سورة الأحزاب

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله تعالى: { يا أيها النبي اتق اللّه } الآية: ١

قال ابن عطاء في قوله: { يا أيها النبي } يا أيها المخبر عن خبر صدق والعارف في

معرفة الحقيقة اتق اللّه أن يكون لك التفات إلى شيء سواي.

وقال بعضهم: التقوى أن يتقي العبد رؤية التقوى فلا يرى العصمة إلا من اللّه جل

ذكره.

وقال ذو النون رحمة اللّه عليه: التقوى مقسوم على الخطرة الفكرة والهمة والنية

والعزم والقصد والحركة والعمل.

وقال أبو عبد اللّه الروذباري: التقوى مجانبة كل ما يبعدك عن اللّه.

قال أحمد بن حضرويه: أصل التقوى محاسبة النفس واصل محاسبة النفس الخوف

والرجاء.

وقال الواسطي رحمة اللّه عليه: التقوى على الحقيقة هو تقوى القلب لأن النبي صلى اللّه

عليه وسلم

قال: ' ألا إن التقوى هاهنا وأشار إلى القلب '.

سمعت أبا جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي: يقول: سمعت أحمد بن أبي

الحواري يقول: سمعت عبد اللّه بن السرى يقول: اتقوا اللّه عباد اللّه وأطيعوه فإنكم لا

تعرفون الآية ولم تكرموا الإله.

سمعت أبا العباس البغدادي يقول: سمعت محمد بن أحمد بن سهل يقول: سمعت

سعيد بن عثمان يقول: سمعت ذا النون رحمة اللّه عليه يقول: إن للّه خالصة من خلقه

وصفوة من عباده يعافون عنا إعظاما لجلال اللّه وهيبة له أولئك هم المتقون.

سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت ابن عطاء يقول: المتقى من اتقى رؤية

تقواه سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت ابن عطاء يقول: للتقوى ظاهر وباطن

وظاهره محافظة الحدود وباطنه النية والإخلاص.

سمعت أبا الحسين يقول: سمعت الجريري يقول: من لم يحكم فيما بينه وبين اللّه

تعالى التقوى والمراقبة لا يصل إلى الكشف والمشاهدة.

٣

قوله تعالى: { وتوكل على اللّه وكفى باللّه وكيلا } الآية: ٣

قال شاه: التوكل قطع القلب عن كل علاقة والتعلق باللّه سكون القلب في المفقود

والموجود.

وقال بعضهم: التوكل هو الكفاية بما ضمن اللّه لك من الكفاية في جميع الأحوال

وهو أن تكل إليه أمورك ولا تتحرك بتدبير ولا سعي.

وقال السري رحمة اللّه عليه: التوكل ترك تدبير النفس.

قال ذو النون رحمة اللّه عليه: التوكل التفويض لأمر اللّه.

قال ابن مسروق: التوكل الاستسلام لجريان القضاء والأحكام.

قال سهل رحمة اللّه عليه: التوكل الاسترسال بين يدي اللّه عز وجل.

٤

قوله تعالى: { ما جعل اللّه لرجل من قلبين في جوفه } الآية: ٤

قال سهل: التوجه إلى اللّه قصدا من غير التفات فمن نظر إلى شيء سوى اللّه فما

هو بقاصد إلى ربه فإن اللّه يقول: { ما جعل اللّه لرجل من قلبين في جوفه } قلب يقبل

به على ربه وقلب يدبر به أمر دنياه.

٦

قوله تعالى: { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } الآية: ٦

قال سهل: من لم ير نفسه في ملك الرسول صلى اللّه عليه وسلم لم ير ولاية الرسول صلى

اللّه عليه وسلم في جميع

الأحوال ولا يذوق حلاوة سنته بحال، لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم هو الأولى بالخلق من

أنفسهم

وأموالهم ألا ترى اللّه يقول: { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم }. والنبي صلى اللّه عليه

وسلم يقول:

' لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين '.

