سورة النملبسم اللّه الرحمن الرحيم ٤قوله تعالى: { إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم } الآية: ٤ قال الواسطي رحمه اللّه: من أعرض عن اللّه أو خالف شيئا من أوامره جعل عقوبته في ذلك تزيين عمله في قلبه فلا يرى المخالفة، مخالفة حتى يعمى بالكلية عن طريق رشده إذ ذاك يكون الهلاك، والوقوع في محل البعد. قال اللّه عز وجل: { إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون }. حكى عن بعض السلف: أن رجلا قال: يا رب كم أذنب فلا تعاقب؟ فأوحى اللّه إلى نبي وقته قل لصاحب هذا الكلام كم أعاقبك ولا تشعر لا عقوبة أشد من أن خليت بينك وبين مخالفتي. ٦قوله تعالى: { وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم } الآية: ٦ قال أبو بكر بن طاهر: إنك لتتلقف القرآن من الحق حقيقة وإن كنت تأخذه في ٢ ، الظاهر عن واسطة جبريل قال اللّه تعالى: { الرحمن علم القرآن } الرحمن: ١ قال: وإنك لتلقى القرآن. ٨قوله تعالى: { فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها } الآية: ٨ قال ابن عطاء: اصابتك بركة النار بموارد الأنوار عليك ومخاطبة الحق إياك فإنك آنست في الظاهر نارا فآنست بها وكان في الحقيقة أنوار فأزال عنك أنسك بها، وخصك بالأنس بمنورها، وكلمك، وثبتك عن الكلام، وخصصت بها من بين جميع الرسل. ١٠، قوله عز وجل: { لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم } الآية: ١٠ ١١ قال سهل: لم تكن في الأنبياء والرسل ظالم، وإنما هذه مخاطبة لهم كناية بها عند قومهم كما للنبي صلى اللّه عليه وسلم: { لئن أشركت ليحبطن عملك } الزمر: ٦٥ وإنما قصد بذلك إلى أمته فإنهم إذا سمعوا ما خوطب به النبي صلى اللّه عليه وسلم من التحذير كانوا حذرا. قال الواسطي رحمه اللّه: إلا من ظلم برؤية النفس والتفات إليها، وقال إلا من أغفل عن مصادره وموارده. وقال القاسم: إلا من ظلم، إلا من خاف غيرنا: ومن خاف غيرنا فلا يخفه. ١٥قوله تعالى { ولقد آتينا داود وسليمان علما } الآية: ١٥ قال ابن عطاء: علما بربه، وعلما بنفسه فاثبت لهما علمهما باللّه علم أنفسهم، وأثبت لهما علمهما بأنفسهما حقيقة العلم باللّه لذلك قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه: من عرف نفسه فقد عرف ربه. قال الجنيد رحمه اللّه: في قوله: { ولقد آتينا داود وسليمان علما } قال الجنيد: علمناهم ' بسم اللّه الرحمن الرحمن ' فورث ذلك سليمان من أبيه داود، وكتبه في صدور كتبه فلذلك قالت بلقيس: { إنه كتاب كريم } لأنه مفتتح ب ' بسم اللّه الرحمن الرحيم ' ولم أر قبله مفتتحا بهذه الفاتحة. ١٦{ وورث سليمان داود } الآية: ١٦ قال أبو بكر بن طاهر: ورث سليمان من أبيه داود العلم وكذلك كانت وراثة الأنبياء. وقال ابن عطاء رحمه اللّه: ورث منه صدق الالتجاء إلى ربه وتهرقة نفسه في جميع الأحوال. قوله تعالى: { علمنا منطق الطير } الآية: ١٦ سمعت أبا عثمان المغربي يقول: من صدق مع اللّه في أحواله فهم عنه كل شيء، وفهم عن كل شيء فيكون له في أصوات الطير وصرير الأبواب علما يعلمه وبيانا يبينه. قال