سورة يس

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله عز وعلا: { يس والقرآن الحكيم } الآية: ١

قال جعفر الصادق - رحمة اللّه عليه -: في قوله { ياسين } يا سيد مخاطبا لنبيه صلى

اللّه عليه وسلم

بذلك قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: ' أنا سيدكم '. لم يمدح نفسه ولكن أخبر عن معنى

مخاطبة الحق

إياه بقوله { ياسين } فهذا شبيه بقول النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قرأ على المنبر: *

(ونادوا يا مالك }.

قوله لأبي هريرة رضي اللّه عنه - ' يا أبا هريرة ' وغير ذلك فلما أخبر اللّه تعالى عنه

بالسيادة مبهما وأمره بتصريحه صرح بذلك فقال: ' إن اللّه تعالى ناداني سيدا فأنا سيد

ولد آدم ولا فخر '.

أي ولا فخر بالسيادة لأن افتخاري بالعبودية اجل من اخباري عن نفسي بالسيادة.

٧

قوله عز وعلا: { لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون } الآية: ٧

قال ابن عطاء - رحمة اللّه عليه -: حق القول على أهل الشقاوة في الأزل أنهم لا

يؤمنون ولو جاءتهم كل آية فالنبي صلى اللّه عليه وسلم يسمع خطابه من اسمعه الحق في

الأزل نداء

السعادة فإذا سمع نداء النبي صلى اللّه عليه وسلم أجاب لما سبق له من إجابة لنداء الحق.

٩

قوله تعالى: { وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا } الآية: ٩

قال ابن عطاء - رحمة اللّه عليه -: { وجعلنا من بين أيديهم سدا } وهو طول الأمل

وطمع البقاء { ومن خلفهم سدا } فهو الغفلة عما سبق منه من الجنايات وقلة الندم

والاستغفار عليه، أعماه تردده في الغفلات عن الاعتذار لما سبق منه من الجنايات.

١١

قوله تعالى: { إنما تنذر من اتبع الذكر } الآية: ١١

قال الحسين: اشرف منازل الذاكرين من نسي ذكره في مشاهدة مذكوره، وحفظ أوقاته

عن الرجوع إلى رؤية الذكر.

١٢

قوله عز وعلا: { إنا نحن نحيي الموتى } الآية: ١٢

قال محمد بن علي الترمذي في هذه الآية: إنا نحن نحيي الأنفس الميتة بتوفيق

الخدمة ونحيي القلوب الميتة بأنوار الإيمان ونحيي الأسرار الميتة بأنوار الاطلاع ونحيي

الأفئدة الميتة بأنوار المشاهدة.

٢٢

قوله تعالى وتقدس: { وما لي لا أعبد الذي فطرني } الآية: ٢٢

قال ابن عطاء: بالفطرة جعل الأشخاص في قبضة القدرة والأرواح في قبضة العزة.

قال الحسين: كل قلب يشتغل بالثواب عن خدمة الآمر فهو أجير وليس بعبد وإنما

يعمل على الأجر عبيد النفوس ومن أخذه تعظيم حرمة أمر اللّه لا يلتفت إلى الثواب.

قال بعضهم: العبد الخالص من عمل على رؤية الفطرة لا غير واجل منه من يعمل

على رؤية الفاطر.

قوله تعالى: { قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي }

الآية: ٢٦

قال حمدون القصار: لا يسقط عن النفس رؤية الخلق بحال ولو سقط عنها في وقت

لسقط في المشهد الأعلى في الحضرة الا تراه في وقت دخول الجنة يقول: يا ليت قومي

يعلمون بما غفر لي ربي تحدثه النفس إذ ذاك برؤية الخلق.

٣٣

قوله عز وعلا: { وآية لهم الأرض الميتة أحييناها } الآية: ٣٣

قال ابن عطاء - رحمة اللّه عليه -: القلوب الميتة بالغفلة فأحييناها بالتيقظ والاعتبار

والموعظة وأخرجنا منها معرفة صافية تضيء أنواره على الظاهر والباطن.

