سورة الكهفبسم اللّه الرحمن الرحيم ١قوله تعالى: { الحمد للّه الذي أنزل على عبده الكتاب } الآية: ١ سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم البزار يقول: سمعت ابن عطاء يقول في قوله: { الحمد للّه الذي أنزل على عبده الكتاب }، قال: أضاف الكل بالكلية إلى نفسه، وقال: على عبده المخلص وحقيقة العبد الذي لا ملك له. وقيل: العبد الذي لا يرى غير سيده. وقيل: العبد الذي لا ينازع سيده شيئا. وقيل العبد الذي لا يهتم بشيء ولا يسكن إلى شيء، ولا يأمن من شيء. قال أبو حفص: العبد القائم إلى أوامر سيده على حد النشاط حديث جعله محل أمره. وقال أبو عثمان: العبد الذي لا يملك شيئا ولا يرعى لنفسه شيئا. وقال الجريري: حقيقة العبد هو المتخلق بأخلاق سيده. وقال ابن عطاء: الكتاب منشور ظاهر فيه أسرار باطنه. ٢قوله تعالى: { الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا } الآية: ٢ قال بعضهم: العمل الصالح ما أريد به وجه اللّه لا غير، والأجر الحسن أن لا تحجب عن لقاء سيده. وقال بعضهم: من ربط عمله بالإخلاص صلح عمله، ومن صلح فله عند اللّه أجر حسن وهو أن يكون ثوابه عليه ما لا عين رأت وهو لقاء الحق، ولا أذن سمعت وهو كلام الحق، ولا خطر على قلب بشر وهو الرضا. قال اللّه تعالى: { رضي اللّه عنهم ورضوا عنه } المائدة: ١١٩ ، المجادلة: ٢٢ ، البينة: ٨ ٥قوله تعالى: { كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا } الآية: ٥ قال ابن عطاء: الكبر الدعاوي، من ادعى في اللّه أو أشار إلى اللّه، أو تكلم عن اللّه أو دخل في ميدان الانبساط فإن ذلك كله من صفات الكذابين. قال اللّه تعالى: { كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا } والمتحقق به لا يظهر شيئا من أحواله بحال. ٦قوله تعالى: { فلعلك باخع نفسك على آثارهم } الآية: ٦ قال بعضهم: لا تشغل سرك بمخالفاتهم. فما عليك إلا البلاغ والهدى منا لمن نشاء. ٧قوله تعالى: { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا } الآية: ٧ قال ابن عطاء: لنبلوهم أيهم أحسن عملا، أحسن إعراضا عنها وتركا لها. وقال سهل: أيهم أحسن توكلا علينا فيها. قال أبو علي الروذباري: إن القوم لما أيقنوا أن اللّه تولى الأمور بنفسه عرف كل عاقل حقيقة ما هم فيه فاستهانوا الدنيا، واستغنوا، وأعرضوا عنها، وذلك بعدما عرفهم اللّه ذلك بقوله: { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها }. قال ابن عطاء: أيهم أقر بالعبودية قولا وفعلا. وقال فارس في قوله: أيهم أحسن عملا. قال: صدقا وقصدا ونية. وقال القاسم: أفرغ قلبا وأحسن فطنة وأهدى سمتا. وقال بعضهم: حسن العمل نسيان العامل نفسه، وعمله والفناء بالحق للحق. قال الواسطي رحمه اللّه: وعليهم حسن العمل ترك التزين به. وقال سهل: حسن العمل الاستقامة عليه بالسنة. قال القاسم: زينة الأرض الأنبياء والأولياء والعلماء الربانيون والأوتاد. وقيل: أهل المعرفة باللّه، والمحبة له، والمشتاقون إليه هم زينة الأرض ونجومها وأقمارها، وشموسها. قال سهل: إنهم أحسن عملا عنها أعراضا واجتنابا وعن الحسين في قوله: { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها } قال: هم الرجال العباد العمال للّه بالطاعة، { لنبلوهم أيهم أحسن عملا } قال: أيهم أشد لها تركا. ٨قوله تعالى: { وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا } الآية: ٨ قال الواسطي رحمه اللّه: الكون في قبضة الحق وهو هباء في جنب القدرة، وقال اللّه: { وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا }. ٩قوله تعالى: { أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا } الآية: ٩ قال الحسين: أصحاب الكهف في ظل المعرفة الأصلية لا يزايلهم بحال كذلك خفي على الخلق آثارهم. وقال ابن عطاء في قوله: { من آياتنا عجبا } سلبهم عنهم وأخذهم منهم، وحال بينهم وبين الأغيار وألجأهم إلى غار الأنس وآواهم وأمنهم ثم أفناهم عنهم وغيبهم منهم، ومن إرادتهم ومعانيهم فتاهوا في الحضرة والعين لذلك قال: { أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا }. قال الجنيد رحمه اللّه في قوله: { كانوا من آياتنا عجبا } قال: لا تعجب منهم فشأنك أعظم من شأنهم وأعظم حيث أسرى بك في ليلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وبلغ بك سدرة المنتهى وكنت في القرب كقاب قوسين أو أدنى ثم ردت