محمد بن حامد العارف: يرى فضل اللّه عليه في جميع الأحوال ولا يرى لنفسه ذلك سببا ألا ترى اللّه يقول حاكيا عن سليمان، ورؤية الفضل عن نفسه في قوله: { علمنا منطق الطير }. ١٨{ حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم } الآية: ١٨ سمعت أبا الحسن السلامي يقول: تكلمت النملة بعشرة أجناس من الكلام نادت، ونبهت، وسمعت وأمرت ونصت وجددت، وخصت، وعمت، وأشارت وعذرت، أما النداء ف ' يا ' وأما التنبه ف ' يا أيها '، وأما سمعت فقولها ' النمل '، وأما أمرت فقولها ' أدخلوا ' وأما نصت فقولها ' مساكنكم '، وأما جددت فقولها ' لا يحطنكم '، وأما خصت فقولها ' سليمان '، وأما عمت فقولها ' وجنوده '، وأما أشارت فقولها ' وهم '، وأما عزرت فقولها ' لا يشعرون '، وأدت خمس حقوق: حق اللّه، وحقا له، وحقا لها، وحقا لكم، فحق اللّه انها استرعيت على النمل فرعتهم وأما حقا له فأدت حق سليمان في تنبيهه على حق النمل وأما حق لها فإنها أسقطت حق اللّه عنها في تضحيتها لهم، وأما حق لهم فإنها نصحتهم حتى دخلوا مساكنهم وأما حق لكم فللخلق جميعا في استرعاء من رعاه اللّه حقه وحفظ ذلك عليهم قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: ' ألا كلكم راع وكلكم مسؤول على رعيته '. سمعت محمد بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا بكر الحواس قال: سمعت محمد بن علي الترمذي يقول: لم يضحك سليمان في عمره إلا مرتين مرة يوم اخذ الضحاك، ومرة حين اشرف على واد النمل، وذلك أنه رأى النمل على كبر الثعالب لها خراطيم وأنياب، فقال رئيس النمل للنمل: { ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون } فخرج كبير النمل في عظم الجواميس فلما نظر إليه سليمان هاله فأراه الخاتم فخضع له ثم قال له هذه كلها نمل فقال: إن النمل أكثر من ذلك إنها ثلاثة أصناف صنف من الجبال، وصنف من القرى، وصنف من المدن. فقال سليمان: اعرضها علي، فقال له: قف ثم نادى ملك النمل فأقبلت كراديس وعساكر فبقى سليمان سبعين يوما واقفا تمر هي عليه، فقال: هي انقطعت عساكرهن فقال ملك النمل: لو وقفت إلى يوم القيامة ما انقطعت. سمعت الحسين بن يحيى يقول: سمعت جعفر الخلدي يقول: سمعت الجنيد رحمه اللّه يقول: قال سليمان عليه السلام لعظيم النمل لم قلت للنمل: ادخلوا مساكنكم، أخفت عليهم منى ظلما؟ قال: لا، ولكن خشيت أن يفتنوا بما يروا من ملكك فيشغلهم ذلك عن طاعة ربهم. ١٩قوله تعالى: { أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي } الآية: ١٩ قال أبو عثمان: من قسم له حظا من النعمة لن يعدم الفوائد من ربه، والزوائد من أحواله وأقواله. قوله تعالى: { وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين } الآية: ١٩ قال سهل رحمه اللّه: ارزقني خدمة أوليائك لأكون في جملتهم، وان لم أصل إلى مقامهم. قال الواسطي رحمه اللّه: أزل عي رؤية الأفعال، وأدخلني برحمتك التي لا تشوبها العلل في الذين أصلحتهم لمجاورتك من خواص عبادك. قال محمد بن علي الترمذي: لا تجعلني ممن يمقتهم أولياؤك وحجبوا قلوبهم عني. ٢١قوله