سورة فصلتبسم اللّه الرحمن الرحيم ١قوله تعالى: { حم تنزيل من الرحمن الرحيم } الآية: ١ قال سهل في قوله: { حم } قال: قضى في اللوح المحفوظ، وكتب فيه ما هو كائن. وقال بعضهم في قوله: { حم } قال: الحافظ للملك هو اللّه. قال بعضهم: انزل هذا القرآن الرحمن الرحيم. وقال ابن عطاء في قوله: { فصلت آياته } قال بينت احكامه. ٤قوله تعالى: { بشيرا ونذيرا } الآية: ٤ قال محمد بن علي: بشيرا بمطالعة الرجاء ونذيرا بمطالعة الخوف. قال سهل: بشيرا بالجنة لمن اطاعه واتبع ما فيه ونذيرا بالنار لمن عصاه وخالف مراد اللّه فيه. وقال ابن عطاء: يبشر من آمن به برضا ربه وينذر من اعرض عنه بسخط ربه. ٥قوله تعالى: { وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه } الآية: ٥ قال سهل: في أغطية الإهمال فمالت إلى الشهوى والهوى ولم تسمع داعي الحق { وفي آذاننا وقر } أي بها صمم عن الخير فلا تسمع هواتف الحق. قال بعضهم: قلوبهم في حجاب من دعوى وأسماءهم صمت من نداء الحق وكلت ألسنتهم عن ذكر الحق وجعل بينهم وبين الحق حجاب الوحشة وهو الحجاب الذي لا يرفع أبدا. ٦قوله تعالى: { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد } الآية: ٦ قال ابن عطاء في قوله: { إنما أنا بشر مثلكم } في ظاهر الأحكام ومحل الاتباع أمثل لكم سبل الشريعة واحكام الدين واكملكم بوحي من ربكم انه إله واحد فمن صدقني واتبع سنتي فقد وصل إلى الرضوان ومن خالفني وأعرض عني فقد اعرض عن طريقة الحق فأنا بشر مثلكم في الظاهر ولست مثلكم في الحقيقة ألا تراه صلى اللّه عليه وسلم يقول: ' إني لست كأحدكم اني أبيت عند ربي فيطعمني ويسقيني يطعمني ربي ويسقيني ربي '. قوله تعالى: { فاستقيموا إليه واستغفروه } الآية: ٦ قال بعضهم: الاستقامة مساواة الأحوال مع الأفعال والأقوال وهو أن لا يخالف الظاهر الباطن ولا الباطن الظاهر فإذا استقمت واستقامت أحوالك فاستغفر من رؤية استقامتك واعلم أن اللّه هو الذي قومك لأنك استقمت. ١٠قوله عز وعلا: { وجعل فيها رواسي } الآية: ١٠ قال القاسم: الرواسي الاجلة من الأولياء الذين هم المشرفون على الخلق لأنهم الخواص منهم. وقوله: { من فوقها } أي من فوق عامة الأولياء وأشرفهم نظرهم أصح وبركاتهم أعم ولا يشرف عليهم أحد إلا القطب الذي هو الواحد في العلا وبه قوام كل الأولياء والرواسي دونه. ١٢قوله عز وعلا: { وزينا السماء الدنيا بمصابيح } الآية: ١٢ قال ابن عطاء: زينا قلوب العارفين بأنوار المعرفة وجعلنا فيها مصابيح الهداية وضياء التوحيد. وقال جعفر: زينا جوارح المؤمنين بالخدمة. وقال الجنيد رحمة اللّه عليه: زينا الجنة بنور مناجاة العارفين وزهرة خدمة العابدين. ١٥قوله عز وعلا: { أولم يعلموا أن للّه الذي خلقهم هو أشد منهم قوة } الآية: ١٥ قال عمرو المكي: من شاهد من نفسه قياما إلى شيء من الأوامر وقعودا عن شيء من النواهي فقد صغر ما عظمه اللّه وعظم ما صغره اللّه الا ترى أن اللّه هو الذي اقامه إليها وقواه عليها حينئذ يخلو من حاله وعمله ويرى قدرة اللّه وقوته عليه وضعفه عن القيام إلى حقائق أوامره ويعلم أن القوى على الحقيقة من يقدر على أن يقوى العبد على القيام بأحكامه. قال اللّه تعالى: { أولم يروا أن اللّه الذي خلقهم هو أشد منهم قوة }. ١٧قوله تعالى: { وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى } الآية: ١٧ قال الواسطي رحمة اللّه عليه: لحاجة لما سبق فيهم من شوم الجبلة. قال ابن عطاء: البسوا لباس الهداية