سورة هود

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

 قوله تعالى: { أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير } الآية: ١

حكيم فيما أنزل. خبير بمن أقبل على أمره أو أعرض عنه.

قال بعضهم: أحكمت آياته في قلوب العارفين، وفصلت أحكامه على أبدان

العالمين.

قال فارس: أحكمت آياته للورعين، وفصلت أحكامه للمتقين.

وقيل: أحكمت آياته بالكرامات وفصلت بالبينات.

وقيل: أحكمت آياته بالفضل، وفصلت آياته بالعدل.

وقال الحسن: أحكمت بالأمر والنهي، وفصلت بالوعد والوعيد. حكيم فيما أنزل.

خبير بمن يقول بأمره، أو يعرض عنه.

٣

قوله تعالى: { وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه } الآية: ٣

قال أبو بكر الحواشي: التوبة التي تتولد من الاستغفار أن ترفع ثوب النجس والغش

والدنس.

سئل سهل بن عبد اللّه عن الاستغفار. فقال: هو الإنابة ثم الإجابة، ثم التوبة ثم

الاستغفار بالظاهر والإنابة بالقلب والتوبة مداومة الاستغفار من تقصيره فيها.

قال بعضهم: الاستغفار من غير إقلاع توبة الكذابين.

وقال بعضهم: استغفروا ربكم من الدعاوى وتوبوا إليه من الخطرات المذمومة.

وقال يوسف: استغفار العامة من الذنوب واستغفار الخاصة من رؤية الأفعال ومن

رؤية المنة والفضل، واستغفار الأكابر من رؤية كل شيء سوى الحق.

قوله تعالى: { يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل }

 الآية: ٣

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: طيب النفس وسعة الرزق والرضاء بالمقدور.

قال سهل: هو نزل الخلق والإقبال على الحق.

قال أبو الحسين الوراق في قوله: يمتعكم متاعا حسنا قال يرزقكم صحبة الفقراء

الصادقين.

وقال الجنيد رحمة اللّه عليه: لا شيء أحسن على العبد من ملازمة الحقيقة وحفظ

السر مع اللّه وهو تفسير قوله يمتعكم متاعا حسنا.

قال الحسين يمتعكم متاعا حسنا: الرضاء بالميسور والصبر على كربة المقدور.

قال محمد بن الفضل: هو طيب النفس وسعة الصدر وتمام الرزق والرضاء.

قوله تعالى: { ويؤت كل ذي فضل فضله }.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: ذو الفضل من رزق بعد الاستغفار والتوبة حسن

الإنابة والإخبات مع دوام الخشوع.

قال النصرآباذي: رؤية الفضل تقطع عن المتفضل كما أن رؤية المنة تحجب عن

المنان.

قال بعضهم في قوله: { ويؤت كل ذي فضل فضله } يوصل كل مستحق إلى ما

يستحقه من مجالس القربة وسمو المنزلة.

قال الجوزجاني: من قدر عليه الفضل في السبق يوصله إلى ذلك عند إيجاده.

سئل أبو عثمان عن قوله: { ويؤت كل ذي فضل فضله } قال: يحقق آمال من

أحسن ظنه به.

٥

قوله تعالى: { يعلم ما يسرون وما يعلنون } الآية: ٥

قال فارس: يعلم ما تسرون من أحوالكم وما تظهرون من أفعالكم وهو عالم بكم

قبل أن خلقكم وأبدأكم.

قال فارس: الحركات على الجوارح والمشاهدة على الأسرار.

وقال بعضهم: يعلم ما يسرون من الإخلاص وما يظهرون من العتاب.

٦

قوله عز وجل: { وما من دابة في الأرض إلا على اللّه رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها }

 الآية: ٦

قيل: قرأ يوسف بن الحسين هذه الآية ثم قال: ندب اللّه عباده جميعا إلى التوكل

والاعتماد عليه فأبوا بأجمعهم إلا الاعتماد على عوارى ما ملكوا إلا الفقراء المهاجرين

ثم جرت تلك البركة في الفقراء الصادقين إلى من ترسم بهم من المتصوفة فأبى الخلق

إلا الاعتماد على الأسباب وأبت هذه الطائفة أن تعتمد على غير المسبب وهو من أشد

المناهج.

قال بعضهم: المغبون من لم يثق باللّه في رزقه بعد أن ضمنه له.

