سورة النحل

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله تعالى: { أتى أمر اللّه فلا تستعجلوه } الآية: ١

قال بعضهم: هل رأيتم أمرا من الأمور إلا بأمر اللّه وهل رأيتم وجدا وفقدا إلا به -

لا تعجلوا بطلب الفرج فإن النصر مع الصبر.

قال بعضهم: ظهر كرامات اللّه تعالى من هو لها أهل فلا ينكروا ذلك وهو الحق، أو

يعجزوه في إظهار كرامة على عبد من عبيده.

قال النصرآباذي: أوامر الحق شتى منها أمر على الظاهر من الترسم بالعبادات، وأمر

على الباطن من دوام المراعاة، وأمر على القلب بدوام المراقبة، وأمر على البر بملازمة

المشاهدة، وأمر على الروح بلزوم الحضرة، هذا ومعنى قوله: { أتى أمر اللّه فلا تستعجلوه }.

٢

قوله عز وجل: { ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده } الآية: ٢

فقال: من أنذر أو حذر فقد قام مقام الأنبياء وربما يأتي أمره بالبلاء، وربما يأتي أمره

بالرحمة، فالصبر في الأوقات والرضا بأمر اللّه، ذلك لكل أواب حفيظ: حفظ أوقاته ولا

يضيع أيامه.

قال ابن عطاء: المحدث من العباد من يكلمه الملك في سره ويطلعه على خصائص

الغيوب ويفتح لروحه طريقا إلى الإشراف على القرب، قال اللّه تعالى: { ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده }.

٧

قوله عز وجل: { وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس }

 الآية: ٧

قال: المحمول على بساط الرفاهية والحامل في مفاوز المشقة فمن حمل فقد كفى

ومن أهمل فقد ضيق عليه لذلك. قال: { لم تكونوا بالغيه } بأنفسكم وتدبيركم إلا

بشق الأنفس. وربما يهون على من يشاء من عباده حتى لا يصيبه في سيره تعب ولا

نصب كذلك سير العارفين من سير الزاهدين.

٨

قوله عز وجل: { ويخلق ما لا تعلمون } الآية: ٨

قال بعضهم: علمك الحق الوقوف عندما لا يدركه عقلك من آثار الصنع وفنون

العلوم أن تقابله بالإنكار فإنه خلق ما لا تعلمه أنت ولا يعلمه أحد من خلقه إلا من

علمه الحق ألا تراه يقول: { ويخلق ما لا تعلمون }.

قال القاسم: يقدر عليكم من أفعالكم ما لا تعلمون إلا في وقت مباشرته وهو عالم

به لأنه الذي قدر وقضى.

٩

قوله عز وجل: { وعلى اللّه قصد السبيل } الآية: ٩

قال الواسطي: على اللّه أن يهدي إلى قصد السبيل ما هو جائر واللّه تعالى سبب

الجائر والسبيل القصد وهو السلوك على أنوار اليقين والجائر من السبل، سبل التوهم

والدعاوى.

١٢

قوله عز وجل: { وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر } الآية: ١٢

قال جعفر الصادق: سخر لكم ما في السماوات من الأمطار وما في الأرض من النبات

وما في الليل والنهار من أنواع الدواب وسخر لك الملائكة يسبحون لك وما في الأرض

من الأنعام والبهائم والفلك والخلق وسخر لكم الكل لك لا يشغلك منه شيء وتكون

مسخرا لمن سخر لك هذه الأشياء. فإنه سخر لك كل شيء وسخر قلبك لمحبته،

ومعرفته وهو حظ العبد من ربه.

١٦

قوله عز وجل: { وعلامات وبالنجم هم يهتدون } الآية: ١٦

قال المالكي: طريق الهداية له أعلام فمن استدل بالأعلام بلغ إلى محل الهدى

وكوشف عن معدن النجوى ومن استدل بنجوم المعرفة ومر في طريق الهداية وكان عالما

بسراها وصل إلى غاية المنتهى من الطريق ولا دليل على الحق سواه ولا علامة تخبر عنه

وهو الدليل على نفسه ليس لأحد إليه سبيل ولا لخلق عليه دليل فمن وصل إليه فيه

وصل ومن انقطع عنه فسوابق قضائه عليه.

١٨

قوله عز وجل: { وإن تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها } الآية: ١٨

قال ابن عطاء: إن لك نفسا وقلبا وروحا وعقلا ومحبة ومعرفة ودينا وطاعة ومعصية

وابتداء وانتهاء وحنينا وأصلا ووصلا فنعمة النفس الطاعات والإحسان والنفس فيهما.

تتنعم ونعمة القلب والروح الخوف والرجاء وهي فيهما تنعم ونعمة القلب اليقين

والإيمان وهو فيها يتقلب ونعمة العقل الحكمة والبيان وهو فيهما يتقلب ونعمة المعرفة

الذكر والقرآن وهو فيها يتقلب ونعمة المحبة والألفة والمواصلة والأمن من الهجران وهو

فيهما يتقلب هذا تفسير قوله تعالى: { وإن تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها }.

٢١

قوله عز وجل: { أموات غير أحياء وما يشعرون } الآية: ٢١

ومن كان بين طرفي عدم فهو معدوم والحي هو الذي لم يزل ولا يزال.

