سورة النور

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله تعالى: { سورة أنزلناها وفرضناها } الآية: ١

قال سهل: جمعناها وبينا حلالها وحرامها.

قوله تعالى: { وأنزلنا فيها آيات بينات } الآية: ١

قال بعضهم: لو لم يكن من آيات هذه السورة إلا براءة الصديقة بنت الصديق،

حبيبة حبيب اللّه لكان كثيرا فكيف وقد جمعت من الأحكام والبراهين ما لم يجمعه

غيرها.

٢

قوله عز وجل: { ولا تأخذكم بهما رأفة في دين اللّه } الآية: ٢

قال بعضهم: إن كنتم من أهل عودتي ومحبتي فخالفوا من يخالف أمري أو يرتكب

نهيا، ولا يكون محبا من يصير على مخالفتي.

قال الجنيد رحمه اللّه: الشفقة عل المخالفين كالإعراض على المنافقين.

٥

 { إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر } الآية: ٥

قال الواسطي رحمه اللّه: جعل للمؤمن في كل نظرة فائدة فمن يتعظ استفاد، ومن

غفل حجب وخاب.

قوله تعالى وتقدس: { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين }.

قال أبو بكر بن طاهر: لا يشهد مواضع التأديب إلا من لا يستحق التأديب وهم

طائفة من المؤمنين لا المؤمنون أجمع.

وقال أبو عثمان: في هذه الآية أولئك طائفة يصلحون لمشاهدة ذلك المشهد بصحة

إيمانهم، وتمام شفقتهم ورأفتهم، ورحمتهم ورؤية نعم اللّه عليهم حيث عافاهم مما ابتلى

غيرهم، ولا يعيرون المبتلى لعلمهم يجريان المقدور، ولا يشهد ذلك المشهد سفهاء من

الناس ومن لا يعرف موضع النعمة في الدفع.

قوله تعالى: { إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا } الآية: ٥

قال بعضهم: علامة تصحيح التوبة، وقبولها ما يعقب الصلاح والتوبة هي الرجوع

من كل ما يذمه العلم واستصلاح ما تعدى في سالف الأزمنة، ومداواتها باتباع العلم

ومن لم تعقب توبته الصلاح كانت توبته بعيدة عن القبول.

١٤

قوله تعالى: { ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته } الآية: ١٤

سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء

رحمه اللّه: ولولا فضل اللّه عليكم في قبول طاعاتكم لخسرتم بما ضمن لكم آخرتكم،

ولكن برحمته نجاكم من خسرانكم، وتفضل عليكم.

قال بعضهم: من لا يرى فضل اللّه عليه في جميع الأحوال فهو ساقط عن درجة

المعرفة فإن أوائل المعرفة رؤية الفضل، ومن شاهد الفضل لا يغني عن الشكر والتزام

المنة، ونعمته في الدنيا والعافية وفي الآخرة الرضا.

قوله تعالى: { إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا)

 * الآية: ١٥

قال عبد اللّه بن المبارك: ما أرى هذه الآية نزلت ألا فيمن اعتاد الدعاوى العظيمة،

ويجترئ على ربه في الأخبار عن أحوال الأنبياء، والأكابر ولا تمنعه عن ذلك هيبة ربه،

ولا حياؤه.

وقال الترمذي: من أخبر عن اللّه بما لا يليق به فقد أخرج نفسه عن حدود الأمانة،

ودخل في ميادين الخيانة، واللّه لا يحب الخائنين.

وقال أيضا: من تهاون بما يجري عليه من الدعاوى فقد صغر ما عظم اللّه لأن اللّه

يقول: { وتحسبونه هينا وهو عند اللّه عظيم }.

٢١

قوله جل ذكره: { ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا }

الآية: ٢١

قال السياري: قال اللّه: ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته ولم يقل ولولا فضل

عبادتكم وصلاتكم، وجهادكم، وحسن قيامك بأمر اللّه ما نجا منكم من أحد أبدا ليعلم

أن العبادات وإن كثرت فإنها من نتائج الفضل.

٢٢

قوله تعالى: { وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر اللّه لكم } الآية: ٢٢

قال بعضهم: العفو هو الستر على ما مضى، وترك التأنيب فيما بقي.

قال أبو علي الحوزجاني: الصفح هو الإغماض على المكروه.

وقال محمد بن علي: وليعفوا عن من ظلمهم وليصفحوا عن من أساء إليهم.

٢٦

قوله تعالى: { الخبيثات للخبيثين } الآية: ٢٦

قال سهل: أي خبيثات القلوب للخبيثين من الرجال وخبيثو القلوب للخبيثات من

النساء.

وقال: الخبيث من لم يراع أوامر اللّه ونواهيه.

وقال الحسين: الخبيث الناظر إلى الخبائث بعين الطهارة.

وقال عبد العزيز المكي: الدنيا وخيانتها للمخبثين من الرجال المحبين لها، ولهم

تصلح الدنيا، والمحبون الدنيا للخبيثات أي: للدنيا، ولها يصلحون.

قوله تعالى: { والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات } الآية: ٢٦

قال عبد العزيز: الطيبات هي الآخرة، وكرامتها للطيبين المحبين لها، ولهم تصلح

الآخرة، والطيبون للطيبات المحبون للآخرة، الطيبات والآخرة وكرامتها يصلحون.

