سورة الحجر

بسم اللّه الرحمن الرحيم

٢

قوله تعالى: { ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين } الآية: ٢

قال بعضهم: { ربما يود الذين كفروا } فسقوا لو كانوا مجتهدين، وربما يود الذين

كسلوا لو كانوا مجتهدين، وربما يود الذين نسوا لو كانوا ذاكرين.

قال عبد اللّه بن المبارك: ما خرج أحد من الدنيا مؤمن ولا كافر إلا على ندامة،

وملامة لنفسه فالكافر لما يرى من سوء ما يجازى به، والمؤمن لرؤية تقصيره في القيام

بواجب الخدمة وترك الحرمة وشكر النعمة.

قال ابن الفرجي: الكفر ههنا كفران النعمة ومعناه: { ربما يود الذين كفروا } يعني

جهلوا نعم اللّه تعالى عندهم، وعليهم أن لو كانوا شاكرين عارفين برؤية الفضل والمنة.

٣

قوله عز وجل: { ذرهم يأكلوا ويتمتعوا } الآية: ٣

قال أبو عثمان: أسوأ الناس حالا من كان شغله ببطنه، وفرجه، وتنفيذ شهواته

حينئذ لا تلحقه أنوار العصمة، ولا يصل أبدا إلى مقام التوبة.

قال أبو سعيد القرشي: في هذه الآية من شغلته تربية نفسه، وطلب مرادها، والتمتع

بهذه الفانية عن إقبال علينا فأعرض عنهم، ولا تقبل عليهم، وذرهم وما هم فيه فلن

يصل إلينا إلا من كان لنا ولم يكن لسوانا عنده قدر، ولا خطر.

قال بعضهم: التزين بالدنيا من أخلاق المنافقين، والتمتع بها من أخلاق الكافرين.

قال اللّه تعالى: { ذرهم يأكلوا ويتمتعوا }.

٩

قوله تعالى: { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } الآية: ٩

قال ابن عطاء: نحن نزلنا الذكر شفاء، ورحمة وبيانا، وفرقانا نهدي به من كان

مرسوما بالسعادة منورا بتقدير السر عن المخالفة.

{ وإنا له لحافظون }. قال ابن عطاء: أي حفظه في قلوب أوليائه ويستعمل جوارح

الخاص من عبادنا.

وقال جعفر: { وإنا له لحافظون } على من أردنا به خيرا وذاهبون به عمرا.

١٦

قوله عز وجل: { ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين } الآية: ١٦

قال بعضهم: زين اللّه تعالى السماء بالكواكب والبروج وجعلها علامات يهتدى بها

في ظلمات البر والبحر. وزين القلوب باطلاعه عليها، وبأنواع الأنوار ليهتدي بتلك

الأنوار إلى مقامات المعرفة وهذه العلامات أنها يهتدي بها من كان يصير مفتوح عين

فؤاده ينظر إليه نظر عيان.

قوله عز وجل: { وحفظناها من كل شيطان رجيم } الآية: ٣

قال الجنيد: قلوب العباد منها ما كانت محفوظة من نزغات الشيطان، ومنها ما كانت

محفوظة بأنوار المعرفة، ومنها ما كانت باللجأ، والاستغاثة. ومنها ما كانت محفوظة بلا

حول ولا قوة إلا باللّه كما حفظ أسرار السماء من الشياطين بالكواكب.

١٧

 قال تعالى: { وحفظناها من كل شيطان رجيم } الآية: ١٧

بالخواطر التي ترد على القلوب كاستراق سمع الجن لأخبار السماء.

١٩

قوله عز وجل: { والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي } الآية: ١٩

قال بعضهم: مد الأرض بقدرته، وأمسكها ظاهرا بالجبال الرواسي، وفي الحقيقة هو

مقام أوليائه من خلقه، بهم يدفع البلاء عنهم، ولمكانهم يصرف المكاره، ومن فوقهم

الأوتاد، ومن فوقهم الرواسي، فإلى المفزع مرجع العباد ومفزعهم ومرجع المفزع إذا

هال الأمر إلى الأوتاد، ومرجع الأوتاد إذا استعظم الأمر إلى الرواسي وهم خواص

الأولياء.

