سورة طه

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

 { طه ما أنزلنا } الآية: ١

قال ابن عطاء: في قوله: { طه } قال الواسطي: طاء هديت لبساط القربة والأنس.

قال الواسطي: هو مستخرج من الطاهر الهادي أي: أنت طاهر بنا هاد إلينا.

وقال محمد بن علي الترمذي في قوله تعالى { طه } أي: طوبى لمن اهتدى بك

وجعلك السبيل إلينا.

٢

قوله تعالى: { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } الآية: ٢

قال الواسطي رحمه اللّه: سمي القرآن قرآنا لأنه مقارن لمتكلمه لا يباينه تعظيما لشأن

القرآن كما وصل إلينا شعاع الشمس وحرارتها ولم يباين القرص.

قال ابن عطاء: في قوله: { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } أي: تتعب في خدمتنا

وكان جوابه.

من النبي صلى اللّه عليه وسلم زيادة تعبد واجتهاد كأنه يقول: وهل يتعب أحد في خدمتك

وهو محل

استرواح العارفين فأما هذه الحركات فهي قيام بشكر ما أهلتني له من قربك، ومناجاتك

وخدمتك، والدنو منك، ألا تراه عليه السلام لما قيل له: أتفعل هذا وقد غفر اللّه لك ما

تقدم من ذنبك، وما تأخر، قال: ' أفلا أكون عبدا شكورا }.

٣

قوله تعالى: { إلا تذكرة لمن يخشى } الآية: ٣

قال ابن عطاء: قيل له: يا محمد أنت إمام أهل الخشية وسيدهم أنزلناه تذكرة لك

لتسكن إليه وتزول به الخشية من قلبك فإن المحب يأنس بكتاب حبيبه، وكلامه.

قال جعفر: أنزل اللّه القرآن موعظة للخائفين ورحمة للمذنبين وللمتقين وأنسا

للمحبين فقال: { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى }.

٥

قوله تعالى: { الرحمن على العرش استوى } الآية: ٥

قال مالك بن أنس: وقد سئل كيف استوى؟

قال الاستواء غير مجهول، والكيفية غير معقوله والإيمان به واجب والسؤال عنه

بدعة.

وقال فارس: ليس على الكون من اللّه أثر، ولا على اللّه من الكون أثر.

قال ابن عطاء: في قوله: الرحمن على العرش استوى.

وقال استوى: إظهار القدرة لإمكان الذات.

٦

قوله تعالى: { له ما في السماوات وما في الأرض } الآية: ٦

قيل في هذه الآية: له الملك فمن طلب البعض من الكل من غيره أخطأ الطلب

ارجع إليه في جميع مهماتك يكفيك فاطلب منه كل طلباتك يجود بها عليك.

٧

قوله تعالى: { وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى } الآية: ٧

قال: السر ما يطالعه العبد، ولا يطالعه الملك، ولا الشيطان ولا تحس به النفس، ولا

شهادة العقل وهو في الإضمار لم تهوه الهمم، ولا تديره الفطن، وهي في لباب لب

القلب من حقائق المحض من خطرات الإلهام كشرر النار الكامن في الشجرة الرطبة

حتى تمثله الإرادة والمشيئة، والأحكام فينتقل في الأحوال فهذا هو السر وما هو أخفى

فما لم يحن ولم يطالع لا يعلمه إلا اللّه فهو أخفى من الحقائق فإذا ظهر مغلوقه بدأ

عمله.

وقال الواسطي رحمه اللّه: السر ما خفي على العباد والذي هو أخفى ما لم يقل له

كن.

سمعت عبد اللّه بن حمد السراوي يقول: حدثنا محمد بن منصور الصائغ يقول:

سمعت مردويه الصائغ يقول: سمعت الفضيل بن عياض يقول: في قوله: { يعلم السر وأخفى } يعلم ما في نفسك وما تعلمه غدا.

قال الجنيد رحمه اللّه: يعلم سره فيك وأخفى سره فيك.

٩

١٠ - قوله تعالى: { وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا } الآية: ٩

قال الواسطي: موسى خطرت بحسه الخطوط في أخذ نار فقال النور فلا ينبغي لأحد

أن ييئس من نفسه جوله من شاهد الحظ إلى شاهد الحق.

١١

١٢ - قوله تعالى: { فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك } الآية: ١١

قال جعفر: قيل لموسى عليه السلام: كيف عرفت أن النداء هو نداء الحق؟ فقال:

لأني أقياني وشملني فكأن كل شعرة مني كانت مخاطبة بالنداء من جميع الجهات

وكأنها تعبر من نفسها بجواب فلما شملتني أنوار الهيبة وأحاطت بي أنوار العزة

والجبروت علمت أني مخاطب من جهة الحق، فلما كان أول الخطاب إني تم بعده. أنا

علمت أنه ليس لأحد أن يخبر عن نفسه باللفظتين جميعا متتابعا إلا الحق فأدهشت وهو

كان محل الفناء فقلت: أنت الذي لم تزل، ولا تزال ليس لموسى معك مقام ولا له

جرأة الكلام إلا أن تبقيه ببقائك، وتنعيه بنعوتك. فتكون أنت المخاطب، والمخاطب

جميعا.

فقال: لا يحمل خطابي غيري، ولا يجيبني سواي أنا المكلم وأنا المكلم وأنت في

الوسط شبح يقع بك محل الخطاب.

١٢

قوله تعالى: { فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى } الآية: ١٢

قال أبو سفيان: اخلع نعليك ليصيب قدمك بركة الوادي والوادي بركة قدمك.

وقال الشبلي: اخلع الكل منك تصل إلينا بالكل، فتكون ولا تكون، فتحقق في

عين الجمع بكون أخبارك عنا، وفعلك فعلنا.

قال ابن عطاء: اخلع نعليك أعرض بقلبك عن الكون فلا تنظر إليه بعد هذا

الخطاب.

