سورة الشعراء

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله تعالى: { طسم } الآية: ١

قال الجنيد رحمه اللّه: الطاء طرب التابعين في ميدان الرحمن، والسين سرور العارفين في ميدان الوصلة، والميم مقام المحبين في ميدان القربة.

وقال بعضهم: الطاء شجرة طوبى، والسين سدرة المنتهى، والميم محمد صلى اللّه عليه وسلم.

وقال بعضهم: طسم، أي: طاب بكم الدين وسنا وأضاء، وقيل: الطاء طرب الأولياء في الجنة والسين: ستر اللّه على المذنبين من عباده، والميم مغفرته في الآخرة للعصاة، وقيل: الطاء طرب المشتاقين، والسين سرور المحبين بمحبوبهم، والعارفين بمعروفهم، والميم مقام الموافق.

٣

قوله تعالى: { لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين } الآية: ٣

قال سهل: مهلك نفسك باتباع المراد في هدايتهم وإيمانهم وقد سبق منا الحكم في

إيمان المؤمنين وكفر الكافرين بلا تغيير ولا تبديل.

وقال: لعلك باخع نفسك مشغول نفسك عنا بالاشتغال بهم حرصا على إيمانهم ما

عليك إلا البلاغ فلا يشغل نفسك بما لنا عنا.

٥

قوله تعالى: { وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث } الآية: ٥

قال سهل رحمه اللّه: ما يحدث لهم علما بما أنزلناه عليهم إلا أعرضوا أعرضوا عنها

فادعوها لأنفسهم.

٧

قوله تعالى: أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم } الآية: ٧

قال أبو بكر بن طاهر: أكرم زوج من نبات الأرض آدم وحواء فإنهما كانا السبب في

إظهار الرسل. والأولياء، والأنبياء، والعارفين.

١٠

قوله تعالى: { وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين } الآية: ١٠

قال ابن عطاء رحمه اللّه: أسره بدعائهم إلى توحيده وقد اشهده عظمته في انفراده،

١٢

 وإحاطة علمه، وقدرته بعباده فقال: { إني أخاف أن يكذبون } الآية: ١٢

فنطق بخوفه بلسان إعظام الحق وإجلاله خوفا من أن يرى تكذيبهم بمقال ورد عليهم

من الخوف خوف من إسماعه إنكارا، وأشفق من مشاهدتهم على ذلك إكبارا.

١٣

قوله تعالى: { ويضيق صدري ولا ينطلق لساني } الآية: ١٣

قال الشبلي رحمه اللّه: كذلك صفة من تحقق في المحبة أن يضيق صدر من حمل ما

فيه من أنواع المحن ويكل لسانه على الإخبار عن شيء منه ليتفرج به فيموت فيها كمدا

أو يعيش فيها فندا، ولهم على ذنب فأخاف أن يقتلون.

قال أبو عبد اللّه الروذباري: ظاهره ظاهر السؤال سأل الحق من علمه؟. فأجابه: كلا

ثم برأ.

١٥

 { اذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون } الآية: ١٥

فتقدير سؤاله أي: هل في سبق علمك، وواجب حكمك أن يقتلون يستدل على

ذلك بجواب الحق له ' كلا ' ثم خاطبه، وبعثه بالرسالة وأمرهما بإظهار الدلالة.

١٨

قوله تعالى: { ألم نربك فينا وليدا } الآية: ١٨

قال محمد بن علي: ليس من الفتوة تذكار الصنائع وتزاد بها على من اصطنعت إليه

ألا ترى إلى فرعون لما لم تكن له فتوة كيف ذكر صنيعه وامتن به على موسى.

قال ابن عطاء رحمه اللّه: التربية توجب حقا من ذلك حق الأبوة والنبوة. الا ترى

كيف ذكر اللّه في قصة موسى صلى اللّه عليه وسلم وفرعون { لم نربك فينا وليدا }.

