سورة المؤمنون

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله تعالى: { قد أفلح المؤمنون } الآية: ١

قال أحمد بن عاصم الأنطاكي: المؤمن من تكون بضاعته مولاه، وبغيضته دنياه،

وحبيبته عقباه، وزاده تقواه، ومجلسه ذكراه.

قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه في هذه الآية: وصل إلى المحل الأعلى والقربة

والسعادة، وأفلح ما كان مصدقا للّه وعده.

قال بعضهم: المؤمن يكون أمينا على قلبه، أمينا على روحه، أمينا على سره، أمينا

على جوارحه، فإذا كان أمينا على الظاهر والباطن فهو مؤمن.

قال أبو بكر بن طاهر: المؤمن يكون من نفسه في أمن، والخلق منه في أمن،

ويألفه كل من يراه، ويفرح برؤيته كل محزون، ويأنس به كل مستوحش، ويأوي إليه

كل هائم، ويكون لقاؤه سلوة للمؤمنين، ومجالسته رحمة للمريدين، وكلامه موعظة

للمتقين.

٢

قوله تعالى: { الذين هم في صلاتهم خاشعون } الآية: ٢

قال القاسم في هذه الآية قال: هم المقيمون على شروط آداب الأمر مخافة أن

يفوتهم بركة المناجاة.

قال أبو سليمان: الخشوع خشوع القلب، وذلك ذل القلوب في صدورها لنظر اللّه

إليها.

وقال فارس: خشعت قلوبهم، وجوارحهم، وهممهم عند الصلاة لخشوعهم للّه

بالمناجاة.

وقال بعضهم: لما طالعوا موارد الحق عليهم، ومطالعة الحق إياهم، خشعت له

ظواهرهم.

وقال بعضهم: استكبروا أن يستكبروا في الصلاة لخشوعهم تكبرا على الكبر.

قال بعضهم: خشعت جوارحهم وهممهم عن التدنس بشيء من الأكوان لعلو

هممهم وأنشد:

* له همم لا منتهى لكبارها

* وهمته الصغرى أجل من الدهر

*

٣

قوله تعالى: { والذين هم عن اللغو معرضون } الآية: ٣

يقول سمعت منصور بن عبد اللّه، يقول سمعت أبا القاسم البزاز، يقول: قال ابن

عطاء رحمة اللّه عليه: كل ما سوى اللّه فهو لغو.

قال بعضهم: اللغو متابعة النفس وطلب هواها.

قال بعضهم: لما طالعوا الحق أخذهم عنهم، وسلبهم منهم، فأعرضوا عنه في

صحبته عنه إلى غيره، شغلهم عن الأغيار وآواهم إلى مقعد صدق عند مليك مقتدر.

٨

قوله عز ذكره: { والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون } الآية: ٨

قال محمد بن الفضيل: جوارحك كلها أمانات عندك أمرك في كل واحد منها بأمر.

فأمانة العين الغض عن المحارم، والنظر بالاعتبار. وأمانة السمع صيانتها عن اللغو

والرفث، وإحضارها مجالس الذكر. وأمانة اللسان اجتناب الغيبة والبهتان ومداومة

الذكر. وأمانة الرجل المشي إلى الطاعات والتباعد عن المعاصي، وأمانة الفم أن لا

تتناول به إلا حلالا. وأمانة اليدان أن لا تمدها إلى حرام ولا تمسكها عن الأمر

بالمعروف. وأمانة القلب مراعاة الحق على دوام الأوقات حتى لا تطالع سواه ولا تشهد

غيره، ولا تسكن إلا إليه. هذا تفسير قوله: { والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون }

ثم العهد عليك في حمل الأمانة وحفظها فمن ضيع الأمانة وصف بالظلم والجهالة.

٩

قوله عز ذكره: { والذين هم على صلواتهم يحافظون } الآية: ٩

قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه: المحافظة عليها وهو حفظ السر فيها مع اللّه وهو أن

لا يختلج فيه شيء سواه.

قال بعضهم: المحافظة على الصلاة حفظ أوقاتها والدخول فيها بشرط الخدمة والمقام

فيها على حد المشاهدة والخروج منها على رؤية التقصير.

١٠

قوله تعالى: { أولئك هم الوارثون } الآية: ١٠

قال بعضهم: الذين يفعلون إلى مواريث أعمالهم من رضا ربهم.