وقال بعضهم: أموات عن الوصول إلى الحق غير أحياء به وما يشعرون وإنما يشعر

ذلك من كشف له عن محل الحياة بالحق.

قال الحسين: الحياة على أقسام فحياة بكلماته وحياة بأمره وحياة بقربه وحياة بنظره.

وحياة بقدرته وحياة هي الموت وهي الحركات المذمومة وهو قوله: { أموات غير أحياء وما يشعرون }.

قال سهل بن عبد اللّه: خلق اللّه تعالى الخلق ثم أحياهم باسم الحياة ثم أماتهم

بجهلهم بأنفسهم فمن حيي بالعلم فهو الحي وإلا فهم موتى بجهلهم.

قال الواسطي: الميت من غفل عن مشاهدة المنان والحي من كان حيا بالحي الذي لا

يموت.

قال بعضهم: كيف يكون حيا من لم يحيى بشاهد حي.

سمعت أبا عثمان المغربي: يقول: سمعت أبا عمرو الزجاجي يقول: كيف تحيون

وأنتم لم تروا حيا سمعت النصرآباذي: يقول: أهل الجنة أموات ولا يشعرون لاشتغالهم

بغير الحق وأهل الحضرة أحياء لأنهم في مشاهدة الحي.

قال اللّه تعالى: { أموات غير أحياء وما يشعرون }.

قوله عز وجل: { للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين}

 * الآية: ٣٠

قال أبو عثمان: للذين أحسنوا في ابتداء أحوالهم الرجوع إلى محل المحسنين.

قال يوسف بن الحسين: للذين أحسنوا آداب الخدمة واستعملوها. الرفعة إلى محل

الأولياء، وهو غاية الحسنى.

وقال بعضهم: للذين أحسنوا مجاورة نعم اللّه في الدنيا إتمام النعمة من اللّه تعالى

عليهم في الآخرة.

٣٢

قوله عز وجل: { الذين تتوفاهم الملائكة طيبين } الآية: ٣٢

أي: طيبة أبدانهم وأرواحهم بملازمة الخدمة وترك الشهوات.

وقال أيضا: طيبين أي لم يتدنسوا من الدنيا وخبيثها بشيء.

وقال أبو حفص: ضياء الأبدان بمواصلة الخدمة. وضياء الأرواح بالإستقامة.

٣٦

قوله عز وجل: { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا اللّه } الآية: ٣٦

قال: محمد بن الفضل: بعث اللّه تعالى الأنبياء عليهم السلام بإظهار الوحدانية

وتعليم العبودية. واجتناب موافقة الطبائع والأهواء والشهوات لذلك قال في كتابه:

{ ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا اللّه }.

قوله عز وجل: { واجتنبوا الطاغوت } الآية: ٣٦

قال سهل: العبادة زينة العارفين وأحسن ما يكون العارف إذا كان في ميادين العبودية

والحذوة بترك ما له لما عليه.

٣٧

قوله عز وجل: { إن تحرص على هداهم فإن اللّه لا يهدي من يضل } الآية: ٣٧

قال الواسطي: السعادة والشقاوة والهدى والضلال جرت في الأزل بما لا تبديل ولا

تحويل وإنما يظهر في الأوقات رسما على الأجسام والهياكل لا صنع فيه لأحد وليس

بقدر عليها خلق بل جرت في الأزل بعلم سابق قصر عنها أيد الأنبياء وألسن الأولياء بقوله:

إن اللّه لا يهدي من يضل.

٤٠

قوله عز وجل: { إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } الآية: ٤٠

قال القحطبي: في قوله: { إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون }.

الأشياء كلها لا شيء في الحقيقة إلا أن يتصل بها لفظ الإرادة ولفظ الإرادة أزلية

يصيرها شيئا وإلا فهي لا شيء لأنها أخرجت من تحت ذل كن والشيء الحقيقي الذي لم

يزل ولا يزال قائما بصفاته قادرا في ذاته.

وقيل في قوله: { إنما قولنا لشيء } أخبار عن القدرة.

سئل بعضهم: أما كان يكفي الإرادة والمشيئة حت ظهر قوله كن قال خفيت الإرادة

والمشيئة فأظهر الأكوان في العلوم وظهر لفظة كن فأخرج بها الأكوان إلى الوجود.

قال الواسطي: إنما قولنا لشيء إذا أردناه: أنه على قدر المعارف أشار إلى القدرة فأما

الحقيقة فليس للحق مكون كما أنه ليس له موجود إذا لم يكن له معدوم فإذا كانت

الأشياء بذاته ظهرت وبه وجدت لا بصفاته فلم يزل كما لا يزال إلا أنه لم يكن أظهر

بعضهم لبعض ظهور الأشياء بذاته لا بصفاته.

قيل: ليس المراد منه ما ذكر ولكن التقريب إلى الأفهام لا أن فيه لفظة كن، واللّه

أعلم.

٤٢

قوله عز وجل: { الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون } الآية: ٤٢

قال الجنيد: غاية الصبر وتصحيحه أن يورث صاحبه التوكل.

قال اللّه تعالى: { الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون }.

قال بعضهم: صبروا على موارد القضاء وتوكلوا في مضمون الرزق.

