سورة ق

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله تعالى: { ق والقرآن المجيد } الآية: ١

قال سهل: أقسم بقدرته وقوته.

قال ابن عطاء: اقسم بقوة قلب حبيبه محمد صلى اللّه عليه وسلم حيث حمل الخطاب والمشاهدة ولم يؤثر ذلك فيه لعلو حاله.

قال سهل في قوله: { والقرآن المجيد } المشرف على سائر الكلام.

قال الحسين: القرآن المجيد المطهر لمن اتبعه عن دنس الأكوان وهواجس الأسرار.

وقال بعضهم في قوله: { القرآن المجيد } المهيمن المشرف على جميع الكتب.

٨

قوله تعالى: { تبصرة وذكرى لكل عبد منيب } الآية: ٨

قال سهل: اعتبارا واستدلالا على توحيدهم لربهم وشكرهم له وذكرى لمن كان له

قلب حاضر مع اللّه وعلم يكتسب به علم الورع لكل عبد منيب أي مخلص التوبة إلى

ربه وإدامة الذكر بواجباته.

٩

قوله تعالى: { ونزلنا من السماء ماء مباركا } الآية: ٩

قال ابن عطاء: أنزلنا من السماء الفهم والعلم والمعرفة فربينا به قلوب أولى الألباب

وأهل المعرفة والفهم ففقهوا الخطاب واستعملوه وانسوا به واتبعوه فاسبغ اللّه بذلك الماء

في قلوبهم معرفته وعلى لسانه ذكره وعلى جوارحهم خدمته.

١٦

قوله تعالى: { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه } الآية: ١٦

قال أبو سعيد الخراز: هم قوم ساروا مع اللّه بلا سبب ولا طلب ولا هرب لأنه

مدركهم وهو معهم يعلم ما في ضمائرهم ويشهد حركات ظاهرهم ألم تسمع قوله

سبحانه: { ولقد خلقنا الإنسان } الآية.

قوله تعالى: { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد }

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: أي نحن أولى به واحق لأنا جمعناه بعد الافتراق

وأنشأناه بعد العدم ونفخنا فيه الروح فالأقرب إليه من هو أعلم به منه بنفسه.

قال أيضا في هذه الآية: به عرفت نفسك وبه عرفت روحك كان ذلك إظهار النعوت

على قدر طاقة الخلق فأما الحقيقة فلا يتحملها أحد سماعا.

قال بعضهم: القرب لعبد شاهد بقلبه قرب اللّه منه فتقرب إلى اللّه بطاعته وجمع

همه بين يديه بدوام ذكره في علانيته وسره.

١٨

قوله تعالى: { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } الآية: ١٨

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: هذا خطاب العام من الخلق وهو قوله: { ما يلفظ من قول)

* الآية، ردهم إلى ما يليق بهم من المخلوقات وخطاب للخاص قوله: { إن اللّه كان عليكم رقيبا } أي حافظا لانفاسكم وما تبدي منكم ولكم وعليكم فمن راقب

مراقبة الحق إياه شغله عن كل ذي دعوة واخرسه عن كل نجوى وذيل تحت مراقبته حتى

لا يجد له حسا.

٢١

قوله تعالى: { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد } الآية: ٢١

قال: ما ساقهم إلا قدرته ولا شهيد عليهم إلا جوارحهم.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: شاهدها الحق وشهيدها الحق.

٢٢

قوله تعالى: { لقد كنت في غفلة من هذا } الآية: ٢٢

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: من كشفت عنه غطاء الغفلة ابصر الأشياء كلها في

اسرار القدرة.

قال عامر بن عبد قيس: لو كشف الغطاء ما ازددت إلا يقينا.

قوله تعالى: { فبصرك اليوم حديد } الآية: ٢٢

قال سهل: بصر قلبك في مشاهدة الأحوال كلها.

قال أبو سليمان الداراني: هو البصيرة التي تفرق بها بين الحلال والشبهات.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: أي علمك نافذ في المقدورات وحكمك ماض على

الخلائق.