عند انقضاء الليلة إلى مضجعك. وقيل بعضهم: أصحاب الكهف كالنيام لا علم لهم بوقت، ولا زمان، ولا معرفة بعمل ولا مكان إحياء موتى صراعى. مفيقون، نيام منتبهون لا إليهم سبيل ولا لهم إلى غيرهم طريق وردت عليهم خلع من خلع الهيبة، وأظلتهم ستور التعظيم وأحدقت بهم حجب العظمة واستناروا بنور العزيز الكريم، كذلك قال اللّه تعالى لنبيه صلى اللّه عليه وسلم: { لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا }. ١١قوله تعالى: { فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا } الآية: ١١ قيل: أخذنا عنهم أسماعهم حتى لا يسمعوا إلا منا، وأخذنا عنهم أبصارهم فلا ينظرون إلا إلينا، حتى لا يكون لهم إلى الغير الآفات ولا للغير فيهم نصيب بحال. قال ابن عطاء: أخرجنا منهم صفة البشرية. وأقمناهم بصفات القدوسية، قدسنا ظواهرهم، وبواطنهم وجعلناهم أسرى في القبضة ثم رددناهم إلى هياكلهم وصفاتهم بقوله: { ثم بعثناهم }. وقال أيضا: إن الفائدة في الضرب على الآذان وليس للأذنان في النوم شيء إنه ضرب على آذانهم حتى لا يسمعوا الأصوات فينتبهون ويكونوا من الخلق كلهم في راحة. ١٣قوله تعالى: { نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى } الآية: ١٣ سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم يقول: قال ابن عطاء. زدناهم هدى أي زدناهم نورا ومن يعرف قدر زيادة اللّه لذلك كانت الشمس تزاور عن كهفهم خوفا من نورهم على نورها أن يطمسه. وقال أيضا: نحن نقص عليك نبأهم بالحق لننظر إليهم بعين المشاهدة. وقال سهل: زدناهم هدى. قال: بصيرة في الإيمان. وقال: سماهم اللّه فتية لأنهم آمنوا باللّه بلا وساطة وقاموا إلى اللّه بإسقاط العلائق عنهم. وقال أبو بكر الوراق: أول قدم في الإيمان. الفتوة وهو أن لا يجري عليك التلوين لما يرد. وقال محمد بن علي الترمذي: الفتوة تصديق اللسان فيما وعد وأوعد، وهو الإيمان على الحقيقة أن لا يخالف ظاهرك وباطنك، ولا باطنك ظاهرك. وسئل أبو حفص: ما الفتوة؟ قال: أن تنظر إلى الخلق كلهم بعين الأولياء، ولا تستفتح منهم إلا ما خالف الشرع، ولا تلوم أحدا على ذنب ويجعل له في ذلك عذرا. وقال بعضهم: الفتوة أن لا تبالي إلى من أخرجت رفقك بعد أن قبله منك. وقال أبو عثمان: الفتوة اتباع الشرع والاقتداء بالسنن، وسعة الصدر، وحسن الخلق. قال اللّه: { إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى }. وقال الفضيل: الفتوة الصفح عن عثرات الإخوان. ١٤وقوله تعالى: { وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض } الآية: ١٤ قال ابن عطاء: وسمنا أسرارهم بسمة الحق، فقاموا بالحق للحق فقالوا: { ربنا } إظهار إرادة ودعوة ثم قال: { رب السماوات والأرض } رجوعا من صفاتهم بالكلية إلى صفاته وحقيقة علمه { لن ندعو من دونه إلها } لن نعتمد سواه في شيء، لو قلنا غير ذلك كان شططا يعني بعيدا من طريق الحق. وقال ابن عطاء: ربطنا على قلوبهم حتى صدقوا العهد والميثاق وأخلينا أسرارهم عما دوننا. وقال جعفر: إذ قاموا، أي: قاموا وأخلصوا في دعائنا. وقال ابن عطاء: قاموا عما كان أفقدهم من الاشتغال بالأكوان فقالوا: { ربنا رب السماوات والأرض } لم ينظروا إلى شيء دوننا ولم يسكنوا إليه. وقال جعفر: قاموا إلى الحق بالحق قيام أدب ونادوه نداء صدق وأظهروا له صحة الفقر، ولجؤوا إليه أحسن لجإ وقالوا: ربنا رب السماوات والأرض: افتخارا به وتعظيما له، فكافأهم على قيامهم الإجابة على ندائهم بأحسن جواب وألطف خطاب، وأظهر عليهم من الآيات ما يعجب منه الرسل حين قال: { لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا } الآية: ١٨ وسمعت بعض مشايخنا يستدل بهذه الآية في حركة الواجدين في وقت السماع والذكر. إن القلوب إذا كانت مربوطة بالملكوت ومحل القدس حركتها أنوار الأذكار وما يرد عليها من فنون السماع والأصل قوله تعالى: { وربطنا على قلوبهم إذ قاموا }. ١٥قوله تعالى: { فمن أظلم ممن افترى على اللّه كذبا } الآية: ١٥ قال الواسطي رحمة اللّه عليه: أن يقول ولا يعمل أو يشير إليه ثم يرجع إلى غيره. قوله تعالى: { وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين } الآية: ١٧ قال ابن عطاء: ذلك لمعنى النور الذي كان عليهم بقوله: { وزدناهم هدى } نور على نور، وبرهان على برهان، والشمس نور ولكن إذا غلب نور أقوى منها انكشفت الشمس فكانت تزيغ عن كهفهم لغلبة