سورة الذاريات

بسم اللّه الرحمن الرحيم

٥-٦

٦ ، قوله تعالى: { إنما توعدون لصادق وإن الدين لواقع } الآية: ٥

قال بعضهم: إن ما توعدون من الوقوف والحسنات والمجازات لصادق وإن الدين أي الحساب لواقع عليكم أي لنازل بكم.

٩

قوله تعالى: { يؤفك عنه من أفك } الآية: ٩

قال فارس: يدفع عن الحق عند الحق اللقاء من دفع عند الحكم والقضاء.

١٥

قوله تعالى: { إن المتقين في جنات وعيون } الآية: ١٥

قال سهل: المتقي في الدنيا في جنات الرضا يتقلب وفي عيون الأنس يسبح.

١٧

قوله تعالى: { كانوا قليلا من الليل ما يهجعون } الآية: ١٧

قال سهل: لا يغفلون عن الذكر في حال.

قال بعضهم: ذاقوا حلاوة الأنس في الذكر فتهجدوا وهجروا النوم وقاموا له آناء الليل والنهار طالبين مرضاته مطلعين إلى ما يرد عليهم من زوائد مناجاتهم وفوائدهم.

قال محمد بن المنكدر: كابدت صلوات الليل عشرين سنة وتنعمت بها عشرين سنة.

وقال بعضهم: أفضل الأعمال اتباع السنن ومن السنن الجليلة قيام الليل فإنه خلوة باللّه والمناجاة معه لذلك حكى عن بعض السلف أنه قال: كذب من ادعى محبتي إذا جنة الليل نام عني أليس كل محب يحب خلوة حبيبه أنا ذا مطلع على أحبابي أناديهم ألا من مجيب.

١٩

قوله تعالى: { وفي أموالهم حق للسائل والمحروم } الآية: ١٩

قال بعضهم: الحق في أموالهم أن لا يبخلوا منها بالحقوق. وقال السائل: المفصح والمحروم: المعرض.

٢٠

قوله تعالى: { وفي الأرض آيات للموقنين } الآية: ٢٠

قال سهل: للعارفين باللّه يستدلون بها على معروفهم.

قال أبو بكر الوراق: الموقن يتيقن والمؤمن يشاهد بحذر والمرتاب يضطرب والموقن

يعزم والمرتاب يتمنى والموقن يمضي والمرتاب يتربص.

قال بعضهم: أراه رؤية الحجة دون رؤية الفضل. ومن لا يريه اللّه لا يرى.

قال يحيى بن معاذ: من ذكر انه من الموقنين ثم لم يكن فيه ثلاث خصال فهو من

الكذابين الصبر والقناعة والورع.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه في هذه الآية: كلما وقع بصره على شيء رأى الصانع

القائم به الصانع المقوم له به بهجة الخضر حلاوة الثمار وأنتم لا ترون إلا كسوتها.

٢١

قوله تعالى: { وفي أنفسكم أفلا تبصرون } الآية: ٢١

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: تعرف إلى قوم بصفاته وأفعاله وهو قوله: { وفي أنفسكم أفلا تبصرون } وتعرف إلى الخواص في ذاته فقال: { ألم تر إلى ربك كيف مد الظل }.

قال بعضهم في قوله: { وفي أنفسكم أفلا تبصرون } فمن لم يبصرها ولم يعرفها

أضاع حظه منها.

قال بعضهم: أي علامات ودلالات في الحق لمن أيقن الحق حيث يعرفه الحق.

قال الحسين: إذا عرج على نفسه بأن نفسه لنفسه ومن لم يعرج على حملته كان

مجشما له بين خلقه لخلقه وكان كأن لم يزل خوطب بلسان الأزل وجميع نعوته عدم

بقوله: بلى فكان المخاطب لهم والمجيب عنهم بلى هم.

سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم البزار يقول: قال ابن عطاء في

قوله: { وفي أنفسكم أفلا تبصرون } إنكم لا تدركونها وكيف تدركون من له السماوات

ومشيئته نافذة في كل شيء.

قال أبو الحسين: العبد يعرف نفسه على قدر حضوره واستعماله للعلم وعلى قدر

رجوعه إلى اللّه نعمه وفضله وكلياته إذ ذاك ينجو من الاستدراج.

وقال الواسطي رحمة اللّه عليه: في كتاب إلى أهل بلخ إن اللّه تعالى ذكره بدأ الخلق

بلا مشير وصورهم بلا تفكير وقدر أمورهم بأحسن التقدير فوقت الأوقات وقدر

الأقوات وانبتهم من الأرض نباتا ابتدأهم نطفا ثم انشأهم إنشاء ثم نقلهم من طبق إلى

طبق وجعلهم مضغا بعد العلق ثم جعلهم بعد المضغة لحما ثم كسى العظم لحما ثم

أنشأناها خلقا آخر ثم شقق فيه الشقوق وخرق فيه الخروق وأمرج فيه العصب ومد فيه

القصب وجعل العروق السائرة كالأنهار الجارية بين القطع المتجاورة وألبسه جلدا ومده

عليه مدا ثم أولج الروح في الجسد فإذا الجوارح سليمة والقامة مستقيمة وإذا هو بعد أن