قال بعضهم: الصبر هو العزم على مخالفة المراد والتوكل هو السكون في حال المنع

والعطاء.

قال أبو يعقوب السوسي: الصبر تلقي المكاره بوجوه طلقة.

قال النهرجوري: التوكل نسيان حظوظ النفس.

قال إبراهيم الخواص: التوكل هو الاكتفاء بعلم اللّه فيك من تعلق القلب بسواه.

وقال أيضا: الصبر هو الثبات على أحكام الكتاب والسنة.

قال الواسطي: التوكل: الصبرلطوارق المحن ثم التفويض ثم الرضا ثم الثقة.

وقال أيضا: أصل التوكل صدق الفاقة والفقر.

٤٤

قوله عز وجل: { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم } الآية: ٤٤

قال ابن عطاء: قطع عقول الخلق عن فهم كتابه والإشراف عليه والتبين منه إلا عقل

النبي صلى اللّه عليه وسلم فإن قال له: { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس } وإن كان فيه

أحكام الخلق

فالخطاب معك وأنت صاحب البيان لهم بما أنزل عليك لأنهم في مقام الوحشة وأنت في

محل الحظور والإيمان فبيان الكتاب ما نبينه وآداب الشريعة ما ترسمه لأنك أنت الأمين

في جميع الأحوال لا يؤتمن على أسرار الخلق إلا الأمناء من العبيد. وأنشأ في معناه.

(من سارروه فأبدى السر مشتهرا

* لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا

*

(وجانبوه فلم يسعد لقربهم

* وأيدوه مكان الأنس أنجاسا

*

(لا يصطفون مضيعا بعض سرهم

* حاشا ودادهم من ذاكم حاشا

*

٤٨

قوله عز وجل: { أو لم يروا إلى ما خلق اللّه من شيء يتفيؤا ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا للّه } الآية: ٤٨

قال بعضهم: ما خلق اللّه تعالى شيئا من الجماد والحيوان ينازع خالقه وصانعه إلا

الإنسان فإنه أبدا يدعى لنفسه ما ليس له من معرفة وعلم وتوثب على الوحدانية

والفردانية بادعاء الأهل له والولد جل وعلا يتكبر عن الإذعان والخضوع لذلك.

 قال اللّه تعالى: { أولم يروا إلى ما خلق اللّه من شيء } الآية: ٤٨

٥١

قوله عز وجل: { وقال اللّه لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد } الآية: ٥١

قال أبو عثمان: نهاك ربك أن تتخذ إلهين أو تدعى معه شريكا فاتخذت معه آلهة

وادعيت شريكا كيف يصح لك مع ذلك التوحيد وأنت تعبد نفسك، وهواك، وطبعك،

ومرادك وتعبد الخلق فأنى تصل إلى محل العبودية للّه تعالى.

٥٣

قوله عز وجل: { وما بكم من نعمة فمن اللّه ثم إذا مسكم الضر فإليه تجئرون }

 الآية: ٥٣

قال أبو حفص: جميع النعم عليك من ربك، وشكرك لغيره ورجوعك في النوائب

إليه، وعبادتك لغيره، وما هذا من أفعال أولي الألباب.

قال اللّه تعالى: { وما بكم من نعمة فمن اللّه ثم إذا مسكم الضر فإليه تجئرون }.

قال محمد بن الفضل: أجل نعمة اللّه عليك أن عرفك نفسه، وألهمك لشكر نعمه.

٥٤

قوله عز وجل: { ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون }

 الآية: ٥٤

قال بعضهم: اللّه تعالى كاشف كل ضر، وأنت تدور بشكر النعم على أبواب العبيد.

هل هو إلا الشرك الظاهر.

٦٢

قوله عز وجل: { ويجعلون للّه ما يكرهون } الآية: ٦٢

سمعت عبد اللّه بن محمد المعلم يقول سمعت عبد اللّه بن محمد بن منازل يقول

لبعض الأغنياء: كيف يكون يوم القيامة إذا قال اللّه تعالى: هاتوا ما دفع إلى السلاطين

والمغنيين وغيرهم ومن أمثالهم، فيؤتى بالدواب والثياب والأموال الفاخرة، وإذا قال:

هاتوا ما دفع إلي فيؤتى بالكسر والخرق وما لا يؤبه له ألا تستحي من ذلك الموقف.

٦٦

قوله عز وجل: { وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه } الآية: ٦٦

قال أبو بكر الوراق: العبرة في الأنعام تسخيرها لأربابها وطاعتها لهم وتمردك على

ربك وخلافك له في كل شيء.

قال يحيى بن معاذ: سخر اللّه تعالى لك الأنعام لتحملك وتحمل أثقالك وهي غير

مخاطب ولا محاسب فترى أبدا بريئا يحمل مذبنا.

٦٨

قوله عز وجل: { وأوحى ربك إلى النحل } الآية: ٦٨

قال ابن عطاء: ألهمها ودلها على الموضع وعلمها.

كيف تصنع ما في بطنها ولا تضعه إلا على حجر صاف أو خشب نظيف لا يخالطه

طين ولا تراب.

٦٩

 ثم قال: { كلي من كل الثمرات } الآية: ٦٩

اي من الذي جعلته رزقك ثم أمره بالتواضع.