نورهم خوفا أن ينكشف نورها من غلبة نورهم. قال جعفر: يمين المرء قلبه، وشماله نفسه، والرعاية يدور عليهما ولولا ذلك لهلك. قال ابن عطاء: زينهم اللّه عز وجل لخلقة الرضا فكشفت الأنوار لنورهم، وخضعت لها فترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم تهرب بنورها عن أنوارهم. ١٧قوله تعالى: { من يهد اللّه فهو المهتد } الآية: ١٧ سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم البزار رحمه اللّه سمعت ابن عطاء يقول: ما حجب عن اللّه أحدا إلا من أراد أن يصل إليه بحركاته وسعيه، وما وصل إليه أحد إلا من أراد أن يصل إليه بصفته عز وتعالى. قوله تعالى: { ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا } الآية: ١٧ قال الواسطي: من جاء بأوائل الإيمان بلا علة، وبأواخره بلا علة وهذا صفات الحق لا صفات الخلق فنظرات المهتدي هو المباين من جميع أوصافه المتصف بأوصاف الحق. قال سهل: من حكم اللّه عليه بالشقاوة لم يقدر على صرف ذلك أحد عنه بحال. ١٨قوله تعالى: { وتحسبهم أيقاظا وهم رقود } الآية: ١٨ قال ابن عطاء: مقيمون في الحضرة كالنيام لا علم لهم بوقت ولا زمان ولا معرفة بمحل ولا مكان أحياء موتى صرعى مفيقون نيام منتبهون لا لهم إلى غيرهم طريق ولا لغيرهم إليهم سبيل ومحل الحضور والمشاهدة إنما هو الجمود تحت الصفات لا غير. قال أبو سعيد: هذا محل الفناء والبقاء أن يكونوا فانين بالحق باقين به، لا هم كالنيام ولا هم كالأيقاظ أوصافهم فانية عنهم وأوصاف الحق بادية عليهم وهو حيرة تحت كشف ووله مقابلة يقين. وقال أبو سعيد: هؤلاء أئمة الواحدين لما قاموا فقالوا { ربنا رب السماوات والأرض } كشف لهم حتى يتبينوا جلال القدرة وعظم الملكوت فغيبوا عن التمتع بشيء من الكون لحقيقة أحوالهم فصاروا دهشين لا أيقاظ ولا رقود. قوله تعالى: { ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال } الآية: ١٨ قال ابن عطاء: نقلبهم في حالي القبض والبسط والجمع والتفرقة جمعناهم مما تفرقوا فيه فحصلوا معنا في عين الجمع. قال بعضهم: نقلبهم من حال الفناء والبقاء والكشف والإحتجاب والتجلي والإستتار. قوله تعالى: { وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد } الآية: ١٨ قال أبو بكر الوراق: مجالسة الصالحين ومجاورتهم يؤثر على الخلق وأن لهم أن يكونوا أجناسا ألا ترى اللّه عز وعلا كيف ذكر عن أصحاب الكهف فذكر كلبهم معهم لمجاورتهم إياهم. قوله تعالى: { آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا } الآية: ١٠ قال سهل بن عبد اللّه رحمه اللّه: ارزقنا ذكرك وشكرك على جميع الأحوال فهو جل رحمة من عندك، وسهل لنا سبيل التوفيق فهو أرشد الطرق قوله تعالى: { لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا } الآية: ١٨ قال جعفر: لو اطلعت عليهم من حيث أنت لوليت منهم فرارا، ولو اطلعت عليهم من حيث الحق لشاهدت فيهم معاني الوحدانية والربانية. وقال ابن عطاء رحمه اللّه: لو اطلعت عليهم أتى على الأكوان بما فيها { لوليت منهم فرارا } لصرفت البصر عنهم تبرما بهم فإنك مطالع لنا، ومطالع منا. وقال ابن عطاء في هذه الآية: إنه وردت عليهم أنوار الحق من فتون الخلع، وأظلتهم سرادقات التعظيم وأحدقت بهم جلابيب الهيبة لذلك قال لنبيه صلى اللّه عليه وسلم: { لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا }. وقال الحسين في قوله: لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا. قال: أنفة مما هم فيه من إظهار الأحوال عليهم وقهر الأحوال لهم مع مشاهدته من عظيم المحل في القرب والمشاهدة فلم يؤثر عليك لجلالة محلك. وقال جعفر: لو اطلعت على ما بهم من آثار قدرتنا ورعايتنا لهم وتولية حياطتهم لوليت منهم فرارا. أي ما قدرت على الثبات لمشاهدة ما بهم من هيبتنا فيكون حقيقة الفرار منا لا منهم لأن ما يرى عليهم منا. وقال أيضا: لو اطلعت عليهم من حيث أنت. لفررت ولو اطلعت عليهم من حيث أنا لوقفت وذلك أن الولي له من اللّه أحوال على قدر مشاهدته من نظر إليه من عند نفسه من ضعف البشرية يفر من رؤيتهم وقد فر النبي صلى اللّه عليه وسلم من الكفار. قال بعضهم: حين سئل عن الفرق بين أنوار هدايته وأنوار الملائكة؟ فقال: أنوار الملائكة أنوار كراماته وأنوار بني آدم أنوار هدايته وهو نور ظاهر وباطن لذلك وقعت هيبته أكبر فقال: لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا. ولم يكن من أنوار الملائكة عند الحجب فرارا كفرار الشيطان من عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه. ١٩قوله تعالى: { قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم } الآية: ١٩ قال ابن عطاء: مقام المحب مع الحبيب وإن طال فإنه قصير عنده إذ لا يفضى من حبيبه وطرا ولو مكث دوام الدهر فإن انتهاء شوقه إليه كالإبتداء فانتهاؤه فيه ابتداؤه وأنشد: (لا أظلم الليل ولا ادعى * أن نجوم الليل ليست ثغور * (ليلى كما شاءت فإن لم تجد * طالت وإن جادت فليلى قصير * قوله تعالى: { فليأتكم برزق منه وليتلطف } الآية: ١٩ سمعت جعفر بن أحمد الرازي يقول: أوصى يوسف بن الحسين بعض أصحابه فقال: إذا حملت إلى الفقراء أو أهل المعرفة شيئا واشتريت لهم طعاما فليكن لطيفا، فإن اللّه وصف أصحاب الكهف حين بعثوا من يشتري لهم طعاما قالوا: وليتلطف وإذا اشتريت للزهاد والعباد. فاشتر كل ما تجده فإنهم بعد في تذليل أنفسهم ومنعها من الشهوات. ٢١سمعت أبا عثمان المعزي يقول: إرفاق العارفين باللطف وإرفاق المريدين بالعنف. قوله تعالى: { ربهم أعلم بهم } الآية: ٢١ قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه وعلى جماعتهم في قوله: ربهم أعلم بهم: حيث اظهر عليهم عجائب صنعه وجعلهم أحد شواهد عزته، وجعلهم بالمحل الذي خاطب به النبي صلى اللّه عليه وسلم فيهم. فقال: { لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا }. ٢٣قوله تعالى: { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا } الآية: ٢٣ لم يطلق لرسوله صلى اللّه عليه وسلم أن يخبر عن الحق إلا بما اخبره الحق، ولم يأذن له في الإخبار عن نفسه إلا عن مشيئة ربه فقال: { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء اللّه }. ٢٤قوله تعالى: { واذكر ربك إذا نسيت } الآية: ٢٤ قال ابن عطاء: إذا نسيت نفسك والخلق، فاذكرني فإن الأذكار لا تمازج ذكرى قيل له: كيف بنا نفسه وخلقه؟ فقال: يرى أولهم هو ويرى آخرهم هو ويرى أنهم بلاهم حتى يكون ناسيا للخلق والنفس من ذكرهم إياه. قال الواسطي رحمه اللّه: إذا نسيت ذكرى بي فاذكرني. قال جعفر: إذا نسيت الأغيار فتقرب إلي بالأذكار. قال الجنيد رحمه اللّه: الذكر فناء الذاكر فيه، والذكر في مشاهدة المذكور. سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم يقول: قال ابن عطاء في قوله: { واذكر ربك إذا نسيت } إذا انقطعت علائق الاتصال وبقيت الانفصال عن مشاهدة الأعواض حينئذ ذكرته بحقيقة ذكره. وقال الشبلي رحمه اللّه في قوله: { واذكر ربك }: ما هذا خطاب أهل الحقيقة وأنى ينسى المحق الحق فيذكره بل يذكره حياته وكونه وأنشد: (لا لأني أنساك أكثر ذكراك * ولكن بذاك يجري لساني * وقال بعضهم في هذه الآية: تب إلى ربك إذا عصيت. وقال ابن عطاء: نسيان الأكابر إذا ورد المحق عليهم بحضوره. قال الجنيد رحمه اللّه: حقيقة الذكر الفناء بالمذكور عن الذكر لذلك قال اللّه تعالى: { واذكر ربك إذا نسيت } أي إذا نسيت الذكر يكون المذكور صفتك. ٢٨قوله تعالى: { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم } الآية: ٢٨ قال ذو النون رحمه اللّه: أمر اللّه تعالى الأغنياء بمجالسة الفقراء والصبر معهم والاستنان بسنتهم. قال اللّه تعالى: { واصبر نفسك } الآية. قال عمرو المكي: صحبة الصالحين والفقراء الصادقين عين أهل الجنة يتقلب من الرضا إلى اليقين ومن اليقين إلى الرضا. قال إبراهيم بن شيبان: فتوة أهل المعرفة دوام الاصطبار في حصن الاضطرار مع أهل الصبر. وقال ابن عطاء: خاطب اللّه تعالى نبيه صلى اللّه عليه وسلم وعاتبه أنبه وقال له: اصبر على من صبر علينا بنفسه، وقلبه، وروحه، وهم الذين لا يفارقون محل الاختصاص من الحضرة بكرة وعشيا فحق لمن لم يفارق حضرتنا أن نصير عليه فلا يفارقه. قوله تعالى: { ولا تعد عيناك عنهم } الآية: ٢٨ قال الواسطي لا تعد عيناك عنهم إلى غيرهم فإنهم لا تعدو أعينهم مني طرفة عين. قوله تعالى: { وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا } الآية: ٢٤ قال الجنيد رحمه اللّه في هذه الآية: إن فوق الذكر منزلة هو أقرب رشدا ذكره له، وهو تجريد النعوت بذكره لك قبل أن يسبق إلى اللّه بذكره. قوله تعالى: { ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا } الآية: ٢٨ قال القاسم: الغفلة غفلتان: غفلة نعمة، وغفلة عقوبة، فغفلة النعمة هي الرحمة التي فيها البقاء ولولا هي ما سكنت القلوب، ولا نامت العيون، ولا هدأت الجوارح، ولذابت الأرواح وبطلت الأجساد وانقلب الزمان والغفلة التي هي عقوبة فهي غفلة الإنسان عن ذكر ربه ونترك مراعاة أحواله مع اللّه بأن عليه رقيبا من ربه بل ربه الرقيب عليه فهذه غفلة عقوبة. وسئل أبو عثمان: عن الغفلة؟ فقال: إهمال ما أمرت به ونسيان تواتر نعم اللّه عندك. وقال بعضهم: الغفلة متابعة النفس على ما تشتهيها. قال بعضهم: الغفلة عقوبة القلب، وهوحجابه عن المنعم. وقال الجوزجاني: الغفلة هي طول الأمل. وقال النوري: الغفلة سكون السر إلى شيء سوى الحق. وقال ابن الجلاء: الغفلة ما يورثك الفترة. وقال سهل: الغفلة: إبطال الوقت بالبطالة. ٢٩قوله تعالى: { وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } الآية: ٢٩ قال ابن عطاء: أظهر الحق للخلق، سبل الحق وطرق الحقيقة فمن سألك فيه بالتوفيق، ومعرض عنه بالخذلان وهذا قوله: { وقل الحق من ربكم } فمن سأله الحق الهداية هداه بطريق الإيمان ومن شاء اللّه له الإضلال سلك به مسلك الكفر وهو الضلال البعيد. ٣٠قوله تعالى: { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا } الآية: ٣٠ قال جعفر: إن الذين صدقوا اللّه في الأرزاق والكفايات وطلبوا الرزق من وجهه الذي أباح اللّه طلبه فإن اللّه لا يضيع سعيهم في طلب مرضاته ويسهل عليهم سبيل التوكل ليستغنوا بذلك عن الطلب والحركة ويخرجهم من ضيق الطلب إلى فسحة التوكل. قال بعضهم: من صدق الإخلاص في إعماله فأولئك الذين لا نضيع سعيهم وحركتهم. قال اللّه تعالى: { إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا }. ٣١قوله تعالى: { متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب } الآية: ٣١ قال ابن عطاء: على أرائك الأنس في رياض القدس وصفتها: إنها لذات منقضية تعقب حسرات دائمة وسرور حاضر يورث حزنا مؤبدا والعالم بها هو المعرض عنها والجاهل لحقيقتها هو المتخبط فيها. ٣٦قوله تعالى: { المال والبنون زينة الحياة الدنيا } الآية: ٤٦ قال بعضهم: المألوفات من الأهل والمال. والأولاد كلها من زينة الحياة الدنيا، والنفس تألفها أبدا، ومألوف الروح التوكل والطمأنينة والثقة واليقين. قال بعضهم: لا ينجو من زينة الحياة الدنيا إلا من كان باطنه مزينا بأنوار المعرفة وضياء المحبة، ولمعان الشوق وظاهره مزينا بآداب الخدمة وشرف الهمة وعلو النفس فتقلب القدس في مجال القرب وميادين الرحمة مشرفين على بساتين الوصلة يشاهدون مليكهم في كل حال. قوله تعالى: { ولم تظلم منه شيئا } الآية: ٣٣ قال السياري: لم تنقص منه شيئا وأي نصيب للخلق عنده وأي حق لهم قبله. ٤٤قوله تعالى: { هنالك الولاية للّه الحق } الآية: ٤٤ قال الواسطي رحمه اللّه وعلى المشايخ أجمعين: من تولاه اللّه بالحقيقة فهو الولي ومن ولاه فهو الوالي قال اللّه تعالى: { هنالك الولاية للّه الحق }. ٤٥قوله تعالى: { واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء } الآية: ٤٥ قال محمد بن الفضل: الدنيا شقيقة النفس وقرينتها وهي مائلة إليها في كل الأوقات وصفتها فتقلب زينة باطنه زينة حب الدنيا شوقا منه إلى ربه وتغلب زينة ظاهره زينة الدنيا لا زينته أزين من زينة الدنيا. ٤٦قوله تعالى: { والباقيات الصالحات خير عند ربك } الآية: ٤٦ قال ابن عطاء في قوله: الباقيات الصالحات. قال: هي الأعمال الخالصة والنيات الصادقة وكل ما أريد به وجه اللّه هو الصدق. قال جعفر الصادق: الباقيات الصالحات هو التوحيد فإنه باق بقاء الموحد. وقال يحيى بن معاذ: الباقيات الصالحات هي نصيحة الخلق. ٤٧قوله تعالى: { ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة } الآية: ٤٧ قال ابن عطاء: دل بهذه الآية على إظهار جبروته وتمام قدرته وعظيم عزته لذلك الموقف ويصلح سريرته وعلانيته لخطاب ذلك المشهد وحوله. ٤٩قوله تعالى: { ووجدوا ما عملوا حاضرا } الآية: ٤٩ قال أبو حفص: أشد آية في القرآن على قلبي قوله: { ووجدوا ما عملوا حاضرا } إن نظروا إلى المخالفات كان فيها الهلاك وإن نظروا إلى الموافقات ووجدوها مستوية بالرياء والسمعة والشهوات فخوف أهل اليقظة من الموافقات أكثر من خوفهم من المخالفات لأن المخالفات في مقابلة العفو والشفاعة وسوء الأدب في الموافقة أصعب وأكثر خطرا، ولو لم يكن فيه إلا المطالبة بصدق ذلك قال اللّه عز وجل: { يسأل الصادقين