كان مواتا حيا وبعد أن لم يكن شيئا فشيئا متحركا بعد السكون في رقة ولين بين احشاء

متحركة وضلوع متسقة ولهوات في فم يجد منها كل مطعم وانف وخيشوم يأخذ بها كل

منسوم أيد بلسان ناطق يشهد انه ليس من صنع الخلائق حكمة إلا أظهرها الحكيم ثم

قال: { وفي أنفسكم أفلا تبصرون } فهذه عبرة أهل الافتكار والبصيرة والأفكار

والحكمة والإتقان.

٢٢

قوله تعالى: { وفي السماء رزقكم وما توعدون } الآية: ٢٢

قال يحيى بن معاذ: الأرزاق على ثلاثة أوجه رزق طلبه فرض وهو الجنة، ورزق

طلبه جهل وهو الغذاء لا يعدو صاحبه فيه ولا يفوته، ورزق طلبه فضل وهو فضول

الدنيا يشتري بها الجنة.

قال القاسم: { ما توعدون } من الفناء والبقاء والهداية والضلالة والهلاك والعقوبة.

قال إبراهيم بن شيبان: { وفي السماء رزقكم وما توعدون } من الفناء.

قال بعضهم: أي من السماء ينزل رزقكم ولا ينزل إلا بإذنه ولا يثبت إلا بإذنه وما

توعدون من الوعد والوعيد في كل شيء اطلبوا الرزق من السماء ولا تطلبوا من عند

غيره من المخلوقين.

قال الجنيد رحمة اللّه عليه: علامة المتقين ترك الاهتمام بما تكفل اللّه لهم من الرزق.

٢٣

قوله تعالى: { هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين } الآية: ٢٤

قال ابن عطاء: ضيف الكرام لا يكون إلا كريما فلما نزلوا بإبراهيم عليه السلام وكان

سيد الكرام سماهم المكرمين.

وقال جعفر: مكرمين حيث أنزلهم بأكرم الخليقة وأطهرهم وأشرفهم نفسا وأعلاهم

همة وهو الخليل صلى اللّه عليه وسلم.

قالوا أبو يعقوب السوسي: ما تكلف لهم ولا اعتذر إليهم وهذا من أخلاق الكرام.

وقال بعضهم: استبشرهم لما رآهم كما قيل من إكرام الضيف طلاقة الوجه.

٢٦

قوله تعالى: { فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين } الآية: ٢٦

قال أبو العباس الدينوري: تعجيل الغداء من المروءة ألا ترى اللّه كيف حكى عن

إبراهيم صلى اللّه عليه وسلم: { فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين }.

٤٩

قوله تعالى: { ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون } الآية: ٤٩

قال لينظر الموحد إلى الاعتبار شيئا فيراها أزواجا مثاني وأربعا فيفر منها ويرجع إلى

الواحد الأحد ليصح له التوحيد بذلك.

قال أبو سعيد الخراز: اظهر معنى الربوبية والوحدانية بأن خلق الأزواج لتخلص له

الفردانية.

قال أبو عثمان في قوله: { ففروا إلى اللّه إني لكم منه نذير مبين } داع إلى الباطل

والهوى حتى يوقع في الشر، والنفس امارة بالسوء تتمنى الشهوات وتدخل الشبهات

للحرص على الشهوات.

٥٠

قوله تعالى: { ففروا إلى اللّه } الآية: ٥٠

قال سهل: فروا مما سوى اللّه إلى اللّه ومن سخطه إلى رضوانه وفروا من المعصية

إلى الطاعة ومن الجهل إلى العلم ومن عذابه إلى رحمته.

قال محمد بن حامد: حقيقة الفرار إلى اللّه ما روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال:

' والجأت

ظهري إليك '. وما روى عنه في خبر عائشة أنه قال: ' أعوذ بك منك ' فهذا غاية

الفرار منه إليه.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: { ففروا إلى اللّه } معناه لما سبق لهم من اللّه لا إلى

علمهم وحركاتهم أنفسهم كما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم ' أعوذ بك منك '.

قال بعضهم: { ففروا إلى اللّه } اهربوا إليه والمعنى اخرجوا من أنفسكم فإن مونتها

عظيمة عليكم فإنها مأوى كل سوء.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: فروا إلى اللّه عز وجل من رؤية الاكتساب واجتلاب

قواك وفعلك.