فإذا أوجبت تربية العوادي حقا أوجب الدين حفظه وحرمته فتربية الحقيقة الذي هو

من الحق إلى عباده أولى بحفظ حرمته ورعاية حقوقه وهو قوله: { ربكم ورب آبائكم الأولين } الآية: ٢٦

٢١

قوله تعالى: { ففررت منكم لما خفتكم فوهب } الآية: ٢١

قال بعضهم الفرار مما لا يطاق من بين المرسلين قال اللّه عز وجل: { وفررت منكم لما خفتكم }.

قال بعضهم: من خاف اللّه، أخاف اللّه منه كل شيء، ومن لم يخف اللّه أخافه اللّه

من كل شيء.

قال ابن عطاء رحمه اللّه: ففررت من مجاورتكم وخفت من جرأتكم على ربكم لما

لم تحفظوا حقوق الرسل، ولم أر عليكم علامات التوفيق.

قال بعضهم: فررت منكم لما خفت نزول العذاب عليك قال أبو بكر الوراق: المؤمن

يفر بدينه من موضع إلى موضع إذا خاف على دينه فر به إلى مأمن، والمأمن عنده منزل

يسلم فيه دينه من الهوى والبدع والضلالات. قال اللّه عز وجل ذكره: { ففررت منكم لما خفتكم فوهب } في قصة موسى عليه السلام.

٢٣-٢٤

قوله تعالى وتقدس: { قال فرعون وما رب العالمين قال رب السماوات والأرض } الآية:

٢٤ ،٢٣

قال عمرو المكي: لما سأل فرعون هذا السؤال؟ أجابه موسى بقولهك { ربكم ورب آبائكم الأولين } فعلم فرعون أن الحجة قد وجبت فخاف الافتضاح عند قومه فأعرض

عن مسائلة موسى ورجع إلى قوله تعالى:

{ إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون * قال رب المشرق والمغرب وما بينهما ٢٨ ، إن كنت تعقلون } الآية: ٢٧

يبين بذلك حجته ويظهر افتضاحه في انقطاعه. فقبلت الحجة عليه إذ لم يدفع الحجة

بحجة، وهذا مثل ما حكى اللّه تعالى عن فرعون في قصة أخرى حيث سأل موسى

وهارون { من ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } طه:

،٤٩

٥٠  فانقطع فرعون ولزمته الحجة فأقبل يسأل متعنتا { فما بال القرون الأولى }

طه: ٥١  فلم يجب له على موسى جواب لأنه انقطع عن إجابة الحق بعد استبانة

 الحجة فرده إلى تقليد العلم الإلهي فقال: { علمها عند ربي } طه: ٥٢

٢٦

قوله تعالى { ربكم ورب آبائكم الأولين } الآية: ٢٦

قال عمرو المكي: أوجدكم، وأوجد آبائكم من العدم ورباهم ورباكم بفنون النعم،

فمن تم عليه نعمه وفقه للتوحيد ومن لم يتم عليه نعمه تركه في النعمة الظاهرة من

الأكل، والشرب، وفنون العاقبة.

٢٨

قوله تعالى: { رب المشرق والمغرب } الآية: ٢٨

قال ابن عطاء: منور قلوب أعدائه بالكفر والعصيان ومظهر آثار ذلك الظلم على

هياكلهم.

٤١

قوله تعالى: { فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أإن لنا لأجرا } الآية: ٤١

قال محمد بن علي الترمذي: طلب على عمله مظهر ندالته وخسته ألا قال

السحرة لما جاءوا إلى فرعون قالوا: أإن لنا لأجرا دل ذلك أن طالب الأجر الأجر على

عمله

باطل سعيه، ومن عمل للّه وأخلص فيه كان عمله بعيدا من طلب الاعواض منزها عنه

ألا ترى الأنبياء كيف قالوا ما أسألكم عليه من اجر.

٤٢

.قوله تعالى: { قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين } الآية: ٤٢

قال ابن عطاء: رب قرب أورث بعدا من الحق، والمقرب إليه على الحقيقة أن يتقرب

إليه لا بشيء سواه لأن من طلب بغيره الطريق إليه ضل نوال الطريق إليه، ولا دليل

عليه سواه.