 قال اللّه تعالى: { والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي } الآية: ١٩

٢١

قوله عز وجل: { وإن من شيء إلا عندنا خزائنه } الآية: ٢١

قيل: إن الجنيد. كان إذا قرأ هذه الآية قال: فأين تذهبون؟

قال بعضهم: خزائن الحق عند الخلق القلوب أودع فيها أجل شيء؛ وهو التوحيد،

وزينها بالمعرفة، ونورها باليقين، ويحدها بالتفويض، وعمرها بالتوكل، وزخرفها

بالإيمان.

قيل: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: ' قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها

كيف

يشاء ' وجعل أثار أنوار القلوب على الجوارح من التسارع إلى الطاعات والتثاقل عن

المعاصي، والمخالفات، وهذا دليل لما قلت من الكرامات.

قال اللّه تعالى: { وإن من شيء إلا عندنا خزائنه }.

قال حمدون الفصال: قطع أطماع عبيده عن سواه بقوله، وإن من شيء إلا عندنا

خزائنه فمن دفع بعد هذا حاجة إلى غيره فهو لجهله ولومه.

قال رجل لأبي حفص: أوصني فقال يا أخي احفظ بابا واحدا تفتح لك الأبواب،

والزم سيدا واحدا تخضع لك الرقاب، وهكذا روى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال

لعلي: ' يا

علي الزم بابا واحدا تفتح لك الأبواب واخضع لربك تخضع لك الرقاب '.

قال أبو سعيد الخراز: في هذه الآية بلاغ لمن عقل أن خزائن الأشياء عند الحق،

وبيده فلا يرجع إلى غيره في أمر دنياه، وآخرته إلا لمن لم يصدق قوله، ولم يؤمن به.

قال ابن عطاء: في هذه الآية النظر إلى شواهد القسم سكت النفوس عن الحكم.

٢٢

قوله عز وجل: { وأرسلنا الرياح لواقح } الآية: ٢٢

قال بعضهم: رياح الكرم، إذا هبت على أسرار العارفين أعتقهم من هواجس

أنفسهم، ورعونات طباعهم، وفساد أهوائهم، ومراداتهم، وأظهر في القلوب نتائج

الكرم، وهو الإعتصام باللّه تعالى، والاعتماد عليه، والانقطاع عما سواه.

قال اللّه تعالى: { وأرسلنا الرياح لواقح }.

فقلوب تلقح بالبر، وقلوب تلقح بالفجور، كما في الخبر قلوب الأبرار تغلي بالبر،

وقلوب الفجار تغلي بالفجور.

قال أبو عثمان: كما أن رياح الربيع إذا هبت فتحت عروق الأشجار تحمل الماء،

كذلك رياح العناية إذا هبت على القلوب فتحت أسماعها لقبول الموعظة، ودلها على

طريق التوبة، وباب الإنابة.

٢٣

قوله عز وجل: { وإنا لنحن نحيي ونميت } الآية: ٢٣

قال الواسطي: نحيي من نشاء بنا، ونميت من نشاء عنا.

قال بعضهم: نحيي أقواما بالطاعة، ونميت أقواما بالمعصية.

قال أبو بكر الوراق: نحيي القلوب بنور الإيمان، ونميت النفوس باتباع الشهوات.

قال الخراز: الحي من العباد من بالحق حياته، والميت منهم من بحركاته بقاؤه.

قال الجريري: كم حي حياته موته، وميت موته حياته.

وقيل: نحيي القلوب بالمشاهدة، ونميت النفوس بالاستتار.

٢٤

قوله عز وجل: { ولقد علمنا المستقدمين منكم } الآية: ٢٤

قال ابن عطاء: من القلوب قلوب همتها مرتفعة عن الأدناس، والنظر إلى الأكوان،

ومنها ما هي مربوطة بها مقترنة بمحاسنها، لا ينفك منها طرفة عين.

قال تعالى: ولقد علمنا المستقدمين منكم.

قال بعضهم: ولقد علمنا الراغبين فينا والمعرضين عنا.

٢٦

قوله عز وجل: { ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون } الآية: ٢٦

قال بعضهم: الأشباح مردودة إلى قيمتها لأنها أخرجت من تحت ذل كن وأطهرت

من الصلصال والحمأ المسنون.

٢٨

قوله عز وجل: { إني خالق بشرا من طين } الآية: ٢٨

قال جعفر: امتحنهم يحثهم على طلب الاستفهام. فيزدادوا علما بعجائب قدرته،

وتتلاشى عندهم نفوسهم.

