سورة الأنعام

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله عز وعلا: { الحمد للّه الذي خلق السماوات والأرض } الآية: ١

قيل: حمد نفسه بنفسه حين علم عجز الخلق عن بلوغ حمده.

وقيل: حمد نفسه على ما أبدى الخلق من مصالحهم ومعايشهم لغفلة الخلق عن

ذلك.

وقيل في قوله: { خلق السماوات والأرض } قال: السماوات سماوات المعرفة، والأرض

أرض الخدمة.

وقيل هذه الآية من ذا الذي يستحق الحمد،، إلا من يقدر على مثل هذا الخلق

من السماوات والأرض وما فيهما.

وسئل الواسطي رحمة اللّه عليه ما الحكمة في إظهار الكون بقوله خلق السماوات

والأرض؟ فقال: لا حاجة به إلى الكون، لأن فقد الكون ظهوره وظهوره فقده عنده،

فإن قيل لإظهار الربوبية قيل: ربوبيته كانت ظاهرة ولم يظهر ربوبيته لغيره قط، لأنه لا

طاقة لأحد في ظهور ربوبيته، بل أظهر الكون وحجب الكون بالكون، لئلا تظهر لأحد

الربوبية فينطمس، لأن الحق لا يحتمله إلا الحق.

وسئل بعضهم: ما الحكمة في إظهار الكون؟ قال: ارتفاع العلة، فإذا ارتفعت العلة

ظهرت الحكمة.

قوله تعالى: { وجعل الظلمات والنور }.

قال بعضهم: أبدأ الظلمات في الهياكل والنور في الأرواح.

وقال بعضهم: جعل الظلمات الكفر والمعاصي، وجعل النور الإيمان والطاعات.

وقال الواسطي: هو الكفر والمعاصي والنور والإيمان، وأصله الافتراق والاقتران.

وقال بعضهم: جعل الظلمات والنور، الظلمات: أعمال البدن والنور: في

التفويض.

٢

قوله تعالى: { هو الذي خلقكم من طين } الآية: ٢

قال الحسن: ردهم إلى قيمتهم في أصل الخليقة، ثم أوقع عليهم نور السيد وخاصية

الخلقة، فتميزوا بذلك عن جملة الحيوانات بالمعرفة والعلم واليقين.

٣

قوله تعالى: { يعلم سركم وجهركم } الآية: ٣

قال بعضهم: ما تضمرون في سرائركم وما تجهرون به من دعواتكم.

٩

قوله تعالى: { وللبسنا عليهم ما يلبسون } الآية: ٩

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: ليس على أهل ولايته بحضرته كما أنزل في بعض

الكتب بغيتي ما يتحمله المتحملون من أجلي وطلب مرضاتي، أتراني أنسى لهم ذلك

كيف وأنا الجواد الكريم، أقبل على من تولى عني فكيف بمن أقبل علي.

وقال النوري في قوله: { وللبسنا عليهم ما يلبسون } قال: رحمهم من حيث لم

يعلموا.

١٠

قوله عز وعلا: { ولقد استهزئ برسل من قبلك } الآية: ١٠

قال: القاسم لما لم يعرفوا حقوق الرسل ولم يكرموهم ولم ينظروا إليهم بعين

الحق، فصموا عن الأنوار والمشاهدات والرفيع من المقامات.

قوله عز وعلا: { وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة } الآية: ٥٤

قال: كتب في الأبد لمن نظر إليه في الأزل بعين الرحمة.

قال أبو عثمان: أوجب على نفسه عفو المقصرين من عباده، لذلك قال: كتب ربكم

على نفسه الرحمة.

وقال بعضم: في قوله: { سلام عليكم } قال: هي الصفات الجارية عليهم ولهم،

والذي أعتقهم من رق الكون وأظهرهم من خفايا المختزنات المصونات المكنونة بأعجب

أعجوبة ثم أشهدهم السلام.

قال محمد بن علي الكتاني: اختص الحق بقلوب العارفين لسكونها إليه، قال: ' وله

ما سكن ' وكانوا سالمين منه في أزليته، سالمين منه، في ظاهر ربوبيته، سالمين في

آخريته، فاستحقوا اسم السلام بذلك.

١٣

قوله عز ذكره: { وله ما سكن في الليل والنهار } الآية: ١٣

كيف لا يسكن إلى الحق ولدعاة الحقيقة تقصده وهو موضع النظر.

وقال الواسطي: { وله ما سكن في الليل والنهار } فمن ادعى شيئا من ملكه وهو ما

سكن في الليل والنهار من خطرة أو حركة أنها له فقد جارب القبضة وأوهن العزة.

{ ألا له الخلق والأمر } أمر إطلاق.

وقال أيضا في هذه الآية: أزال الأملاك بل أبطلها حين أضافها إلى نفسه وتولاها

بقدرته وأظهرها بمشيئته وأوجدها بعدما أفقدها، فهو المالك لها على الحقيقة.

١٤

قوله تعالى: { قل أغير اللّه أتخذ وليا } الآية: ١٤

قال الجوزجاني: أبغى سواه ملجأ وقد سهل السبيل إليه.

وقال غيره: أسواه أستكفى، وهو الذي يكفيني المهم في الدارين.

وقال أبو عثمان: الالتجاء إلى اللّه عز وجل فإنه موضع اللجأ { قل أغير اللّه أتخذ وليا }.

قوله تعالى: { قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم }.

قال بعضهم: أكون أول من انقاذ للحق إذا ظهر.

وقال ابن عطاء: أن أكون من الخاضعين لما يبدو من مبادئ القدرة.

وقال جعفر: من الراضين بموارد القضاء.

١٧

قوله تعالى: { وإن يمسسك اللّه بضر فلا كاشف له إلا هو } الآية: ١٧

قال الوراق: اعتمد على اللّه في جميع أمورك وأحوالك، فإنه لا مانع لما أعطى ولا

دافع لما أنزل سواه، ألا تراه يقول: { وإن يمسسك اللّه بضر فلا كاشف له إلا هو }.

وقال الجنيد رحمة اللّه عليه: معبودك أول خاطر يخطر لك عند نزول ضر أو نزول

بلاء إن رجعت فيه إلى اللّه فهو معبودك وهو الذي يكفيك، وإن رجعت إلى غيره تركك

وما رجعت إليه.

١٨

قوله تعالى: { وهو القاهر فوق عباده } الآية: ١٨

قيل: جبرهم وقهرهم حتى لو استطاعوا عنه معدلا ما أطاقوا، يجحدون ظاهرين

وتكذبهم البواطن.

