الإبلاغ، كنت أنت أعلم من إقبالهم بما أجريت عليهم من

محتوم قضائك.

وقال أبو بكر الفارسي في هذه الآية: الموحد ذاهب عن حاله ووصفه وعما له

وعليه، وإنما هو ناظر بما يرد ويصدر ليس بينه وبين الحق حجاب، إن نطق فعنه وإن

سكت فيه، حيث ما نظر كان للحق منظوره، وإن أخلده النار لم يلتمس فرجا لأن رؤية

الحق وطنه ونجاته، وهلكته من عين واحدة لم يبق حجاب إلا طمسه برؤية التفريد وكان

المخاطب والمخاطب واحدا، وإنما يخاطب الحق نفسه بنفسه لنفسه، قد تاهت العقول

ودرست الرسوم وبطل ما كانوا يعملون.

١١٨

قوله تعالى: { إن تعذبهم فإنهم عبادك } الآية: ١١٨

قال الوراق: إن تعذبهم بتقصيرهم في طاعتك، فإنهم عبادك مقرون لك بالتقصير،

وإن تغفر لهم ذنوبهم فأنت أهل العزة والكرم.

وقال بعضهم: نزل عيسى عليه الصلاة والسلام له انبساط في السؤال للأمة وترك

المحاكمة في أفعاله، ونبينا صلى اللّه عليه وسلم لا يزال يشفع ويشفع ويقول: أمتي أمتي

حتى يجاب في

الكل من أمته، وهذا هو المقام المحمود الذي خص به، ويغبطه عليه الأولون والآخرون

حيث راجع الحق منبسطا ويجاب بقوله قل يسمع واشفع تشفع.

١١٩

قوله تعالى: { قال اللّه هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم } الآية: ١١٩

سمعت محمد بن الحسن البغدادي يقول: سمعت محمد بن أحمد بن سهل يقول:

سمعت سعيد بن عثمان يقول:

قال ذو النون: ثلاثة من أعلام الصدق: ملازمة الصادقين، والسكون عند نظر

المتفرسين ووجدان الكراهية لتغير السر لرب العالمين.

سمعت النصر آباذي يقول: سمعت إبراهيم بن عائشة يقول: سمعت أبا سعيد

القرشي وقد سئل عن الصادق فقال: الذي ظاهره مستقيم وباطنه لا يميل إلى حظ

النفس لاستقامته، وعلامة صاحبه أن يجد الحلاوة في بعض الطاعة ولا يجد في

بعضها.

وإذا اشتغل بالذكر والاجتهاد يجد الروح وإذا اشتغل بحظوظ نفسه حجب عن اللّه

وعن الأذكار.

وقال بعضهم في قوله { يوم ينفع الصادقين صدقهم } حجاب الأكابر إخبارهم عن

حضورهم ومن حضر نفسه لا يحضر ربه، ومن ادعى الصدق أثبت نفسه وأحضرها.

سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت الكتاني يقول: سألت ابن عطاء بمكة عن

قوله: { يوم ينفع الصادقين صدقهم } قال: إرادتهم في بيان أعمالهم بجوارحهم.

وقال الحسيني في هذه الآية: إذا قابل ربه بصدق، وجهل أمر ربه، وطالب ربه

بحظه ووعده يطالبه ربه بصدق صدقه فأفلسه عن رتبته وأبعده عما قصده، وينفع صدقه

من لقيه الإفلاس وأيقن أنه كان مستعملا تحت حكمه وقضيته.

قوله تعالى: { فإنك أنت العزيز الحكيم } الآية: ١١٨

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: عز كلامه ونعوته وعزت صفاته وبيانه وأساميه فلم

يبدها إلا لمن خلقه لها ومن كان هو أحق بها وأهلها.

ذكر ما في سورة الأنعام

﴿ ٠