سورة محمد صلى اللّه عليه وسلمبسم اللّه الرحمن الرحيم ١قوله تعالى: { الذين كفروا وصدوا عن سبيل اللّه أضل أعمالهم } الآية: ١ قال سهل: كفروا بتوحيده وصدوا عن سبيل الإسلام بطل أعمالهم. قال بعضهم: من جحد نعم اللّه عليه عنده وسلك مسلك المدعيين في إطلاق القول بلا حقيقة ضل به عن سنن المتحققين. ٣قوله تعالى: { ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل } الآية: ٣ قال ابن عطاء: اتباع الباطل انكباب الشهوات وأماني النفوس واتباع الحق اتباع الأوامر لا يوفق لسلوك طريق الحق من لم يحكم مبادئ أحواله مع الحق ومن اهمل مبادئ الأحوال كيف يرجى له التناهي فيها. قوله تعالى: { أم على قلوب أقفالها } الآية: ٢٤ قال سهل: إن اللّه خلق القلوب واقفل عليها بأقفال وجعل مفاتيحها الإيمان فلم يفتح بتلك المفاتيح على التحقيق إلا قلوب الأنبياء والمرسلين والصديقين وسائر الناس يخرجون من الدنيا ولم تفتح اقفال قلوبهم خرجوا منها وقلوبهم مقفلة: الزهاد والعباد والعلماء لأنهم طلبوا مفاتيحها في العقل فضلوا الطريق ولو طلبوه من جهة التوفيق والفضل لأدركوا ذلك ويفتح اقفال قلوبهم، ومفتاح القلوب أن تعلم أن اللّه قائم عليك رقيب على جوارحك وتعلم أن العمل لا يكمل إلا بالإخلاص مع المراقبة. ٧قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا اللّه ينصركم ويثبت أقدامكم } الآية: ٧ قال ابن عطاء: هو أن تكون عونا للّه على النفس فإن اللّه ينصرك عليها حتى تنقاد لك ومن لا يكون عونا على النفس فيصرع صرعة لا يقوم أبدا بعدها. قال محمد بن حامد: زلل الاقدام من ثلاثة أشياء: بترك الشكر لمواهب اللّه والخوف من غير اللّه والأمل في غيره وثبات الاقدام من ثلاثة أشياء: مداومة رؤية الفضل والشكر على النعم ورؤية التقصير في جميع الأحوال والخوف منه والسكون إلى ضمان اللّه فيما ضمن من غير اتباع ولا اختلاج. وقال الترمذي: إن اكرمتم أوليائي اكرمتكم. قال بعضهم: نصرة من ترجو إن لم تقنع بنصرته. ١١قوله تعالى: { ذلك بأن اللّه مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم } الآية: ١١ قال أبو عثمان: معين من أقبل عليه وناصر من استنصره. ١٣قوله تعالى: { وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك } الآية: ١٣ قال بعضهم: لم يخرج النبي صلى اللّه عليه وسلم خوفا منهم كما خرج موسى حين خرج ألا ترى اللّه يقول: أخرجتك ولم يقل خرجت ولا جزعت لأنه باللّه وللّه في جميع أوقاته فلم يجز عليه التفات إلى الغير بحال ولم يجز عليه خطاب ذم. ١٤قوله عز وعلا: { أفمن كان على بينة من ربه } الآية: ١٤ لزم الاقتداء بالسنن سمعت أبا عثمان المغربي رحمة اللّه عليه يقول: البينة هي النور التي يفرق به المرء بين الالهام والوسوسة ولا تكون البينة إلا لأهل الحقائق في الإيمان والبينة نور والمترجم عنها البرهان. ١٧قوله تعالى: { والذين اهتدوا زادهم هدى } الآية: ١٧ قال ابن عطاء: الذين تحققوا في طلب الهداية أوصلناهم إلى مقام الهداية وزدناهم هدى بالوصول إلى الهادي. ١٩قوله تعالى: { فاعلم أنه لا إله إلا اللّه } الآية: ١٩ قال الجنيد رحمة اللّه