٧

قوله تعالى: { وإذا أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح } الآية: ٧

قال بعضهم: أخذ ميثاق النبيين بالعموم على لسان السفراء والوسائط وأخذ ميثاق

الرسول صلى اللّه عليه وسلم كفاحا مشافهة بلا واسطة فأظهر الأنبياء مواثيقهم لعمومها

واخفى النبي

ميثاقه لأنه في محل الخصوص فأخبر اللّه تعالى عنه في كتابه بقوله: { فأوحى إلى عبده ما أوحى } واخبر النبي صلى اللّه عليه وسلم تعجبا فقال: ' لو تعلمون ما أعلم ' وكذلك

مواثيق

خصائص الأحباب تكون سرا لا يطلع عليها سواهم.

٨

قوله عز وعلا: { ليسأل الصادقين عن صدقهم } الآية: ٨

قال عبد الواحد بن زيد: الصدق والوفاء للّه بالعمل.

قال بعضهم: الصدق أن لا تحزن على المفقود ما دام ذكر المعبود موجودا.

وقال القاسم: لا سؤال أصعب من سؤال الصادق عن صدقه فإنه يطلب بصدق

القدسي وعجز المخلوقين اجمع عن الصدق فكيف يجيبون عن صدق الصدق.

وقال الواسطي رحمة اللّه عليه: { ليسأل الصادقين عن صدقهم } الباطن منه أن

يسألهم عن التوسل إلى من لا وسيلة إليه إلا به عندها تذوب حسوسهم وتنقطع أعمالهم

وصار صدقهم كذبا وصفاؤهم كدرا واستوحشوا من مطالعته فضلا عن التزيين به

وذكره.

وقال عبد العزيز المكي: ليسال الموحدين عن صدق توحيدهم. وقال: ليسأل

الصادقين ظاهرا عن صدق بواطنهم.

وقال محمد بن علي الترمذي: إذا استوت اقدام الأنبياء في الآخرة في صفها { يسئل الصادقين عن صدقهم } فاحتاجت إذ ذاك الأنبياء إلى عفو اللّه وتقدم محمد صلى اللّه عليه

وسلم امامهم

بخطوة الصدق الذي أتى به بارزا على الأنبياء اجمع وهو مقام الوسيلة.

وقال الجنيد رحمة اللّه عليه: الصدق تحري موافقة اللّه في كل حال.

وقال النهرجوري: الصدق موافقة الحق في السر والعلانية وحقيقة صدق القول في

مواطن الهلكة.

سمعت أبا الفرج الورثاني يقول: سمعت محمد بن عبد العزيز يقول: سمعت أبا

عبد اللّه الحسن بن معقل القرشي يقول: لا يشم رائحة الصدق من يداهن نفسه أو

يداهن غيره.

وقال سهل: { ليسأل الصادقين عن صدقهم } يقول اللّه لهم: لمن عملتم؟ أو ماذا

أردتم؟ فيقولون: لك عملنا وإياك أردنا فيقول: صدقتم، فوعزته يقول لهم في

المشاهدة: صدقكم ألذ من نعيم الجنة.

١٥

قوله عز وعلا: ولقد كانوا عاهدوا اللّه من قبل لا يولون الأدبار } الآية: ١٥

سئل بعض العلماء: من المرحوم؟ فقال: عزيز قوم ذل - يعني عصى بعد ما اطلع -

وغني قوم افتقر كان غنيا باللّه ثم وقع في الطلب وعالم بين جهال يأتي ما يأتي الجهال.

٢١

قوله عز وعلا: { لقد كان لكم في رسول اللّه أسوة حسنة } الآية: ٢١

قال محمد بن علي الترمذي: الأسوة في الرسول صلى اللّه عليه وسلم الاقتداء به والاتباع

لسنته

وترك مخالفته في قول وفعل.

سمعت جدي يقول: سمعت أبا عثمان يقول: من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا

نطق بالحكمة ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة لأن اللّه تعالى يقول: { وإن تطيعوه تهتدوا }.

٢٣

قوله عز وعلا: { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه } الآية: ٢٣

قال محمد بن علي: خص اللّه الإنس من جميع الحيوان ثم خص المؤمنين من

الإنس ثم خص الرجال من المؤمنين فقال: { رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه } فحقيقة

الرجولية الصدق ومن لم يدخل في ميدان الصدق فقد خرج من حد الرجولية.