وقال بعضهم: الفردوس ميراث الأعمال ومجالسة الحق ميراث رؤية الفضل

والنعماء.

١٢

قوله عز وعلا: { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } الآية: ١٢

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: ابتدأ اللّه في سبب الخلق أنه أوجد نطفة ثم أنشأها

إنشاء ثم نقلهم من طبق إلى طبق، وجعلهم مضغا بعد العلق ثم بعد المضغة عظما، ثم

كسى العظم لحما، ثم أنشأه خلقا آخر، فشقق فيه الشقوق، وخرق فيه الخروق، وأمزج

فيها العصب، ومد فيها القصب وجعل العروق السايرة كالأنهار الجارية بين القطع

المتجاورة، ثم أخبر عن فعله فقال: { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } الآية.

وقال الحسين: الخلق متفاوتون في منازل خلقهم وصفاتهم، وقد كرم اللّه بني آدم

بصورة الملك، وروح النور، ونور المعرفة والعلم وفضلهم على كثير ممن خلقهم

تفضيلا.

وقال أيضا: خلق بني آدم من الماء والتراب بين الظلمة والنور، فعدل خلقهم، وزاد

المؤمنين بإيمانهم نورا مبينا، وهدى وعلما، وفضلهم على سائر العالمين، كما نقلهم في

بدء خلقهم من حال إلى حال، وأظهر فيهم الفطرة والآيات، وتكامل فيهم الصنع

والحكمة والبينات وتظاهر عليهم الروح والنور والسبحات منذ كانوا ترابا ونطفة وعلقة،

ومضغة، ثم جعلهم خلقا سويا إلى أن كملت فيهم المعرفة الأصلية.

١٤

قوله عز وعلا: { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين... إلى قوله فتبارك اللّه أحسن الخالقين } الآية: ١٤

وقال الحسين: خلق الخلق على أربع أصول فاعتدلها على أربع أصول: الربع

الأعلى: إلهية، والربع الآخر: آثار الربوبية، والربع الآخر: النورية بين فيه التدبير

والمشيئة، والعلم والمعرفة، والفهم والفطنة، والفراسة والإدراك، والتمييز ولغات

الكلام والربع الآخر: الحركة والسكون كذلك خلقه فسواه.

قوله تعالى: { ثم أنشأناه خلقا آخر }.

قال الحسين: فطر الأشياء بقدرته، ودبرها بلطف صنعه فأبدأ آدم كما شاء لما شاء،

وأخرج منه ذرية على النعت الذي وصف من مضغة وعلقة، وبدائع خلقه، وأوجب

لنفسه عند خلقته اسمه الخالق، وعند صنعة الصانع، ولم يحدثوا له اسما كان موصوفا

بالقدرة على إبداع الخلق فلما أبدأها أظهر اسمه الخالق للخلق، وأبرزها لهم، وكان هذا

الاسم مكتوبا لديه، مدعوا به في أزله اسمى بذلك نفسه، ودعا نفسه به فالخلق جميعا

عن إدراك وصفه عاجزون، وكل ما وصف اللّه به نفسه فهو له وأعز وأجل وأظهر

للخلق من نعوته ما يطيقونه، ويليق بهم فتبارك اللّه أحسن الخالقين.

قوله عز وعلا: { ثم إنكم بعد ذلك لميتون }.

قال الحسين: ملك الموت صلى اللّه عليه وسلم موكل بأرواح بني آدم، وملك الفناء موكل

بأرواح

البهائم.

وموت العلماء هو بقاؤهم إلا أنه استتار عن الأبصار، وموت المطيعين المعصية إذا

عرف من عصى وقال بعضهم: من مات عن الدنيا خرج إلى حياة الآخرة، ومن مات

عن الآخرة خرج منها إلى حياة الأصلية، وهو البقاء مع اللّه عز وجل.

١٧

قوله تعالى: { ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق } الآية: ١٧

قال بعضهم: سبع حجب متصلة بحجبه عن ربه فالحجاب الأول: عقله، والحجاب

الثاني: علمه، والحجاب الثالث: قلبه، والحجاب الرابع: حسه، والحجاب الخامس:

نفسه، والحجاب السادس: إرادته، والحجاب السابع: مشيئته، فالعقل اشتغاله تدبير

الدنيا، والعلم لمباهاته به على الأقران، والقلب بالغفلة، والحواس لإغفالها عن موارد

الأمور عليها، والنفس لأنها ما وكل إليه، والإرادة وهي إرادة الدنيا والإعراض عن

الآخرة والمشيئة وهي ملازمة الذنوب.