٢٩

قوله تعالى: { ما يبدل القول لدي } الآية: ٢٩

قال سهل: ما يتغير عندي حكم قد سبق علمي فيه فيكون خلاف ما سبق به العلم.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: ماذا ينفع البكاء على ما سبق من قضائه المحتوم

وحكمه المعلوم الذي لا يتغير ولا يبدل على قومه { ما يبدل القول لدي }.

٣٢

قوله تعالى: { لكل أواب حفيظ } الآية: ٣٢

قال سهل: هو الراجع بقلبه من الوسوسة إلى السكون إلى اللّه والحفيظ المحافظ

على الطاعات والأوامر.

قال ابن عيينة: الأواب الحفيظ الذي لا يقوم من مجلس حتى يستغفر اللّه منه خيرا

كان أو شرا لما يرى فيه من الخلل والتقصير.

قال حارث المحاسبي: الأواب الراجع بقلبه إلى ربه والحافظ قلبه في رجوعه إليه أن

يرجع منه إلى أحد سواه.

قال القاسم: الذي لا يشتغل إلا باللّه.

قال بعضهم: الأواب الذي لا يوافق غير ربه ولا يطالع غير حده.

قوله تعالى: { من خشي الرحمن بالغيب }.

قال أبو عثمان في قوله: { من خشي الرحمن بالغيب } قال: من كان باطنه أحسن

من ظاهره وظاهره سليما للخلق والمنيب الراجع إلى اللّه والمقيم عنده.

قال أبو بكر الوراق: علامة المنيب أن يكون عارفا حرمته مواليا له متواضعا لجلاله

تاركا الهوى نفسه.

قال بعضهم في قوله: { من خشي الرحمن بالغيب } انه يفعل ما يشاء من غير علة

ورحمة الرحمانية خاصة توجب المغفرة رحمة الرحمية عامة لا توجب المغفرة إلا

للخواص.

قال الجنيد رحمة اللّه عليه: أفضل الأعمال علم الأوقات وهو أن يكون حفيظا

وحفيظا لدينه.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: الخشية ارق من الخوف لأن المخاوف للعامة لا يعاين

إلا عقوبته والخشية هي نيران اللّه في الطبع فيها نظافة الباطن للعلماء ومن رزقه الخشية

لن يعدم الإنابة ومن رزق لم يعدم التفويض والتسليم ومن رزق التفويض والتسليم لم

يعدم الصبر على المكاره ومن رزق الصبر على المكاره لن يعدم الرضا.

قال بعضهم: أوائل العلم الخشية ثم الاجلال ثم التعظيم ثم الهيبة ثم الفناء.

٣٥

قوله تعالى: { لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد } الآية: ٣٥

قال عبد العزيز المكي: لهم في الجنة ما تبلغه أمانيهم من النعيم ثم نزيدهم من عندنا

ما لا يبلغه السمع وهو شهيد.

قال الشبلي: موعظة القرآن لمن كان له قلب حاضر مع اللّه لا يغفل عنه طرفة عين.

قال يحيى بن معاذ: القلب قلبان قلب قد احتشى باشتغال الدنيا حتى إذا حضر أمر

من أمر الطاعات لم يدر ما يصنع من شغل قلبه بالدنيا وقلب قد احتشى بأحوال الآخرة

حتى إذا حضر أمر من أوامر الدنيا لم يدر ما يصنع لذهاب قلبه في الآخرة فانظر كم بين

بركة تلك الأوهام وشؤم هذه الأشغال الفانية التي اقعدتك عن الطاعات.

قال أبو بكر الوراق: للقلب ستة أشياء حياة وموت وصحة وسقم ويقظة ونوم،

فحياته الهدى وموته الضلالة وصحته الطهارة والصفا وعلته الكدورة والعلاقة ويقظته

الذكر ونومه الغفلة ولكل واحد من ذلك علامات فعلامات الحياة الرغبة والرهبة والعمل

بهما والميت بخلاف ذلك وعلامات الصحة القوة واللذة والسعي والسقم بخلاف ذلك

وعلامات اليقظة السمع والبصر والتدبير والمنام بخلاف ذلك.