سمعت عبد اللّه الرازي يقول: كتبت من كتاب أبي عثمان وذكر انه من كلام شاه؟

ثلاثة من علامات الصدق والوصول إلى منازل الأنبياء، وذلك: إسقاط قدر الدنيا والمال

من قلبك حتى يصير الذهب والفضة عندك كالمدر والتراب متى ظفرت به صببته على

الخلق كهيئة التراب،

والثاني: إسقاط رؤية الخلق من قلبك حتى كأنهم كلهم أموات

وأنت وحدك على وجه الأرض تعبد ربك ولا تلتفت إلى مدحهم ولا تزيد ولا تنقص

شيئا من أفعالك بسبب كلامهم،

والثالث: إحكام سياسة نفسك بخالصة العداوة لها

وقطع الشهوات واللذات عنها حتى يكون فرحك في الجوع وترك الشهوات كفرح أبناء

الدنيا بالشبع ونيل الشهوات فعندها لزمت طريق الصادقين من المريدين وستصل إلى

فوائد اللّه وكرامته إن شاء اللّه تعالى.

وسئل أبو حفص: من الرجال؟ فقال: الصادقون مع اللّه بوفاء العهود. قال اللّه جل

ذكره: { رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه }.

وقال الحسين في قوله: { رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه }. فقال: هو أن يترك

الصادق إرادته لإرادة اللّه واختياره لاختياره ومحابه لمحابه وتدبيره لتدبيره حتى يرى من

قلبه ونفسه وجميع جوارحه انه لا يريد إلا ما أراد اللّه يصح ذلك قوله: { رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه }.

قوله عز وجل: { فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر } الآية: ٢٣

قال بعضهم: من بذل وسعه ومجهوده في الطاعة ومنهم من ينتظر بالتوفيق من ربه:

{ وما بدلوا تبديلا } ما تغيروا عن محبة نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم تغييرا.

قوله عز وعلا: { وما بدلوا تبديلا } الآية: ٢٣

قال عمر المكي: إن اللّه عز وجل يبلى المؤمنين بأنواع من البلاء فيرجع إلى ربه

بالابتهال والتضرع فيقول اللّه لملائكته: زيدوه بلاء فيقولون: يا رب زدناه بلاء فوجدناه

صابرا فما يزال يقول: زيدوه ويقولون: زدناه حتى تقول الملائكة انتهى المزيد. فيقول:

أكتبوه الساعة ممن لا يغير ولا يبدل ومصداقه في كتاب اللّه: { فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا }.

٢٤

قوله عز وجلا: { ليجزي اللّه الصادقين بصدقهم } الآية: ٢٤

قال ابن عطاء: يسألهم عن توسلهم بصدقهم إلى من لا يتوسل إليه إلا به فعندها:

تذوب حسوسهم وتنقطع آمالهم وصار صدقهم كذبا وصفاؤهم كدرا واستوحش العبد

من حسن أفعاله.

وقال ابن عطاء: ومن رغب فيما لا خطر له أغفل ما فيه الأخطاء.

٣١

قوله تعالى: { ومن يقنت منكم للّه ورسوله } الآية: ٣١

قال ابن عطاء: من تختار صحبة الرسول منهن على الدنيا فهي من القانتات وهي التي

تخضع للرسول وتذل له ولا تخالفه وتعمل صالحا وتتبع مراد الرسول صلى اللّه عليه وسلم

فيما يريده.

٣٣

قوله تعالى: { إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا }

الآية: ٣٣

قال أبو بكر الوراق: { الرجس } الأهواء والبدع والضلالات. { ويطهركم تطهيرا }

من دنس الدنيا والميل إليها.

قال بعضهم: { الرجس } هو الغل والغش والحسد { ويطهركم تطهيرا } بالهدى

والتوفيق.

وقال علي بن عبد الرحمن في قوله: { ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } قال:

البخل والطمع { ويطهركم تطهيرا } بالسخاء والإيثار.

