سورة النجمبسم اللّه الرحمن الرحيم ١قوله تعالى: { والنجم إذا هوى } الآية: ١ قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه: اقسم بنجوم المعرفة وضيائها وتجليها ونورها والاهتداء بها. قال جعفر: هو محل التجلي والاستتار من قلوب أهل المعرفة. سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم الإسكندراني يقول: سمعت أبا جعفر الملطي يقول عن علي بن موسى الرضى عن أبيه جعفر بن محمد رضي اللّه عنهم في قوله: { والنجم إذا هوى } اسرح منه الأنوار { والنجم } قلب محمد صلى اللّه عليه وسلم { إذا هوى } انقطع عن جميع ما سوى اللّه عز وجل. ٢قوله تعالى: { ما ضل صاحبكم وما غوى } الآية: ٢ قال جعفر: ما ضل عن قربه طرفة عين سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه يقول: { ما ضل } عن الرؤية طرفة عين. قال سهل: { ما ضل } عن حقيقة التوحيد قط ولا اتبع الشيطان بحال. ٣قوله تعالى: { وما ينطق عن الهوى } الآية: ٣ قال جعفر: كيف ينطق عن الهوى من هو ناطق بإظهار التوحيد وإتمام الشريعة وإيجاب الأمر والنهي بل ما ينطق إلا بأمر ولا سكت إلا بأمر وكان أمره قربة من الحق وكان نهيه أدبا وزجرا. قال الحسين: من عرف اللطائف علت اخطاره وجلت اقداره وكان الشيخ فتنة عليه. قال لصفيه { وما ينطق عن الهوى } اخذته النعوت مبتدلا في شواهد شعاعها فلا يهتم لآدم ومن دونه لفنائهم عنده ومن لبس الأولية بتيقنه وارتدى الآخرية بتودده ارتفع كل حدث عن صفاته وأحواله. ٤قوله تعالى: { إن هو إلا وحي يوحى } الآية: ٤ قال الواسطي رحمة اللّه عليه: الوحي للأنبياء دروب والوحي للعامة من الأولياء والرسل من الملائكة والثاني آداب نفوسهم من قوة الفهم { لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } لأن الوحي الهام { يومئذ تحدث أخبارها } والثالث: ما كان منه في المنامات وهو أعلى شيء له ليس لغير اللّه فيه معنى. ٨قوله عز وعلا: { ثم دنى فتدلى } الآية: ٨ قال جعفر: انقطعت الكيفية عن الدنو إلا ترى أن اللّه حجب جبريل عن دنوه ودنو ربه منه؟. وقال أيضا: { دنى } محمد صلى اللّه عليه وسلم إلى ما أودع في قلبه من المعرفة والإيمان { فتدلى } بسكون قلبه إلى ما أدناه وزال عن قلبه الشك والارتياب. قال القاسم: وقعت المواصلة فاشرف والإشراف هو المشاهدة وقال: { قوسين } موضع الاشكال إشكال ليتبين العارف ويهلك الجاحد. قال الواسطي رحمة اللّه عليه: { دنى } محمد صلى اللّه عليه وسلم { فتدلى } الحجاب حتى جاء إلى غيره من الحجاب فما زال الحجب تدلى عن محمد صلى اللّه عليه وسلم حتى وصل إلى ما أشار إليه من قوله: كان { قاب قوسين } التدلي التكشف. وقال: من توهم انه بنفسه دنى جعل ثم مسافة إنما التدلي انه كلما قربه بنفسه بعده من المعرفة إذ لا دنو للخلق ولا بعد فكلما دنى بنفسه من الحق تدلى بعدا فانقلب في الحقيقة خاسئا وهو حسير إذ لا سبيل اتاه مطالعة الحقيقة وأما الاخبار عن الفصل فإنه أخذه من اتاه واشهده إياه فكان في الحقيقة ذاته مشاهد ذاته في الاخبار أن محمدا صلى اللّه عليه وسلم شهده. ٩قوله عز وعلا: { فكان قاب قوسين أو أدنى } الآية: ٩ والدنو من اللّه لا حد له والدنو من العبد بالحدود. ١٠قوله عز وعلا: { فأوحى إلى عبده ما أوحى } الآية: ١٠ قال جعفر: { فأوحى إلى عبده ما أوحى } قال بلا واسطة فيما بينه وبين سره إلى قلبه لا يعلم به أحد سواه بلا واسطة إلا في العقبى حين يعطيه الشفاعة لأمته. قال الواسطي رحمة اللّه عليه في هذه الآية: ألقى إلى عبده ما القي ولم يظهر ما الذي