٥٠

قوله تعالى: { لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون } الآية: ٥٠

قال ابن عطاء رحمه اللّه: من اتصلت مشاهدته بالحقيقة احتمل معها كل وارد يرد

عليها من محبوب ومكروه الا ترى السحرة لما صحت مشاهدتهم كيف قالوا: لا ضير.

قال جعفر: من أحس بالبلاء في المحبة لم يكن محبا، بل من شاهد البلاء فيه لم

يكن محبا، بل من يتلذذ بالبلاء في المحبة لم يكن محبا الا ترى السحرة لما وردت عليهم

شواهد أوائل المحبة زالت عنهم حظوظهم، وكيف هان عليهم بذل أرواحهم في مشاهدة

محبوبهم فقالوا: لا ضير.

٥١

قوله تعالى: { إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا } الآية: ٥١

قال بعضهم: العارف على الحقيقة لا يعدو طوره في سؤاله ودعائه، ويظهر فقره،

وعجزه، وإفلاسه في كل وقت لربه، ويعلم أن ما ظهر عليه من آثار الإحسان:

فالحسنى منه من الحق عليه لا استخفاف ألا ترى السحرة لما أكرمهم اللّه بمعرفته كيف

اظهروا عجزهم وفاقتهم بقوله: { إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا } استقالوا من

ذنوبهم، واستنفروا منها، ولم يذكروا ما تفضل اللّه عليهم به من الهداية والإيمان.

٦٢

قوله تعالى: { كلا إن معي ربي سيهدين } الآية: ٦٢

قال جعفر: من كان في رعاية الحق وكلاءته لا يؤثر عليه شيئا من الأسباب ولا تهوله

مخوفات الموارد لأنه في وقاية الحق وقبضته، ومن كان في المشاهدة والحضرة كيف يؤثر

عليه ما منه يصدر، وإليه يرد إلا ترى كيف حكى اللّه عن الكليم قوله: { إن معي ربي سيهدين }.

سمعت أبا بكر بن ملك بغداد يقول: سمعت الجنيد رحمه اللّه وقد سئل العناية أولى

أم الرعاية؟ فقال: العناية قبل الماء والطين.

قال ابن عطاء في قوله: { إن معي ربي سيهدين } إن معي ربي بعلمه وقدرته

سيهدين إلى قربه حتى أكون معه بالموافقة، والرعاية والمحافظة والمشاهدة.

قوله تعالى: { فإنهم عدو لي إلا رب العالمين } الآية: ٧٧ . د

قال سحنون: لا تصح المحبة حتى يصح لمن ينظر إلى الأكوان وما فيها بعين العداوة

حتى يصح له بذلك محبة محبوبة والرجوع إليه بالانقطاع عما سواه ألا ترى اللّه عز

وجل حاكيا عن الخليل قوله: { فإنهم عدو لي إلا رب العالمين } هجرت الكل فيك

حتى

صح لي الاتصال بك.

٧٨

قوله تعالى: { الذي خلقني فهو يهدين } الآية: ٧٨

قال الواسطي رحمه اللّه: لما استغرق بهم في الخلة احتشم من ذكر خليله بالتصريح

فرجع إلى الصفات فجعل يقول النبي صلى اللّه عليه وسلم، ولم يصرح بذكره والكناية فيها

تصريح،

ولما كان في ابتداء مقاماته وأوائل جذبه لم يستغرق في الخلة جعل يصيح ويقول:

' رب. رب '.

قال بعضهم: الذي خلقني لعبوديته يهديني إلى قربه.

وقال بعض المتأخرين: الذي استعبدني واستخدمني سهل على ذلك وتهديه إلى ما

يرضيه عني.

قال بعضهم: الذي خلقني لدعوة خلقه سيهديني إلى آداب خلته.

وقال الجنيد رحمه اللّه: إن اللّه خلق الأشياء في الظاهر بالأشياء ما خلا القلب فإن

علاقته باللّه خصها لنفسه ولخزانته وموضع سره في أرضه كذلك قال إبراهيم عليه

السلام: ' الذي خلقني فهو يهدين '.

٧٩

 وقوله تعالى: { والذي هو يطعمني ويسقين } الآية: ٧٩

قال النهرجوري: الذي اطعمني حلاوة ذكره سيسقيني بكأس محبته.

