سورة الفرقانبسم اللّه الرحمن الرحيم ١قوله تعالى وتقدس: { تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا }. الآية: ١ قال سهل: جل وتعالى من خص محمدا بإنزال القرآن عليه ليفرق به بين الحق والباطل، والولي والعدو، والقريب والبعيد. وقوله: { على عبده } أي: عبده الأخلص، ونبيه الأخص، وحبيبه الأدنى، وصفيه الأولى ليكون للعالمين نذيرا أي ليكون للخلق سراجا، ونورا يهتدون به إلى أحكام القرآن ويستدلون به على طريق الحق، ومنهاج الصدق. قال الجنيد رحمه اللّه: تبارك الذي كالكناية، والكناية كالإشارة، والإشارة لا يدركها إلى الأكابر. قال بعضهم: تبارك الذي أي: تعالى عن إدراك الخلق. ٢قوله تعالى: { الذي له ملك السماوات والأرض } الآية: ٢ قال ابن عطاء رحمه اللّه: له ملك السماوات فمن أطاعه وآثره ملكه ملك السماوات والأرض. وقال النصرآباذي: له الملك فمن اشتغل بالملك فإنه الملك، ومن اشتغل بالملك حصل له الملك والملك. قوله تعالى: { وخلق كل شيء فقدره تقديرا } الآية: ٢ قال الحسين: أول ما خلق اللّه تعالى ذكر ستة أشياء في ستة وجوه قدر بذلك تقدير الوجه الأول المشبه خلقها على النور، ثم خلق النفس ثم الروح، ثم الصورة ثم الأحرف، ثم الأسماء، ثم اللون، ثم الطعم، ثم الرائحة، ثم خلق الدهر، ثم خلق المقادير، ثم خلق العمل، ثم خلق النور، ثم الحركة، ثم السكون، ثم الوجود، ثم العدم، ثم على هذا خلقا بعد خلق المقدار على الوجه الآخر أول ما خلق اللّه تعالى الدهر، ثم القوه ثم الجوهر، ثم الصوت، ثم الروح هكذا خلقا بعد خلق في كل وجه من السنة خلقهم في غامض علمه لا يعلمه إلا هو قدرهم تقديرا واحصى كل شيء علما. ٣قوله تعالى: { ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا } الآية: ٣ سمعت جعفر المراعى يقول: كتبه منصور الفقيه إلى بعض أولاده وكان قد سأله في أمر فأجابه، ثم قصر فيه أعاذنا اللّه وإياك من الحاجة إلى أمثالك الذين لا يملكون نفعا ولا ضرا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. قال الحسين: وأعلم أن الأشياء ليست بأنفسها قائمة بل يقيم لها وكيف لا يكون كذلك، وهي لا تملك لأنفسها ضرا ولا نفعا، فإذا نظرت إلى ممن لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا بعين مالك ضر ونفع فقد صرفت الإلهية إلى غير مستحقها. ٧قوله تعالى: { مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشى في الأسواق } الآية: ٧ قال جعفر: غيروا الرسل بالتواضع والانبساط، ولم يعلموا أن ذلك أتم لهيبتهم وأشد في باب الاحترام لهم، وذلك انهم لم يشاهدوا منهم إلا ظاهر الخلق ولو شاهدوا منهم خصائص الاختصاص لألهاهم ذلك من قولهم: { مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشى في الأسواق }. ٢٠قوله تعالى: { وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق } الآية: ٢٠ قال جعفر: ذلك أن اللّه لم يبعث رسولا إلا أباح ظاهره للخلق يأكلون معهم على شرط البشرية، ومنع سره على ملاحظاتهم والانشغال بهم، لأن أسرار الأنبياء في القيمة لا يفارق المشاهدة بحال. قوله تعالى: { وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون } الآية: ٢٠ قال القاسم: أي أتصبرون على نظر بعضكم إلى بعض كأنه أمر بالإعراض عما جعل في نظره فتنة له يدل عليه قوله: { لا تمدن عينيك }. قال الحسين: المحبة لخواص أوليائه، والفتنة لعامة الناس قال اللّه تعالى: { وجعلنا بعضكم لبعض }. قال