وقال بعضهم كفاك ما تحتاج إليه ولم يجعل للخلق فيه سبيلا لتكون له بالكلية.

وقيل: يعلم مستقرها من رحم الأمهات ومستودعها من الدنيا.

وقيل: يعلم مستقرها من الدنيا ومستودعها في دار الخلود.

وقيل: يعلم مستقرها ظاهر إسلامه ومستودعها باطن إيمانه.

وقيل: يعلم مستقرها من الخلق ومستودعها من الحق.

وقيل: مستقرها في الطاعات ومستودعها في الأحوال.

وبلغني أن رجلا قال لأبي عثمان الحيري: من أين تأكل؟ فقال: إن كنت مؤمنا فأنت

مستغن عن هذا السؤال وإن كنت جاحدا فلا خطاب معك ثم تلا: { وما من دابة في الأرض إلا على اللّه رزقها }.

٩

قوله تعالى: { ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه } الآية: ٩

قال أبو سعيد الخراز: من أذيق حلاوة الذكر وصفاء السر ثم نزع منه ذلك فلم تظهر

عليه الاهتمام به، والذبول لفقده ولا يرى من سره مطالبة لما نزع منه من سنى المقامات

والأحوال فليحكم لقلبه بالموت ولسره بالعمى عن طريق الهدى كذلك قال اللّه { ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة } وهو محل القربة ثم نزعناها منه وهو حجاب النعمة.

١٠

قوله تعالى: { ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور } الآية: ١٠

لو رددنا عليه ما قبضناه منه ليقولن ذهب السيئات عني أمنا من مكري وطمأنينة إلى

الدنيا إنه لفرح بغير مفروح به فخور بما لا يفتخر به.

١٥

قوله تعالى: { من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون } الآية: ١٥

قال أبو بكر الوراق: حياة الدنيا هي ارتكاب الأماني واتباع الشهوات والجولان في

ميادين الآمال والغفلة عن بغتة الآجال وجمع ما فيها من الأموال من وجوه الحلال

والحرام، وزينة الدنيا هي ما أظهر اللّه فيها من الأموال ومن وجوه أنواع العلائق التي

أخبر اللّه عنها بقوله: { زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة }.

قال بعضهم: إرادة الحياة هي كراهية الموت، وكل مريب خائف.

قال أبو حفص في قوله { من كان يريد الحياة الدنيا } قال: حياة الدنيا هي صحبة

أهل الدنيا والميل إليهم والأنس بهم. ومن أحب الدنيا فقد أحب ما أبغض اللّه، ومن

صحب أهلها فقد مال إليهم، ومن مال إليهم فقد مال عن طريق الحق، فإن الحق مبائن

للدنيا وأهلها لأنها لهو ولعب. الآية كما أخبر اللّه عنها فقال: { اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو }.

١٧

قوله تعالى: { أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه } الآية: ١٧

سمعت أبا عثمان المغربي يقول: سمعت ابن الكاتب يقول: جاء رجل إلى الجنيد

رحمة اللّه عليه فقال: أسألك عن شيء في ضميري، فقال: سل. فقال: قد سألت،

فقال الجنيد: قد سألت عن كذا وكذا والجواب فيه كذا وكذا. فقال الرجل: لا. قال:

بلى ولكنك قلبت السؤال إلى كذا وكذا، والجواب فيه كذا وكذا.

قال الشيخ أبو عثمان: وهذا تفسير قوله: { أفمن كان على بينة من ربه } ومن كان

على البينة لا يخفى عليه سر.

وقال رويم: البينة هي الإشراف على القلوب والحكم على الغيوب.

وقال سهل في قوله: { أفمن كان على بينة من ربه } قال: هي التقى والبر.

{ ويتلوه شاهد منه }.

قال: هو حالة للعبد وقت ذكر اللّه.

وقال الجنيد رحمة اللّه عليه: البينة حقيقة يؤيدها ظاهر العلم.

وقال النوري أبو الحسين: البينات هي التي لا تكشف أواخرها عن عثرة ولا غلط.