وقال الحسين: القاهر يمحو به كل موجود.

وقال بعضهم: قهرهم على الإيجاد والإظهار، كما قهرهم على الموت والفناء.

وقال بعضهم: القاهر: الآمر بالطاعة من غير حاجة، والناهي عن المعصية من غير

كراهية، والمثيب من غير عوض، والمعاقب من غير حقد، لا يشتفي بالعقوبة ولا يتعزز

بالطاعة.

١٩

قوله عز وعلا: { قل أي شيء أكبر شهادة) الآية: ١٩

قال الحسين: لا شهادة أصدق من شهادة الحق لنفسه بما شهد به في الأزل لقوله

{ أي شيء أكبر شهادة قل اللّه }.

٢٥

قوله تعالى: { ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة } الآية: ٢٥

قال ابن عطاء: لأنه لم يجعل لهم سمع الفهم، وإنما جعل لهم سمع الخطاب.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: ومنهم من يستمع إليك بنفسه وهو في ظلمات نفسه

يتردد، ومنهم من يستمع منك بنا فهو في أنوار المعارف يتقلب.

٢٨

قوله تعالى: { بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل } الآية: ٢٨

قيل: ظهر لهم من عيوب أسرارهم ما كان يخفيه عنهم قلة عملهم.

قال أبو العباس الدينوري: أبدا لهم الحق فساد دعاويهم التي كانوا يخفونها

ويظهرون للناس خلافها من التنسك والتقى.

٣٠

قوله تعالى: { ولو ترى إذ وقفوا على ربهم } الآية: ٣٠

قال ابن عطاء: وقفوا وقوف قهار، ولو وقفوا وقوف اشتياق لرأوا عن أنواع

الكرامات ما تعجبوا منها.

٣٢

قوله تعالى: { وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو } الآية: ٣٢

قال محمد بن علي: لعب لمن جمعه لهو لمن يرث عنه.

وقال الواسطي في قوله { ولدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا يعقلون } جهلهم

بعلمهم.

قال النصرآباذي: لمن لزم التقوى واشتاق إلى مفارقة الدنيا.

قال اللّه تعالى: { وللدار الآخرة خير للذين يتقون }، والإنسان يسارع إلى ما هو

خير له.

قال بعضهم في هذه الآية: تعزية للفقراء بما حرموا منها، وتقريع للأغنياء بما ركنوا

إليها.

٣٤

قوله تعالى: { ولقد كذبت رسل من قبلك } الآية: ٣٤

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: طيب قلب نبيه صلى اللّه عليه وسلم بما خالفوه به من أنواع

الخلاف

لئلا يشق عليه حال الإبلاغ.

قوله تعالى: { ولا مبدل لكلمات اللّه }.

قيل: لا مغير لها لما أجرى في الأزل عند ظهورها في الأبد، والأزل والأبد عنده

واحد ولا أزل ولا أبد حقيقة.

٣٥

قوله تعالى: { ولو شاء اللّه لجمعهم على الهدى } الآية: ٣٥

قال الواسطي: على جوهرة واحدة في صفة واحدة.

وقيل هذا الخطاب استهانة بمن أعرض عنه، بأنه سيرهم في مشيئته وصرفهم في

تدبيره.

٣٦

قوله تعالى: { إنما يستجيب الذين يسمعون } الآية: ٣٦

قال النوري: من فتح سمعه للسماع أجرى لسانه بالجواب.

قوله تعالى: { إنما يستجيب الذين يسمعون }.

قال ابن عطاء: أخبر اللّه أن أهل السماع هم الأحياء وهم أهل الخطاب والجواب،

وأخبر أن الآخرين هم الأموات بقوله { والموتى يبعثهم اللّه }.

٣٨

قوله تعالى: { ما فرطنا في الكتاب من شيء } الآية: ٣٨

قيل: ما أخرنا في الكتاب ذكر أحد من الخلق ولكن لا يبصر ذكره: في الكتاب إلا

المؤيدون بأنوار العزة.

٣٩

قوله عز وعلا { والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات } الآية: ٣٩

قال بعضهم: لم يصدقوا إظهار كرامتنا على المقربين من عبادنا، عموا وصموا عن

أنوار الملاحظات، وبقوا مع ظلمات النفوس وهواجس الهياكل.

قوله تعالى: { من يشأ اللّه يضللّه ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم }.

قال من يرد اللّه به الخير يجره إلى حسن اختياره له فيبقى على أسلم الطريق، وهو

الرضا بمجاري القدرة وهو الصراط المستقيم. ومن يرد به الشر تركه في سوء تدبيره

فيبقى في ضلاله.

٤٠

قوله تعالى: { أغير اللّه تدعون إن كنتم صادقين } الآية: ٤٠

قيل أعلى غيره تتوكلون وإلى سواه ترجعون؟ وهو الذي وفقكم لمعرفته وأقامكم

مقام الصادقين من عباده.

قال الجريري: مرجع العارفين إلى الحق في أوائل البدايات، ومرجع العوام إليه بعد

الإياس من الخلق.

قال اللّه تعالى: { أغير اللّه تدعون إن كنتم صادقين }.

٤١

قوله تعالى: { بل إياه تدعون } الآية: ٤١

قال الجنيد رحمة اللّه عليه: من دعا الحق فبإياه لإياه يدعو من غير حظ فيه ولا

حضور من نفسه.

قال اللّه تعالى: { بل إياه تدعوه }.

قال بعضهم: بل إليه المرجع لمن عقل عنه خطابه.

٤٢

قوله تعالى: { فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون } الآية: ٤٢

قال ابن عطاء: أخذنا عليهم الطرق كلها ليرجعوا إلينا.

٤٦

قوله تعالى: { قل أرأيتم إن أخذ اللّه سمعكم وأبصاركم } الآية: ٤٦

قال الجريري: أي إن أخذ اللّه سمعكم عن فهم خطاباتهم وأبصاركم عن الاعتبار

بصنائع قدرته، وختم على قلوبكم تسلبكم معرفته، هل يقدر أحد فتح باب من هذه

الأبواب سواه؟ كلا بل هو المبتدئ بالنعم تفضلا ومنتهى في الانتهاء كرما.

٤٨

قوله تعالى: { فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم } الآية: ٤٨

قال بعضهم: من أخلص باطنه وأصلح ظاهره فلا خوف عليهم خوف القنوط ولا

هم يحزنون حزن القطيعة.

