سورة الرعد

٢

قوله عز وجل: { يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون } الآية: ٢

قال ابن عطاء: يدبر الأمور بالقضاء السابق، ويفصل الآيات بالأحكام الظاهرة لعلكم

تتيقنون إن الذي يجري عليكم هذه الأحوال لا بد لكم من الرجوع إليه.

٣

قوله عز وجل: { وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي } الآية: ٣

قال بعضهم: هو الذي بسط الأرض وجعل فيها أوتادا من أوليائه، وسادة من

عبيده، فإليهم الملجأ، وبهم الغياث فمن ضرب في الأرض يقصدهم فاز ونجا، ومن كان

سعيه لغيرهم خاب وخسر.

سمعت علي بن سعيد يقول: سمعت أبا محمد الجريري يقول: كان في جواز الجنيد

إنسان مصاب في حربة، فلما مات الجنيد، وحملنا جنازته، فلما رجعنا تقدم خطوات،

وعلا موضعا عاليا، واستقبل بوجهه، وقال: يا أبا محمد إني أرجع إلى تلك الحربة

وقد فقدت ذلك السيد، ثم أنشأ يقول: وا أسفي من فراق قوم هم المصابيح والحصون

والمدد والمزن والرواسي والخير والأمن والسكون لم تتغير لنا الليالي حتى توفتهم المنون

فكل جفن لنا قلوب وكل ماء لنا عيون.

قوله عز وجل: { إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } الآية: ٣

قال بعضهم: الفكرة تصفية القلوب لموارد الفوائد.

قال أبو عثمان: الفكرة استرواح القلب، من وساوس التدبير.

قال ابن عطاء: التبصرة لمن تفكر في ابتداء الخلق، وانتهائهم، ومصير كلهم إلى

الفناء، ودوام البقاء للأحد الصمد.

٤

قوله عز وجل: { يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل } الآية: ٤

قال الواسطي: لم تتلون الإرادات، وتلونت المرادات كما تلونت الأشجار والأثمار

ولم تتلون المياه التي سقت الأشياء المختلفات كذلك العلم بالأشياء لا يتلون وتتلون

المعلومات فمن قال كيف فهو الضيق القدرة عنده وعلة تلوين المحدثات لعلة إثبات

الربوبية واقتدائها، ولئلا يسبق إلى الأوهام أن شيئا من الكون بغير إرادته الموت، والحياة

والظلمة والضياء، ولم تتلون الإرادة كذلك ما أراد من الكفر والإيمان.

قوله تعالى: { إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون } الآية: ٤

روى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: ' العاقل من عقل عن اللّه أمره '.

سمعت القاضي يقول: سمعت أبا علي البنوي يقول: قال أبو بكر الواسطي: العقل

ما عقلك عن المخازي.

قال أبو عثمان: العاقل من وفق لملازمة طريق رشده ومنع عن اتباع غيه.

سئل أبو حفص عن العاقل، فقال: من أعرض عما لا يعنيه واشتغل بما يعنيه.

٥

قوله تعالى: { وإن تعجب فعجب قولهم } الآية: ٥

قال الجنيد: ذهب العجب بقوة سلطان العجب، وكل العجب من العجب أن لا

عجب.

قال اللّه تعالى: { وإن تعجب فعجب }.

قال الترمذي: ليس العجب من العجب، العجب ممن يتعجب إذ لا عجب.

٦

قوله عز وجل: { إن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم } الآية: ٦

قال بعضهم: إن ربك ليستر على أودائه ما أظهروا من المخالفات، ومن ظلمهم

أنفسهم باتباع هواها، والسعي في موافقة رضاها.

قال أبو عثمان: إنما يرجو المغفرة من اللّه من يرتكب الذنوب على خطر وخوف

وحذر، لا من يقتحم فيها من غير مبالاة.

٧

قوله عز وجل: { إنما أنت منذر } الآية: ٧

قال ابن عطاء: إنما أنت مخبر عنا بصدق ما أكرمناك به من القرب، والزلف.

قال بعضهم: أنت المبلغ، والتوفيق يوصلهم إلى الهداية.

٨

قوله عز وجل: { وكل شيء عنده بمقدار } الآية: ٨

قال الحسين: كل ربط يحده، وأوقف مع وقته فلا يجاوز قدره، ولا يعدو طوره.