قال أبو بكر بن طاهر في قوله: { أفمن كان على بينة من ربه } قال: من كان من ربه

على بينة كانت جوارحه وقفا على الطاعات والموافقات ولسانه ملزوم بالذكر ونشر الآلاء

والنعماء، وقلبه منور بأنوار التوفيق وضياء التحقيق، وسره وروحه مشاهد للحق في

جميع الأوقات عالم بما يبدو من مكنون الغيوب ومستورها، ورؤيته للأشياء رؤية يقين

لا شك فيه، وحكمه على الخلق لحكم الحق. لا ينطق إلا بحق ولا يرى إلا الحق لأنه

مستغرق في الحق فأنى له مرجع إلا إلى الحق ولا إخبار إلا عنه.

١٨

قوله تعالى: { ومن أظلم ممن افترى على اللّه كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم } الآية: ١٨

قال بعضهم: المفتري على اللّه من اتخذ أحوال السادات بدعواه لنفسه حالا أو أظهر

عن نفسه مشاهدة ما لا يشهده أولئك يفضحهم اللّه في الدنيا بكذبهم فيطلع عليهم

الذين يشهدون حقائق الأشياء هؤلاء الذين كذبوا على ربهم أظهروا من الأحوال ما ليس

لهم وتزينوا بالعواري من لباس لبس السادة فهذه فضيحتهم في مجالس أهل الحقيقة إلى

أن يرجعوا إلى الفضيحة في مشهد الحق.

٢٠

قوله تعالى: { ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون } الآية: ٢٠

قال بعضهم كيف يستطيع السمع من لم يفتح مسامعه سماع الحق وكيف يبصر من لم

يكتحل بنور التوفيق إذ لا سماع إلا عن إسماع ولا بصر إلا عن إبصار.

٢٣

قوله تعالى: { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم } الآية: ٢٣

قال شاه: علامات الإخبات ثلاث:

غم الإياس مع التوبة لكره العود إلى الذنوب.

وخوف الاستدراج في إسبال الستر.

وتوقيع العقوبة في كل وقت حذرا وإشفاقا من العدل.

حذرا وإشفاقا من العدل.

٢٤

قوله تعالى: { مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع } الآية: ٢٤

قال أبو سليمان الداراني: الأعمى حقا من عمى في آخر سفره وقد قارب المنزل

فيضيع سعيه فلا استدلال ببصر ولا دليل قائد.

وقال بشر: الأعمى حقا من عمى عن طريق رشده والأصم حقا من صم عما أنذر

به.

وقال بعضهم: البصير من عاين ما يراد به وما يجري له وعليه في جميع أوقاته

والسميع من يسمع ما يخاطب به من تقريع وتأديب وحث وندب لا يغفل عن الخطاب

في حال من الأحوال.

وقيل: السميع من فتح سمعه باستماع ما يعنيه.

وقيل: الأعمى الذي عمى عن رؤية الاعتبار والأصم الذي منع لطائف الخطاب

والبصير الناظر إلى الأشياء بعين الحق فلا ينكر شيئا ولا يتعجب من شيء.

وقيل: السميع من يسمع من الحق فيميز بذلك الإلهام من الوسوسة.

وقال الجنيد رحمة اللّه عليه: الأعمى الذي عمى عن درك الحقائق.

٢٧

قوله تعالى: { ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي }

 الآية: ٢٧

قال أبو الفرج: لم يشهد مخالفو الأنبياء والرسل منهم إلا هياكل البشرية، وعموا

عن درك حقائقهم في ميادين الربوبية واختصاصهم بما خصوا به من فناء حظوظهم فيهم

وبقاء أشباحهم وهياكلهم رحمة للخلق.

فقالوا: ما نراك إلا بشرا مثلنا: أكلا وطعما وشربا، ولو لاحظوا مقامهم من الحق

وقربهم منه لأخرستهم مشاهدتهم عن مثل هذا الخطاب؛ لأنهم في مشاهد القدس.

٢٩

قوله تعالى: { وما أنا بطارد الذين آمنوا } الآية: ٢٩

قال أبو عثمان رحمة اللّه عليه في هذه الآية: ما أنا بمعرض عمن أقبل على اللّه، فإن

من أقبل على اللّه بالحقيقة أقبل اللّه عليه، ومن أعرض عمن أقبل اللّه عليه فقد أعرض

عن اللّه.

٣٤

قوله تعالى: { ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم } الآية: ٣٤

قال حمدون القصار: النصيحة لمن لم ينصح نفسه قبل سماع النصيحة بدوام

الاجتهاد ومجانبة الاختلاف.