قال الجريري: الذي يطعمني في حضرته، ويسقيني هو الذي يظهر على آثار بركات

ذلك المطعم والمشرب لذلك قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: ' إني أبيت عند ربي يطعمني

ويسقيني '.

قال بعضهم: هو الذي يحيي نفسي بطعام الخدمة، ويحيي روحي بشراب الألفة.

قال ابن عطاء رحمه اللّه: هو الذي يربيني بطعامه ويحيني بشرابه.

قال بعضهم: يطعمني لذة الايمان، ويسقيني شراب التوكل والكفاية.

قال ابن عطاء رحمه اللّه: إذا هجمت بالهوية المعدن تلاشت الكيفية والكمية،

والكلية في الحواس، ويطعمه بغذاء الأبرار الذي تسرمد في البقاء بلا تعب، ولا

نصب.

٨٠

قوله تعالى: { وإذا مرضت فهو يشفين } الآية: ٨٠

قال ابن عطاء: إذا مرضت برؤية الاغيار فإن شفائي الرجوع إلى مشاهدة الجبار.

قال جعفر: إذا مرضت برؤية أفعالي واحوالي شفاني بتذكار الفضل والكرم.

قال بعضهم: إذا مرضت بسماع المكروه فهو يشفيني بذكره.

قال بعضهم: إذا أمرضتني مخالفته شفاني رحمته.

قال سهل: إذا تحركت لغير اللّه عصمني، وإذا ملت إلى شهوة من الدنيا منعها عني.

قال ذو النون رحمه اللّه: إذا امرضتني جفاء من الخلق شفاني مشاهدة الحق.

وقال أيضا: إذا زللت بمشاهدة نفسي فمرضت بذلك يشفيني أي يكشف عني

بمشاهدته.

٨١

قوله تعالى: { والذي يميتني ثم يحيين } الآية: ٨١

قال أبو عثمان: الذي يميتني بخوفه، ويحييني برجائه.

قال ابن عطاء: الذي يميتني عنه ثم يحييني به.

قال ذو النون رحمه اللّه: وعلى الجماعة في هذه الآية الذي يميتني عن نفسي

ويحييني به.

قال الواسطي ورحمه اللّه: الذي يميتني بالاستتار ويحييني بالتجلي.

قال الجنيد رحمه اللّه: الذي يميتني بالغفلة ثم يحييني بالذكر.

قال ذو النون رحمه اللّه: يميت قلبي عن الدنيا، ويحييني بمجاورته.

وقال بعضهم: الذي يميتني بالمعاصي ويحييني بالطاعات.

وقال الجنيد رحمه اللّه: الذي يميتني بالافتقار إليه ويحييني بالاستغناء عنه.

وقال سهل رحمه اللّه: الذي يميتني بالغفلة، ويحييني بالذكر.

وقال الخراز: الذي يغنيني عني، ويبقيني به.

قال بعضهم: الذي يميتني بالمحن، ويحييني بالنعم.

قال محمد بن حامد: الذي يميتني بالطمع، ويحييني بالقناعة.

قال بعضهم: الذي يميتني ظاهرا، ويحييني باطنا.

٨٢

قوله تعالى: { والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين } الآية: ٨٢

قال أبو عثمان: اخرج سؤاله على حد الأدب لم يحكم على ربه بالمغفرة، ولكنه

قال: والذي اطمع أن يغفر، طمع العبيد في مواليهم، وإن لم يكونوا يستحقون عليهم

شيئا إذ العبد لا يستحق على مولاه شيئا، وما يأتيه يكون من فضل مولاه.

وقال الجنيد رحمه اللّه: ما سأل الخليل صلى اللّه عليه وسلم إلا الصفح عما ربما يقع من

ذلك في

الخلة فإن مرتبة الخلة مرتبة جليلة عظيمة خاف الخليل من ذلك أنت اتخذتني خليلا،

ولم ادع الخلة قط. وأنا اطمع كما اتخذتني خليلا أن تصفح عن زللي.