قال بعضهم: وكل شيء يوزن ومن لم يزن نفسه، ولم يطالع أنفاسه فهو في حيز

الغافلين، ومن لم يعرف مقداره وقدر عظيم النعمة عليه، أعجب بنفسه، أو بما يبدو

منه.

٩

قوله عز وجل: { عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال } الآية: ٩

قال ابن عطاء: العالم على الحقيقة، من يكون الشاهد والغائب عنده سواء في العلم

لا بأن يستدل، والعالم على الحقيقة هو الحق جل وعلا، الكبير في ذاته المتعالي في

صفاته.

قال بعضهم: عالم بما غيب فيك مما لا تعلمه من نفسك قبل أن يبديها أو يظهرها

وعالم بما يبدو من أفعالك على أي نية تعملها.

قال جعفر: في قوله: الكبير المتعال: كبير في قلوب العارفين محله فصغر عندهم كل

ما سواه وتعالى أن يتقرب إليه إلا بصرف كرمه.

١٠

قوله عز وجل: { سواء منكم من أسر القول ومن جهر به } الآية: ١٠

قال النصر آباذي: سواء منكم من أسر: ما أودعنا فيه لطائف برنا وكتم إشفاقا عليه،

أو أظهره ونادى عليه سرورا ومحبة له، فإنهما جميعا من أهل الأمانة في محل اليقظة.

١١

قوله تعالى: { له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللّه } الآية: ١١

قال بعضهم: المحفوظ بالأسباب محفوظ بالمسبب وأمره فالعلماء رأوا السبب،

والعارفون رأوا المسبب.

قال اللّه تعالى: { له معقبات من بين يديه ومن خلفه }.

قال ابن عطاء: الأسباب تحفظك من أمره فإذا جاء القضاء خلا بينك وبينه وكيف

يكون محفوظا من هو محفوظ من حافظه، والمحفوظ بالحقيقة من هو محفوظ بالحافظ

لا محفوظ من الحافظ.

قوله عز وجل: { إن اللّه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } الآية: ١١

قال الصادق: لا يوفقهم لتغيير أسرارهم ولا يغير عليهم أحوالهم ولو وصفهم لتغيير

أحوالهم، أسرارهم ومشاهدة البلوي، لذلوا وافتقروا فنالوا به النجاة.

قال النصر آباذي: لكل قوم تغيير وتبديل لكن لا يناقش العوام على ما يناقش عليه

أهل الصفوة.

وقال بعضهم: غيروا ألسنتهم عن حقائق ذكره فغير قلوبهم عن لطائف بره، وغيروا

أنفسهم عن معاني العبودية فغير قلوبهم عن دلائل الربوبية.

قوله عز وجل: { وإذا أراد اللّه بقوم سوءا فلا مرد له } الآية: ١١

قال القاسم: إذا أراد هلاك قوم حسن في أعينهم موارد الهلاك حتى يمشون إليه

بأرجلهم وتدبيرهم، وهو الذي أتى بهم.

١٢

قوله عز وجل: { هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا } الآية: ١٢

قال ابن عطاء: خوفا للمسافر، وطمعا للمقيم.

قال ابن البرقي: يريكم أنوار محبته، فبين خائف من استناره وطامع في تخليه.

قال أبو علي الثقفي: ورود الأحوال على الأسرار عندي كالبرق لا يمكث بل يلوح،

فإذا لاح فربما أزعج من خائف خوفه، وربما جرى من محب حبه.

قال أبو بكر بن طاهر: خوفا من اعتراض الكدورة في صفاء المعرفة، وطمعا في

الملامة في إخلاص المعاملة.

قال أبو يعقوب الأبهري: خوفا من القطع والافتراق وطمعا في القرب والإتيان.

وقال بعضهم: خوفا من عقابه وطمعا في ثوابه.

١٣

قوله عز وجل: { ويسبح الرعد بحمده } الآية: ١٣

سمعت محمد بن عبد اللّه الرازي يقول: سمعت ابن الريحاني يقول: الرعد صعقات

الملائكة، والبرق زفرات أفئدتهم والمطر بكاؤهم.

قوله عز وجل: { له دعوة الحق } الآية: ١٤

قال ابن عطاء: أصدق الدواعي دواعي الحق فمن أجاب داعي الحق بلغه إليه الحق،

ومن أجاب دواعي النفس رمى به إلى الهلاك.

