سورة يونس

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله تعالى: { الر تلك آيات الكتاب الحكيم } الآية: ١

قيل: الراء أنا اللّه أرى وقال أبو الحسين: في القرآن علم بكل شيء، وعلم القرآن

في الأحرف التي في أوائل السور.

وقيل في قوله: { تلك آيات الكتاب الحكيم } أي فيه علامات قبول الحكماء لهذا

الخطاب.

وقيل في قوله { تلك آيات الكتاب الحكيم } اي فيه وآيات الكتاب المحكم عليك

بالفرائض والسنن والآداب والأخلاق والأحوال.

وقيل: ' الكتاب الحكيم ' العهد الناطق عليك بأحكام الظاهر والباطن.

وقال محمد بن علي الترمذي: الألف واللام لطفه والراء رأفته.

٢

قوله تعالى: { أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس } الآية: ٢

علم اللّه أن قوله { أن أنذر الناس } مما يذهل عقول الصالحين والمنتبهين فقال على

أثره { وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم }.

قوله تعالى: { وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم }

قال سهل: سابقة رحمته أودعها في محمد صلى اللّه عليه وسلم.

قال أبو سعيد الخراز: تفرق الطالبون عند قوله: من طلبني وجدني على سبل شتى:

أولهم أهل الإشارات طلبوه على ما سبق من قوة الإشارة وهم أهل قدم صدق عند

ربهم فبالقدم أشار إليهم، فهل أهل الطوالع والإشارات حظهم منه ذلك.

قال محمد بن علي الترمذي في قوله { أن لهم قدم صدق عند ربهم } قال: قدم

صدق هو إمام الصادقين والصديقين وهو الشفيع المطاع والسائل المجاب محمد صلى اللّه

عليه وسلم.

٣

قوله تعالى: { يدبر الأمر } الآية: ٣

قال بعضهم: يختار للعبد ما هو خير له من اختياره لنفسه.

وقال أبو عثمان في رسالته إلى شاه: قد دبر اللّه لك يا أخي كل تدبير، وأسقط قدم

صدق السنة والمتابعة سوء تدبيرك، وارض بتدبير اللّه لك كي تنجو من هواجس النفس،

لأن اللّه يقول: { يدبر الأمر يفصل الآيات }.

وقيل لسهل بن عبد اللّه حين حضرته الوفاة: فبماذا تلقن وأين تقبر ومن يصلي

عليك. قال: أدبر أمري حيا وميتا. وقد كفنت بسابق تدبير اللّه لي.

٤

قوله تعالى: { إليه مرجعكم جميعا } الآية: ٤

قال الجنيد رحمة اللّه عليه: في هذه الأمة منه الابتداء وإليه الانتهاء، وما بين ذلك

مراتع فضله وتواتر نعمه، فمن سبقت له في الابتداء سعادة أظهرت عليه في مراتعه

وتقلبه في نعمته بإظهار لسان الشكر وحال الرضا ومشاهدة المنعم، ومن لم تحركه سعادة

الابتداء أبطل أيامه في سياسة نفسه وجمع الحطام الفاني ليؤده إلى ما سبق له في

الابتداء من الشقاوة.

قال اللّه { إليه مرجعكم جميعا } والراجع بالحقيقة إليه هو الراجع مما سواه إليه،

فيكون متحققا في الرجوع إليه.

٥

قوله تعالى: { هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا } الآية: ٥

قال بعضهم: الشموس مختلفة فشمس المعرفة يظهر ضياؤها على الجوارح فيزينها

بآداب الخدمة وأقمار الأنس تقدس الأسرار بنور الوحدانية والفردانية فيدخلها في

مقامات التوحيد والتفريد.

قال بعضهم: جعل اللّه شمس التوفيق طلبا لطاعات العباد وقمر التوحيد نور في

أسرارهم فهم يتقلبون في ضياء التوفيق ونور التوحيد إلى المنازل الصديقية.

٧

قوله تعالى: { إن الذين لا يرجون لقاءنا } الآية: ٧

قال: لا يخافون الموقف الأعظم { يوم تبلى السرائر }.

وتظهر الخفايا { ورضوا بالحياة الدنيا } ركنوا إلى مذموم عيشهم { واطمأنوا بها }

نسوا مفاجأة الموت { والذين هم عن آياتنا غافلون } تقليب القلوب وعقوبات الجوارح.

١٠

قوله تعالى: { وآخر دعواهم أن الحمد للّه رب العالمين } الآية: ١٠

قال الشبلي: لو ألهموا حمد الحق في أوائل الأنفاس لسقطت عنهم الدعاوي،

ولكنهم لم يزالوا يركضون في ميادين الجهل إلى أن فتح لهم طريق الحمد واسقط عنهم

الدعاوي، فرجعوا إلى رؤية المنة فكان آخر دعواهم أن قالوا: الحمد للّه رب العالمين.

