سورة بني إسرائيلبسم اللّه الرحمن الرحيم ١قوله عز وجل: { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى * الآية: ١ قال الواسطي: نزه نفسه، أن يكون لأحد في تسيير نبيه عليه السلام حركة أو حظرة فيكون شريكا في الإسراء، والتسيير. قال أبو يزيد: نزه عما أبدا ولا تعرفه بما أخفى. وقال ابن عطاء: طهر مكان القربة وموقف الدنو عن أن يكون فيه تأثير لمخلوق بحال، فسار بنفسه وسرا بروحه، وسبر بسره فلا السر علم ما فيه الروح، ولا الروح علم ما يشاهد السر، ولا النفس عندها شيء من خيرها وما هما فيه، وكل واقف مع حده متلق عنه بلا واسطة ولا بقاء بشرية، بل حق تحقق بعبده فحققه وأقامه حيث لا مقام، وخاطبه وأوحا إليه جل ربنا وتعالى. ذكر أن رجلا جاء إلى جعفر بن محمد وقال: صف إلي المعراج: فقال: كيف أحدق لك مقاما لم يسمع فيه جبريل صلوات اللّه وسلامه عليه مع عظم مقامة. سمعت النصرآباذي يقول: أسقط الأعمال والاعتراضات عن المعراج بقوله: أسرى: ولم يقل سرى لأن القدرة تحمل كل شيء. قوله عز وجل: { الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا } الآية: ١ قال بعضهم: قال اللّه تعالى لإبراهيم: { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض) * وقال لمحمد عليه السلام { لنريه من آياتنا } فغمض عينه عن الآيات شغلا منه بالحق ولم يلتفت إلى شيء من الآيات والكرامات فقيل له: { إنك لعلى خلق عظيم } حديث لم يشغلك ما لنا عنا. ٣قوله تعالى { إنه كان عبدا شكورا } الآية: ٣ يستعظم قليل فضلنا عنده، ويستصغر كثير خدمته لنا، ليس له إلى غيرنا التفات، ولا يشغله تواتر النعم عليه عن المنعم بحال. قال الجنيد: عبدا شكورا قائلا بالحق ناطقا به قابلا له مقبلا عليه. ٥قوله عز وجل: { بعثنا عليكم عبادا لنا } الآية: ٥ قوله عز وجل: { بعثنا عليكم عبادا لنا } الآية: ٥ قال السياري: إضافة إلى القدرة وإلى الاختصاص، وقوله ' عبادا ' أمنا لكم إشارة إلى الملك والعموم ٧قوله عز وجل: { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم } الآية: ٧ قال أبو سليمان الداراني: العمال يعملون في الدنيا على دعوة كل فيه يطلب حظه، فجاهل عمل على الغفلة، وعالم يعمل على العادة، ومتوكل عمل على الفراغة، وزاهد على الحلاوة، وخائف عمل على الرهبة، وصديق عمل على المحبة وعمال اللّه تعالى أقل من القليل. وقال أبو يزيد: من عمل لنفسه لا يعمل للّه ومن عمل للّه لا يعمل لنفسه ولا يراها. ٨قوله عز وجل: { عسى ربكم أن يرحمكم } الآية: ٨ قال ابن عطاء: يتعطف عليكم فيخرجكم من ظلمات المعاصي إلى أنوار الطاعات فمن طلب الرحمة من غير اللّه تعالى فهو في طلبه مخطىء. قوله عز وجل: { وإن عدتم عدنا } الآية: ٨ قال سهل: وإن عدتم إلى المعصية عدنا إلى المغفرة. وقال أيضا: وإن عدتم إلى الإعراض عنا عدنا إلى الإقبال عليكم. قال سهل: إن عدتم إلى الفرار منا عدنا إلى أخذ الطريق عليكم لترجعوا إلينا. قال أبو عثمان: وإن عدتم إلينا بعد المخالفات عدنا عليكم بالتعطف والرحمة. قال أبو بكر الوراق: وإن عدتم إلى الطاعة عدنا إلى التيسير والقبول. قال محمد بن علي: ليس لمن أعرض عن ذنبه عذر بعد قوله: { وإن عدتم عدنا }. ٩قوله عز وجل: { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم } الآية: ٩ قال ابن عطاء: القرآن دليل ولا يدل إلا على الحق فمن اتبعه قاده إلى الحق ومن أعرض عنه قاده الجهل إلى الهلاك. قال أبو عثمان في كتابه إلى محمد بن الفضل: من تمسك بالقرآن وفق للزوم الاستقامة لأن اللّه تعالى يقول: { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم }. قال بعضهم: في هذه الآية القرآن سراج ونور يهتدى به من جعل من أهل الهدى، فمن اهتدى به فاز ونجا، وربما هلك بالقرآن أيضا هالك؛ لأن اللّه تعالى يقول: { وهو عليهم عمى } فصلت: ٤٤ ١٠قوله عز وجل: { ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير } الآية: ١٠ قال سهل: أسلم الدعوات الذكر وترك الاختيار في السؤال والدعاء لأن في الذكر الكفاية وربما يدعوا الإنسان فيسأل ما