قال الجنيد: داعي الحق، داعي رشد لا يقع للشيطان فيه يد ولا يكون للنفس فيه

نصيب وداعي الحق إذا برت، أبرت أنوار الحق فلا يبقى على المدعو ريب ولا شك

بحال.

قال بعضهم: داعي الحق من يدعو بالحق إلى الحق.

١٤

قوله عز وجل: { وما دعاء الكافرين إلا في ضلال } الآية: ١٤

قال جعفر: من دعا بنفسه فإلى نفسه دعا وهو الكفر والضلال وذلك محل الخيانة

والإسقاط من درجات أهل الأمانة فإن الدواعي تختلف: داع بالحق، وداع إلى الحق،

وداع إلى طريق الحق كل هؤلاء دعاة يدعون الخلق إلى هذه الطرق لا بأنفسهم وهذه

طرق الحق وداع يدعو بنفسه فإلى أي شيء دعا فهو ضلال.

١٥

قوله عز وجل: { وللّه يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها } الآية: ١٥

قال الجنيد: العارف طوعا، والمعرض كرها.

وقال إذا نزلته المصائب ذل، وإذا جاءه الرجاء مل.

١٦

قوله تعالى: { قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور }

 الآية: ١٦

قال أبو عثمان: لا يستوي من حل بنور التوفيق وهدى لطريق الخدمة ومن عمي

عنها وحرم رؤيتها أم هل يستوي من هو في أنوار التوفيق مع من هو في ظلمات

التدبير.

قال أبو حفص: الأعمى حقا من يرى اللّه تعالى بالأشياء، ولا يرى الأشياء باللّه

تعالى والبصير من يكون نظره من ربه إلى المكونات.

١٧

قوله تعالى: { أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها } الآية: ١٧

قال الواسطي: خلق اللّه تعالى درة صافية فلاحظها بعين الجمال فزابت منه حياء،

{ فسالت أودية بقدرها } فصفاء القلوب من وصول الماء إليه وحياء الأسرار من نزول

ماء ذلك المشرب.

قال ابن عطاء: { أنزل من السماء ماء فسالت أودية } هذا مثل ضربه اللّه تعالى للعبد

كما أنه إذا سال السيل في الأودية، لم يبق في الأودية نجاسة إلا كنسها وذهب بها،

كذلك إذا سال النور الذي قسم اللّه تعالى للعبد في نفسه لا يبقى فيه غفلة ولا ظلمة

{ أنزل من السماء ماء } يعني قسمة النور { فسالت أودية بقدرها } يعني في القلوب

الأنوار على ما قسم له في الأزل، { فأما الزبد فيذهب جفاء } فبذلك النور يصير القلب

منورا فلا يبقى فيه جفوة، { وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض } فذهب البواطيل

وتبقى الحقائق.

قال بعضهم: { أنزل من السماء ماء }: أنواع الكرامات فأخذ كل قلب بحظه،

ونصيبه فكل قلب مؤيد بنور التوفيق، أضاء فيه سراج المعرفة، وكل قلب زين بنور

الهدى أضاء فيه أنوار المعرفة، وكل قلب قيد بنور المحبة، أضاء فيه لهيب الشوق وكل

قلب عمى بلهيب الشوق أضاء فيه أنس القرب، كذلك القلوب تتقلب من حالة إلى

حالة حتى تستغرق في أنوار المشاهدة، أخذ كل قلب بحظه، ونصيبه إلى أن تبدو الأنوار

على الشواهد من فضل نور السر.

قوله عز وجل: { فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض }

 الآية: ١٧

قال ابن عطاء: ما كان من الأحوال صدقا. ثبت في القلوب بركاتها، وما كان من

غير ذلك فإنه لا يبقى فيه خير.

قال الواسطي: في قوله تعالى: { أنزل من السماء ماء } هو القرآن في صرف الكرم

والفضل { فاحتمل السيل زبدا رابيا } رؤيتك الأعمال، وصولتك بها على جيرانك،

{ فأما الزبد فيذهب جفاء } عند أهل التوحيد، { وأما ما ينفع الناس } وهو اليقين،

وهو ما سال من اللّه عليه من صرف الكرم فيبقى عليه.