ففوضوا الكل إليه ورجعوا بالكلية إليه، فأنطقهم بما أنطقهم به من النطق المحمود.

١٢

قوله تعالى: { وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما } الآية: ١٢

قال أبو حفص: الدعاء باب اللّه الأعظم وهو سلاح المؤمن عند النوائب.

وقال: الدعاء الذي فيه الإجابة هو أن لا ترى حيلة بعقل ولا بعلم.

وقال سهل: الدعاء هو التبري مما سوى اللّه.

وقال أبو حفص: يرجع العبد إلى ربه بالحقيقة عند الفاقات ونزول المصائب والمحن،

ولو رجع إليه في أيام الرفاهية لأكرم في وقت نزول المصائب بالرضاء، ولكنه لما لم يكن

له في أوقات الرفاهية رجوع إليه رده في حال المصائب والضروريات إلى الدعاء واللجأ

وهذا أيضا مقام جليل، فتح باب الدعاء على العبد عند نزول البلاء، والمحروم من يرجع

فيما يترك به من المصائب والضروريات إلى العبيد، ويقطع قلبه عن ربه، فمصيبته في

إعراضه عن ربه أكثر من مصيبته بنزول البلاء عليه.

قال بعضهم: الخلق مجبورون تحت قسيمته، مقهورون في خلقته ألا ترى إذا ضاقت

القلوب واشتدت عليهم الأمور كيف يرجعون إلى الملك الغفور.

ودعاء أهل الحقائق فيما بلغني عن بعضهم أنه كان يقول: يا من حجبني بالدعاء

احجبني عن موضع رؤية الدعاء.

وسمعت جدي يقول: الدعاء على العبادة خيانة، وعلى حد اليقين نجاة وعبادة، كما

روى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: ' الدعاء هو العبادة ' ولكن للدعاء أوقات

وآداب

وشروط: فمن يطالب نفسه بأوقات الدعاء وأدبه وشروطه كان محروما فيه، وآداب

الدعاء وشرائطه ما روى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: ' ادعوا اللّه وأنتم موقنون

بالإجابة '

واعلموا أن اللّه لا يستجيب الدعاء من قلب غافل لاه.

١٣

قوله تعالى: { ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا } الآية: ١٣

قال ابن عطاء: لما اعتمدوا سوانا.

قال جعفر: لما قابلوا نعمتنا بالكفران.

وقال أبو عثمان: { لما ظلموا } لما لم يعرفوا حقوق أكابرهم، ولم يتأدبوا بآدابهم.

وقال بعضهم: لما خالفوا الشعراء والوسائط.

وقال محمد بن علي الترمذي: { لما ظلموا } لما ضيعوا السنن.

وقال بعضهم: لما تكبروا وتجبروا ولم يخضعوا لقبول الحق.

وقال أبو بكر الوراق: الظلم هو اتباع الهوى وركوب الشهوات والركض في ميادين

اللّهو واللعب وهذه تؤدي إلى الهلاك.

قال اللّه تعالى: { ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا }.

قال بعضهم: لما لم يقابلوا نعمتنا بالشكر.

١٤

قوله تعالى: { ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم } الآية: ١٤

قال بعضهم: لم تزل الأنبياء لهم خلفا والأولياء لهم خلفا أبدلهم اللّه كأنهم ليرى

الباقون سنتهم ويتمسكوا بطريقتهم.

قال اللّه: { ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم }.

قوله تعالى: { وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن اللّه }.

قال: إذا صح الإيمان لا يصح إلا أن يأذن اللّه له بذلك في أزله، وجريه القضاء

السابق له بالإيمان فيما يبدو عليه في الوقت، وهو الذي سبق به القضاء في الأزل.

٢٢

قوله تعالى: { هو الذي يسيركم في البر والبحر } الآية: ٢٢

قال ابن عطاء: سير الأولياء بقلوبهم وسير الأعداء بنفوسهم.

ومعنى البر: اللسان، ومعنى البحر القلب.

وقيل: ليسيركم في براري الشوق وبحار القربة، حتى إذا كنتم في الفلك يعني: في

القبضة والأسر وهبت رياح الكرم على المريدين الذين هم في الطريق، وفرحوا بما

تلحقهم من العناية والرعاية جاءتها ريح عاصف أتت عليهم من موارد القدرة ما أفناهم

عن صفاتهم وحيرهم في طريقهم، وجاءتهم أمواج القهر وقهرهم عما بهم وظنوا أنهم

أحيط بهم توهموا أنهم من الهلكى في الأمواج، وهم المطهرون الأخيار، دعوا اللّه

مخلصين له الدين تركوا ما لهم وبهم وعليهم من الاختيار والتدبير ورجعوا إلى حد

التفويض والتسليم فنجوا.