وقال أيضا: النعل النفس، والواد المقدس دين المرجان وقت خلوك من نفسك،

والقيام معنا بدينك، وقيل اخلع نعليك فإنك بعين موجودك وقال جعفر: اقطع عنك

العلائق فإنك بأعيننا.

وقال ابن عطاء: اخلع نعليك أي: أسقط عنك محل الفصل والوصل فقد حصلت

في الواد المقدس وهو الذي يطهرك عن الأحوال أجمع ويبردك إلى محولها عليك.

قيل في قوله: واد المقدس طوى. أي: أطوى عنك بساط المخالفات فقد حصلت في

هذا الوادي ومطية طوى عن قلبه ما لا يكون مقدسا.

وقال ابن عطاء: في قوله: { اخلع نعليك } أي: انزع عنك قوة الاتصال والانفصال

إنك بالواد المقدس أي: بواد الانفراد معي ليس معك أحد سواي.

١٣

قوله تعالى: { وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى } الآية: ١٣

قول الواسطي: المختار من جهته من هو مصطنعه ومصطفيه، ومربيه على يد

أعدائه، والملقى محبته في قلوب عباده فلم يستطيعوا له إلا محبة، والمطلق لسانه بحل

العقد والميسر له أمره فلا يعسر عليه مطلوب بحال، كل هذا يقدم إليه وبمن عليه ليكون

ثابتا عند مكافحة الخطاب ومواجها لوحي الكلام.

١٤

قوله تعالى: { إنني أنا اللّه لا إله إلا أنا فاعبدني } الآية: ١٤

قال الواسطي رحمه اللّه: لا يشغل قلبك بغيري فعلا، وقولا، ولا تكن من أبناء

الأفعال والأحصار، والأعمار، والدهور. كن من أبناء الأزل والأبد مطالعا لما سبق من

الأولية. وجرى لك في الأخرية، وإن كان كلاهما واحدا.

قال ابن عطاء رحمه اللّه: إشارة إلى حقيقة الحق إذ الأزل والأبد علة وذكر

الأوقات، الدهور علة.

وقال الواسطي رحمه اللّه: أظهر هذا الخلق في شموخ وعلو في أنفسهم فأمرهم

لعلة الفاقة، ولا لعلة الاستغناء تنسما لرؤية الاضطرار قال يا موسى إنني أنا اللّه لا إله

إلا أنا فاعبدني. أحب أن يريه عجزه.

وقال أيضا: بالعبرانية خاطب موسى ثم وصف لمحمد صلى اللّه عليه وسلم بقوله: { إنني أنا اللّه لا إله إلا أنا } هل تلونت الصفة بذلك، فإن قال: لو لونتها اختلاف اللغات لتلونت

في

اختلاف الأوامر والنواهي.

قال الحسين: { لا إله إلا أنا } تنظيف البشر عن الآلهة. وإذا خلا السر من تعظيم

غيره، فلا وجه لهذا القول.

قال الواسطي رحمه اللّه: { إنني إنا اللّه لا إله أنا فاعبدني } ابتدأه بالتوحيد، وختم

بلسان الطاعة { وأقم الصلاة لذكري }.

قال ابن عطاء: أقم معي بحسن الأدب، ولا تغفل عني وأنت متوجه إلي.

١٧

قوله تعالى: { وما تلك بيمينك يا موسى } الآية: ١٧

قال فارس: سمع موسى كلاما لا يشبه كلام الحق فلما سمع ذلك الكلام، كاد أن

يهيم، فمرة أضاف العصا إلى نفسه، ومرة أجاب عما لم يسئل كذلك الهيمان.

وقال: لما غلبت عليه الدعات الصفات رده الحق إلى المخلوق ليسكن ما به.

فقال: وما تلك بيمينك، شغله بالإجابة عما يكلمه، ولولا ذلك لتفسخ عند ورود

الخطاب عليه بغتة.

وقال الواسطي رحمه اللّه: استلذ الخطاب فأخذه عن التمييز فأجاب عما سأل، وعما

لم يسأل وقال وما تلك بيمينك عندك. فقال: عصاي، فقال: ألقها فإن لنا فيه آيات هي

عندك عصا، وهي عندنا حية تسعى.

وقال ابن عطاء في قوله: { وما تلك بيمينك يا موسى } قال: انفراد اللّه بعلم الغيب

فللخلق من الأشياء ظواهرها وحقيقتها عند اللّه فكان عند موسى أنها عصى. وعند الحق

أنها حية فقال له: وما تلك بيمينك ليعرفه بذلك مقدار علمه، وإن حقائق العلوم لا

يعلمها إلا اللّه فقال: عصاي، فقال له بل محلا لإظهار قدرتنا فيه.

وقال الحسين: في قوله: { وما تلك بيمينك } قال: أثبته بالصفة: فقال له: أعد إليه

النظرة فأعاد النظر حتى تيقن أنها عصا فقال: عصاي فلما أجاب بالحقيقة إنها عصا قلب

عينها فأحالها عن حالها فأعجزه ذلك فقيل. إعجازها للأمة.

وسمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا بكر بن طاهر يقول: في قوله: { وما تلك بيمينك يا موسى } قال انبسط إليه في السؤال ليربط على قلبه لعلمه لما يبدو منه في

شهود الكبرياء.

وقال أيضا: أحب اللّه تعالى أن يبسط موسى في الكلام كي لا يحتشم في السؤال.

١٨

 وقال الجنيد رحمه اللّه: في قوله: { عصاي أتوكؤ عليها } الآية: ١٨

فقال له: ألق كلما يعتمد عليه قلبك، أو تسكن إليه نفسك، وإن الكل مجال العلل

فإن كل ما تسكن إليه ستهرب منه عن قلبك ألا تراه قال: فأوجس في نفسه خيفة.