١٩

قوله عز وجل: { أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى }

 الآية: ١٩

قال السياري: ليس من استدل عليك بربه كمن يستدل بك على ربه وليس من تحقق

بما أنزل إليك من جهة الحق، كم تحققه من جهته، وليس من شاهد جريان الأشياء في

الأزل كمن شاهده في وقت ظهوره.

٢٠

قوله عز وجل: { الذين يوفون بعهد اللّه ولا ينقضون الميثاق } الآية: ٢٠

قال بعضهم: الموفون بالعهد هم القائمون له بشرط العبودية من اتباع الأمر والنهي.

قال ابن عطاء: لا ينقضون ميثاق الأزل في وقت، بلى أنه لا رب لهم غيره ولا

يخافون غيره، ولا يرجون سواه، ولا يسكنون إلا إليه.

٢١

قوله عز وجل: { والذين يصلون ما أمر اللّه به أن يوصل } الآية: ٢١

قيل: هم الذين وصلوا أوقاتهم بالطاعات ووقفوا عند الحدود فلم يجاوزوها.

قال ابن عطاء: الذين يديمون على شكر النعمة ومعرفة منة المنعم بدوام النعمة

إليهم، وإيصالهم بهم.

قال بعضهم: هم المتحابون في ذات اللّه تعالى.

قوله تعالى: { ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب } الآية: ٢١

قال الواسطي: الخشية منه، حقيقة الخوف منه، ومن غيره.

قال اللّه تعالى: { ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب }.

قال بعضهم: الخشية هي مراقبة القلب أن لا يطالع في حال من الأحوال، غير الحق

فيمنعه.

قال ابن عطاء: الخشية سراج القلب، والخوف أدب النفس.

٢٢

قوله تعالى: { والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم } الآية: ٢٢

قال أبو عثمان: صبروا عن المناهي أجمع، لا لخوف النار بل لسبب النهي، وحرمة

عظمة الناهي.

قال بعضهم: صبروا عن جميع مراداتهم وخالفوا النفس في اتباع الشهوات حفظا

لحدود اللّه تعالى عليهم.

قال بعضهم: هذا مقام المريدين، أمروا أن يصبروا على إرادتهم، وعلى ما يلحقهم

من الميثاق، ولا يطلبوا الرفاهية ولا يرجعوا إليها، ويكون ذلك ابتغاء لحقيقة تصحيح

الإرادة.

٢٤

قوله عز وجل: { سلام عليكم بم صبرتم } الآية: ٢٤

قال ابن عطاء: صبروا على ما أمروا به من الطاعات، وصبروا عما نهوا عنه من

المعاصي فقال اللّه تعالى لهم على لسان السفراء الصادقين: { سلام عليكم بما صبرتم }.

قال بعضهم: { سلام عليكم بما صبرتم } معنا عما لنا.

٢٥

قوله عز وجل { والذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه } الآية: ٢٥

قال القاسم: نقض العهد هو الخروج من العبودية والدخول في الربوبية.

قال بعضهم: نقض العهد هو لزوم التدبير والاختيار وترك التفويض والتسليم بعد أن

أخبرك أن ليس لك من الأمر شيء.

قال أبو القاسم الحكيم: نقض العهد هو السكون إلى غير مسكون إليه والفرح إلى

غير مفروح به.

٢٦

قوله عز وجل: { وفرحوا بالحياة الدنيا } الآية: ٢٦

قال الواسطي: الدنيا مدرة ولك منها غبرة فمن أسرته غبرة فهو أقل منها، ومن

ملكه جناح بعوضة أو أقل فذلك قدره.

وقال أيضا: لا تدعوا الدنيا فتغرقكم في بحارها، وغرقوها في بحر التوحيد حتى

تجدوا منها شيئا.

قال بعضهم: أخبر اللّه تعالى عن الدنيا أنها في الآخرة متاع، والآخرة أقل خطر في

جنب الحقيقة من خطر الدنيا، في جنب الآخرة.

٢٧

قوله عز وجل: { قل إن اللّه يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب } الآية: ٢٧

قال بعضهم: يضل من قام بنفسه، واعتمد عليها عن سبيل رشده ويهدي إلى سبيل

رشده، من رجع إليه في جميع أموره، وتبرأ من حوله وقوته.

قال جعفر: يضل عن إدراكه ووجوده من قصره بنفسه، ويهدي أي يوصل إلى

حقائقه من طلبه.