٣٠

قوله تعالى { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) الآية: ٣٠

قال ابن عطاء: إبصار الرؤوس عن المحارم، وإبصار القلوب عما سواه.

قال الصادق في هذه الآية: الغض عن المحارم، وعما لا يليق بالحق فرض على

العباد، فرض الفرض غض المخاطر عن كل ما يستجلبه العبد، ومعناه حفظ القلب

وخواطره عن النظر إلى الكون فيكون به طريدا غافلا محجوبا وإن كان ذلك ما حاله في

الظاهر.

٣١

قوله تعالى: { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } الآية: ٣١

قال الحسين: زينة الدنيا، وما فيها بالنسيان والغفلة والتأويل والشهوة، والنفس،

والعدو، وأشباه ذلك فهذه زينة الدنيا فلا يبدين، ولا يخفين شيئا من هذه الأحوال إلا

ما ظهر منها على حد الغفلة.

قال بعضهم: الحكمة في هذه الآية لأهل المعرفة أنه من أظهر شيئا من أفعاله إلا ما

ظهر عليه من غير قصد له فيه فقد سقط به عن رؤية الحق لأن ما وقع عليه رؤية الخلق

ساقط عن رؤية الحق.

وقال بعضهم: أزين زينة تزين بن العبد للطاعة فإذا أظهرها فقد ذهبت زينتها.

قوله تعالى: { وتوبوا إلى اللّه جميعا } الآية: ٣١

قال الواسطي رحمه اللّه: التوبة عدم المألوفات أجمع.

وقال بعضهم: التوبة قتل النفس عن الشهوات وملازمة الندم خوفا من فوت الحظ.

قال بعضهم: التوبة هي التي تورث صاحبها الفلاح عاجلا و آجلا.

قال اللّه تعالى: { وتوبوا إلى اللّه جميعا أيها المؤمنون }.

قال يوسف: من طلب الفلاح، والسلامة، والنجاة، والاستقامة فليطلبه في

تصحيح توبته، ودوام تضرعه وإنابته فإن في تصحيح التوبة تحقيق الإيمان والوصول

إلى حقيقة المعرفة.

قال اللّه تعالى: { وتوبوا إلى اللّه جميعا } الآية.

٣٢

قوله تعالى: { إن يكونوا فقراء يغنيهم اللّه من فضله } الآية: ٣٢

سمعت عبد اللّه الرازي يقول: سمعت أبا عثمان يقول: لأن يغنيك عنها خير من أن

يغنيك بها يعني الدنيا.

وقال بعضهم: من صح افتقاره إلى اللّه صح استغناه باللّه.

٣٣

قوله تعالى: { فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا } الآية: ٣٣

قال: في التفسير صدقا، ووفاء.

قال بعضهم: صحة اعتقاد ودوام اجتهاد.

قال الجنيد: كلما بالحق وعملا به.

وقال بعضهم: محبة لأهل الصلاح وميلا إليهم.

٣٥

قوله عز وجل: { اللّه نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة } إلى قوله:

 { يهدي اللّه بنوره من يشاء } الآية: ٣٥

قال ابن عطاء رحمه اللّه: زين اللّه تعالى السماوات بإثني عشر برجا وهو: الحمل،

والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس،

والجدي، والدلو، والحوت. وزين قلوب العارفين بإثني عشرة خصلة: الذهن

والانتباه، والشرح والعقل، والمعرفة، واليقين، والفهم والبصيرة، وحباء القلب،

والرجاء، والحياء، والمحبة فما دام هذه الروح قائمة يكون العالم على النظام والسعة.

وكذلك ما دامت هذه الخصال في قلب العارفين يكون فيها نور العافية وحلاوة العبادة.

قال أبو سعيد الخراز: في قوله: { اللّه نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح } المشكاة: جوف محمد صلى اللّه عليه وسلم، والزجاجة: قلبه، والمصباح: النور

الذي قد

جعل اللّه فيه كأنها كوكب دري توقد من شجرة مباركة، والشجرة: إبراهيم صلى اللّه عليه

وسلم جعل

اللّه في قلبه من النور ما جعل في قلب محمد صلى اللّه عليه وسلم.

قال ابن مسعود: مثل نور المؤمن كمشكاة، وهي الكوة التي تنفذ لها إشارة إلى صدر

المؤمن فيها مصباح وهو نور قلب المؤمن والمصباح في زجاجة والزجاجة سر المؤمن.

قال النبي صلى اللّه عليه وسلم ((إن للّه أوان فأحبها إليه ما صفا ورق كأنها كوكب

دري)).

قال الواسطي رحمه اللّه: نفس خلقها اللّه مؤمنة فسماها شجرة مباركة كشجرة

الزيتونة.

قال سهل: مثل نور محمد صلى اللّه عليه وسلم.

وقال سفيان الثوري رحمه اللّه: مثل نور القرآن.

وقال الحسن البصري: عني بذلك قلب المؤمن، وضياء التوحيد لأن قلوب الأنبياء

أنور من أن توصف بمثل هذه الأنوار.