٥٠

قوله تعالى: { قل هل يستوي الأعمى والبصير } الآية: ٥٠

قال بعضهم: الأعمى من عمى عن طريق رشده والقائم مع عبادته، والبصير الناظر

إلى منن الحق عليه وحسن توليه له أفلا تتفكرون في اختلاف السبيلين وبيان المذهبين.

٥١

قوله تعالى: { وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم } الآية: ٥١

وقال أبو سعيد الخراز في قوله: { وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم }

قال: أن يجعلوا إلي وسيلة غيري، أو شفيعا إلي سواي.

سمعت الأستاذ أبا سهل محمد بن سليمان يقول: لسنا مخاطبين بحقائق القرآن إنما

المخاطب بحقيقته هم الذين وصفهم اللّه فقال: { وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم } وقال { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب } ق: ٣٧

قوله تعالى: { ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع }.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: من استقطعته المملكة عن الملك، لا يصلح لخدمة

الملك.

وقال أيضا: لا تلاحظ أحدا وأنت تجد إلى ملاحظة الحق سبيلا.

قوله تعالى: { لعلهم يتقون }.

قال: أن يجعلوا إلي وسيلة غيري.

وقيل في هذه الآية: إنما يعطى الأطماع بمعاونة نصيب الكرم دون السعاية بضياء

الهداية.

٥٢

قوله تعالى: { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه }

 الآية: ٥٢

سئل النهرجوري عن المريد، فقال: صفته ما ذكر اللّه عز وجل في كتابه: { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه } الآية.

وهو دوام ذكره وإخلاص عمله، أوصى بذلك أكابرهم في التعطف عليهم والصفح

عن زللّهم.

وقال أبو عثمان: الحال التي تجب على العبد لزوم حقيقة الذكر وخلوص السر وهو

المبدئ وهو المنهي.

وقال بعضهم في هذه الآية: لا تبعد عنك من زيناه بزينة العبودية، وجعلنا أيامه وفقا

على الإقبال علينا.

وقال أبو بكر الفارسي: إرادتك للّه ذكرك له على الدوام، قال اللّه تعالى: { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } وهذه صفة المتحققين من أهل الإرادة، ومن

علامة المريد الصادق أن يتنافر من غير جنسه ويطلب الجنس.

٥٣

قوله تعالى: { وكذلك فتنا بعضهم ببعض } الآية: ٥٣

قال الحسين: قطع الخلق بالخلق عن الحق، قال: { فتنا بعضهم ببعض }.

قال أبو بكر الوراق: هي فتنة الرجل بولده وزوجته والاشتغال بهم وبأسبابهم وقد

ذكر عن بعض السلف أنه قال: ما شغلك عن اللّه فهو مشئوم وهو بلاء وفتنة.

وقال محمد بن حامد في هذه الآية: فتن الفقراء بالأغنياء وفتنة الأغنياء بالفقراء،

ففتنة الفقير في الغني رؤية فضله عليه وسخطه لما يمنعه مما في يده ويراه المعطي والمانع

دون اللّه، وفتنة الغني بالفقير ازدراؤه بالفقراء وتحقيره إياهم ومنعهم ما أوجب اللّه لهم

عليه مما في يده وامتنانه عليهم بإيصالهم إلى حقوقهم أو إيصال الحقوق إليهم، والذي

يسقط عن الفقير فتنة فقره رؤية فضل الأغنياء والذي يسقط عن الغني فتنة غنائه رؤية

فضل الفقراء.

قوله تعالى: { أليس اللّه بأعلم بالشاكرين } الآية: ٥٣

قال ذو النون: الشاكر هو المستزيد لذلك فضل اللّه الحامدين على الشاكرين.

وقال بضعهم: الشاكرين أي الراجعين إلى اللّه في جميع أحوالهم.

٥٤

قوله عز وعلا: { وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم } الآية: ٥٤

قيل في هذه الآية: تسلم أنت على الذين يؤمنون بآياتنا، فإنا نسلم على الذين

يؤمنون بنا بلا واسطة وذلك قوله: { سلام قولا من رب رحيم }.

وقال بعضهم: إذا جاءك الذين خالفوا الامر وهم على طريقة التوحيد فاقبلهم ولا

تردهم بالمعاصي قال اللّه: { لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }.

سمعت أبا عبد اللّه الرازي يقول: سمعت إبراهيم بن المولد يقول: واللّه إن الحق هو

الذي يسلم على الفقراء، والنبي صلى اللّه عليه وسلم في ذلك واسطة.

قوله تعالى: { كتب ربكم على نفسه الرحمة }.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: برحمته وصلوا إلى عبادته، لا بعبادتهم وصلوا إلى

رحمته، وبرحمته نالوا ما عنده، لا بأفعالهم لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: ' ولا أنا

إلا أن

يتغمدني اللّه منه برحمته '.

قوله تعالى: { أنه من عمل منكم سوءا بجهالة } الآية: ٥٤

قال ابن عطاء: كل من عصى اللّه عصاه جهالة، وكل من اطاعه أطاعه بعلم فإن

العبد إذا لم يعظم قدر معرفة اللّه في قلبه ركب كل نوع من البلاء.

٥٧

قوله عز وعلا: { إني على بينة من ربي } الآية: ٥٧

قال أبو عثمان: الأنبياء والأولياء والأكابر منهم على بينات، فبينات الأنبياء وحي

ويقين وبينات الأولياء الفراسة الصادقة والإخبار عن الغيب كما كان ليوشع وللصديق

الأكبر.

٥٩

قوله تعالى: { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو } الآية: ٥٩

قال الجريري: لا يعلمها إلا هو ومن يطلعه عليها من صفى وخليل وحبيب وولي.

قال ابن عطاء في هذه الآية: يفتح لأهل الخير المحبة والرحمة، ولأهل الشر الفتنة

والمهانة، ولأهل الولاية الكرامات، ولأهل السرائر السر، ولأهل التمكين جذبا.

وقال ابن عطاء: الفتح في القلوب الهداية وفي الهموم الرعاية وفي الجوارح

السياسة.

وقال أيضا: يفتح للأنبياء المكاشفات وللأولياء المعاينات وللصالحين الطاعات وللعامة

الهداية.