٣٦

قوله عز وعلا: { سبحان الذي خلق الأزواج كلها } الآية: ٣٦

قال عبد العزيز المكي: { خلق الأزواج كلها } ثم قال: { ليس كمثله شيء } ليستدل

بذلك أن خالق الأزواج منزه عن الزوج مستغن عنه.

٥٥

قوله تعالى: { إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون } الآية: ٥٥

قال طاوس: لو علموا عن من شغلوا ما هناهم ما اشتغلوا به.

قال ابن عطاء: شغلهم في الجنة استصلاح أنفسهم لميقات المشاهدة وهذا من أعظم

الاشتغال.

قال الجنيد - رحمة اللّه عليه -: أحيا أقواما بالراحة في مقعد صدق عند مليك مقتدر

فهم متقلبون في الراحة واللقاء والرضوان والمشاهدة ثم من عليهم بزيادة منه فقال:

{ إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون } حظوظ الأنفس عن هذا المعدن وهذا

المشهد وسئل بعض المشايخ عن قول النبي صلى اللّه عليه وسلم ' أكثر أهل الجنة البله '.

قال: لأنهم

في شغل فاكهون شغلهم النعيم عن المنعم.

وسئل بعضهم أيضا عن ذلك فقال: من رضى من اللّه بالجنة فهو أبله.

قال القاسم في قوله: { إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون } قال: أهل الجنة

في درجاتهم على تفاوت ظاهر ومعان مختلفة فمنهم من هو مربوط بشهوة بطنه وفرجه

ومنهم من هو مربوط برؤية الصفات والنعوت ومنهم من ظهر له من فضل الحق ومننه

فهو يقول: الحمد للّه الذي أحلنا دار المقامة من فضله ومنهم من هو مربوط بحقيقة

حقه مغيب عن ظاهره وحكمه مستتر فيما لم يزل مستترا فيه من تقديره وتصريفه

واختياره ومنهم من هو في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

قال الحسين: إن الحق قطع أهل الجنة بتجليه عن الالتذاذ بالجنة لأنه أفناهم بتجليه

عنها لئلا تدوم بهم اللذة فيقع بهم الملك فرجوعهم إلى إياهم بعد تجلي الحق لهم يوفر

اللذة عليهم والخلق لا يلتذ به.

٥٧

قوله تعالى: { لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون } الآية: ٥٧

قال ابن عطاء: مكر بالخلق في كل موضع وخدعهم عنه بكل شيء حتى في الجنة

يقول: لهم فيها فاكهة ولو علت هممهم لما اعاروا ابصارهم الجنة وما فيها بل خرجوا

منها طالبين محل الرضا ومشاهدة الحق كمن علا همته وهو السفير الأعلى حين أخبر

عنه فقال: { ما زاع البصر وما طغى }.

٥٨

قوله عز وعلا: { سلام قولا من رب رحيم } الآية: ٥٨

قال ابن عطاء: السلام جليل الخطر وعظيم المحل واجله خطرا ما كان في المشاهدة

والمكافحة من الحق حين يقول: { سلام قولا من رب رحيم }.

٦١

قوله عز وعلا: { وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم } الآية: ٦١

قال الثوري: الأنفاس ثلاثة: نفس في العبودية ونفس بالربوبية ونفس بالرب.

وقال أبو سعيد الخراز: نفوس الأولياء في دار الدنيا على مقام العبودية ونفوس عامة

المؤمنين على مقام الجزاء ونفوس الأشداء على مقام الحرية وأهل الحقيقة عبيد في الدنيا

وأرواحهم من نعيم الجنة وكل من كان عبدا في دار الدنيا كان قريبا من الحرية ومن كان

حرا في الدنيا كان من البلوغ إلى الآخرة وكل من كان حرا في دار الدنيا كان عبدا ذليلا

في الآخرة.

قال الواسطي - رحمة اللّه عليه -: من عبد اللّه لنفسه فإنما يعبد نفسه ومن عبد من

اجله فإنه لم يعرف ربه ومن عبده بمعنى أن العبودية جوهرة تظهرها الربوبية فقد أصاب.