فيه هلاكه، وهو لا يشعر ألا ترى اللّه تعالى يقول: { ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير } والذاكر على الدوام التارك للاختيار في الدعاء والسؤال مبذول له أفضل الرغائب وساقط عنه آفات السؤال والاختيار. قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: ' يقول اللّه عز وجل: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين '. قوله عز وجل: { وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة } الآية: ١٢ قال بعضهم: جعلنا الليل والنهار طرفين لإقامة العبودية جعل أحدهما عن الآخر وخليفة عنه فمن أنفق أوقاته في إناء ليله ونهاره بما هو مستعبد فهو في زمرة الموفقين، ومن أهمل ساعاته ولم يطالب نفسه ولم يراع أوقاته مع كل خاطر ونفس، فإنه من المخذولين. ١٢قال اللّه تعالى: { لتبتغوا فضلا من ربكم } الآية: ١٢ في تصحيح العبودية وإخلاص العمل والمعونة على ذلك من اللّه عز وجل. قال النصرآباذي: ألزمت نفسك أحوالا وألزمت أحوالا، وما ألزمته أشد مما ألزمته نفسك. قال اللّه تعالى: { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه } من سعادة وشقاوة، ومنهم من ألزم الصبر على مقام المشاهدة، ومنهم من ألزم التمسك بالأدب على بساط القرب، وهذا أشد وأشد. ١٣وقوله عز وجل: { ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا } الآية: ١٣ قال بعضهم: كتابا: تكتبه على نفسك في أيامك وساعاتك. وكتاب كتب عليك في الأزل، لا يخال هذا ذاك ولا ذاك هذا. قال بعضهم: الكتاب الذي يخرج إليك هو كتاب لسانك قلمه، وريقك مداده، وأعضاؤك ومفاصلك قرطاسه أنت كنت المملي على حفظتك ما زيد فيه ولا نقص منه، ومتى أنكرت شيئا من ذلك كان الشاهد فيه منك عليك. قال اللّه تعالى: { يوم نشهد عليكم ألسنتهم } النور: ٢٤ ١٤قوله عز وجل: { اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا } الآية: ١٤ قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا وتزينوا للعرض الأكبر قبل أن تعرضوا. قال يحيى بن معاذ: اقرأ كتابك: فإنك كنت المملي له قال بعض السلف: لقد أحسن اللّه إليك من خلقك حسيب بنفسك، وقيل: محاسبة الأبرار في الدنيا، ومحاسبة الفجار في الآخرة. ١٦قوله عز وجل: { وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها } الآية: ١٦ قال بعضهم: أهلكنا خيارها، وأبقينا شرارها. قال أبو عثمان: إذا أخرج اللّه تعالى إنكار المعاصي من القلوب خيف إذ ذاك على الخلق الهلاك. ١٨قوله عز وجل: { من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد } الآية: ١٨ قال الواسطي: في ترك الدنيا مشاهدة الآخرة، وفي مشاهدة الآخرة رفض الدنيا كما أن مشاهدة التأييد زوال عزة النفس، وفي مطالعة صفات الحق سقوط صفات العبد. ١٩قوله عز وجل: { ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها } الآية: ١٩ قال القاسم: في قوله { ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها } بشرط الإرادة بحسن السعاية لأن كل طائفة أرادت الآخرة وسعيها وهو الذي يسعى على الاستقامة، وما توجه عليه الشريعة، وشرط السعي بالاستقامة، وشرط الاستقامة بالإيمان لأن كل من أراد الآخرة وقصد قصدها فليستقم عليها فرب قاصد مستقيم في الظاهر حظه الإيمان عارية عنده، وكم من ساع حسن السعي غير مقبول سعيه. قال بعضهم: السعي في الدنيا بالأبدان، والسعي إلى الآخرة بالقلوب، والسعي إلى اللّه تعالى بالهمم. قال عز وجل: { فأولئك كان سعيهم مشكورا } الآية: ١٩ قال أبو حفص: السعي المشكور ما لم يكن مشوبا برياء. ولا سمعة، ولا رؤية نفس، ولا طلب ثواب بل يكون خالصا لوجهه لا يشاركه في ذلك شيء فذلك السعي المشكور. ٢١قوله عز وجل: { انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض } الآية: ٢١ قال ابن عطاء: من تولاه بصرف من العناية توالت أعماله كلها باللّه تعالى فله فضل الولاية على من دونه فإن اللّه تعالى قال: انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض والفضيلة تقع فيما بين الخلق والحق لا يكبر