٣٧

قوله تعالى: { واصنع الفلك بأعيننا } الآية: ٣٧

قال السقطي: عن نفسك تدبيرك، واصنع ما أنت صانع من أفعالك على مشاهدتنا

دون مشاهدة نفسك ومشاهدة أحد من الخلق.

قال بعضهم: اصنع الفلك ولا تعتمد عليه، فإنك بأعيننا رعاية وكلأة، فإن

اعتمدت على الفلك وكلت إليه وسقطت عن أعيننا.

قوله تعالى: { ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون } الآية: ٣٧

قال ذو النون: إن كنت قد ابتدأت في الأزل بشيء من العناية فقد نجوت، وإلا فإن

الدعاء لا ينفع الغرقى.

٤٠

قوله تعالى: { إلا من سبق عليه القول } الآية: ٤٠

قال بعضهم: بالسبق قيد العواقب فمن أجرى له في السبق السعادة كانت عاقبته إلى

السعادة، ومن أجرى له في السبق الشقاوة ختم له بالشقاوة.

وألسنة الأولياء والأنبياء قاصرة عن سؤال مخالفة ما جرى في الأزل؛ لأنه حكم

القاهر به وسلطان الجبار به.

٤٣

قوله تعالى: { لا عاصم اليوم من أمر اللّه إلا من رحم } الآية: ٤٣

إلا من دله على الاعتصام به، فذلك الذي يعصمه اللّه من امره.

٤٥

قوله تعالى: { ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي } الآية: ٤٥

قال الحسين: لم يؤذن لأحد في الانبساط على بساط الحق بحال؛ لأن بساط الحق

عزيز وحواشيه قهر وجبروت، فمن انبسط عليه رد عليه كما رد على نوح - عليه السلام

- لما قال: { إن ابني من أهلي }. قيل له: إن ابنك ليس هو من أهلك.

٤٦

قوله تعالى: { يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح } الآية: ٤٦

قال القاسم: الأهل على وجهين: أهل قرابة وأهل ملة. فنفى اللّه عنه أهلية الملة

الأهلية والقرابة.

قوله تعالى: { فلا تسألن ما ليس لك به علم } الآية: ٤٦

قال بعضهم: أما علمت أني قد أمضيت حال الشقاوة والسعادة في الأزل، فلا راد

لحلمي وقضائي إني أعظك أن تجهل تلك الأحكام.

وقال بعضهم: أما علمت أني كافيت الخلق قبل الخلق فالاختبار على من منه

الاختبار محال.

قوله تعالى: { إني أعظك أن تكون من الجاهلين } الآية: ٤٦

قال بعضهم: إن نوحا لما أشرف ابنه على الغرق قال: إن ابني من أهلي.

قال: خصصت ولدك بالدعاء دون سائر عبادي، وابنك واحد منهم.

إني أعظك أن تكون من الجاهلين في أن تقتضي حقك على الخصوص، وتهمل

حقوق عبادي بأجمعهم.

٤٧

قوله تعالى: { وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين } الآية: ٤٧

قال أبو سعيد الخراز: إن نوحا صلى اللّه عليه وسلم وهو من الصفوة وأولي العزم من الرسل

نصح،

وكدح لربه ألف سنة إلا خمسين عاما ثم قال: إن ابني من أهلي فقويت عليه، فأبكاه

ذلك سنة حتى قال: وإلا تغفر لي وترحمني، وكان دهره يطلب المغفرة من هذه الكلمة

ونسي ما كدح وعنا واجتهد.

٤٩

قوله تعالى: { تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك } الآية: ٤٩

قال الجنيد رحمة اللّه عليه: كشف اللّه لكل نبي طرفا من الغيب وكشف لنبينا محمد

صلى اللّه عليه وسلم أنباء الغيب، وهو الغاية من الكشف وكان مكشوفا له من الغيب ما لا

يجوز أن

يكون مكشوفا لأحد من المخلوقين؛ وذلك لعظيم أمانته وجلالة قدره، إذ الأسرار لا

تكشف إلا للأمناء، فمن كان أعظم أمانة كان أعظم كشفا.

