سورة الزمر

بسم اللّه الرحمن الرحيم

٣

قوله تعالى: { ألا للّه الدين الخالص } الآية: ٣

قال الواسطي - رحمة اللّه عليه -: ذكر وعيده على اللطافات فقال: { ألا للّه الدين الخالص } وهو الذي يخلص فيه صاحبه من الشرك والبدعة ومن الرياء والعجب ورؤية النفس.

قال القاسم: { ألا للّه الدين الخالص } تهديد للمتزينين بالعبادات، وللّه الدنيا والآخرة كأنه أشار بهذه الآية إلى تحريض العباد على الإخلاص لأنه لا يقبل إلا ما كان مخلصا.

قال القاسم في قوله: { ألا للّه الدين الخالص } قال: الدين الخالص الذي لا يريد عليه صاحبه عوضا في الدارين ولاحظا من الكونين.

قال حذيفة المرعشي: الإخلاص في العمل أشد من العمل.

٧

قوله تعالى: { ولا يرضى لعباده الكفر } الآية: ٧

قال القاسم: لا يرضى لهم الكفر ولكن يقدر عليهم وليس الرضا من المشيئة والإرادة والقضاء في شيء.

قوله تعالى: { وإن تشكروا يرضه لكم } الآية: ٧

قال سهل - رحمة اللّه عليه -: أول الشكر الطاعة وآخره رؤية المنة.

وقال الروزباري: رؤية العجز عن الشكر. أنشدنا علي بن داره البلخي قال: أنشدنا

القناد لأبى علي الروزباري:

* لو كل جارحة مني لها لغة

* تثنى عليك بما أوليت من حسن

 

* لكان ما زان شكري إن شكرت له

* بالحسن أزين للإحسان والمنن

 

قال: فعارضه القناد فقال:

* لو كان كلى شكر لا يغادره

* ألا تذكر ما أولاه من منن

 

* لكان ما زانني من أن شكرت له

* مستهلك الحسن في إحسانه الحسن

 

٨

قوله تعالى: { وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا } الآية: ٨

قال الواسطي - رحمة اللّه عليه -: الخلق محيرون تحت قسمته مقهورين تحت خلقته وتقديره ألا ترى إذا ضاقت القلوب واشتدت الأمور كيف نفزع بالإخلاص إلى الملك الغفور.

٩

قوله عز وعلا: { أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما } الآية: ٩

قال ابن عطاء - رحمة اللّه عليه -: القانت الذي يجتهد في العبادة ولا يرى ذلك من نفسه ويرى فضل اللّه عليه في ذلك فإذا رجع إلى نفسه في شيء من أحواله وافعاله فليس بقانت.

قوله تعالى: { هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } الآية: ٩

قال سهل - رحمة اللّه عليه -: العلم الاقتداء واتباع الكتاب والسنة لا الخواطر المذمومة.

وقال سهل: كل علم لا يطلبه العبد من موضع الاقتداء يصير وبالا عليه لأنه يدعي به.

قال الجنيد - رحمة اللّه عليه -: العلم أن تعرف العبودية وعلم الخدمة.

وقال ذو النون - رحمة اللّه عليه -: العلم علمان مطلوب وموجود.

فقال أبو يزيد - رحمة اللّه عليه -: العلم علمان علم بيان وعلم برهان.

قال رويم: العلم مطبوع ومصنوع. وقال المقامات كلها علم والعلم حجاب.

وقال الشبلي: العلم خبر، والخبر موجود.

١٠

قوله تعالى: { نما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } الآية: ١٠

قال حارث المحاسبي: الصبر التهدف بسهام البلاء.

وقال الجنيد - رحمة اللّه عليه -: الصبر ذم الجوارح والحركات عن جميع المخالفات

اجمع لالتماس ما وعد اللّه عليه بقوله: { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب }.

قال طاهر المقدسي: الصبر على وجوه: صبر منه وصبر له وصبر عليه وصبر فيه

وأهونه الصبر على أوامره ونواهيه وهو الذي بين اللّه ثوابه فقال: { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب }.

