سورة مريمبسم اللّه الرحمن الرحيم ١قوله تعالى: { كهيعص } الآية: ١ قال إبراهيم بن شيبان: كهيعص: أما الكاف فاللّه الكافي لخلقه، والهاء فاللّه الهادي لخلقه، والياء يد اللّه على الخلقة بالعطف والرزق والعين فاللّه أعلم بما يصلهم، والصاد فاللّه صادق وعده. وقال ابن عطاء: في قوله عز وجل: { كهيعص } قال كاف بالانتقام من أعدائه، هاد لمن اخلص في عمله، عليم بحال من أشرك ومن لم يشرك، صادق في عذابه وثوابه وعقابه ووعده ووعيده. ٢قوله تعالى: { ذكر رحمت ربك } الآية: ٢ قال ابن عطاء: ذكر اختصاص زكريا بالرحمة، وإن كانت رحمته قد وصلت إلى الأنبياء فخص زكريا من بينهم بألطف رحمة وهو أن وهب له يحيى الذي لم يعص ولم يهم بمعصية فهذا هو محل اختصاصه. وقال أيضا: رحمة لزكريا إجابة دعوته وإيصاله إلى سؤله ومراده. ٣قوله عز وجل: { إذ نادى ربه نداء خفيا } الآية: ٣ قال ابن عطاء: أخفى نداءه عن الخلق وعن نفسه، وأظهر النداء لمن يجيبه ويقدر على إجابته وفائدة إخفائه عن النداء الخلق وعن النفس لئلا يدخله تلوين. وقال بعضهم في قوله: { إذ نادى ربه نداء خفيا }. قال: خفيا في الذكرعن الذكر، ومن ذي قيل: إذا أذهلتك العظمة خرس قلبك ولسانك عن الذكر. وقيل: حقيقة الذكر ما يندرج فيه الذاكر. ٤قوله تعالى: { رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا } الآية: ٤ قال ابن عطاء: قام مقام معتذر لما وجد في نفسه من فترة العبادة لكبر السن فسأل اللّه من يعينه على عبادة ربه وينوب عنه فيما عجز عنه من أنواع العبادة ما نابه؟ فقال: واجعله رب رضيا: ترضاه لخدمتك وتستخلصه لعبادتك. قوله عز وجل: { ولم أكن بدعائك رب شقيا } الآية: ٤ قال ابن عطاء: كيف يشقى من إليه مرجعه وإياه دعاؤه، وبه قوته، وعليه توكله، ومنه تأييده ونصرته؟ قال - اللّه: { ولم أكن بدعائك رب شقيا }. ٥-٦قوله عز وجل: { فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب } الآية: ٥ ٦ - قال ابن عطاء: هب لي من لدنك وليا أي: ولدا يرث مني النبوة، ويرث من آل يعقوب الأخلاق. قال أبو الحارس الأولاسي: سؤال الأنبياء لا يكون إلا بإذن أو عن إذن. قال بعضهم: هب لي من لدنك وليا: أي ولدا يكون ناصرا لي ومعينا على خدمتك يرثني أي يرث مني صحبة الفقراء، ومجالستهم، والميل إليهم والاعتزاز بهم فإنها كانت أخلاق الأنبياء والمرسلين، ويرث من آل يعقوب: السخاء والكرم والصبر على النوائب والرضا بالمقدور. قوله تعالى: { واجعله رب رضيا } الآية: ٦ قال ابن عطاء: ترضى منه أخلاق الظاهر، وترضيه عنك في الباطن. قال جعفر: رضيا: أي راضيا بما يبدو له وعليه. قال أبو بكر الواسطي: { رضيا }: مستقيم الظاهر والباطن لا ينازعك في مقدور، ولا يخالفك في قضاء ساكنا عند بوادي ما يبدو من الغيب ساء أم سر. قال بعضهم في قوله: { واجعله رب رضيا }. قال: تجعله ممن قد رضيت عنه فأرضيته. ٧قوله تعالى: { يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى } الآية: ٧ قال الصبيح: سماه يحيى، وقال: { لم نجعل له من قبل سميا } افتتح اسمه بالياء وختمه بالياء وتوسط بين اليائين حاء الحنانية، فاسمه في الخط مرسوم موجه يقرأ من أوله إلى آخره، ومن آخره إلى أوله. فياء الأول توفيق وياء الاخر تحقيق، فلذلك لم يعص ولم يهم بمعصية. قال الجنيد رحمه اللّه: سمى يحيى ولم يكن له من قبل سميا لأن يحيى من يحيى بالطاعة والموافقة ولا يموت بالذنب والمخالفة، وكل من كان هذا صفته