قال ابن عطاء: يذهب عن نفوسكم رجس الفواحش ويطهر قلوبكم بالإيمان والرضا

والتسليم.

٣٥

قوله تعالى: { إن المسلمين والمسلمات } الآية: ٣٥

قال سهل: الإيمان أفضل من الإسلام والتقوى في الإيمان أفضل من الإيمان

واليقين في التقوى أفضل من التقوى والصدق في اليقين أفضل من اليقين وإنما تمسكتم

بادئا بالإسلام فإياكم أن ينفلت من أيديكم.

وقال: الإيمان باللّه في القلب راسخ واليقين بالتصديق ثابت. وقال: الإسلام حكم

والإيمان أصل والإحسان ثواب.

وقال سهل: لا يشم رائحة الصدق من يداهن نفسه أو يداهن غيره وصدق العين

ترك النظر إلى المحظورات وصدق اللسان ترك الكلام فيما لا يعنيه وصدق اليد ترك

البطش في الحرام وصدق الرجلين ترك المشي إلى الفواحش وحقيقة الصدق من القلب

ودوام النظر فيما مضى وترك التدبير والاختيار فيما بقي.

وقال جعفر الصادق: من يصف لك خير الآخرة لا خير الدنيا ويدلك على حسن

الأخلاق لا على سيئها ويعطيك قلبه لا جوارحه.

قال ابن عطاء: لم يبلغ أحد إلى مقام الصدق بالصوم والصلاة ولا شيء من

الاجتهاد ولكن وصل إلى مقام الصدق بأن طرح نفسه بين يديه وقال: أنت أنت ولا بد

لنا منك.

وقال سهل: ليس من ادعى الذكر فهو ذاكر فالذاكر على الحقيقة من يعلم أن اللّه

مشاهده فيراه بقلبه قريبا منه فيستحي منه ثم يؤثره على نفسه وعلى كل شيء من جميع

أحواله.

وسئل سهل: ما الذكر؟ قال: الطاعة. قلت: وما الطاعة؟ قال: الإخلاص. قلت:

وما الإخلاص؟ قال: المشاهدة. قلت: وما المشاهدة؟ قال: العبودية. قلت: وما

العبودية؟ قال الرضا. قلت: وما الرضا؟ قال: الافتقار. قلت: وما الافتقار؟ قال:

التضرع والالتجاء سلم سلم إلى الممات.

وقال بعضهم: الخشوع استحقار الكبر وجميع الصفات تحت هيبة الحق.

قال بعضهم: الصابر هو الحابس نفسه عند أوامره والخاشع هو المتذلل والخاضع له

والمتصدق الباذل نفسه وروحه وملكه في رضا مالكه والصائم الممسك عن كل ما لا

يرضاه اللّه والحافظ فرجه الراعي لحقوق اللّه عليه في نفسه وقلبه والذاكر للّه الناسي كل

ما سواه أوجب اللّه على نفسه لمن هذه صفته ستر الذنوب عليه ومغفرتها له وأجرا

عظيما وثوابا له وهو رضا اللّه ورؤيته.

قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه: إن الذين اسلموا وانقادوا وآمنوا وصدقوا وخشعوا

ودعوا اللّه على الإخلاص وصدقوا اللّه في وعده ووفوا له بما وعدوه من أنفسهم

وصبروا في البأساء والضراء وخشعوا وخضعوا وانقادوا وتصدقوا وخرجوا عن جميع

ما ملكوا وأمسكوا عن المخالفات وحفظوا فروجهم ورعوا أسرارهم عن نزغات الشيطان

وذكروا اللّه ولم ينسوه في جميع الأحوال أعد اللّه لهم الرضوان والرضا والتمكين

والمشاهدة واللقاء.

وقال الحسين: الصادق الظاهر له القدرة يظل عند ربه ويطعمه من نوره ويسقيه

شرابا طهورا أولئك الأقوياء الذين لا يحتاجون إلى الطعام ولا الشراب ولا يموتون.

قال الشبلي: الصادق من يكون مواصلا للأحزان وقلبه منفرد بالرحمن.