سئل الجنيد - رحمة اللّه عليه - عن الصبر؟ فقال: حمل المؤن حتى تنقضى أيام

المكروه.

وقال الخواص: كذب أكثر الخلق في حمل أثقال الصبر بما لحوا إلى الطلب

والأسباب، واعتمدوا عليهما كأنهما أرباب.

وانشد لذي النون:

* عبدات خططن في الخد سطرا

* قد قراه من ليس يحسن يقرأ

 

* عاين الصبر فاستغاث به الصبر

* فصاح المحب بالصبر صبرا

١١

قوله تعالى: { إني أمرت أن أعبد اللّه مخلصا له الدين } الآية: ١١

قال الجنيد - رحمة اللّه عليه -: الإخلاص أصل كل عمل وهو مربوط بأول الأعمال

ومنوط بآخر الأعمال مضمن في كل الأقوال وهو إفراد اللّه بالعمل.

وقال: الإخلاص إخراج الخلق من معاملة اللّه والنفس أول.

قال سهل: الإخلاص الإجابة فمن لم تكن له الإجابة فلا إخلاص له.

وقال: نظر الأكياس في الإخلاص فلم يحمدوا شيئا غيره وهو أن يكون حركاته

وسكونه في سره وعلانيته للّه وحده لا يمازجها شيء من هوى أو نفس.

قال الجنيد - رحمة اللّه عليه -: الإخلاص ارتفاع رؤيتك وفناؤك عن فعلك.

سئل بعضهم عن الإخلاص فقال: إفراد القصد إلى اللّه بإخراج الخلق من معاملة

اللّه وبترك الحول والقوة.

قال ذو النون: من علامات والإخلاص استواء المدح والذم في العامة ونسيان رؤيتها

في الأعمال نظرا إلى اللّه واقتضاء ثواب العمل في الآخرة.

قال أبو يعقوب السوسي: الإخلاص: ما في طلبه أهل الإخلاص والعلم يشهد لهم

بالإخلاص فهم خارجون عن رؤية الإخلاص في طلب الإخلاص ومتى شهدوا في

إخلاصهم إخلاص احتاج إخلاصهم إلى إخلاص.

١٧

قوله تعالى: { والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها } الآية: ١٧

قال سهل - رحمة اللّه عليه -: الطاغوت الدنيا واصلها الجهل وفرعها المأكل والمشرب

وزينتها التفاخر وثمرتها المعاصي وميراثها القسوة والعقوبة.

١٨

قوله تعالى: { فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه } الآية: ١٨

قال عيسى عليه السلام: من يذكركم اللّه رؤيته ويرغبكم في الآخرة عمله وقد قال

اللّه تعالى: { فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه }. فضيلة لمحمد صلى اللّه عليه وسلم على غيره أن الأحسن ما يأتي به وان الكل حسنا ولما وقعت له صحبة التمكين ومقارنة الاستقرار قبل خلق الكون ظهرت عليه الأنوار في الأحوال كان معه أحسن الخطاب وله السبق في جميع المقامات ألا تراه صلى اللّه عليه وسلم يقول: ' نحن الآخرون السابقون يوم القيامة '.

يعني الآخرين وجودا السابقين في الخطاب الأول في الفضل في محل القدس.

٢١

قوله عز وعلا: { إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب } الآية: ٢١

قال بعضهم: اللب والعقل مائة جزء تسعة وتسعون جزءا في النبي صلى اللّه عليه وسلم وجزء في سائر المؤمنين فعلى إحدى وعشرين سهما فسهم المؤمنين فيه سواء وهو شهادة أن لا إله إلا اللّه وان محمدا رسول اللّه وعشرون جزءا يتفاوتون فيها في مقادير حقائق ايمانهم.