وقال بعضهم: سير العباد والزهاد بالأنفس في البر وهو الدرجات والمنازل، وسير

العارفين بالقلوب في البحار وفيها الأمواج والأخطار، ولكن سير شهر في يوم.

قال بعضهم: { هو الذي يسيركم في البر } هو الصفات، وفي البحر هو الاستغراق

في الذات.

قال بعضهم: يسيركم في البر الاستدلالات بالوسائط، والبحر غلبات الحق بلا

واسطة.

قوله تعالى: { دعوا اللّه مخلصين له الدين }.

قال النوري: المخلص في دعائه من لا يصحبه من نفسه شيء سوى رؤية من يدعوه.

وقال الجنيد رحمة اللّه عليه: الإخلاص ما أريد اللّه به أي عمل كان.

وقال رويم: الإخلاص ارتفاع رؤيتك من الفعل.

قال ابن عطاء: الإخلاص ما خلص من الآفات.

قال حارث: الإخلاص إخراج الخلق من معاملة اللّه.

قال ذو النون: الإخلاص ما حفظ من العدوان يفسده.

وسألت أبا عثمان المغربي عن الإخلاص فقال: الإخلاص ما لا يكون للنفس فيه

حظ بحال، وهذا إخلاص العوام وإخلاص الخواص ما يجري عليهم لا بهم، فتبدو

الطاعات وهم عنها بمعزل، ولا يقع لهم عليها رؤية ولا بها اعتداء، فذلك إخلاص

الخواص.

قال أبو يعقوب السوسي: الخالص من الأعمال ما لم يعلم به ملك فيكتبه ولا عدو

فيفسده ولا تعجب به النفس.

٢٣

قوله تعالى: { يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم } الآية: ٢٣

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: البغي يحدث من ملاحظات النفس ورؤية ما خدع

به، كما قيل لذي النون رحمة اللّه عليه ما أخفى ما يخدع به العبد؟

قال: الألطاف والكرامات ورؤية الآيات.

٢٥

قوله تعالى: { واللّه يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم }

 الآية: ٢٥

قال أبو سعيد القرشي في هذه الآية: خرجت هداية المريدين من الاجتهاد في قوله:

{ والذين جاهدوا فينا }.

وخرجت هداية المراد من المشيئة وهو قوله { يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم }

وهو الفرق بين المريد والمراد.

قال القاسم: الدعوة عامة والهداية خاصة، بل الهداية عامة والصحبة خاصة، بل

الصحبة عامة والاتصال خاص.

قال ابن عطاء: عم خلقه بالدعوة واختص من شاء منهم بالرحمة فمن اختصه قبل

خلقه، فهو المحمود في سعايته، ومن خذله قبل كون خلقه، فهو المذموم لا عذر، فمن

قصد بنفسه صرف عن حظه، ومن قصده به فهو المحجوب عن نفسه.

قال بعضهم: لا تنفع الدعوة لمن لم تسق له من اللّه الهداية.

قال جعفر: الدعوة عامة والهداية خاصة.

وقال أيضا: ما طابت الجنة إلا بالسلم، وإنما اختارك بهذه الخصائص لكي لا تختار

عليه أحدا.

وقال أيضا: عملت الدعوة في السرائر فتحللت بها وركبت إليها.

وقال بعضهم: يدعو إلى دار السلام بالآيات، ويهدي من يشاء للحقائق والمعارف.

قال بعضم: الدعوة للّه والهداية من اللّه.

٢٦

قوله تعالى: { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } الآية: ٢٦

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: معاملة اللّه على المشاهدة الحسنى الإلتذاذ في

المعاملة، والزيادة هي النظر إلى اللّه.

قوله تعالى: { ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة }.

قال بعضهم: كيف تذل الوجوه وقد تلقاها الحق منه بالحسنى والإحسان، وكيف تدل

شواهد من هو مشاهد للحق على الدوام بل هو على زيادة الأوقات، يزيد نورا وضياء

وعزا وسناء.

قوله تعالى: { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم }.

قال ابن عطاء: تظهر عليهم بركات إقرارهم عند إيجاد الذر بقولهم: بلى، فمن

بركتها لزوم الطاعات والفرائض واتباع السنن وتحقيق الإيمان وتصحيح الأعمال.

قوله تعالى: { دعواهم فيها سبحانك اللّهم وتحيتهم فيها سلام }.

قال ذو النون: مقام المتحققين من العارفين التنزيه والتبري من جميع ما لهم من

أنواع الأفعال والأقوال والأحوال وغير ذلك والرجوع إلى الحق على حد التنزيه له، أن

يقصده أحد بسببه، أو يتوصل إليه بطاعته، أو يعمل كل لإظهار سعادة الأزل على

السعداء وسمات الشقاوة على الأشقياء.