قال أبو يزيد رحمة اللّه عليه: إن لم تعرفه فقد عرفك وإن لم تصل إليه فقد وصل

إليك، وإن غبت أو غفلت عنه فليس بغائب عنك ولا غافل لقوله تعالى: { وما كنا عن الخلق غافلين }.

قوله تعالى: { فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا }.,

قال الجنيد رحمة اللّه عليه: من عمل على المشاهدة أورثه اللّه عليه الرضا لقوله

تعالى: { واصنع الفلك بأعيننا }.

قوله تعالى: { وقل رب أنزلني منزلا مباركا }.

قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه: أكثر المنازل بركة منزل تسلم فيه من هواجس النفس،

ووساوس الشيطان، وموبقات الهوى، وتصل فيه إلى محل القربة، ومنازل القدس،

وسلامة القلب من الأهواء، والفتن، والضلالات، والبدع.

قوله تعالى: { ثم أرسلنا رسلنا تترى }.

قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه: اتبعنا الرسل والموعظة لعلهم يطيعوا رسولا أو يتعظوا

بعظة فأبوا إلا طغيانا، وكذا فعل الكرام لا يعذب إلا بعد الدعاء والموعظة.

قال اللّه تعالى: { ثم أرسلنا رسلنا تترى كلما جاء أمة رسولها كذبوه }.

قال بعضهم: ما بعث اللّه رسله إلى أعدائه، وإنما بعث الرسل ليميز أولياءه من

أعدائه.

قوله عز وعلا: { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا }.

قال سهل رحمه اللّه: الطيبات الحلال، وفي الأكل آداب أربع.. الحلال،

والصافي، والقوام، والأدب، فالحلال الذي لا يعصى اللّه فيه، والصافي الذي لا

ينسى اللّه فيه، والقوام لا يمسك به النفس ويحفظ العقل والأدب شكر المنعم.

وقال سهل: أمروا أن يأكلوا حلالا ولا يشبعوا طغيانا، والصالحات من الأعمال

آداب الأمر بالفرض والسنة واجتناب النهي ظاهرا، وباطنا.

٥٢

قوله تعالى: { وإن هذه أمتكم أمة واحدة } الآية: ٥٢

قال القاسم: أي تفردت بشرف محمد صلى اللّه عليه وسلم وأنا ربكم وبي محمد صلى

اللّه عليه وسلم فاتقون أي لا

تنقطعوا عني بشيء سواي.

٥٣

قوله تعالى: { كل حزب بما لديهم فرحون } الآية: ٥٣

قال بعضهم: في هذه الآية ربط كل أحد بحظه في سعاياته وحركاته، والسعيد من

جذب عن حظه، ورد إلى حظ الحق فيه.

قال الواسطي رحمه اللّه: الواقفون مع المعارف على مقدار تأثير أنوار الحق فيهم لا

على قدر حركاتهم، وسعيهم لأنه ليس أحد يصل إلى معروفه مجهد، ولا اجتهاد، ومن

ظن أن من ساء أفعاله يوصله إلى مولاه فقد ظن باطلا، وسبق العناية يصون الأرواح

والأشباح وتوصل أهل معرفته إليه فمن اعتمد غير ذلك فقد سكن إلى غرور، وفرح

وهو قوله: { كل حزب بما لديهم فرحون } كيف يفرح بما لديه وليس يعلم بما سبق

له في مختوم العلم.

٥٥

قوله تعالى: { أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين } الآية: ٥٥

قال عبد العزيز المكي: من تزين زينة فانية، فتلك الزينة تكون وبالا عليه إلا من

تزين بما يبقى من الطاعات والموافقات، والمجاهدات فإن الأنفس فانية، والأموال عادية،

والأولاد فتنة، ومن تسارع في جمعها وحفظها وتعلق القلب بها قطعه من الخيرات

أجمع، وما عند اللّه بطاعة أفضل من مجاهدة النفس، ومخالفتها، والتقلل من الدنيا،

وقطع القلب عنها لأن المسارعة في الخيرات هو اجتناب الشرور، وأول الشرور حب

الدنيا لأنها مزرعة الشيطان فمن طلبها أو عمرها فهو حراثه وعبده وشر من الشيطان من

يعين الشيطان على عمارة داره قال اللّه تعالى: { أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون }.