٢٢

قوله تعالى: { أفمن شرح اللّه صدره للإسلام } الآية: ٢٢

قال بعضهم: الإيمان خمسة ثم خمسة أولا الشرح والتنوير لقوله: { أفمن شرح اللّه صدره للإسلام } ثم الامتحان لقوله: أولئك الذين امتحن اللّه قلوبهم للتقوى } ثم التحبيب والتزيين لقوله: { حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم } والكتب والتطهير

بقوله: { كتب في قلوبهم الإيمان } و { أولئك الذين لم يرد اللّه أن يطهر قلوبهم }.

والخمس بعد ذلك معرفته بإثباته وأنه واحد لم يزل ولا يزال وليس كمثله شيء والخمس بعدها التصديق بالقول والإقرار باللسان والعمل بالأركان والاستقامة.

قال السياري: تولد الإسلام من الإيمان وتولد الإيمان من المعرفة وتولد المعرفة من

الهداية والنصرة ولا تكون الهداية والنصرة إلا بالشرح والتنوير قال اللّه تعالى: { أفمن شرح اللّه صدره للإسلام }.

وقال علي بن عبد الحميد: الصدر ساحة والفؤاد البيت والقلب بيت المخدع وفيه الضمير مثلها كمثل القنديل فالفؤاد النار والقلب الفتيلة والصدر الدهن فإذا كان الدهن جيدا نظيفا نور نوره وصفى سراجه.

قال الواسطي - رحمة اللّه عليه -: وسع اللّه صدره فاحتمل الذات بعد احتمال

الصفات ما كذب الفؤاد ما رأى العين.

قوله عز وعلا: { فهو على نور من ربه } الآية: ٢٢

على يقين من مشاهدة ربه بالغيبوبة عن الملك والملكوت فلم يبق عليه مقام إلا سلكه

ولا حال إلى استوفاه فلما استوفى الأحوال وجاء على التمام شهد فشاهد فخوطب بأبهم

الخطاب وأبهم عن ذلك الخطاب حين أخبر فقال: ' لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلا

ولبكيتم كثيرا '.

وقال عمرو المكي في هذه الآية هو وقوع نظر العبد على عظيم علم الوحدانية

وجلال الربوبية فيعمى بذلك عن كل ملحوظ إليه بعد ذلك.

قال الواسطي في قوله: { أفمن شرح اللّه صدره للإسلام فهو على نور من ربه }

قال: نور الشرح محبة عظيمة لا يحتمله كل أحد إلا المؤيدون بالعناية والرعاية فإن

العناية تصون الجوارح والأشباح والرعاية تصون الحقائق والأرواح.

قال القاسم: أوائل الإيمان الشرح والتنوير والتزيين والشرح في حديث حارثة.

قال الترمذي: أهل اليقين وحدوا اللّه قلبا وقولا وفعلا ووفوا له ذلك بشرح الصدر

الذي من به اللّه عليهم وذلك قوله: { أفمن شرح اللّه صدره للإسلام }.

قال ابن عطاء: من آمن باللّه وصدقه فهو على نور من ربه أي على بيان من ربه.

قال بعضهم: تعرف إليهم حتى عرفوه وبصرهم حتى أبصروه وذلك حين شرح

قلوبهم برؤية الصنع واعمى ابصارهم عن النظر إلى سواه فبشرح الصدر عرفوه وبالعمى

عن غيره أبصروه.

قال القاسم في قوله: { على نور من ربه } قال: الإيمان بالقدر.

قوله عز وعلا: { فويل للقاسية قلوبهم من ذكر اللّه } الآية: ٢٢

قال الحسين: قسوة القلب بالنعم أشد من قسوته بالنسيان والشدة فإنه بالنعمة يشكر

وبالشدة يذكر. وأنشد في معناه:

* قد كنت في نعمة الهوى بطرا

* فأدركتني عقوبة البطر

وقال: من هم بشيء مما اباحه العلم تلذذا عوقب بتضييع العمر وقسوة القلب وتعب

الهم في الدنيا.

وقال: عقوبة القلب الران والقسوة والعمى.

قال يحيى بن معاذ: قسوة القلب من اتباع الهوى.

٢٨

قوله تعالى: { قرآنا عربيا غير ذي عوج } الآية: ٢٨

سئل مالك بن أنس عن هذه الآية فقال: غير مخلوق.