عنده الطاعات ولا تغضبه المخالفات. قال الواسطي: فضلنا بعضهم على بعض: بالمعرفة والإخلاص والتوكل. قوله عز وجل: { وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا } الآية: ٢١ قال الواسطي: بدرجات الشوق يصل العبد إلى درجات العلى وأعظم درجة في الآخرة التخطي إلى بساط القرب ومشاهدة الحق أعلا وأجل. قال أبو سعيد القرشي: ابن آدم أنت تباهي بحسن مجلسك في دار الدنيا من سلطان أو شريف أو عالم فكيف لا ترغب في مباهاة مجالس الآخرة وهي أكبر وأفضل. ٢٣قوله عز وجل: { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } الآية: ٢٣ قال بعضهم: قضى ربك: أمر ربك. قال بعضهم: العبودية هي قطع الأرباب وخلع الأسباب، والرجوع إلى الحق بالحقيقة. سمعت أبا عثمان المغربي يقول: من تحقق في العبودية ظهر سره لمشاهدة الربوبية، وإجابته القدرة إلى كل ما يريد. قال النصرآباذي: العبودية إسقاط رؤية التعبد في مشاهدة المعبود. ٢٤قوله عز وجل: { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة } الآية: ٢٤ قال بعضهم: لا تخالفهما برأي، وإن كانا على خلاف هواك ذلك خلاف الشريعة. سئل أبو عثمان عن بر الوالدين فقال: أن لا ترفع صوتك عليهما، ولا تنظر إليهما شذرا، ولا يريان منك مخالفة في ظاهر وباطن، وأن تحترم لهما ما عاشا، وتدعو لهما إذا ماتا، وتقوم بخدمة أودائهما بعدهما فإن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: ' إن أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه } وكان النبي صلى اللّه عليه وسلم: إذا ذبح شاة تتبع بها صدائق خديجة '. وسئل الفضل بن عياض عن بر الوالدين؟ قال: أن لا تقوم إلى خدمتهما عن كسل. ٢٥قوله عز وجل: { فإنه كان للأوابين غفورا } الآية: ٢٥ قال أبو عثمان: الأواب الدعاء. وقال القاسم: الأواب الرجاع إلى اللّه في كل أمر من أمور دنياه وآخرته لا يكون له أحد ملجأ، ولا استعانة. وقال بعضهم: الأواب المتبرىء من حوله وقوته. والمعتمد على اللّه في كل نازلة. ٢٩قوله عز وجل: { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط } الآية: ٢٩ قال أبو سعيد القرشي: أراد اللّه من نبيه صلى اللّه عليه وسلم أن لا يكون قائما بسرف البسط والسخاء، ولا قائما ببعض المنع والإمساك، وأن يكون قائما في جميع الأحوال. وقال بعضهم: لا تبخل بما ليس لك، ولا تمن بالعطاء فإن الملك لنا على الحقيقة وأنت القاسم تقسم فيهم حقوقهم. قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: ' فإن اللّه يعطي وأنا القاسم أقسم }. ٣٠قوله تعالى: { إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } الآية: ٣٠ قال ابن عطاء رحمه اللّه: ولك بهذه الآية على التوكل والثقة فإن اللّه يبسط الرزق لمن يشاء فاسكن أنت من اضطرابك ودع جبلتك واسأل: من بيده البسط أن يوسع عليك الرزق. ٣٤قوله تعالى: { وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا } الآية: ٣٤ قال حمدون القصار: من ضيع عهود اللّه عنده فهو للآداب شريعته أضيع، لأن اللّه تعالى يقول { وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا }. وقال يحيى بن معاذ: لربك عليك عهود ظاهرا وباطنا، فعهد على الأسرار أن لا يشاهد سواه وعهد على الروح أن لا يفارق مقام القربة. وعهد على القلب أن لا يفارق الخوف، وعهد على النفس في آداء الفرائض، وعهد على الجوارح في ملازمة الأدب وترك ركوب المخالفات. واللّه يقول: { إن العهد كان مسؤولا }. ٣٥قوله تعالى: { وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم } الآية: ٣٥ قال بعضهم: أوفوا الكيل فإن وزنك موزون وكيلك مكيل، أو وفيت وفى لك وإن نقصت نقص عليك. ٣٦قوله تعالى: { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا } الآية: ٣٦ سئل أبو عثمان عن هذه الآية قال: أعطاك اللّه اللسان فلا تشغله إلا بالذكر، وأعطاك العين فلا تشغلها إلا معتبرا، وأعطاك السمع فلا تسمع بها إلا حقا وصوابا، وأعطاك القلب فلا تشغله إلا بالمعرفة ودوام المراقبة والخوف فإنه موضع نظر الحق. وإنك