وقال أبو سعيد الخراز في هذه الآية: أبدأ ذلك لنبيه وحبيبه صلى اللّه عليه وسلم ففتح عليه

أولا

أسباب التأديب، أدبه بالأمر والنهي، ثم فتح عليه أسباب التهذيب وهي المشيئة

والقدرة، ثم فتح عليه أسباب التذويب وهو قوله { ليس لك من الأمر شيء } ثم

أسباب التغييب وهو قوله: { وتبتل إليه تبتيلا } فهذه مفاتيح الغيب التي فتحها اللّه

لنبيه صلى اللّه عليه وسلم.

وقال جعفر في قوله { وعنده مفاتح الغيب } قال: يفتح من القلوب الهداية ومن

الهموم الرعاية من اللسان الرواية ومن الجوارح السياسة والدلالة.

وقال بعضهم: يفتح لأهل الولاية ولاية وكرامة، ولأهل السر سر أبعد سر، ولأهل

التمكين جذبا وتقريبا، ولأهل الإهانة بعدا وتصريفا، ولأهل السخط حجبا وتبعيدا.

قوله تعالى: { وما تسقط من ورقة إلا يعلمها } الآية: ٥٩

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: متى يعلمها؟ حين لا متى! أقبل نضرتها وخضرتها

ودهائها حتى لا يوجد منها شيء فما ستر من صفاته وما ظهر واحد، إذا كان ذلك على

قدر الكون، إنما نتكلم بأقدارنا ونشير بأخطارنا، ولو كان بقدره كان الهلاك.

قوله تعالى: { ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين }.

فالاضطراب أن تقدم ما أخر أو تؤخر ما قدم، منازعة لربوبيته وخروجا عن

عبوديته.

وقال في قوله: { وما تسقط من ورقة إلا يعلمها } قال: هي في الأصل لا وزن لها

لأنها اخضرت ثم اصفرت ثم يبست ومرت، إنها الإشارة إليها لطفا، لأن ما دونها في

القلة، وما فوقها في الرتبة، بمنزلة لا زيادة في وجودها، ولا نقصان في فقدها.

وقال بعضهم: من مفاتيح غيبه ما قذف في قلبك من نور معرفته، وبسط فيه بساط الرضا

بقضائه وجعله موضع نظره.

٦٢

قوله تعالى: { ثم ردوا إلى اللّه مولاهم الحق } الآية: ٦٢

قال بعضهم: هي أرجا آية في كتاب اللّه، لأنه لا مرد للعبد أعز من أن يكون مرده

إلى مولاه.

٦٤

قوله تعالى: { قل اللّه ينجيكم منها ومن كل كرب } الآية: ٦٤

قال بعضهم في هذه الآية يقول اللّه: ' أنا كاشف الكروب، فمن قصدني عند كربائه

وحاجاته كشفت عنه كروبه ومن قصد غيري أسقطت عنه وجاهته '.

٦٥

قوله تعالى: { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم } الآية: ٦٥

قال القاسم: عذابا من فوقكم اللّهو والنظر إلى المحرمات والنطق بالفواحش، أو من

تحت أرجلكم: المشي إلى الملاهي وأبواب السلاطين وهتك أستار المحرمات، أو يلبسكم

شيعا يرفع عما بينكم الألفة، ويذيق بعضكم بأس بعض بتكفير أهل الأهواء بعضهم

بعضا.

٦٧

قوله عز وعلا: { لكل نبإ مستقر } الآية: ٦٧

قال الحسين: لكل دعوى كشف.

٦٩

قوله عز وعلا: { وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء } الآية: ٦٩

قال أبو صالح بن حمدون: الطريق إلى اللّه التقوى، والتقوى أكل الحلال وحفظ

الجوارح وزمها عن الشبهات.

وقيل: ما على التاركين الاعتماد على الوسائط والآخذين من الحق حظوظهم

حساب.

٧٠

قوله تعالى: { وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا } الآية: ٧٠

قال الحسين: لا نلاحظ من شغلهم خلقنا عنا وأنسوا بحياتهم في دنياهم وهي في

الحقيقة موت، والحي من يكون به حيا.

٧١

قوله عز ذكره: { قل إن هدى اللّه هو الهدى } الآية: ٧١

قال القاسم: الطريق إلى اللّه هو الأصح، والقاصد عرصته هو المعان.

قال اللّه تعالى: { قل إن هدى اللّه هو الهدى وأمرنا لنسلم }.

قال أبو عثمان: أمر العبد بالتسليم، والتسليم: ترك التدبير والرضا لمجاري القضاء.

٧٢

قوله تعالى: { وأن أقيموا الصلاة واتقوه } الآية: ٧٢

قال بعضهم: إقامة الصلاة حفظ حدودها والدخول فيها بشرط الخدمة، والقيام فيها

على سبيل الهيبة، والمناجاة فيها بلسان الاقتصار والذلة، والخروج منها رؤية التقصير في

الخدمة، هذه إقامة الصلاة لا الترسم بالركوع والسجود.

قال ابن عطاء: إقامة الصلاة حفظ حدودها مع اللّه وحفظ الأسرار فيها مع اللّه أن

لا يختلج في سره سواه.

٧٣

قوله تعالى: { قوله الحق وله الملك } الآية: ٧٣

قال الحسين: هو الحق ولا يظهر من الحق إلا الحق، قال اللّه تعالى: { قوله الحق }.

٧٥

قوله عز وعلا: { وكذلك نري إبراهيم } الآية: ٧٥

أراه ذلك ليطيق الهجوم على عظمته.

وقال فارس في قوله { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض } قال:

بدايات أعلام الغيوب التي لا تبقى على النفوس غير اللّه، وهي دلائل أهل التوحيد مع

اللّه.

وقال بعضهم: أرى الخليل الملكوت لئلا يشتغل بها ويرجع إلى مالكها.

وقال بعضهم: أرى الخليل الملكوت فاشتغل بالاستدلال على الحق، فلما كشف له

من الحقيقة تبرأ من الكل فقال: ' أما إليك فلا '.

قوله جل ذكره: { وليكون من الموقنين }.

بأن لها صانعا يقلبها.

وقيل: أرى ملكوت السماوات والأرض أنها محدثة وأن لها مدبرا، فصار من الموقنين

بأن لا دافع ولا نافع سوى اللّه.

وقيل في قوله: { وليكون من الموقنين }: بعد معرفة اليقين.

وقال النصرآباذي في قوله: { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض }

ولم يقل رأى إبراهيم ولا يمكن رؤية الفروع بالفروع، إنما رأى الفروع من الملكوت

بالأصول.