 فقال: { فاسلكي سبل ربك ذللا } الآية: ٦٩

 ثم قال: { يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس } الآية: ٦٩

للنفوس لا للقلوب فمن أراد صلاح قلبه فليتعرف موارد ما يرد على قلبه في

الأوقات ومحل قلبه في جميع الأحوال وما يسر في قلبه في كل زمان ثم ليلزم مع ذلك

التواضع والخلوة فهذا غذاء للقلب وذاك غذاء النفس وغذاء الروح أعز وهو مشاهدة

الحق والسماع منه وترك الالتفات إلى المكونات بحاله.

وقال ابن عطاء: جعل ما يخرج من النحل شيئين ممزوجين لا يصفيهما إلا النار فإذا

صفيتهما النار صار عسلا وشمعا فالعسل هو غذاء الخلق وشفاؤهم والشمع للحرق لا

غير ذلك كذلك العبد إذا أخلص عمله خلص له عمله، وما خالطه برياء وشرك لا

يصلح إلا للنار.

قوله عز وجل: { يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه }.

قال أبو بكر الوراق: النحلة لما اتبعت الأمر وسلكت سبيلها على ما أمرت به جعل

لعابها شفاء للناس، كذلك المؤمن إذا اتبع الأمر وحفظ السر وأقبل على ربه جعل رؤيته

وكلامه ومجالسته شفاء للخلق فمن نظر إليه اعتبر ومن سمع كلامه اتعظ ومن جالسه

سعد.

٧١

قوله عز وجل: { واللّه فضل بعضكم على بعض في الرزق } الآية: ٧١

قال إبراهيم الخواص: منهم من جعل رزقه في الطلب ومنهم من جعل رزقه في

القناعة ومنهم من جعل رزقه في التوكل ومنهم من جعل رزقه في الكفاية ومنهم من

جعل رزقه في المشاهدة كما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: ' إني أظل عند ربي يطعمني

ويسقيني '.

قال الفضيل بن عياض: ' أجل ما رزق الإنسان معرفة تدله على ربه وعقلا يدله

على رشده.

٧٢

قوله عز وجل: { ورزقكم من الطيبات } الآية: ٧٢

قال حارث المحاسبي: ورزقكم من الطيبات الفيىء والغنيمة.

وقال أحمد بن أبي الحواري: المناجاة في البوادي.

قال بعضهم: سألت ابن الجلاء عن الرزق الطيب قال: ما يفتح لك من غير طلب ولا استشراف.

٧٤

قوله عز وجل: { فلا تضربوا للّه الأمثال } الآية: ٧٤

أي للتشبيه ولكن اضربوا الأمثال للدلالة، والأمثال: تصوير ما في الغائب.

وقال ابن عطاء: في قوله: { فلا تضربوا للّه الأمثال } في ذاته وما نيته لأن الذات ممتنع عن العلل بحال.

قال الواسطي: الأشياء كلها أقل من ذر في الهواء كيف يظهر في الذات.

قال اللّه تعالى: { فلا تضربوا للّه الأمثال }. في ذاته وكيفيته لأنه ليس كمثله شيء فأما صفاته التي أظهرها للخلق كسواه لهم وأعز.

وقال: { فلا تضربوا للّه الأمثال } في صفاته وذاته لأن الصمدية تمتنع عن الوقوف على ماهية ذاته وكيفية صفاته.

وقال إنما ضرب الأمثال وأكثر ما فيها من المقال ضربا للسرائر وأن يغني عن حضورها فيما أسرى إليها.

٧٥

قوله عز وجل: { ضرب اللّه مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء } الآية: ٧٥

قال بعضهم: أخبر اللّه تعالى عن العبد وصفته فقال: { لا يقدر على شيء } فمن رجع إلى شيء من عمله وحاله وعلمه فهو المتبرىء من العبودية وهو في منازعة الربوبية والعبودية هو التخلي مما سوى معبود يرى الأشياء ويرى نفسه له.

٧٧

قوله تعالى: { وللّه غيب السماوات والأرض وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب}  * الآية: ٧٧

قال النهرجوري: الحق تعالى ستر غيبه في خلقه وستر أوليائه في عباده فلا يشرف على غيبه إلا الخواص من أوليائه ولا يشرف على أوليائه إلا الصديقون من عباده فالإشراف على الغيب عزيز والإشراف على الأولياء أعز وأعز.

٧٨

قوله عز وجل: { واللّه أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار } الآية: ٧٨

قال الواسطي: أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تفهمون شيئا مما أخذت عليكم من الميثاق في وقت بلى.

وقال بعضهم: لا تعلمون شيئا مما قضيت لكم وعليكم من الشقاوة والسعادة. ثم جعل للسعيد من عباده السمع ليسمع بهما لطيف ذكره والأبصار ليبصر بها عجائب صنعه

والأفئدة ليكون عارفا بصانعه ومخترعه وهذه الأعضاء والحواس هي الموجبة للشكر والشاكر من رأى منة اللّه تعالى عليه في سلامة هذه الحواس وصاحب الكفران من يرى

أنه يؤدي بها شكر شيء من نعم اللّه تعالى عليه شيء من أحواله.