وقال بعضهم: من فر من نفسه فلينظر إلى أحد يصل إليه إلا من يفر من نفسه.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: علم العلماء ونسب المنتسبين لا ينفع عندما سبق من

السوابق فلا نسب اشرف من نسب من خلقه اللّه بيده فلم يعصمه ولا علم ارفع من علم

من علمه الأسماء كلها ولا عبادة اجهل من عبادة إبليس لم ينفع ذلك مما سبق بل الفرار

إليه مما ينفع لأنه يقول: { ففروا إلى اللّه } ففروا حينئذ من اللّه إلى اللّه بأجمعهم على ما

امرهم اللّه لا إلى أعمالهم ولا إلى علومهم ولا إلى أنسابهم ولا إلى أنفسهم كما قال عليه السلام: ' أعوذ بك منك '.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: عند التذكر أمر بالفرار إليه لم يكن للجسد اكتساب

الروح ولم يكن للروح أن يكسب الجسد عجزا وضعفا قال: { ففروا إلى اللّه } عن رؤية

الاكتساب فإنه اجتلاب قول وفعل وهما شيئان الروح والعقل فالروح لا يسري إلى

الروح والعقل لا يتهيأ له أن يدفع عن العقل مكروها.

سئل بعضهم عن قول النبي صلى اللّه عليه وسلم: ' سافروا تغنموا وصوموا تصحوا '.

قال: سافروا إلينا تجدونا في أول القدم ثم قرأ: { ففروا إلى اللّه }.

٥٤

قوله تعالى: { فتول عنهم فما أنتم بملوم } الآية: ٥٤

قال سهل: اعرض عنهم فقد جهدت بالإبلاغ.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: ذرهم إلى ما سبق عليهم في الأزل من السعادة

والشقاوة وإسقاط الملامة عن نبيه صلى اللّه عليه وسلم لما نصح وجهد وعانى بقوله: *

(فتول عنهم فما أنت بملوم }.

قال ابن عطاء: ارجع إلينا فما قصرت فيما أمرت.

٥٥

قوله عز وعلا: { وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين } الآية: ٥٥

قال جعفر الصادق: يعني يا محمد ذكر عبادي جودي وكرمي وآلائي ونعمي وما

سبق من العناية القديمة بالإيمان والمعرفة واليقين والتوفيق للطاعة والعصمة عن المعاصي.

قال جعفر: كل من ذكر اللّه فإن نسي ذكره كان مجهولا عن ذكره واللّه تعالى ذكره أحديته وأزليته ومشيئة وقدرته وعلمه لا يقع عليه النسيان والجهل لأنهما من صفات البشرية وكل من ذكر اللّه فبذكره له يذكره.

قال ابن عطاء: الذكرى لموعظة والموعظة للعوام والنصيحة للإخوان والتذكرة

للخواص فرض افترضه اللّه على عقلاء المؤمنين ولولا ذاك لبطلت السنة وتعطلت الفرائض.

٥٦

قوله عز وعلا: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } الآية: ٥٦

قال محمد بن حامد: علامة العبودية خمسة:

أولها: أن يقيم بجهده على صحة عزيمته.

والثاني: أن لا يميل بقلبه عن صحة إرادته وحسن زينته.

والثالث: أن يعرف

ما في ضميره من عيوبه فيداويها.

والرابع: أن يفهم ما عاتبه ربه. فيرجع إلى ربه بما

عاتب في قوله: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }. قال: إلا ليعرفون ثم

ليعبدون على بساط المعرفة ليتبرؤا من الرياء والسمعة.

قال ابن عطاء: لا يعرفون ولا يعرفه حقيقة من وصفه بما لا يليق به سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت محمد بن موسى الواسطي رحمة اللّه عليه يقول: إن اللّه تعالى

خلق الدنيا إظهارا لقدرته وخلق الآخرة جزاء لخلقه ورفع السماء تبيانا لملكه ونصب

الجبال تعظيما لجبروته ومد الأرض إعلاما ببطشه وأجرى الأنهار إخبارا برأفته وخلق

الجنة لأوليائه بيانا لفضله وخلق النار لأعدائه اظهارا لعدله وخلق الأنبياء تأكيدا لحجته

وخلق ما في الدنيا إظهارا لبره ولطفه واستشهادا لربوبيته وكبريائه ثم قال: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }.

وقال الجنيد رحمة اللّه عليه: الزمهم دوام العبادة وضمن لهم عليها في العاجل

الكفاية وفي الآخرة جزيل الثواب.

٥٨

قوله تعالى: { إن اللّه هو الرزاق ذو القوة المتين } الآية: ٥٨

قيل لحاتم الأصم على ماذا شبست زهدك؟ قال: على أربع أشياء علمت اني لا أخلو

من نظره طرفة عين فاستحييت أن اعصيه وعلمت أن لي رزقا لا يجاوزني وقد ضمن لي

الرزاق ذلك بذلك فوثقت فيه وقعدت عن طلبه وعلمت أن لي فرضا لا يؤديه غيري

فاشتغلت به وعلمت أن لي اجلا يبادرني فبادرته.

قال بعضهم: اعتبروا كيفية الأرزاق باللبيب الطالب وحرمانه والطفل العاجز وتواتر

الأرزاق عليه لتعلموا أن الرزق طالب وليس بمطلوب فإن اللّه هو الرزاق ذو القوة المتين.

ذكر ما قيل في سورة الطور

﴿ ٠