قال الواسطي - رحمة اللّه عليه -: إن اللّه خلق الخلق فدعاهم إلى طاعته وقيض لهم

عدوا أمكنه منهم وحذرهم بأسه ثم أيدهم بخطابه وحيا وتنزيلا كاملا يكلم القلوب

وخطابا يقرع الأفئدة فسماه قرآنا وكتابا مبينا وهدى ورحمة ونورا وشفاء وذكرى وعلما

وحكيما ومهيمنا ومباركا وحبلا وعهدا ومستقيما وقيما وصحفا مطهرة فالقرآن ما قرن

من الحروف فصار كلاما كلم القلوب أي جرحها واثر عليها والكتاب هو النظام فكيف

بنظام رب العالمين نظما والمبين الذي بين للخلق ما فيه والهدى اشتماله بما حشى فيه من

عجائب الإشارات والرحمة وقاية تقيك كل سوء والنور قيما لأنوار إيمانك استنار الصدر

والشفاء هو شفاء لسقم القلوب والذكر هو الشخوص بالقلب إلى الرب والعلى هو الذي

علا الكتب فصار مهيمنا عليه وحكيما فاصلا يقطع الخطاب والحكمة فيها أسراره ومباركا

من مهيمنته صار مباركا وحبلا وسببا واتصالا بينه وبين ربه وعهدا عهد إلى صاحبه فيه

فنون مباره ومستقيما يقوم تاليه بالتدبر والتفكر وقيما شهيدا على من اتبع لأوامر فيه

وصحفا مطهرة تطهر القلوب بركات لمعانة.

٢٩

قوله عز وجل: { الحمد للّه بل أكثرهم لا يعلمون } الآية: ٢٩

قال ابن عطاء: لا يعلمون ما لهم في حمد اللّه من الذخر والفخر.

قال جعفر: لا يعلمون أن أحدا من عباده لم يبلغ الواجب في حمده وما يستحق من الحمد على عباده بنعمه وأن أحدا لم يحمده حق حمده إلا حمده لنفسه.

٣٠

قوله تعالى: { إنك ميت وإنهم ميتون } الآية: ٣٠

قال ابن عطاء: { إنك ميت } أي غافل عما هم فيه من الاشتغال بالدنيا وانهم ميتون عما كوشفت به من حقائق التقريب والقرب.

قال جعفر: { إنك ميت وإنهم ميتون } أي ميت عما هم فيه من الاشتغال بأنفسهم

وأولادهم وكفاهم وإنهم ميتون مبعدون عما خصصت بها من أنواع الكرامات.

وقال: إنك ميت ببشريتك لاطلاع بركات الحق عليك.

وقيل: إنك ميت عن رؤية الأكوان بما فيها بمشاهدة المكون.

وقال: إنك ميت عن شواهدنا ولولا ذلك ما أديت الرسالة وانهم ميتون ولولا ذلك ما قبلوك.

وقال: إنك ميت عن شواهد ما استتر وانهم ميتون عن شواهد ما أخبر ولولا ذلك

ما طاقوا إقامة الأمر.

سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم البزار بمصر يقول: قال أبو

العباس بن عطاء: إنك ميت عن شواهد ما استتر وإنهم ميتون عن شواهد ما اظهر.

قال بعضهم: إنك ميت عن الدنيا وزينتها وإنهم ميتون الآخرة وحقائقها.

٣٣

قوله عز وعلا: { والذي جاء بالصدق وصدق به } الآية: ٣٣

قوله: { جاء بالصدق } محمد صلى اللّه عليه وسلم { وصدق به } هو الصديق الأكبر لأنه شرفه

بخطاب الصدق وأقعده في مقعد الصدق وأقيم مقام الصدق وصدق به وبمقاماته من كان

أقرب إليه حالا وأتم به إيمانا وأكثر فيضا عليه من بركات صدقه وهو أبو بكر الصديق

رضي اللّه عنه صدقه في جميع ما جاء من الوحي غيره فقام بعده مقامه لحكم النبي صلى اللّه عليه وسلم

له بالإيمان شاهدا وغائبا كما قال: فإني أؤمن به أنا وأبو بكر وعمر ثم قلده معظم الدين في حياته وهو الصلاة فقلده المسلمون بعده فروع دينهم.