قوله عز وجل: { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر اللّه ألا بذكر اللّه تطمئن القلوب } الآية: ٢٨

قيل في هذه الآية: القلوب على أربعة أنحاء: قلوب العامة، اطمأنت بذكر اللّه

وتسبيحه وحمده والثناء عليه لرؤية النعمة والعافية، وقلوب الخاصة، اطمأنت بذكر اللّه

وتسبيحه وذلك في أخلاقهم، وتوكلهم، وشكرهم، وصبرهم فسكنوا إليه، وقلوب

العلماء، اطمأنت بالصفات والأسامي والنعوت، فهم يلاحظون ما يظهر بها ومنها على

الدهور، وأما الموحدون كالغرقى لا تطمئن قلوبهم بحال وكيف يطمئن بذكر من

جهلوه، أم كيف يطمئن بذكر من لم يؤمنهم بل خوفهم وحذرهم.

قال إبراهيم الخواص: تفرق الناس في الحالتين، فمن دامت حركته وسعيه، كان

موصوفا بنفسه لغلبات شواهد نفسه عليه، لقوله: { وكان الإنسان عجولا }.

٢٨

ومن دام سكونه كان موصوفا بالحق لغلبات شواهد الحق في سكينته لقوله: { ألا بذكر اللّه تطمئن القلوب } الآية: ٢٨

قال الحسين: من ذكره الحق بخير في أزله، اطمئن إليه في أبده.

قال النهرجوري: قلوب الأولياء مواضع المطامع فهي لا تتحرك، ولا تنزعج بل

تطمئن خوفا من أن يرد عليه مفاجأة مطالعه، فيجده مترسما بسوء الأدب.

قال الواسطي: هم فيها على أربعة ضروب، فالأول للعامة، لأنها إذا ذكرته ودعته

اطمأنت إلى ذكرها، فحظها منه الإجابة للدعوات، والثانية أطاعته وصدقته ورضيت عنه

فهم مربوطون في أماكن الزيادات قد اطمأنت قلوبهم إلى ذلك فكانوا ممزوجي الملاحظة

بشواهدهم، ومفسدي الطبائع برؤية طاعاتهم، والثالثة أهل الخصوص الذين عرفوا

الأسماء والصفات، وعرفوا ما خاطبهم اللّه تعالى به فاطمأنت قلوبهم بذكره لها، لا

بذكرهم له وبرضاه عنها، لا برضاهم عنه.

والرابعة: خصوص الخصوص وهم الذي كشف لهم عن ذاته وعلمهم علم صفاته

فأدرج لهم الصفات في الذات وأراهم إنه إنما تعرف إلى الحق بإقرارهم وعلمهم

أخطارهم فعلموا أن سرائرهم لا تقدر أن تسكن إليه، ولا يطمئن به. ومن كانت

الأشياء في سره كذلك، إذا ما يسكن ويطمئن فلا تجد قلبه، الطمأنينة لقدر المطمئن إليه

كلما عادت الزيادة عليه رآها حجابا لا يستقطع بالبر والنعم لأنها حجاب مستور وهباء

ونثور، فإن عزمت على الدخول في هذا المقام فاحتسب نفسك وأعظم اللّه أجرك.

قوله عز وجل: { الذين آمنوا وعملوا الصالحات }.

قال ابن عطاء: الذين صدقوا ما ضمنت لهم من الرزق والعمل الصالح ما كان بريئا

من الشرك والرياء والعجب.

قوله عز وجل: { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت }.

قال الجنيد: باللّه قامت الأشياء وبه فنيت وبتجليه حسنت المحاسن وباستتاره قبحت

وسمجت.

قال محمد بن الفضل: لا تغفل عمن لا يغفل عنك وراقبه وكن حذرا.

٣٣

 قال اللّه تعالى: { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت } الآية: ٣٣

قوله عز وجل: { بل زين للذين كفروا مكرهم } الآية: ٣٣

قال بعضهم: زين اللّه تعالى طرق الهلاك في عين من قدر عليه الهلاك، فيراه رشدا

ليوصله إلى المقضي عليه من الهلاك.

قال اللّه تعالى: { بل زين للذين كفروا مكرهم }.

قال أبو زيد: اجتنب مكر النفس وأثبته له، فإنه أنقى من كل ما فيه، هو الذي

أهلك من هلك.