تعالى: { لأعذبنه عذابا شديدا } الآية: ٢١ سئل الجنيد عن هذه الآية: لافرقن بينه وبين ألفه. قال ابن عطاء: لأحوجنه إلى أجناسه. وقال جعفر: لأبلينه بشقاق السر. وقال الخلدي: لالزمنه صحبة الأضداد فإن ذلك من أشد العذاب. سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا علي الروذباري يقول: أضيق السجن معاشرة الأضداد. قال الجنيد رحمه اللّه: لألبسنه ثوب الطمع، ولأحرمنه القناعة. وقال رويم: هو ضعف اليقين، وقلة الصبر. وقال أبو بكر بن طاهر: لأكلفه إلى حوله وقوته. وقال يوسف بن الحسين: لأرينه الباطل حقا، والحق باطلا. قال أبو بكر الوراق: لأعمين عليه طريق رشده. قال: لأبعدنه من مجالس الذاكرين. قال بعضهم: لأسلبنه حلاوة العبادة والأنس بها. قال بعضهم: لألزمنه خدمة أقرانه. ٢٦قوله تعالى: { لا إله إلا هو رب العرش العظيم } الآية: ٢٦ قال الواسطي: اظهر العرش إظهارا لقدرته لا مكانا لذاته إذ الذات ممتنع عن الإحاطة به، والوقوف عليه. ٢٩قوله تعالى: { يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم } الآية: ٢٩ قال مختوم مزين بزينته، وقيل: فيه كرامة الكتاب ابتداؤه ' بسم اللّه الرحمن الرحيم '، وقيل: كرامته ختمه وقيل كرامته عنوانه. وقال الحسين: بسم اللّه منك بمنزلة كن منه فإذا أحسنت أن تقول: بسم اللّه تحققت الأشياء بقولك: بسم اللّه كما تحقق بقوله: ' كن فيكون '. قال ابن طاهر: لما قال اللّه للقلم اكتب. قال: ما اكتب قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم أي: بك طهرت جميع الأشياء لا بغيرك فلما رأت بلقيس كتابه مفتتحا بما افتتح به اللوح المحفوظ قالت: { هذا كتاب كريم } أي: كتاب كريم بالابتداء ولا يبتدئ بالمكاتبة إلا كريم. قال بعضهم: كتاب كريم أي مبارك على اخذ بجوامع قلبي فليس لي عنه جواب، ولا لي معه خطاب إلا الانقياد له، ولا يكون مثل هذا إلا كتاب كريم. قال القاسم: لاحترامها الكتاب وتعظيمها له رزقت الهداية حتى آمنت وصدقت، وكذلك الحرمات تؤثر بركاتها على أربابها ولو بعد حين. ٣٤قوله تعالى: { إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها } الآية: ٣٤ قال جعفر الصادق: أشار إلى قلوب المؤمنين أن المعرفة إذا دخلت القلوب زالت عنه الأماني، والمرادات اجمع فلا يكون في القلب محل لغير اللّه. قال ابن عطاء رحمه اللّه: إذا ظهر سلطان الحق، وتعظيمه في القلب تلاشت الغفلات واستولت عليه الهيبة والأحوال فلا يبقى فيه تعظيم لشيء سوى الحق ولا يشغل جوارحه إلا بطاعته، ولسانه إلا بذكره، ولا قلبه إلا بالإقبال عليه. سئل بعضهم: عن نعت العارف فقال: إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها أي يفسدوا ما لغيرهم فيها وجعلوا الحظوظ كلها حظا واحدا. وقال الواسطي: في قوله: ' إن الملوك إذا دخلوا ' الآية أي عطلوها عما سواه وجعلوا أعزة أهلها أذلة كما كان أعز في عينه وقلبه صار ذليلا طريدا عن قلبه، وحق لهم ذلك وقد غيبهم حال عن كل وارد في الحال فأسرارهم عن سرهم نافذة وأماكنهم عن أماكنهم عليه لأن الحق لاحظهم بعناية القدرة واشتمال