٨٣

قوله تعالى: { رب هب لي حكما } الآية: ٨٣

قال ابن عطاء: هب لي شكر ما خصصتني به من مقام الخلة بالصالحين. قال: قال:

الراضين عنك في جميع الأحوال.

٨٤

قوله تعالى: { واجعل لي لسان صدق في الآخرين } الآية: ٨٤

قال ابن عطاء رحمه اللّه: أطلق ألسنة أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم بالثناء على، والشهادة

لي فإنك

جعلتهم شهداء مقبولين.

قال سهل: ارزقني الثناء في جميع الأمم والملك.

٨٧

قوله تعالى: { ولا تخزني يوم يبعثون } الآية: ٨٧

قال فارس: لا تقع حجتي عند المسألة، ولا تفضحني بالمناقشة، ولا تحشمني بالحياء

عند موافقة الجزاء.

قال ابن عطاء: لا تشغلني عنك بالخلة عنك، وافض على أنوار رحمتك ليلا أغب

عن مشاهدتك برؤية شيء سواك.

قال الواسطي رحمه اللّه: مخافة انه ممقوت في أحواله وكذلك كل واحد غريق

مكره.

قال بعضهم: خاف الأنبياء على أنفسهم مع عظم مكانهم وسني مراتبهم فقال

الخليل: { ولا تخزني يوم يبعثون } فمن آمن على بعده فما هو إلا لغفلة أو استدراج.

٨٩

قوله تعالى: { إلا من أتى اللّه بقلب سليم } الآية: ٨٩

قال ابن عطاء رحمه اللّه: قلب خال من الاشتغال بشيء سوى مولاه، سلم له

الطريق إليه فلم يفرح على شيء سواه.

قال بعضهم: السليم في لسان العرب اللديغ، واللديغ هو القلق المزعج فكأنه يقول:

ثلاث لا يهدأ من الجزع والتضرع من مخالفة القطيعة.

قال الواسطي رحمه اللّه: سلم من سوء القضاء، وسئل الواسطي عن القلب

السليم؟ فقال: سليم من الإعراض عن اللّه.

قال الجنيد رحمه اللّه: السليم الذي لا يكون فيه إلا حبه.

قال بعضهم: السليم الذي قد سلم من آفات الدنيا، ومطابع العقبى، ولا يكون فيه

الشغل بمولاه.

وقال الواسطي رحمه اللّه: قلب سليم فارغ من الآفات لم يتجرع الغصص التي فيها

أولو العاهات.

قال ابن عطاء رحمه اللّه: الذي يلقى اللّه وليس له همة سواه.

قال بعضهم: السليم الذي يدخل الدنيا سالما من علامات الشقاء، ويعيش في الدنيا

سالما من ركوب الهوى، ويخرج من الدنيا سالما من سوء القضاء ويقوم بين يدي اللّه جل

وعز سالما من نزول البلاء واللّه عنه راض.

قال ابن عطاء: قلب سليم أي: سليم من غير اللّه.

وقال أيضا: السليم الذي لا يشوبه شيء من آفات الكون الفارغ من الهواجس

والموارد.

قال الواسطي رحمه اللّه: ابتلى إبراهيم عليه السلام في نفسه وأهله، وولده فلم

يؤثر فيه شيء من ذلك لسلامة قلبه عن الأكوان وما فيها، فلم يؤثر عليه شيء لما

سلمت حالته مع الحق هان عليه كل ما عداه.

وقال أيضا: القلب السليم هو أن يلقى اللّه، وليس فيه من اللّه شريك من كفر أو

رياء أو غير ذلك، وهو الذي فنى عن الأشياء باللّه ثم فنى عن اللّه باللّه، وسئل

بعضهم: بما تنال سلامة الصدر؟ قال: بالوقوف على حق اليقين وهو القرآن ثم حينئذ

يعطي على اليقين وهو المعرفة، ثم يعطى بعده حق اليقين وهو المشاهدة، ثم يعطى

بعدها عين اليقين، وهو الفناء عن الأحوال، والرسوم فيسلم لك صدرك وعلامته أن

ترى العبد راضيا في جميع الأحوال ولا يتخلل قلبه خلاف على ربه بحال.