قال الشقيق البلخي: العبودية حرفة وحانوتها العزلة ورأس مالها التوبة وربحها

الجنة.

سمعت محمد بن عبد اللّه يقول: سمعت الريحاني يقول: العبادة على ثلاثة إن كان

القلب والعين واللسان، فعبادة القلب: التفكر والمراقبة وعبادة العين الغض والاعتبار،

وعبادة اللسان: القول بالحق والصدق.

سمعت أبا بكر محمد بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا بكر الدقاق يقول: العبودية على

ثلاث مراتب: أن تكون فيما بينك وبين ربك خدوما وأن تكون للناس معاونا وعلى

نفسك مجتهدا.

٦٥

قوله عز وعلا: { اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم }

الآية: ٦٥

سمعت النصرآباذي يقول: مشاهدة الموقف الأكبر صعب فمن أقر فيه فقد ترك حرمة

ذلك الموقف ومن أنكر فإن جوارحه تشهد عليه بقوله: { اليوم نختم على أفواههم }

الآية. فمن أقر في ذلك الموضع فإن أمره أصعب ممن ينكر مع صعوبة أمر من أنكر.

٦٨

. قوله تعالى: { ومن نعمره ننكسه في الخلق } الآية: ٦٨

قال أبو بكر الوراق: من عمره اللّه بالغفلة وان الأيام والأحوال تؤثر فيه حالا فحالا

من طفولية وشباب وكهولية وشيبة إلى أن يبلغ ما حكى اللّه عنهم من قوله: { ومن نعمره ننكسه في الخلق }. ومن أحياه اللّه بذكره فإن تكوين الأحوال لا يؤثر فيه فإن

٦٩

متصل الحياة بحياة الحق حي به وبقربه قال اللّه تعالى: { فلنحيينه حياة طيبة) { قوله }

 (إن هو إلا ذكر وقرآن مبين } الآية: ٦٩

٧٠

قال سهل: هو التذكر والتفكر لمن قاربه فهمه واتعظ بمواعظه وائتمر لأوامره.

قوله عز وعلا: { لينذر من كان حيا } الآية: ٧٠

قال ابن عطاء: أي من كان في علم اللّه حيا أحياه اللّه بالنظر إليه والفهم عنه

والسماع منه والسلام عليه.

قال جعفر: ليبلغ الرسالة إلى من سبقت له من اللّه العطية.

قال الجنيد - رحمة اللّه عليه -: الحي: من تكون حياته بحياة خالقه لا من يكون

حياته ببقاء هيكله ومن يكون بقاؤه ببقاء نفسه فإنه ميت في وقت حياته ومن كان حياته

بربه كانت حقيقة حياته عند وفاته لأنه يصل بذلك إلى رتبة الحياة الأصلية. قال اللّه عز

من قائل: { لينذر من كان حيا }.

٧٨

قوله عز وعلا: { وضرب لنا مثلا ونسي خلقه } الآية: ٧٨

قال الواسطي - رحمة اللّه عليه -: ضرب الأمثال في القرآن إعلاما لصحة الطرق

للموحدين على حدة والعاملين على حدة ليعلموا أن قليلا من روائح نفحاته خير من

كثير توحيدهم ومعاملاتهم.

وقال في قوله: { من يحيي العظام وهي رميم } أي من يحيي القلوب الميتة بالقسوة

والإعراض عنه فيردها إلى التفويض والتسليم والتوكل والإقبال عليه.

٨٢

قوله تعالى: { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } الآية: ٨٢

قال الحسين: ابدأ اللّه الأكوان كلها بقوله: ' كن ' إهانة وتصغيرا ليعرف الخلق إهانتها

فلا يركنوا إليها ويرجعوا إلى مبدئها ومنشئها فشغلت الخلق زينة الكون فتركهم معه

واختار من خواصه خصوصا اعتقهم من رق الكون وأحياهم به فلم يجعل للعلل عليهم سبيلا ولا للآثار فيهم طريقا.

ذكر ما قيل في سورة الصافات

﴿ ٠