ظاهرا عوارى فتحقق لباس الحقيقة فاستحبوا العمى على الهدى فردوا إلى الذي سبق لهم في الأزل. قوله عز وجل: { ويوم نحشر أعداء اللّه إلى النار فهم يوزعون } الآية: ١٩ قال الواسطي رحمة اللّه عليه: من لم يصحبه من اللّه ما يردعه عن جميع خلقه فهو مصحوب نفسه وان اللّه وصف حال الأعداء في عرصة القيامة تحذيرا لخلقه فقال: { ويوم نحشر أعداء اللّه إلى النار فهم يوزعون }. قوله تعالى: { وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم } ٢٢الآية: ٢٢ قال أبو عثمان رحمة اللّه عليه: من لم يذكر في وقت مباشرته الذنوب شهادة جوارحه عليه تحرى على الذنوب ومن ذكر ذلك جبن عن مباشرتها وربما يلحقه التوفيق والعصمة فيمنعاه عنها. ٢٤قوله عز وعلا: { وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين } الآية: ٢٤ قال بعضهم: إن يستعتبوا لا يقالوا وإن اعتذروا لم يعذروا. ٢٥قوله تعالى: { وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم } الآية: ٢٥ قال الجنيد رحمة اللّه عليه: النفس لا تألف الحق أبدا. قال ابن عطاء: النفس قرين الشيطان وأليفه ومتبعه فيما يشير عليه مفارقا للحق مخالفا له لا يألف الحق ولا يتبعه قال اللّه تعالى: { وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم } من طول الأمل وما خلفهم من نسيان الذنوب. قوله تعالى: { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون } ٢٦الآية: ٢٦ قال ابن عطاء: من لم يكن قلبه منور بالإيمان لا يلتذ بسماع القرآن ولا تؤثر فيه مواعظه وأحكامه وإنما يتعظ به من كان مؤيد السر مشروح الصدر مفتوح السمع حاد البصر معانا بالتوفيق مسددا بالعصمة إذا سمعه وعى فوائد احكامه واتعظ بلطائف مواعظه. ٣٠قوله تعالى: { إن الذين قالوا ربنا اللّه ثم استقاموا } الآية: ٣٠ قال: استقاموا على انفراد القلب باللّه سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء في قوله: { ثم استقاموا } قال استقاموا على المشاهدة لأن من عرف شيئا لا يهاب غيره ولا يطالع سواه فتركوا المنازعة والاعتراض مع الحق. وقال بعضهم في قوله: { إن الذين قالوا ربنا اللّه ثم استقاموا } قال: قالوها صرفا غير ممزوجة ولم يعرجوا على معنى سواها لما اعتقدوا لأنفسهم من العبودية وله من تمام الربوبية. قال محمد بن الفضل: حاجة جميع الموحدين في خصلة بها كملت المحاسن وبفقدها قبحت القبائح وهي الاستقامة. سئل الشبلي عن هذه الآية فقال: { قالوا ربنا } هو خالقنا { فاستقاموا } معه على بساط المعرفة وداموا بأسرارها على سرير المحبة { تتنزل عليهم الملائكة } بانقطاع المدة أن لا تخافوا من دار الهوان ولا تحزنوا على ما فاتكم من دار الامتحان وأبشروا بدوام النعيم وهو لقاء اللّه عز وجل الذي ليس بعده نصب ولا شدة. وقيل في قوله: { إن الذين قالوا ربنا اللّه ثم استقاموا } قال: استقاموا فعلا كما استقاموا قولا واستقاموا سرا كما استقاموا جهرا واستقاموا باطنا كما استقاموا ظاهرا فإن حقيقة الاستقامة القرار بعد الإقرار لا الإقرار بعد القرار تتنزل عليهم الملائكة للحماية أن لا تخافوا على الولاية { ولا تحزنوا على ما فاتكم } أي ما جرى عليكم من الجناية وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون في البداية. ٣١قوله عز وعلا: { نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة } الآية: ٣١ قال جعفر: من لاحظ في أعماله الثواب والإعراض كانت الملائكة أولياؤه من تحقق من أفعاله وعملها على