سورة إبراهيم عليه السلامبسم اللّه الرحمن الرحيم ١قوله عز وجل: { كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور } الآية: ١ قال جعفر: عهد خصصت به فيه بيان هلاك سالف الأمم ونجاة أمتك، أنزلناه إليك لتخرجهم به من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، ومن ظلمات البدعة إلى أنوار السنة، ومن ظلمات النفوس إلى أنوار القلوب. قال أبو بكر: من ظلمات الظن إلى أنوار الحقيقة. قال أبو عثمان: من ظلمات الشرك إلى أنوار الهدى. قال أبو حفص: الظلمة رؤية الفعل والنور رؤية الفضل. ٢قوله عز وجل: { اللّه الذي له ما في السماوات وما في الأرض } الآية: ٢ قال الواسطي: الكون كله له فمن طلب الكون فإنه المكون، ومن طلب الحق فوجده سخر له الكون بما فيه. ٣قوله عز وجل: { الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة } الآية: ٣ قال أبو علي الجوزجاني: من أحب الدنيا حرم عليه طلب طريق الآخرة، ومن طلب الآخرة حرم عليه طلب طريق نجاته، ومن طلب طريق النجاة حرم عليه رؤية فضل اللّه تعالى عليه، ومن طلب رؤية طريق الفضل حرم عليه الوصول إلى المتفضل. ٥قوله عز وجل: { وذكرهم بأيام اللّه } الآية: ٥ قال أبو الحسن الوراق في هذه الآية: افتح عليهم سبيل الشكر لئلا يغتروا بالنعم وقيل دلهم على معرفة نعمي عندهم لئلا يستعظموا نور طاعتهم، وقيل شكرهم في جنب تواتر نعمي لديهم. ٧قوله عز وجل: { لئن شكرتم لأزيدنكم } الآية: ٧ سئل عنها ابن عطاء فقال: إذا رددت الأشياء إلى مصادرها من غير حضور منك لها فقد تم الشكر للإسلام. قال الجوزجاني: لئن شكرتم للإسلام لأزيدنكم الإيمان ولئن شكرتم للإيمان لأزيدنكم الإحسان، ولئن شكرتم للإحسان لأزيدنكم المعرفة، ولئن شكرتم المعرفة لأزيدنكم الوصلة، ولئن شكرتم الوصلة لأزيدنكم القرب، ولئن شكرتم القرب لأزيدنكم الأنس. قال الجريري: كمال الشكر في مشاهدة العجز عن الشكر. روي أن داود عليه السلام قال: يا رب كيف أشكرك وشكري لك تجديد منة لك علي، قال يا داود الآن شكرتني. قال أبو بكر الوراق: شكر النعمة مشاهدة المنة. قال حمدون: شكر النعمة زيادة نعمة، ومن شكر المنعم زاده أن ترى نفسك فيه طفيليا. سئل بعضهم عن الشكر فقال: أن لا تتقووا بنعمه على معاصيه. قال بعضهم: من شكر النعمة زاده نعمة، ومن شكر المنعم زاده معرفة به ومحبة له. قال ابن عطاء: لئن شكرتم: هدايتي، لأزيدنكم: خدمتي، ولئن شكرتم: خدمتي لأزيدنكم: مشاهدتي، ولئن شكرتم: مشاهدتي، لأزيدنكم: ولايتي، ولئن شكرتم: ولايتي، لأزيدنكم: رؤيتي. ٨قوله عز وجل: { إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن اللّه لغني حميد } الآية: ٨ قال حمدون: الغني في الحقيقة من لم يزل غنيا ولا يزال غنيا ما زاده إيجاد الخلق غنى، بل خلقهم على حد الافتقار إليه وهو الغني الحميد. قال الواسطي: ليس الإيمان بمقرب إلى الحق ولا الكفر بمبعد عنه ولكن جرى ما جرى به الأمر في الأزل، فالشقاوة والسعادة والكفر والإيمان، أعلام لا حقائق، والحقائق القضاء الذي سبق في