مسؤول عن جميعها. قال الواسطي رحمة اللّه عليه في قوله: { ولا تقف ما ليس لك به علم }. قال: لا تخبر عنا إلا على طريق الخدمة ولا تجاوز فيه محل الأذن. قال أبو سعيد الخراز: من استقرت المعرفة في قلبه فإنه لا يبصر في الدارين سواه، ولا يسمع إلا منه ولا يشغل إلا به. ٣٧قوله تعالى: { ولا تمش في الأرض مرحا } الآية: ٣٧ قال بعضهم: أسوأ خصلة في الإنسان الكبر، وأحسن خصلة فيه التواضع، ومن تكبر فقد أخبر عن نذالة نفسه، ومن تواضع فقد أظهر كرم طبعه. قال اللّه تعالى: { ولا تمش في الأرض مرحا }. ٤١قوله تعالى: { ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا } الآية: ٤١ قال ابن عطاء: اتبعنا المواعظة لعلهم يفهموا عنا مرادنا ويرجعوا إلينا في طلب مراد الخطاب فما زادهم إلا إعراضا عنا. ٤٤قوله تعالى: { تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده } الآية: ٤٤ قال أبو عثمان المغربي: المكونات كلهن يسبحن اللّه باختلاف اللغات، ولكن لا يسمع تسبيحها ولا يفقه عنه ذلك إلا العلماء الربانيون الذين فتحت أسماع قلوبهم. ٤٥قوله تعالى: { وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا} * الآية: ٤٥ قال بعضهم: من تحصن بالحق فهو في أحصن حصن، ومن تحصن بكتابه فهو أحسن حصن، والمضيع لوقته من تحصن بعمله أو بنفسه أو بحسبه فيكون هلاكه من موضع أمنه. ٥٢قوله تعالى: { يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده } الآية: ٥٢ قال بعضهم: من أسمعه الحق الدعوة وفقه للجواب ومن لم تسمعه الدعوة كيف تجيب من لم يسمع. قال الجنيد رحمه اللّه تعالى في قوله: فتستجيبون بحمده. قال: تقولون: الحمد للّه الذي جعلنا من أهل دعوته. ٥٤قوله تعالى: { ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم } الآية: ٥٤ قال القاسم: سبق علمه في الخلق بالرحمة، والعذاب فلا مبدل لما أراد وقد وسم الخلق بسمة الرحمة والعذاب فهو يرجع إلى منتهاه بما قد حركه في مبدأه. ٥٥قوله تعالى: { ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض } الآية: ٥٥ قال محمد بن الفضل: تفضيل الأنبياء بالخصائص كالخلة والكلام، والمعراج، وغير ذلك، فضل البعض منهم على البعض صلى اللّه عليهم أجمعين، وفضل محمدا صلى اللّه عليه وسلم على الجميع ألا تراه يقول: أنا سيد ولد آدم ولا فخر، كيف أفتخر بهذا وأنا بائن منهم بحالي واقف مع اللّه بحسن الأدب لو كنت مفتخرا لافتخرت بالحق، والقرب، والدنو منه. فكما لم أفتخر بمحل الدنو والقرب كيف أفتخر بسيادة الأجناس؟. ٥٧قوله تعالى: { يرجون رحمته ويخافون عذابه } الآية: ٥٧ قال سهل رحمه اللّه تعالى: الرجاء والخوف زمامان على الإنسان فإذا استويا قامت له أحواله وإذا رجح أحدهما بطل الآخر، ألا ترى النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: ' لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لاعتدلا '. قال بعضهم: رجاء الرحمة هو طلب الوصول إلى الرحيم وخوف العذاب هو الاستعاذة من فظعه فلا عذاب أشد من ذلك. قال بعضهم: يرجون رحمته في الدنيا بتواتر النعم عليهم ودوام العافية لهم في الآخرة ترك العقاب ودخول الجنة، ويخافون عذابه في الدنيا بالابتلاء وفي الآخرة البعد والطرد. ٥٩قوله تعالى: { وما نرسل بالآيات إلا تخويفا } الآية: ٥٩ قال حارث المحاسبي: الآيات التي يظهرها اللّه في عباده رحمة على السابقين وتنبيها للمقتصدين وتخويفا للعاصين. قال: وسئل أحمد بن حنبل عن هذه الآية وما نرسل بالآيات إلا تخويفا، قال: موعظة وتحذيرا والآيات هي الشباب، والكهولة، والشيبة، وتقلب الأحوال بك لعلك ٦١تعتبر بحال أو تتعظ في وقت قوله تعالى: { قال أأسجد لمن خلقت طينا } الآية: ٦١ قال أبو عثمان: الكبر وتعظيم النفس أول كل بلية ومعصية ألم تر إلى إبليس كيف قام بالحجة في تهوين خلق آدم وتعظيم نفسه بالمشافهة لرب العزة حيث يقول: { أأسجد لمن خلقت طينا }. ٦٢قوله تعالى: { أرءيتك هذا الذي كرمت علي } الآية: ٦٢ قال فارس: شؤم كبره بقول { أأسجد لمن خلقت طينا } أوقعه في الحسد حتى قال: { أرءيتك هذا الذي كرمت علي } لأنه لم يعلم أن الشقاوة سبقت له من اللّه كما أن الكرامة والسعادة سابقة لآدم وظن أن ذلك بجهد واستجلاب فمن لزم الكبر والحسد فهو لازم لأخلاق إبليس. ٦٤قوله تعالى: { وشاركهم في الأموال والأولاد } الآية: ٦٤ قال أبو عثمان: مشاركته مع الخلق في أموالهم بالرياء، ومنع حقوق اللّه، ومشاركتهم معهم في إباحته لهم النكاح بلا ولي. ٦٥قوله تعالى: { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } الآية: ٦٥ قال أبو عثمان: عبد اللّه حقا من كان في وثاق خدمته وأسر منته لا ينفك من إقامة خدمته، وشكر نعمته ومن يكون في سلطان اللّه لا يكون لغيره عليه سلطان وسلطانه فهذه له في كل وقت حتى لا يجد راحة يرجع إليها ولا مأوى. قوله تعالى: { وكفى بربك وكيلا } الآية: ٦٥ قال جعفر: كفى بربك وكيلا لمن توكل عليه، وفوض أمره إليه. قال ابن عطاء: كفى به وكيلا لمن اعتمد عليه وقطع قلبه عما سواه. ٦٧قوله تعالى: { وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه } الآية: ٦٧ قال ابن عطاء: ليس بخالص للّه من لا يكون في حالة الرخاء مع اللّه كحال الشدة، ومن يلتجىء إلى غيره في حال الشدائد فهو من العبيد السوء الذي لا يقومه إلا الأدب. ٧٠قوله تعالى: { ولقد كرمنا بني آدم } الآية: ٧٠ قال ابن عطاء: ابتدأهم بالبر قبل الطاعات، وبالإجابة قبل الدعاء، وبالعطاء قبل السؤال، كفاهم الكل من حوائجهم ليكونوا لمن له الكل وبيده كفاية الكل. قال الجنيد رحمه اللّه: كرمنا بني آدم بالفهم عن اللّه. قال أبو بكر بن طاهر: كرمنا بني آدم بالمخاطبات بالأمر والنهي. وقال بعضهم: كرمنا بني آدم بتقويم الخلقة واستواء القامة. قال بعضهم: كرمنا بني آدم بالوسائط والرسل. وقيل: كرمنا بني آدم بالحظ، وقيل: كرمنا بني آدم بالخلق. وقال الحسين: كرمنا بني آدم بالكون في القبضة، ومكافحة الخطاب. وقال الواسطي رحمه اللّه: أفرد آدم بالاصطفاء وافرد بني آدم بقوله: { كرمنا بني آدم } يدخل فيه الكافر والمؤمن ثم اصطفى من ولده فقال: { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا} .* وقال أيضا: كرمنا بني آدم بأن سخرنا لهم الكون وما فيها لئلا يكونوا في تسخير شيء ويتفرغوا إلى عبادة ربهم. قال جعفر: كرمنا بني آدم بالمعرفة. وسئل ذو النون عن قوله: { ولقد كرمنا بني آدم }. قال: بحسن الصوت. قوله تعالى: { وحملناهم في البر والبحر } الآية: ٧٠ معنى البر النفس، ومعنى البحر القلب، فمن حمله في النفس فقد أكرمه بنور التأييد، فمن لم يكن له نور التأييد وكان له نور التدبير يكون هلاكه عن قريب. قال الواسطي رحمه اللّه في قوله: { وحملناهم في البر والبحر } قال: البر ما أظهر من النعوت والبحر ما استتر من الحقائق، وقيل: في مشاهدة أيده فصمت الوقتين الفصل والوصل وهو البر والبحر. قوله تعالى: { ورزقناهم من الطيبات } الآية: ٧٠ قال أبو عثمان: الرزق الطيب هو الحلال. قال إبراهيم الخواص: الطيبات المباحات. قال عبد اللّه بن المبارك: كتب يد العامل إذا نصح. وقال يحيى بن معاذ: الرزق الطيب ما يفتح على الإنسان من غير سؤال ولا إشراف نفس. قوله تعالى: { وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا } الآية: ٧٠ قال أبو عثمان: فضلناهم بالمعرفة على جميع الخلائق. قال أبو حفص: فضلناهم بأن بصرناهم عيوب أنفسهم. قال فضيل بن عياض: فضلناهم بالتمييز والحفظ. وحكى ابن الفرحي عن الجنيد رحمه اللّه تعالى قال: فضلناهم بإصابة الفراسة. وقال السياري: فضلنا العلماء على الجهال بالعلم باللّه وأحكامه. ٧١قوله تعالى: { يوم ندعوا كل أناس بإمامهم } الآية: ٧١ قال ابن عطاء: يوصل كل مريد إلى مراده، وكل محب إلى محبوبه، وكل مدع إلى دعواه، وكل منتم إلى من كان ينتمي إليه. وقال الجنيد في هذه الآية: يقولون لقوم يا عبيد الدنيا، ولقوم يا عبيد الأنفس، ولقوم يا طلاب الآخرة، ولقوم يا أصحاب الأعراض، ولقوم يا متبعي الأوامر، ولقوم يا ربانيين. ٧٢قوله تعالى: { ومن كان في هذه أعمى } الآية: ٧٢ قال الجنيد رحمه اللّه: من كان في هذه