قال مطرف القرميسي: الصوم ثلاثة، صوم الروح بقصر الأمل وصوم العقل بمخالفة

الهوى وصوم الجسد بالإمساك عن الطعام.

وقال أبو سعيد الخراز: الصبر اسم لمعان ظاهرة وباطنة فأما الظاهرة فهي ثلاثة:

الصبر على أداء الفرائض واجتناب عما نهى اللّه عنه والصبر على النوافل وعلى قبول

الحق. وأما الباطنة فالصبر معه والصبر فيه والصبر منه.

وقال أيضا: الحافظين فروجهم الذين حفظوا أسماعهم عن اللغو والخنا وأصغوا إلى

اللّه بآذان قلوبهم الواعية ولم يغفلوا عن ندائه بحال.

وقال بعضهم: الذاكرون خمسة ذاكر ذكره بالثناء وآخر ذكره بالدعاء وآخر ذكره

بالتسبيح، والآخر ذكره بالاستغفار وذاكر يذكره بذكره.

وقال القاسم: القانت المطيع الذي لا يعصى اللّه.

قال بعضهم: الصابر من أهل الباب والراضي من أهل الدار والمفوض من أهل

البيت.

قال بعضهم: الخشوع الطمأنينة عن اختلاف المقادير.

وقال ابن سالم: الذاكر ثلاث ذاكر باللسان فذلك الحسنة بعشرة أمثالها وذاكر القلب

الحسنة بسبعمائة وذكر لا يوزن ثوابه ولا يعد وهو الامتلاء من المحبة.

قال الشبلي: الذكر نسيان الذكر في مشاهدة المذكور.

وقال عمرو المكي: الحافظ لفرجه هو الواقف عند أمره ونهيه ولا يتعداها والمتأدب

بأدبه الذي من تجاوزه ضل عن سواء السبيل.

٣٦

قوله تعالى: { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى اللّه ورسوله أمرا } الآية: ٣٦

قال سهل: الإيمان أربعة أركان التوكل على اللّه والتسليم لأمر اللّه وأمر رسوله

والتفويض إلى اللّه والرضا بقضاء اللّه.

وقال أيضا السنة كلها وجميعها أن تؤثر اللّه ورسوله على نفسك وتؤثر أمرهما على

مرادك.

٣٧

قوله عز وعلا: { وإذ تقول للذي أنعم اللّه عليه وأنعمت عليه } الآية: ٣٧

قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه: أنعم اللّه عليه بمحبتك وأنعمت عليه بالتبني. وقال

بعضهم: وإذ تقول للذي أنعم اللّه عليه بالمعرفة وأنعمت عليه بالعتق.

قوله تعالى: { وتخفي في نفسك ما اللّه مبديه } الآية: ٣٧

تخفى في نفسك ما اظهر اللّه لك من آية تزوجها منك وتخشى أن يظهر للناس ذلك

فيفتنوا.

وقال الجنيد: في قوله وتخفى في نفسك ما اللّه مبديه معناه ما اللّه مبد حكمه ومظهر

فيه سنته الباقي نفعها على الأمة والمبين معناها للخليقة من تحليل نكاح نساء أولاد التبني

دون أولاد الصلب.

قوله عز وعلا: { تخشى الناس واللّه أحق أن تخشاه } الآية: ٣٧

قال ابن عطاء: تخشى الناس أن يهلكوا في شأن زيد فذلك من تمام شفقته على

الأمة واللّه أحق أن تخشاه أن تبتهل إليه ليزيل عنهم ما تخشى منهم.

قوله تعالى: { فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها } الآية: ٣٧

قال: قرئ عند ذي النون رحمة اللّه عليه هذه الآية فتأوه تأوها ثم قال: ذهب بها

واللّه زيد وما على زيد لو فارق الكون بعد أن ذكره اللّه من بين أصحاب محمد صلى اللّه

عليه وسلم

باسمه بقوله: { فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها }.

سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت يوسف بن الحسين يقول: سئل ذو النون

رحمة اللّه عليه وعليهم وأنا حاضر عند قوله: { فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها }

أترى كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحتشم زيدا إذا رآه؟ فقال ذو النون: كيف لا

تقول أترى كان

زيد يحتشم النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا رآه أو أقيم أقيم لالتماس شيء كانت العاقبة قد

حكمت لرسول

صلى اللّه عليه وسلم عاجلا وإنما كانت عارية عند زيد.

٣٨

قوله عز وعلا: { وكان أمر اللّه قدرا مقدورا } الآية: ٣٨

قال سهل رحمة اللّه عليه: أي معلوما قبل وقوعه عندكم وهل يقدر أحد أن يجاوز

المقدور.

٣٩

قوله تعالى: { الذين يبلغون رسالات اللّه ويخشونه } الآية: ٣٩

قال ابن عطاء: هذه خشية السادة والأكابر وإنما خشية عوام الخلق من جهنم.

٤١

قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اذكروا اللّه ذكرا كثيرا } الآية: ٤١

قال النصرآباذي: وقت اللّه العبادات بأوقات إلا الذكر فإنه أمر أن يذكر كثيرا والذكر

الكثير للقلب وهو أن لا يفتر القلب عن المشاهدة ولا يغفل عن الحضرة بحال الا تراه لما

رجع إلى المعلوم وقت.

٤٢

وقال: { سبحوه بكرة وأصيلا } الآية: ٤٢ . وأنشد:

* اللّه يعلم اني لست أذكره

* وكيف أذكره من لست أنساه

*

قال أبو الحسين بن هند: ناداهم ثم خص النداء ثم كونهم ثم أشار إليهم بالتوحيد ثم

أمرهم بإقامة العبودية ثم من على نبيهم بذلك ولم يمن عليهم فإنه إنما خصهم بسببك

والذكر إقامة العبودية.

قال علي بن عبد الرحيم:

* أموت إذا ذكرت ثم أحيا

* ولولا ما أؤمل ما حييت

*

* وأحيا بالمنى وأموت شوقا

* فكم أحيا عليك وكم أموت

*

* عجبت لمن يقول ذكرت ربي

* وهل انسى فاذكر من هديت

*

* شربت الحب كأسا بعد كأس

* فما نفد الشراب ولا رويت

*

٤٣

قوله تعالى: { هو الذي يصلي عليكم وملائكته } الآية: ٤٣

قال أبو بكر بن طاهر: علامة صلاة اللّه على عبده أن يزينه بأنوار الإيمان ويحليه

بحلية التوفيق ويتوجه بتاج الصدق ويسقط عن نفسه الأهواء المضلة والإرادات الباطلة

ويبدله به الرضا بالمقدور.

٤٤

قوله تعالى: { تحيتهم يوم يلقونه سلام } الآية: ٤٤

قال ابن عطاء: أعظم عطية للمؤمن في الجنة سلام اللّه عليهم من غير واسطة.

٤٥

قوله عز وعلا: { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا } الآية: ٤٥

قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه: في هذه الآية إنا شرفناك برسالتنا وتخبر عنا خبر

صدق فيهدي بك قلوبا عميا أرسلناك شاهدا لنا لا تشهد معنا سوانا جعلنا الخلق كلهم

يشهدونك ويشهدوننا فيك ولا يشهدك إلا من اثر فيه بركة نظرك فيشهدك ويشهدنا فيك

ومن لم يجعلك الدليل عمى وضل فإنك البشير تبشر من اقبلنا عليك بالرضوان وتنذر

من اعرضنا عنه بالخذلان فإنك محل مشاهدة الخلق إيانا بك اخذناك عنك فلا تشهد

شهودهم غيبناك عنهم فلا يشهدون منك إلا ظاهرك وأنت لا تشهد سوانا بحال.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: شاهدا بالحق للحق إلى الحق مع الحق ليوم لا يقبل

فيه الحق إلا الحق.