قوله تعالى وتقدس: { لا شرقية ولا غربية } الآية: ٣٥

قال ابن عطاء: لا قرب فيها، ولا بعد، فاللّه من القرب بعيد، ومن البعد قريب.

قال جعفر رضي اللّه في هذه الآية: لا خوف يجلب القنوط، ولا رجاء يجلب

الانبساط، فيكون قائما من الخوف والرجاء.

قال الواسطي رحمه اللّه: لا دنيا به، ولا آخر به جذبها الحق إلى قربه، وأكرمها

بضيائه { يكاد زيتها يضيء } يكاد ضياء روحها يتوقد، { ولو لم تمسسه نار } أي ولو

لم

يدعه نبي، ولا يسمعه كتاب، { نور على نور } نور الهداية وافق نور الروح، { يهدي اللّه لنوره من يشاء } لا باجتهاد المجتهدين، وطلب الطالبين وهرب الهاربين.

قال الجنيد رحمة اللّه تعالى في قوله: { اللّه نور السماوات والأرض } قال هو منور

قلوب الملائكة حتى سبحوه، وقدسوه، ومنور قلوب الرسل حتى عرفوا حقيقة المعرفة،

وعبدوه حقيقة العبودية، وكذلك المؤمنون فقال: أنا منور قلوبكم بالهداية، والمعرفة.

وقال الجنيد رحمه اللّه في قوله: { لا شرقية ولا غربية } لا هي مائلة إلى الدنيا، ولا

راغبة في الآخرة، فانية الحظ من الأكوان.

قال الواسطي رحمه اللّه في قوله { اللّه نور السماوات والأرض } قال: ك هاد.

قال بعضهم: منور قلوبهم بنور الإيمان مثل القلوب كمشكاة فجعل سويداء قلبه

كزجاجة، لا يدخلها شيء وقاه من الضلالة والردى مصانة بالتسديد والهدى فهو منورها

بهدايته وموفقها لطاعته.

قال أبو علي الجوزجاني: { اللّه نور السماوات والأرض } بدأ بنوره والنور البيان

فاللّه نور السماوات، ومن نوره اليقين سراج مضى في قلب المؤمن كما قال اللّه: { مثل نوره } يعني في قلب المؤمن لأن قلب المؤمن منور بالإيمان، فنور قلبه من نور اللّه بيانا

مبينا. فهو ينظر بنور ربه إلى جميع ملكه، فيرى فيها بدائع صنعه، ويرى بنور المعرفة

قدرة اللّه وسلطانه، وأمره، وملكه فيفتح له بذلك النور علم ما في السماوات السبع،

وما في الأرضين علما يقينا. فيخضع له الملك، ومن فيه، فيجيبه كل شيء على ما يحبه

ويهدي مثل ذلك النور كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة فنفس المؤمن بيت،

وقلبه مثل قنديل، ومعرفته مثل السراج وفوه مثل الكوة، ولسانه مثل باب الكوة،

والقنديل معلق بباب الكوة، إذا افتتح اللسان بما في القلب من الذكر استضاء المصباح

من كوته إلى العرش، والزجاجة من التوفيق، وفتائلها من الزهد، ودهنها من الرضا

وعلائقها من العقل وهو قوله { نور على نور }.

قوله تعالى وتقدس: { يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار } الآية: ٣٥

يكاد يزهر من قلب المؤمن على لسانه إذا ذكر اللّه ما بين المشرق والمغرب.

قال الجنيد رحمه اللّه في قوله: { اللّه نور السماوات والأرض مثل نوره } الآية.

قالت طائفة معناه: منور قلوب أهل السماوات والأرض بنور الأيمان، ومثل القلب

كالمشكاة، وجعل سويداء القلب كالزجاجة لا بدخلها شيء موقاه من الضلالة، والردى

مصانة بالسديد والهدى وهو منورها بهداه وموفقها بطاعته.

وقال: ليس بشرقية ولا غربية. قال: ليس بيهودية ولا نصرانية. ثم قال: كالكوكب

الدري فذكر الدر لنفاسة الدر، وعظيم خطره في قلوب الخلق، أنه موجود في قعر

الأبحر لا يناله إلا الغواصون وهم الراسخون في العلم، غاصوا بأرواحهم في الغيب

فاستخرجوا نفيس الذخائر، وجليل الجواهر فنطق عليهم وعنهم لما في قلوبهم يكاد زيتها

يضيء والزيت التوفيق.

