سورة الصافات

بسم اللّه الرحمن الرحيم

٤

قوله تعالى: { إن إلهكم لواحد } الآية: ٤

قال بعضهم: هو الواحد في معناه الكامل في ذاته أحد في واحديته واحد في حديته.

٦

قوله تعالى: { إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب } الآية: ٦

قال ابن عطاء: زين اللّه تعالى سماء الدنيا بالكواكب النيرة وقلوب أوليائه بكواكب المعرفة وهي الأنوار الظاهرة.

٤٠

قوله عز وعلا: { إلا عباد اللّه المخلصين } الآية: ٤٠

سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت أبا عبد اللّه الواسطي - رحمه اللّه -

بالبصرة يقول: مدار العبودية على ستة أشياء، التعظيم والحياء والخوف والرضا والمحبة والهيبة فمن ذكر التعظيم يهيج الإخلاص ومن ذكر الحياء يكون العبد على خطرات قلبه

حافظا ومن ذكر الخوف يتوب العبد من الذنوب ومن ذكر الرجاء يتسارع إلى الطاعات

ومن ذكر المحبة تصفو له الأعمال ومن ذكر الهيبة يدع التملك والاختيار.

سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت علي بن سهل يقول: مدار العبودية على

خلال ثلاث، العلم المحكم والنظر اللطيف والعمل بما علم، لأن قسمة القصد بالعلم

وقسمة الرؤية بالبطر وسمة الهزر بالعمل.

سمعت محمد بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا بكر بن طاهر يقول: صحة البقاء مع

اللّه إخلاص العبودية للّه وفناء رؤية العبد مع اللّه ببقاء حظه من اللّه.

سمعت أبا بكر بن عبد اللّه يقول: سمعت إبراهيم بن شيبان يقول: علم البقاء

والفناء يدور على إخلاص الوحدانية وصحة العبودية وما كان غير هذا فهي المغاليط

والزندقة.

قال بعضهم: طلب الإخلاص مع مقاربة الذنوب تمن.

سمعت أبا عثمان المغربي يقول: وقد سئل عن الإخلاص فقال: ما لا يكون للنفس

فيه حظ بحال وذلك إخلاص العوام واخلاص الخواص ما يجري عليهم لا يهم فتبدوا

منهم الأفعال وهم عنها بمعزل وتظهر منهم الطاعات ولا تقع منهم إليها رؤية ولا بها

اعتداد فذلك اخلاص الخواص.

٥٥

قوله تعالى: { فاطلع فرآه في سواء الجحيم } الآية: ٥٥

قال القاسم: الاطلاع اطلاعان: اطلاع التخصيص فيه الحياء والبقاء واطلاع الخسيس

فيه الفناء والهلك.

قال بعضهم: اطلع في النار فرأى أمثاله فيها واشكاله فعلم أن عمله لم ينجه وإنما

نجاه فضل ربه.

٨٤

قوله تعالى: { إذ جاء ربه بقلب سليم } الآية: ٨٤

أي مستسلم مفوض في كل حال إلى ربه راجع إليه بسره لا يتمنى إلى اللّه الأكوان

بما فيها.

قوله عز وعلا: { فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم }.

قال ابن عطاء: إني سقيم مما أرى من مخالفتكم وعبادتكم الأصنام.

قال بعضهم: إني سقيم القلب لفوت مرادي من خليلي فإن الحبيب أبدا يكون سقيم

القلب في القرب والبعد وانشد:

* وما في الدهر أشقى من محب

* وإن وجد الهوى حلو المذاق

*

* تراه باكيا في كل وقت

* لخوف تفرق أو لاشتياق

*

* فيبكى إن ناءوا شوقا إليهم

* ويبكي إن دنوا خوف الفراق

*

* فتسخن عينه عند التنائي

* وتسخن عينه عند التلاق

*

وقال: إني سقيم شائق إلى لقاء الحبيب.