٧٦

قوله عز اسمه: { فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي } الآية: ٧٦

قال بعضهم: كمن فيه كواكب الوحدانية وشموسها وأقمارها، فغلب به الشكوك في

رؤية الأقمار والنجوم والشمس.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: في قوله رأى كوكبا قال: إنه كان يطالع الحق بسره لا

الكواكب، وكذلك في الشمس والقمر بقوله: { لا أحب الآفلين } عند رجوعه إلى

أوصافه بارتفاع المعنى البادي عليه، إني لا أحب زوال ما استوفاني من لذة المشاهدة

فأذهلني عنه وأحضرني فيه.

وقال النصرآباذي: أراه بالفرع الأفول وأراه في الأصول نفس الأفول وبطلانه فقال:

{ لا أحب الآفلين }.

وقال أيضا: أراه الأفول حتى هيمه فيمن لا أفول له وأنشد:

(أن شمس النهار تغرب بالليل

* وشمس القلوب ليس تغيب

*

قال ابن عطاء في هذه الآية { هذا ربي } قال: كان الأول تفريقا للقوم، والثاني

مسأله الازدياد للّهداية، فلما أزال العذر والتقريع به وقام بالحجة رجع إلى البراءة.

وقال: { يا قوم إني بريء مما تشركون }.

وقيل هذا دليل على ربي، لأن ربي لم يزل ولا يزال ولا يزول وهذا آفل، ومن لا

يقوم بنفسه، وتحويه الأماكن ويزول منها لا يكون ربا.

وقال بعضهم: لما أظلم عليه الكون وعمى عن الاختيار وألجأه الاضطرار إلى

النفس، الاضطرار ورد على قلبه من أنوار الربوبية فقال: هذا ربي ثم كشف له عن

أنوار الهيبة فازداد نورا، فصاح ثم أفنى بنور الإلهية عن معنى البشرية فقال: { لئن لم يهدني ربي } ثم أبقى ببقاء الباقي فقال: { يا قوم إني بريء مما تشركون }.

٧٧

قوله تعالى: { لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين } الآية: ٧٧

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: لئن لم يقمني ربي على الهداية التي شاهدتها بإعلام

بواديه { لأكونن من القوم الضالين } في نظري إلى نفسي وبقاءي في صفاتي.

وقال سهل في هذه الآية: لئن لم يهدني ربي بمعونة منه لأكونن مثلكم في الضلالة

وقال بعضهم: لئن لم يزدني هدى ولم يثبتني على الهداية.

وقال بعضهم: لئن لم يكرمني بمزيد الهداية لأكونن كما أنتم في عبادتكم، فلما ثبتت

الحجة عليهم إنها ليست بآلهة رجع إلى وطنه فقال: { إني بريء مما تشركون }.

وقيل في قوله: { إني بريء مما تشركون } من الإستدلال بالمخلوقات على الخالق

بعلمي أن لا دليل على اللّه سواه.

وقيل في قوله: { وما أنا من المشركين }.

قال الواسطي: منى الدعوة ومن اللّه الهداية.

قال ابن عطاء في قوله: { هذا ربي } قال: كان إبراهيم صلى اللّه عليه وسلم من شدة حبه

لربه

وشغفه به لما رأى الصنع والآثار غاب عنها وتعلق بالصنائع، وهذا من عطشه وامتلائه

بربه، لم يكن فيه فضل من ربه أن يكون هذا صنع ربي الذي يظهر مثل هذه البدائع

والآثار، وهذا مقام الجمع أن لا يكون فيه فضل من ربه أن يذكر سواه أو يرى سواه.

٧٩

قوله تعالى: { إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض } الآية: ٧٩

قال جعفر: يعني أسلمت قلبي للذي خلقه وانقطعت إليه من كل شاغل وشغلي

للذي فطر السماوات والأرض قال: الذي رفع السماوات والأرض بغير عمد، وأظهر فيها

بدائع صنعه قادر على حفظ قلبي من الخواطر المذمومة والوساوس التي لا تليق بالحق.

٨٢

قوله تعالى: { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } الآية: ٨٢

قال ابن طاهر: لم يلبسوا إيمانهم أي: لم يرجعوا في النوائب والمهمات إلى غير اللّه

{ أولئك لهم الأمن وهم مهتدون } راجعون إلى من إليه المرجع.

٨٣

قوله تعالى: { نرفع درجات من نشاء } الآية: ٨٣

قال: الصفاء: السر وصحة الهمة.

قال جعفر الخلدي: نرفع درجات من نشاء بالخلق السني والهمة الزكية.

وقال محمد بن الفضل: نرفع درجات من نشاء بطاعة الرسول صلى اللّه عليه وسلم واتباع

سنته.

وقال النوري: نرفع درجات من نشاء بالكون مع اللّه والفهم عنه.

وقال بعضهم: نرفع درجات من نشاء بالسخاء وهو خلق الأنبياء ولذلك قيل حسن

الخلق.

٨٧

قوله تعالى: { واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم } الآية: ٨٧

قال الجنيد: في هذه الآية أخلصناهم لنا وأدبناهم بحضرتنا ودللناهم على الاكتفاء بنا

عما سوانا.

٩٠

قوله عز وعلا: { أولئك الذين هدى اللّه فبهداهم اقتده } الآية: ٩٠

قيل: أولئك الذين هدى اللّه لآداب عبادته وطرق خدمته، فاقتد بهم في آداب

العبودية.

قال الواسطي: هذبهم بذاته وقدسهم بصفاته، فأسقط عنهم الشواهد والأغراض

ومطالبات الاعتراض، فلا لهم إشارة في سرائرهم ولا عبارة عن أماكنهم.

وقيل في هذه الآية: لا تصح الإرادة إلا بالأخذ عن الأئمة وبركات نظرهم ألا ترى

كيف أثر نظر المصطفى صلى اللّه عليه وسلم في وزيريه بين أصحابه فقال: ' اقتدوا باللذين

من بعدي '

فلا يصح الاقتداء إلا بمن صحت بدائته ويسلك سلوك السادات وأثر فيه بركات

شواهدهم، ألا ترى المصطفى عليه الصلاة والسلام يقول: ' طوبى لمن رآني ' أي فاز

من أثر فيه رؤيتي.

٩١

قوله تعالى: { وما قدروا اللّه حق قدره } الآية: ٩١

قال الحسين: كيف يقدر أحد حق قدره، وهو بقدره يريد أن يقدر قدره، وأوصاف

الحدث أين تقع من أوصاف القدم.