٣٦

قوله عز وجل: { قل إنما أمرت أن أعبد اللّه ولا أشرك به إليه أدعو } الآية: ٣٦

سئل أبو حفص. عن العبودية؟ فقال: ترك كل ما لك وملازمة ما أمرت به.

سئل محمد بن الفضل: عن صفة العبد، فقال ' ضرب اللّه مثلا عبدا مملوكا لا يقدر

على شيء ' فمن وجد من نفسه قوة وقدرة فليعلم أنه بعيد من الأمر.

قال أبو عثمان: العبودية اتباع الأمر على مشاهدة الأمر.

قال بعضهم: العبد الذي لا مراد له، ويكون مستغرقا في مراد سيده فيه.

قال ابن عطاء أو الجنيد: لا يرتقي أحد في درجات العبودية حتى يحكم فيما بينه

وبين اللّه تعالى، أوائل البدايات، وأوائل البدايات هي الفروض الواجبة والأوراد

الزكية، ومطايا الفضل وعزائم الأمر، فمن أحكم على نفسه هذا من اللّه تعالى عليه بما

بعده.

سئل سهل: متى يصح للعبد مقام العبودية؟

قال: إذا ترك تدبيره ورضى بتدبير اللّه تعالى فيه.

٣٧

قوله عز وجل: { وكذلك أنزلناه حكما عربيا } الآية: ٣٧

قال بعضهم: أحكام العرب السخاء والشجاعة، وهما من عرى الإيمان، وقيل في

قوله: { حكما عربيا } هذا مقدم ومؤخر، أي أنزلناه عربيا بلسانهم إذ كانوا هم

المخاطبين به حكما، أي مبينا فيه الحلال والحرام.

٣٨

قوله عز وجل: { ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية }

 الآية: ٣٨

فلم يشغلهم ذلك عن القيام بأداء الرسالة، ونصيحة الأمة وإظهار شرائع الدين.

قوله عز وجل: { لكل أجل كتاب } الآية: ٣٨

قال جعفر: للرؤية وقت.

قال ابن عطاء: لكل علم بيان، ولكل بيان لسان، ولكل لسان عبارة، ولكل عبارة

طريقة، ولكل طريقة أهل فمن لم يميز بين الأحوال فليس له أن يتكلم.

٣٩

قوله عز وجل: { يمحو اللّه ما يشاء ويثبت } الآية: ٣٩

قال الواسطي: منهم من جد بهم الحق ومحاهم عن نفوسهم بنفسه وقال: ' يمحو

اللّه ما يشاء ويثبت ' فمن فنى عن الحق بالحق لقيام الحق بالحق فنى عن الربوبية فضلا

عن العبودية، وقيل: يمحو اللّه ما يشاء من شواهد العبد حتى لا يكون على سره غير

ربه، ويثبت من يشاء في ظلمات شاهده حتى يكون غائبا أبدا عن ربه.

وقال ابن عطاء: { يمحو اللّه ما يشاء } عن رسوم الشواهد، والأعراض، وكلما يورد

على سره من عظمته وحرمته وهيبته ولو غاب أنواره، فمن أثبته فقد أحضره ومن محاه

فقد غيبه، والحاضر مرجوعه لا يعدوه.

قال الواسطي: يمحوهم عن شاهد الحق ويثبتهم في شواهدهم ويمحوهم عن

شواهدهم، ويثبتهم في شاهد الحق، ويمحو رسوم نفوسهم عن نفوسهم، ويثبتهم

برسمه.

قال ذو النون: العامة في قصص العبودية إلى أبد الأبد، ومنهم من هو أرفع منهم

درجة، غلبت عليهم مشاهدة الربوبية ومنهم من أرفع منهم درجة جد بهم الحق

ومحاهم عن نفوسهم وأثبتهم عنده، لذلك قال: { يمحو اللّه ما يشاء ويثبت }.

قال سهل: يمحو اللّه ما يشاء ويثبت الأسباب، وعنده أم الكتاب القضاء المبرم الذي

لا زيادة فيه ولا نقصان.

قال محمد بن الفضل: { يمحو اللّه ما يشاء ويثبت } من نسخ محكم الشرائع

وإثباتها، وقال أيضا: يمحو الإيمان من سر من يشاء، ويثبته في سر من يشاء.

قال ابن عطاء: يمحو اللّه أوصافهم ويثبت أسرارهم لأنه موقع المشاهدة.