وقال جعفر بن محمد رضي اللّه عنه: الأنوار تختلف

أولها: نور حفظ القلب، ثم نور الخوف، ثم نور الرجاء، ثم نور الحب، ثم نور

التفكر، ثم نور اليقين، ثم نور التذكر، ثم النظر بنور العلم، ثم نور الحياء، ثم نور

حلاوة الإيمان، ثم نور الإسلام، ثم نور الإحسان، ثم نور النعمة، ثم نور الفضل، ثم

نور الآلاء، ثم نور الكرم، ثم نور العطف، ثم نور القلب، ثم نور الإحاطة، ثم نور

الهيبة، ثم نور الحياة، ثم نور الأنس، ثم نور الاستقامة، ثم نور الاستكانة، ثم نور

الطمأنينة، ثم نور العظمة، ثم نور الجلال، ثم نور القدرة، ثم نور العدل، ثم نور

القوة، ثم نور الإلهية، ثم نور الوحدانية، ثم نور الفردانية، ثم نور الأبدية، ثم نور

السرمدية، ثم نور الديمومية، ثم نور الأزلية، ثم نور البقائية، ثم نور الكلية، ثم نور

الهيبة، ولكل واحد من هذه الأنوار أهل وله حال، ومحلها، وكلها من أنوار الحق التي

ذكرها اللّه في قوله: { اللّه نور السماوات والأرض } ولكل عبد من عبيده مشرق من

نور هذه الأنوار وربما كان حظه من نورين، ومن ثلاث، ولا تتم هذه الأنوار لأحد إلا

لمحمد صلى اللّه عليه وسلم، وأنه القائم مع اللّه بشروط تصحيح العبودية، والمحبة فهو

نور وهو من ربه

على نور من ربه.

وقال بعضهم: نور السماوات الملائكة، ونور الأرض الأولياء.

وقال بعضهم: النور في السماء إظهار الهيبة، والنور في الأرض إظهار القدرة.

وقال بعضهم: { مثل نوره كمشكاة }: قال مثل نوره في قلب العبد المخلص،

كمشكاة والمشكاة القلب والمصباح النور الذي قذف فيه المصباح في زجاجة النور مؤيد

بالتوفيق، والتوفيق مثبت فيه بصحة المعرفة، والزجاجة كأنها كوكب دري كالنور والمعرفة

تضيء في قلب العارف بنور التوفيق، مصباح النور كالكوكب الدري، والكوكب الدري

كنور المعرفة الذي يضيئ من قلب المؤمن، توقد من شجرة مباركة تضيئ على شخص

مبارك وهو نفس المؤمن متى تبين أنوار باطنة على آداب طاهرة، وحسن معاملته زيتونة

لا شرقية ولا غربية، جوهرة صافية لاحظ لها في الدنيا، ولا في الآخرة، لاختصاصها

بمولاها، و تفردها بالفرد الجبار.

وقيل: { لا شرقية ولا غربية }.

ولا مشركة في أعماله ولا مرابية في أحواله يكاد

نور معرفة قلب المؤمن نطق بما في سره، ويضيء على من يصحبه ويتبعه وإن لم يكن له

منها علم، ولا عنها خير ((نور على نور)) نور المعرفة يزيد على نور الأيمان: وقيل: نور

على نور، نور المشاهدة يغلب على نور المتابعة.

وقيل: نور الجمع يعلو أنوار التفرقة، وقيل: نور الروح يهدي إلى السر شعاع

الفردانية، ونور السر يهدي إلى القلب ضياء الوحدانية، ونور القلب يهدي إلى الصدر

حقيقة الإيمان، ونور السر يهدي إلى الصدر آداب الإسلام فإذا جاء نور الحقيقة غلبت

هذه الأوار وإفراد العارف عنها وأفناه منا وحصله في محل البقاء مع الحق متسما بسمته

مترسما برسمه، ولا يكون للحدث عليها أثر بحال لأن محل أنوار الأحوال هو القيام

معها ورؤيتها والسكون إليها فإذا جاء نور الحقيقة أفناه عن الحظوظ والمشاهدات، وإذا

علا نور الحق خمدت الأنوار كلها وصارت الأحوال دهشا في فناء، وفناء في دهشة،

وهو بحصول اسم ورسم وذهاب الحقيقة في عين الحق يهدي اللّه لنوره من يشاء،

يخص اللّه بهذه الأنوار من سيقت له المشيئة فيه بالخصوصة ويضرب اللّه الأمثال للناس.

قال العقلاء الألباء الذين خصوا بالفهم عنه، والرجوع إليه لعلهم يتفكرون في أن

الذي خصهم بهذه الأنوار والمراتب من غير سابقة إليه، ولا يتقرب إليه إلا بفضله

وكرمه دون التسبيح والصلوات.

قال بعضهم في قوله تعالى: { اللّه نور السماوات والأرض } قال: هو شواهد

ربوبيته ودلائل توحيده ظاهر فتمثل معرفته في قلوب العارفين كمصباح في مشكاة شبه

نور المعرفة في القلوب بالمصباح، وشبه قلب المؤمن بالقنديل.

قال بعضهم: المصباح سراج المعرفة وفتيلته الفرائض وذهنه الإخلاص، ونوره نور

الاتصال كلما ازداد الإخلاص صفاء ازداد المصباح ضياء، وكلما ازدادت الفرائض

حقيقة ازداد المصباح نورا.

قال بعضهم: من عرف أن اللّه نور السماوات والأرض لم يمن على اللّه بطاعته، ولا

بذكره، ولا بصدقه ولا بشيء من أبواب الخير لأن اللّه جل جلاله أجرى ذلك على

يديه، ونور قلبه وهداه واجتباه واصطفاه وجباه لأن اللّه يقول: { اللّه نور السماوات والأرض }.