قوله عز وعلا: { قل حسبي اللّه عليه يتوكل المتوكلون }.

قال القاسم: التوكل أن يكون بما في يد اللّه أوثق منه بما في يده وأن يكون بضمانه

ووعده أيقن مما في بيته وشغل المتوكل مولاه لا طلب دنيا ولا آخرة ليس له طلب ولا له هرب لأنه يعلم أن المقادير قد سبقت فلا تغيير ولا تبديل.

قوله عز وجل: { والذي جاء بالصدق وصدق به } الآية: ٣٣

قال ابن عطاء: الذي جاء بالصدق محمد صلى اللّه عليه وسلم فأفاض من بركات أنوار صدقه على أبي بكر فسمى صديقا وكذلك بركات الأنبياء صلوات اللّه عليهم والأولياء.

وقال أبو سعيد الخراز: الصدق منزلة تبلغ الأمل.

وقال: أن كان الدين أربعة الصدق واليقين والرضا والحب فعلامة الصدق الصبر

وعلامة اليقين النصيحة وعلامة الرضا ترك الخلاف وعلامة الحب الافتقار والصبر يشهد للصدق.

وقال بعضهم: الصادق من يعطيك خير الآخرة لا خير الدنيا ويصف لك اخلاق اللّه لا اخلاق المخلوقين.

وقال الجنيد - رحمة اللّه عليه -: الصدق شيء به تمام الأحوال لكل حال خلا عنه كان ناقصا.

وقيل لاحمد بن عاصم الأنطاكي: ما انفع الصدق؟ قال ما نفى عنك الكذب في مواضع الصدق.

سمعت عبد للّه بن محمد المعلم يقول: سمعت أبا بكر الطمستاني الفارسي يقول:

كل من استعمل الصدق بينه وبين اللّه شغله صدقه مع اللّه عن الفراغ إلى خلق اللّه.

٣٦

قوله عز وعلا: { أليس اللّه بكاف عبده } الآية: ٣٦

قال أبو بكر بن طاهر: من لم يكتف بربه بعد قوله: { أليس اللّه بكاف عبده } فهو في درجة الهالكين.

وقال ابن عطاء: خلع حبل العبودية من عنقه من نظر بعد هذه الآية إلى أحد من الخلق أو رجاهم أو خافهم أو طمع فيهم.

٣٨

قوله عز وعلا: { إن أرادني اللّه بضر هل هن كاشفات ضره } الآية: ٣٨

قال سهل: يعني أن نزع اللّه عني عتمة المخالفات والمعونة على الموافقات هل يقدر أحد أن يوصلها إلى أو إذا أرادني برحمة - أي بالصبر والمعونة على أمر الدين والدنيا والآخرة وهو التولي من البداية إلى النهاية.

قوله تعالى: { قل حسبي اللّه عليه يتوكل المتوكلون } الآية: ٣٨

قال سهل: المفوضون إليه في جميع أمورهم.

قوله تعالى: { إنا أنزلنا عليك الكتاب بالحق } الآية: ٤١

قال سهل: القرآن للناس بالحق ليهتدوا بالحق إلى الحق ويستضيئوا بأنواره.

٤٢

قوله تعالى: { اللّه يتوفى الأنفس حين موتها } الآية: ٤٢

قال سهل: إن اللّه إذا توفى الأنفس اخرج الروح النوري من لطيف نفس الطبع الكثيف فالذي يتوفى في النوم من لطيف نفس الطبع لا لطيف نفس الروح فالنائم يتنفس نفسا لطيفا وهو نفس الروح الذي إذا زال لم يكن للعبد حركة وكان ميتا. وقال حياة النفس الطبيعي بنور لطيف وحياة لطيف نفس الروح بالذكر للّه. وقال أيضا: الروح تقوم بلطيفة في ذاتها بغير نفس الطبع ألا ترى أن اللّه خاطب الكل في الذر بنفس روح وفهم عقل وعلم لطيف بلا حضور طبع كثيف.