وقال الواسطي - رحمة اللّه عليه -: السقم طبع الحيوان كلها ومن كان آخره الموت

فهو سقيم ومعناه سقيم القلب في قضاء حقوق اللّه عز وجل وأقبح الأشياء بالعبد سقم

الإرادة وهو قلة الصفاء في المعاملات.

قال فارس: إني سقيم القلب إن وافقتكم على أعمالكم.

٩٩

قوله عز وعلا: { فقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين } الآية: ٩٩

قال أبو سعيد الخراز: إني ذاهب إلى ربي لما فنى الموجود وانقطعت القدرة وثبت

المشهود بلا شاهد قال: إني ذاهب إلى ربي.

قال الجنيد - رحمة اللّه عليه -: قوله { إني ذاهب إلى ربي } قال: كأنه نودي كيف

تطلب الهداية وأنت تتبع نداء الهيبة بداء السؤال كقولك { رب هب لي من الصالحين }

ثم أمر بذبح ابنه ليخلو سره لربه لأنه سأل الهدى والهداية، وخلو السر مما سوى الحق،

فإذا آل الحق إليه وقف السؤال والالتفات والوسائط حتى تم له مقام الهداية.

١٠٢

قوله تعالى: { فلما بلغ معه السعي } الآية: ١٠٢

قال ابن عطاء: لما بلغ في الطاعة سعيه وقام بحقوق اللّه حسب ما رضى الخليل

وقرت عينه بقيامه لحقوق مولاه وآنس الخليل به وفرح بمكانه قيل له اذبحه فإنه لا

يصلح للخليل أن يعرج على شيء دون خليله ولا يفرح بسواه فابتلى بذبحه ثم اسلم

وقام مقام الاستقامة واتبع الأمر فداه بذبح عظيم.

قوله عز وعلا: { إني أرى في المنام أني أذبحك } الآية: ١٠٢

قال بعضهم: القربان ما تقرب به العبد إلى ربه والتقرب غير القرب فإن التقرب

للعابدين والقرب للعارفين.

سمعت منصور بن عبد اللّه يقول سمعت جعفر بن محمد يقول: سمعت الجنيد -

رحمة اللّه عليه - يقول في قصة إبراهيم لما أمر بذبح ابنه حيث يقول: { إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى } اتعزم على الصبر فيما حل من البلاء وإبراهيم عليه

السلام خلا من مساكنة الاشتقاق الذي نشأ من صفة الطبع الذي لا يمكن النفوس

مباينته في حين مسوس البلاء فتلقى ذلك بالاستبشار وحسن اللقاء بنفس قد برئت من

وجود ما ابتليت به قد فارق الرحمة التي لولا التمسك بالعصمة لجمت النفس على

مسألة صرف البلاء.

قال الواسطي - رحمة اللّه عليه -: نقل اللّه جل وعلا إبراهيم صلى اللّه عليه وسلم من حال

البشرية

إلى غيرها وهو انه لما امتحنه بذبح ابنه أراد أن يزيل عن سره محبة غيره وتثبيتا في

محبته لأن وجود محبة اللّه في قلب إبراهيم مع رحمة الولد محال فنظر إلى أقرب

الأشياء من قلبه ووحدانية الأقرب فأمر بذبحه وليس المبتغى منه تحصيل الذبح إنما هو

اخلاء السر منه وترك عادة الطبيعة وحيث نودي وفديناه بذبح عظيم إني قد حصلت ما

طالبناك به وافيا وحصل لنا منك ما أردناه.

قوله تعالى: { يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء اللّه من الصابرين }

الآية: ١٠٢

قال أبو سعيد الخراز: أسرع الإجابة بقوله افعل ما تؤمر لأنه قد اخلاهما من علم ما

يراد بهما كي لا يعرجا على رؤية السلامة فيزول معنى البلاء ومن يقع موضع الخصوص

لا يتقرب بالصبر على حقيقة موجودة.