٢٩

قوله عز وجل: { فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين }

 الآية: ٢٩

قال أبو عثمان: فإذا خصصته بإظهار النعت عليه من خصائص الروح، وبيان التوبة

فدعوا مجادلتهم وارجعوا إلى حد القهر، والتعبد في السجود له.

قال الواسطي: لما نفخ الروح في آدم جعل معرفتها معرفة الحق إياها، وعلمها علم

الحق بها، ومرادها مراده إياها على محابها.

قال بعضهم: أبصرت الملائكة من آدم هيكله وشخصه، ولم يشاهدوا إضافة الروح

إليه، واختصاص الخلقة به، واستقامة التوبة وتعليم الأسماء والإشراف على الغيب

فنكلوا عن السجود فلما أظهر الحق تعالى بهذه الخصائص عليه، سجدوا وقالوا:

سبحانك أنت تخص من تشاء من عبادك بخصائص الولاية، وتنعته بنعوت الربانية،

وتجذبه إلى بساط القربة وأنت الفعال لما تريد.

قال الواسطي: الفرق بين روح آدم، وبين الأشياء تسوية الخلقة، وتخصيص

الإضافة فقربت من اللّه تعالى، وعرفته، ومكنتها من حكمه فغيبت، ورجعت إليه

بالإشارة، وقطعت عنه العبادة وذلك كله من عز الفخر إذا لم يلبسها ذل القهر زينها

بخلقه فتخلقت بخلقه وتأدبت بصفته، وكانت به تنطق، وبإشارته تعقل وهذا تفسير

قوله { فإذا سويته }.

٣٠-٣١

٣١ ، قوله عز وجل: { فسجد الملائكة كلهم أجمعين إلا إبليس } الآية: ٣٠

قال أبو عثمان: فتح اللّه تعالى أعين الملائكة بخصائص آدم، وأعمى عين إبليس عن

ذلك فرجعت الملائكة إلى الاعتزاز، وأقام إبليس على منهج الإحتجاج بقوله { أنا خير منه }.

سئل بعضهم: لم امتنع إبليس من السجود وأبى مع علمه؟ قال: لأن علمه كان علم

عارية عنده فلم يكن حقيقة، إنما كان مستودعا فيه لأجل هلاكه، فلما ظهر الوقت جحد

ما كان يعرف وأبى ما كان يطيع.

٣٥

قوله تعالى: { وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين } الآية: ٣٥

قال الواسطي: اللعنة التي لم تزل تستحقه منى وإن كانت الأوقات جرت عليك بزينة

السعادة.

٣٩-٤٠

قوله عز وجل: { لأزينن لهم في الأرض ولأغيونهم أجمعين إلا عبادك منهم ٤٠ - المخلصين } الآية: ٣٩

قال أبو حفص: العبد المخلص من لا يخالف سيده ظاهرا وباطنا وسرا وعلنا.

قال أبو عثمان: المخلص من العبيد هم الواقفون مع اللّه تعالى عند حدوده.

قال رجل ليحيى بن معاذ: بماذا أكرم اللّه تعالى عباده المخلصين؟ قال: بالإيمان

بالغيب والمشاهدة.

سمعت أحمد بن علي بن جعفر يقول: سمعت فارسا يقول: قال ذو النون: أو

سهل: الناس كلهم موتى إلا العلماء، والعلماء كلهم نيام إلا العاملون، والعاملون كلهم

مغترون إلا المخلصين، والمخلصون على خطر عظيم.

قال النصرآباذي: المخلص على خطر عظيم لأنه بإياه والمخلص جاوز حد الخطر لأنه

بغيره لا به.

٤٢

قوله تعالى: { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } الآية: ٤٢

قال بعضهم: عبادي الذين أوصلتهم إلى قربى من غير كلفة ولا سابقة أفنيتهم عن

صفاتهم وزينتهم بإظهار صفاتي عليهم فهم مع الخلق بالهياكل، ومعي بالأرواح

والسرائر لا عليهم من الخلق أثر، ولا لهم مما هم فيه خبر أولئك هم عبادي حقا ليس

لهم مطلب سواي ولا مرجع إلا إلى هم هم لا بإياهم بل أنا أنا ولا هم هم، فلا صفة

لهم، ولا أخبار عنهم لفنائهم عنهم، وبقائهم بي.