قوله تعالى: { فاصبر إن العاقبة للمتقين } الآية: ٤٩

قال النصر آباذي: نجاة العاقبة لمن وسم التقوى وحلى به، قال تعالى { فاصبر إن العاقبة للمتقين } الآية: ٤٩

٥٥

قوله تعالى: { فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون إني توكلت على اللّه ربي وربكم }

٥٦ ، الآية: ٥٥

قال الواسطي: غلب على هود عليه السلام في ذلك الوقت الحال والوصلة

والقربة فما تأكد بشيء ولا أحس به إذ هو في محل الحضور ومجلس القربة.

وقال في قصة لوط صلى اللّه عليه وسلم حين قال: { لو أن لي بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد }،

كان نطقه نطقا طبعيا شاهد في ذلك حاله، ووقته واشتغاله بهم.

 وقال في هود: { فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون } الآية: ٥٥

نطق عن مشاهدة لا يرى سواه.

قال بعضهم: أي كيدوني بالحق من هو في قبضة الحق وسرادق العز، وجلابيب

الهيبة والكيد لا تلحق إلا من هو أسير في طريق المخالفة.

٥٦

قوله تعالى: { ما من دابة إلا هو آخد بناصيتها } الآية: ٥٦

قال بعضهم: كيف يكون ذلك محل وأنت بغيرك قيامك، ويقال لذلك قال: من قال

أنا فقد نازع القبضة.

قال بعضهم: فيه ذكر إبطال الدعاوى، فإن من ادعى حارب القدرة ونازع القبضة.

٥٩

قوله تعالى: { ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى } الآية: ٦٩

قال بعضهم: بشروا إبراهيم بأن نسب الخلة ثابتة وأنها لا تنقطع.

قال بعضهم: بشروه بإخراج محمد صلى اللّه عليه وسلم من صلبه، وأنه خاتم الأنبياء

وصاحب لواء

الحمد.

قال بعضهم: رسول الخليل إذا ورد فهو بشارة، فإذا أدى الرسالة فقد تم به

البشرى، خصوصا إذا أدى من الخليل سلاما ألا تراه كيف ذكر: قالوا سلاما من

الخليل، فقال: سلام من الخليل، تم به المراد.

٦٩

قوله تعالى: { قالوا سلاما قال سلام } الآية: ٦٩

قال ابن عطاء: سلام لك رتبة الخلة من الزلل.

{ قال سلام }: أي هذه السلامة التي توجب لي السلام من السلام.

قال الترمذي: كانت الملائكة قصدوا هلاك قوم لوط فلما رآهم الخليل صلى اللّه عليه

وسلم فزع

منهم، فزادوا ذلك فيه، فقالوا: سلاما، أي قد سلمت أنت وأهلك وقصدنا لهلاك الأمة

العاصية، فأنت ومن معك منا في سلامة وسلام، فقال سلام - الحمد للّه الذي أمنني

وأهلي من الهلاك.

قوله تعالى: { فما لبث أن جاء بعجل حنيذ } الآية: ٦٩

قال بعضهم: من آداب الفتوة إذا ورد الضيف أن يبدأ أولا بإكرامه في الإنزال ثم

يثنيه بالطعام ثم بالكلام ألا ترى الخليل عليه السلام كيف بدأ بالطعام بعد السلام، فقال:

فما لبث أن جاء بعجل حنيذ، وهو تعجيل ما حضر والتكلف بعد ذلك لمن أحب.

٧٠

قوله تعالى: { فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم } الآية: ٧٠

سمعت غير واحد من أصحابنا يحكون عن البوشنجي أنه قال: من دخل هذه

الدويرة ولم يبسط معنا في كسرة أو فيما حضر فقد جفاني غاية الجفاء.

سمعت أبا بكر بن إبراهيم يقول: سمعت أبا جعفر بن عبدوس يقول: من أشبع من

طعام العقد أو الفتيان فقد أظهر كبره.

وقيل في قوله: نكرهم: نكر أخلاقهم، مما تبين فيهم من الخير.

٧٣

قوله تعالى: { رحمة اللّه وبركاته عليكم أهل البيت } الآية: ٧٣

قال بعضهم: بركات أهل البيت من دعوات الخليل، ودعوات الملائكة وأمر النبي

صلى اللّه عليه وسلم بالدعاء له في الصلاة في قوله: كما باركت على إبراهيم، فبارك علينا،

فأنا من

أهل بيته وأولاده.