الحسين: وكسى كل شيء كسوة فاتنة لا ينفك منها إلا من عصمه اللّه وهو أضطرار في الأحوال لا اختيار في التلذذ بالشواهد والأعراض. قال الواسطي رحمه اللّه: ما أوجد موجودا إلا لفتنة وما أفقد مفقودا إلا لفتنة. قال اللّه تعالى: { وجعلنا بعضكم لبعض فتنة }. قال أبو عثمان: في قوله: { وجعلنا بعضكم لبعض فتنة }. قال: في الخلق فتنة من وجوه فأعظم الفتنة أن يشغلوك عن اللّه ويتعلق قلبك بهم عند الفاقات والحاجات فهم محتاجون مثلك إلى من هو كاشف الكرب، وقاضي الحاجات. قال أبو صالح حمدون: ما اعتمد على شيء سوى اللّه فهو عليه فتنة. سمعت الشيخ أبا الوليد يقول: اختار محمد بن عبد اللّه بن عبد الحكيم، وكان رئيسا بمصر في موكبه بالمزنى وكان فقيرا ونظر إليه وقال: وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون، ثم قال: نصبر يا رب ولك الحمد. ٢٣قوله تعالى: { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا } الآية: ٢٣ قال ابن عطاء رحمه اللّه تعالى: اطلعناهم على أعمالهم. فطالعوها بعين الرضا فسقطوا عن أعيننا بذلك وجعلنا أعمالهم هباء منثورا. ٢٤قوله تعالى: { أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا } الآية: ٢٤ قال بعضهم: خير مستقرا في دار القرار مع ميعاد لقاء الجبار من غير خوف، ولا زوال، وأحسن مقيلا استرواحا. قوله تعالى: { الملك يومئذ الحق للرحمن } الآية: ٢٦ قال أبو سعيد الخراز: حقيقة الملك لمن هو مستغن عما أبداه في الملك من جميع المكونات لا يرضيه من حركات العباد شيء جل وتعالى، وأنشد في معناه قوله: * لو كان يرضيه شيء من بريته * ما كان إبليس في غايات إذلال * * أو كان يسخطه من دونه سبب * ما كان يسطخه سحرا باختلال * * فلا رضا، ولا سخط يليق به * ولا قبول، ولا رد على حال * * أن الحقيقة أمر ليس يدركها * أمر الشريعة إلا خطرة البال * ٢٨قوله جل جلاله: { يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا } الآية: ٢٨ قال بعضهم: أصح الخلة، وأحسن المودة ما لا يورث ندما ولا أسفا كما أخبر اللّه عز وجل عن أهل النار بقوله: { ليتني لم أتخذ فلانا خليلا }. قال أبو حفص: الخلة إذا صحت أورثت صاحبها شفقة على خلانه، وطاعة لربه، وإذا لم تصح أورثت صاحبها تجبرا وتكبرا على إخوانه. وقال أبو عثمان: صحة الخلة ما لا تكون لطمع، ولا لوقاية نفس وتكون لمؤاخاة الدين. ٣١قوله تعالى: { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا } الآية: ٣١ قوله جل ذكره: { وكفى بربك هاديا ونصيرا } الآية: ٣١ قال ابن عطاء رحمه اللّه: هاديا إلى معرفته، ونصيرا عن رؤيته ليلا بتلاشي العبد عند المشاهدة. ٤٣قوله تعالى: { أرأيت من اتخذ إلهه هواه } الآية: ٤٣ قال أبو سليمان: من اتبع نفسه هواها فقد اشرك في قتلها لأن حياتهما بالذكر، وموتها وقتلها بالغفلة وإذا غفل اتبع الشهوات، وإذا اتبع الشهوات صار في حكم الأموات. قال أيضا: النفس حية ما دامت تخالف هواها فإذا وافقت هواها ماتت، وموتها في انهماكها في المعاصي وإعراضها عن الطاعات. ٤٤قوله تعالى: { أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون } الآية: ٤٤ قال ابن عطاء رحمه اللّه: لا تظن انك تسمع بندائك إنما يسمعهم نداء الأزل فمن لم يسمع نداء الأزل فإن نداءك له، ودعوتك لا تغني عنه شيئا اجابتهم دعوتك، هو بركة جواب نداء الأزل ودعوته، فمن غفل أو أعرض فإنما هو لبعده عن محل الجواب في القدم. ٤٥قوله تعالى: { ألم تر إلى ربك كيف مد الظل } الآية: ٤٥ قال الواسطي: أثبت للعامة المخلوق فأثبتوا به الخالق، وأثبت للخاصة الخالق فأثبتوا به المخلوق، ومخاطبة العوام { ألم تر أن اللّه يزجي سحابا }، أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت } ومخاطبة الخاصة { ألم تر إلى ربك كيف مد الظل }. قال بعضهم: قال لنبينا محمد { ألم تر إلى ربك كيف مد الظل } ظل العصمة قبل أن أرسلك إلى الخلق، ولو شاء لجعله ساكنا أي: جعلك مهملا ولم يفعل بل جعل الشمس التي طلعت من صدرك دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا هذا خطاب من اسقط عنه الرسوم، والوسائط. قال ابن عطاء: { ألم تر إلى ربك كيف مد الظل }، قال: كيف حجب الخلق عنه؟ ومد عليهم ستور الغفلة وحجبها. قوله تعالى: { ثم جعلنا الشمس عليه دليلا } الآية: ٤٥ قال: شموس المعرفة هي دلائل القلب إلى اللّه. ٤٨قوله تعالى: { وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته } الآية: ٤٨ قال ابن عطاء رحمه اللّه: يرسل رياح الندم بين يدي التوبة. وقال أبو بكر بن طاهر: إن اللّه جل جلاله يرسل إلى القلب ريحا فيكنسه من المخالفات، وأنواع الكدورات ويصفيه لقبول الموارد عليه، فإذا صادف القلب تلك الريح وتنسم نسيمها اشتاق إلى الزوائد من فنون الموارد فيكرمه اللّه بالمعرفة ويزينه بالإيمان إلا تراه يقول: { وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته }. قوله تعالى: { وأنزلنا من السماء ماء طهورا } الآية: ٤٨ قال بعضهم: طهر قلوبهم ببركاته عن المخالفات، وطهر أبدانهم بظاهر رحمته من جميع الأنجاس. قال النصرآباذي: هو الرش الذي يرش من حياة المحبة على قلوب العارفين فتخير به نفوسهم بأمانة الطبع فيها ثم يجعل قلبه إماما للخلق تفيض بركاته عليهم فتصيب بركات نور قلبه كل شيء من ذوات الأرواح. ٤٩قال اللّه عز وجل: { ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا } الآية: ٤٩ ٥٣قوله جل جلاله: { وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج } الآية: ٥٣ قال ابن عطاء رحمه اللّه: تلاطمت الصفتان فتلاقيا في قلوب الخلق، وقلوب أهل المعرفة منورة بأنوار الهداية وضيئة بضياء الإقبال، وقلوب أهل النكرة مظلمة بظلمات المخالفات ومعرضة عن سنن التوفيق وبينهما قلوب وهي قلوب العامة ليس لها علم بما يرد عليها، ما يصدر منها ليس معها خطاب، ولا لها جواب. وقال بعض السلف: قلوب الأبرار تغلى بالبر وقلوب الفجار تغلى بالفجور. ٥٤قوله جل جلاله: { وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا } الآية: ٥٤ قال أبو عمر: والبخاري في هذه الآية: معناه خلقه للنفس وما خص به، والنفس مطية مأمورة عليه ركب من اشتاق إلى الجنة، وعليها ركب من هرب من النار فعليك برياضتها فإنك عليها تعبر صراطك المستقيم فرضها رياضة حاذق في فروسيتها كيلا تحزن عند الطاعة ولا يحتج عند الموافقة. ٥٨قوله جل جلاله: { وتوكل على الحي الذي لا يموت } الآية: ٥٨ قال بعضهم: التوكل استيلاء الوجد على الإشارة، وحذف التشرف إلى الإرفاق حتى تبتدأ. قال بعضهم: الدنيا فانية والآخرة باقية، والأرزاق مفروع منها فعلى ماذا أتوكل إنما توكلي عليه بأن لا يعذبني ولا يبعدني من قربه. قال أبو موسى الديبلي: التوكل هو أن يستوي عندك البادية، وباب الطاق. قال بعضهم: التوكل أن تكون مثل الطفل لا يعرف شيئا يأوي إليه، ولا يرى إلا أمه كذلك المتوكل يجب ألا يرى لنفسه مأوى