الدهور بل جرى في سابق علمه أن لا يكرم بالسعادة إلا من أهله لقربه بفضله، ولا يهين بالشقاء إلا من أبعده، ثم جعل الكفر علما لأهل الشقاء وحلية لهم، بل الإيمان عين الكرامة، وشاهد الكفر عين الهوان وشاهد البعد اللعنة واللّه أعلم. ١٠قوله عز وجل: { فاطر السماوات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم } الآية: ١٠ قال الثوري: دعا اللّه الخلق بنفسه إلى نفسه وذكر من أسمائه فاطر، لئلا يتعلقوا بشيء من الأكوان فقال: فاطر السماوات والأرض، إن أردتم ما فيهما فهو عندي، وإن أردتموني فلا تلتفتوا إليهما. وارجعوا منهما إلي. قال بعضهم: ما دعا اللّه تعالى إليه ولا الأنبياء وإنما دعا من دعا بحظوظهم؛ قال اللّه تعالى: { يدعوكم ليغفر لكم } الآية: ١٠ ١١قوله عز وجل: { ولكن اللّه يمن على من يشاء من عباده } الآية: ١١ قال أبو عثمان: من اللّه تعالى على خواص عباده، فإن الإحصاء والعدد، فأول منة له عليهم التوحيد ثم المعرفة ثم أن بعث فيهم الرسل ثم أن سماهم عباده، ثم له عليهم في كل نفس نعمة عرفوها، أو لم يعرفوها. قال سهل: يمن على من يشاء من عباده بتلاوة كلامه والفهم منه. وقال بعضهم: يمن على من يشاء بالمعرفة. قال ابن عطاء: يمن على من يشاء بالهداية والتوفيق. ١٢قوله عز وجل: { وما لنا ألا نتوكل على اللّه وقد هدانا سبلنا } الآية: ١٢ قال أبو تراب: التوكل طرح البدن في العبودية، وتعلق القلب بالربوبية والطمأنينة إلى الكفاية، فإن أعطى شكر وإن منع صبر. قال الزقاق: التوكل رد العيش إلى يوم واحد وإسقاط هم غد. قال رويم: التوكل الثقة بالوعد. قال الشبلي: التوكل هو أن يكون مع اللّه تعالى كما لم يكن ويكون الحق كما لم يزل. سمعت علي بن بندار يقول: سمعت أبا محمد الجريري يقول وسئل عن التوكل؟ فقال: التوكل معاينة الاضطرار. قال أبو عمر الأنماطي: التوكل النظر إلى الأكوان بالتسخير. وسئل بعضهم عن التوكل فقال: غض البصر عن الدنيا وقطع القلب عنها. قيل للحسين: ما التوكل؟ قال: الجمود تحت الموارد. وقال حكم الأصمعي في قوله: { وما لنا أن لا نتوكل على اللّه وقد هدانا سبلنا } ما لنا أن لا نتوكل باللّه وقد أعطانا سبلنا للإسلام والهدى. ١٩قوله عز وجل: { ألم تر أن اللّه خلق السماوات والأرض بالحق } الآية: ١٩ قال سهل: خلق اللّه تعالى الأشياء كلها بقدرته وزينها بعلمه، وأحكمها بحكمته، فالناظر من الخلق إلى الخالق يتبين له من الخلق عجائب الخلقة، والناظر من الخالق إلى الخلق يكشف له عن آثار قدرته وأنوار حكمته وبدائع صنعته. قال بعضهم: خلق السماوات عالية على الأرضين مرتفعة عليها وجعل عمارة الأرضين من بركات السماء وما يصل إليها منها كذلك خلق النفوس وجعل القلوب أمراء عليها، وجعل راحة النفوس فيما يصل إليها من بركات القلوب فمن طهر قلبه لاستصلاح المشاهدة أتت الفوائد والزوائد من الحق في جميع الأوقات. ٢٢قوله عز وجل: { فلا تلوموني ولوموا أنفسكم } الآية: ٢٢ قال محمد بن حامد: النفس محل كل لائمة فمن لم يلم نفسه على الدوام، ورضي عنها بحال