قال أبو عثمان المغربي: جعل لكم السمع لتسمعوا به خطاب الأمر والنهي، والأبصار لتبصروا بها عجائب القدرة، والأفئدة لتعرفوا بها آثار موارد الحق عليكم.

{ لعلكم تشكرون } أي لعلكم تبصرون دوام نعمي عليكم فترجعوا إلى بابي.

قال بعضهم: تمام النعمة هو أن يرزق العبد الرضا بمجاري القضاء.

قال ابن عطاء: تمام النعمة في الدنيا المعرفة وفي الآخرة الرؤية.

وسئل بعضهم: ما تمام النعمة؟ قال: هو التنعم في الاستسلام وإسقاط التدبير.

قال أبو محمد الجريري: تمام النعمة خلو القلب من الشرك الخفي وسلامة النفس من الرياء والسمعة.

٨٣

قوله تعالى: { يعرفون نعمة اللّه ثم ينكرونها } الآية: ٨٣

قال بعضهم: يتقلبون في نعمة ولا يوفقون لشكره.

قال بعضهم: من إنكار النعمة جحود المنعم.

قال النصرآباذي: معرفة النعمة حسن. ومعرفة المنعم أحسن ومعرفة النعمة ربما يتولد منه الإنكار ومعرفة المنعم لا يتولد منه إلا صحة الاستقامة.

قال بعضهم: يعرفون نعمة اللّه. أي ليس إلى أحد شيء في الضر والنفع ثم يقولون لولا فلان لكان كذا.

٨٤

قوله عز وجل: { ويوم نبعث في كل أمة شهيدا } الآية: ٨٤

عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء.

قال أبو علي الجوزجاني: الخلق شهداء بعضهم عى بعض. وأمة محمد صلى اللّه عليه وسلم هم

شهود الأنبياء على جميع الأمم ومحمد صلى اللّه عليه وسلم هو المذكي المقبول فمن قدمه فهو المقدم

ومن أخره فهو المؤخر ومن تعلق به نجا ومن تخلف عنه هلك.

قال تعالى: { وجئنا بك على هؤلاء شهيدا }.

٨٩

قوله عز وجل: { ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء } الآية: ٨٩

قال الواسطي: أنزل عليك الكتاب: وإنما خوطبت به دون غيرك لأنك من أهل المخاطبة وخوطبوا جميعا تبعا لك فبين لهم مرادنا فيما خوطبوا به فإن البيان إليك.

قال أبو عثمان المغربي: في الكتاب تبيان كل شيء ومحمد صلى اللّه عليه وسلم هو المبين لتبيان الكتاب.

٩٠

قوله تعالى: { إن اللّه يأمر بالعدل والإحسان } الآية: ٩٠

قال بعضهم: العدل والإحسان ما استطاعهما آدمي قط لأن اللّه تعالى يقول: { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء } فكيف يستطيع أن يعدل بينه وبين اللّه تعالى في استيفاء

نعمه وتضييع وعظه وحكمه، وليس من العدل أن تفتر عن طاعة من لا يفتر عن برك

والإحسان هو الإستقامة إلى الموت وهو أن تعبد اللّه كأنك تراه كالمروى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم.

وقال عليه السلام: ' استقيموا ولن تحصوا '.

أخبر أنه لا يقدر أحد أن يعدل بين خلقه، فكيف يعدل بينه وبين ربه.

والفحشاء: هو الاستهانة بالشريعة ' والمنكر ' هو الإصرار على الذنوب ' البغي ' ظلم العباد وظلمه على نفسه أفظع.

قال النيسابوري: ليس من العدل المقابلات بالمجاهدات، والعدل: رؤية المنة منه قديما وحديثا.

والإحسان الاستقامة بشرط الوفاء إلى الأبد؛ لذلك قال: استقيموا ولن تحصوا.

قال سهل: العدل: قول: لا إله إلا اللّه. والإحسان: إحسانك إلى من استرعاك اللّه

أمره، والفحشاء: الكذب والغيبة والبهتان وما كان من الأقوال. والمنكر: ارتكاب

المعاصي وما كان من الأفعال، ' يعظكم ': يؤدبكم باللطف والأدب، وينبهكم أحسن أنبائه، ' لعلكم ' تتعظون: أي تنتهون.

وقال بعضهم: العدل استقامة القلب، والإحسان: لزوم النفس لكل مستحسن من الأقوال والأفعال.

وقيل: العدل: اعتدال القلب مع الحق، والإحسان: لزوم النفس المعاملة على رؤية الحق.

وقيل: العدل: هو التوحيد، والإحسان: أداء الفرائض. وإيتاء ذي القربى: صلة الرحم، وينهى عن الفحشاء: الرياء والمنكر والمعاصي، والبغي: الظلم.

قال سفيان بن عيينة: العدل الإنصاف، والإحسان التفضل.

٩١

قوله عز وجل: { وأوفوا بعهد اللّه إذا عاهدتم } الآية: ٩١

قال النصرآباذي: أنت متردد بين صفتين: صفة الحق وصفتك، قال اللّه تعالى:

{ وأوفوا بعهد اللّه }، وقال: { ومن أوفى بعهده من اللّه } فإلى أيهما نظرت فإنك

الأحرى ثم العهود مختلفة في الأقوال عهود، وفي الأفعال عهود، وفي الأحوال عهود، والصدق مطلوب منك في جميع ذلك، وهو على العوام عهود، وعلى الخواص عهود، وعلى خواص الخواص عهود.