قال جعفر: يعني قلبا يسمع ويعقل ويبصر فكل ما سمع الخطاب بلا واسطة فيما بينه

وبين الخلق يغفل ما مر عليه بالإيمان والإسلام من غير مسألة ولا شفيع ولا وسيلة

كانت له عند اللّه في الأزل ويبصر قدرة القادر البارئ في نفسه وملكوته وأرضه وسمائه

فاستدل بها على وحدانيته وفردانيته وقدرته ومشيئته.

قال بعضهم: { لمن كان له قلب } قال: ما كان عليه قلوب الأبرار والأخيار.

قال بعضهم: من كان له قلب سليم من الأعراض سليم من الأمراض.

وقال الحسين: لمن كان له قلب قال: لا يخطر فيه إلا شهود الرب وانشد لنفسه:

* أنعى إليك قلوبا طالما هطلت

* سحائب الوحي فيها أبحر الحكم

*

قال ابن عطاء: قلب لاحظ الحق بعين التعظيم فدان له وانقطع إليه عما سواه.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: أي لذكرى لقوم واحد لا لسائر الناس: { لمن كان له قلب)

* أي في الأزل وهم الذين قال اللّه تعالى: { أو من كان ميتا فأحييناه }.

قال ابن سمعون: { لمن كان له قلب } يعني يعرف آداب الخدمة وآداب القلب ثلاثة

أشياء فالقلب إذا ذاق طعم العبادة عتق من رق الشهوة فمن وقف عن شهوته فقد وجد

ثلاثة آداب ومن افتقر إلى ما لم يجد بعد الاشتغال بما وجد فقد وجد ثلثي الأدب

والثالث هو الامتلاء بالذي بدأ بالفضل عند الوفاء تفضلا.

قال محمد بن علي: موت القلب من شهوات النفوس فكلما رفض شهوته نال من

الحياة بقسطها.

قال القاسم في قوله: { ألقى السمع وهو شهيد } قال: هم الأنبياء فإن اللّه خلقهم

للمشاهدة يشهدون له بقلوبهم عن إقبالهم وإدبارهم فإنه المنشئ والمبدئ والمعيد.

قال الواسطي في هذه الآية: ما تنفع المشاهدة ما دامت مقارنة للآمال ولا تنفع

العلوم ما دامت مفارقة للأعمال.

وقال بعضهم: خلق اللّه الأنبياء للمشاهدة ليشهدونه بقلوبهم وقد وصفهم اللّه في

٣٧

كتابه: { أو ألقى السمع وهو شهيد } الآية: ٣٧  أي يشهد ما قرب منه وما بعد عنه

وذلك لمشاهدة الحق إياه.

قال سهل: القلب رقيق يؤثر فيه الشيء اليسير فاحذروا عليه من الخطرات المذمومة

فإن اثر القليل عليه كثير.

وقال الحسين: بصائر المبصرين ومعارف العارفين ونور العلماء الربانيين وطرق

السابقين المناجين من الأزل وللأبد وما بينهما من الحدث غيره: { لمن كان له قلب أو

ألقى السمع }.

سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء:

هو القلب الذي يلاحظ الحق فيشاهده ولا يغيب عنه خطرة ولا فترة فيسمع به بل يسمع

منه ويشهد بل يشهده فإذا لاحظ القلب بعين التخويف فزع وارتعد وهاب إذا طالعه

بعيني الجمال والجلال هدأ واستقر.

قال ابن عطاء: { لمن كان له قلب } قال: موعظة بالغة لمن كان له قلب يصبر ويقوى

على التجريد والتفريد له حتى يخرج من الدنيا والخلق فلا يشتغل بغيره ولا يركن إلى

سواه.