وقال بعضهم: أول التسارع إلى الخيرات هو التقلل من الدنيا وترك الاهتمام للرزق،

والتباعد والفرار من الجمع، والمنع واختيار القلة على الكثرة، والزهد على الرعبة، قوله

٥٧

قوله تعالى: { إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون } الآية: ٥٧

قال بعضهم: الخشية، والإشفاق اثنان باطنان وهما من أعمال القلب،

والخشية سر ي القلب والإشفاق من الخشية أخفى، وقيل: الخشية انكسار القلب

بدوام الانتصاب بين يديه، ومن بعد هذه المرتبة الإشفاق، والإشفاق أرق من الخشية،

وألطف والخشية أرق من الخوف، والخوف أرق من الرهبة، ولكل منها صفة وأدب

ومكان.

٥٨

قوله تعالى: { والذين هم بآيات ربهم يؤمنون) الآية: ٥٨

قال ابن عطاء رحمه اللّه: مطالعة الكون بإيصاء القلوب فيعلم أنها في حد الفناء وما

كان بين طرفي فناء فهو فان فيؤمنون بأن الحق يفتح أبصار قلوبهم بالنظر إلى المغيبات.

٥٩

قوله تعالى: { والذين هم بربهم لا يشركون } الآية: ٥٩

قال الجنيد رحمه اللّه: من فتش سره فرأى فيه شيئا أعظم من ربه أو أجل منه فقد

أشرك به إذ جعله له مثلا.

قال أبو عثمان: الشرك الخفي الذي يعارض القلوب من رؤية الطاعات، وطلب

الجزاء والإعراض، بعد ما شهد لهم صريح الإيمان أنه لا ضار، ولا نافع، ولا معطي

سواه.

٦٠

قوله تعالى: { والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة } الآية: ٦٠

قال الواسطي رحمه اللّه: الخائف الوجل من لا يشهد حظه بحال.

قال بعضهم: وجل العارف من طاعته أكثر من وجله من مخالفته لأن المخالفة تمحوها

التوبة، والطاعة يطالب بصحتها، والإخلاص، والصدق فيها لقوله تعالى: { والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة }.

وقال سعيد بن عاصم: مخافة العارف على طاعته أشد مخافة من مخالفته، لأنه

يورث من المخالفة: الندم، والتوبة، والرجوع إليه. ويورث من الطاعة الرياء والكبر.

٦١

قوله عز وجل: { أولئك يسارعون في الخيرات } الآية: ٦١

قال أبو الحسين الوراق: ذلك بما تقدم من الآيات أن بالمسارعة إلى الخيرات تبتغي

درجة السابقين / ويطلب مقام الواصلين لا بالدعاوي، والإهمال، وتضييع الأوقات،

ومن أراد الوصول إلى المقامات من غير آداب ورياضات، ومجاهدات فقد خاب وخسر

وحرم الوصول إليها بحال.

وسمعت أبا الحسين بن مقسم يقول: سمعت جعفر الحلوي يقول: سمعت الجنيد

يقول في هذه الآية: { أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون } فقلت له: أنا

في سابق العلم فقال: هذا في التفسير، ولكن له وجه آخر قلنا له: ما هو؟ قال: ليس

أنه بدن يسبق بدنا، ولا عمل يسبق عملا، ولكن همومهم تسبق أعمالهم وهمومهم

تسبق هموم غيرهم.

٦٢

قوله تعالى: { ولا نكلف نفسا إلا وسعها } الآية: ٦٢

قال الجريري: لم يكلف اللّه العباد معرفته على قدره وإنما كلفهم على أقدارهم.

قال اللّه تعالى: { ولا نكلف نفسا إلا وسعها } ولو كلفهم على قدره وبمقداره

لجهلوه، وما عرفوه لأنه لا يعرف قدره أحد سواه، ولا يعرفه على الحقيقة سواء وإنما

ألقى إلى الخلق منها اسما ورسما إكراما لهم بذلك، وأما المعرفة فإنها التحير والهون

فيه.