قال الحسين: عدد موسى منافع العصا على ربه وسكونه إليها وانتفاعه بها فقال:

{ ألقها يا موسى } أي: ألق من نفسك السكون إلى منافعها، ومن قلبه حبه ليزول عنه

بالفرار منه، خذها ولا تخف وراجع إلينا. وقيل: إن الحكمة في انقلاب العصا حية في

وقت الكلام أنه جعلها آيته ومعجزته ولو ألقاها بين يدي فرعون، ولم يشاهد منه قبل

ذلك ما شهد لهرب منه كما هرب فرعون حين بدهته رؤيته.

سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت جعفر بن نصير يقول سمعت الجنيد

يقول: في قوله: { وما تلك بيمينك يا موسى } قال: انفرد الحق بعلم الغيوب، فالخلق

من الأشياء ظواهرها، وله الحقائق منها، وكان عند موسى أنها عصا فقط فذكر كل ما

يعلم من علمها فأراه اللّه فيها ما تفرد به وجعلها حية، والحكمة فيه أنه لو لم يره فيها

من الآيات لراعه في وقت الانقلاب فأراه ذلك ليلا يفزع ولا يجزع فلما رآها حية تهتز

كأنها جان ولى مدبرا أي. ولى ظهره إليه وأقبل على ربه، ولم يعقب فقيل: له أقبل

عليها ولا تخف أن يقطعك النظر إليها عني.

قوله تعالى: { قال هي عصاي أتوكؤ عليها } الآية: ١٨

قال فارس: ذكر كلما فيها من وجوه المنافع ليلا تكون له معاودة إلى ذلك فيستلذ

بخطاب سيده وعتابه.

قال أبو بكر الوراق: قوله: { عصاي } جواب والذي بعده ذكر ما أنعم اللّه عليه

بالعصا من المافع فكان بعد قوله: { عصاي } لسان الشكر.

قال ابن عطاء: في قوله: { عصاي } إضافة بالملك إلى نفسه ولم يكن له بواجب

في الحقيقة أن يرى لنفسه ملكا وهو بين يدي الحق فلما أضافها إلى نفسه قال: ألقها

فألقاها فإذا هي حية تسعى. قال خذها: أي خذ عصاك ولا تهرب مما ادعيت الملك فيه

لنفسك فخاف، وتبرأ من إضافتها ملكا إلى نفسه فتعطف الحق عليه فقال: { خذها ولا تخف } فإنها لن تضرك.

قوله تعالى: { ولي فيها مآرب أخرى } الآية: ١٨

قال ابن عطاء: سرائر مغيبة عني في العصا. غطيتها على تبدوا لي ذلك فإن تكشفه

لي من الآيات والكرامات.

وقال جعفر: منافع شتى وأكبر منفعة لي فيها خطابك إياي بقولك: وما تلك بيمينك

يا موسى.

قال سهل: ذكر موسى من العصا مآرب ومنافع فأراه اللّه في عصاه منافع ومآرب

كانت خافية مع موسى من انقلابه العصا ثعبان، وضربه الحجر في انحباس الماء،

وضربه البحر فانفلق وغير ذلك أراه بذلك أن علم الخلق وإن كانوا مؤيدين بالنبوة قاصر

على علم الحق في الأكوان.

١٩

قوله تعالى: { قال ألقها يا موسى } الآية: ١٩

قال الواسطي رحمه اللّه: اطرح عن نفسك السكون إلى العصا والاعتماد عليها،

وعد المنافع فيها فلما ألقاها وخلا منها سره، قال: خذها الآن منا على شرط أن ترانا

النافع الضار لا الأسباب.

وقال ابن عطاء: ألقها من يدك فإنك أخذتها من غيرنا فعددت فيها أسباب المنافع

وخذها منا لتكون ولى نعمتك دون غيرنا.

قال بعضهم: ألقها فإنك قد ألفتها، وسكنت إلى منافعها وخذها عن أمرنا لترى فيها

المنافع التامة.

٢١

قوله تعالى: { خذها ولا تخف } الآية: ٢١

قال الجنيد رحمه اللّه: كان خوف موسى عليه السلام خوف تسليط، لا خوف

الطبع.

قال الواسطي رحمه اللّه: خوف موسى من العصا أنه شاهد أثر سخطه فيه لذلك

قال: من طالق في وقت الذكر بالسخط والعقوبة ذكره بالنية ولا بالإنبساط.

وقال أيضا: رأى موسى على عصاه كسوة من سخط الحق فلم يأمن مكره.

٢٣

قوله تعالى: { لنريك من آياتنا الكبرى } الآية: ٢٣

قال أبو عبد اللّه الروذباري: في سؤال موسى عليه السلام ربه شرح صدره وإطلاق

لسانه، ومؤازرة أخيه لم يسأله ضعفا عن التبليغ لأن اللّه أيده بالثبات والتمكين ولكنه عليه

السلام وقف مقام حق بين يدي الحق يسأل بلسان الحق.

٢٥

قوله تعالى: { رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني }

٢٧ - الآية: ٢٥

قال ابن عطاء: لما كلم اللّه موسى عليه السلام لم يكن بعد ذلك فيه من الفضل أن

يتكلم مع غيره فلما أمره اللّه عز وجل بالذهاب إلى فرعون، قال: واحلل عقدة من

لساني إن لم تطلق لساني أنت، وتحل هذه العقدة عنه كيف يتهيأ لي الكلام مع مخلوق

بعد أن كلمتني.

وقال ابن عطاء: اكشف لي عن صدري حتى لا أشاهد غيرك، ويسر لي أمري حتى

لا أنظر، ولا أنطق إلا بمعرفتك، واحلل عقدة الإنسانية من لساني حتى لا أتكلم إلا بما

التقفته منك.

وقال أيضا: أراد به العقدة النفسانية.

وقال جعفر: لما كلم اللّه موسى عقد لسانه موسى عن مكالمة غيره فلما أمره بالذهاب

إلى فرعون فأجاب يسره فقال: واحلل عقدة من لساني لأكون قائما بالأمر على أتم

مقام.