٤٦

قوله تعالى: { وداعيا إلى اللّه بإذنه وسراجا منيرا } الآية: ٤٦

قال جعفر رحمة اللّه عليه: داعيا إلى اللّه لا إلى نفسه افتخر بالعبودية ولم يفتخر

بالنبوة ليصبح بذلك الدعاء إلى سيده فمن أجاب دعوته صارت الدعوة له سراجا منيرا

يدل على سبيل الرشد ويبصره عيوب النفس وغيبها.

٥٠

قوله عز وعلا: { قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم } الآية: ٥٠

قال مالك بن أنس رحمة اللّه عليه: فرضنا عليهم أن لا نكاح إلا بولي.

قال بعضهم: هو استعمال الأدب فيهم وحسن الخلق معهم وحملهم على طاعة اللّه

فإن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: ' خيركم خيركم لأهله واللّه يعلم ما في قلوبكم '.

قال أبو عثمان: من علم أن اللّه يعلم ما في قلبه وخاطره ولم يصلح قلبه وباطنه

٥١

لربه كما يصلح ظاهره للقاء الناس فإن ذلك لقلة معرفته لربه لأن اللّه يقول: { ويعلم ما في قلوبكم } الآية: ٥١

٥٥

قوله تعالى: { إن اللّه كان على كل شيء شهيدا } الآية: ٥٥

قال ابن عطاء: الشهيد الذي يعرف خطرات قلبه كما يعرف حركات جوارحه.

٥٦

قوله تعالى: { إن اللّه وملائكته } الآية: ٥٦

سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم البزار يقول: نصر يذكر عن

ابن عطاء رحمة اللّه عليهم قال: الصلاة من اللّه رحمة، والصلاة من اللّه رحمة، والصلاة من

الملائكة رفعة،

ومن الأمة متابعة ومحبة.

حكى عن الواسطي رحمة اللّه عليه أنه قال: صل عليه بالوقار ولا تجعل لها في

قلبك مقدار، سألت عبد الواحد السياري عن هذه اللفظة وكأني استقبحتها فقال: لا

تجعل لصلواتك عليه في قلبك مقدار تظن انك تقضي به من حقه شيئا بصلواتك عليه

فإنك تقضي به من حق نفسك إذ حقه اجل من أن تقضيه أمته اجمع إذ هو في صلوات

اللّه عليه بقوله: { إن اللّه وملائكته يصلون على النبي } فصلوات عليه استجلاب رحمة

على نفسك به.

٧٠

قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه وقولوا قولا سديدا } الآية: ٧٠

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: التقوى على أربعة أوجه: للعامة تقوى الشرك

وللخاصة تقوى المعاصي، وللخاص من الأولياء تقوى الشرك من الأفعال، والأنبياء

تقواهم منه إليه.

قال بعضهم: القول السديد ما أريد به وجه اللّه لا غيره.

٧١

قوله تعالى: { يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم } الآية: ٧١

قال سهل: من وفقه اللّه لصالح الأعمال فذلك دليل على أنه مغفور له لأن اللّه عز

وجل يقول: { يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم }.

قال أبو عثمان رحمة اللّه عليه: في ثلاثة أشياء صحة النية والنشاط عند القيام إلى

العمل وإخلاصه من أنواع الرياء.

قال بعضهم: يصلح لكم أعمالكم بقبولها منكم فإن صلاح العمل في قبوله.

قوله تعالى: { ومن يطع اللّه ورسوله فقد فاز فوزا عظيما } الآية: ٧١

قال بعضهم في هذه الآية: هو أن يصلح باطنه وقلبه فإنهما موضع نظر الحق

وتعميرهما بدوام التفكر ويصلح ظاهره بالطاعات الظاهرة واتباع السنن فمن فعل هذا

فقد فاز من وسواس الشيطان وهواجس النفس.

قال بعضهم: تمام الفرائض بالإقبال على السنن والنوافل فمن قصر في السنة لم تتم

له فريضة وعما قليل تبلغ نوبة التقصير إلى الفرائض. قال اللّه: { ومن يطع اللّه } في

فرائضه { والرسول } في سننه وآدابه { فقد فاز فوزا عظيما } أي نجى نجاة بينة.

٧٢

قوله تعالى: { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال } الآية: ٧٢

قال بعضهم: أداء أمانة الخلق وأداء أمانة الخالق.