ونعته لم يجز عليه وسم الخلاف ولا لسان الذم بحال بل كان محمود السيرة من مبدأ أمره إلى منتهاه لذلك قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: ' ما أحد من الخلق إلا أخطأ أو هم بخطيئة إلا يحيى بن زكريا فإنه ما أخطأ ولا هم '. ٩قوله تعالى: { وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا } الآية: ٩ قال الواسطي: قدرتك من قبل ولم تك موجودا. وقال: المقادير صرحت معانيها وكشفت عن أوقاتها. وقال في قوله: { وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا }. قال: أنت في حال وجودك كانت في حال عدمك عندنا لا تحدث لنا في عدمك ووجودك بحاله لم تكن لا للأشياء ثابتة في حالة وجودها ولا هي بانية في عدمها إذ وجودها وعدمها عند الخلق، والإثبات لشيء بإزائه. قوله تعالى: { قال رب أنى يكون لي غلام } الآية: ٨ قال جعفر: استقبل النعمة بالشكر قبل حلولها، أنى يكون لي غلام، بأي يد، وبأي عمل، وأي طاعة استوجبت منك هذه الإجابة وهذا الفضل والكرم بسابق تفضيلك ونعمك على عبادك في جميع الأحوال فإن آيست من عملي فلا آيس من فضلك. سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا علي الروذباري يقول: غاية الرجاء في غاية الإياس وهو قصه زكريا حين قال: { أنى يكون لي غلام } فولد له مثل يحيى. ١٢قوله تعالى: { يا يحيى خذ الكتاب بقوة } الآية: ١٢ قال الواسطي رحمه اللّه: خذه بقوة قلبك وثقة بربك لا بسجود وبكاء وتضرع، وهذا دليل أنه أكرم من شاء بغير علة وأهان من شاء بغير علة. قوله: { وآتيناه الحكم صبيا } الآية: ١٢ قال ابن عطاء: الحكم المعرفة. قال جعفر: التوفيق لاستعمال آداب الخدمة. قال الحسين: كان روح يحيى معجونا بأنوار المشاهدة ونفسه معجونة بآداب العبودية والمجاهدة لذلك قال له ربه تعالى: { وآتيناه الحكم صبيا }. وقال ابن عطاء: الحكم المعرفة. قال بعضهم: الحكم إصابة الحق في الأقوال والأفعال والأحوال. قال يوسف بن الحسين: في قوله: { وآتيناه الحكم صبيا } أوتي يحيى عليه السلام حكما على الغيب وفراسة صادقة لا يخالطها ريب ولا شك. ١٣قوله تعالى: { وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا } الآية: ١٣ قال الواسطي رحمه اللّه: ذلك الذي أوجب له الانبساط والدلال. وقال سهل: رحمة من عندنا وطهرة طهرناه بها من ظنون الخلق فيه وكان تقيا معرض عما سوانا مقبل علينا. ١٥قوله تعالى: { وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا } الآية: ١٥ سمعت منصور بن عبد اللّه الهروي يقول: سمعت أبا بكر بن طاهر يقول: في قوله: وسلام عليه } تحية ربه له وأمان له من كل محذور، واتصال العصمة به إلى الممات، وقوله: { وسلام علي يوم ولدت } من ثنائه على نفسه أنطقه بلسانه وهو لأعذب في العلم وأرق في اللطف. قال الواسطي رحمه اللّه: سلام في طرفي حياته وموته من جريان مخالفة عليه بقوله: { وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا }. ١٧قوله تعالى: { فأرسلنا إليها روحنا } الآية: ١٧ قال ابن عطاء: نورا منا ألقيناه عليها وخصصناها به فأثرا النور فيه أثره فأخرج من ضياء نتائج ذلك النور عيسى روح اللّه عليه السلام. ٢١قوله تعالى: { ولنجعله آية للناس ورحمة منا } الآية: ٢١ قال أبو بكر بن طاهر: في هذه الآية علامة دالة على تصحيح الربوبية ورحمة لمن أمن به ولم يدع فيه ما يدعيه لنفسه. وقال أيضا: برحمته نجا أمما من الكفر، وبرحمته أهلك أمما