قال بعضهم: ما عرفوا حق قدره، ولو عرفوا ذلك لذابت أرواحهم عند كل وارد يرد

عليهم من صنعه.

قوله تعالى: { قل اللّه ثم ذرهم }.

قال بعضهم: دعا خواصه بهذه الآية إلى انقطاع من كشف ما له إلى الكشف عما

به، وقد قال اللّه إشارة إلى جريان السر ' قل اللّه ' في سرك وذر ما في لسانك.

قال الواسطي: كان محمد صلى اللّه عليه وسلم مكافحا في سره، وكان يسمع له أزيز

كأزيز

المرجل ' فلذلك كل من تحقق بذكره امتحق ما دونه من سره، قال اللّه عز من قائل:

{ قل اللّه ثم ذرهم }.

وقال بعضهم: من أصحاب الشبلي قلت له: أوصني وقت مفارقتي له؟ فقال:

عليك باللّه ودع ما سواه وكن معه { وقل اللّه ثم ذرهم في خوضهم يلعبون }.

٩٢

قوله تعالى: { وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه } الآية: ٩٢

قيل: مبارك على من اتبعه وآمن به، مبارك على من صدقه وعمل بما فيه.

وقيل: مبارك على من فهم عن اللّه أمره ونهيه، مبارك على من عظم حرمته، مبارك

على من قرأه بتدبيره وعلى من سمعه بحضوره.

٩٣

قوله تعالى: { ومن أظلم ممن افترى على اللّه كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء } الآية: ٩٣

قال بعضهم: إن ما لا يليق بجلاله. قدره وحقيقة شأنه من التنافر به وإن كان

مأذونا فيه، لأن ذلك أقدار خلقه وطاقتهم لذلك.

قال سهل بن عبد اللّه: من ذكر فقد افترى، قال اللّه تعالى: { فمن أظلم ممن افترى على اللّه كذبا } لا بأذكار الغفلة.

٩٤

قوله تعالى: { ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة } الآية: ٩٤

قال بعضهم: أجل مقامات العبد إظهار إفلاسه والرجوع إليه خاليا من جميع

طاعاته.

قيل لأبي حفص: بماذا تقدم على اللّه، قال: وما للفقير أن يقدم به على الغني سوى

فقره، قال اللّه تعالى: { ولقد جئتمونا فرادى } خالين من جميع أعمالكم وأحوالكم

وطاعاتكم.

٩٥

قوله تعالى: { إن اللّه فالق الحب والنوى } الآية: ٩٥

قال ابن عطاء: مظهر ما في حبة القلب من الإخلاص والرياء.

٩٦

قوله تعالى: { فالق الإصباح وجعل الليل سكنا } الآية: ٩٦

قال بعضهم: فالق القلوب بشرح أنوار الغيوب.

وقال بعضهم: منور الأسرار بنور المعرفة.

٩٧

قوله تعالى: { وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها } الآية: ٩٧

قال أبو علي الجوزجاني: جعل اللّه تعالى الليل مطية ودليلا، فالمطية يركبها في طلب

الزلف، والدليل يستدل به على أبواب الرضا، قال اللّه تعالى { لتهتدوا بها } الطريق إلى

الجنة.

٩٨

قوله تعالى: { وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع } الآية: ٩٨

قال ابن عطاء: خلق أهل المعرفة على جهة ومنزلة واحدة فمستقر في حال معرفته

مكشوف عنه، ومستودع في حال معرفته مستتر عنه.

قال بعضهم: مستقر لطاعته وعبادته مع الإيمان به، ومستودع لذلك زائل عنه بعد

موته.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: مستقر فيه أنوار الذات على الأبد، ومستودع لا يعود

إليه إذا فارقه.

وقال محمد بن عيسى الهاشمي في قوله مستقر ومستودع قال: لم يزل عالما بخلقه

شائيا لما أراد، وأودع اللوح فيما استقر من كلامه، ثم أودع اللوح إلى المقادير ما استقر

فيه، ثم كذلك حالا بعد حال حتى يبلغه إلى درجة السعادة أو الشقاوة، وذلك قوله

فمستقر ومستودع.

١٠١

قوله تعالى: { بديع السماوات والأرض } الآية: ١٠١

قيل: هو المبدع للأشياء والمبدئ لها.

قال بعضهم: فاق الأشياء جمالا وكمالا.

١٠٣

قوله تعالى: { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار } الآية: ١٠٣

قال أبو يزيد رحمة اللّه عليه: إن اللّه احتجب عن القلوب كما احتجب عن الأبصار،

فإن أطيع تجلى فالبصر والفؤاد واحد وقيل معناه: إن اللّه عز وجل يطلع على الأبصار

بالتجلي لها، لأن الأبصار تسمو إليه.

قال ابن عطاء: لا تحيط به وهو يحيط بها.

قوله تعالى: { وهو اللطيف الخبير }.

قال الحسين في قوله اللطيف قال: لطف عن الكنه فأنى له الوصف، ومن لطفه

ذكره لعبده في الدهور الخالية، إذ لا سماء مبنية ولا أرض مدحية قبل سبق الوقت

وإظهار الكونين وما فيهما فهذا معنى اللطيف.

قال القاسم: اللطيف الذي لم يدع أحدا يقف على ماهية اسمه فكيف الوقوف على

وصفه.

١٠٤

قوله تعالى: { قد جاءكم بصائر من ربكم } الآية: ١٠٤

قال الخواص: أنزل اللّه البصائر فطوبى لمن رزق بصيرة منها وأدنى البصائر أن يبصر

الإنسان رشده.

١٠٥

قوله تعالى: { ولنبينه لقوم يعلمون } الآية: ١٠٥

قال ابن عطاء: لقوم يعلمون حقيقة البيان وهو الوقوف معه حيث ما وقف، والجرى

معه حيث ما جرى لا يتقدمه بغلبة ولا يتخلف عنه لعجزه.

١٠٦

قوله تعالى: { اتبع ما أوحي إليك من ربك } الآية: ١٠٦

قال بعضهم: الوحي سر عن غير واسطة والرسالة ولا يزال ظاهر بواسطة لذلك.

قال: ' اتبع ما أنزل إليك من ربك ' لأن الوحي كان خالصا له مستورا لقوله { فأوحى إلى عبده ما أوحى }.

واتبع ما أوحي إليك من ربك.