وقال ابن عطاء: الأمانة هي تحقيق التوحيد على سبيل التفريد.

قال الحسن البصري: رأيتهم واللّه قد اشتروا الأمانة بأموالهم ووسعوا لها دورهم

وضيقوا قبورهم وسمنوا براذينهم وأهزلوا ذنبهم وانصبوا أنفسهم إلى باب السلطان

بالغدوة والرواح بالمطارق العتاق والعمائم الرقاق يتعرضون للبلاء وهم من اللّه في عافية

ويبكي أحدهم على شماله ويأكل من غير ماله، ماله حرام وخدمته سخرة ثم إذا بلغت

به اللكضة ونزلت به بطنة يقول: يا غلام ائتنا بشيء يهضم طعامنا أطعامك يهضم أم

دينك معه يا لكع أين أنت من قوله تعالى: { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها } ألم يهمك إذن الأمانة التي حملتها

حتى اختلت، تنظر في عطفيك، وتتبختر في مشيتك، هيهات هيهات ما ابعدك عند

طريق المتقين واجهلك بسيرة المؤمنين.

قال أبو بكر بن طاهر: إن الإمانة عرضت على السماوات والأرض فأبوا حملها

وأشفقوا من ذلك وهربوا منها فلما عرضت على آدم قال: احمل هذه الأمانة بقوتي

ونفسي أم بالحق؟ فقيل: بل من يحملها يحملها بنا فإن ما منا لا يحمل إلا بنا، فحملها

آدم.

قوله تعالى: { إنه كان ظلوما جهولا } الآية: ٧٢

قال: ظلوما حيث ظن أن أحدا يحمل بنفسه شيئا، جهولا بعظيم قدر الأمانة وأن

أحدا يطيق إتمامها بنفسه دون توفيق ربه.

قال أبو عثمان: الأمانات شتى على النفس أمانة وعلى القلب أمانة وعلى السر أمانة

وعلى الفؤاد أمانة وعلى الروح أمانة وفي العينين أمانة وفي اللسان أمانة وعلى السمع

أمانة وعلى الرجلين أمانة وعلى اليدين أمانة فمن لم يراع أمانة اللّه عليه عنده ضيع

أوقاته وخاب سعيه.

قال الجنيد رحمة اللّه عليه: إن اللّه لما عرض على السماوات والأرض والجبال فأبوا

حملها وعرضت على آدم فقبلها فأبوا حين ظنوا انهم بإياهم يحملون، وحملها آدم حين

علم أنه به يحملها لا بنفسه.

وقال أيضا: نظر آدم إلى عرض الحق فأنساه لذة العرض ثقل الأمانة وشدتها فحمل

بالعرض من غير النظر إلى الأمانة.

وقال أيضا: أشفقت السماوات والأرض عن حمل الأمانة لعظم خطرها وسهل على

آدم قبولها وحملها قوله: { عرضنا } فتخصيص العرض حسر آدم على حمل الأمانة.

وقال: لو كانت مثل الأمانة ألوف امانات حملتها بعد أن يكون عن عرضك حملها.

وقال: في قوله: { ظلوما جهولا } ظلوما لنفسه جهولا بعاقبته.

قال ابن عطاء: ظلم نفسه حيث لم يشفق مما أشفق منه السماوات والأرض.

قال فارس عن الحسين في قوله: { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها } قال: عرضت الأمانة على الخلائق والجمادات

فأشفقوا وهربوا وظنوا أن الأمانة تحمل بالنفوس وكشف لآدم أن حمل الأمانة بالقلب

لا بالنفس فقال: أنا اقبلها فإن القلب موضع نظر الحق واطلاع الحق والجلية، لم تطقها

الجبال وطاقتها القلوب، وانشد فارس:

* حملتم القلب ما لا يحمل البدن

* والقلب يحمل ما لا يحمل البدن

 

* يا ليتني كنت أدنى من يلوذ بكم

* عينا لأنظركم أم ليتني أذن

ذكر ما قيل في سورة سبأ

﴿ ٠