قال أبو بكر بن طاهر في هذه الآية: لم يستوف أوقاتهم في عبادتهم، وإنما وقت لهم

أوقاتا ليرجعوا منها إلى صلاح أبدانهم وتعهد أحوالهم، ولم يوقت للمعرفة والذكر وقتا

لئلا يغفل عنه في حال، ولا ينسين في حال فقال: { فاذكروا اللّه قياما وقعودا وعلى جنوبهم }.

٧١

قوله تعالى { ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن }

الآية: ٧١

قال بعضهم: لولا أن اللّه أمر بمخالفة النفوس ومباينتها لاتبع الخلق أهواءهم في

شهوات النفوس ولو فعلوا ذلك لضلوا عن طريق العبودية، وتركوا أوامر اللّه،

وأعرضوا عن طاعته، ولزموا مخالفته ألا ترى اللّه يقول: { ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض }.

قال الواسطي رحمه اللّه في هذه الآية: أول ما كاشف اللّه خلقه كاشفهم بالمعارف،

ثم بالوسائل ثم بالسكينة ثم بالبصائر، فلما عاينوا الحق بالحق ونوا عن كل همة وإرادة.

٧٣

قوله تعالى: { وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم } الآية: ٧٣

قال بعضهم: أقصد الطرق، وأسد المناهج، وما يؤديك إلى الاستقامة في الطريق

وهو طريق الاتباع الذي يكشف آخرها عند السداد والصواب.

قال ابن عطاء رحمه اللّه: وإنك لتحملهم على مسالك الوصول، وليس كل أحد

يصلح لذلك السلوك، ولا يوافق لها إلا أهل الاستقامة، وهم الذين استقاموا للّه.

واستقاموا مع اللّه فلم يطلبوا منه سواه، ولم يروا لأنفسهم درجة ولا مقاما.

٧٤

قوله عز وجل: { وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون } الآية: ٧٤

قال أبو بكر الوراق: من لم يهتم لأمر معاده، ومنقلبه وما يظهر عليه في الملأ

الأعلى والمشهد الأعظم فهو ضال عن طريقته غير متبع، أرشده وأحسن منه حالا من

يهتم لما جرى له في السبق من ربه لأن هذا المصدر فرع لتلك السابقة.

قال اللّه تعالى: { وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون }.

٧٥

قوله تعالى: { ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر) الآية: ٧٥

قال الرحمة من اللّه على الأرواح المشاهدة، ورحمته على الأسرار المراقبة، وعلى

القلوب المعرفة، وعلى الأبدان آثار الخدمة على سبيل السنة.

قال أبو بكر بن طاهر: كشف الضر هو الخلاص من أماني النفس وطول الأمل

وطلب الرئاسة، والعلو، وحب الدنيا فإن هذا كله مما يضر بالمؤمن.

وقال بعضهم: ولو فتحنا لهم الطريق إلينا لأبوا الاتباع الباطل بطغيان النفس،

وعملها.

قال الواسطي رحمه اللّه: للعلم طغيان، وهو التفاخر به. وللمال طغيان وهو البخل

به، وللعمل والعبادة طغيان وهو الرياء والسمعة، وللنفس طغيان وهو اتباع هواها

وشهواتها.

٧٦

قوله تعالى: { ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا } الآية: ٧٦

قال سهل: ما أخلصوا لربهم في العبودية، ولا ذلوا له بالوحدانية.

قال محمد بن حامد: إن اللّه تعالى دعا عباده بالتعطف فلم يجيبوه، ولم يرجعوا إليه

فأنزل بهم الشدائد لعلهم ينتبهون عن غفلتهم، ويستيقظون من رقدتهم. ويطلبون طريق

نجاتهم فأبوا إلا استكبارا على ربهم وعتوا وتماديا ولم يخضعوا له في استكشاف البلاء

ولم يشكروا عند تواتر النعماء فأعرض اللّه عنهم، وطبع على قلوبهم ألا تراه يقول:

{ ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون }.

٨٤

قوله تعالى: { قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون } الآية: ٨٤

قال محمد بن الفضل: من علم أن الأشياء كلها له، ثم رجع في طلبها إلى سواه مع

علمه أنه لا يملك من ذلك شيئا فإنما ذلك من قلة العقل ورقة الدين.