من الأحوال فقد أهلكها. قال بعضهم: لا تلوموني، فإني لم أجبركم على المعاصي وإنما دعوتكم فأجبتم لي، فلوموا أنفسكم: لإجابة دعائي. ٢٣قوله عز وجل: { تحيتهم فيها سلام } الآية: ٢٣ قال بعضهم: تحيات أهل الجنة وسلامهم على ضروب: فأهل الصفوة والقربة تحيتهم من ربهم وسلامهم منه على قوله: { سلام قولا من رب رحيم }. ولأهل الطاعات والدرجات تحية الملائكة وسلامهم. قال اللّه تعالى: { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم }. ٢٤قوله عز وجل: { ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة } الآية: ٢٤ قال ابن عطاء: الكلمة الطيبة: لا إله إلا اللّه على التحقيق، والشجرة الطيبة هي تظهر أسرار الموحدين عن دنس الأطماع بالثقة باللّه والانقطاع إليه عما سواه. قال محمد بن علي: الشجرة الطيبة الإيمان أثبتها اللّه في قلوب أودائه وجعل أرضها التوفيق وأوراقها الولاية وسماءها العناية وماءها الرعاية وأغصانها الكفاية، وأوراقها الولاية وثمارها الوصلة وظلها الأنس، فأغصانها ثابتة في قلب الولي وفروعها ثابتة في السماء بالمزيد من عند الجبار، فالأصل يرعى الفرع بدوام الإشفاق والمراقبة، والفرع يهدي إلى الأصل ما يجتنيه من محل المشاهدة والقرب هكذا أبدا قلب المؤمن وفؤاده. سمعت محمد بن عبد اللّه الدمشقي يقول: سمعت ابن المولد يقول: قال أبو سعيد الخراز: خزائن اللّه تعالى في السماء الغيوب وخزائنه في الأرض القلوب لأن اللّه تعالى خلق قلب المؤمن بيت خزائنه ثم أرسل ريحا فهبت فيه نكتة من الكفر والشرك والنفاق والغش ثم أنشأ سحابة فأمطرت فيه ثم أنبت فيه شجرة فأثمرت الرضا والمحبة والشكر والصفوة والإخلاص والطاعة وهو قوله: { كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء }. وقال بعضهم: كل شجرة في الدنيا إذا لم يكن لها حظ من الماء تجف، والشجرة التي في قلبك تجف إذا لم تسقها بماء التوبة وبماء الندامة ثم بماء الحسرة، ثم بماء الشوق، ثم يأتي سحاب المنة فتمطر على قلبك مطر الرحمة حتى يكون ماء الخدمة من تحت وماء الرحمة من فوق فيكون طريا شهيا ثم يأتيه ثلاثة أشياء طريق العبودية في النفس، وطريق الصحابة في القلب، وطريق الذكر في السر، فخدمة النفس الطاعة، وخدمة القلب النية، وخدمة السر المراقبة على الدوام ثم يمطر عليه أمطارا على النفس مطر الهداية، وعلى اللسان مطر اللطافة، وعلى القلب مطر العظمة، وعلى السر مطر المنة وعلى الروح مطر الكرامة، فينبت من مطر اللسان الشكر والثناء ومن مطر النفس الطاعة والوفاء، ومن مطر القلب الصدق والصفاء، ومن مطر السر الشوق والحياء، ومن مطر الروح الرؤية واللقاء. ٢٥قوله عز وجل: { تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها } الآية: ٢٥ قال الواسطي: النفس كانت مواتا فأحييت وكانت جاهلة فعلمت، وكانت عمياء فبصرت بقوله: { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } فنضرت بالتوحيد وابتهجت بالتفريد، واللّه الفعال لما يريد هذا تفسير قوله: { تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها }. ٢٦قوله عز وجل: { ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة } الآية: ٢٦ قال محمد بن علي: الشجرة الخبيثة اللسان، ما لم يقطعها المؤمن بسيف الخوف، فإنها تثمر أبدا الكلمات الخبيثة. قال بعضهم: الشجرة الخبيثة النفاق وهي التي لا تقر قرارا حتى يهوي بصاحبها إلى النار. قال ابن عطاء: الشجرة الخبيثة الشهوات وأرضها النفوس وماؤها الأمل وأوراقها الكسل، وثمارها المعاصي وغايتها النار. ٢٧قوله عز وجل: { يثبت اللّه الذين آمنوا بالقول الثابت } الآية: ٢٧ قال: يثبت اللّه الذين آمنوا: على مقدار المواجيد يكون المخاوف والأمن، ولم ينزع الخوف ولا انفلت منه أحد لحظة، وما من أحد يسعى إلا خاف عقبى سعيه وهو الذي لا يخاف عقباها، فمن أثبته بالقول أسقط عنه تلك المخاوف. قوله عز وجل: { ويفعل اللّه ما يشاء } الآية: ٢٧ قال بعضهم: الخلق كلهم مجبورون تحت القدرة، ومقهورون على الجبروت، ليس إليهم من أمورهم شيء ممنوعون عما يريدون مقضي عليهم بما يكرهون، هذا من آثار العبودية واللّه مدبر الأمور ومبدئها ومنشئها أنشأها على إرادته وأبداها على مشيئته لا ناقض لما أبرم فالأفعال على الحقيقة فعله، والكون صنعه، لا علة لفعله ولا لصنعه. ٢٨قوله عز وجل: { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة اللّه كفرا } الآية: ٢٨ قال أبو عثمان: أجهل الخلق بنعمة اللّه من استعملها في أنواع المعاصي ولم يقم بشكرها من أن يعمل بها في طاعة اللّه تعالى. ٣٠قوله عز وجل: { قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار } الآية: ٣٠ قال ذو النون: التمتع أن يقضي العبد ما استطاع من شهوته. ٣٢قوله عز وجل: { وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره } الآية: ٣٢ قال جعفر: سخر لكم السماوات بالمطر، والأرض بالنبات، والبحر أن يتخذ سبيلا ومتجرا، وسخر لكم الشمس والقمر، يدوران عليك ويوصلان إليك منافع الثمار والزروع، وسخر قلب المؤمن لمحبته ومعرفته، وجعل اللّه تعالى من العباد القلوب لأنه موضع نظره ومستودع أمانته ومعرفة أسراره. ٣٤قوله عز وجل: { وآتاكم من كل ما سألتموه } الآية: ٣٤ قال يحيى بن معاذ: إن اللّه تعالى أعطاك أكثر ما في خزائنه وأجله وأعظمه من غير سؤال وهو التوحيد فكيف يمنعك ما هو دونها من الثواب، ودفع العقاب بسؤال فاجتهد أيها العبد أن لا يكون سؤالك إلا منه ولا رغبتك إلا فيه، ولا رجوعك إلا إليه فإن الأشياء كلها له، فمن أشغله بغيره عنه فقد قطع عليه طريق الحقيقة ومن شغله به، وجعل الأشياء طوع يديه فينقلب له الأعيان ويقرب له البعيد ويمشي حيث أحب، وهذا من مقامات العارفين. قوله عز وجل: { وإن تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها } الآية: ٣٤ تعد نعمة من المنعم، فتعجز عن الإحصاء فكيف إذا تتابعت، قيل - أجل النعم استواء الخلقة والهام المعرفة والذكر من سائر الحيوان، ولا يطيق القيام بشكرها أحد، وقيل: إن الإنسان لظلوم: لنفسه حيث ظن أن شكره يقابل نعمه، كفار: محجوب عن رؤية الفضل عليه في البدء والعاقبة. قال سهل: إن تعدوا نعمة اللّه: عليكم بمحمد صلى اللّه عليه وسلم لن تحصوها بل جعل السفير فيما بينكم وبين السفير الأعلى والواسطة الأدنى. قال ابن عطاء: أجل النعم رؤية معرفة النعم، ورؤية التقصير في القيام بشكر المنعم. قال ابن عطاء: النعمة أزلية كذلك يجب أن يكون شكرها أزلي واعلم أن لك نفسا وروحا وقلبا، فنعمة النفس الطاعات، ونعمة الروح الخوف، ونعمة القلب اليقين والحكمة، ونعمة الروح المحبة والذكر، ونعمة المعرفة الألفة بالنفس في أبحر الطاعات تتنعم والقلب في أبحر اليقين يتقلب، والروح في أبحر القربة، وانتظار العيان تتنعم. ٣٥} قوله عز وجل { رب اجعل هذا البلد آمنا } الآية: ٣٥ قال ابن عطاء: أراد بهذا أن يجعل قلبه آمنا من الفراق والحجاب. قوله عز وجل: { واجنبني وبني أن نعبد الأصنام } الآية: ٣٥ قال السياري: أن تعبد الأهواء. قال الدينوري: الأصنام مختلفة فمنهم من صنمه نفسه، ومنهم من صنمه ولده، ومنهم من صنمه ماله ومنهم من صنمه تجارته، ومنهم من صنمه زوجته، ومنهم من صنمه حاله، فالأصنام مختلفة وكل واحد من الخلق مربوط بصنم من هذه الأصنام، والتبرىء أي من هذه الأصنام، هو أن لا يرى الإنسان لنفسه حالا ولا محالا، ولا يعتمد شيئا من أفعاله ولا يسكن من حاله إلى شيء راجعا على نفسه باللوم في جميع ما يبدو من الخير والشر، غير راض به. قال جعفر: لا تردني إلى مشاهدة الخلة ولا ترد أولادي إلى مشاهدة النبوة. قال ابن عطاء: إن اللّه تعالى أمر إبراهيم ببناء الكعبة فلما بنى الكعبة قال: ربنا تقبل منا: فأوحى اللّه تعالى إليه: يا إبراهيم أنا أمرتك ببناء البيت وخصصتك من بين الأنبياء بذلك ومننت عليك بذلك ووفقتك لما وفقتك ألا تستحي أن تمن علي، ويقول: ربنا تقبل مني نسيت منتي وذكرت رؤية فعلك، قال: واجنبني وبني أن نعبد الأصنام أي نفسي شر صنم إذا تابعت هواها. واشتغلت بحظها فاشغلها بك، واقطعها عما سواك. قال ابن عطاء: أن تعبد أصنام الخلة والركون إليها وهو خطرات الغفلة ولحظات الخلة. وقال أيضا: أن تعبد الأنفس لأن لكل نفس صنما من الهوى إلا من طهر بالتوفيق. قال الجنيد: واجنبني وبني، أي امنعني وبني أن نتقرب إليك بشيء سواك. ٣٦قوله عز وجل: { فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني } الآية: ٣٦ قال بعضهم: لما هرب الخليل في استرزاقه للمؤمنين، بأن قيل له: ومن كفر، فلما قال: ومن عصاني، لم يدع عليهم لكن قال: { فإنك غفور رحيم } أي من صفتك الغفران والرحمة وليس لي على عبادك يد. ٣٧قوله عز وجل: { ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع } الآية: ٣٧ قال ابن عطاء: أسكنتهم حضرتك بإخراجي إياهم عن حدود المعلومات والمرسومات. قال آخر: سهلت عليهم طريق الرجوع إليك ليلا بمجرهم في الكونين عنك شيء. قال بعضهم: علمتهم بذلك طريق التوكل وترك الاعتماد على الأسباب. قوله عز وجل: { فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم } الآية: ٣٧ قال جعفر: لأن أفئدتهم