إلا اللّه. قال بعضهم: الاعتماد على الغني غايته الفقر والاعتماد على القوة آخره الضعف، والاعتماد على الخلق هو طريق الخذلان، ومن اعتمد سوى ربه وتوكله على غيره، فقد ضيع وقته، وخاب سعيه لأنه الحي الذي لا يجري عليه فتور العوارض دعاك إليه باللطف دعوة فقال: { وتوكل على الحي الذي لا يموت }. قال الواسطي رحمه اللّه: من توكل على اللّه لعلة غير اللّه فلم يتوكل على اللّه. سمعت أبا الطيب الشيرازي يقول: سمعت أبا الطيب الطماني يقول: اختلف الناس في التوكل فوقع لي انه الكف عن الأعيان في السر والعلانية والسكون إلى الحرة بلا واسطة. وسمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت جعفر بن محمد الخلدي يقول: سمعت أبا محمد الجويدي يقول: سمعت سهل بن عبد اللّه يقول: من طعن على الاكتساب فقد طعن على السنة ومن طعن على التوكل فقد طعن على الإيمان. سمعت الحسين بن يحيى يقول: سأل رجل ابن سالم انحن مستعبدون بالكسب سنته وإنما سن لهم الكسب لضعفهم حين أسقطوا عن درجة التوكل الذي هو حاله فلما سقطوا عنه لم يسقطهم عن درجة طلب المعاش بالمكاسب التي هو سنته، ولولا ذلك لهلكوا. سمعت محمد بن عبد اللّه الرازي يقول: سمعت أبا علي المروزباري يقول: التوكل على ثلاث درجات الأول: منها إذا أعطى شكر، وإذا منع صبر، والثاني المنع والعطاء عندهم واحد، والثالث: المنع مع الشكر أحب إليهم من اختيارهم. سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا عثمان الآدمي يقول: سمعت إبراهيم الخواص يقول: لا ينبغي للصوفى أن يتعرض للقعود عن الكسب إلا أن يكون رجلا مغلوبا قد اغبنه الحال عن المكاسب، وأما ما كانت الحاجات فيه قائمة، ولم يقع له عروق يحول بينه وبين التكلف فالعمل أولى به والكسب أحل له، وأبلغ لأن القعود لا يصلح لمن لم يستغن عن التكلف. سمعت عبد اللّه بن علي يقول: سمعت أحمد بن عطاء يقول: قال خالي: ليس التوكل لزوم الكسب ولا تركه، إنما التوكل طمأنينة في القلب. سمعت أبا الحسين الفارس يقول: سمعت إبراهيم القائد يقول: سئل رويم: عن التوكل؟ فقال الثقة باللّه في كل ما ضمن. سمعت محمد بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا عبد اللّه القرشي يقول المتوكل من رضى باللّه كفيلا فاطمأن إليه سرا وجهرا. سمعت عبد اللّه بن علي يقول: سمعت محمد بن عبد اللّه الفرغاني يقول سمعت أبا جعفر الحداد يقول: مكثت تسع عشرة سنة اعتقد التوكل، وأنا اعمل في السوق وآخذ كل يوم اجرتي ولا استريح منها إلى شربة ماء، ولا إلى دخلة حمام اتنظف بها، وكنت أجنى أجرتي إلى الفقراء فأواسيهم بها في الشويزيه، وغيرها وأكون أنا على حالي. قوله: عز وجل: { فاسأل به خبيرا } الآية: ٥٩ قال الحسين: هم الذين أقامهم اللّه في البلاد أدلة للعباد منهم من يدل على سبيل الحق، ومنهم من يدل على آداب سبيل الحق ومنهم من يدل على شربة الإيمان ومنهم من يدل على الحق، وهو الدليل على الحقيقة لأن الكل محتاجون اليه، وهو مستغن عنهم يرجعون إليه في السؤال، ولا يسئل هو أحد كالخضر ونظرا به لأنه أوى العلم اللدني. ٦١قوله تعالى: { تبارك الذي جعل في السماء بروجا } الآية: ٦١ قال محمد بن الفضل: في كتاب رياضة النفس ما أعطى من خزائن الأرض، وما أرى منها زويت لي الأرض أتيت بمفاتيح خزائن الأرض، وهذه مفاتيح الدنيا وهو على معنيين أحدهما: عرض عليه الحياة فيها إلى يوم القيامة. فقال: ' الرفيق الأعلى ' والآخرة أن مشيئته فيها نافذة