قال الواسطي: نور قلوب الرسل حتى عرفوه وعبدوه وكذلك نور قلوب المؤمنين

فقال: اللّه نور السماوات والأرض نور قلوبهم فأضاءت برضوانه السابق بمحبته القديمة،

وبمودته الأزلية وموالاته السرمدية فلما خاطبها قالت: لبيك فجدد المنة عليهم فهذا

قوله: { اللّه نور السماوات والأرض }.

وقال الحسين: في قوله: { اللّه نور السماوات والأرض } قال منور قلوبكم حتى

عرفتم ووجدتم وختم بقوله: { يهدي اللّه لنوره من يشاء } فكان أول ابتدائه اللّه نور

السماوات والأرض إني أنا مبتدئ النعم ومتممها والآخر خاتمه فالأول فضل والآخر

مشيئة فهو المجتبي لأوليائه والهادي لأصفيائه.

قال الحسين: إن اللّه نور السماوات والأرض، وهو نور النور يهدي من يشاء بنوره

إلى قدرته، وبقدرته إلى غيبة، وبغيبه إلى قدمه، وبقدمه إلى أزله، وأبده بأزله وأبده

إلى وحدانيته، لا إله إلا هو المشهود شأنه بقدرته، تقدس وتعالى يزيد من يشاء علما

بتوحيده ووحدانيته،

وتنزيهه، وإجلال مقامه وتعظيم ربوبيته.

قال الواسطي: { يكاد زيتها يضيء } الزيت التوفيق والنار التسديد، والنور القرآن،

قال يهدي اللّه لنوره من يشاء فأخذ الكسب من المؤمنين وأثبت اختصاصه ورحمته

ومشيئته بقوله: { يختص برحمته من يشاء } وأثبت الإرادة فلما أثبت الإرادة قال: { اللّه نور السماوات والأرض } قال: أنا منور قلوب عبادي بتوحيدي ومنهجها بتفريدي،

والمتولي لها بالفضل والرحمة، والاختصاص والمشيئة والاصطفاء، وقال إن اللّه تعالى

خلق الأرواح قبل الأجساد، ونورها بصفاته، وخاطبها بذاته فاستضاءت واستنارت بنور

قدسه فأخبر عنها بقوله: { اللّه نور السماوات والأرض } لأنه منور الأرواح بكمال نوره.

قال الخراز: من خلقه من نوره ثم أحرقه بنوره ثم أعاده في أكبر كبريائه من نور إذا

خلى له لم يحترق لأنه يكون هو نور من نوره على نور من نوره,

 قال اللّه تعالى: { نور على نور } الآية: ٣٥

قال الجوزجاني في قوله: { نور على نور } الرجاء مثل النور والخوف مثل النور،

والمحبة مثل النور فإذا اجتمعت في قلب المؤمن يكون نور على نور يهدي اللّه لنوره من

يشاء يوصل اللّه إلى هذه الأنوار من نوره في الأزل، بأنوار قدسه فتغير هذه الأنوار التي

في الباطن على الظاهر في أداء الفرائض، واجتناب المحارم، وأعمال الفضائل، والتطوع

فيصير المؤمن منورا بنور اللّه وإلى اللّه متصلا بتوحيده يحول معه في ميادين الرضا

ويجتبي ثمرات المحبة والصفاء فإن عمل أخلص، وإن فتر تحقر وهذا بيان قوله: { نور على نور يهدي اللّه لنوره من يشاء } بنوره إلى قدرته، وبقدرته إلى غيبه وبغيبه إلى قدمه

وبقدمه إلى أزله، وبأزله وأبده إلى وحدانيته.

قال الحسين: في الرأس نور الوحي، وبين العينين نور المناجاة وفي السمع نور

اليقين، وفي اللسان نور البيان، وفي الصدر نور الإيمان، وفي الطبائع نور التسبيح،

فإذا التهب شيء من هذه الأنوار غلب على النور الآخر فأدخله في سلطانه فإذا سكن

عاد سلطان ذلك النور أوفر، وأتم مما كان فإذا التهب جميعا صار نورا على نور { يهدي اللّه لنوره من يشاء }.

وقال بعضهم: { اللّه نور السماوات والأرض }: الآخرة نور على نور متصلة الأزل.

وقال بعضهم: من خلقه من نوره وأحرقه بنوره ثم أعاده بأكبر كبريائه من نوره ثم

إذا تجلى له لم يحترق لأنه نور من نوره، في نوره.

قال اللّه تعالى: { اللّه نور السماوات والأرض } على نوره يهدي اللّه لنوره من يشاء.

وقال الجوزجاني: { اللّه نور السماوات والأرض } بدأ بنوره والنور البيان فالسماوات

والأرض منورة بنور اللّه وبيانه ومن نوره، وبيانه نور اليقين وهو سراج منير في قلب

المؤمن كما قال اللّه تعالى: { مثل نوره } في قلب المؤمن منور بالإيمان يلمع به لأنه

حبيب اللّه، ونوره بنور اللّه ونظر إلى السماوات بنور اللّه فاستغرقت السماوات والأرض

في نور اللّه فيرى ربه بنوره في السماوات أنها صفة روقها بغير عمد من تحتهن ولا علائق

من فوقهن متمسكات بقدرته فنظر بنور اللّه من مملكته إليه، ومنه إلى مملكته فخضع له

وأطاعه { مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة } المشكاة نفس العارف

كأنها

كوكب دري بنفسه مثل بيت، وقلبه مثل قنديل، ومعرفته مثل السراج وفاه مثل الكوة

ولسانه مثل باب الكوة.