قال ابن عطاء: اشرح لي صدري ' اكشف لي قلبي حتى لا أرى غيرك، وأقتني عن

نفسي حتى لا أرى غير فضلك ومعروفك، ويسر لي أمري حتى لا أنطق بغير معرفتك

وإحسانك، واحلل عقدة الإنسانية من لساني حتى لا أتكلم إلا بما يقربني منك.

سمعت منصور بن عبد اللّه الهروي يقول: سمعت أبا بكر بن عبد اللّه بن طاهر

يقول: ضاق صدر موسى بخطاب الآدميين بعد موقفه مع ربه وكلامه فلما أرسله إلى

فرعون قال رب اشرح لي صدري هون علي مخاطبة غيرك بعد أن استعذتني بخطابك.

سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم البزار يقول: قال ابن عطاء:

في قوله: { رب اشرح لي صدري } لاستماع كلامك، ويسر لي أمري بالوقوف معك

واحلل عقدة لساني النفسانية.

قال الجنيد رحمه اللّه في قوله: { رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني }. قال: ما سأل اللّه موسى إلا الأخلاق.

وقال الحسين: لما أزال الحق عنه التوقف وجاء إلى اللّه باللّه ولم يبق عليه باقية بها

يتمتع أقيم مقام المواجهة، وأطلق مصطنعة لسانه بطرا إلى أليق الأحوال به فسأل قلبه،

وشرح صدره لتتسع لمقام المواجهة والمخاطبة ثم نظر إلى أليق الأحوال به فإذا هو تيسر

أمره فسأل ذلك على تمام الترقي به حاله إلى أرفع المقام وهو المجيء إلى اللّه باللّه لعلمه

بأن من وصل إليه لا يعترض عليه عارضة محال ثم نظر إلى أليق الأحوال به فسأل حل

العقدة من لسانه ليكون إذ ذاك لنطقه وبيانه فلما تمت له هذه الأحوال صلح إلى اللّه

وكان للمجيد ممن وفى المواقيت حقها غابت عنه الأحوال فلم يرها وذهبت عن عينه

وظهوره وما عداها إلا ما كان للحق منه، ومعه حتى تحقق بقوله { قد أوتيت سؤلك يا موسى }.

قال بعضهم: سأله حل عقدة الحياء عنه فإنه استحيى أن يخاطب عدو اللّه فرعون

بلسان خاطب الحق.

٣٣

٣٤ - قوله تعالى: { كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا } الآية: ٣٣

قال ابن عطاء: لا يخطرن بسرك ما خطر لموسى. حيث قال: { كي نسبحك كثيرا }

استكثر ما منا من العبادة والتسبيح لا يخطرن بك ما خطر به.

قال جعفر: قيل لموسى: استكثرت تسبيحك وتكبيرك ونسيت بدايات فضلنا عليك

في حفظك في اليم وردك إلى أمك وتربيتك في حجر عدوك، وأكثر من هذا كله

خطابنا معك وكلامنا إياك، وأكثر من هذا كله إخبارنا باصطناعنا لك.

قال ابن عطاء: اشرح لي صدري بنور القربة، واحلل عقدة من لساني. أي: عقدة

الاختيار.

وقال أيضا: واحلل عقدة من لساني. أي: عقدة الإنسانية حتى لا يكون كلامي إلا

عنك وبك.

كان الواسطي: إذا ضرب عليه ضربته نسي كثير تسبيحه وأرجع إلى حال الالتجاء.

٣٦

قوله تعالى: { قد أوتيت سؤلك يا موسى } الآية: ٣٦

قال الواسطي رحمه اللّه: سأل ربه ابتداء شرح صدره فجاز الاقتداء به للعوام دون

٣٧

الخواص لأن اللّه أعلم بما فيه إبلاغ رسالته وأداء أمانته ألا ترى إلى قوله: { قد أوتيت سؤلك يا موسى ولقد مننا عليك مرة أخرى } الآية: ٣٧

فذكر أيام حداثته ثم رده إلى أصله، ثم رده من أصله إلى أصل الأصل فقال:

{ واصطنعتك لنفسي } الآية: ٤١ . فأضافه إلى نفسه ثم أكد ذلك بقوله: { إني اصطفيتك على الناس برسالاتي }.

٣٩

 وقوله تعالى: { وألقيت عليك محبة مني } الآية: ٣٩

قال سري السقطي: ألقى عليه لطفا من لطفه يستجلب به قلوب عباده.

قال ابن عطاء: ألقيت عليك محبة مني لك فمن رأى فيك محبتي لك أحبك بحبي

بك.

وقال فارس: زينتك بملاحة من عندي حتى لا تصلح لغيري، ويحبك من يرى بك

الملاحة فيك.

فقيل: أليس يوسف أعطى شطر الحسن؟ لم لم يكن يستوجب المحبة؟. قال: الحسن

لا يوجب المحبة، والملاحة توجب المحبة، ألا ترى النبي صلى اللّه عليه وسلم كان عليه

(ملاحة ممزوجة

بهيبة).

قال الواسطي رحمه اللّه: { وألقيت عليك محبة مني } فقال: المحبة تمتزج لأقوام

كرجل يكون سخيا شجاعا، فقيها، فيفتن الناس على ذلك، والمحبة التي ألقى على

موسى ما زال ملقى عليه وهو في صلب عمران ألا ترى فرعون لما شاهد الملقى عليه في

صغره من غير مزاج كيف رباه؟ مع ما كان يقتل من أولاد بني إسرائيل وذلك لإلقاء المحبة

عليه.

قال ابن عطاء: ألقى عليك لطفا لا يراه أحد إلا أحبه.

قال أبو بكر بن طاهر: أحببتك فحببتك إلى إحبائي.

وقال سهل: أظهر اللّه عليه ميراث علمه، وأورثه محبته في قلوب عباده.