٤٣

قوله تعالى: { أم اتخذوا من دون اللّه شفعاء } الآية: ٤٣

قال سهل: أي اتخذوا طريقة البدعة في الدين قربة إلى اللّه فلم ينفعهم ذلك.

٤٤

قوله تعالى: { قل للّه الشفاعة جميعا } الآية: ٤٤  { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه }.

٤٥

قال الواسطي - رحمة اللّه عليه -: قطع أطماع العباد اجمع عنه أن يصلوا إليه إلا به

 وبقوله: { وإذا ذكرا اللّه وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة } الآية: ٤٥

قال سهل: جحدت تلك القلوب مواهب اللّه عندها.

قال أبو عثمان: كل قلب لا يعرف اللّه فإنه لا يأنس بذكره ولا يسكن، إليه ولا يفرح

به ألا ترى اللّه يقول: { وإذا ذكر اللّه وحده أشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة }.

٤٧

قوله عز وعلا: { وبدا لهم من اللّه ما لم يكونوا يحتسبون } الآية: ٤٧

قال سهل: اثبتوا لأنفسهم اعمالا فلما بلغوا إلى المشهد الأعلى رأوها هباءا منثورا

فمن اعتمد الفضل نجى ومن اعتمد أفعاله بدا له منها الهلاك.

٤٩

قوله تعالى: { وإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا.. } الآية: ٤٩

قال الجنيد - رحمة اللّه عليه -: من ير البلاء ضرا فليس بعارف فإن العارف من يرى الضر على نفسه رحمة والضر على الحقيقة ما يصيب القلوب من القسوى والران والنعمة هي إقبال القلوب على اللّه ومن يرى النعمة على نفسه من حيث الاستحقاق فقد جحد النعمة.

٥٢

قوله تعالى: { أولم يعلموا أن اللّه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } الآية: ٥٢

قال ابن عطاء - رحمة اللّه عليه -: رزق اللّه عباده وقلبهم في بسط العزة وتقدير القدرة فقال: { أن اللّه يبسط الرزق لمن يشاء }.

٥٣

قوله تعالى: { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } الآية: ٥٣

قال سهل: امهل اللّه عباده تفضلا منه إلى آخر نفس فقال لهم: لا تقنطوا من رحمة اللّه فلو رجعتم إلى بابي في آخر نفس لقبلتكم

قال الجنيد - رحمة اللّه عليه -: وقد سئل ما العبودية؟ فقال: الإعراض عما يشغله من عبادة ربه.

وقال الجريري: أمر اللّه عباده أن لا يعتمدوا العبادة والأعمال ولا يقنطوا من التقصير فيها فإن العناية والرعاية سبقت العبادة ألا تراه يقول: { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه }.

قال يحيى بن معاذ: في كتاب اللّه كنوز موجبة للعفو عن جميع المؤمنين منها قوله:

{ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم }.

٥٤

قوله تعالى: { وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له } الآية: ٥٤

فوضوا الأمور إليه.

قال محمد بن علي: اعتذروا إليه مما سلف منكم من التقصير واخلصوا على دوام الموافقة بعدها.

قال الواسطي - رحمة اللّه عليه -: من قصد في قصوده غير الحق فقد عظمت استهانته للحق.

قال أبو سعيد الخراز: المنيب يعمل في إنابته ثلاثة أشياء يستبطئ الموت لما يخاف من الفتنة في الدنيا ويستبطئ الثواب في القبر لما يرجو من جزيل العطاء في الآخرة ويستبطئ

القيامة لما يرجوا من الخلود في مجاورة الرحمن والنظر إليه.

وقال محمد بن خفيف: همة المنيب حنين القلب إلى أوقاته العامرة وعبادته الكاملة.

وقال الحسين: الإنابة جاءت من قبل المعرفة فأحسن الخلق إنابة إلى اللّه ورجوعا إليه أحسنهم به معرفة.