٣٠

قوله تعالى: { هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت } الآية: ٣٠

قال: يطالب كل مدع بحقيقة ما ادعاه.

٣١

قوله تعالى: { ومن يدبر الأمر } الآية: ٣١

قيل: أي تقلب الأكوان.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: من يبدئ أمره ويعيده، ويبديه في أوقاته السائرة،

فإذا قال: من يدبر الأمر أزال الأملاك، فكيف يجوز لقائل أن يقول: فعلي وعملي.

٣٢

قوله تعالى: { فذلكم اللّه ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال } الآية: ٣٢

قال الحسين: الحق هو المقصود إليه بالعبادات والمصحوب إليه بالطاعات، لا يشهد

بغيره، ولا يدرك بسواه.

قال الواسطي: { فذلكم اللّه ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال } قال: لا يجوز

للموحد أن يشهد بشاهد التوحيد، لأنه وصف الأشياء بالضلال، فلم يتهيأ لضال أن

يقف، ولا لعاجز أن يصف.

قال الحسين: الحق هو الذي لا يستقبح قبيحا ولا يستحسن حسنا، كيف يعود عليه ما

منه بدا، أو يؤثر عليه ما هو أنشأ، وقيل في قوله { فأنى تصرفون } من الحق إلى

سواه.

٣٤

قوله تعالى: { قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده } الآية: ٣٤

قال ابن عطاء: يبدأ بإظهار القدرة فيوجد المعدوم، ثم يعيدها بإظهار الهيئة فيفقد

الموجود.

وقيل: يبدأ بكشف الأولياء فيمحو منها كل خاطر سواه، ثم يعيد فيبقى بإبقائه،

فلذلك عظم حال العارف ودليله.

٣٥

قوله تعالى: { قل هل من شرئكائكم من يهدي إلى الحق قل اللّه يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى } الآية: ٣٥

سئل الحسين من هذا الحق الذي يشيرون إليه فقال: هو معل الأيام ولا يعتل.

سئل الواسطي رحمة اللّه عليه ما حقيقة الحق؟ قال: حقيقته لا يقف عليها إلا الحق.

وأنشد الحسين بن منصور:

(حقيقة الحق مستنير

* صارخة من بنا خبير

*

(حقائق الحق قد تجلت

* مبلغ من رامها عسير

*

قال بعضهم: الحق لا يجري به قول، ولا يثبت له وصف ولا يذكر له حد.

٣٦

قوله تعالى: { وما يتبع أكثرهم إلا ظنا } الآية: ٣٦

قال الجنيد رحمة اللّه عليه: مر على يدي أرباب التوحيد حتى أبو يزيد، ما خرجوا

من الدنيا إلا على التوهم.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: { إلا ظنا } أنهم قد وصلوا وهم في محل الانفصال،

إذ لا وصل ولا فصل على الحقيقة، الذات ممتنعة عن الاتصال كما هي ممتنعة عن

الانفصال.

سئل أبو حفص عن حقيقة التوكل فقال: كيف يجوز لنا أن نتكلم في حقائق

الأحوال، واللّه يقول: { وما يتبع أكثرهم إلا ظنا }.

سئل أبو عثمان ما الظن؟ قال: هواجس النفس في طلب مرادها.

٣٩

قوله تعالى: { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه } الآية: ٣٩

قال بعضهم: كذبوا أولياء اللّه في براهينهم، لما حرموا ما خص القوم به، والمحروم

من حرم حظه من قبولهم وتصديقهم والإيمان بما يظهر اللّه عليهم من أنواع الكرامات.

قال أبو تراب النخشبي: إذا بعدت القلوب عن اللّه مقتت القائمين بحقوق اللّه.

وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: الناس أعداء ما جهلوا.

قوله تعالى: { ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون }

 الآية: ٤٢

قال الحسين: من استمع إليك بآية فإنك لا تسمعه، إنما تسمع من أسمعناه في الأزل

فيسمع منك، وإما لم تسمعه فما للأصم والسماع وإن سمع ولم يعقل فكأنه لم يسمع

قال اللّه تعالى: { إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا }. إلا من أجرينا عليه حكم السعادة في

الأزل.

قال بعضهم: من حكم المتحقق أن يكون أصم أعمى يعني: أصم عمن يعبر عنه،

أعمى عما يشار إليه.

وقال بعضهم: إذا لم تسمع نداء اللّه فكيف تجيب داعي اللّه.