بالكفر، قال اللّه تعالى لعيسى: { ورحمة منا } وبتلك الرحمة، أهلكت الخلق حتى قالوا ثالث ثلاثة، وحتى قال اليهود والنصارى فيه ما قالوا. ٢٣قوله تعالى: { يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا } الآية: ٢٣ قال ابن عطاء: لما رأت قومها قد أثموا في أمرها رجعت باللائمة على نفسها وقالت: { يا ليتني مت قبل هذا }. وقال جعفر: لما لم تر في قومها موفقا ولا رشيدا ولا صاحب فراسة يبرئها من قولهم قالت يا ليتني مت قبل أن أرى في قومي ما أرى وقيل يا ليتني مت قبل أن تظهر فيهم آية أكون أنا سببها. وقال جعفر: يا ليتني مت قبل أن أرى لقلبي متعلقا غير معتدا دون اللّه. وقال بعضهم: { يا ليتني مت قبل هذا } أي يا ليتني مت في أيام كفاية التوكل قبل أن رددت إلى عناية الطلب بقوله { هزي إليك }. ٢٥قوله تعالى: { وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا } الآية: ٢٥ قال الواسطي رحمه اللّه: هزي إليك بجذع النخلة: قال كانت يابسة فلما حركت اهتزت واخضرت وأطلعت وسقطت فقال: كما أن اللّه تولى النخلة بما عاينت تولى عيسى في إظهاره من غير أب. قال فارس: هزي إليك. قال: كانت في هذا الوقت محبة المخالفات لذلك أمرت بالاكتساب، وفي وقت دخول زكريا عليها في محبة الموافقات. وقال أيضا: سكنها في محنها مرة وأتعبها أخرى وذلك محبة العوام ومحبة الموافقات أعظم. وقال ابن عطاء: في قصة مريم عليها السلام لما كانت مجردة رزقت بغير حركة وكسب لما تعلق قلبها بعيسى قال لها: { وهزي إليك بجذع النخلة }. ٢٦قوله تعالى: { فكلي واشربي وقري عينا } الآية: ٢٦ قال ابن عطاء: إنك غير مطالبة بالثواب فيما أعطيت. ٢٩قوله تعالى: { فأشارت إليه } الآية: ٢٩ سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم البزار بمصر يقول: قال ابن عطاء: فأشارت إليه في الظاهر ليعلم القوم صدقها فيما يقول فأنطق اللّه عيسى صلى اللّه عليه وسلم ببراءتها. قال بعضهم: أشارت إليه اتباعا للأمر في الظاهر وأشارت إلى الحق إشارة مضطر عاجز فيما رميت به، وما نسبت إليه. وقال: إن أحسن إشارات العارفين في أوقات الاضطرار حين لا تتثبت الهمة عن الرجوع إلى الحق. قال ابن عطاء: أشارت إلى اللّه فلم يفهم القوم إشارتها فأنطق اللّه عيسى بالبيان، قال عيسى { إني عبد اللّه } أي أنطقني اللّه بهذا النطق الذي أشارت إليه مريم وأظهر ربوبيته في تكلمه. ٣٠قوله تعالى: الآية: ٣٠ لست بعبد هوى، ولا عبد طمع، ولا عبد شهوة، { وآتاني الكتاب } الآية: ٣٠ خصني بخصائص الأسرار، { وجعلني نبيا } مخبرا عنه خبر الصدق. قال ابن عطاء: لما علم اللّه في عيسى ما علم من أن يتكلم فيه بأنواع الكفر أنطقه أول ما أنطقه بقوله: { إني عبد اللّه } ليكون ذلك حجة على من يدعي إذ قد شهد هو بالعبودية للّه تعالى بالعبودية. وقيل في قوله: { آتاني الكتاب } أي سيأتي الكتاب ويجعلني نبيا. ٣١قوله تعالى: { وجعلني مباركا أين ما كنت } الآية: ٣١ قال ابن عطاء: نفاعا للناس كافا للأذى. وقال الواسطي رحمه اللّه: وجعلني مباركا عارفا باللّه راغبا إليه. قال الجنيدي رحمه اللّه: مباركا على من صحبني وتبعني أن أوليه على الأعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة. وقال أبو عثمان: عيسى إمام الزهاد في الدنيا والسالكين سلوك الآخرة فظهر بركاته على من اتبع أثره. وقال سهل: أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وأرشد الضال ونصر