٥٦

قوله تعالى: { أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب اللّه } الآية: ٥٦

قال سهل: من ترك المراعاة لحق اللّه وملازمة خدمته اشتغل بعاجل الدنيا ولذة الهوى ومتابعة النفس وضيع في جنب اللّه - أي في ذاته - من القصد إليه والاعتماد عليه.

قال فارس: يقول اللّه من هرب مني أحرقته أي هرب مني إلى نفسه أحرقته بالتأسف

على فوتي إذا شاهد غدا مقامات أرباب معارفتي تدل عليه.

قوله: { يا حسرتي على ما فرطت في جنب اللّه } وهذا لا يقوله إلا محترق.

٦٠

قوله تعالى: { ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على اللّه } الآية: ٦٠

قال يوسف بن الحسين: أشد الناس عذابا يوم القيامة من ادعى في اللّه ما لم يكن له

ذلك واظهر من أحواله ما هو خال عنها قال اللّه تعالى: { ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على اللّه وجوههم مسودة}.

وقال الثوري في قوله: { ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على اللّه وجوههم مسودة }

قال: هم الذين ادعوا محبة اللّه ولم يكونوا فيها صادقين.

٦١

قوله تعالى: { وينجي اللّه الذين اتقوا بمفازتهم.. } الآية: ٦١

قال أبو عثمان: التقوى فيه النجاة من المهالك قال اللّه تعالى: { وينجي اللّه الذين اتقوا }.

قال الواسطي - رحمة اللّه عليه -: ينجيهم بما سبق لهم من الفوز لا يمسهم السوء بزوال النعمة ولا هم يحزنون على الفوت.

قال القاسم: سعادتهم السابقة وقضيته فيهم الماضية لهم وعليهم لا بنفوسهم المتعبة

في العبادات.

٦٢

قوله تعالى: { اللّه خالق كل شيء } الآية: ٦٢

قال الحسين: كل شيء أراد اللّه به الإهانة والتذليل ألبسه لبسة المخلوقية ألا ترى كيف نزه عن ذلك صفاته وكلامه فاللّه خالق كل شيء والمخلوقات ليس لها عز إلا بالنسبة إلى خالقها وأنها مخلوقة فبنسبته إليها اعزها.

٦٣

قوله عز وعلا: { له مقاليد السماوات والأرض } الآية: ٦٣

قال سهل: بيده مفاتيح القلوب يوفق من يشاء لطاعته وخدمته بالإخلاص ويصرف من يشاء عن بابه.

٦٤

قوله عز وعلا: { أفغير اللّه تأمروني أعبد أيها الجاهلون } الآية: ٦٤

قال أبو عثمان في كتابه إلى أهل جورجان: عبادة اللّه على الإخلاص تنفى عن صاحبها الجهل والريب والشهبة ومن عبد اللّه خالصا رزق الحكمة ووفق للرشد وسهل عليه سبيل الخيرات اجمع قال اللّه تعالى: { أفغير اللّه تأمروني أعبد أيها الجاهلون } لنقص عقولكم وألبابكم دعوتموني إلى غيره ولو ساعدكم التوفيق منه لما حططتم رحالكم إلا على بابه فإنه باب الكرم والفضل.

٦٥

قوله عز وعلا: { ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك } الآية: ٦٥

سمعت محمد بن عبد اللّه بن شاذان يقول: سمعت أبا العباس بن عطاء يقول في قوله: { لئن أشركت ليحبطن عملك } قال: من طالعت؟ لئن طالعت بسرك غيري لتحرمن حظك من قربى.

قال ابن عطاء: هذا شرك الملاحظة والالتفات إلى غيره.

قال جعفر: إن نظرت إلى سواه لتحرمن في الآخرة لقاؤه.

وقال سهل في قوله: { ليحبطن عملك } قال: لئن طالعت بسرك غيري لن تنال قربى.

وقال أيضا: لئن أشركت في الأعمال الظاهرة وهي الرياء ليحبطن عملك ولئن أشركت باطنا وهو الهم ليحبطن إيمانك.