٤٣

قوله تعالى: { ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون }

 الآية: ٤٣

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: ليس من ينظر إليك بنفسه يراك إنما يراك من ينظر

إليك بنا، فأما من ينظر بنفسه أو به، فإنه لا يراك إلا من يعمر أوقاته في رؤيتك

ويستغرق هو فيما قال اللّه: { وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون }.

وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: ' طوبى لمن رآني ومن رأى من رآني '.

٤٤

قوله تعالى: { إن اللّه لا يظلم الناس شيئا } الآية: ٤٤

قال الواسطي رحمة اللّه عليه في هذه الآية: لا يتجلى لهم بحقه فإن ذلك ظلم،

لأن الحق لا يحتملونه بل فيه ذهابهم، ويستحيل أن يكون لهم من القوة ما يطيعون

الحق بحقه، إذ في ذلك مساواة ومقارنة.

٤٩

قوله تعالى: { قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا } الآية: ٤٩

قال بعضهم: نفى من السيد الأخص أن يكون له من نفسه شيء أو يعتمد لها حالا،

بل أظهر أن الكل لمن له الكل، ومن لا يملك الأصل كيف يملك فروعه ومن لم يملك

نفسه كيف يملك ضرها ونفعها، ومن صحت له هذه الحالة فقد سلم من مدح الخلق

فإنه هو الضار النافع.

٥٣

قوله تعالى: { ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق } الآية: ٥٣

قال بعضهم: أنوار الحق مشرقة وآياته ظاهرة، لا يشك فيها إلا معاند، ولا يعمى

عنها إلا ضال والمتحققون بحقائق الحق هم السالكون مسالك أنوار الحق في مقاصدهم

ومواردهم ومصاردهم، والراجعون منها إلى الأعيان هم الضالون عن سنن الحق، قال

اللّه { ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق }.

٥٥

قوله تعالى: { ألا إن للّه ما في السماوات والأرض ألا إن وعد اللّه حق } الآية: ٥٥

قال بعضهم: المغبون من يرجع إلى غير ربه في سؤاله ومهماته وطلباته، وله من في

السماوات والأرض فالكل له فمن طلب بعض الكل من غيره فقد أخطأ الطريق.

وقيل في قوله: { ألا إن وعد اللّه حق } أن يجزم سائلا غيره ويبعد عليه وجه طلبته

ولا يجيب سائله ويبلغه أقصى أمنيته.

٥٦

قوله تعالى: { هو يحيي ويميت وإليه ترجعون } الآية: ٥٦

قيل يحيى بفضله ويميت بعدله وإليه رجوع كلتا الطائفتين.

وقال بعضهم: هو يحيى القلوب بإماتة النفوس، ويميت النفوس بحياة القلب،

وهذا لمن كان رجوعه إليه في جميع أحواله.

وقيل: يحيى السرائر بأنوار العزة، ويميت النفوس بنزع الشهوات عنها.

قال بعضهم: يحيى من نشأ بالإقبال عليه، ويميت من نشأ بالإعراض عنه.

قال النصرآباذي: يحيى الأرواح في المشاهدة والتجلي، ويميت الهياكل في الاستتار.

وقال بعضهم: يحيى القلوب بالتقليب ويميت النفوس بالتنقيل.

٥٧

قوله تعالى: { يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور }

 الآية: ٥٧

قال ابن عطاء: الموعظة للنفوس والشفاء للقلوب، والهدى للأسرار والرحمة لمن

هذه صفته.

قال جعفر: شفاء لما في الصدور أي: راحة لما في السرائر.

قال بعضهم: الشفاء المعرفة والصفاء.

قال بعضهم: الشفاء التسليم والرضا.

ولبعضهم: شفاء التوبة والوفاء وقال: الشفاء المشاهدة واللقاء.

٥٨

قوله تعالى: { قل بفضل اللّه وبرحمته فبذلك فليفرحوا } الآية: ٥٨

قال بعضهم: فضل اللّه إيصال حسناته إليك ورحمته ما سيق لك منه ولم تك شيئا

من الهداية، { فبذلك فليفرحوا } أي فاعتمدوا وهو خير مما تجمعون من أذكاركم

وأفعالكم وأقوالكم، فإنها نتائج تلك المقدمة، وبها يتم جميع الأحوال.

قال الواسطي: أيسهم أن يكون لهم شيء من عند قوله قل بفضل اللّه.

قال القاسم: هو الفضل الذي جاز به على أهل طاعته، لا الفضل الذي استدرج به

أهل معصيته.

قال جعفر في هذه الآية: إنه انتباه من غفلة، أو انقطاع عن زلة، والمباينة من دواعي

الشهوة.

قال أيضا: فضل اللّه معرفته ورحمته توفيقه.

قال بعضهم: الثواب أعواض والفضل كرم، قال { قل بفضل اللّه وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون }. مما يؤملون من الثواب على الأفعال.