عليه: أمر اللّه تعالى نبيه صلى اللّه عليه وسلم أن يدعو الخلق من الأصنام والأوثان فدعاهم فمن بين مجيب ومنكر ودعاه إليه من نفسه ومن الخلق ومن الأكوان فقال: فاعلم أنه أي أن الذي اصطفاك على البشر لا إله إلا هو الذي يستحق الألوهية دون غيره. وقال الواسطي رحمة اللّه عليه: من قال: لا إله إلا اللّه على العادة فهو أحمق، ومن قالها تعجبا فهو مصروف عن الخلق، ومن قالها على الإخلاص فهو مصروف عن الشرك، ومن قالها على الحقيقة فقد تبتل عن الشواهد. قال القاسم: العلماء أربعة عالم متروك، وعالم متمكن، وعالم موصول، وعالم مجذوب، فالعالم المتروك هو العامة، وعالم موصول وهم الذين يطلبون اللّه وعالم مجذوب وهو الذي جذب سرائرهم إلى سره، وعالم متمكن هو محمد صلى اللّه عليه وسلم وجد القرآن في محل المشاهدة والخطاب لذلك خوطب بقوله: { فاعلم أنه لا إله إلا اللّه }. قال السلامي في قوله: { فاعلم أنه لا إله إلا اللّه } أي ازدد علما وإيمانا فكلما كثرت النعم عليه أفادته علما بالمنعم فيترقى في العلوم والمعارف على حسب كثرة النعم وتعدادها وإنما يزيد عن غير نقص لأن العلوم لا تتناهي. قال حارث المحاسبي: أول علم التوحيد قوله: { فاعلم أنه لا إله إلا اللّه } والثاني أن لا يضيف إليه إلا ما أضاف إلى نفسه والثالث علم أمره ونهيه ووعده ووعيده والرابع علم ما عرف من علم التوحيد فلم يخالف علمه معرفته. وقال الحارث في قوله: { فاعلم أنه لا إله إلا اللّه } لتعلم انه ليس إليك من ضرك ونفعك شيء. وقال ابن عطاء: عالم قول لا إله إلا اللّه يحتاج إلى أربعة أشياء تصديق وتعظيم وحلاوة وحرمة فمن لم يكن له تصديق فهو منافق ومن لم يكن له تعظيم فهو مبتدع ومن لم يكن له حلاوة فهو مراء ومن لم يكن له حرمة فهو فاسق ولم يكمل هذه الخصال إلا للنبي صلى اللّه عليه وسلم قيل له: { فاعلم } لعظيم محله ودعاء الآخرين إلى قوله دون علمه. وقال جعفر في قوله: { فاعلم أنه لا إله إلا اللّه } قال: أزل العلل عن الربوبية ونزه الحق عن الدرك. قال الجنيد رحمة اللّه عليه: العلم ارفع من المعرفة وأتم واشمل وأكمل لذلك تسمى اللّه بالعلم ولم يتسم بالمعرفة وقال: { والذين أوتوا العلم درجات } ثم لما خاطب النبي صلى اللّه عليه وسلم خاطبه بأتم الأوصاف وأكملها واشملها للخيرات فقال: { فاعلم أنه لا إله إلا اللّه } ولم يقل فاعرف لأن الإنسان قد يعرف الشيء ولا يحيط به علما وإذا علمه وأحاط به علما فقد عرفه. قال ابن عطاء: إن اللّه تعالى أمر نبيه صلى اللّه عليه وسلم أن يدعو الخلق إليه ثم قال له: * (فاعلم أنه لا إله إلا اللّه } وأعلم انك الداعي للخلق إلى وأنا أدعوك منك إلى لئلا تلاحظ شيئا من أقوالك وأفعالك. قال الواسطي رحمة اللّه عليه: هما دعوتان دعا إبراهيم عليه السلام إلى قوله: اسلم ودعا محمد صلى اللّه عليه وسلم إلى قوله: فاعلم، دعا أحدهما إلى العلم، والآخر إلى الإسلام، وأعلاهما العلم وهو مرتبة الأجلة والإسلام هو الانقياد إظهار العبودية والعلم إظهار الربوبية لاجرم ابتلى حين قال: أسلمت بالنار وذبح الولد وغيرهما. قال بعضهم: العلم حجة والمعرفة علة والغلبة