٦٦

قوله تعالى: { بل اللّه فاعبد وكن من الشاكرين } الآية: ٦٦

سمعت السلمي يقول: حقيقة العبودية تسليم الأمور للربوبية.

وقال أبو حفص العبودية زينة العبد فمن ترك العبودية فقد تعطل من الزينة.

وذكر عن بعضهم أنه قال: رأى الجنيد - رحمة اللّه عليه - في المنام فقيل: ما فعل اللّه بك؟ قال: فنيت تلك العلوم وطاحت تلك الإشارات وأبيدت تلك العبارات وما نفعنا إلا ركعات نركعها في السحر.

وقال محمد بن علي: من رأى منة اللّه عليه في أن وفقه لعبادته ألزمه الشكر له ومن وفق للشكر لم يحرم الزيادة.

٦٧

قوله عز وعلا: { وما قدروا اللّه حق قدره } الآية: ٦٧

قال سهل: ما عرفوه حق معرفته في الأصل ولا في الفرع.

قال الحسين: كيف يعرف قدر من لا يقدر سواه.

قال الواسطي - رحمة اللّه عليه -: لو طالعوا حق حقه في محبتهم لعلموا العجز عن ذلك بالكلية فلم يعرف قدره من ادعى لنفسه معه مقاما قال اللّه: { وما قدروا اللّه حق قدره }.

قوله عز وعلا: { والسماوات مطويات بيمينه } الآية: ٦٧

سئل الجنيد - رحمة اللّه عليه - عن ذلك فقال: متى كانت منشورة حتى صارت مطوية سبحانه نفى عن نفسه ما يقع على العقول من طيها ونشرها إذ كل الكون كخردلة أو كجناح بعوضة أو أقل منها، كذلك قوله قائم على كل نفس كيف لا يستحيل قيامه على هذا الكون الذي لا يزن عنده ذرة بل قيامه بنفسه لنفسه.

٦٩

قوله تعالى: { وأشرقت الأرض بنور ربها } الآية: ٦٩

قال سهل: قلوب المؤمنين يوم القيامة تشرق بتوحيد سيدهم والاقتداء بسنة نبيهم صلى اللّه عليه وسلم.

قال القاسم: أشرقت الأرض بأولياء اللّه فهم فيها أنوار اللّه ومواضع حججه وغياث عباده وملجأ خلقه.

٧١

قوله تعالى: { وقال لهم خزنتها سلام عليكم } الآية: ٧١

قال ابن عطاء: السلام في الجنة من وجوه منهم من تسلم عليه خزنة الجنة يقولون

{ سلام عليكم طبتم } وهؤلاء أدناهم ومنهم من يكون سلامه من الملائكة بقوله:

{ يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم } وهؤلاء الأوساط، ومنهم من يكون من

الحق بقوله: { سلام قولا من رب رحيم } وهو ارفعهم درجة.

٧٤

قوله عز وعلا: { الحمد للّه الذي صدقنا وعده } الآية: ٧٤

قال ابن عطاء: إن العبيد إذا شاهدوا في المشهد الأعلى آثار الفضل وما أنعم اللّه عليهم من فنون النعم التي لم يكن يبلغونها بأعمالهم قالوا: { الحمد للّه الذي صدقنا وعده } بفضله من غير استحقاق منا لذلك بل وفضلا وجودا وكرما.

قال جعفر الصادق - رضي اللّه عنه - في قوله: { الحمد للّه الذي صدقنا وعده }

قال: هو حمد العارفين الذين استقروا في دار القرار مع اللّه وقوله: { الحمد للّه الذي أذهب عنا الحزن } حمد الواصلين.

٧٥

قوله عز وعلا: { وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم } الآية: ٧٥

قال الجوزجاني: ما تقرب أحد إليه إلا بالافتقار والعبودية والتذليل والتنزيه له من كل ما نسب إليه مما لا يليق به الا ترى إلى مواضع الملائكة يحفون بالعرش يسبحون وذلك عبادتهم وتنزيههم.

ذكر ما قيل في سورة المؤمن

﴿ ٠