قال أبو عثمان: هو على أربع منازل:

أولها: سلامة القلب من الشرك، الثاني:

سلامة القلب من الأهواء المفعلة. الثالث: سلامة القلب من الرياء والعجب.

والرابع:

سلامة القلب من ذكر كل شيء سوى اللّه.

وقال أبو سعيد الخراز: في قوله: { إلا من أتى اللّه بقلب سليم } قال ليس فيه إلا

اللّه، ومنه قول: الخليل: { واجعلنا مسلمين } البقرة: ١٢٨  وقول يوسف صلى اللّه عليه

وسلم:

{ توفني مسلما } يوسف: ١٠١  والإسلام يجمع شيئين من أصل واحد، وهو إخلاص

القلب بتوحيد اللّه واستكانة العبودية مع ملازمة موافقة اللّه.

قال القاسم: السليم الذي سلم من سوء القضاء.

وقيل الذي سلم من الكبائر، وقيل: الذي سلم من الشرك، وقيل: الذي سلم من

بغض أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم.

وقال سهل: الذي سلم من البدع.

وقال الشبلي: سليما من جميع ما في الكون.

قال أبو بكر الوراق: القلب السليم الراضي لمجارى المقدور عليه في المحبوب

والمكروه.

سمعت عبد اللّه الرازي يقول: سئل سهل عن قوله تعالى: { إلا من أتى اللّه بقلب سليم }

قال التفويض إلى اللّه، والرضا بقضاء اللّه.

سمعت محمد بن عبد اللّه الرازي يقول: سمعت أبا بكر بن طاهر يقول: لكل نبي

مع اللّه حال ومقام، فمقام آدم الملامة، ومقام إبراهيم السلامة، ومقام محمد صلى اللّه عليه

وسلم

الاستقامة، فآدم لام نفسه فقال: { ربنا ظلمنا أنفسنا } الأعراف: ٢٣  فاستفاد العفو

وإبراهيم { جاء ربه بقلب سليم } الصافات: ٨٣  فاستفاد الخلة، ونبينا عليه السلام قيل

له: { فاستقم كما أمرت } هود: ١١٢ ، الشورى: ١٥  فاستقام فاستفاد المحبة فأثنى

عليه فقال: { وإنك لعلى خلق عظيم } القلم: ٤ وأعظم الأخلاق خلق يستقيم على

بساط القربة وحال المشاهدة.

١١١

قوله تعالى: { قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون } الآية: ١١١

قال بعضهم: الأرذلون الطالبون حظوظهم.

وقال بعضهم: السؤال الذي يسألون الناس لا يصيرون على الفقر.

وقال بعضهم: الأرذلون المتكبرون.

١١٤

قوله تعالى: { وما أنا بطارد المؤمنين } الآية: ١١٤

قال ابن عطاء: ما أنا بمعرض عمن اقبل على ربه.

قال جعفر: ما أن بمكذب الصادقين، وقال: ما أنا بمهين الأولياء.

١٢٦

قوله تعالى: { فاتقوا اللّه وأطيعون } الآية: ١٢٦

قال الواسطي رحمه اللّه: التقوى أوائل المنازل، وأواخرها ولا غاية له وذلك أنه

ليس للمتقي غاية ينتهي إليها، وحقيقة التقوى أن يتقى العبد من تقواه.

قال بعضهم: التقوى هي التخلي من كل مذموم، والإقبال إلى كل محمود.

١٢٧

قوله تعالى: { وما أسئلكم عليه من اجر } الآية: ١٢٧

قال جعفر: أزيلت الأطماع عن الرسل اجمع لدنائتها فأخبر كل رسول عن نفسه

بقوله: { وما أسألكم عليه من أجر }.

١٣٦

قوله تعالى: { قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين } الآية: ١٣٦

قال الواسطي رحمه اللّه: من جرى عليه مختوم قضاء الشقاوة فإن الموعظة لا تؤثر

فيه لأن سمعه مسدود عن دخول الموعظة فيه، وقلبه معرض عن قبولها قد أخبر اللّه

تعالى عن صفتهم، فقال: { سواء علينا اوعظت أو لم تكن من الواعظين }.