١٠٨

قوله تعالى: { كذلك زينا لكل أمة عملهم } الآية: ١٠٨

قال أبو بشر المروزي: قوالب جفوها أنوار وظلمات، فالنور والظلمة يعيران

والأعمال أصنام ولا يؤذن يوم القيامة إلا بحشوها.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: زينت الأعمال عند أربابها، فأسقطوا بها عن درجة

المتحققين إلا من عصم بنور المشاهدة، فشاهد المنة في التوفيق بل شاهد المنان.

وقال أيضا: مهلنا ويسرنا له ما هو فيه حتى يستوفى ما قدرنا له وعليه.

قوله تعالى: { ونقلب أفئدتهم وأبصارهم } الآية: ١١٠

سمعت النصرآباذي يقول: النفوس في التنقيل والقلوب في التقليب لذلك قال النبي

صلى اللّه عليه وسلم: ' يا مقلب القلوب '.

قال أبو حمزة: أقبل اللّه على قلوب فأقبلت عليه، وأعرض عن قلوب فأعرضت

عنه.

١١٤

قوله تعالى: { أفغير اللّه أبتغي حكما } الآية: ١١٤

قال محمد بن الفضل: أسواه اطلب سيدا.

١١٥

قوله تعالى: { وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا } الآية: ١١٥

قيل: صدقا للأولياء تفضلا عليهم وعدلا على الأعداء أخذهم بميزان العدل.

١١٦

قوله عز وعلا: { وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك } الآية: ١١٦

قيل: من نظر إلى سوى الخلق خاب وضل.

١١٩

قوله عز وجل: { وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم } الآية: ١١٩

قال القرشي: يتبعون مرادهم فيتركون أوامر الكتاب والسنة.

١٢٠

قوله عز وعلا: { وذروا ظاهر الإثم وباطنه } الآية: ١٢٠

قال بعضهم: ظاهر الإثم: رؤية الأفعال وباطنه الركون إليها في السر باطنا.

وقال النهرجوري: إن اللّه أمر الخلق ونهاهم في الظاهر والباطن فقال: { وذروا ظاهر الإثم } وجعل حد الأمر والنهي في العلم لقيام الحجة على من يتخلف عن أمر

اللّه، فإذا بلغ العبد ذلك الحد، فقد بلغ حد الكمال من حيث السر والعلانية.

قال بعضهم: { ظاهر الإثم } طلب الدنيا، وباطن الإثم طلب الجنة والنعيم، وهما

جميعا يشغلان عن الحق وما شغل عن الحق فهو إثم.

وقيل: { ظاهر الإثم } حظوظ النفس وباطن الإثم حظوظ القلب.

وقال سهل: اتركوا المعاصي الجوارح وحبها بالقلب.

١٢١

قوله تعالى وتقدس { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم } الآية: ١٢١

قال أبو عثمان المغربي في هذه الآية: يلقون على ألسنة المدعين ما يقطعون به الطرق

على المتحققين.

١٢٢

قوله عز وعلا { أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا } الآية: ١٢٢

قال شاه الكرماني: علامة الحياة ثلاثة: وجدان الأنس بفقدان الوحشة، والإمتلاء

من الحق بإدمان التذكرة، واستشعار الهيبة بخالص المراقبة.

وقال جعفر في قوله: { أومن كان ميتا فأحييناه } قال: ميتا عنا فأحييناه بنا، وجعلناه

إماما يهتدى به وبنوره الأجانب ويرجع إليه الضلال كمن مثله في الظلمات كمن نزل مع

شهوته وهواه فلم يؤيد بروائح القرب ومؤانسة الحضرة.

قال ابن عطاء: أو من كان ميتا بحياة نفسه وموت قلبه، فأحييناه بإماتة نفسه وحياة

قلبه، وسهلنا عليه سبيل التوفيق وكحلناه بأنوار القرب فلا يرى غيرنا ولا يلتفت إلى

سوانا.

وقال شاه: علامة النور في القلب النظر إلى الدنيا بعين الزوال وتقرب الأجل بإبطال

الأمل استعدادا للموت، وإهمال الدمع عند ذكر الآخرة.

قال أبو محمد الجريري: في قوله: { أومن كان ميتا فأحييناه } قال: إذا أحيا اللّه عبدا

بأنواره لا تموت أبدا، وإذا أماته بخذلانه لا يحيا أبدا.

وقال جعفر: أو من كان ميتا بالاعتماد على الطاعات، فأحييناه: فجعلنا له نور

التضرع والاعتذار.

وقال بعضهم: ميتا برؤية الأفعال فأحييناه برؤية الافتقار.

وقال القاسم: أحيا أولياءه بنور الانتباه، كما أحيا الأجساد بالأرواح.

قال القناء: هذه حياة المعرفة لا حياة البشرية، وقال: ميت لا ذكر له في الفناء عن

الأذكار، فأحييناه بالموت عن إدراكنا والحياة فينا.

وقال سهل: من كان ميتا بالجهل فأحييناه بالعلم.

وقال ابن عطاء: أو من كان ميتا بالانقطاع عنه، فأحييناه بالاتصال بنا وجعلنا له نورا

اتصالا كمن تركه في ظلمات الانقطاع.

١٢٣

قوله تعالى: { اللّه أعلم حيث يجعل رسالته } الآية: ١٢٤

قال النصرآباذي: اللّه أعلم بالأوعية التي تصلح لسره ومنازلاته ومكاشفاته فيزينها

لخواص الأنوار ويقدسها بلطائف الاطلاع.

قوله تعالى: { فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام } الآية: ١٢٥

قال سهل: فمن يرد اللّه أن يهديه إلى قوله حرجا قال: الهداية: المعونة على ما أمر

والعصمة عما نهى عنه.

١٢٥

قوله تعالى: { ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا } الآية: ١٢٥

قيل: الضلالة ها هنا هي الترك من العصمة مع الهوى.

قال النهرجوري: صفة المراد خلوه مما له، وقبوله ما عليه، وسعة صدره لموارد الحق

عليه.

قال اللّه تعالى: { فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام }.

قال سهل: إن اللّه ينظر في القلوب والقلوب عنده فما كان أشد تواضع خصه بما

شاء، ثم بعد ذلك ما كان أسرع رجوعا وهما هاتان الخصلتان.

وقال النهر جوري: منة من اللّه ولطفا منه، وإن لم يستأهل العبد ذلك.

وسئل النبي صلى اللّه عليه وسلم عن ذلك فقال: نور يقذف في القلوب فيشرح به الصدر.