التولي والنصرة فحمل عنهم ما حملهم من أثقال هدايته، وولايته قوله تعالى: { بل أنتم بهديتكم تفرحون } الآية: ٣٦ قال جعفر: الدنيا أصغر عند اللّه وعند أنبيائه وأوليائه من أن يفرحوا بها ويحزنوا عليها. ٤٠قوله تعالى: { قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به } الآية: ٤٠ قال بعضهم: هو آصف نظر إلى عين الجمع، وتكلم عن حقيقة جمع الجمع فقال: أنا آتيك به، والهاء راجع إلى الحق أي باللّه عونه ونصرته، وقيل: على لسان الجمع أيضا أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك قال بعضهم: في قوله: { الذي عنده علم من الكتاب } أي انظر في الغيب، وعلم لمجاري الغيوب فعلم أن اللّه يريد أن يأتي سليمان عليه السلام بذلك فأخبر عن حقيقة الغيب. وقال ابن عطاء: أنا آتيك به أي باللّه لا بالحيل. قوله تعالى: { هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر } الآية: ٤٠ قال أبو بكر بن طاهر: أحسن عباد اللّه حالا من يرى فضل اللّه عليه في كل أوقاته ولا يغفل عن شكر إنعامه وزوائد منته لديه. وقال جعفر: من رأى فضل اللّه عليه أرجو أن لا يهلك. قوله تعالى: { ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه } الآية: ٤٠ ليس للخلق فيه شيء بأواصله يدعوكم ليغفر لكم ومن كفر فإن ربي غني كريم عن شكر الشاكرين وقيام القائمين وذكر الذاكرين. سمعت محمد بن عبد اللّه يقول: سمعت الشبلي يقول: الشكر هو الخمود تحت المنة. قال الواسطي: في شكر إبطال رؤية الفضل كيف يوازي شكر الشاكرين فضله، وفضله تميم وشكرهم محدث؟ { ومن شكر فإنما يشكر لنفسه } لأنه غني عنه وعن شكره. قال الجنيد رحمه اللّه: الشكر فيه علة لأنه يطلب لنفسه المزيد، وهو واقف مع رؤية حظ نفسه قال اللّه تعالى: { ومن شكر فإنما يشكر لنفسه } أي طالب للمزيد. وقال ابن عطاء: من شكر فإنما يشكر لنفسه، ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه، وان أحسنتم أحسنتم لأنفسكم. قال: ليس للحق فيه قليل، ولا كثير فإنه أجل من أن يلحقه ثناء مثن، أو شكر شاكر أخبر أن العلو، والشرف، والجلال له دونهم. قال الواسطي رحمه اللّه: دعا خلقه إلى شكره ثم قطعهم عنه جملة بقوله: { ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه } أي: ما كان منكم فهو لكم، وما كان منى فهو إليكم ليكون محل الشكر موجبا للشكر لئلا تبرأ عن النفس عند ذلك. ٤٨قوله تعالى: { وكان في المدينة تسعة رهط } الآية: ٤٨ قال ابن عطاء: يبيحون عورات النساء ولا يقبلون لهم عثرة، ولا يسترون لهم حرمة. قال بعضهم: يأمرون بالباطل وينهون عن الحق. وقال الحسن البصري: يعينون الظالمين على ظلمهم، ولا يمنعونهم منه. ٥٠قوله تعالى: { ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون } الآية: ٥٠ قال الصادق: مكر اللّه أخفى من دبيب النمل على صخرة سوداء في ليلة ظلماء. قال النووي: المعصية لا تخلو من الخذلان، والطاعة لا تخلو من المكر. قال الشبلي: اخترنا طريقة التصوف ليكون سلامة من مكر اللّه فإذا كله مكر. قال النووي: المكر لا يفهمه إلا الواصلون