والقنديل يتعلق بباب الكوة ودهنها اليقين، وفتيلتها من الزهد، وزجاجتها من الرضا

وعلائقها من العقل إذ فتح اللسان بإقرار ما في القلب استضاء المصباح من كوته إلى

عرش الرحمن فالتوفيق نور من اللّه توقد سراجه فاستضاء في الكوة إلى عبد رب العزة

وفيها ثلث جواهر منورة في نورها الخوف، والرجاء، والحب فالخوف مثل نار منور،

والرجاء مثل نور من خوف، والحب نور على نور كأنه كوكب دري توقد من شجرة

القرآن مبارك شهر غض طري من زيتونة منزل من عند اللّه لا شرقية ولا غربية لا من

أساطير الأولين، ولا من بدائع الآخرين يكاد زيتها يضيء يزهر من قلب المؤمن على

لسانه إذا أقرأ ما بين المشرق والمغرب ولو لم تمسسه نار نور من نور، نار من الخوف

على نور من المعرفة منورة، ونور الرجاء على نور الحب منور إذا فتح فاه بلا إله إلا اللّه

وبالقرآن من النور الذي في قلبه من معرفة اللّه يهيج منه نار الخوف مع نور الرجاء على

نور الحب فاستضاءت هذه الأنوار من كوة فمه ففتح الباب وازداد ضوؤه بأداء

الفرائض، واجتناب المحارم وأعمال الفضائل فصار المؤمن منورا بنور اللّه واصلا إلى اللّه

متصلا بتوحيده إليه إن أعطاه شكر، وإن ابتلاه صبر وإن عمل اخلص وصار مستغرقا

في النور كلامه نور، وعلمه نور ومدخله نور، ومخرجه نور وظاهره نور، وباطنه نور،

وهو في نور اللّه بين الأنوار، نور على نور يهدى اللّه لنوره من يشاء ويضرب اللّه

الأمثال للناس، واللّه بكل شيء عليم.

قال الجنيد رحمه اللّه: أخذهم من أعمالهم، واجتهادهم وطاعاتهم وردهم إلى

صرف الملازمة وأثبت لهم باختصاصه ورحمته. فقال: { يهدي اللّه لنوره من يشاء }.

وقال أيضا: يهدي اللّه لنوره من يشاء وكان الأول ابتداء والآخر خاتمة، فقال: أنا

مبتدئ النعم ومتممها.

وقال بعضهم: للمؤمن ثمانية أنوار: نور الروح، ونور السر، ونور على نور، وهو

نور الهداية وافق نور الروح، ونور الروح، ونور العلم، ونور التوفيق، ونور العصمة،

ونور القسمة، ونور الحياة.

قال بعضهم: في قوله: { لا شرقية ولا غربية } إخبارا عن الإيمان وأوامره إنها

ليست بشديدة ولا لينة لأن في أهل الشرق جفوة كما اخبر الرسول صلى اللّه عليه وسلم

وفي أهل

المغرب لينة.

وقال: ما هذه الشجرة التي مثلها مثل الإيمان لا بشرقية جافية ولا غربية لينة لكنها

متوسطة المعاني سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا جعفر الملطى يقول عن علي

بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد الصادق رضي اللّه عنه وعنهم قال:

نور السماوات بنور الكواكب والشمس والقمر ونور الأرضين بنور النبات الأحمر،

والأصفر، والأبيض وغير ذلك، ونور قلوب المؤمنين بنور الإيمان، والإسلام ونور

الطريق إلى اللّه جل جلاله بنور أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان اللّه عليهم

ورحمته فمن اجل ذلك قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: ' أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم

اهتديتم '.

وقال أيضا: في هذه الآية نور السماوات بأربع: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل،

وعزرائيل عليهم السلام. ونور الأرض بأبى بكر وعمر وعثمان وعلي رضي اللّه

عنهم.

٣٦

قوله تعالى: { في بيوت أذن اللّه أن ترفع } الآية: ٣٦

قال بعضهم: رفع فيها الحوائج إلي.

وقال أبو عثمان: إذا دخلت المسجد فادفع عن قلبك كل هم سوى اللّه فإن اللّه عز

وجل خص بها الرفع والذكر فقال تعالى: { في بيوت أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه)

 * الآية:: ٣٦

وقال بعضهم: ترفع الحوائج من القلوب وتشتغل القلوب بالذكر إن النبي صلى اللّه عليه

وسلم يقول

حاكيا عن ربه تعالى: ' من شغله ذكرى عن مسألتي أعطيه أفضل ما أعطى السائلين '.

٣٧

قوله تعالى: { لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه } الآية: ٣٧

قال ابن عطاء رحمه اللّه: خزائن الودائع، ومواضع الأسرار.

قال بعضهم: رجال قلوبهم متعلقة بالسوابق والخواتيم فأشغلهم حزن ما جرى عليهم

في الأول، وحزن ما يردون عليه من العاقبة عن الاشتغال بالدنيا، والتقلب فيها والتمتع

بها.