مشاهدة امرها فهو وليه لأنه يقول: { اللّه ولي الذين آمنوا }. قال الواسطي رحمة اللّه عليه: لا يردكم اللّه إلى معنى سواه في الدنيا والآخرة. ٣٣قوله عز وعلا: { ومن أحسن قولا ممن دعا إلى اللّه } الآية: ٣٣ قال سهل: أي ممن دل على اللّه وعلى عبادة اللّه وسنة رسوله صلى اللّه عليه وسلم واجتناب المناهي وإدامة الاستقامة مع اللّه. قال بعضهم: هي الطريقة الوسطى والجادة التي من سلكها سلم ومن تعداها ندم. وقال ابن عطاء: دعا إلى اللّه حتى يدعو باللّه فيكون هو داعي الحق ودعاؤه دعاء الحق. قال اللّه: { ومن أحسن قولا ممن دعا إلى اللّه } باللّه لا بنفسه وعمل صالحا ولم ير لنفسه فيه اثرا. قال الواسطي رحمة اللّه عليه في قوله: { ومن أحسن قولا ممن دعا إلى اللّه } قال: الداعي على الحقيقة هو الذي لا يشير إلى غيره في جميع دعوته وقال: أول الدعاء إلى اللّه الحضور مع اللّه وترك الصور عند مشاهدة المحمود. قال ابن عطاء: الداعي إلى اللّه على الحقيقة الذي يرضى اللّه في دعوته فيمكنه في وقت اشتغال الخلق بأنفسهم من الشفاعة لما رضى من دعوته والداعي إلى اللّه على الحقيقة الذي لا يشير إلى غيره في جميع دعوته. ٣٤قوله عز وعلا: { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة } الآية: ٣٤ قال ابن عطاء: لا يستوي بين من أحسن الدخول في خدمتنا والخروج منها وبين من أساء الأدب في الخدمة فإن سوء الأدب في القرب أصعب من سوء الأدب في البعد فقد تصفح عن الجهال الكبائر ويؤخذ الصديقون باللحظات والالتفات. ٣٥قوله عز وعلا: { وما يلقاها إلا الذين صبروا } الآية: ٣٥ قال بعضهم: لا يطيق أحد الهجوم على المعارف إلا من يصبر على احتمال النوائب والشدائد فيها ولا يرى لنفسه قمة ولا لزوجة خطرا إذ ذاك يمكنه مجاورة المعارف والهجوم عليها. ٣٦قوله تعالى: { وإما ينزغنك الشيطان نزغ فاستعذ باللّه } الآية: ٣٦ قال بعضهم: من طرد الشيطان عن نفسه بنفسه فهو قرينه أبدا ومن طرد بالالتجاء إلى اللّه والاستعاذة به منه لم يجعل اللّه للشيطان عليه سبيلا لأن اللّه يقول: { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ باللّه }. وسئل أبو حفص بماذا يتخلص المؤمن من الشيطان؟ قال: بتصحيح العبودية لأن اللّه عز وجل يقول: { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان }. ٣٧قوله تعالى: { ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر } الآية: ٣٧ قال ابن عطاء: اظهر لك الآيات لتشتغل بمظهرها دونها فمن اشتغل بها شغلته عن مظهرها ومن اشتغل بمظهرها شغله ذلك عن الاشتغال بما يشغله عنه بحال وهو من عظيم الأحوال وسنن المراتب. ٣٩قوله عز وعلا: { ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة } الآية: ٣٩ قال عمرو بن عثمان المكي: إن للّه عز وجل قلوبا في الأوعية من الأجسام أودع بها ودائع وأخفاها على الخلق فإذا نزل عليها مياه رحمته وبركات نظره وآثار بره استخرج ودائعه فعرف القلوب محل الودائع واظهر على النفس بركاتها وألقى على الخلق هيبة صاحبها فهو في هيبة عند الخلق وانكسار عند نفسه وشفقة ونصيحة للخلق وخوف دائم من ذنوبه وذلك من آيات اللّه الظاهرة وهو حقيقة قوله: { ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت } إن الذي أحيا تلك النفوس بتلك الودائع ٤٢قادر أن يحيى ببركة نظره قلوبا غفلت عنه وأنفسا ماتت عن القيام بخدمته. قوله تعالى: { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه } الآية: ٤٢ قال ابن عطاء: كيف يكون للباطل عليه سبيل وهو من حق بدأ وإلى حق يعود وهو الحق فلا يتحقق به إلا الحق. ٤٤قوله تعالى: { قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء } الآية: ٤٤ قال جعفر: القرآن شفاء لمن كان في طلب العصمة وعمى على من كان في ظلمة الخذلان. قال بعضهم: شفاء القرآن إذا دخل الصدور اعتقها من سر الطباع ورعونات الهوى وأدخلها في فسحة التفويض والتسليم. ٤٩قوله تعالى: { لا يسأم الإنسان من دعاء الخير } الآية: ٤٩ قال: لا يمل العبد من ذكر ربه وشكره وحمده والثناء عليه. ٥١قوله عز وعلا: { وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه } الآية: ٥١ قال سهل: اعرض عن الدعاء والشكر للّه على ما أنعم ونظر في عطفيه وافتخر بغير مفتخر به. قال بعضهم: إذا أصابه بلاء في الظاهر وهو في نعمة في الحقيقة اعرض عنه لم يصبر على البلاء ولا يطالع موضع الثواب فيه وإذا مسه الشر الاستدراج في النعم ألفه ونظر فيه ونسي حقوق اللّه عليه. قال الواسطي رحمة اللّه عليه: اعرض عن المنعم بالنعمة. قال بعضهم: الهداية والإيمان والولاية والعبادة والعبد لا ينفك عن أربعة أشياء من كسبه وكده وكدحه ومن فضل اللّه عليه وهو الذي يوجب له الأمر. ٥٣قوله عز وعلا: { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم } الآية: ٥٣ قال سهل: هي الموت والموت خاص وعام فالعام موت الخلقة والجبلة والخاص موت شهوات نفوس الأولياء. قال القحطاني: لا يزال العبد يرتقي من حال إلى حال حتى يبلغ إلى الأحوال السنية العالية ويرى اللّه قائما بالأشياء ثم ترقى به عن ذلك الحال حتى يرى الأشياء فانية في رؤية الحق ويتيقن أن القديم إذا قرن بالحديث لا يثبت له اثر وإن جل قدره وعظم خطره وهو معنى قوله: { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق } وهو النظر في الدنيا بشاهد الحق ثم النظر إلى الحق بالفناء عن الكون وهو أن تصير النعوت نعتا واحدا ولا يشهد إلا حقا صرفا. وسئل أبو عثمان عمن يقول بالشاهد؟ فقال: لا أنكر القول بالشاهد لمن يشهد الأشياء كلها شيئا واحدا. وقال الواسطي رحمة اللّه عليه: ظهر في كل شيء بما اظهر منه وإظهاره الأشياء ظهوره بها فإذا فتشها لا يجد غير اللّه قال اللّه تعالى: { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق } دون غيره ولذلك قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: ' أصدق كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد ألا كل شيء ما خلا اللّه باطل '. وكذلك حكى عن بعضهم انه انشد: * اسمع فهذا كلام واللّه ما فيه علة * أقل من كل شيء من لا يرى الكل قلة * وقال بعضهم: { سنريهم آياتنا في الآفاق } قال: يرى الأشياء وجودها عدمها وعدمها وجودها كما أن كل قرب بعد وكل بعد قرب لأن إحاطة القدرة بالشيء وجود الشيء. قوله عز وعلا: { أولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد } الآية: ٥٣ قال الواسطي رحمة اللّه عليه: لو شهدوا شواهد الحق فيما جرى عليهم من المخالفة والموافقة لما اضطربوا فرحا ولا حزنا نفيا للشرك والمقارنة. سمعت عبد اللّه الرازي يقول: كان أكبر عمل أبي عثمان في المراقبة وكان كثيرا ما يتلو هذه الآية. وقال الواسطي: في هذه الآية أوائلها فيه وكان يتلو هذه الآية كثيرا: { أولم يكف بربك } أوائلها للطائفين والعابدين طالعوه وراقبوه وأواخرها للواجدين شاهدوه على آباده وسرمده الذي فيه فناء معانيهم. ذكر ما قيل في سورة عسق |
﴿ ٠ ﴾