فالعهد على العوام لزوم الظاهر، والعهد على الخواص حفظ السرائر، والعهد على خواص الخواص التخلي من الكل لمن له الكل.

وقال من حمل العهد بنفسه خيف عليه نقضه في أول قدم، ومن حمله بالحق حفظ عليه عهوده ومواثيقه.

قوله عز وجل: { ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها } الآية: ٩١

قال الواسطي: قد تقدمت العهود في الميثاق الأول فمن أقام على وفاء الميثاق فتح له طريق الحقائق وقتا بعد وقت، ومن خاف في الميثاق الأول نفى مع وقته وأغلق دونه مسالك رشده.

٩٥

قوله عز وجل: { ولا تشتروا بعهد اللّه ثمنا قليلا } الآية: ٩٥

قال الجنيد وسئل من أحسن الخلق: قال من جعل دينه سببا وطريقا للإنبساط إلى الخلق في الإرتفاق منهم.

قال ابن عطاء: أول عهد عليك من ربك أنه كفاك كل ما تحتاج إليه لئلا ترغب إلى غيره، ولا ترجع في المهمات إلا إليه، فمن ضيع عهده واشترى بما خصه اللّه تعالى به من كراماته شيئا من حطام هذه الفانية وقد نقض عهد اللّه لأن اللّه تعالى يقول: { إنما عند اللّه هو خير لكم } الآية: ٩٥

وهو الاعتماد عليه والاكتفاء به دون غيره.

٩٦

قوله عز وجل: { ما عندكم ينفد وما عند اللّه باق } الآية: ٩٦

قال بعضهم: ما منكم من الطاعات فإنها فانية، وما من إليكم من جزاء أعمالكم فهو باق على الدوام وأنى يقابل ما يفنى بما يبقى.

قال بعضهم: طاعاتكم مدخولة وجزائي وثوابي على طاعاتكم باقية بقاء الأبد.

قال ابن عطاء: أوصافكم فانية، وأحوالكم ثابتة فلا يدعوا منها شيئا، وما من الحق إليكم باق فالعبد من كان فانيا من أوصافه باقيا للّه تعالى عنده، وهو تفسير قوله: { ما عندكم ينفد وما عند اللّه باق }.

قال جعفر: ما عندكم ينفذ: يعني: الأفعال من الفرائض والنوافل، وما عند اللّه باق: من أوصافه ونعوته لأن الحدث يفنى والقديم يبقى.

قوله عز وجل: { ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون }

 الآية: ٩٦

قال أبو عثمان: جزاء الصبر هو أن يعطي اللّه تعالى العبد رضا فمن تحقق الصبر والتزم طريقة الصابرين فإن اللّه تعالى يثيبه عليها أحسن ثواب عاجلا وآجلا.

قال اللّه تعالى: { ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون }.

٩٧

قوله عز وجل: { من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة }

 الآية: ٩٧

روى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: هي القناعة.

قال أبو يعقوب السوسي: الحياة الطيبة عيش الفقراء الصبر.

وقيل: عيش الفقراء الراضين.

قال سهل بن عبد اللّه: هو أن ينزع عن العبد تدبيره ويرد إلى تدبير الحق فيه.

قال الجريري: هو العيش مع اللّه والفهم عن اللّه تعالى.

وقال ابن عطاء: هو روح اليقين وصدق نية القلب.

قال جعفر: الحياة الطيبة أن يطيب له بأن كل ذلك من اللّه إليه.

قال ابن عطاء: العيش مع اللّه تعالى والسهو والإعراض عما دونه.

قال جعفر: هي المعرفة باللّه وصدق المقام مع اللّه تعالى وصدق الوقوف مع اللّه

تعالى.

قال بعضهم: الحياة الطيبة الاستغناء باللّه تعالى لا يريد به بدلا ولا عنه حولا.

قال ابن عطاء: الحياة الطيبة بإسقاط الكونين عن سره حتى يبقى مع ربه.

قال القاسم: هي التي لا يطمع فيها إلى غير اللّه تعالى.

٩٩

قوله عز وجل: { إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون }

 الآية: ٩٩

قال أبو حفص: من أراد ألا يكون للشيطان عليه دليل فليصحح إيمانه، وليصحح في الإيمان التوكل على اللّه، والإيمان هو أن لا يرجع في السراء والضراء إلا إليه ولا يرضى بسواه عوضا عنه، والتوكل هو الثقة بمضمون الرزق كثقتك بمعلومك، وهذا

تفسير قوله: { إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون }.

قال النصرآباذي: من صحح نسبة مع الحق لن يؤثر عليه بعد ذلك منازعة طبع ولا وسوسة شيطان.