سمعت النصرآباذي يقول في هذه الآية: رجال اسقط عنهم المكون ذكر المكنونات

فلا تشغلهم الأسباب عن المسبب.

وقال جعفر: هم الرجال من بين الرجال عن الحقيقة لأن اللّه حفظ سرائرهم عن

الرجوع إلى ما سواه وملاحظات غيره، فلا تشغلهم تجارات الدنيا ونعيمها وزهرتها، ولا

الآخرة، وثوابها عند اللّه لأنهم في بساتين الأنس، ورياض الذكر.

قال اللّه تعالى: { لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه }.

وقال بعضهم: أسقط اللّه اسم الرجولية عن العاملين إلا من عامل اللّه على

المشاهدة، ولم يؤثر عليه الأكوان فقال: رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه.

قال الواسطي رحمه اللّه: الأذكار ثلاثة: ذكر السطوة على الخوف والحزن والرجل

وذكر اليد وهو المنه والسبق بالفضل، وذكر النعمة، وهو الفضل لا يقف بين يديه

موقفا، والآخر فيه مقال وذكر وهو ذكر المشاهدة، وذلك هو ذكر الرجال.

 قال اللّه عز وجل: { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه } الآية: ٣٧

قوله تعالى: { يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار } الآية: ٣٧

سمعت النصرآباذي يقول: النفوس في التنقيل، والقلوب في التقليب.

قال الحسين: خلق اللّه القلوب، والأبصار على التقلب، وجعل عليها أغطية وستورا

وأكنة وأففالا، لأهتكن الستور بالأنوار، وترفع الحجب بالذكر وتفتح الأقفال بالقرب.

وقال الحسين: إذا علمت أنه مقلب القلوب والأبصار فليكن شغلك في النظر إلى

أفعاله فيك، وتوق الخلاف والغفلة.

قال الواسطي رحمه اللّه: يخافون يوما تتقلب فيه القلوب للعامة تتقلب قلوبهم

حذرا لما يرد عليهم من دحض الأعمال.

قال اللّه تعالى: { وبدا لهم من اللّه ما لم يكونوا يحتسبون } الزمر: ٤٧

٣٩

قوله عز وجل: { والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء }

الآية: ٣٩

قال ابن عطاء رحمه اللّه: يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا قلت: ليس

فيه شيء من أنوار اللّه فعبر بما فيه رجوعه إلى الأسباب، والفقير من يكون رجوعه إلى

غير الحق يحسب أن رجوعه إلى غيره. يعني: وهو كسراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا

جاء لم يجده شيئا إذا تبين له أن الرجوع إلى الأسباب شرك فيظهر له أن الرجوع إلى

الحق هو الإيمان.

قال اللّه تعالى: { ووجد اللّه عنده } أي وجد الطريق إليه.

 قال ابن عطاء رحمه اللّه في قوله تعالى: { حتى إذا جاءه لم يجده شيئا } الآية: ٣٤

قال: ما وجد الخلق سوى الخلق وأنى للحق أن يكون للخلق إليه طريق إذ لا يعرفه

سواه، ولا يشهده غيره.

قال جعفر: أظلتهم ظلم صحبة الاغيار فكانت على قلوبهم مثل السراب لم يغن

عنهم شيئا ولم تدلهم على حق، ولو وجدوا السبيل إلى اللّه لأضات سرائرهم وكانت

كما قال اللّه تعالى: { نور على نور }.

قال بعضهم: القلب الذي تعلق بشيء غير اللّه فهو فقير بما فيه لأن الفقر صحبة

الاشكال، والغنى الرجوع إلى اللّه من الخلق.

قال ابن عطاء رحمه اللّه: كل ما دون اللّه فهو فقر، وكل قلب فيه محبة شيء

سوى اللّه فهو فقير.

٤٠

قوله عز وجل: { ومن لم يجعل اللّه له نورا فما له من نور } الآية: ٤٠

قال الواسطي رحمه اللّه: قيل ما علامة النور؟ قيل: من كان نوره أقوى كان تيقظه

أدوم، ومن كان نوره أضعف كان ذكره مرة وعطبه مرة، ومن قويت أنواره فنيت

أعماره.

قال القاسم: من لم يجعل اللّه له نورا وقت العتمة فما له من نور وقت الخلقة.

سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت محمد بن موسى الواسطي يقول: إن اللّه لا

يقرب فقيرا لأجل فقره ولا يبعد غنيا لأجل غناه، وليس للإعراض عنده خطر حتى بها

يصل، وبها يقطع، ولو بذلت له الدنيا والآخرة ما أوصلك به، ولو اخذتهما كليهما ما

قطعت به قرب، من قرب من غير علة، وقطع من قطع من غير علة، كما قال اللّه عز

وجل: { ومن لم يجعل اللّه له نورا فما له من نور }.

٤٤

قوله تعالى: { يقلب اللّه الليل والنهار } الآية: ٤٤

قال الواسطي رحمه اللّه: ما خالفه أحد قط، ولا وافقه وكلهم مستقلين مشيئته

وقدرته أن يكون الوفاق، والخلاف، وهو يقلب الليل والنهار بما فيها، وهو قائم على

الأشياء وبالأشياء في بقائها وفنائها لا يؤنسه وجد، ولا يوحشه فقده.