قال الصبيحي: { لمن كان له قلب } خاطب أصحاب القلوب لأن القلوب في قبضة

الحق يقلبها كيف يشاء ووسعه وصفاه من الدنق ونقاه وشرحه وفسحه ثم حشاه محبته

وإيمانه ويقينه لذلك خاطب أصحاب القلوب بخصائص ما أودع فيها.

قال القاسم: لمن كان له قلب حي والقى السمع إلى كل موعظة وذكر وهو شهيد

يشهد ربه بقلبه وروحه فيستفيد منه طرف الفوائد الموجودة في تلك المشاهدة.

قال ابن عطاء: قلب لاحظ الحق بعين التعظيم فدان وانقطع عما سواه وإذا لاحظ

القلب الحق بعين التعظيم لان وحسن.

قال أبو سعيد الخراز: قلب المؤمن رأس ماله وزاد المريد موضع نظر الحق.

وقال بندار بن الحسين: القلب مضغة وهو محل الأنوار وموارد الزوائد من الخيار

وبها يصح الاعتبار جعل القلب للأسر أميرا فقال: { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب } ثم جعله لربه أسيرا فقال: { يحول بين المرء وقلبه }.

سمعت محمد عبد اللّه الرازي يقول: سمعت أبا بكر محمد بن موسى رحمة اللّه

عليه يقول: خلق اللّه الخلق فجعل الأنبياء للمشاهدة لقوله: { أو ألقى السمع وهو شهيد }

فحقيقة المشاهدة هؤلاء الأنبياء.

وقال بعضهم: { أو ألقى السمع وهو شهيد } قال حاضر القلب.

وقال ابن سعيد الخراز: { أو ألقى السمع } لا يستمع القرآن وهو أن يسمعه كان النبي

صلى اللّه عليه وسلم يقرأ عليه ثم يترقى عن ذلك كأنه يسمعه من جبريل وقراءته في النبي

صلى اللّه عليه وسلم

لقوله: { نزل به الروح الأمين } ثم يرقى كأنه يسمعه من الحق: { وننزل من القرآن ما هو شفاء } وهذا تأويل قوله: { أو ألقى السمع وهو شهيد }.

وقال جعفر في قوله: { لمن كان له قلب } قال: إذا هم عوقب القلب على المكان

ولا يعرفه إلا العلماء باللّه.

سمعت الحسين بن يحيى يقول: سمعت ابن عيون الضراب يقول: قال الحارث بن

أسد المحاسبي: سمى القلب قلبا لأنه يتقلب في الأمور وإنما جعل مصدره الصدر لأنه

تصدر منه العلوم.

وقال بعض الحكماء: القلب قلب كما سمى مسميه إذا سمى وعلا تمت معانيه.

٣٨

قوله تعالى: { وما مسنا من لغوب } الآية: ٣٨

قال الحسين: الحق المنشأ بلا عناء ولا لغوب أظهر وأخفى وأوجد وافقد وأبقى وأفنى وقرب وبعد، ظهر من غير ظهور وبطل من غير بطلان أمر بالطاعة من غير حاجة ونهى عن المعصية من غير كراهية أثاب لا لعوض عاقب ولا لحقد، اظهر الربوبية عن غير افتخار احتجب عن خلقه بخلقه لا مقصر عنه ولا عابه ورآه لا يذكر بالأزمان والأوان جل ربنا وتعالى.

٤٥

قوله تعالى: { وما أنت عليهم بجبار } الآية: ٤٥

قال بعضهم: بمجبر لهم على الطاعة والإيمان.

قوله تعالى: { فذكر بالقرآن من يخاف وعيد } الآية: ٤٥

قال أحمد بن حمدان: لا يتعظ لمواعظ القرآن إلا الخائفون على ايمانهم وإسلامهم وعلى كل نفس من أنفاسهم لأنهم في محل البعد والهلاك قال اللّه تعالى: { فذكر بالقرآن من يخاف وعيد }.

ذكر ما قيل في سورة الذاريات

﴿ ٠