١٠٠

قوله عز وجل: { إنما سلطانه على الذين يتولونه } الآية: ١٠٠

قال بعضهم: من ابتع هواه فقد تولى الشيطان، ومن ركن إلى الدنيا فقد اتبعه،

ومن أحب الرئاسة فقد اتبعه، ومن خالف ظاهر العلم فقد تولاه، ومن خالف المسلمين

فقد جعل للشيطان عليه سبيلا، ومن ركن إلى شيء من المخالفات ظاهرا وباطنا فقد أهلك نفسه ومن تولى الشيطان فقد أهلك نفسه تبرأ من الحق.

١٠٢

قوله عز وجل: { قل نزله روح القدس من ربك بالحق } الآية: ١٠٢

قال الواسطي: الأرواح ليس لها نوم ولا لذة ولا موت ولا حياة، بل هي جوهرة

لطيفة، للطفه سمى روحا، وللطف جبريل سمي روح القدس.

١١٠

قوله تعالى: { ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا }  الآية: ١١٠

قال سهل: هاجروا قرناء السوء بعد أن ظهر لهم منهم الفتنة في صحبتهم، ثم

جاهدوا أنفسهم على ملازمة أهل الخير، ثم صبروا معهم على ذلك ولم يرجعوا إلى ما كانوا عليه من بذيء الأحوال.

١١١

قوله عز وجل: { يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها } الآية: ١١١

قال بعضهم: الشريعة مكر بالخلق لأنه ينقلهم من أول إلى ثاني حتى إذا أخلصوا

إلى ما توهموا أنه الغاية علموا أن الحق وراء ما أدتهم إليه الوسائط، وهذا كما قال اللّه تعالى: { يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها } توهما أنها بلغت الغاية.

قال بعض الخراسانيين: ذهب وقت الخلق في الدنيا اشتغالا بنفوسهم في الدنيا يجادلون عنها، وهم في الآخرة يجادلون عنها، فمن يتفرغ إلى معرفة الحق؟

١١٤

قوله عز وجل: { فكلوا مما رزقكم اللّه حلالا طيبا } الآية: ١١٤

سمعت أبا بكر الرازي قال: سمعت أبا عبد اللّه محمد بن سعيد القرشي يقول:

سمعت إبراهيم الخواص يقول: الحلال على ستة أوجه: إمام عادل، وتاجر صادق، وزارع متوكل، وغاز غير خائف، وعالم ناصح، وزاهد مخلص، فإذا اجتمع هؤلاء الستة في دار فإن كل الحلال يدور بينهم.

١١٩

قوله عز وجل: { ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا }  الآية: ١١٩

قال سهل: ما عصى اللّه تعالى أحد إلا بجهل ورب جهل أورث علما، والعلم مفتاح التوبة وفي الصلاح صحة التوبة، ومن لم يصلح في توبته فعن قريب يفسد عليه توبته، لأن اللّه تعالى يقول: { ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا }.

١٢٠

قوله عز وجل: { إن إبراهيم كان أمة قانتا للّه حنيفا ولم يك من المشركين }  الآية: ١٢٠

قال بعضهم: كان أمة أي معلما للخير عاملا به.

قال بعضهم: كان علمه كعلم أمة وإخلاصه كإخلاص أمة.

وقال بعضهم: القانت الذي لا يفتر عن الذكر، والحنيف الذي لا يشوب شيئا من أعماله شرك.

وقيل: القانت المطيع الذي لا يعصي اللّه.

وقيل في قوله: { ولم يك من المشركين } لم يكن يرى المنع والعطاء والضر والنفع إلا من موضع واحد.

١٢١

قوله عز وجل: { شاكرا لأنعمه اجتباه } الآية: ١٢١

قال الواسطي: قابلا لقضائه وقسمته قبول رضا لا قبول كراهية.

قال أبو عثمان: الشاكر للنعمة أن لا يرى شكره إلا ابتداء نعمة من اللّه حيث أهله

لشكره، اجتباه من بين خلقه، وكتب عليه الهداية إلى صراط مستقيم عالما أن الهداية

سبقت له من اللّه تعالى ابتداء فضل لا باكتساب وجهد وكد.

١٢٢

قوله عز وجل: { وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين }

 الآية: ١٢٢

قال بعضهم: آتيناه في الدنيا المعرفة حتى صلح في الآخرة لبساط المجاورة.

قال بعضهم: أصلح اللّه تعالى قلوب المؤمنين للمعاملة وأصلح قلوب الأنبياء والأولياء للمجاورة والمطالعة.

قال الواسطي: هي الخلة لا غيرها تولى الأنبياء بخلته خلقهم على ذلك جذبا منه إليه.

١٢٣

قوله عز وجل: { ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا } الآية: ١٢٣

قال الدينوري: أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم باتباع الخليل لئلا يأتي أحد من الأتباع، وملة إبراهيم

كانت السخاء وحسن الخلق، فزاد عليه النبي صلى اللّه عليه وسلم حين جاد بالكونين عوضا عن الحق  فقيل له { إنك لعلى خلق عظيم } القلم: ٤

١٢٥

قوله عز وجل: { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة } الآية: ١٢٥

حدثنا علي بن الحسن الحافظ، حدثنا أحمد بن الحسين دبيس المقري، حدثنا أحمد ابن زياد، حدثنا أسود بن سالم، حدثني عبد الرحمن بن يزيد الزراد، حدثنا محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر رضي اللّه عنهما عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: أمرنا معاشر الأنبياء أن نكلم الناس على قدر عقولهم.