عن صدقهم }. ٥٠قوله تعالى: { أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني } الآية: ٥٠ قال يحيى بن معاذ: لا يكون وليا للّه ولا يبلغ مقام الولاية من نظر إلى شيء دون اللّه، أو اعتمد سواه ولم يميز بين من يعاديه ويواليه، وحال إقباله من حال إدباره. قال اللّه تعالى: { أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو }. قال الحسن: خاطبك الحق تعالى أحسن خطاب ودعاك إلى نفسه بألطف دعاء بقوله: { أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني }. ٥١قوله تعالى: { ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم } الآية: ٥١ قال أبو سعيد الخراز: لقد عجزت الخليقة أن يدرك بعض صفات ذاتها في ذاتها، وتدري كيف كنهها في أنفسها. قال اللّه تعالى: { ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم } فلم يملك اللّه الخليقة عن تحري علم أنفسها في أنفسها فكيف تدرك شيئا من صفات مالكها. ٥٥قوله تعالى: { وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى } الآية: ٥٥ قال سهل: جاءهم الهدى ولكن طرق الهداية كانت مسدودة عليهم فمنعهم عن الهدى والإيمان الحكم الجاري عليهم في الأزل. ٥٧قوله تعالى: { ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها } الآية: ٥٧ قال ابن عطاء: من أجهل ممن تبين له الحق فلم يقبله. وقال بعضهم: أحق الناس تسمية بالظلم من يرى الآيات ولا يعتبر بها، ويرى طرق الخير فيعرض عنها، ويرى مواقع الشر فيتبعها ولا يجتنب منها. ٥٩قوله تعالى: { وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا } الآية: ٥٩ قال أبو بكر بن طاهر: لما لم يشكروا نعم اللّه عليهم ولم يقابل البلاء بالصبر والرضا. قال الواسطي في قوله: { أهلكناهم لما ظلموا }: قال: وكلناهم إلى سؤتك بيسرهم حين سخطوا حسن اختيارنا لهم. ٦٥قوله عز وجل: { فوجدا عبدا من عبادنا } الآية: ٦٥ قال الجنيد رحمه اللّه: العبودية خارجة من الأفعال والأحوال ولكنها موجودة تحت الخفيات. قال الواسطي رحمه اللّه: إضافات من أراد أن ينسى النعوت لا تصل إليه بالعبادات والإشارات ألجأ موسى إلى الخضر صلى اللّه عليهما ليريه صدق الفاقة لئلا يقول: أنا عند نظرة إلى اللّه وإلى الناس، لأن الخضر شاهد أنوار الملك وشاهد موسى الواسطات. قال النبي صلى اللّه عليه وسلم لابن عباس: ' إذا سألت فاسأل اللّه '. فأخبر الخضر موسى أن السؤال من الناس هو السؤال من اللّه، فقال: لا تغضب من المنع حين أبوا أن يضيفوهما. قوله عز وجل: { وعلمناه من لدنا علما } الآية: ٦٥ قال ذو النون: العلم اللدني هو الذي يحكم على الخلق بمواقع التوفيق والخذلان. سمعت محمد بن عبد اللّه يقول: سمعت يوسف بن الحسن يقول: سمعت ذا النون رحمه اللّه يقول: إن اللّه بسط العلم ولم يقبضه ودعا الخلق إليه من طرق كثيرة، ولكل طريق منها علم مفرد، ودليل واضح فتلك الأدلة يدلون على المناهل، وبنور ذلك العلم وتلك الأعلام يهتدون ولكل أهل طريق منها علم فهو بعلمهم مستعملون، ومتى ضلوا في طرق هذه العلوم أو أخطؤوا فإن صاحب العلم اللدني يردهم إلى المحجة. قال اللّه تعالى: { وعلمناه من لدنا علما } الآية: ٦٥ . ليكون ذلك لعلماء الوسائط. قال ابن عطاء: في قوله: { وعلمناه من لدنا علما } قال بلا واسطة المكشوف، ولا بتلقين الحروف لكنه الملقى إليه بمشاهدة الأرواح. قال فارس: العلم اللدني ما وقع على حسه بالاستيفاء بلا واسطة. قال الحسين: العلم اللدني إلهام أخلد الحق الأسرار فلم يملكها الانصراف. قال الهيثم: علم الاستنباط بكلفة ووسائط، وعلم اللدني بلا كلفة ولا واسطة. قال الجنيد رحمه اللّه: العلم اللدني ما كان محكما على رسوله من غير ظن فيه ولا خلاف واقع لكنه مكاشفات الأنوار عن مكنون المغيبات وذلك يقع للعبد إذا لزم جوارحه عن جميع المخالفات وأفنى حركاته كل الإيرادات وكان شيخا بين يدي الحق بلا تمن ولا مراد. ٦٦قوله تعالى: { قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا } الآية: ٦٦ قال فارس: إن موسى كان أعلم من الخضر فيما أخذ عن اللّه، وكان الخضر أعلم من موسى فيما دفع إليه موسى عليهما السلام. وقال أيضا: إن موسى مبقى عليه صفته ليأخذ الغير عن أدبه فمن انقطع عن الرياض كان على حسب العصمة والتمكين فيه، والخضر كان فانيا مستهلكا والمستهلك لا حكم له، وموسى كان باقيا بالحق. والخضر كان فانيا بالحق ولا