٦١

قوله تعالى: { ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا } الآية: ٦١

قال شقيق: على العبد أن يلزم نفسه دوام نظر اللّه إليه وقربه منه وقدرته عليه، لأن

اللّه عز وجل يقول: { ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا } إذ تفيضون فيه.

قال بعضهم: من شهد شهود الحق إياه، قطعه ذلك عن مشاهدة الأعيان أجمع.

قال النصرآباذي: شتان بين من عمل على رؤية الثواب وبين من عمل لاتباع الأمر،

وبين من عمل على سبيل المشاهدة.

قال اللّه عز وجل: { ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا }.

٦٢

قوله تعالى: { ألا إن أولياء اللّه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } الآية: ٦٢

قال بعضهم: عرض الأولياء بإزالة الخوف والحزن عنهم ولم يبلغهم إلى مقام أهل

الاصطفاء والاختيار، لأن ذلك أقدارهم حتى يجيء قدر الذي لا يوصف بوصف فيظهر

عليهم من الكرامات ما يزيل بها الخوف والحزن على أهل الأكوان ببركاتهم.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: حظوظ الأولياء مع تباينها من أربعة أسماء، وقيام كل

فريق باسم منها: هو الأول والآخر والظاهر والباطن فمن فنى عنها بعد ملابستها فهو

الكامل التام فمن كان حظه من اسمه الظاهر لاحظ عجائب قدرته، ومن كان حظه من

اسمه الباطن لاحظ ما جرى في السرائر من أنواره ومن كان حظه من اسمه الأول كان

شغله ما سبق، ومن لاحظ اسمه الآخر كان مرتبطا بما يستقبله، وكل كوشف على قدر

طبعه وطاقته إلا من تولاه الحق ببره وقام عنه بنفسه.

وقال يحيى بن معاذ: الولي الذي لا يرائي ولا ينافق، وما أقل صديق من كان هذا

خلقه.

قال بعضهم: قلوب أهل الولاية مصانة عن كل معنى لأنها موارد الحق.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: علامة الولي أربعة: الأولى يحفظ سرائره التي بينه

وبين ربه مما يرد على قلبه من المصائب فلا يشكو.

والثانية: أن يصون كرامته فلا يتخذها رياء ولا سمعة ولا يعقل عنها هوانا.

والثالثة: أن يحتمل أذى خلقه فلا يكافؤهم.

والرابعة: أن يداري عباده على تفاوت أخلاقهم، لأنه رأى الخلق للّه وفي أسر

القدرة فعاشرهم على رؤية ما منه إليهم.

وسئل بعضهم ما علامة الأولياء؟

قال: همومهم مع اللّه وشغلهم باللّه وفرارهم إلى اللّه.

قال بعضهم: حال الأولياء في الدنيا أشرف منها في الآخرة لأنه جذب سرهم إلى سره

وغيبهم عن كل ما سواه، وهم في الآخرة كما قال: { في شغل فاكهون }.

قال سهل: الولي هو الذي توالت أفعاله على الموافقة.

سمعت أبا الحسن الفارسي يقول: سمعت محمد بن معاذ النهرجوري يقول: صفة

الأولياء أن يكون الفقر كرامتهم وطاعة اللّه جلاوتهم، وحب اللّه حيلتهم، وإلى اللّه

حاجتهم واللّه حافظهم، ومع اللّه تجارتهم وبه افتخارهم وعليه توكلهم وبه أنسهم،

والجوع طعامهم والزهد ثمارهم، وحسن الخلق لباسهم، وطلاقة الوجه حليتهم

وسخاوة النفس حرمتهم، وحسن المعاشرة صحبتهم، والشكر زينتهم، والذكر همتهم

والرضا راحتهم، والخوف سجيتهم، والليل فكرتهم، والنهار غيرتهم، أولئك أولياء اللّه

لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

قال أبو سعيد الخراز: الأولياء في الدنيا يطيرون بقلوبهم في الملكوت، يرتادون ألوان

الفوائد والحكمة، ويشربون من عين المعرفة، فهم يفرون من فضول الدنيا، ويأنسون

بالمولى ويستوحشون من نفوسهم إلى وقت موافاة رسول الرحيل.

وقال أيضا: نفوس الأولياء تذوب كما يذوب الملح في الماء، للحفظ على أمور المولى

في مواقيتها وأداء الأمانة في كل ساعة.

وقال أيضا: إن نفوس الأولياء حملت قلوبهم، وقلوب الأعداء حملت نفوسهم،

لأن نفوس الأولياء تحمل الأعباء في دار الدنيا؛ طمعا في فراغ قلوبهم، وقلوب الأعداء

تحمل أثقال نفوسهم من الشرك طمعا في راحة نفوسهم.