٤٥

قوله تعالى: { إن المتقين في جنات وعيون } الآية: ٤٥

قال بعضهم: من اتقى الشرك فهو في بساتين وأنهار، ومن اتقى اللّه فهو في حظيرة

القدس في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

قال الواسطي: من اتقى اللّه لعوض جعل ثوابه عليه ما يرجوه، ويأمله ومن اتقى لا

لعوض فالحق عوض له من كل ثواب.

٤٧

قوله عز وجل: { ونزعنا ما في صدورهم من غل } الآية: ٤٧

قال أبو حفص: كيف يتقي الغل في قلوب ائتلفت واتفقت على محبته، واجتمعت

على مودته وأنست بذكره. إن ذلك لقلوب صافية من هواجس النفوس وظلمات

الطبائع. بل كحلت بنور التوفيق، فصاروا إخوانا على سرر متقابلين.

٤٨

قوله عز وجل: { لا يمسهم فيها نصب } الآية: ٤٨

قال النصرآباذي: أي نصب يلحق في المجاورة لمن عقل ولمن انتبه فأي راحة

للحدث في جنب القدم. هل هو إلا تعذيب واستهلاك؟.

سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم الإسكندراني يقول: سمعت

أبا جعفر يقول: الملطي يذكر عن علي بن موسى الرضى عن أبيه عن جعفر الصادق في

قوله: { عباد الرحمن } قال: حملة الخلق من جهة الخلقة لا من جهة المعرفة،

{ وعبادي } تخصيص في العبودية، والمعرفة.

٥٠

قوله تعالى: { نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم }

 الآية: ٥٠

قال: أقم عبادي بين الخوف والرجاء ليصح لهم سبل الإستقامة في الإيمان فإنه من

غلب عليه رجاؤه عطله، ومن غلب عليه خوفه أقنطه.

٥٤

قوله عز وجل: { أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون } الآية: ٥٤

قال الجوزجاني: أتاكم الكبر أيام القنوط من الدنيا وما فيها والإقبال على الآخرة،

وما عند اللّه. ألا ترى أن إبراهيم عليه السلام لم يقبل البشرى بالولد من الملائكة عند

الكبر وقال: { فبم تبشرون } إلى أن ذكروا له أن البشرى من اللّه تعالى فزال عنه

القنوط لعلمه بقدرة اللّه على ما يشاء.

٧٢

قوله عز وجل: { لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون } الآية: ٧٢

قال بعضهم: أحوال النبي صلى اللّه عليه وسلم بين جذب وحجب، وإذا حجب بقوله:

لعمرك،

وإذا صرف جذب لقوله: { ولو تقول علينا بعض الأقاويل }.

قال بعضهم: ' لعمرك ' بعمارة سرنا مشاهدتنا، وقطعك عن جميع المكونات.

قال النووي: في قوله: ' لعمرك ' أي العمارة التي خصصت بها من بين الخلق،

فحببوا بالأرواح وحببت بنا فبقاؤك متصل ببقائي لأنك باق بي.

قال جعفر: لعمرك أي بحياتك يا محمد إن الكل في سكرة الغفلة، وحجاب البعد

إلا من كنت وسيلته، ودليله إلينا.

قال بعضهم: { لفي سكرتهم يعمهون } أي: في شغل الدنيا يتحركون.

قال القرشي: أقسم اللّه تعالى بحياة محمد صلى اللّه عليه وسلم فقال: { لعمرك } لأن

حياته كانت

به، وهو في قبضة الحق وبساط القرب، وشرف الانبساط، ومقام الإنفاق، فأقسم

بحياته، فقال: { لعمرك } أي بحياة مثلك يكون القسم فإن الكل زاغوا، وما زغت،

وطغوا، وما طغيت وسألوا وما سألت حتى بدأناك بالإجابة قبل السؤال فحياتك غير

الحياة التي كانت بها حياة الخلق قبلك، وبه حياة القلب فإنك حي بحياتنا وغير مباين

منا بحال.

قال أبو سعيد الخراز: وصفه لخلقه ثم ستره ببره عن خلقه.

٧٥

قوله عز وجل: { إن في ذلك لآيات للمتوسمين } الآية: ٧٥

روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: ' اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور اللّه '. ثم

قرأ:

{ إن في ذلك لآيات للمتوسمين }.