غير محكوم بها. وقال الحسين: العلم الذي دعا إليه المصطفى صلى اللّه عليه وسلم هو علم الحروف وعلم الحروف في لام ألف وعلم لام ألف في الألف وعلم الألف في النقطة وعلم النقطة في المعرفة الأصلية وعلم المعرفة الأصلية في علم الأول في المشيئة وعلم المشيئة في غيب الهو وهو الذي دعا اللّه إليه فقال: فاعلم أنه والهاء راجعة إلى غيب الهوية. قال القاسم: في قوله { فاعلم } قال: بيانه فيما اردف من الاستغفار فقال: فاعلم أنه والهاء راجعة إلى غيب الهوية. قال القاسم في قوله: { فاعلم أنه } قال بيانه فيما اردف من الاستغفار فقال: { واستغفر لذنبك } هل رأيت أدني أن يأتي شيء أو يوجد أو يفقد أو يفنى أو يبقى أو يضر أو ينفع كأنه يقول: فاعلم أنه لا إله يوجد المكونات ويفقدها إلا اللّه. وقال: أضاف المعرفة إلى الخلق فقال: { ولتعرفنهم في لحن القول } وقال: { يعرفونه كما يعرفون أبناءهم } واختص هو بالعلم وعلم السرائر وتسمى بالعلم ولم يتسم بالمعرفة وقال بأخص أنبيائه وأصفيائه فاعلم لقربه من مصدر الحقيقة وموردها واشرافه على الغيب والمغيبات ودعاه إلى العلم ووصفه به ووصف العوام بالمعرفة لأن العلم أتم وأبلغ. وقال بعضهم: ما علمه خيرا فاعلمه يقينا. وقال بعضهم: { فاعلم أنه لا إله إلا اللّه } من حيث اللّه يعتبك عن علمك انه لا إله إلا اللّه واستغفر لذنبك من علمك بأن كل حقيقة لا تمحو آثار العبد ورسومه فليست بحقيقة وقيل في قوله: فاعلم أي أن الحقيقة انطقتك بهذه الكلمة ولم تظهر الكلمة بنطقك وأثابتك ولم تثبت بك. وقال بعضهم: { فاعلم أنه لا إله إلا اللّه } قال: ادخل النبي صلى اللّه عليه وسلم في عين الجمع بما دعاه إلى علم الهوية إذ الهوية علم الجمع وفرق الخلق في سائر الأسامي والصفات فطالع كل واحد منها قدره. قال سهل: خلق اللّه الخلق ثم أحياهم باسم الحياة ثم أماتهم بجهلهم فمن حيا بالعلم فهو الحي وإلا فهم موتى بجهلهم لذلك دعا نبيه صلى اللّه عليه وسلم إلى محل الحياة بالعلم بقوله: فاعلم. سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت عبد اللّه القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء في قوله: { فاعلم أنه لا إله إلا اللّه } قال: طلب تنزيه العبد لئلا يكون له خاطر غيره في علمه بأن لا إله إلا هو علما لا قولا وهو حقيقة التوحيد حقائق تبني على الموجد لا حقائق تبنى على العبد. قال بعضهم: وهذا من المقامات الشريفة. سمعت عبد اللّه بن محمد الرازي يقول: سمعت أبا عثمان يقول: العلم ثلاثة علم الأحكام وعلم الإيقان وعلم العين فعلم الأحكام يورث البيان للعلماء، وعلم الإيقان يورث الأحزان للأولياء، وعلم الأعيان يورث القربى للأنبياء وذلك قوله: { فاعلم أنه لا إله إلا اللّه }. قال بعضهم: العلم نور وضياء وقلوب العلماء لهم وعاء كلما ازداد العالم علما ازداد خشوعا وتواضعا فإذا تحقق في العلم فتح عليه أبواب التوحيد كما خاطب اللّه نبيه بقوله: { فاعلم أنه لا إله إلا اللّه } فإذا دخل في مقام التوحيد استغرق في الأنوار فأضاءت الأنوار على شواهده واثرت على جوارحه فتكون كل جارحة منه مزينة بزينة من أنوار