قال القياد في قوله: { وألقيت عليك محبة مني }: لا يراك أحد إلا رق لك، ومال

إليك.

وأيضا: سبقت لك مني العناية بفضل الإختصاص على غيرك فخصصت بالذكر في

الثناء ومن اصطنعه اللّه لنفسه لم تسترقه طمع نفسه غيره.

قوله تعالى ذكره: { ولتصنع على عيني } الآية: ٣٩

قال الواسطي رحمه اللّه في هذه الآية ما يجيء نبي ولا ولي من محبته، ولا سلم

أحد من منته. وهذا معنى قوله: { ولتصنع على عيني }.

قال ابن عطاء: في هذه الآية أنا مشاهد لك حافظ أرعاك بعيني ولا أسلم بسياستك

إلى غيري، ليعلمه حسن العناية به.

٤٠

قوله تعالى: { وقتلت نفسا فنجيناك من الغم } الآية: ٤٠

قال الواسطي رحمه اللّه: ألقاه في أعظم كبيرة حتى لا يوجده طعم الاصطفاء

بقوله: { قتلت نفسا }.

قوله عز وجل: { وفتناك فتونا } الآية: ٤٠

قال أبو الحارث الأولاسي: فتناك بنا عما سوانا.

وقال ابن عطاء: طبخناك بالبلاء طبخا حتى صلحت لبساط القرب والأنس.

وقال أيضا: نجيناك من قومك وفتناك بنا عما سوانا.

قال سهل: أفنينا نفسك الطبيعي، وربعناها حتى لا تأمن مكر اللّه.

قوله عز وجل: { جئت على قدر يا موسى } الآية: ٤٠

قال: قدرنا لك سبيل المعرفة ووقتها فجئت على ذلك القدر.

٤١

قوله تعالى: { واصطنعتك لنفسي } الآية: ٤١

قال الخراز: في هذه الآية قال: فمن أين وإلى أين فمنه وإليه وبه، وفنا فنائه، لبقا

بقائه فحقيقة فنائه.

وقيل في قوله: { واصطنعتك لنفسي } قال: استخلصتك بسري وأختصصتك

بمخاطبتي.

قال: أخلصتك لي حتى لا تصلح لغيري.

وقال أبو سعيد الخراز: في بعض كتبه غير أن أولياء اللّه رهائن للّه في أشياء جهنم قد

خبأهم. وأحقاقهم في أنفسهم من أنفسهم لنفسه وهذا مقام الإصطناع الذي قال اللّه

لموسى: واصطنعتك لنفسي.

قال الواسطي رحمه اللّه: حتى لا يملك غيري فإن نفوس المؤمنين نفوس آتية

استرقها الحق فلا يملكها سواه.

قال بعضهم: أوجده طعم الاصطفاء بقوله واصطنعتك لنفسي.

قال سهل: أي مفردا بالتجريد لا يشغلك عني به شيء.

قال الخراز: فطرتك صنعة يدعو إلي لا إلى نفسك وغيرك يدعو إلى نفسه لا إلي.

٤٢

قوله تعالى: { ولا تنيا في ذكري } الآية: ٤٢

قال سهل: لا تكثر الذكر باللسان، وتغفل عن مراقبة القلب.

٤٣

قوله تعالى: { اذهبا إلى فرعون إنه طغى } الآية: ٤٣

قال ابن عطاء: الإشارة إلى فرعون وهو المبعوث في الحقيقة إلى السحرة، فإن اللّه لا

يرسل أنبياءه إلى أعداءه، ولم يكن لأعدائه عنده من الخطر ما يرسل إليهم أنبياءه،

ولكن يبعث الأنبياء إليهم ليخرج أولياءه المؤمنين من بين أعدائه الكفرة.

٤٤

قوله تعالى: { فقولا له قولا لينا } الآية: ٤٤

قال يحيى بن معاذ: هذا رفقك بمن يدعي الربوبية فكيف رفقك بمن يدعي العبودية.

وقيل: هذا رفقك من أذاك، فكيف رفقك بمن يؤذي فيك وهذا رفقك بمن عاداك،

فكيف رفقك بمن عادى فيك. وهذا رفقك مع أعدائك فكيف رفقك مع أوليائك.

وقال النهرجوري: هذا رفقك بمن جحدك وبارزك فكيف رفقك بمن عبدك وخضع

لك.

وقال أيضا: قال اللّه لموسى: { فقولا له قولا لينا }.

قال اللّه لموسى: إنه أحسن إليك في ابتداء أمرك فلم تكافئه فأحببت أن أكافئه عنك.

٤٦

قوله تعالى: { لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى } الآية: ٤٦

قال سهل: أمر اللّه تعالى أنه ومعهما بالنصرة. مشاهد لهما في كل حال بالقوة،

والمعونة، والتأييد لئلا يخافا عند إبلاغ الرسالة بحال.

٤٧

قوله تعالى: { والسلام على من اتبع الهدى } الآية: ٤٧

قال الواسطي رحمه اللّه: اتباع الهدى بسابقة الهدى فمن سبقت له من اللّه الهداية

اتبع الهدى في جميع أحواله.

قوله تعالى: { منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى } الآية: ٥٥

قال - قيل ليحيى بن معاذ: ما بال الإنسان يحب الدنيا.

قال فحق له أن يحبها منها خلق فهي أمه، وفيها نشأ فهي عيشه، ومنها قد رزقه فهي

حياته، وفيها يعاد، وهي ممر الصالحين إلى اللّه فكيف لا يحب طريقا يأخذ بسالكه إلى

جوار ربه.

٦٧

قوله تعالى: { فأوجس في نفسه خيفة موسى } الآية: ٦٧

سئل ابن عطاء في هذه الآية فقال: ما كانت هذه الخيفة واللّه يقول: { لا تخافا إنني معكما } قال: خاف على قومه أن يفوتهم حظهم من اللّه، وما خاف على نفسه.