بل لا فقد ولا وجد إنما هي رسوم تحت الرسوم.

٤٦

قوله تعالى: { واللّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } الآية: ٤٦

خرجت هدايه المراد من المشيئة.

قوله تعالى: { وإذا دعوا إلى اللّه ورسوله ليحكم بينهم } الآية: ٤٨

قال ابن عطاء: الدعوة إلى اللّه بالحقيقة، والدعوة إلى رسوله بالنصيحة، ومن لم

يجب داعي اللّه كفر، ومن لم يجب داعي الرسول ضل.

٥٢

قوله تعالى: { ومن يطع اللّه ورسوله ويخشى اللّه ويتقه } الآية: ٥٢

قال الواسطي رحمه اللّه: من يطع اللّه ورسوله في أداء الفرائض، واجتناب المحارم،

ويخشى اللّه على ما مضى من ذنوبه أن يكون مأخوذا بها.

وما مضى من حياته أن لا تقبل منه، ويتقه أي ويتقى اللّه فيما بقي عمره من ردة

محبطة أو عقوبة مخزية فأولئك هم الفائزون أي: سبقت لهم السعادة.

٥٤

قوله تعالى: { وإن تطيعوه تهتدوا } الآية: ٥٤

سمعت جدي رحمه اللّه يقول: سمعت أبا عثمان يقول: من أمر السنة على نفسه

قولا وفعلا نطق بالحكمة، ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة لأن اللّه يقول:

{ وإن تطيعوه تهتدوا }.

قال الحسين: طاعة الرسول فيها صلاح الكل وهو المواظبة على الأوامر، والفرائض

فإن الأنبياء يعملون على الفرائض، والمؤمنون يعملون في الفضائل، والصديقون

يعملون في النهي، والعارفون يعملون في نسيان كل شيء غير اللّه.

قال بعضهم: أوائل الطاعة أمور،

أولها: احتمال الأذى من غير شكاية، ودفع

الأذى من غير منة، ولا تخاصم اللّه عن نفسك ولا يملك غير اللّه.

قال محمد بن الفضل: إن تطيعوه في سنته توصلكم بركته إلى حقائق القيام بأداء

الفرائض فتكونوا من المهتدين أي من الموافقين بشرائط الأدب مع اللّه.

٦١

قوله تعالى: { ليس على الأعمى حرج } الآية: ٦١

قال بعضهم: إذا دعى إلى الدعوة أن يدخل معه فائدة.

قوله تعالى: { أو صديقكم ليس عليكم جناح } الآية: ٦١

قال أبو عثمان: الصديق من لا يخالف باطنه باطنك كما لا يخالف ظاهره ظاهرك إذ

ذاك يكون محل الانبساط إليه مباحا في كل شيء من أنوار الدين والدنيا.

سئل أبو حفص: ما الصداقة؟ قال: الشفقة والنصيحة.

٦٢

قوله تعالى: { إنما المؤمنون الذين آمنوا باللّه ورسوله } الآية: ٦٢

سمعت عبد اللّه الرازي يقول: قال قوم من أصحاب أبي عثمان أوصنا قال: عليكم

بالاجتماع على الدين.

وإياكم ومخالفة الأكابر والدخول في شيء من الطاعات إلا بإذنهم ومشورتهم

وواسوا المحتاجين بما أمكنكم فأرجو أن لا يضيع لكم بيعا.

٦٣

قوله تعالى: { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا } الآية: ٦٣

قال ابن عطاء رحمه اللّه: لا تخاطبوه مخاطبة، ولا تدعوه بكنيته واسمه، واتبعوا

أداء اللّه فيه بدعائه يا أيها النبي صلى اللّه عليه وسلم ويا أيها الرسول.

قال جعفر: الحرمات تتبع بعضها بعضا من ضيع حرمة الحق فقد ضيع حرمة

المؤمنين، ومن ضيع حرمة المؤمنين فقد ضيع حرمة الأولياء، ومن ضيع حرمة الأولياء

فقد ضيع حرمة الرسول صلى اللّه عليه وسلم ومن ضيع حرمة الرسول فقد ضيع حرمة اللّه

عز وجل،

ومن ضيع حرمة اللّه فقد دخل في ديوان الأشقياء، وأفضل الأخلاق حفظ الحرمات،

ومن اسقط عن قلبه الحرمات تهاون بالفرائض والسنن.

قوله تعالى: { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة } الآية: ٦٣

قال أبو سعيد الخراز: الفتنة هو إسباغ النعم على الاستدراج من حيث لا يعلم

العبد.

قال الجنيد رحمه اللّه: الفتنة هو انتكاس القلب حتى لا يعرف معروفا، ولا ينكر

منكرا.

قال النووي: الفتنة هي الاشتغال بشيء دون اللّه.

قال رويم: الفتنة للعوام، والبلاء للخواص.

قال أبو بكر بن الطاهر: الفتنة مأخوذ بها، والبلاء معفو عنه ومثاب عليه.

ذكر ما قيل في سورة الفرقان

﴿ ٠