يحكم فيها بما شاء فقال: بل أبيت عند ربي اشبع يوما، وأجوع يوما. سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم الإسكندراني يقول: سمعت أبا جعفر الملطي عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد رحمه اللّه في قوله: { تبارك الذي جعل في السماء بروجا } قال: سمى السماء سماء لرفعتها والقلب سماء لأنه يسمو بالإيمان، والمعرفة، بلا حد، ولا نهاية كما أن المعروف لا حد له كذلك المعرفة به لا حد لها، وبروج السماء مجاري الشمس والقمر وهي: الحمل، والثور والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدي، والدلو، والحوت، وفي القلب بروج وهو برج الايمان، وبرج المعرفة، وبرج العقل، وبرج اليقين، وبرج الإسلام، وبرج الإحسان، وبرج التوكل، وبرج الخوف، وبرج الرجاء، وبرج المحبة، وبرج الشوق، وبرج الوله، فهذه اثنا عشر برجا بها دوام صلاح القلب كما أن الاثني عشر برجا من الحمل والثور إلى آخر العدد صلاح الدار الفانية وأهلها. قوله تعالى: { وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا } الآية: ٦١ في السماء سراج الشمس، ونور القمر، وفي القلب سراج الإيمان والأقدار بالوحدانية والفردانية، والصمدانية، وقمر المعرفة يشرق بأنوار الأزلية والأبدية مثلا لأنوار المعرفة وإيمانه على لسانه بالذكر وعلى عينه العزة، وعلى جوارحه بالطاعة والخوف وتلك الأنوار من تمام تولية اللّه للعبد في الأحوال كلها. ٦٢قوله تعالى: { وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة } الآية: ٦٢ قال بعضهم: خليفة يخلف أحدهما صاحبه لمن أراد خدمة ربه وعبادته. ٦٣قوله تعالى: { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا } الآية: ٦٣ قال الجنيد رحمة اللّه عليه: عباد صفة مهملة وعبادي صفة الحقيقة، وعباد الرحمن صفة حقيقة الحقيقة. قال ابن عطاء رحمه اللّه: هم الخواص من العباد لإضافة الحق إياهم إلى اسمه الخاص، وهو الرحمن أعلمك بهذا انه خصهم من بين عباده بخصائص الولاية من عبده وهو أن رزقهم الشفقة على عامة عباده وزينهم بالأخلاق الشريفة التي هي نتائج اخلاق المصطفى صلى اللّه عليه وسلم بقوله: { وإنك لعلى خلق عظيم } القلم: ٤ سئل عند ذلك فقال: أن تصل من قطعك، وتعطى من حرمك وتعفو عن من ظلمك، وتحسن إلى من أساء إليك هكذا وصف اللّه عز وجل هؤلاء الخواص من عباده بقوله: { يمشون على الأرض هونا } إلى آخر القصة. قال جعفر: الذي يمشون على الأرض هونا بغير فخر ولا خيلاء، ولا تبختر بل بتواضع، وسكينة، ووقار وطمأنينة، وحسن خلق، وبشر وجه كما وصف النبي صلى اللّه عليه وسلم المؤمنين فقال: ' هينون لينون كالجمل، الأنف، إن قيد انقاد وإن انتخ على صخره استناخ ' وذلك لما طالعوا من تعظيم الحق وهيبته وشاهدوا من كبريائه وجلاله خشعت لذلك أرواحهم، وخضعت نفوسهم وألزمهم ذلك التواضع والتخشع. قال سهل في قوله: { قالوا سلاما } قال: صوابا من القول والسداد. قال أبو حفص النيسابوري في قوله: { قالوا سلاما } قال: لم ينتقموا لأنفسهم فسلموا من غلبة الشيطان. قال الحسن البصري: هذا دأبهم في النهار فإذا جاء الليل يكون دأبهم ما وصف اللّه عز وجل في عقب هذه الآية. قال الجنيد رحمه اللّه في قوله: { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا } قال: هم العباد ليس للعدو عليهم سلطان فالعبد إذا صح اسمه فهو لمولاه واللّه لا يتم إلا بتمام الصورة فيه ولباس الملك عليه. قال بعضهم: صفة هؤلاء العباد وحليتهم ومولاه الفقر والعقل، وأمتهم وطاعة اللّه حلاوتهم، حب اللّه لذتهم، وإلى اللّه حاجتهم، والتقوى زادهم، ومع اللّه تجارتهم، وعليه اعتمادهم وبه انسهم وعليه توكلهم، والجوع طعامهم، والزهد ثمارهم، وحسن الخلق لباسهم، وطلاقة الوجه حليتهم، وسخاوة النفس حرفتهم وحسن المعاشرة صحبتهم، والعلم قائدهم، والصبر سائقهم، والهدى مركبهم، والقرآن حديثهم والشكر زينتهم والذكر مهمتهم، والرضا راحتهم، والقناعة مالهم، والعبادة كسبهم، والشيطان عدوهم، والدنيا مزابلهم، والحياء قميصهم، والخوف سجينهم، والنهار عزتهم، والليل فكرتهم، والحكمة سبقهم، والحق حارسهم، والحياة مرحلتهم، والموت منزلهم، والقبر حصنهم، والفردوس مسكنهم، والنظر إلى رب العالمين منيتهم، وهم خواص عباده الذين قال اللّه عز من قائل: { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا }. قال بعضهم: قرن اسم العبودية باسمه، وقرن بسمت العبودية ضوء الخليقة وأزكاها فكان حسن الخلق درجات وصدق المكابدة عبادات، والأخلاق للعبيد، والاجتهاد للعباد قرينه، والعبودية اشرف وأقرب وأروح وجلية العباد أكدوا (....) محل البدن، ومحل العبودية محل الروح، والعبادة إقامة الأمر، والعبودية الرضا بالحكم وعبادة الأحوال عبودية، وعبادة الأوقات عبادة، فالعبادة أصل، والعبودية فرع ومرتبة العبودية أقوم من مرتبة النبوة، ألا ترى النبي صلى اللّه عليه وسلم قال في التشهد عبده ثم قال: ورسوله والشريعة مشتملة عليهما معا، والعبادة بدنها، والعبودية روحها، والعبادة مجاهدة، والعبودية هداية. ٦٤قوله تعالى ذكره: { والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما } الآية: ٦٤ قال أبو عثمان: أقتوا أوقاتهم في الخدمة تلذذا في المناجاة، وتقربا إلى اللّه، وتحببا إليه كما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم حاكيا عن ربه: ' ما تقرب إلى عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه... ' الحديث. قال بعضهم: يستغنمون الخلوة في الليالي، والذكر عند غفلة الخلق بالنهار. قال الحسن البصري: نهارهم في خشوع، وليلهم في خضوع. ٦٥قوله تعالى: { إن عذابها كان غراما } الآية: ٦٥ قال الحسن البصري، كل شيء يفارق صاحبه فليس بغرام إنما الغرام ما يلزم فلا يفارقه. قال بعضهم: خلت منهم شكر نعمه، فلم يجده عندهم، فأغرمهم فأدخلهم النار. ٦٧قوله تعالى: { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا } الآية: ٦٧ قال الترمذي: الإسراف في النفقة البذل في وجوه المعاصي والإقتار هو منعها عن وجوه الطاعات. قال بعضهم: الإسراف في النفقة تعظيم المنفق نفقته والإقتار فيه الامتنان به على من يتفق عليه. قال ابن عطاء رحمه اللّه: الإسراف في النفقة إنفاق في غير مرضاة اللّه والإقتار الإمساك عن واجب حق اللّه. ٧٠قوله جل جلاله: { إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا } الآية: ٧٠ قال سهل بن عبد اللّه: التوبة هي الندامة أولا والإقلاع والتحويل من الحركات المذمومة إلى الحركات المحمودة، ولا تصح التوبة له حتى يلزم نفسه الصمت وحتى يلزم نفسه الخلوة، ولا تصح له الخلوة إلا بأكل الحلال ولا يصح أكل الحلال إلا بأداء حق اللّه، ولا يصح له أداء حق اللّه إلا بحفظ الجوارح، ولا يصح له ما وصفنا حتى نستعين باللّه على ذلك كله. وقال: لا تصح التوبة لأحد حتى يدع كثيرا من المباح مخافة أن يخرج إلى غيره. وقال نبان الحمال: التوبة على وجهين: توبة العوام من الذنوب وتوبة الخواص من الغفلة. وقال ابن عطاء: التوبة الرجوع من كل خلق مذموم إلى كل خلق محمود. وقال طاهر المقدى: التوبة أن تتوب من كل شيء سوى اللّه. قال القاسم: التوبة أن تتوب إليه من جميع المخالفات ثم لا تعود إليها بحال. وتقبل على اللّه بالكلية كما كنت عنه معرضا بالكلية. ٧١قوله جل جلاله: { ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى اللّه متابا } الآية: ٧١ قال ابن عطاء رحمه اللّه: من صحح توبته بالعمل الصالح قبلت توبته. قال جعفر: لم يرجع إلى الحق من رجع إلى سواه حتى يكون رجوعه ظاهرا وباطنا إليه دون غيره حينئذ يكون تائبا إليه. قال نبان الحمال: شتان بين تائب يتوب من الذنوب، وتائب يتوب من الزلل والغفلات، وتائب يتوب من رؤية الحسنات. قال ابن عطاء رحمه اللّه: التوبة الرجوع من كل ما ذمه العلم إلى ما مدحه. ٧٢قال تعالى: { والذين لا يشهدون الزور } الآية: ٧٢ قال ابن عطاء رحمه اللّه: هو الشهادة باللسان من غير مشاهدة القلب. قال جعفر: الزور أماني النفس ومتابعة هواها. قال سهل: مجالسة المبتدعين. قال أبو عثمان: فيما سأله عنه أحمد بن حمدان عن قوله: { والذين لا يشهدون الزور } فقال: لا يخالطون المدعين. وقال بعضهم في قوله: { والذين لا يشهدون الزور } قال: مشهد الزور كل مشهد ليس لك فيه زيادة في دينك أو في قربة إلى ربك. ٧٣قوله تعالى: { والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لا يخروا عليها صما وعميانا } الآية: ٧٣ قال ابن عطاء رحمه اللّه: لم ينكروها، ولم يعرضوا عنها بل اقبلوا على أوامرها بالسمع والطاعة، وهمة عالية. قوله تعالى: { والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين }. قال جعفر: هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين معاونة على طاعتك ومن أولادنا برهم حتى تقر أعيننا بهم. ٧٤قوله تعالى { واجعلنا للمتقين إماما } الآية: ٧٤ قال السرى: المتقي من لا يكون رزقه من كسبه لأن اللّه يقول: { ويرزقه من حيث لا يحتسب الطلاق: ٣ وقال الشبلي: المتقي من اتقى من دونه عز وجل. قال أبو عثمان: لا يكون إماما في التقوى من لم يصحح تقواه مع ربه وبقي عليه من ذلك شيء إنما الإمام المتقدم في الشيء، وإمام المتقين من يتقي كل شيء سوى اللّه. ٧٥قوله تعالى: { أولئك يجزون الغرفة بما صبروا } الآية: ٧٥ قال الترمذي: أهل الغرف كانوا في أوائل الأمة لا في آخرها وإنما وصف أهل الغرف بما يعقل من ظاهر أمورهم وإنما نالوهم بما في باطنهم ألا تراه يقول { بما صبروا} * والصبر في الأخلاق والآداب. قوله تعالى: { ويلقون فيها تحية وسلاما } الآية: ٧٥ قال الواسطي رحمه اللّه: التحية غير السلام. السلام عند اللّه والتحية صفو الحياة مع الحق. قال أيضا: التحية من اللّه إلى الروح كوة تحيي الروح بتحية فلا يلاحظ غير من حياه وأكرمه وأدناه تحية من عند اللّه مباركة طيبة. وقال: التحية في الدنيا على العقول بركات ما يقع عليها من طيب ما أجري عليها. وقال التحية في الأصل ما تحيا به فيفرح الروح بذلك ويأنس به. قال بعضهم: التحية أنس الأشرار بالحي والسلام سلامة القلب من القطيعة. ٧٦قوله تعالى: { خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما } الآية: ٧٦ قال بعضهم: أحسن المقام المقام في مشهد الحق وأطيب القرار، القرار في جواره على فراش مرضاته واللّه أعلم. ذكر ما قيل في سورة الشعراء |
﴿ ٠ ﴾