٦٨

قوله تعالى: { قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى } الآية: ٦٨

قال ابن عطاء: ' لا تخف فإنك بمرأى منا ومسمع، ونحن معك لتقتنع أحوالك فإنك

القائم بالمسبب وهم القائمون المعتمدون على الأسباب.

٧٢

قوله عز وجل: { لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات } الآية: ٧٢

قال ذو النون: من آثر اللّه على الأشياء هان عليه فيلقى في ذات اللّه لأنه آثر الأثير،

وحصل في حمله اللطيف الخفيف.

قال اللّه: جاء كيسا على السحرة لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات، والذي فطرنا

فاقض ما أنت قاض، افعل بنا ما كنت فاعلا، والذي كشف لنا عنه سهل في مشاهدته

حمل المون، وملاقاة المكاره والضرر.

٨١

قوله تعالى: { كلوا من طيبات ما رزقناكم } الآية: ٨١

قال سهل: كلوا من طيبات مما رزقناكم، كلوا منها القوام وإمساك الرمق فإنه الطيب

من الرزق، ولا تطغوا فيه أي لا تشيعوا فتسكروا عن الذكر.

٨٢

قوله تعالى: { وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى } الآية: ٨٢

قال ابن عطاء: لمن رجع عن طريق المخالفة إلى طريق الموافقة وصدق موعد اللّه فيه

وله، واتبع السنة ثم اهتدى، ثم قام على ذلك لا يطلب سواه مسلكا وطريقا.

قال فارس: لغفار لمن تاب من الشرك، وآمن بالحق وعمل صالحا وأقام على ذلك ثم

اهتدى ثم لزم السنة.

قال جعفر: { وإني لغفار لمن تاب } لمن رجع إلي في مهماته ولم يرجع إلى غيري

٨٣

وآمن وشاهدني ولم يشهد معي سواي، وعمل صالحا أخلص قلبه لي ثم اهتدى ثم لم

يخالف سنة النبي صلى اللّه عليه وسلم قوله: { وما أعجلك عن قومك يا موسى } الآية:

٨٣

قال بعضهم: عجلته أوقعته في فتنة قومه حتى قيل له: { إنا قد فتنا قومك من بعدك }.

وأنشد:

(أقول له عند توديعه

* كلانا بعزته مبلس لبس

*

(لئن رجعت عنك أجسادنا

* لقد سافرت معك الأنفس

*

٨٤

قوله تعالى: { وعجلت إليك رب لترضى } الآية: ٨٤

قال الواسطي رحمه اللّه: عجلت إليك شوقا مني إليك. واستهانة بمن هو أنت

مبعوث إليهم فقال: هم أولاء على أثرى وقيل: الشوق فرض أو نافلة: قيل فرض لأنه

يتولد من حقيقة الحب، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم حب اللّه لما يغدوكم من نعمة،

وقال لذلك لم

تقل اللّه رضيت لما قال عجلت إليك رب لترضى وقابله الشوق وطلب الرضوان بان

بذلك أن الشوق عليهم بعد، والمحبة عنهم أفقد.

وقال أبو العباس الدينوري في هذه الآية: أي لتعلم أني أحبك ولا قرار لي مع

غيرك.

٨٥

قوله تعالى: { فإنا قد فتنا قومك من بعدك } الآية: ٨٥

سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم البزار يقول. قال ابن عطاء في

قوله: { إنا قد فتنا قومك من بعدك } قال: قال اللّه: تدري من أين أتيت؟ قال: لا يا

رب قال حين قلت لهارون أخلفني في قومي أين كنت أنا حين اعتمدت على هارون؟

٨٦

قوله تعالى: { فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا } الآية: ٨٦

غضبان على ماذا، وأسفا لماذا، قال: غضبان على نفسه إذ ترك قومه حتى ضلوا،

وأسفا على ما فاته من مناجاة ربه.

وقال الشبلي: أسفا على ما فاته من مخاطبة الحق من لا أوزان لهم فرده من شوقه

إلى شاهده، ولم يظفر بمعيته ولا أسفا من وجده، فغضبه كان من ذلك.

٩٩

قوله تعالى: { كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق } الآية: ٩٩

قال ابن عطاء: موعظة بعد موعظة، وبيان بعد بيان.

وذلك أن الحق كشف له من أنباء ما قد سبق في الأمم الخالية والدهور الماضية

فيكون منهم على علم، ولم يخف عليه من أحوالهم شيء، وأخفا حاله ووقته عن

 الكل بقوله: { وقد آتيناك من لدنا ذكرا } الآية: ٩٩

أي موعظة تتعظ بها، وتتأدب بملازمتها فلا تخفى عليك شيء من أسرارنا، وما

أودعناه أسرار الذين كانوا قبلك من الأنبياء فيكون الأنبياء مكشوفين لك، وأنت في

ستر الحق.

١٠٦

قوله تعالى: { فيذرها قاعا صفصفا } الآية: ١٠٦

قال الحسين: هو الذي يطمس الرسوم، ويعمى الفهوم ويميت الذهن، ويترك الجسم

قاعا صفصفا حتى يعجز الكل عن معرفته، وبلوغ نفاذ قدرته، ثم يظهر من الطوالع

ربوبيته على أسرار أهل معرفته فيعرفونه به.

١٠٨

قوله تعالى: { وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا } الآية: ١٠٨

قال الواسطي رحمه اللّه: وهل كانت إلا خاشعة في الأزل وهل تكون إلا خاشعة

في الأبد، والافتخار في حال الوجود بالتوثب، والمنازعة، وقاحة الوجه، ورعونه

الطبع لأنها لم تكن وهي إذا كانت كأنها لم تكن.

قال الجنيد رحمه اللّه: كيف لا يخشع وقد كشف الغطاء وأبدى الخفاء فلهيبة

الموقف، وحياء الخيانات خشعت أصواتهم وذلت رقابهم.