قال بعضهم: خاطب كلا على قدره والموعظة الحسنة فيها ترغيب وترهيب.

وقيل: الموعظة الحسنة ما اتعظت بها أولا ثم أمرت.

سئل بعضهم: لم قدم اللّه تعالى الحكمة؟ فقال: لأن الحكمة إصابة القول باللسان،

وإصابة الفكرة بالجنان وإصابة الحركة بالأركان وأن تكلم بكلام بحكمة، وأن تفكر بفكر بحكمة.

قال جعفر: الدعوة بالحكمة أن يدعوه من اللّه إلى اللّه باللّه، والموعظة الحسنة أن يرى الخلق في أسر القدرة فيشكر من أجاب ويعذر من أبى.

سمعت عبد اللّه الرازي يقول: سمعت أبا عثمان يقول: لا يكون الرجل حكيما حتى يكون حكيما في أفعاله، حكيما في أقواله، حكيما في أحواله، فإنه يقال له ناطق بالحكمة، ولا يقال له حكيما.

قوله عز وجل: { وجادلهم بالتي هي أحسن } الآية: ١٢٥

قال هي التي ليس فيها من حظوظ النفس شيء، ولا ترى أنه الممتنع من قبول الموعظة فتغضب عليه، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله: فلا ينجع فيه قولك:

{ وهو أعلم بالمهتدين } الموفقين الذين شرحت صدورهم بقبول ما أثبت به.

١٢٦

قوله عز وجل: { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين }  الآية: ١٢٦

قال الجنيد: في قوله: { ولئن صبرتم } فلم تعاقبوا لهو خير للصابرين التاركين

العقوبة الذي أباح العلم فعلها بالأدب الذي يتبعه بالأمر ويلزمه بالترغيب إنه خير للصابرين.

قال أبو سعيد الخراز: أخبر عن موضع الإباحة بالقصاص ونهى عن إمكان النفس

من شهوتها وبلوغ مناها، وعرف أن الفضل في احتمال مؤن الصبر.

يقول عز وجل: { ولئن صبرتم لهو خير للصابرين }.

قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: إلى موضع الفضل ففرض عليه ذلك.

وقيل له: إن الفضل على الخلق تطوع وعليك فرض واصبر، ثم أعلمه أن ذلك لا

١٢٧

 يتم إلا بخلوة وتشبيه بالحق بقوله: { وما صبرك إلا باللّه } الآية: ١٢٧

قال الواسطي: في هذه الآية أخبره بأنه هو الذي تولاهم فحجبهم عن المعاينة في الحضرة وهم ثلاث طوائف عند اللقاء، طائفة ترمدت بقيومة دواميته وأزليته، فلم تجد

عند اللقاء عليها آفة لاتصال أنوار السرمدية بأنوار الأبدية، وطائفة لقيتة في زينته وحين نظره واختياره فضمرهم في نعمته وحجبهم بكرامته فهي متلذذة بنعمه محجوبة عن

حقيقته، وطائفة لقيته بشواهد طاعاتها وزهدها، فقال لهم مرحبا بمقدمكم فحجبها في نفس ما خاطبهم.

وقال ابن عطاء: بأمره وببره.

وقال جعفر: أمر اللّه أنبياءه بالصبر وجعل الحظ الأعلى منه للنبي صلى اللّه عليه وسلم.

قال سهل: واصبر واعلم أنه لا معين على الصبر إلى اللّه. حيث جعل صبره باللّه لا بنفسه، فقال وما صبرك إلا باللّه.

قال الجنيد: عظم المنة عليه لما أدبه بالقيام على شروط الاستقامة بقوله: واصبر:

ومن لم يكن صبره مباشرا لبلاء، في حين وروده بما تقدم من التوطئة على العزم على

الصبر عند أول صدمة ترد منه لم يؤمن أن يأخذ الجزع من صبره بعد أوان تفضي صبره.

قال الثوري: في هذه الآية هو الصبر على اللّه باللّه.

قال أبو القاسم: الحكيم أصبر عباده، وما صبرك إلا باللّه عبودية فمن ترقى من درجة لك وصل إلى درجة بك، فقد انتقل من درجة العبادة إلى درجة العبودية.

قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: ' بك أحيا، وبك أموت '.

قال الواسطي: في هذه الآية قال لما أظهر اللّه تعالى البلاء أشهده لذة مباشرته، بل لا يكون لأحد وقت إلا واللّه تعالى يوجده لذة المباشرة { وما يعقلها إلا العالمون }  العنكبوت: ٤٣

١٢٨

قوله عز وجل: { إن اللّه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } الآية: ١٢٨

قال ممشاء الدينوري رحمه اللّه: رأيت ملكا من الملائكة يقول لي: كل من كان مع

اللّه تعالى فهو هالك إلا رجل واحد، قلت: ومن هو؟ قال: من كان اللّه معه وهو قوله: { إن اللّه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون }.

وقال بعضهم: من اتقى اللّه في أفعاله أحسن اللّه تعالى إليه في أحواله.

قال الفضل بن عياض في هذه الآية: اتقوا فيما نهاهم اللّه تعالى عنه وأحسنوا فيما أمرهم به.

﴿ ٠