المظلوم، وأغاث الملهوف. قوله تعالى: { وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا } الآية: ٣١ قال ابن عطاء: أمرني بمواصلته وطهارة السر عما دونه ما دمت حيا بحياته. ٣٢قوله تعالى: { ولم يجعلني جبارا شقيا } الآية: ٣٢ قال سهل: جاهلا بأحكامه ولا متكبرا عن عبادته. وقال ابن عطاء: الجبار الذي لا ينصح، والشقي الذي لا يقبل النصيحة. ٣٨{ أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا } الآية: ٣٨ قال الجنيد رحمه اللّه: من كان مشغولا باللّه عن نفسه وناظرا إليه لا إلى خلقه فهو الذي يبدأ بالعطاء قبل السؤال داخلا في مهيمنية الجبار قد أخبر اللّه عن ذلك بقوله: { أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا } الآية: ٣٨ فمن اشتغل باللّه استولى عليه أنوار الحق فلا يستعبده أحد من المخلوقين وجعله سميعا بصيرا. ٣٩قوله تعالى: { وأنذرهم يوم الحسرة } الآية: ٣٩ سمعت منصور بن الحسين يقول: سمعت أبا القاسم البزار المصري يقول: قال ابن عطاء: الحسرة هي الندم على ما فات من الحق، وحسرة الوقت هي قلة المبالاة بما يرتكبه من أنواع المخالفات. ٤١قوله تعالى: { واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا } الآية: ٤١ قال ابن عطاء: الصديق القائم مع ربه على حد الصدق في جميع الأوقات لا يعارضه في صدقه معارض بحال. قال أبو سعيد الخراز رحمه اللّه: الصديق الآخذ بأتم الحظوظ من كل مقام سنى حتى يقارب من درجات الأنبياء. وقال يحيى بن معاذ رحمة اللّه عليه: شرب كأس الصديقين في الدنيا من ثلاثة أنهار نهر الحياء، ونهر العطاء، ونهر الصبر. وقال الجنيد رحمه اللّه: الصديق القائم مع الحق بلا واسطة. ٤٢قوله تعالى: { لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا } الآية: ٤٢ قال بعضهم: لم تعتمد من لا يسمع دعائك، ولا يبصر حالك، ولا يكفيك شيئا من مماتك. ٤٣قوله تعالى: { فاتبعني أهدك صراطا سويا } الآية: ٤٣ قال القاسم: الطريق إلى الحق تعالى طريق المتابعة من علت مرتبته اتبع الكتاب، ومن ترك عنهم اتبع الرسول صلى اللّه عليه وسلم، ومن نزل عنهم، اتبع الصحابة رحمة اللّه عليهم، ومن ترك عنهم اتبع أولياء اللّه والعلماء باللّه وأسلم الطرق إلى اللّه طريق الاتباع لأن سهل بن عبد اللّه قال: أشد ما على النفس الاقتداء فإنه ليس للنفس فيه نفس ولا راحة. ٤٦قوله تعالى: { أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا ٤٧ - قال سلام عليك } الآية: ٤٦ قال أبو بكر بن طاهر: لما بدا منه كلام الجهال من الدعوة إلى آلهته والوعيد على ذلك إن خالفه جعل جوابه جواب الجهال بالسلام لقوله تعالى: { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما }. ٤٨قوله تعالى: { وأعتزلكم وما تدعون من دون اللّه } الآية: ٤٨ قال القاسم: من أراد السلامة في الدنيا والآخرة ظاهرا وباطنا فليعتزل قرناء السوء وإخوان السوء لا يمكنه ذلك إلا بالالتجاء والتضرع إلى ربه في ذلك ليوفقه لمفارقتهم فإن المرء مع من أحب، وقيل: إن القرين بالمقارن مقتدي. وقال أبو تراب النخشبي: صحبة الأشرار تورث (سوء الظن) بالأخيار. قوله تعالى: { عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا } الآية: ٤٨ قال عبد العزيز المكي: كان الخليل عليه السلام يهاب ربه أن يدعوه، ويذكره، ويعظمه ألا يكون يدعوه بلسان لا يصلح لدعاءه فدعا على استحياء وحتمة وخيفة وهيبة بعد معرفته بجلالته فقال: وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا: واللّه أعلم أن ربي يعذرني بدعائي إياه، وإن كنت لا أصلح لذكره ودعائه ثم لا أشقى بدعائه بعد أن يعذرني. ٤٩قوله تعالى: { فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون اللّه وهبنا له إسحاق ويعقوب } الآية: ٤٩ قال الواسطي رحمه اللّه: عوض الأكابر على مقدار الحرب جعل فهم التلاوة للأحكام، وجعل فهم الحقيقة للأسقام. قال اللّه جل ذكره: { فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون اللّه وهبنا له } وقال لموسى: { وهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا }. ولما اعتزل محمد صلى اللّه عليه وسلم الأكوان أجمع ولم يزغ البصر في وقت النظرة وما طغى. قيل: { إنك لعلى خلق عظيم }. لم تزغ غير ما حلاه بصفته. وقال: { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون اللّه }. قال أبو محمد البلاذري: ما خر أحد على ربه في شيء من أسبابه وما ترك أحد له سببا. إلا عوضه اللّه عليه خيرا منه. قول اللّه تعالى: { فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون اللّه وهبنا له إسحاق ويعقوب }. ٥٠قوله تعالى: { وجعلنا لهم لسان صدق عليا } الآية: ٥٠ قال ابن عطاء: أصدق الألسنة هي المعبرة عن الحق بالصواب، والذاكر على الدوام لنعمائه والناشرة لآلائه. وقال بعضهم: فتحنا عليهم ألسنة عبادنا بصدق معاملاتهم وعلو محلهم. ٥١قوله تعالى: { واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا } الآية: ٥١ قال الترمذي: المخلص على الحقيقة مثل موسى ذهب إلى الخضر صلى اللّه عليهما ليتأدب به فلم يسامحه في شيء ظهر له منه ومما كان يفعله حتى أوقعه على العذر فيه وهذا من تمام إخلاصه. ٥٢قوله تعالى: { وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا } الآية: ٥٢ قال ابن عطاء: وقربناه نجيا: خص اللّه سادات الأنبياء كل واحد منهم بخاصية فكانت خلافة لآدم { إني جاعل في الأرض خليفة } البقرة: ٣٠ . والقربة لموسى بقوله: { وقربناه نجيا }، والإمامة لإبراهيم بقوله: { إني جاعلك للناس إماما } البقرة: ١٢٤ ، والمحبة لمحمد صلى اللّه عليه وسلم بقوله: ' أنا سيد ولد آدم } بلا جهد، ولا اكتساب إلا أن المحبة أوجبت له السيادة على الخلق أجمع والقسم بحياته بقوله: ' لعمرك يا محمد '. وقال جعفر: للمقرب من اللّه ثلاث علامات إذا أفاده اللّه علما رزقه العمل به، وإذا وفقه للعمل به أعطاه الإخلاص في عمله وإذا أقامه لصحبة المسلمين رزقه في قلبه حرمة لهم ويعلم أن حرمة المؤمن من حرمة اللّه تعالى. قال الجنيد رحمه اللّه في قوله: { وقربناه نجيا }. قال: جعلناه من العالمين بنا والمخبرين عنا بالصدق والحقيقة. وقال رويم: كشفنا عن سره ما كان مغطى عليه من أنواع القرب والزلف، وأدنا له في الإخبار عنا. ٥٤قوله تعالى: { واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد } الآية: ٥٤ قال ابن عطاء: وعد لأبيه من نفسه الصبر فوفى به وذلك في قوله: { ستجدني إن شاء اللّه من الصابرين } الصافات: ١٠٢ وقال الجنيد رحمه اللّه: لم يعد إسماعيل للّه من نفسه شيئا إلا صدقه، ووفى به وقام عند مراد اللّه فيه فسماه صادق الوعد. قال الحسين: الصادق هو المتكلف في حاله يجري بين استقامة وذلة، والصديق هو المستقيم في جميع أحواله. ٥٦قوله تعالى: { واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا } الآية: ٥٦ قال بعضهم: الصديق الذي لا يطلب الطريق الصدق من غيره ويكون له أن يطالب غيره بحقيقة الصدق. وقال الحسين: الصديق: الذي لا يجري عليه كلفة في شواهده لمشاهدة الحق فتولاه الحق فلا يرى شيئا إلا من الحق. وقال: الصديق: الذي يكون مع اللّه في حكم ما أوجب، ولا يكون على شره أثر من الأكون ويكون وجدان الذات لم يشهده الحق غيره وهو أعمى عن الكون ويكون له مع الحق فستحمل به الواردات لا يذكر برؤية الكون غير الحق ولا يبدله الحق بالنظر إليه غيرة عليه. ٥٩قوله تعالى: { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات } الآية: ٥٩ قال محمد بن حامد: أولئك قوم حرموا تعظيم الأنبياء، والأولياء، والصديقين فحجبهم اللّه عن معرفته وأصابتهم شقاوة ذلك الحال فأضاعوا الصلاة التي هي محل وصلة العبد مع سيده ترسمو بها ولم تتحققوا فيها واتبعوا آراهم وأهوائهم فأصابهم الخذلان وحرموا بذلك السعادة وأثر الشقاوة على العبيد هو حرمان الخدمة وتصغير من عظم اللّه حرمته. ٦٢قوله تعالى: { ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا } الآية: ٦٢ قال محمد بن عيسى الهاشمي: رد الأشباح إلى قيمها من المطعم والمشرب بكرة وعشيا ونزه الأرواح والأسرار عن ذلك بقوله تعالى: { إن المتقين في مقام أمين } الدخان: ٥١ وهو مقام لا ينزله إلا من كان ظاهر الأمانة سرا وعلانية. ٦٣قوله تعالى: { تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا } الآية: ٦٣ قال بعضهم في هذه الآية: تجعل أهل الجنة وسكانها من يطلبها بفضلنا لا بعمله فإن الجنة ميراث سعادة الأزل لا ميراث الأعمال والعمل سمة ربما تتحقق. وربما لا تتحقق، والتقوى نتيجة تلك السعادة وقوله: { من كان تقيا } من كان رجوعه إلينا بنا لا غير. وقال ذو النون. التقي من لا يدنس ظاهره بالمعارضات ولا باطنه بالعلات ويكون واقفا مع اللّه موقف الاتفاق. وقال الواسطي رحمه اللّه: إذا يلفت العقول الغاية وبلغ بها النهاية فحاصلها يرجع إلى حديث يليق بحدث حبك من ذلك قوله تعالى: { تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا } لما كان التقوى وصفك قابلك بما يليق بك وأعلمك أنه غاية ما يليق تقواك ونهايتك في نجواك. قال الواسطي رحمه اللّه: من تلقى الأشياء باللّه لا ينقطع عن العبادة، ومن تلقاها بنفسه انقطع عن العبادة لأنه تلقاها بشواهد نصرتها وبهجتها فالتقيه هي سبب الحجة عن المتقي. وقال بعضهم: التقوى مقوم على الخطرة، والهمة والفكرة، والنية، والعزم، والقصد، والحركة. ٦٥قوله تعالى: { هل تعلم له سميا } الآية: ٦٥ قال محمد بن الفضل: هل تعلم أحد يجيبك في أي وقت دعوته ويقبلك في أي أوان قصدته. وقال بعض المفسرين: تعلم أحدا يسمى اللّه إلا اللّه. وقال الحسين ابن الفضل: هل تستحق أحدا أن يسمى باسم من أسمائه الحقيقية. قوله تعالى: { أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا } الآية: ٦٧ قال الواسطي رحمه اللّه: المقادير صرحت بمعانيها وكشفت عن أوقاتها. وقال آخر: إنه مأخوذ عن شاهد واكتساب نفسه حين لم يك شيئا. والثاني: أخذها من النطفة، والثالث أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا ذكر الطين للعبادات وذكر النطفة للإشارات والباقي لفقد النعوت والأوصاف. ٧١قوله تعالى: { وإن منكم إلا واردها } الآية: ٧١ قال الواسطي رحمه اللّه: ما أحد إلا وتورده النار ملاحظات أفعاله ثم ينجي اللّه منها من أسقط ذلك عنه