أعمى عن مشاهدة الفضل فهو في الآخرة أعمى عن مشاهدة الذات. وقال أيضا: من كان في هذه أعمى عن مشاهدة بره فهو في الآخرة أعمى عن رؤيته وضال عن قربه. ٧٤قوله تعالى: { ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا } الآية: ٧٤ قال ابن عطاء: إن اللّه عز وجل، عاتب الأنبياء بعد مباشرة الزلات، وعاتب نبينا قبل وقوعه ليكون بذلك أشد انتباها وتحفظا لشرائط المحبة فقال: { ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم }. قال الحسين: خلق اللّه الخلق على علم منه بهم. وهم علم العلم، وجعل النبي صلى اللّه عليه وسلم أعظم الخلق خلقا، وأقربهم زلفى فجعله الداعي إليه والمبين عنه، به يصلون إلى اللّه ظاهرا وباطنا، وعاجلا وآجلا، فثبت الملك بالعلم وثبت العلم بالنبي صلى اللّه عليه وسلم وحثنا النبي صلى اللّه عليه وسلم به فقال: ولولا أن ثبتناك بنا. وقال عمرو بن عثمان المكي في قوله: { لقد كدت تركن إليهم }. قال: ' كدت ' هو الشيء بين الشيئين، وهو الخروج من ذي إلى ذي، ولم يخرج من ذي ولم يدخل في ذي، وكان واقفا بأمر عظيم وشأن عجيب وعلم غريب، وهو نزاهة نفسه، وعظيم علمه بربه فبلغ هذا الخطاب به من الخوف والوجل من ربه، حتى كاد أن يساوي خوف الموافقين للمخالفة، وهذا الفرق بين الخواص والعوام أنهم يخافون في الهمة ما لا يخافه العوام إلى الموافقة. ٧٨قوله تعالى: { وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا } الآية: ٧٨ قال بعضهم: القيام في أوقات الأسحار مشهود من صاحبه وشاهد عليه. ٨٠قوله تعالى: { وقل رب أدخلني مدخل صدق } الآية: ٨٠ قال سهل: أدخلني في تبليغ الرسالة، مدخل صدق وأن لا يكون لي ميل ولا تكبر في حدود التبليغ وشروطه، وأخرجني من ذلك على السلامة وطلب رضاك منه والموافقة { واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا } زيني بزينة جبروتك ليكون الغالب سلطان الحق لا سلطان الهوى. سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم الإسكندراني يقول: سمعت أبا جعفر الملطي عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد في قوله: { أدخلني مدخل صدق } قال: أدخلني فيها على حد الرضا، وأخرجني عنها وأنت عني راض. وقال أيضا: أخرجني من القبر إلى الوقوف بين يديك على طريق الصدق مع الصادقين. قال جعفر: طلب التولية أن يكون هو المتولي أي أدخلني ميدان معرفتك وأخرجني من مشاهدة الذات. قال الخراز: ما دعا اللّه أحدا من العباد إلا أقام عليه الدلائل والبراهين ودل عليه، وقد قال لنبيه صلى اللّه عليه وسلم: { وقل رب أدخلني مدخل صدق } الآية. قال الواسطي رحمة اللّه عليه: قال المعلا في شرفه يعني محمد صلى اللّه عليه وسلم: * (أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق } فأظهر محمد صلى اللّه عليه وسلم من نفسه صدق اللجأ بصدق الفاقة بين يديه، وبصدق اللجأ تربيت السرائر. قوله تعالى: { واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا } الآية: ٨٠ قال الجنيد رحمه اللّه: غلبة وقهرا على أعدائك فأجابه اللّه إلى ذلك فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ' نصرت بالرعب مسيرة شهر '. قال فارس: السلطان هاهنا سلطان على نفسه يقمع هواه فيزم جمعها بشاهد الهيبة فيمسك نفسه بسلطان الوحدانية، وينصر على عدوه بحسن نظر اللّه له من معاونته وحمله على رؤية هواه. قال سهل بن عبد اللّه: لسانا ينطق عنك ولا ينطق عن غيرك. سمعت منصور بن عبد اللّه بإسناده عن جعفر أنه قال في هذه الآية: قوة لي في الدين توجب لي بها الجنة. ٨١قوله تعالى: { وقل جاء الحق وزهق الباطل } الآية: ٨١ قال فارس: الحق ما يحملك على سبيل الحقيقة والباطل ما يشتت عليك أمرك ويفرق عليك وقتك. ٨٣قوله تعالى: { وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض } الآية: ٨٣ قال الواسطي: أعرض بالنعمة عن المنعم والنعمة العظمى الهداية والإيمان والمعرفة والولاية والعبد لا ينفك من رؤية ذلك من نفسه وهذا هو الإعراض عن المنعم بأن يستحلي طاعته، ويتلذذ بها، أو