قال الواسطي - رحمة اللّه عليه -: الصبر إسبال التولي قبل مخامرة المحنة فإذا

صادفت المحنة التولي حملها بلا كلفة.

سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت جعفر الخلدي يقول في قوله: { افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء اللّه من الصابرين } قال: أخلاهما فيما ابلاهما من علم يراد بهما

كي لا يعرجا على رؤية السلامة والعافية فيزول معنى البلاء ويجعل مكانه الفضيلة ولا

يتعلق على حقيقة موجودة وكذلك طوى عنه علم السلامة في حين القذف في النار

ليعطي حقيقة التوكل ويكمل علم التفويض ويستحق اسم التسليم ويتلقى اختيار اللّه عز

وجل بالإخبات والتعظيم وذلك قوله: { إن هذا لهو البلاء المبين }.

سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا بكر الروزباري يقول: غاية البر في غاية

الجفاء وهو في قصة الخليل صلوات اللّه وسلامه عليه.

قوله تعالى: { يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر }.

حتى فدى بالذبح العظيم.

قال الروزباري: عظيم قدر الذبح حين فدى مثل إسماعيل صلى اللّه عليه وسلم.

١٠٣

قوله تعالى: { فلما أسلما وتله للجبين } الآية: ١٠٣

قال ابن عطاء: انفذا الأمر ورضيا به.

وقال جعفر عليه السلام: اخرج إبراهيم من قلبه محبة ابنه إسماعيل وأخرج

إسماعيل من قلبه محبة الحياة.

قال بعضهم في قوله: { فلما أسلما وتله للجبين } قال فلما سلما من هواجس

نفوسهما ورأيا حسن اختيار اللّه لهما، وعلما أن حقيقة المحبة في الطاعة سلم إسماعيل

١٠٧

نفسه للامر وسلم قلب إبراهيم من الشفقة اتتهما البشرى بقوله { وفديناه بذبح عظيم }

الآية: ١٠٧

قوله تعالى: { إن هذا لهو البلاء المبين }.

قال الجريري: البلاء على ثلاثة أوجه على المخلطين نقم وعقوبات، وعلى السابقين

تمحيص وكفارات وعلى الأولياء والصديقين نوع من الاختبارات.

قال الحسين: البلاء من اللّه والعافية من اللّه والأمر عن اللّه والنهي إجلال للّه.

قال الواسطي - رحمة اللّه عليه -: البلاء هو التقليب في أحواله وشواهده وشواهد

التحقيق فهو في بلاء حتى يتقلب بالحق فالحق إذ ذاك يتولاه بنفسه فيسقط عنه البلاء

ورؤيته فإن من صحب الأحوال فهو قدره ومن صحب الحق بالحق فهو حقه.

قال الواسطي - رحمة اللّه عليه -: ألبسه نعتا من شاهده فسهل عليه بذلك البلايا فلم

يؤثر عليه الإيقاع في النار وذبح الابن.

قال سهل - رحمة اللّه عليه -: البلاء على وجهين بلاء رحمة وبلاء عقوبة، فبلاء

الرحمة يبعث صاحبه على إظهار فقره إلى اللّه وبلاء العقوبة يترك صاحبه على اختياره

وتدبيره.

سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت نحير النساج يقول: دخلت بعض المساجد وإذا

فيه بعض الفقراء وكنت اعرفه فلما رآني تعلق بي وقال: تعطف علي فإن محنتي عظيمة

قلت: فما محنتك؟ قال لي: فقدت البلاء وقورنت بالعافية وأنت تعلم أن هذه محنة

عظيمة فبحثت عن حاله فإذا قد فتح عليه من الدنيا بشيء.

قال الجنيد - رحمة اللّه عليه -: البلاء هو الغفلة عن المبلى.