قال الواسطي: السرائر بحظوظها مصروفة عن أوقاتها صدقها في تحركها أظهر عليها

صدقها في تعبرها يظهر من السرائر أبرأ. فهو ما يوفقك عليهما عفوا فيشرف المتفرس

عليها في أوقاتها بتعرفها.

قال اللّه تعالى: { إن في ذلك لآيات للمتوسمين } قال هم: المتصفحون المتفرسون.

قال بعضهم: المتفرس على ثلاثة أوجه بالنظر والسمع، والعقل، وأجل من هذا حال

الكشف لمن أوتيه، وتكون فراسته غائبا، وحاضرا صحيحة.

قال بعضهم: { المتوسمون } هم المتفرسون فإذا أردت أن تعرف بواطنهم في الحقيقة

فانظر إلى تصاريف أخلاقهم ومواقيت أشجانهم.

قال محمد بن خفيف: الفراسة وقومه على ثلاثة أوجه:

المكنون من الآفات المستكن في النفوس في الأحوال المستخفة عن حمل عوام

الخلق، وذلك مخصوص به الرسل كما كان للنبي صلى اللّه عليه وسلم في عبد بن زمعة

حين قال: ' إن

أمرها ليبن لولا حكم اللّه تعالى '.

والثاني: تجلى ما استودع الحق في النفوس في الأحكام الخفية علمها على الخلق

المنفرد به الحق ويكشف ذلك لأهل التخصيص من الصديقين والأولياء بعد الأنبياء

صلوات اللّه عليهم. كما قال أبو بكر الصديق: رضي اللّه عنه إنما هما أخواك وأختاك.

والثالث: ذكر اطلاع القلوب عندما انكشف له من الغيب البعيد ما فيه، وهذا

مقرون بالإلهام. كما قال عمر رضي اللّه عنه ' يا سارية الجبل '.

وقال: إنما حذر النبي صلى اللّه عليه وسلم بقوله ' اتقوا فراسة المؤمن طائفة هم قائمون

بأحكام

نفوسهم أن يتقوا طائفة هم خارجون عن أحكام نفوسهم بما كساهم اللّه تعالى من نوره

فصاروا بذلك ناظرين مشرقين على أهل الظلمة لأن الظلمة لا يصادف بها الظلمة.

قال بعضهم: صفة المتفرس من صفى الحق روحه بطهارة قدسه وذكى قلبه بأنوار

هدايته فتقسم روحه بخفى ما استودع الحق خفيات الوجود فذلك النور والحكم يسمى

فراسة.

قال بعضهم: الفراسة إدراك الشيء على حقيقته لا يزول ولا يغير لأن الناظر إذا نظر

بالحق أخبر عن حقيقة.

سئل الحسين عن الفراسة: فقال: حق نظر برياه فخبر عن حقيقة ما هو إياه بإياه.

سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت الخلدي يقول: سمعت أبا حفص الحداد

يقول: الفراسة هي أول خاطر بلا معارض فإن عارض معارض من جنسه فهو خاطر،

وحديث نفسي.

قال أبو حفص: ليس لأحد أن يرعى لنفسه الفراسة، ولكن يجب أن تتقي من

فراسة الغير فيه لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: ' اتقوا فراسة المؤمن '، ولم يتفرسوا في

المؤمنين.

وسئل أبو عثمان عن الفراسة. فقال: آيات الربانية تظهر في أسرار العارفين، فتنطق

ألسنتهم بذلك، فيصادف الحق.

قوله عز وجل: { فاصفح الصفح الجميل } الآية: ٨٥

قال بعضهم: صفح لا توبيخ، ولا حقد بعده، الرجوع إلى ما كان قبل ملابسته

المخالفة.

أخبرنا أبو بكر الرازي قال حدثنا جعفر الخلدي حدثنا ابن مسروق حدثنا حسن بن

مواتا الثعلبي حدثنا يعقوب بن حميد حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن

الحنفية عن علي في قوله: { فاصفح الصفح الجميل } قال هو الرضا بلا عتاب.

٨٧

قوله عز وجل: { ولقد آتيناك سبعا من المثاني } الآية: ٨٧

سمعت منصور بن عبد اللّه الأصبهاني، ويقال الهروي يقول: سمعت أبا القاسم

الإسكندراني يقول: سمعت أبا جعفر الملطي يقول عن علي بن موسى الرضي عن أبيه

عن جعفر في هذه الآية.