يسكن إليها، أو يتحصن بها من النار قوله تعالى: { قل كل يعمل على شاكلته } الآية: ٨٤ قال ابن عطاء: على ما في سره؛ لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: ' اعملوا فكل ميسر لما خلق له '. قال جعفر: كل يظهر مكنون ما أودع فيه من الخير والشر. قال أبو بكر بن طاهر: كل نفس يتبع أثر قلبه وهمته. ٨٥قوله تعالى: { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي } الآية: ٨٥ قال بعضهم: الروح شعاع الحقيقة يختلف آثارها في الأجساد. قال بعضهم: الروح عبادة، والقائم بالأشياء هو الحق. وقيل: إن الأرواح نعيمها في التجلي وعذابها في الاستتار. قال بعضهم: الروح لطيفة يرى من اللّه عز وجل إلى أماكن معروفة لا يعبر عنه بأكثر من وجود بإيجاد غيره. قال الواسطي رحمه اللّه: الروح يمر بشيء من الأحوال من محبة وخوف، ورجاء، وصدق، والمعرفة أنفت هذه المعاني كلها والأحوال للعقول والنفوس فقال: لما خلق اللّه عز وجل أرواح الأكابر ردها بمعرفته لها فأسقط عنها معرفتها به، وأبرأ إليها علمه بها فأسقط عنها ما علمت منه، فمعرفتها. معرفة الحق إياها، وعلمها علم الحق بها، وتصورها مراده إياها على محابها. قيل: مباسطة الألطاف تنسي الأرواح، ومباشرة الأرواح تظهر عليها الألطاف. وقيل في قوله: { قل الروح من أمر ربي } قال: قارن العلم بالروح لرقة لطافته بحملها لأنها وفي علمه. وتمكن معه بحمله فتفضل بأن جذبها إلى علمه وبلغ منها الحقيقة وليس الكل يعطونها كذى فهي ناطقة بعلم ما علمه فيها ومنها فهي يتزايد جذبها إليه وذلك حين يستولي عليها علمه بها، ونظره إليها فهي به تجول وبه معه تمور. وقيل: الروح لم تخرج من الكون لأنها لو خرجت من الكون لكان عليها الذل، فقيل: من أي شيء خرجت؟ قال: من بين جماله، وقدس جلاله بملاحظة الإشارة غشاها بجماله، وردها بحسنه واشتملها بسلامه، وحياها بكلامه فهي متقة من ذل الكون. وسئل أبو سعيد الحداد عن الروح مخلوقة هي، قال: نعم فلولا ذلك لما أقرت بالربوبية حين قال: ' بلى ' والروح هي التي أوقفت على البدن اسم الحياة، والروح ثبت العقل، وبالروح قامت الحجة ولو لم يكن الروح لكان متعطلا يعني العقل ولا حجة له ولا عليه. وقال ابن عطاء في قوله: { قل الروح من أمر ربي } إن اللّه ستر الروح على جميع خلقه، وستر صفة صفات نفسه، وستر ما يبدو منه، وستر ما يعامل به الخلق عند معاينته إلا أن العلماء اتفقت أنها لطيفة وأنها خلقت قبل الأجسام واختصاصها من بين المخلوقات بكونها في يد ربها حين قال لآدم: اختر إحدى يدي فزاده اختصاص الأخذ لطفا وتقريبا من ذات مالكها فبين به الخلق والأصل أنها مخلوقه لكنها ألطف المخلوقات، وهي أصفى الجواهر وأنورها بها ترى المغيبات وبها يكون الكشف لأهل الحقائق، وإذا حجبت الروح عن ملاقاة النفس دعات الستر أساءت الجوارح الأدب في أوقاتها كذلك صارت الروح بين تحلي واستتار، ونازع وقابض وهي على قرب محلها من ربها وقت أخذها. وسئل الواسطي رحمه اللّه عن الأرواح أين كان مكانها حين أظهرها؟ قال: إن الأرواح خلقها وقبضها قبل الأجساد فأين كانت ترى؟ صار ما غاب عيانا، لأن الدنيا والآخرة عند الأرواح سواء، وسئل لأي علة كان محمد صلى اللّه عليه وسلم أحكم الخلق؟ قال: لأنه خلق روحه أولا، فوقع له صحبة التمكين والاستقرار، ألا ترى يقول ' كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد ' أي لم يكن روحا ولا جسدا. وقيل: معرفة الأشباح عقوله بها زمن عظيم ما ورد عليها والأرواح لا تهواها شيء ولا يستعظم كونا ولا تكوننا لأنها مأخوذة بشاهد الحق بجحد كل وارد يرد عليها من المستترات. وقيل: الأرواح معتقة من رق الكون أظهر فيها من خفايا المخبات المصونات والمكونات بأعجب أعجوبة وسلم عليها كفاحا وكانوا سالمين في أزليته منه في إظهار ديموميته سالمين منه في أخرياته استحقوا اسم السلام بذلك. قال بعضهم: نور بالأرواح الأجساد ورفق بها وزينها بنعيم مشاهدة الأرواح وملاقاتها. ومباشرتها على حسن الأدب فإذا حجب الروح عن ملاقاة الجسد أساءت الجوارح في أوقاتها الأدب. وقال