١٠٩

قوله تعالى: { يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا }

 الآية: ١٠٩

قال الواسطي في قوله: يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا به قال: أن لا ينسب إلى نفسه

شيئا، ولا يرى نعته فإذا عاين نعته نسي الأول، وإذا أظهر عليه رضوانه ذهب ما دونه،

وقيل في قوله: { ورضي له قولا } هو تولى إظهاره عليه، وجعله قائما مغيبا عن شاهده

حتى لا ينطق بحضرته من ذات نفسه.

قال ابن عطاء: لا يحيطون بشيء من ربوبيته علما لأنه لم يظهر شيئا إلا تحت تلبيس

لكن لا يستوي علمان في شيء واحد، ومن لا يرى الكل تلبيسا كان المكر فيه قريبا.

قال الواسطي رحمه اللّه في قوله: { يومئذ } الآية. قال: أن لا ينسب إلى نفسه

شيئا، ولا يرى نعته فإذا رأى نعته نسي الأول، وإذا ظهر عليه رضوانه ذهب ما دونه،

وقيل في قوله: { ورضي له قولا } هو تولى إظهاره عليه، وجعله قائما به مغيبا عن

شاهده حتى لا ينطق بحضرته من ذات نفسه.

١١٠

قوله تعالى: { ولا يحيطون به علما } الآية: ١١٠

قال ابن عطاء رحمه اللّه: لا يحيطون بشيء من ربوبيته علما لأنه لم يظهر شيئا إلا

تحت التلبيس لكن لا يستوي علمان في شيء واحد، ومن لا يرى الكل تلبيسا كان المكر

فيه قريبا، والعبيد لا يقفون على تلبيساته.

قال الواسطي رحمه اللّه: كيف يطلب أحد طريق الإحاطة ولا يحيط بنفسه علما،

ولا بالسماء وهو يرى جوهرها.

وقال: ليس له غاية تدرك، ولا نهاية تلحق بقوله: { ولا يحيطون به علما }.

قال فارس: ما علمه غيره، ولا ذكره سواه فهو العالم والذاكر على الحقيقة.

قال ابن عطاء: المعرفة معرفتان: معرفة حق ومعرفة حقيقة فمعرفة الحق معرفة

وحدانية على ما أبرز للخلق من الأسامى والصفات ومعرفة الحقيقة لا سبيل إليها

لامتناع الصمدية، وتحقيق الربوبية لقوله { ولا يحيطون به علما }. معناه لا سبيل إلى

المعرفة على الحقيقة.

١١١

قوله تعالى: { وعنت الوجوه للحي القيوم } الآية: ١١١

قال سهل: خضعت له بقدر معرفتها به وتمكين التوفيق منه.

١١٤

قوله تعالى: { وقل رب زدني علما } الآية: ١١٤

قال بعضهم: اجعلني عالما بك، جاهلا بما سواك، وهو زيادة العلم.

وقال محمد بن الفضل: { رب زدني علما } بنفسي وما تضمره من الشرور،

والمكر، والعذر لأقوم بمعونتك في مداواة كل شيء منها يداويها.

قوله تعالى: { ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما } الآية: ١١٥

سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء في

قوله: { ولقد عهدنا إلى آدم } قال: عهدنا إلى آدم أن لا يطاع مني سواي فنسي عهدي

وطالع الجنان: { ولم نجد له عزما } أي لم يطالع بسره، ولكن طالعه بعينه. فنادى عليه

{ وعصى آدم ربه }.

قال جعفر: عهدنا إلى آدم أن لا ينسانا في حال ونسينا واشتغل بالجنة، وابتلى

بارتكاب النهى وذلك أنه ألهاه النعيم عن المنعم فوقع في النقمة والبلية فأخرج من النعيم

والجنة، ليعلم أن النعيم هو مجاورة المنعم. لا التذاذ بالأكل والشرب.

قال ابن عطاء: { لم نجد له عزما } لم يطالع في دخول الجنة الفضل وإنما طالعه

بفعله لا بفضله.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: { فنسي ولم نجد له عزما } أي قوة على ضبط نفسه،

وإن كان الواجب أن بركات المباشرة أوجبت زوال النسيان، وإنما غيبه عن شاهده ليريه

شواهد عبوديته تنبيها وتزيينا.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: ' فنسي ' له وجهان: أي جهد قدر عهده وفرق بين

من نسي بالحضرة، وبين من نسي في الغيبة. لذلك قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: ' رفع

عن أمتي

الخطأ والنسيان '.

وقال بعضهم: نسي في وقت التناول مطالعة الأمر.

سمعت أبا القاسم النصرآباذي يقول: ذنب لزمته فوجب عليك الاستغفار، وذنب

ألزمته فأنت فيه معذور وقال اللّه تعالى: { ونسي ولم نجد له عزما }.

قال الحسين بن الفضل في قوله: { ولم نجد له عزما } قال: العود إلى الذنب ثانيا.

١١٧

قوله تعالى: { يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك } الآية: ١١٧

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: أضمر عداوته ولم يفزع إلى ربه مبتهلا في الكفاية

والإستكفاء فأصغى إلى قوله وقسمه.

قوله تعالى: { فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى } الآية: ١١٧

قال ابن عطاء في هذه الآية: { فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى } ولم يقل فتشقيا

لأن آدم كان عالما بمراتب المحاورة، واختصاص الدنو، ولم تكن حواء تعلم من ذلك ما

علم آدم. فقال لآدم: { فتشقى } لأنك المخصوص بهذه الرتبة الجليلة، وحواء تبعا لك

فيه، وليس الأصل فيه كالفرع.

١١٨

قوله: { إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى } الآية: ١١٨

قال ابن عطاء: آخر أحوال الخلق الرجوع إلى ما يليق بهم من المطعم والمشرب ألا

ترى إلى آدم بعد خصوصيته. الخلقة باليد، ونفخ الروح فيه الخاص، وسجود الملائكة.