وأما المريد فإنه لا يعرف ذلك لأنه في حرقة. قال ابن عطاء رحمه اللّه: ما كان منه في القرب فهو مكر، وما كان منه في البعد فهو حجاب. قال الشبلي: المكر يعم الظاهر، والاستدراج يعم الباطن. قال الجنيد رحمة اللّه عليه: المكر هو المشي على الماء والمشي في الهواء وصدق الوهم وصحة الإشارة في كل هذا مكر لمن علم. قال الثوري: لولا المكر ما طاب عيش الأولياء. ٥٢قوله تعالى: { فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا } الآية: ٥٢ قال أبو عثمان: قلوبهم قاسية بما عصوا. وقال سهل: الإشارة في البيوت إلى القلوب فمنها عامرة بالذكر، ومنها خرابة بالغفلة، ومن ألهمه اللّه الذكر فقد خلصه من الظلم. وقال ذو النون: إن القلوب إذا بعدت عن اللّه مقتت القائمين بحق اللّه. وقال يوسف بن الحسين: من لم يراع قلبه عند كل خطرة وفكرة دخل عليه الخلل من وجوه لا يمكنه تداركها، والسعيد من نبه عن الخطرات في وقته ليتداركها بعون اللّه ومشيئته فيكون القلب متيقظا أبدا. سمعت النصرآباذي يقول: مراقبة الأسرار من علامة التيقظ. وقال أبو حفص: خراب القلب قلة الحزن، والحزن عمارة القلب ألا ترى النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: ' إن اللّه يحب كل قلب حزين '. ٥٨الأجل وهو قوله: { سلام قولا من رب رحيم } يس: ٥٨ قال الحسن: ما من نعمة إلا والحمد أفضل منها، والحمد النبي عليه السلام، والمحمود اللّه جل جلاله، والحامد العبد والحميد حاله الذي يوصل بالمزيد. وقال ابن عطاء رحمه اللّه: في قوله: { سلام على عباده } قال: من سلم اللّه عليه في الأزل سلم من المكاره في الأبد. وقال: قرأت هذه الآية بين يدي جعفر بن محمد فبكى ثم قال: سبحان من اصطفاهم لمعرفته، وسلام عليهم قبل المعرفة. قال بعضهم في قوله: { سلام على عباده الذين اصطفى } قال عند دخول الجنة بقول: { سلام عليكم بما صبرتم } الرعد: ٢٤ وقال الواسطي رحمه اللّه: لم يجعل الحق وسيلة إلى نفسه غير نعته ولا اختصاصا غير ذاته بقوله: { وسلام على عباده الذين اصطفى } فلم يجعل هاهنا اسم نعت، وجعل اسم حقيقة لأن الهاء تخبر عن حقيقة الذات لا غير. وقال: السلام على خبرين: من جهة الرضوان، ودار السلام، والسلام سلمهم من شواهدهم، والسلام للأكابر سلمهم بشاهده عن أن يتعلقوا بشواهدهم، ويجعلوها سبب الوسائل إلى السلامة. وقال بعضهم في قوله: { قل الحمد للّه } ولم يقل ' رب العالمين ' قيل: ترك ' رب العالمين ' ها هنا طاعة، وربما يكون ترك الطاعة في بعض الأوقات نفس الطاعة وقيل في قوله: { سلام على عباده الذين اصطفى } الذين نورهم بنور الإيمان، وقدسهم بضياء التوفيق ودلهم منه عليه. قال الواسطي رحمه اللّه: خص الحق الخلق بخصوصيته حيث أضافهم إلى نفسه بقوله: { سلام على عباده الذين اصطفى } فجعل للاسم اسم حقيقة لا اسم نعت أبدا لهم من فضله قبل أن أظهره عليهم. ٥٩قوله تعالى: { قل الحمد للّه وسلام على عباده الذين اصطفى } الآية: ٥٩ قال سهل: خلق اللّه تعالى السر، وجعل حياته في ذكره، وخلق الظاهر وجعل حياته في حمده وشكره وجعل عليهما الحقوق وهي