قال: أكرمناك، وأنزلنا إليك وأرسلناك، وألهمناك، وهديناك، وسلطناك ثم أكرمناك

سبع كرامات.

أولهما: الهدى،

والثاني: النبوة،

والثالث: الرحمة،

والرابع: الشفقة، والخامس:

المودة والألفة، والسادس: النعيم، والسابع: السكينة، والقرآن العظيم، وفيه اسم اللّه

الأعظم.

٨٨

قوله: { لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم } الآية: ٨٨

قال بعضهم: غار الحق على حبيبه أن يستحسن من الكون شيئا أو بغيره طرفه فإن

ذلك متعة لا حاصل له عند الحق وأراد منه أن يكون أوقاته مصروفة إليه، وأيامه

موقوفة عليه وأنفاسه حبيسة عنده.

فقال: { لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم } كذلك لما رفع إلى المحل

الأعلى { ما زاغ البصر وما طغى }.

٨٩

قوله تعالى: { وقل إني أنا النذير المبين } الآية: ٨٩

قال يوسف بن الحسين: أذن اللّه تعالى لنبيه صلى اللّه عليه وسلم أن يخبر عن نفسه بأنه

السفير

الأجل والمعلم الظاهر والبيان الشافي بقوله: { إني أنا النذير المبين }.

قال يوسف بن الحسين قوله: { فوربك لنسئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون }

٣٠ - الآية: ٢٩

قال الواسطي: غفلة العامة هي المسؤول عنها أهل الحقائق من حركات الأطراف

وخطرات القلب، وهواجس السر.

قال الجنيد: لنسألن أهل الحقائق عن تصحيح ما أظهروه للناس من الدعاوي،

وتحقيقها.

قال الواسطي: يطالب الأنبياء، والأولياء بمثاقيل الذر لدنو رتبتهم، ولا يطالب للعام

بذلك لبعدهم عن مصادر النبيين صلوات اللّه عليهم أجمعين.

قال بعضهم: نسئلهم عن كل حركة وسكون فبماذا كانت حركتهم، ولماذا كان

سكونهم، وبلغني عن بعض المشايخ.

قال لبعض المريدين إياك، وهذه الدعاوي فإن اللّه تعالى سائلك عنها فقال: المريد لو

٩٨

علمت أن اللّه تعالى يكلمني يوم القيامة، أو يسألني عن هذا لما كان مني في طول عمري

إلا هذا وأنا ممن يصلح لمخاطبة الحق، وللوقوف بين يديه وسقط ومات رحمه اللّه.

قوله عز وجل: { ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون } الآية: ٩٨

بجهلهم وحدهم فيكم ثم أمرهم بلزوم طاعته يقول: { فسبح بحمد ربك }

 الآية: ٩٨

 وقوله تعالى: { فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين } الآية: ٩٨

قال الواسطي: { فسبح بحمد ربك } عن أن يظلمك فيما سلطه عليك، { وكن من الساجدين } من الخاضعين لقضائه.

٩٩

قوله عز وجل: { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } الآية: ٩٩

قال الواسطي: حتى يأتيك اليقين: أنه لا إله يسوق إليك المكاره ويصرفها عنك إلا

اللّه ولا إله يسوق إليك المحاب ويصرفها عنك إلا هو.

وقال وفي قوله: واعبد ربك: أي لا تلاحظ غيره في الأوقات حتى يأتيك اليقين

فيتحقق عندك أنك لا تحس بغيره الحق، ولا ترى إلا الحق ولا يحادثك إلا الحق.

قال يحيى بن معاذ: للعابدين أردية من النور بكونها شذاها الصلاة ولحمتها الصوم.

وقيل: { واعبد ربك } انقطاعا إليه واعتمادا عليه حتى يأتيك اليقين بأن الأمر كله

إليه وأنه تولى إضلال من أضل وهداية من هدى قال ابن عطاء: لم يرض من نبيه صلى اللّه

عليه وسلم

لمحة عين إلا في عبادته، وقال من نظر إلى معبود سقط عن عبادته، ومن نظر إلى

عبادته. سقط عن معبوده.

قال الحسين: { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } أي حتى تستيقن أنك لا تعبده ولا

يعبده أحد حق العبودية. ابتداء وانتهاء واستوجب ما لا بد من مكافأته.

﴿ ٠