تهوي إليك. قال ابن عطاء: من انقطع عن الخلق بالكلية صرف اللّه تعالى إليه وجوه الخلق وجعل مودته في صدورهم ومحبته في قلوبهم وذلك من دعاء الخليل لما قطع بأهله عن الخلق والأرزاق والأسباب، دعا لهم فقال: { فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم }. ٣٨قوله تعالى: { ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن } الآية: ٣٨ قال الخواص: ما نخفي من حبك وما نعلن من ذكرك. قال ابن عطاء: ما نخفي من الأحوال، وما نعلن من الآداب. قال أبو عثمان: طهر سرك وأعمر باطنك وأصلح خفيات أمورك، فإن اللّه لا يخفى عليه شيء وهو الذي يعلم ما نخفي وما نعلن. قال بعضهم: تفرد الحق بإيجاد المفقودات، وتوحد بإظهار الخفيات من الموافقة والمخالفة. وقال الحسين: ربنا إنك تعلم ما نخفي من الصحبة وما نعلن من الوجد. ٤٢قوله عز وجل: { ولا تحسبن اللّه غافلا عما يعمل الظالمون } الآية: ٤٢ قال أحمد بن حضرويه: لو أذن لي في الشفاعة ما بدأت إلا بظالمي، قيل له كيف؟ قال: لأني نلت بظالمي ما لم أنله من والدي. قيل: وما ذاك؟ قال تعزية اللّه تعالى في قوله: { ولا تحسبن اللّه غافلا عما يعمل الظالمون } وقال أيضا: لا أغتنم سفرا، إلا أن يكون فيه معي من يؤذيني ويظلمني شوقا مني لتغذية اللّه للمظلومين. قال بعض المتقدمين: الظلم على ثلاثة أوجه: ظلم مغفور، وظلم محاسب، وظلم غير مغفور. فالظلم المغفور ظلم الرجل نفسه، والظلم المحاسب ظلم الرجل أخاه والظلم الذي لا يغفر هو الشرك. قال ميمون بن مهران: كفى بهذه الآية وعيدا للظالم وتعزية للمظلوم. ٤٣قوله عز وجل: { وأفئدتهم هواء } الآية: ٤٣ قال ابن عطاء: هذه صفة قلوب أهل الحق. ألا ترى الأهواء قائما بالمشيئة والإيرادة غير قائمة بعلاقة، كذلك قلوب أهل الحق لا تلتفت إلى سواه ولا قرار لها مع غير اللّه تعالى. ٤٥قوله عز وجل: { وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم } الآية: ٤٥ قال أبو عثمان: مجاورة الفساق وأهل المعاصي من غير ضرورة من فسق كامن، ومعصية مستترة في القلب لأن اللّه تعالى ذم فريقا من عباده. فقال: { وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم } ولم يعذر من أقام فيها وقال: { ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها }. ٤٨قوله عز وجل: { يوم تبدل الأرض غير الأرض } الآية: ٤٨ قال الواسطي في هذه الآية: ذلك لما يظهر من كشف حقائقه في بني آدم من أنبيائه وأوليائه، لأن الأرض والسماوات لا تثبت على ما يثبت، يظهر على الأبدان من أنوار الحق. قيل لبعضهم: فأين الأشياء إذ ذاك؟ قال: عادت إلى مصادرها. وقيل: متى كانوا شيئا حتى صاروا لا شيء؟ هم أقل من الهباء في الهواء في جنب الحق. ٥٢قوله عز وجل: { هذا بلاغ للناس ولينذروا به } الآية: ٥٢ قال جعفر: موعظة للخلق وإنذار لهم ليجتنبوا قرناء السوء، ومجالسة المخالفين فإن القلوب إذا تعودت مجالسة الأضداد تنعكس وتنتكس. قال بعضهم: كشف للخلق ما ندبوا به وأمروا له وجعل ذلك إعذارا إليهم، وإنذارا لهم. |
﴿ ٠ ﴾