سمعت محمد بن عبد اللّه الرازي يقول: سمعت الشبلي يقول في قوله: { يمحو اللّه ما يشاء ويثبت } قال: يمحو ما يشاء من شهود العبودية، وأوصافها، ويثبت ما يشاء

من شهود الربوبية ودلائلها.

وقال سهل: يمحو اللّه ما يشاء من الأسباب ويثبت الأقدار.

قال بعضهم: يمحو اللّه ما يشاء يكشفه عن قلوب أهل محبته إخوان الشوق إليه،

ويثبت بتجليه لها، السرور والفرح به.

وقال بعضهم: يمحو اللّه من قلوب أعدائه آثار حكمته وأنوار بره، ويثبت في قلوب

أوليائه ما أجرى عليها من معرفة نعوته، فهم المقدمون في الأوقات والقائمون بحقوق

اللّه تعالى من غير كلفة ولا شك.

سمعت منصور بن عبد اللّه: يقول: سمعت أبا القاسم السكندري يقول: سمعت أبا

جعفر الملطي يقول عن علي بن موسى الرضا عن أبيه: عن جعفر بن محمد قوله:

{ يمحو اللّه ما يشاء ويثبت } قال: يمحو الكفر ويثبت الإيمان، ويمحو النكرة ويثبت

المعرفة، ويمحو الغفلة ويثبت الذكر، ويمحو البغض ويثبت المحبة، ويمحو الضعف

ويثبت القوة، ويمحو الجهل ويثبت العلم، ويمحو الشك ويثبت اليقين، ويمحو الهوى

ويثبت العقل على هذا الشق ودليله { كل يوم هو في شأن } محو أو إثبات.

قوله عز وجل: { وعنده أم الكتاب } الآية: ٣٩

قال جعفر: الكتاب الذي قدر فيه الشقاء والسعادة فلا يزاد فيه ولا ينقص منه { ما يبدل القول لدى } والأعمال، أعلام فمن قدر له السعادة ختم له بالسعادة، ومن قدر

عليه الشقاوة ختم له بها.

قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: ' إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون ما بينه

وبينها إلا

ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل عمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل

أهل النار حتى ما يكون بينه، وبينها إلا ذراع، فيختم عليه الكتاب السابق فيعمل بعمل

أهل النار فيدخلها '.

٤١

قوله تعالى: { أولم يروا أنا نأتى الأرض ننقصها من أطرافها } الآية: ٤١

قال محمد بن علي: يخرب الأرضين بذهاب أهل الولاية من بينهم فلا يكون لهم

مرجع إلي، ولى في نوائبهم ومحنهم فيتواتر عليهم المحن والنائبات فلا يكون فيهم من

يكشف اللّه تعالى عنهم. برعاية فتخرب.

قال أبو عثمان: هم الذين ينصحون عباد اللّه. ويحملونهم على طاعته فإذا ماتوا

مات بموتهم من يصحبهم.

قال أبو بكر الشاشي: يسبغ عليهم الرزق، ويرفع عنهم البركة.

قوله عز وجل: { لا معقب لحكمه } الآية: ٤١

قال ابن عطاء: أحكام الحق ماضية على عباده فيما ساء وسر ونفع وضر فلا ناقض

لما أبرم ولا مضل لمن هدى.

٤٢

قوله عز وجل: { فللّه المكر جميعا } الآية: ٤٢

قال ابن عطاء: المكر حقيقة، ما مكر الحق بهم حتى توهموا أنهم يمكرون، ولم

يعلموا أنه مكر بهم حيث سهل عليهم سبيل المكر.

قال الحسين: لا مكر أبين من مكر الحق بعباده، حيث أوهمهم أن لهم سبيلا إليه

بحال أو للحدث اقترابه مع القدم في وقت، فالحق بائن وصفاته بائنة إن ذكروا

فبأنفسهم وإن شكروا فلأنفسهم، وإن أطاعوه فلنجاة أنفسهم ليس للحق منهم شيء لأنه

الغني القهار.

٤٣

قوله عز وجل: { ومن عنده علم الكتاب } الآية: ٤٣

قال سهل: الكتاب عزيز، وعلم الكتاب أعز، والعلم عزيز، والعمل بعلمه أعز،

والمشاهدة عزيز، والموافقة في المشاهدة أعز، والموافقة عزيز، والأنس في الموافقة أعز،

والأنس عزيز، والأدب في محل الأنس أعز.

﴿ ٠