٧٤

قوله تعالى: { فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى } الآية: ٧٤

قال بعضهم: ذهب عنه روع ما يجده في نفسه من تنزههم عن طعامه، وعلم أنهم

الملائكة، وجاءته البشرى بالسلام من اللّه لما فرغ من قضاء حق الضيف ولقي البشرى

رجع إلى حد الشفقة على الخلق والمجادلة عنهم، يجادلنا في قوم لوط: الرحمة التي

جبله اللّه عليها.

٧٩

قوله تعالى: { وإنك لتعلم ما نريد } الآية: ٧٩

قال الجنيد رحمة اللّه عليه: سمعت السري رحمة اللّه عليه يقول: رأيت رب العزة

في المنام، فقال يا سري خلقت الخلق، وخلقت الدنيا، فذهب مع الدنيا تسعة أعشار

الخلق، وبقي معي العشر، ثم خلقت الجنة، فذهب مع الجنة تسعة أعشار ما بقي،

وبقي معي منهم العشر، ثم سلطت عليهم البلاء ففر من البلاء تسعة أعشار ما بقي،

وبقي عشر العشر، فقلت: ماذا تريدون لا الدنيا أردتم، ولا الجنة طلبتم، ولا من البلاء

فررتم، فأجابوني. فقالوا: إنك تعلم ما نريد. قال: فإني أنزل عليكم من البلاء ما لا

يطيق له الرواسي. فقالوا: ألست أنت الفاعل بنا فقد رضينا.

٨٠

قوله تعالى: { لو أن لي بكم قوة... } الآية: ٨٠

من نفسي لمنعتكم عن معصية ربي، ولكن ألتجىء إلى من يقدر على منعكم منه

 وصرفكم عنه وهو الحق { أو آوى إلى ركن شديد } الآية: ٨٠

قيل: آوى إلى حصن حصين، وأمنع حرز، وهو القادر على ذلك كله.

سمعت محمد بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا العباس بن عطاء يقول في هذه الآية

قال: لو أن لي بكم قوة لو أن المعرفة بيدي لأوصلتها إليكم.

قال بعضهم: لو أن لي جرأة على الدعاء لدعوت عليكم، أو آوى إلى ركن شديد:

من علم الغيب بما أنتم صائرون إليه من سعادة أو شقاوة.

وحكى الشبلي أنه قال في هذه الآية: لو أن النجاة بيدي، وكنت أقوى على

هدايتكم لعملت فيها وأصل إلى المعدن الذي تتفصل منه المعرفة لأوصلتكم إليه.

قال الواسطي في قوم لوط صلى اللّه عليه وسلم: { لو أن لي بكم قوة } وقول هود: *

(فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون }.

قال: لوط نطق نطق طبع، وهود عليه السلام نطق عن مشاهدة، لا يرى غيره،

ومن عتقته الموارد عن أماكنها هو أدفع ممن أعتقته الشواهد والأعراض.

٨١

قوله تعالى: { إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب } الآية: ٨١

لذلك حكى عن السري رحمة اللّه عليه: أنه قال: قلوب الأبرار لا تعتمل الانتظار.

قال بعضهم: انتظار ما هو كائن قريب خصوصا إذا كان ذلك من خير صدق وموعد

حق.

٨٢

قوله تعالى: { فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها } الآية: ٨٢

قال بعضهم: ما أدركتم الحكم السابق الجاري في الأزل عليهم قلبنا بهم أرضهم،

كما حكمنا عليهم بتقليب قلوبهم وصرفهم عن طريق الحق، وسبيل الرشاد.

٨٣

قوله تعالى: { وما هي من الظالمين ببعيد } الآية: ٨٣

قال محمد بن الفضل: ما أصاب قوم لوط ما أصابهم إلا بالتهاون بالأمر، وقلة

المبالاة، وارتكاب المحارم بالتأويلات.

قال اللّه تعالى: { وما هي من الظالمين ببعيد } أي ما العذاب ممن عمل ما عملوا من

تخطي الشرع، والتهاون بالأمر وارتكاب المناهي بالتأويلات ببعيد، والظالم من وضع ما

أمر به غير موضعه، إذ ليس كل مترسم بالطاعة مطيعا حتى يحفظ أوقات الطاعة باتباع

الأمر ممن فرط في ذلك، أو تخطى أوقات الأوامر صار في درجة العصاة التي قال اللّه:

{ وما هي من الظالمين ببعيد }.