وقال بعضهم: الولي من يصبر على البلاء ويرضى بالقضاء ويشكر على النعماء.

وقال أبو يزيد: أولياء اللّه هم عرائس اللّه، ولا يرى العرائس إلا من يكون محرما

لهم، وهم مخدرون عند اللّه في مجال الأنس لا يراهم أحد.

قال بعضهم: إن حال الأولياء في الدنيا أرفع من حالهم في الآخرة، لأن اللّه جذب

بينهم في الدنيا وقطعهم عن الكون وفي الآخرة يشغلهم بنعيم الجنة.

قال أبو علي الجوزجاني: الولي هو الفاني في حاله، الباقي في مشاهدة الحق

وذاته، تولى اللّه أسبابه فتوالت عليه أنوار التولي، لم يكن له عن نفسه أخبار ولا مع

أحد غير اللّه قرار.

وسئل أبو حفص عن الولي، فقال: الولي من أيد بالكرامات وغيب عنها.

٦٤

قوله تعالى: { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } الآية: ٦٤

قال أبو سعيد الخراز في هذه الآية قال: هم به وله، موقوفون بين يديه، غير أن

الحق ممتع لهم بماله، أراهم من عظم الفوائد وجزيل الزخائر، ومما لا يقع لهم به علم،

ولا علم عليه قبل حين وروده حتى يكون الحق مطالعا على ما تريد من ذلك على

حسب ما قسمه لهم، فهم في ذلك على الأحوال شتى، فذلك قوله { لهم البشرى في الحياة الدنيا }.

قال بعضهم: البشرى في الدنيا هو ما وعد من رؤيته، والبشرى في الآخرة تصديق

ذلك الوعد.

٦٧

قوله تعالى: { هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا } الآية: ٦٧

قال جعل سكون الليل إلى الخلوة والمناجاة، والنهار مبصرا ليبصروا فيه عجائب

القدرة والاعتبار بالكون.

قوله { وأمرت أن أكون من المسلمين }.

قال بعضهم: من يسلم سرى من قلبي، وقلبي من نفسي، ونفسي من لساني،

ولساني من الكذب والغيبة والبهتان.

وقال بعضهم: المسلم المنقاد لأوامر الحق عليه طوعا قوله: { ويحق }.

٨٢

قوله تعالى: { ويحق اللّه الحق بكلماته } الآية: ٨٢

قال الحسين: حقق الحق بكلماته، بإظهار ما أوجد تحت الكن.

قال بعضهم: الحق على ثلاثة أوجه: حق حق وهو قوله { ويحق اللّه الحق بكلماته }.

أي: كون الكون بكلماته وحق أحقه حق، وهي صفات لأنها قائمة بالموصوف،

والموصوف قائم بالصفات، والحق المطلق هو اللّه - جل اسمه - قال تعالى: { فذلكم اللّه ربكم الحق }.

٨٤

قوله تعالى: { إن كنتم آمنتم باللّه فعليه توكلوا } الآية: ٨٤

سئل إبراهيم الخواص عن قوله: { فعليه توكلوا } قال: تنالوا السبب من اللّه بلا

واسطة.

٨٩

قوله تعالى: { أجيبت دعوتكما فاستقيما } الآية: ٨٩

قال ذو النون: الإستقامة في الدعاء أن لا تغضب لتأخير الإجابة، ولا تسكن إلى

تعجيل الإجابة، ولا تسل سواك الخصومة.

قال بعضهم: الإستقامة في الدعاء هو رؤية الإجابة مكرا واستدراجا، ورؤية تأخير

الإجابة طردا وبعدا.

وقيل: أجيبت دعوتكما فاستقيما على دعائكما إلى أن يظهر لكما الإجابة.

وقيل: أجيبت دعوتكما فاستقيما على منهاج الصدق.

٩٤

قوله تعالى: { فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك } الآية: ٩٤

قال ابن عطاء: مما فضلناك به وشرفناك، فسل الذين يقرءون الكتاب من قبلك وهم

الأعداء، كيف وجدوا وصفك في كتبهم وكيف رأوا فيها نشر فضائلك، يدل عليه قوله

حين أنزلت عليه هذه الآية: ' لا أشك لا أشك '.

٩٦

قوله تعالى: { إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون * ولو جاءتهم كل آية ٩٧ - حتى يروا العذاب الأليم } الآية: ٩٦

قال الواسطي: من لم يلحقه نور الأزل؛ لا يتبين عليه صفات الوقت، فإن صفات

الوقت نتائج أنوار الأزل قال اللّه تعالى: { إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون * ولو جاءتهم كل آية }.