العلم. هذا من المقامات الشريفة. سمعت عبد اللّه قال: قال أبو سعيد الخراز في قوله: { فاعلم أنه لا إله إلا اللّه } قال: دله بهذا على صفاء التوحيد ليعلمه علما بعد القول فيسكن إليه وينسى ما دونه. قال ابن عطاء: العلم أربعة علم المعرفة، وعلم العبادة، وعلم العبودية، وعلم الخدمة. حمل الحق المصطفى صلى اللّه عليه وسلم على هذه الأحوال كلها حيث لم يطقها أحد سواه. قال ابن عطاء في قوله: { فاعلم أنه لا إله إلا اللّه } قال: طلب التنزيه مع العبد مع علمه. سمعت أبا بكر محمد بن عبد اللّه الرازي يقول: سمعت علي بن طاهر الحافظ وقد سئل عن معنى قوله: { فاعلم أنه لا إله إلا اللّه } قال: إن اللّه أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يدعو الخلق إليه فلما دعا الخلق إليه دعا من نفسه إليه بقوله: { فاعلم أنه لا إله إلا اللّه } أي أنت تدعو الخلق إلى وأنا أدعوك من نفسك إلي. سمعت عبد اللّه الرازي يقول: سمعت أبا عثمان يقول في هذه الآية: إذا قيل للعالم أعلم يراد به اذكر لأن كل مؤمن عالم أن لا إله إلا اللّه ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سيد العلماء واعلم العلماء وإنما يراد به: اذكر انه لا إله إلا هو. وازداد ذكرا أن لا إله إلا هو فإن من ذكره في نفسه وذكره في ذكر حتى يسقط كل مذكور عن قلبه إلا اللّه الواحد الأحد الصمد في ذلك الوقت فإن خطر بباله غيره استغفر منه ومنه قوله: ' إنه ليغان على قلبي '. وقال أبو سعيد القرشي طلب الحق من النبي صلى اللّه عليه وسلم حضور القلب وان يليه علمه عما سواه. وقال الحسين: { فاعلم أنه لا إله إلا اللّه } علما على جهل لأن العلوم في اللّه لا تتناهى. وقال ابن خفيف: أقام العالم في شاهد الخطاب فوحدوه موحدا ووحد نفسه بتوحيد نفسه فوحدوه بما وحد نفسه إذا كان واحدا وذلك مبلغ كشف الحق له في أحديته قبل النقل له في فردانيته لخلوص إفراده لمفرد به إليه { إليه يرجع الأمر كله فاعبده }. ٢٤قوله تعالى: { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها } الآية: ٢٤ قال ابن عطاء: القلوب قلوب اقفلت عن التدبر وألسن منعت عن التلاوة واسماع صمت عن الاستماع ومن القلوب قلوب كشفت عنها الغطاء فلا يكون لها راحة إلا في تلاوة القرآن واستماعه والتدبر فيه فشتان ما بين الجانبين. قال ابن عطاء: المتدبر الناظر في دبر الأشياء وعواقبها وأواخرها ليغيب عن شواهد أوائلها مشاهدها ليشهد ما عدم. قال سهل: علامة التوحيد أن يجتهد في الخدمة ويفوض الأمر إليه ويقول: إن اللّه خلق القلوب واقفل عليها بأقفال وجعل مفاتيحها الإيمان فلم يفتح إلا قلوب الأنبياء والمرسلين وسائر الناس يخرجون من الدنيا ولم تفتح أقفال قلوبهم وخرجوا من الدنيا وقلوبهم مقفلة. ٣٠قوله عز وعلا: { ولو نشاء لأريناكهم } الآية: ٣٠ قال القاسم: أطلعناك على سرائرهم فلعرفتهم بسيماهم فطنة ولتعرفنهم في لحن القول ظاهرا واللّه يعلم اسرارهم لا يقف على ما لهم عند اللّه من الشقاوة والسعادة أحد. قوله عز وعلا: { ولتعرفنهم في لحن القول } الآية: ٣٠ قال القاسم: لأن الأكابر والسادة يعرفون صدق المريد من كذبه بسؤاله