٨٤

قوله تعالى: { إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم } الآية: ٨٤

قال بعضهم: أقرب حال إلى الاستدراج الأمن والدعة، وتواتر النعم عليك وترادف

الخيرات عندك، ألا ترى اللّه يقول حاكيا عن بعض أنبيائه لأمته: { إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم }.

قال بعضهم: إني أراكم بخير أي بنعمة من اللّه، وإني أخاف عليكم تقصيركم في

شكر النعمة.

٨٦

قوله تعالى: { بقيت اللّه خير لكم إن كنتم مؤمنين } الآية: ٨٦

قال بعضهم: ما ادخره اللّه لكم من كراماته خير مما تسألونه فيه.

وقيل: فضله القديم عليكم مما تستجلبونه بأعمالكم إن كنتم مؤمنين.

وقال بعضهم: مؤمنين: موقنين أن اختيار الحق للعبد خير من اختياره لنفسه.

٨٨

قوله تعالى: { وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه } الآية: ٨٨

قال أبو عثمان: ليس بواعظ من كان واعظا بلسانه دون عمله، وليس بحكيم من لم

تكن أفعاله أفعال الحكماء، وإنما الحكيم من يكون حكيما في نطقه، حكيما في فعله،

حكيما في جميع أحواله، وإلا فإنه يقال: ناطق بالحكمة.

وقيل: إن اللّه عز وجل أوحى إلى عيسى صلى اللّه عليه وسلم يا عيسى عظ نفسك، فإن

اتعظت،

وإلا فاستحي مني.

قوله تعالى: { إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت } الآية: ٨٨

قيل فيه: مرادي صلاحكم إن ساعدكم التوفيق، ولا أستطيع أنا ذلك لكم إلا بمعونة

من اللّه لي عليه.

قوله تعالى: { وما توفيقي إلا باللّه } الآية: ٨٨

قال النهرجوري: التوفيق حسن عناية سيق إلى العبد ليس فيه سبب ولا منة إليه

طلب.

قال بعضهم: التوفيق هو الدليل الذي يدل على سبيل الحق، ويبعد عن نهج

الباطل، وسلوكه، وهو أن يوصل إلى العبد ما جرى له فيه من العناية في الأزل.

قوله تعالى: { عليه توكلت وإليه أنيب } الآية: ٨٨

قال الجنيد رحمة اللّه عليه: التوكل أن لا يظهر فيك انزعاج إلى الأسباب مع شدة

الفاقة، ولا نزول عن حقيقة الشكور إلى الحق. مع وقوفك عليها.

قال بعضهم: التوكل: ترك رؤية التوكل وإسقاط رؤية الوسائط، والتعلق بأعلى

الوثائق.

قال إبراهيم بن أدهم رحمه اللّه: التوكل: أن تستوي عندك أفخاذ السباع، والمتكأ

على الجشايا.

قال ابن عطاء في قوله: ' وإليه أنيب ': قال إليه أرجع عن جميع ما لي وعلي، وأن

لا أعتمد سواه.

قال بعضهم: الإنابة: هي الرجوع عن جميع ما له، ثم إذا صح له هذا يكون

مرجعه منه إليه، فبقي مستهلكا في مشاهدة المرجوع، فلا يكون له رجوع ولا ثبوت.

٩٠

قوله تعالى: { واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود } الآية: ٩٠

قال محمد بن الفضل: من لم يكن ميراث استغفاره تصحيح توتبه، كان كاذبا في

استغفاره، ومن لم يكن ميراث توبته تصحيح محبته، كان...

قال الشبلي: ما من حرف من الحروف إلا وهو يسبح اللّه تعالى بلسان، ويذكره بلغة

لكل لسان منها حروف، ولكل حرف لسان، وهو سر اللّه تعالى في خلقه الذي تقع

زوائد الفهوم وزيادات الأذكار.

قال حارث المحاسبي: إن اللّه تعالى لما خلق الأحرف، دعاها إلى الطاعة، فأجابت

على حسبما جلاها الخطاب، وألبسها، وكانت الحروف كلها على صورة الألف. إلا أن

الألف بقيت على صورتها وجليتها التي ما ابتدئت.

﴿ ٠