١٠٠

قوله تعالى: { وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن اللّه } الآية: ١٠٠

قال بعضهم: إذا صح له الإيمان، لا يصح إلا أن يأذن اللّه له بذلك في إزالة وحرية

القضاء السابق له بالإيمان على أحد إلا سعادة سابقة في الأزل ونور متقدم.

قوله تعالى: { ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا } الآية: ٩٩

قال الواسطي: رفع المدح والذم فلا معذور ولا غير معذور ولا شقاء ولا سعادة،

إنما هي إرادة أمضاها ومشيئة أنفذها وقيس آمنوا بإذن اللّه المتولى لإظهار الكونين، لا

شريك له فلا يستغفرون ولا يفتخرون.

١٠١

قوله تعالى: { وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون } الآية: ١٠١

قال بعضهم: لا تصل العقول الخالية عن التوفيق إلى سبيل النجاة، وما يغنى ضياء

العقل مع ظلمة الخذلان إنما تنفع أنوار العقل من كان مؤيدا بأنوار التوفيق وعناية

الأزل، وإلا فإنه متخبط في هلاكه بعقله.

١٠٣

قوله تعالى: { ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين }

 الآية: ١٠٣

قال بعضهم: ننجي رسلنا من مراد النفس وغفلة الوقت وغلبة الشهوة وشتات السر،

والذين آمنوا بالرسل نجزيهم على مناهج الرسل، وكذلك حقا علينا نجاة من صدق في

عبوديته.

١٠٥

قوله تعالى: { وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين } الآية: ١٠٥

قال ابن عطاء في هذه الآية: صحح معرفتك ولا تكونن من الناظرين إلى شيء

سوى اللّه، فيمقتك اللّه، وإقامة الملة الحنيفية هذا هو تصحيح المعرفة.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه في قوله: { وأن أقم وجهك للدين حنيفا } قال: لا

تعتمد صلاة ولا طاعة؛ فتعمى عن سبيل الفضل والرحمة، أيتوهم البائس إنما صلاته

مواصلة وإنما هي في الحقيقة مفاصلة وأنى ذلك، ولا فصل ولا وصل إنما هذه الكلمات

عبارات إن تركتها كفرت، وإن قصدتها بشاهدك أشركت، لأن صحة القصود تكوين

المقصود وليس الشأن في القصود، إنما الشأن في المقصود لذلك خاطب نبيه صلى اللّه

عليه وسلم فقال:

{ وأن أقم وجهك للدين حنيفا }.

١٠٦

قوله تعالى ذكره { ولا تدع من دون اللّه ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين } الآية: ١٠٦

قال شقيق: الظالم من طلب نفعه ممن لا يملك نفع نفسه واستدفع الضر بمن لا

يملك الدفاع عن نفسه، ومن عجز عن إقامة نفسه كيف تقيم غيره.

قال اللّه تعالى: { فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين }.

١٠٧

قوله تعالى: { وإن يمسسك اللّه بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله}

 * الآية: ١٠٧

قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه: قطع الحق على عباده طريق الرغبة والرهبة إلا إليه

بإعلامهم أنه الضار النافع.

قال جعفر: جعل اللّه مس الضر منوطا بصفتك وإرادة الخير لك منوطة بصفته،

ليكون رجاؤك أغلب من خوفك.

قال أبو عثمان: أنت بين رجائك من ضر ونفع، وفي الحالتين جميعا الرجوع إلى

سواه سوء تدبير وقلة يقين.

قال بعضهم: الكاشف للضر على الحقيقة هو القادر على ابتلائك به، والمتفضل

بالأفضال من ناب عنك في الغيب بحسن التولية لك في الأزل.

١٠٨

قوله تعالى ذكره: { فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه } الآية: ١٠٨

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: لو وقع التفاضل بالنعوت والصفات كان الذات

معلولا ما أظهر، فإنما أظهره لك أن أجرى الإحسان عليكم فلكم بقوله { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم }، وإن أجر الاهتداء فلكم بقوله: { من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه }

وإن أجر الشكر عليكم فلكم بقوله { ومن شكر فإنما يشكر لنفسه }.

١٠٩

قوله عز وجل: { واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم اللّه } الآية: ١٠٩

قال سهل: أجرى اللّه في الخلق أحكاما وأيدهم على اتباعها بقدرته وفضله، ودلهم

على رشدهم بقوله: { واتبع ما يوحى إليك واصبر } والصبر على الاتباع وترك تدبير

النفس فيه النجاة عاجلا من رعونات النفس وأجلا من حياة المخالفة.

وقال أبو عثمان: أصل الدين الاتباع ثم الصبر عليه من غير أن يكون ذلك فيه من

عندك شيء، بل الرجوع عن جميع مالك باتباع ما ألزمته.

ذكر ما قيل في سورة هود

﴿ ٠