قال ابن عطاء: ما بلاء أشد من البلاء من أظلم عليه قلبه والتبس عليه أمره وخفى

عليه قدر مولاه فهو يتردد في أمره متمردا على مولاه، لفقدان نور الهداية عن قلبه،

وطلب النجاة من غير وجهه.

١٢٦

قوله تعالى: { وهذا صراط ربك مستقيما } الآية: ١٢٦

قال أبو عثمان: أهدى الطرق وأقومها طريقة المتابعة، وأوهن الطريق وأضلها طريق

الدعاوى والمخادعة، قال اللّه تعالى: { وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون }.

قال سهل: التوحيد والإسلام صراط ربك المستقيم.

١٢٧

قوله تعالى: { لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم } الآية: ١٢٧

قال سهل: دار السلام هو الذي يسلم فيه من هواجس نفسه ووسواس عدوه.

وقال بعضهم: دار السلام هو محل السلامة من القطيعة.

وقال بعضهم: دار السلام هو الذي يكرمهم اللّه فيه بالسلام عليهم، وهو قوله:

{ سلام عليكم بما صبرتم }.

١٣٣

قوله تعالى: { وربك الغني ذو الرحمة } الآية: ١٣٣

قال بعضهم: الغنى عن طاعات المطيعين، وذو الرحمة على المذنبين.

قال الواسطي: الغنى بذاته والرحيم بصفاته.

١٤٧

قوله تعالى: { فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة } الآية: ١٤٧

قال سهل: قيل للنبي صلى اللّه عليه وسلم من أعرض عنك فرغبه في، فإنه من رغب فينا

ففيك

رغب لا غير.

قال اللّه تعالى: { فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة }: أطمعهم في الرحمة

ولا تقطع قلبك عنهم.

١٤٩

قوله تعالى: { قل فللّه الحجة البالغة } الآية: ١٤٩

قال النصرآباذي: الخلق كلهم منعهم شدة الحاجة إليهم عن معاني رؤية الحجة، ولو

اسقط عنهم الحاجات لكشف لهم براهين الحجة.

وقال أيضا: رؤية الحاجة حسنة ورؤية الحجة أحسن.

وقال الجنيد رحمة اللّه عليه: آثار مشية الهداية عند أهل الهدى تنبئة.

قوله تعالى: { ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن } الآية: ١٥١

قال حارث المحاسبي: الفواحش ما أريد به غير اللّه.

قال بعضهم: ما ظهر من الفواحش في الأفعال هو الرياء، وما بطن منها الدعاوي

الكاذبة.

١٥٢

قوله تعالى: { وإذا قلتم فاعدلوا } الآية: ١٥٢

قال أبو سليمان في هذه الآية: إذا تكلمتم فتعلموا بذكره.

وقال محمد بن حامد العدل: في الكلام ما لا يكون على صاحبه في ذلك تبعة

عاجلا وآجلا.

قوله تعالى: { وبعهد اللّه أوفوا }.

قال الجوزجاني: العهود كثيرة وأحق العهود بالوفاء الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

فأمر نفسك بالمعروف، فإن قبلت منك وإلا روضها بالجوع والسهر وكثرة الذكر

ومجالسة

الصالحين لترغب في المعروف، ثم تأمر به غيرك وتنهى نفسك عن المنكر، فإن قبلت

منك وإلا فأدبها بالسياحة، والتقطع والعزلة وقلة الكلام وملازمة الصبر لتنتهي، فإن

انتهت فإنه الناس عن المنكر.

١٥٣

قوله تعالى: { وأن هذا صراطي مستقيما } الآية: ١٥٣

قال جعفر بن محمد: طريق من القلب إلى اللّه بالإعراض عما سواه.

قال سهل: الطريق المستقيم هو الذي لا يكون للنفس فيه مراد ولاحظ.

١٥٩

قوله عز وعلا: { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا } الآية: ١٥٩

قال فارس: لم يستقيموا للّه على وتيرة واحدة.

١٦٠

قوله عز وعلا: { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } الآية: ١٦٠

ومن لاحظها من مواصلة الحق فهو الذي يصلي عليك وملائكته واللّه يضاعف لمن

يشاء.

١٦١

قوله عز وعلا: { قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما } الآية: ١٦١

قال أبو عثمان: الصراط المستقيم الاقتداء والاتباع وترك الهوى والابتداع، ألا تراه

يقول: { وما ينطق عن الهوى }.

وقيل في قوله: { دينا قيما } أي: سليما من الاعوجاج وهواجس الأنفس ووجود

لذاذة المراد فيه.

وقال ابن المبارك: هداني ربي إلى صراط مستقيم قال: إلى أوقات أداء الفرائض

من الصلاة والصوم والحج.

١٦٢

قوله تعالى: { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للّه رب العالمين }

 الآية: ١٦٢

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: بيان هذه الآية في قوله: { له ما في السماوات وما في الأرض } فمن لاحظها من نفسه قصمته، ومن تبرأ منها عصمته، كيف تجوز لموجود أن

يلاحظ فضلا { وأنا أول المسلمين } معنى قوله إني أسلمت لتصاريف قدرته متبرئا

من حولي وقوتي مع أن التسليم في الحقيقة علة.

١٦٤

قوله تعالى: { أغير اللّه أبغي ربا } الآية: ١٦٤

قال الجوزجاني: أسواه أطلب حافظا وراعيا ووكيلا، وهو الذي كفاني المهم وألهمني

الرشد.

قوله تعالى: { ولا تكسب كل نفس إلا عليها }.

قال بعضهم: لا تكسب من خير وشر كل نفس إلا عليها أما الشر فمأخوذ به، وأما

الخير فمطلوب منه صحة قصده وخلوه من الرياء والعجب والرؤية من نفسه والتزين به

والافتخار به والاعتماد عليه والإحسان فيه فإذا حصلته وجدته عليه لا له، إلا أن يعفو

اللّه عز وجل.

١٦٥

قوله تعالى: { وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات }

 الآية: ١٦٥

قال بعضهم: يخلف الولي وليا والصديق صديقا، ويرفع درجات البعض على

البعض، ودرجات البعض بالبعض لئلا تخلو الأرض من حجة اللّه وأمانه.

وقال بعضهم: ورفع بعضكم فوق بعض درجات، ليقتدى الأدنى بالأعلى، ويتبع

المريد درجة المراد ليصل إليه.

ذكر ما في سورة الأعراف

﴿ ٠