قوله تعالى: { إنما أنت من المسحرين } الآية: ١٥٣

قال سهل: المخدوعين بأماني الدنيا الفانية، والنفس الطاغية.

١٩٣

، قوله تعالى: { نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين } الآية: ١٩٣

١٩٤

قال: ما انزله على قلبه جبريل جعله محلا للإنذار لا للتحقيق والحقيقة هو ما تلقفه

من الحق فلم يخبر عنه، ولم يشرف عليه خلق من الجن، والإنس، ومن

الملائكة... ما أطاق ذلك أحد سواه، وما انزل جبريل جعله للخلق فقال: ' لتكون

من المنذرين ' بما انزل به جبريل على قلبك لا من المتحققين به فإنك متحقق فيما جئناك

به، خاطبناك به على مقام لو شاهدك فيه جبريل لاحترق عليه السلام.

٢٠٥

قوله تعالى: { أفرأيت إن متعناهم سنين } الآية: ٢٠٥

قال يحيى بن معاذ: أشد الناس غفلة من اغتر بحياته الفانية والتذ بمراداته الواهية.

وسكن إلى مألوفاته واللّه يقول: { أفرأيت إن متعناهم سنين }.

٢١٢

قوله تعالى: { إنهم عن السمع لمعزولون } الآية: ٢١٢

قال سهل: استماع القرآن، والفهم فيه، وتعظيم محل الأوامر، والنواهي.

قال ابن عطاء رحمه اللّه: يسمعون ولا يفهمون كما أخبر اللّه عن قولهم: إنهم

ينظرون ولا يرون كذلك هم لا يسمعون، ولا يفهمون لأنهم عن السمع لمعزولون حرموا

فهم معاني السماع.

وقال جعفر: هو أن يسمع المواعظ فلا يتعظ بها.

٢١٤

قوله تعالى: { وأنذر عشيرتك الأقربين } الآية: ٢١٤

قال سهل: خوف الأقرب منك، واخفض جناحك إلا بعد من دلهم علينا بألطف

الدلالة، وأخبرهم أني جواد كريم.

سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء

رحمه اللّه في قوله: { واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين } قال: لين لهم جانبك

فإنهم على حد الرسم بالعبادة لا التحقيق به ولا مثوبة على اللّه أشد من قارئ أليس

قميص النسك.

٢١٦

قوله تعالى: { فإن عصوك فقل إني برئ مما تعملون } الآية: ٢١٦

قال الحسين: تبرى كل نبي عن من عصاه من ذريته إلا النبي صلى اللّه عليه وسلم لشرف

محله

فقال: فإن عصوك أي: خالفوك بعد الإقرار بارتكاب محرم فقل ' إني بريء من

أعمالكم لا يرى منكم فإن لك محل الشفاعة والشفاعة تزيل عنهم ظلمات المعاصي '.

٢١٧

قوله تعالى: { وتوكل على العزيز الرحيم } الآية: ٢١٧

قال الجنيد رحمه اللّه: التوكل أن تقبل بالكلية على ربك وتعرض بالكلية عما دونه

بالكلية فإن إليه حاجتك في الدارين.

سمعت عبد اللّه الرازي يقول: سمعت أبا عثمان يقول: التوكل مشتق من أصله،

وأصله أن اللّه وكيل على كل شيء والوكيل هو اللّه، وهو الكافي في جميع خلقه،

فالتوكل هو الاكتفاء باللّه مع الاعتماد عليه، والاستغناء به عن جميع خلقه لأن من

سواه محتاج إليه، وهو الغني الذي لم يزل، ولا يزال غنيا.

سمعت أبا عمر بن مطر يقول: سمعت أبا بكر البردعي يقول: سمعت النهرجوري

يقول: المتوكل على الحقيقة، والصحة قد رفع مؤنته عن جميع الخلق فلا يشكو ما به

ولا يذم من منعه، ولا يرى المنع والعطاء إلا من قبل اللّه.

قال الجنيد رحمه اللّه: علامة التوكل انقطاع المطامع.