فرق بينهما لأنهما من معدن واحد كليهما. ٦٧٦٨ ، قوله تعالى: { إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر } الآية: ٦٧ قال جعفر: لن تصبر مع من هو دونك فكيف تصبر مع من هو فوقك. قال الواسطي رحمه اللّه: قال الخضر لموسى: كيف تعنى التأديب والمجاهدة من لا يعرف مصادرها ومواردها. سمعت أبا عثمان المغربي يقول: إنما أتى الناس من قبل أنهم لا يعرفون مقامهم مع اللّه، وإنما اشتغلوا بالعلوم والأعمال. قال اللّه: { أفمن كان على بينة من ربه }. والبينة هي الكشف عن مراد الحق فيه، فإذا عرف مراده فيه استراح واطمأن وسكن، ومن ذلك أن يبدي له علم مجاري أحكامه قبل أن يجري عليه فإذا جرت ٦٨الأحكام عليه يصبر ولا يبت، كما قال الخضر لموسى صلى اللّه عليهما { وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا } الآية: ٦٨ أي لو أحطت به خبرا لصبرت ولكن ستر عنك محل هذا العلم لموضع التأديب والتهذيب لذلك قيل إن من عرف علم ما يجري عليه صبر على أحكامه لعلمه بما يراد منه. قال ابن عطاء في هذه الآية: { إنك لن تستطيع معي صبرا }. قال: كره صحبة المخلوقين فآيسه مع صحبته بقوله: { إنك لن تستطيع معي صبرا } لعله يفارقه بهذه اللفظة فإن من وجد اللّه صاحبا استوحش مما سواه. وقال بعضهم: قال الخضر لموسى: { إنك لن تستطيع معي صبرا } ثم لم يصبر معه الخضر بقوله: { هذا فراق بيني وبينك } الآية: ٧٨ ليعلم أنه ليس لولي أن يتفرس في نبي. ٦٩قوله تعالى: { ستجدني إن شاء اللّه صابرا } الآية: ٦٩ قال فارس: موسى استثنى على نفسه بقوله ستجدني إن شاء اللّه صابرا ولم يستثن الخضر على موسى بقوله: { إنك لن تستطيع معي صبرا }. قال لأن علم موسى في ذلك الوقت علم تكليف واستدلال، وعلم الخضر علم لدني من غيب إلى غيب. وقال أيضا: إن موسى كان على مقام التأديب، والخضر قائم مقام الكشف والمشاهدة لما جعل مؤدبا له. ٧٠قوله عز وجل: { فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء } الآية: ٧٠ سمع أبا عثمان المغربي يقول: ليس للمتبع أن يسأل، ويبتدئ بالسؤال إذا كان المتبع من أهل الأشراف ولكنه يتلقى بإشرافه عليه تأديبه له في وقت الأدب ألا ترى كيف قال الخضر لموسى { فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء }. قال الحضري: علم الخضر لموسى قصور علمه عن محل سؤال موسى وإنه ألجأ إليه للتأديب لا للتعليم فقال له: { فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء } لأن علمك أعلى وأتم. وإنما ألجئت إلي للتأديب لا للتعليم في حال من الأحوال. ٧٧قوله: { لو شئت لاتخذت عليه أجرا } الآية: ٧٧ قال القاسم: لما قال موسى هذا القول: وقف ظبي بينهما وهما جائعان من جانب موسى غير مشوي ومن جانب الخضر مشوي لأن الخضر أقام الجدار بغير طمع، وموسى رده إلى الطمع. قال ابن عطاء: رؤية العمل وطلب الثواب به يبطل العمل ألا ترى الكليم لما قال للخضر عليها السلام { لو شئت لاتخذت عليه أجرا } كيف فارقه. وقال الجنيد رحمه اللّه: إذا أورده بظلم الأطماع على القلوب حجبت النفوس عن نظرها في بواطن الحكم. ٧٨قوله تعالى: { هذا فراق بيني وبينك } الآية: ٧٨ قال النصرآباذي: لما علم الخضر بانتهاء علمه وبلوغ موسى إلى منتهى التأديب قال: { هذا فراق بيني وبينك } لئلا يسأل موسى بعده عن علم أو حال فيفتضح قوله تعالى: { فأبوا أن يضيفوهما } الآية: ٧٧ قال الواسطي رحمه اللّه: الخضر شاهد أنوار الملك وموسى شاهد الوسائط، وكان الخضر أخبر موسى أن السؤال من الناس هو السؤال من اللّه فلا تغضب عند المنع، فإن المانع والمعطي واحد فلا تشهد الأسباب واشهد المسبب تسترح من هواجس النفس. ٨٤قوله تعالى ذكره: { إنا مكنا له في الأرض } الآية: ٨٤ قال ابن عطاء: جعلنا الدنيا طوع يده، فإذا أراد طويت له الأرض، وإذا أحب انقلبت له الأعيان، وإذا شاء مشى على الماء وإذا هوى طار في الهواء وكذا من أخلص لنا مكناه من مملكتنا يتقلب فيها حيث يشاء ممن كان للملك كان الملك له. قوله تعالى ذكره: { وآتيناه من كل شيء سببا } الآية: ٨٤ قال جعفر: إن اللّه عز وجل جعل لكل شيء سببا، وجعل الأسباب معاني الوجود فمن شهد السبب انقطع عن المسبب، ومن شهد صنع المسبب امتلأ قلبه من دنيا الأسباب وإذا متلأ قلبه من الريبة حال بينه وبين الملاحظة وحجبه عن المشاهدة. قوله تعالى: { فأردت }، { فأردنا }، { فأراد ربك }. سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم يقول: قال ابن عطاء: لما قال الخضر: فأردت أوصى إليه في السر من أنت حتى تكون لك إرادة فقال في الثانية: فأردنا فأوصى إليه في السر من أنت ومن موسى حتى يكون لكما إرادة فرجع وقال: { فأراد ربك }. وسمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم: يقول: قال ابن عطاء: أما قوله: ' فأردت ' قال: شفقة على الخلق، وقوله: ' فأردنا ' رحمة، وقوله: ' فأراد ربك ' رجوعا إلى الحقيقة. وقال الحسين: في قوله: ' أردت وأردنا وأراد ربك '. المقام الأول: استيلاء الحق، والمقام الثاني: مكالمة مع العبد والمقام الثالث: رجوع إلى باطن الغلبة في الظاهر فصار به باطن الباطن ظاهر الظاهر من غيب الغيب، وعيان العيان غيب الغيب، كما أن القرب من الشيء بالنفوس هو العبد والقرب منها بها وهو القرب. ٨٨قوله عز وجل: { وأما من ءامن وعمل صالحا } الآية: ٨٨ قال ابن عطاء: من صدق الموعود وأحسن اتباع أوامر ربه فله جزاء الحسنى وهو أن يرزقه الرضا بالقضاء والصبر على البلاء، والشكر على النعمة وينزع من قلبه حب الشهوات والدنيا، ووسواس النفس والشيطان. ١٠١قوله تعالى ذكره: { الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري } الآية: ١٠١ قال ابن عطاء: أعين نفوسهم في غطاء عن نظر الاعتبار، وأعين قلوبهم في غطاء عن مشاهدة العيان في الملكوت، فإذا فتحت عين قلبه بالمشاهدة فتحت عين رأيه بنظر الاعتبار. قوله تعالى: { وكانوا لا يستطيعون سمعا } الآية: ١٠١ قال ابن عطاء: لا يستطيعون سمعا لأن آذانهم مسدودة عن السماع الحق، ومن لم يفتح له من قلبه سمع السماع كيف يسمع بظاهر سمعه وهو تبع لسمع قلبه. وقال جعفر الصادق رحمه اللّه: لا يستطيعون سماع كلام الحق، ولا سماع سنن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم، ولا سماع سير الهداة الصالحين من الأنبياء والصديقين لأنهم لم يجعلوا من أهل القبول للحق فمنعوا سماع خطاب الحق. ١٠٣-١٠٤قوله تعالى: { قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا } ١٠٤ - الآية: ١٠٣ قال أبو بكر الوراق: حين سئل عن هذه الآية قال: هو الذي يبطل معروفه في الدنيا مع أهلها بالمنة وطلب الشكر على ذلك، ويبطل طاعاته بالرياء والسمعة. ١٠٧قوله تعالى ذكره { إن الذين آمنوا وعلموا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا } الآية: ١٠٧ قال أبو بكر الوراق: من أنزل نفسه في الدنيا منزل الصادقين أنزله اللّه في الآخرة منزلة المقربين. قال اللّه تعالى: { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا }. وقال الحسين: من نظر إلى العمل حجب عمن عمل له ومن نظر إلى من عمل له العمل حجب عن رؤية العمل. سمعت محمد بن عبد اللّه يقول: سمعت يوسف بن الحسين يقول: سمعت ذا النون رحمه اللّه يقول: مثل المؤمن كالأرض تطيق حمل كل شيء، وكالمطر إذا سقط سقى كل شيء أراد أو لم يرد ١٠٨قوله تعالى: { خالدين فيها لا يبغون عنها حولا } الآية: ١٠٨ قال ابن عطاء: منعمين فيها نعيم الأبد بنقلبون في مجاورته، ويفرحون بمرضاته، قد آمنوا كل مخوف ووصلوا إلى كل محبوب فلا يشتهون شيئا إلا وجدوه كيف يطلبون عنه تحويلا. ١٠٩قوله تعالى: { قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي } الآية: ١٠٩ قال الحسين: مقياس العدم في الوجود في معنى وجوده. فأما خاص الخاص من كلامه، وما لا يوصف أكثر مما قد أشير إليه، وإنما يذكر الناس ما بغيرهم معاني العبودية من عمل، وثواب، وعقاب، ووعد، ووعيد على حسب ما تحتمله عقولهم، فأما الكمال من فائدة الكلام، فالأنبياء والأولياء والأصفياء. ١١٠قوله تعالى: { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا } الآية: ١١٠ قال الأنطاكي: من خاف المقام بين يدي اللّه فليعمل عملا يصلح للعرض عليه. قال يحيى بن معاذ: العمل الصالح ما يصلح أن يلقى اللّه به ويستحى منه في ذلك. قال ذو النون رحمه اللّه وعلى المشايخ أجمعين: العمل الصالح هو الخالص من الرياء. وقال أبو عبد اللّه القرشي: العمل الصالح الذي ليس للنفس إليه التفات ولا به طلب ثواب وجزاء. وقال سهل: العمل الصالح المقيد بالشيء. قوله تعالى: { ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } الآية: ١١٠ قال الأنطاكي: لا يرائي بطاعته أحدا. وقال جعفر: لا يرى في وقت وقوفه بين يدي ربه غيره ولا يكون في همه وهمته سواه. ذكر ما قيل في سورة مريم |
﴿ ٠ ﴾