وأزالها منه بملازمة التوفيق. قوله عز وجل: { كان على ربك حتما مقضيا } الآية: ٧١ قال الواسطي رحمه اللّه: بالرجاء يجلب المحتوم وبالخوف يدفع المقضي. ٧٢قوله تعالى: { ثم ننجي الذين اتقوا } الآية: ٧٢ قال أبو الحسين الفارسي: ثم ننجي من اتقى النار. بالاستغفار واتقانا بقلبه عن المخالفات. قال الجنيد رحمه اللّه: ما نجا من نجا إلا بصدق اللجأ. قال الجريري: ما نجا من نجا إلا بصدق الوفاء. قال ابن عطاء: ما نجا من نجا إلا بتصحيح الوفاء. قال بعضهم: الناجي من المكاره هو الداخل في سبيل التقوى وتصحيح التقوى في سره وعلانيته وظاهره وباطنه. وقال بعضهم: التقوى هو اجتناب الشبه من كل وجه وملازمة الورع في كل حال، ومد اليد إلى الأسباب بحسب إبقاء المنهج. ٨٢ - قوله تعالى: { واتخذوا من دون اللّه آلهة ليكونوا لهم عزا كلا } الآية: ٨١ قال بعضهم: كيف تظفر بالعز وأنت تطلبه في محل الذل ومكانه أذللت نفسك بسؤال الخلق، ولو كنت موفقا لأعززت نفسك بسؤال الحق أو بذكره، أو بالرضا لما يرد عليك منه تكون عزيزا في كل حال دنيا وآخرة. ٧٦قوله تعالى: { ويزيد اللّه الذين اهتدوا هدى } الآية: ٧٦ قال سهل بن عبد اللّه: يزيد اللّه الذين اهتدوا بصيرة في إيمانهم باللّه واقتدوا بسنة محمد صلى اللّه عليه وسلم. وهو زيادة الهدى والنور المبين. ٨٥قوله تعالى: { يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا } الآية: ٨٥ قال ابن عطاء: بلغني عن الصادق أنه قال: وفدا: أي ركبانا على متون المعرفة. وقال جعفر: المتقي الذي اتقى كل شيء سوى اللّه، والمتقي هو الذي اتقى متابعة هواه فمن كان بهذا الوصف فإن اللّه يحمله إلى حضرة المشاهدة على نجائب النور ليعرف أهل المشهد محله فيهم. وقال الواسطي: وفدا اي ركبانا وذلك حجابهم لا من جذبته زينته عن الحق حتى ينسيه، ولا يجذبه ذكر الحق عن الأعراض جذب الزينة فهو الكاذب في دعواه. وقال يحيى بن معاذ: اجعل أمرك مع اللّه جدا، وسد باب الخلاف عليك سدا، وارده على العبد ما أشار به ردا، وانظر هل تجد من طلب العفو بدا، فإلى كم تكد بالتصنع كدا، وتمد بما لا تملكه من حياتك مدا، ولا تذكر يوم يحشر المتقين إلى الرحمن وفدا، ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا. ٩٣قوله تعالى: { إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا } الآية: ٩٣ قال أبو بكر الوراق: ما تقرب أحد إلى ربه بشيء أزين عليه من ملازمة العبودية وإظهار الافتقار لأن ملازمة العبودية تورث دوام الخدمة، وإظهار الافتقار إليه يورث دوام الالتجاء والتضرع. سمعت منصور يقول: سمعت أبا القاسم الإسكندراني يقول: سمعت أبا جعفر الملطي يقول: عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد في قوله { إلا آتي الرحمن عبدا } قال: فقيرا ذليلا بأوصافه أو عزيزا دالا بأوصاف الحق. ٩٦{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا } الآية: ٩٦ قال الواسطي: طائفة خطابها الثناء فخطابها بما عرفت { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا }. قال ابن عطاء: الذين أخلصوا سريرتهم لي وأتبعوا ظاهرهم في خدمتي سأجعل لهم وجها في عبادي لا يراهم أحد إلا أحبهم وأكرمهم، وفي محبتهم وكرامتهم كرامتي ومحبتي. وقال بعضهم: حلاوة ومحبة في قلوب المؤمنين. وسئل بعضهم عن قوله: { سيجعل لهم الرحمن ودا }. قال: يعني لذة وحلاوة في الطاعة واللّه أعلم. ذكر ما قيل في سورة طه |
﴿ ٠ ﴾