أبو سعيد القرشي: الروح روحان: روح الممات، وروح الحياة فإذا اجتمعا عقل الجسم فروح الممات الذي إذا خرج من الجسد يصير الحي ميتا، وروح الحياة ما به مجاري الأنفاس وقوة الأكل والشرب وغيرها. وقال الواسطي رحمه اللّه: الأرواح في ثلاثة أشياء: أرواح الأجلة الأنبياء غذاها بلطائف خطابها تجدهم يسامون من كل ما يفتخر به الخلق من أنواع الطاعات أو التزين بالعبودية وأرواح الصديقين والصالحين عذابها بملاحظاته تزداد على الأوقات نورا وتبصرة، وأرواح العامة تأخذ غذاء من كل مأكول ومشروب. وقال بعض البغداديين: الروح عبادة، والقائم بالأشياء الحق لا غير، فسئل عن غيره القائم بالأشياء. قال: قامت الأشياء بتوليه وحفظه. وأنشد بعضهم: (تراعى الروح مطلعها فتعلو * عن الأبراج تسري كالنجوم كذلك قالوا: محادثات الحق للسرائر تطغى كدورات الأشباح. ١٠٠قوله تعالى: { قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق } الآية: ١٠٠ قال حمدون: أخبرنا اللّه تعالى عن حقيقة طبائع الخلق فقال: لو ملكتم ما أملكه من فنون الرحمة وخزائن الخير لغلب عليكم سوء طبائعكم في الشح والبخل وقال أبو حفص: ابن آدم محمول على الشح، والبخل والبذل والجود منه خلاف طبعه ومجبول على المخالفة والموافقة منه، خلاف سجنته ألا ترى اللّه يقول: { قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق }. ١٠١قوله تعالى: { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات } الآية: ١٠١ قال جعفر: من الآيات التي خصه اللّه بها الاصطناع والمحبة ألقاها عليه والكلام والثبات في محل الخطاب، والحفظ في اليم واليد البيضاء وإعطاء الألواح. وقال ابن عطاء: من الآيات حمل قوة الخطاب في المشاهدة، والمراجعة في طلب الروية وهذه من أعظم الآيات. ١٠٥قوله تعالى: { وبالحق أنزلناه وبالحق نزل } الآية: ١٠٥ قال جعفر: الحق أنزل على قلوب خواصه من مكنون فوائده، وعجائب بره، ولطائف صنعه ما نور به أسرارهم، وطهر به قلوبهم، وزين جوارحهم وبالحق نزل عليهم هذه اللطائف. وقوله تعالى: { وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا } الآية: ١٠٥ قال ابن عطاء: مبشرا لمن أعرض عنك، نذيرا لمن أقبل عليك يبشرهم لسعة رحمة اللّه عليهم ليقبلوا عليه وينذرهم سخط ربهم لئلا يتكلوا على أعمالهم. وقال أبو بكر بن طاهر: يبشرهم برحمتنا وينذرهم بسخطنا. ١٠٧قوله تعالى: { إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان } الآية: ١٠٧ قال سهل رحمه اللّه: لا يؤثر شيء على اليسر ما يؤثر عليه سماع القرآن فإن العبد إذا سمع القرآن خشع سره لسماعه، وأنار قلبه بالبراهين الصادقة، وزين جوارحه بالتذلل والانقياد. ١٠٩قوله تعالى: { ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا } الآية: ١٠٩ قال أبو يعقوب السوسي: البكاء على أنواع: بكاء من اللّه وهو أن يبكي شفقة لما جرى عليه من الحق في الأزل من السعادة والشقاوة وبكاء على اللّه وهو أن يبكي حسرة على ما يفوته من الحق ومن حظه منه، وبكاء للّه وهو البكاء عند ذكره وقوته ووعده ووعيده وبكاء باللّه وهو أن يبكي يلاحظ منه في بكائه. قال القاسم: البكاء على وجوه: بكاء الجهال على ما جهلوا، وبكاء العلماء على ما قصروا، وبكاء الصالحين مخافة الفوت، وبكاء الأئمة مخافة السبق، وبكاء الفرسان من أرباب القلوب للّهيبة والخشية وتواتر الأنوار ولإبكاء الموحدين. ١١٠قوله تعالى: { قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } الآية: ١١٠ ما دعا اللّه أحد قط إلا إيمانا وإما دعوة حقيقة فلا. قال الواسطي رحمة اللّه عليه: أسماؤه لا تدخل تحت الحصر، وذاته ليس بمشار إليه ولا بموصوف حقيقة إلا صفة المدح، والحق هو الخارج عن الأوهام والأفهام فأنى له النعوت والأفهام فأنى له النعوت والصفات. ١١١قوله تعالى: { وكبره تكبيرا } الآية: ١١١ قال ابن عطاء: عظم منته وإحسانه في قلبك يعلمك بتقصيرك في شكره. قال بعضهم: اعلم أنك لا تطيق أن تكبره الآية، فاستفت به ليدل على مواقف التعظيم. ذكر ما قيل في سورة الكهف |
﴿ ٠ ﴾