الطاعات. وقال سهل في قوله: { سلام على عباده الذين اصطفى } قال: هم أهل القرآن يلحقهم من اللّه السلام في العاجل بقوله: ' سلام على عباده الذين اصطفى ' وسلام في ٦٠قوله تعالى: { أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة } الآية: ٦٠ وقال ابن عطاء رحمه اللّه: إذا بهج السر بما ظهر على قلب العبد من الرب والبهجة نور يظهر فلا تبقى معها شيء من الظلمة لا ظلمة الجهل، ولا ظلمة الريب والشك ولا الاشتغال بشيء سواه وهو علامة السكون باللّه، والانقطاع إلى اللّه، والاعتماد عليه. ٦١قوله تعالى: { أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا } الآية: ٦١ قال ابن عطاء: النفس خلقت من الأرض فسماها اللّه بها لمجاورتها لها، وقربها فقال: من جعل للنفوس القرار عند المناجاة فيأوان الحزمة، وجعل خلالها أنهارا ألسنة ناطقة بالذكر وأعينا ناظرة بالعبرة وأسماعا واعية عن الحق مخاطبا به على لسان السفر أو الوسائط وجعل بهذه الأنفس رحمة وهم الرواسي القطب من الأولياء يرجعون إليهم عند العثرات فيقومونهم بتقويم الحق، ويردونهم إلى طرق الرشاد قوله تعالى: { أمن يجيب المضطر إذا دعاه } الآية: ٦١ بين أوقات الذكر، وأوقات الغفلة هل أحد يستحق الإلهية إلا من يقدر على مثل هذه اللطائف. وقال جعفر: ' من جعل قلوب أوليائه مستقر معرفته، وجعل فيها أنوار الزوائد من بره في كل نفس وأثبتها بحبال التوكل، وزينها بأنوار الإخلاص واليقين والمحبة، وجعل بينهما حاجزا أي القلب والنفس لئلا يقلب عليه النفس وظلماتها. فيظلمها فجعل الحاجز بينهما التوفيق، والعقل. ٦٢قوله تعالى: { أمن يجيب المضطر إذا دعاه } الآية: ٦٢ قال سهل: أهل الدعوة صنفين من الناس: مستجابة لا محالة. مؤمنا وكافرا دعاء المضطر، ودعاء المظلوم لأن اللّه يقول: { أمن يجيب المضطر إذا دعاه } والنبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: ' دعاء المظلوم يرفع فوق الحجاب ' ويقول اللّه عز وجل: ' وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين '. قال سهل رحمه اللّه: المضطر هو المنبري من الحول والقوة والأسباب المذمومة. وقال: المضطر الذي إذا رفع يده لا يرى لنفسه حسنة غير التوحيد ويكون منه على خطر. وقال ابن عطاء في هذه الآية: أحوال المضطر أن يكون كالغريق أو كالمعطل في مقابره قد اشرف على الهلاك. وقال عمرو المكي: أوجب اللّه على نفسه للّه أعين له بصفة الخصوص للإجابة وهو المضطر: قال اللّه تعالى: ' أمن يجيب المضطر إذا دعاه '. وقال ابن عطاء رحمه اللّه: كمثل الطفل يلعب بين يدي أبويه ويلهو فإذا اصابته نائبة فزع اليهما لا يرى سواهما مفزعا كذلك الموت يتقلب في العوافي وإذا بدأ له عين من أعين البلاء فزع إلى ربه مضطرا لأنه لا يرى سواه مفزعا. وقال أبو عثمان: المضطر الخالي من أفعاله، وأحواله وأذكاره وأقواله الملقى عنانه إلى سيده، ولا يلتفت إلى سواه، ولا ينظر إليه حبا منه يتنفس تنفس المكروب، ويتحرك تحرك المقيد ويفرح فرح المسجون لا له حركة، ولا قرار، ولا مأوى، ولا مسكن ولا مرجع يرجع إليه ينظر في الخلق فيراهم مرة لما يرى من فساد امره، يضحك الخلق ويبكي، ويفرح الخلق ويحزن، ويأكل الخلق ويجوع، ويروي الخلق ويعطش وينام الخلق ويسهر ومع هذا كله يدرس كل يوم ديوان شقاوته، ويرى انه اشقى عبد لربه، والذي يرجو بركة دعائه قال اللّه تعالى: { أمن يجيب المضطر إذا دعاه } أي من يقدر على كشف هذه المحن عن قلوب عباده إلا من ابلاهم بها. وسال بعضهم من المضطر؟ قال النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا رفع يده لا يرى لنفسه شيئا. ٦٣قوله تعالى: { أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر } الآية: ٦٣ قال بعضهم: من يهديكم على عذر نفوسكم، وفساد طباعكم ويزيل عنكم وساوس قلوبكم، ويعينكم على استقامتها إلا اللّه، ومن يرسل رياح فضله بين يدي أنوار معرفته إلا اللّه وهل يقدر عليه أحد سواه؟ قال بعضهم: من أرسل رياح كرمه على قلوب أهل صفوته فيظهرها من أنواع المخالفات ثم يزينها بأنوار الإيمان ويؤيدها برحمة التوفيق. ٦٤قوله تعالى: { أمن يبدأ الخلق ثم يعيده } الآية: ٦٤ قال ابن عطاء رحمه اللّه: ابدأ الخلق بقدرته وإنفاذ المشيئة. قوله تعالى { قل هاتوا برهانكم } الآية: ٦٤ قال ابن عطاء رحمه اللّه: صححوا برهانكم لتعلموا أن لا برهان لكم. قوله تعالى: { قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا اللّه } الآية: ٦٥ قال سهل: خفى غيبه عن الخلق لجبروته، ولم يطلع عليه أحدا لئلا يأمن أحد من عبيده مكره فلا يعلم أحد ما سبق له منه همهم في اتهام العواقب ومجاري السوابق لئلا يدعوا ما لا يليق بهم من أنواع الدعاء في المعرفة والمحبة وغيرها. ٧٣قوله تعالى: { وإن ربك لذو فضل على الناس } الآية: ٧٣ قال سهل: منعه فضل وعطاؤه فضل، ولكن لا يعرف مواضع فضله إلا خواص الأولياء. سمعت عبد اللّه الرازي يقول: سمعت أبا عثمان يقول قلت لأبى حفص: في وقت وفاته أوصني: قال: من تقصيره على الدوام، ويرى فضل اللّه عليه في جميع الأوقات أرجو أن لا يهلك. ٧٤قوله تعالى: { وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون } الآية: ٧٤ قال الجنيد رحمه اللّه: ما تكن صدورهم من محبته، وما يعلنون من خدمته. ٧٩قوله تعالى: { فتوكل على اللّه إنك على الحق المبين } الآية: ٧٩ قال بعضهم: التوكل سكون القلب إلى اللّه، وطمأنينة الجوارح عند مصادمة المهولات حينئذ تظهر للمتوكل الثقة باللّه. قال بعضهم: لا يزول التوكل بتملك المال، ولا يصح التوكل بعدمه والاستقلال، وإنما ينقص التوكل اضطراب القلب، ويزيد في التوكل سكون القلب. سمعت محمد بن عبد اللّه الرازي يقول: سمعت حيز النشاج يقول: سمعت أبا حمزة يقول: إني لأستحي من اللّه أن أدخل البادية وانا شبعان وقد اعتقدت التوكل لئلا يكون سعى على الشبع زادا تزودته. سمعت محمد بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا عثمان الدارسي يقول: سمعت إبراهيم الخواص يقول: من ادعى التوكل والتفت في طريقه إلى الوراء فهو كذاب. سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت جعفر الخواص رحمه اللّه يقول: وقد سئل عن التوكل؟ فقال: أخذ السبب من اللّه. قال الواسطي رحمه اللّه: من توكل على اللّه لعلة غير اللّه قلبه بمتوكل على اللّه. وقال بعضهم: التوكل أن لا تقصى اللّه من أحد رزقك. ٨٠قوله تعالى: { إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء } الآية: ٨٠ قال بعضهم: الميت على الحقيقة من حلى من العصمة ورد إلى الحول والقوة. وقال يحيى بن معاذ: العارفون باللّه احياء وما سواهم موتى. وقال: الميت من يكون حياته بحركته، والحي من يكون حياته بربه. ٨٨قوله تعالى: { وترى الجبال تحسبها جامدة } الآية: ٨٨ قال سهل: إن اللّه تعالى نبه عباده على تقصى الأوقات عليهم، وغفلتهم فيه فجعل الجبال مثلا للدنيا يظن الناظر انها واقفة معه، وهي آخذه بحظها منه، ولا يبقى بعد الانقضاء إلا الحسرة على الفائت. قال ابن عطاء رحمه اللّه: الإيمان ثابت في قلب العبد كالجبال الرواسي، وأنواره تحرق الحجب الأعلى وقال إن قول لا إله إلا اللّه يسري كالسحاب، حتى يقف بين يدي اللّه عز وجل فيقول اللّه تعالى: أسكن مديحتي فوجلالي ما أجريتك على لسان عبد من عبيدي فأعذبه بالنار. قال جعفر رحمه اللّه: ترى الأنفس جامدة عند خروج الروح والروح يسري في القدس لتأوى إلى مكانها من تحت العرش. وقال الصادق رحمه اللّه: نور قلب الموحدين، وانزعاج أنين المشتاقين يمر من بين السحاب حتى يشاهدوا الحق فيسكنون. قال عثمان: يرى الأنبياء والأولياء وقوفا مع الحق على حد الرسوم كواحد منهم. وبركاتهم تصب عليهم صبا كالسحاب تراها مارة وهي سبب حياة الخلق والبهائم. قال اللّه تعالى: { وجعلنا من الماء كل شيء حي } الأنبياء: ٣٠ وقال ابن عطاء في قوله: { وهي تمر مر السحاب }، لا يلتفت إلى شيء سواه، ولا له قرار مع غيره. سمعت الحسن بن يحيى يقول: سمعت جعفر الخلدي يقول: حضر الجنيد رحمه اللّه مجلس سماع مع أصحابه، واخوانه فانبسطوا وتحركوا وبقى الجنيد على حاله لم يؤثر فقال له بعض أصحابه: لا تنبسط كما انبسط إخوانك فقال الجنيد: وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب. قوله تعالى: { صنع اللّه الذي أتقن كل شيء } الآية: ٨٨ قال ابن عطاء: ربوبيته التي ترد الأشباح إلى قيمتها وتجعل الأسرار والقلوب إلى مستقرها وجعل لخلقه مقاما إليه منتهاهم. فالسعيد من لزم حده والشقي من علا طوره. ٩١قوله: تعالى: { إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها } الآية: ٩١ سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت الحسين علوية يقول: سمعت يحيى بن معاذ يقول: الناس في العبادة على سبع درجات: جاهل، وعاص، وخائف، وراج، ومتوكل، وزاهد، وعارف، فجاهل عامل على العجلة، وعاص عمل على العادة، وخائف عمل على الرهبة، وراج عمل على الرغبة، ومتوكل عمل على الفراغة، وزاهد عمل على الحلاوة، وعارف عمل على رؤية المنة. قال بعضهم: لم يزين اللّه تعالى الخلق بزينة أزين من العبودية، ألا ترى النبي صلى اللّه عليه وسلم كيف قدم العبودية على الرسالة؟ فقال في تشهده واشهد أن محمدا عبده ورسوله. قال بعضهم: العبودية لباس الأولياء. والرسالة لباس الأنبياء. |
﴿ ٠ ﴾