قال أبو يزيد رحمه اللّه: التوكل كلما لحظته وجدته.

وقال: التوكل قلت: عاش بلا علاقة.

وقال: التوكل أن تفنى تدبيرك، في تدبيره، وترضى باللّه وكيلا مدبرا.

 قال الواسطي رحمه اللّه: في قوله: { الذي يراك حين تقوم } الآية: ١٢٨

قال: أثبت الراوية في حال الفقد والوجود لتعلم انك لم تغب عن ملاحظات

القدرة.

سمعت محمد بن عبد اللّه يقول: سمعت الكتاني يقول التوكل في الظاهر، والأصل

اتباع العلم، وفي الباطن والحقيقة استعمال اليقين.

سمعت محمد بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا الحسين الرازي يقول: التوكل مقرون

مع الإيمان، وكل إنسان توكله على قدر إيمانه فمن أراد التوكل فعليه بحفظ إيمانه مع

إقامة النفس على احكامه، ويستعمل الصبر، ويستعين باللّه.

سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت محمد بن يعقوب الفرمي يقول: قال ابن

عيينة: التوكل في عقد الإيمان اعتماد القلب على اللّه.

وقال بعضهم: التوكل في عقد الايمان، ولا تعرف الحقيقة بالصفة.

وقال أبو سليمان الداراني: أنا لا اعرف التوكل إلا بالصفة.

قال بعضهم: التوكل هو القوة بالاعتماد واليقين.

قال بعضهم: التوكل إسقاط الخوف والرجاء ممن سوى اللّه.

وقال بعضهم: التوكل طرح النفس في العبودية، وتعلق القلب بالربوبية، والنظر إلى

اللّه بالكلية.

٢١٩

قوله تعالى: { وتقلبك في الساجدين } الآية: ٢١٩

قال الواسطي: إثبات رؤية الكون على الأزل.

قال اللّه جل جلاله: { الذي يراك حين تقوم } أثبت الرؤية في الفقد، والوجود

تقلبك في الساجدين في أصلاب الأنبياء والمرسلين.

وقال بعضهم: تقلبك في الساجدين تقلب وصفك على سنة الأولياء والأنبياء.

وقال بعضهم: تقلب سرك في القربة فإن السجود محل القربة، والاقتراب.

 قال اللّه تعالى: { واسجد واقترب } العلق: ١٩

فلا زالت محل القدس ومشاهدة القرب تتقلب كما لا يزال كذلك.

٢٢٠

قوله تعالى: { إنه هو السميع العليم } الآية: ٢٢٠

قال ابن عطاء: سميع لدعوات عباده، عليم بوجوه مصالحهم.

وقال جعفر: السميع من يسمع مناجاة الأسرار، والعليم من يعلم أرداف الضمائر.

سمعت النصرآباذي يقول: حقيقة الذكر أن يغيب الذاكر عن ذكره بمشاهدة المذكور ثم

يغيب بمشاهدته في مشاهدته فيكون هو شاهد حقا.

٢٢٧

قوله تعالى: { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا اللّه كثيرا } الآية: ٢٢٧

قال الجنيد رحمه اللّه: الذكر الكثير هو دوام المراقبة في جميع الأحوال، وطرد

الغفلة عن القلب.

قال أبو يزيد رحمه اللّه: الذكر الكثير ليس بالعد ولكنه بالحضور دون العادة والغفلة.

وقال محمد بن علي الترمذي: حقيقة الإيمان يلزم صاحبه حسن آداب العبودية

والقيام بها ويفتح على القلوب أبواب الذكر والقليل منها كثير، ويطرد عنها أنواع

الغفلات.

قوله تعالى: { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون } الآية: ٢٢٧

قال ابن عطاء رحمه اللّه: وسيعلم المعرض عنا ما الذي فاته منا قال بعضهم: الظالم

لنفسه الذي يشكر على نعم غير اللّه.

قال الواسطي: ظلم نفسه من لا يراها في أسر القدرة، وفي قبضه العزة، وظن أنه مهمل في تصرفاته.

ذكر ما قيل في سورة النمل

﴿ ٠