كيف ردا إلى نقص الطبائع بقوله: { إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى }.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: خلق اللّه آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، واصطفاه

على الخلائق، ثم رده إلى قدره ليلا يغد وطوره. فقال: { إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى }.

سمعت الحسين بن أحمد الرازي يقول: سمعت أبا جعفر الفرغاني يقول: سمعت

الجنيد رحمة اللّه عليه: آخر ما يبقى على الناس اليأس. { فلما ذاق الشجرة }.

قال القاسم: لما ذاقا تنأثر لباسهما، فلما أكلا بدت لهما سوءاتهما.

١٢١

قوله تعالى: { بدت لهما سوءاتهما } الآية: ١٢١

قال الحصري: بدت لهما، ولم تبد لغيرهما لئلا يعلم الأغيار من مكافأت الجناية ما

علما، ولو بدا للأغيار لقال: بدت منهما.

قوله تعالى: { وعصى آدم ربه فغوى }.

قال ابن عطاء: اسم العصيان مذمة، إلا أن الاجتباء والاصطفاء منعا أن يلحق آدم

اسم المذمة بحال.

قال جعفر: طالع الجنان ونعيمها بعينه فنودي عليه إلى يوم القيامة { وعصى آدم }

ولو طالعها بقلبه لنودي عليها بالهجران أبد الآبد، ثم عطف عليه ورحمه بقوله تعالى:

١٢٢

 { ثم اجتباه ربه فتاب عليه } الآية: ١٢٢

وقال بعضهم: سبقت الإصطفائة والإجتبائة من الحق لآدم فلم تؤثر فيه سمة

العصيان، ولا يخطر الأمر بالنسيان لأن اصطفائيته في الأزل رد إلى الإجتبائية في الأبد

وهو في قوله تعالى { إن اللّه اصطفى آدم } وقوله: { ثم اجتباه ربه } فالإصطفاء

أوجب له الاجتباء.

وقال بعضهم: عصى آدم فعوقب أولاده بثلاث: ما ولدوا يموت، وما يبنوا يهدم،

وما يصلوا يقطع.

قوله تعالى: { ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى }.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: العصيان لا يؤثر في الإجتبائة. وقوله: { وعصى آدم ربه }

أي أظهر أخلاقا ثم أدركته الإجتبائة، فأزالت عنه مذمة العصيان ألا ترى كيف

أظهر عذره بقوله: { فنسي ولم نجد له عزما } وكيف يعزم على المخالفة من هو في ستر

العصمة وخصوصية الاصطفاء والإجتباء.

١٢٣

قوله تعالى: { فمن اتبع هداي } الآية: ١٢٣

قال سهل: هو الاقتداء، وملازمة الكتاب والسنة فلا يضل على طريق الهدى، ولا

يشقى في الآخرة والأولى.

١٢٤

قوله تعالى: { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا } الآية: ١٢٤

قال: لا يعرض أحد عن ذكر ربه إلا أظلم عليه وقته، وتشوش عليه رزقه.

وقال جعفر في هذه الآية: لو عرفوني ما أعرضوا عني، ومن أعرض عني رددته إلى

الإقبال على ما يليق به من الأجناس والألوان.

قال الواسطي: ما كان ذلك ذكرى حتى أعرضوا عنه، بل كانت تلك أذكارهم،

وذكري قد سبق لمن يذكرني على الحقيقة، فلا يكون له إعراض عني، ولا على غيري

إقبال.

١٣١

قوله تعالى: { ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه)  * الآية: ١٣١

قال الواسطي رحمة اللّه عليه في هذه الآية: تسلية للفقراء وتعزية لهم حيث منع

الخلق عن النظر إلى الدنيا على وجه الاستحسان فقال: { ولا تمدن عينيك } الآية.

١٣٢

ثم أمرهم بعد هذا بالعبودية وملازمة الطاعة فقال: { وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها }الآية: ١٣٢

لذلك روى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال حين قرأ هذه الآية قال: ' من لم يتعزى

بعزاء اللّه

تقطعت نفسه على الدنيا حسرات '.

وقال سهل: لا تنظر إلى ما يورثك وسوسة الشيطان، ومخالفة الرحمن، وأماني

النفس، والسكون إلى مألوفات الطبع فإنها تفتن، فكل واحد منها مما يقطع عن اللّه.

قوله تعالى: { ورزق ربك خير وأبقى } الآية: ١٣١

قال أبو بكر بن طاهر في هذه الآية: هو القناعة بما يملكه، والزهد فيما لا يملكه.

وقال بعضهم: من رزق الثقة باللّه، والرضاء عن اللّه فقد أعطى أفضل الأرزاق.

وقال أبو عثمان في قوله { ورزق ربك خير وأبقى } قال: هو توكل لأنه أبقى للمرء

من الطلب، وخير له من السعي والتعب.

قوله تعالى: { وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها } الآية: ١٣٢

قال ابن عطاء: أشد أنواع الصبر الإصطبار، وهو السكون تحت موارد البلاء بالسر، والقلب، والنفس، والصبر بالنفس لا غير.

وقال الجنيد رحمة اللّه عليه في قوله: { وأمر أهلك بالصلاة } قال: وأمر أهلك بالاتصال بنا، والإصطبار على تلك المواصلة معنا، ومن يطيق ذلك إلا المؤيدون من جهتنا بأنواع التأييد.

وقال يحيى بن معاذ: للعابدين أردية يكسونها من عند اللّه سداؤها الصلاة ولحمتها الصوم.

وقال بعضهم: علمها حضور القلب.

قوله تعالى: { والعاقبة للتقوى } الآية: ١٣٢

قال أبو عثمان: هو ذم النفس والجوارح من جميع ما لا يبيحه بالعلم.

تم بحمد اللّه الجزء الأول ويليه الجزء الثاني

وأوله: ذكر ما قيل في سورة الأنبياء.

ذكر ما قيل في سورة الأنبياء

﴿ ٠