٩١

قوله تعالى: { ما اتخذ اللّه من ولد وما كان معه من إله } الآية: ٩١

قال الحسين: الصمدية ممتنعة من قبول ما لا يليق بها لأن الصمدية تنافى أضدادها

على الأبد، وهي ممتنعة عن درك معانيها فكيف تبقى مع أضدادها لا يليق بها.

٩٦

قوله تعالى: { ادفع بالتي هي أحسن السيئة } الآية: ٩٦

قال القاسم: استعمل معهم ما حملناك عليه من الأخلاق الكريمة، والشفقة

والرحمة فإنك أعظم خطرا من أن يؤثر. قيل: ما يظهرونه من أنواع المخالفات.

قال بعضهم: في هذه الآية قابل أعداءك بالنصيحة وأولياءك بالموعظة ليرجع العدو

إليك وليا.

٩٩

؟١٠٠ ، قوله تعالى: { رب ارجعون لعلي أعمل صالحا } الآية: ٩٩

قال أبو عثمان: في كتاب له إلى أهل جوزجان لو علم أهل النار عملا أنجا لهم في

طاعة اللّه، والصلاح لما فرغوا في وقت العيان إلا إليه بقولهم: { رب ارجعون لعلي أعمل صالحا } فأقبل على طاعة مولاك، واجتنب الدعاوى، وإطلاق القول في

الأحوال فإن ذلك فتنة عظيمة هلك في ذلك طائفة من المريدين وما فزع أحد إلى

تصحيح المعاملات إلا أداه بركة ذلك إلى شتى الرتب، ولا ترك أحد هذه الطريقة إلا

تعطل.

١٠١

قوله تعالى: { فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ } الآية: ١٠١

قال فارس: الأنساب رؤية الأعمال، ورجاء الإخلاص بها، ولا يتساءلون لا

يتذاكرون مما جرى عليهم في الدنيا من نعيمها، وبؤسها شغلا بما هم فيه.

١٠٦

قوله جل ذكره: { ربنا غلبت علينا شقوتنا } الآية: ١٠٦

قال أبو تراب: الشقوة حسن الظن بالنفس، وسوء الظن.

١١١

قوله تعالى: { إني جزيتهم اليوم بما صبروا } الآية: ١١١

قال أبو عثمان: ما صبروا حتى أكرموا بالبر، والصبر حبس النفس عن الشهوات

وحملها على الموافقات، ومخالفة الأهواء، والإرادات، فاللّه تعالى أكرمهم بالصبر ثم

أثابهم عليه وكذا الكريم يعطى، ويثيب على قبوله له، والثواب على العطاء من الكريم

بدل الامتنان على العطاء من اللئيم.

قال بعضهم: من صبر على مخالفة النفس أمن طغيانها وتعذيبها.

وقال أبو بكر بن طاهر: إنهم هم الفائزون قال: الآمنون من أهوال يوم القيامة.

قال ابن عطاء رحمه اللّه: صبروا عن الخلق، وصبروا مع اللّه.

١١٥

قوله تعالى: { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا } الآية: ١١٥

سمعت على القياي يقول: سمعت يحيى بن معاذ يقول: المغبون من عطل أيامه

بالبطالات.

سمعت أبا بكر بن محمد بن عبد اللّه بن شاذان يقول: سمعت أبا بكر السباك

يقول: سمعت يوسف بن الحسن يقول: سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول: لا يصل

إلى قلبك روح التوحيد، وله عندك حق لم تؤده.

قال الواسطي رحمه اللّه: أظهر الأكوان يظهر آثار الولايات على الأولياء، وآثار

الشقاوة على الأعداء.

١١٦

قوله تعالى: { فتعالى اللّه الملك الحق } الآية: ١١٦

قال الواسطي: الحق لا يحتمله إلا الحق حجب الأكوان بالصفات والنعوت ثم

حجب النعوت بالحقيقة وقال: الحق أعجز الخلق أن يدركوا بإدراكهم، وإنما يدرك

بإدراكه.

قال ابن عطاء: تعالى أن تغيره الدهور أو تجرى عليه هوادج الأمور نفى الأشكال عن

نفسه بتعاليه، ونفى الأضداد والنظر عن نفسه بتمام ملكه عز وعلا.

  ذكر ما قيل في سورة النور

﴿ ٠