قوله عز وعلا: { وفديناه بذبح عظيم } الآية: ١٠٧

قال: عظيم محلها عند اللّه لأنه قتل عليها نبي ابن نبي وأحيا عليها نبي ابن نبي،

كذلك ذكر في التفسير انها كانت الشاة التي تقتل من إحدى بني آدم ترتع في الجنة إلى

زمان إبراهيم ففدى به إسماعيل صلى اللّه عليهما وسلم.

قال بعضهم: الحكمة في أمر اللّه إبراهيم بذبح ابنه قال: إنما أراد اللّه أن يزيل عن سر

إبراهيم محبة ولده عليهما السلام لكي لا يزاحم محبته محبة غيره. والمبتغى مما أمر اللّه

به إبراهيم من ذبح الابن إجلاء السر وترك عادة الطبيعة لا حصول الذبح الا ترى انه لما

أمر السكين انقلبت فلم تقطع فنودي { وفديناه بذبح عظيم } أي قد حصلت ما طالبناك

به من طريق الإشارة فيما تقدمنا إليك.

١٠٨

قوله عز وعلا: { وتركنا عليه في الآخرين } الآية: ١٠٨

قال الواسطي - رحمة اللّه عليه -: ثناء حسنا وقولا عند جميع الأمم.

قوله عز وعلا: { كذلك نجزي المحسنين } الآية: ١٠٥

سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا بكر الكتاني يقول: المحسن من أحسن إلى

نفسه فلا يوقعها في الورطات ومحسن إلى الخلق فلا يؤذيهم بسوء خلقه ومحسن عبادة

ربه فلا يشوبها بشيء من الرياء.

سمعت محمد بن عبد اللّه يقول: سمعت الكتاني يقول: بين العبد وبين اللّه ألف

مقام من نور وظلمة وإنما كان اجتهادهم في قطع الظلمة حتى وصلوا إلى النور فلم

يكن له رجوع فذلك جزاء المحسنين.

١٤٣

قوله عز وعلا: { فلولا أنه كان من المسبحين } الآية: ١٤٣

قال سهل: من القائمين بحقوق اللّه قبل البلاء.

قال الواسطي: من العارفين أن تسبيحه لا ينجيه مما هو فيه وإنما ينجيه منه: الفضل

وسابق القضاء.

قال بعضهم في قوله { فلولا أنه كان من المسبحين } أي من المتعرفين إلينا في الرخاء

قبل الشدائد وهو كما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: ' تعرف إلى اللّه في الرخاء يعرفك

في الشدة '.

١٦١

١٦قوله تعالى: { فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين } الآية: ١٦١

قال أبو عثمان: من مال إلى شيء سوى اللّه أو عظم شيئا سواه فذلك لترادف الفتنة

عليه وبعد التوفيق منه بقوله تعالى: { فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم }.

قال القاسم: ما أنتم عليه بمضلين إلا من أوجبت عليه الضلالة في السابقة.

١٦٤

قوله تعالى: { وما منا إلا له مقام معلوم } الآية: ١٦٤

قال ابن عطاء: لك مقام الشهادة ولهم مقام الخدمة.

قال جعفر: الخلق مع اللّه مقامات شتى، من تجاوز حده هلك فللأنبياء مقام المشاهدة

وللرسل مقام العيان وللملائكة مقام الهيبة وللمؤمنين مقام الدنو والخدمة وللعصاة مقام

التوبة وللكفار مقام الطرد واللعنة هذا معنى قوله: { وما منا إلا له مقام معلوم }.

قال أبو عثمان: معلوم في علم اللّه إلى ماذا يصير أهل كل مقام.

١٦٥-١٦٦

١٦٦ ، قوله عز وعلا: { وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون } الآية: ١٦٥

قال بعضهم: لذلك قطعت بهم مقاماتهم عن ملاحظة المنة حتى قالوا بالمفتخر: { وإنا لنحن الصافون } فلما اظهروا سرائرهم عارضوا إظهار أفعال الربوبية بالمعارضة حتى

قالوا: { أتجعل فيها من يفسد فيها }.

ذكر ما قيل في سورة ص

﴿ ٠