وكلامه لأن اللّه يقول: { ولتعرفنهم في لحن القول }. قال محمد بن حامد: تعرف من كانت قراءته لنا ومن كانت قراءته لرياء وسمعة. وقال أيضا: النصيحة من الكلام والموعظة منه ممن يريد استجلاب قلوب العوام إليه. وقال القاسم: أثبت المعرفة لنا ولم يثبت العلم وأضاف علم السر إلى نفسه فقال: { ولتعرفنهم في لحن القول } ولم يقل تعلمنهم. ٣١قوله تعالى: { ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين } الآية: ٣١ قال عمرو المكي: أيكم ازهد في الدنيا زهدا واترك لها تركا. وقال أيضا في قوله: { حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين } إن البلوى إنما وقعت على المتعبدين لنعظم اللّه بذلك قدر معاملته ويعز بذلك قدر عبادته ويرفع بذلك درجة مولاته. قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم }. الآية: ٣٣ أطيعوا اللّه في حرمة الرسول وأطيعوا الرسول في تعظيم اللّه ولا تبطلوا أعمالكم برؤيتها وطلب النجاة بها. قال فارس: استجداء الطاعة والشرك سواء. قال أبو عثمان: لا تبطلوا أعمالكم بترك السنن. قال بعضهم: برؤيتها من أنفسكم ومطالعة الاعواض من ربكم وقيل: بالرياء والعجب. وقال أبو الحسين الوراق: بالتكبر على الخلق بها. ٣٦قوله تعالى: { إنما الحياة الدنيا لعب ولهو } الآية: ٣٦ قال بعضهم: الدنيا أربعة أحوال متمتع فيها بغفلة وآخذ من صحة في علة ومحمول من فراش إلى حفرة ومعذب في قبره للعبرة فمن يلهو فيها فلغفلة ومن يعش فيها فيلعب إلا من ينبهه اللّه من غفلته ويوفقه لرشده. ٣٨قوله عز وعلا: { واللّه الغني وأنتم الفقراء } الآية: ٣٨ قال سهل: معرفة علم السر كله في الفقر وهو سر اللّه وعلم الفقر إلى اللّه وهو تصحيح علم الغني باللّه. وسئل بعضهم: من الفقراء؟ قال: الفقراء إلى اللّه فإن الفقير على الحقيقة من يفتقر إلى غني لا من يفتقر إلى دنى مثله أو فقير مثله. قال أبو الحسن بن سمعون: لكل شيء فقر فأضرها فقر النفس والقلب وأشرفها فقرا الهم والعقل لأن نفسي إذا افتقرت طلبت دنيا فيأسر العدو من أول قدم وإذا افتقر قلبي طلب ملكا فحجبني وإذا افتقر عقلي طلب علما وحكما إن وجدهما شربت في الملك وحدى وإذا افتقر همي طلب وجدا وودا إن وجدت صرت حرا. قال الجنيد رحمة اللّه عليه في قوله: { واللّه الغني وأنتم الفقراء }. قال: لأن الفقر يليق بالعبودية والغنى يليق بالربوبية. قال بعضهم: اللّه الغني عن افعالكم وأنتم الفقراء إلى رحمته واللّه الغني عنكم بقوله: { وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم } الآية: ٣٨ قال بعضهم: الغنى القائم بنفسه والفقير القائم بفقره والحق مقيم الكل باينهم بالاستغناء عنهم كما باينوه بالافتقار إليه. قوله تعالى: { وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم } الآية: ٣٨ قال بعضهم: لا يستقر على حقيقة بساط العبودية إلا أهل السعادة وقد يطأ البساط المتمرسون بالعبودية أوقاتا ثم لا يستقرون عليه يبدل اللّه مكانهم فيه من أحب له السعادة ألا تراه يقول: { وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم }. ذكر ما قيل في سورة الفتح |
﴿ ٠ ﴾