أرجئ لأنه خص به وما كان مخصوصا به كان مستورا وما بعثه به إلى الخلق كان ظاهرا. قال الصادق: { دنى فتدلى * فأوحى إلى عبده ما أوحى }. قال: لما قرب الحبيب من الحبيب بغاية القرب نالته غاية الهيبة وألطفه الحق بغاية اللطف لأنه لا يحمل غاية الهيبة إلا غاية اللطف وذلك قوله: { فأوحى إلى عبده ما أوحى } أي ما كان وجرى وما جرى قال الحبيب للحبيب ما يقول الحبيب للحبيب وألطف به الطاف الحبيب لحبيبه واسر إليه ما يسر إلى حبيبه فاخفيا ولم يطلعا على سرهما أحدا سواهما فلذلك قال: { فأوحى إلى عبده ما أوحى } ولا يعلم ذلك الوحي الا الذي أوحى والذي أوحى إليه. ١١قوله تعالى: { ما كذب الفؤاد ما رأى } الآية: ١١ قال سهل رحمة اللّه عليه: { ما كذب الفؤاد ما رأى } البصر قال: هو في مشاهدة ربه كفاحا يبصره بقلبه. سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه: ما اعتقد القلب خلاف ما رأته العين. قال بندار بن الحسين: الفؤاد وعاء القلب فما ارتاب الفؤاد فيما رأى الأصل وهو القلب. سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم البزاز قال: قال ابن عطاء: ليس كل من رأى مكن فؤاده من إدراكه إذ العيان قد يظهر فيضطرب السر عن حمل الفؤاد عليه والرسول صلى اللّه عليه وسلم محمول فيها في فؤاده وعقده وحسه ونظره وهذا يدل على صدق صلابته وجملة فيما شوهد به. قال جعفر: لا يعلم أحد ما رأى إلا الذي أرى والذي رأى صار الحبيب إلى الحبيب قريبا وله نجيا وبه أنيسا { نرفع درجات من نشاء }. ١٢قوله تعالى: { أفتمارونه على ما يرى } الآية: ١٢ قال بعضهم: على ما يرى منا بنا وما يراه منا بنا أفضل مما يراه به منا. قال الواسطي رحمة اللّه عليه: أفتشكون على دنو مقامه منا وقربه فلا يشك في دنوه إلا من هو محجوب عن علو محله ومرتبته. ١٤قوله تعالى: { عند سدرة المنتهى } الآية: ١٤ قال الواسطي رحمة اللّه عليه: لم يسجد محمد صلى اللّه عليه وسلم عند سدرة المنتهى تعظيما للمحل ولما كان فيه من وجه الانبساط والدنو ويسجد في القيامة عند الشفاعة لأن ذلك موضع الحاجة والحاجة توجب التضرع فعوض على تلك السجدة فيما لا وزن له من الذرية. وقال أيضا: إلى سدرة المنتهى يبلغ كشف الهموم إلا لرجل واحد وهو الذي { دنا فتدلى) * مرة على سدرة المنتهى فما زاغ البصر وما طغى. قال الواسطي رحمة اللّه عليه: لم يسجد محمد صلى اللّه عليه وسلم عند سدرة المنتهى. قال سهل: لم يرجع محمد صلى اللّه عليه وسلم إلى شاهد نفسه ولا إلى مشاهدتها وإنما كان مشاهدا بكليته لربه عز وجل يشاهد ما يظهر عليه من الصفات التي أوجبت الثبوت في ذلك المحل. سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء لم يره بطغيان يميل بل رآه على شروط اعتدال القوى فلا شك فيه ولا امتراء. ١٨قوله تعالى: { لقد رأى من آيات ربه الكبرى } الآية: ١٨ قال سهل: { لقد رأى من آيات ربه الكبرى } فلم يذهب بذلك عن مشهوده ولم يفارق مجاوره معبوده. قال ابن عطاء: رأى الآيات فلم تكبر في عينه لكبر همته وعلو محله ولاتصاله بالكبير المتعال. وقال بعضهم: من الآيات ما لو رآها غيره لكبر في عينه وعظم ولكنه لتمام تمكينه لم يستكبر كبيرا ولم يعر طرفه شيئا { ما زاغ } عن قصده { وما طغى } عن يقينه. قال ابن عطاء: رأى من آيات ربه الكبرى فهرب منها والتجئ حتى أدنى من محل الرؤية فشكر. وقال جعفر: شاهد من علامات المحبة ما كبر عن الإخبار عنها. ٢٣قوله تعالى: { إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس } الآية: ٢٣ قال الجنيد: رأيت سبعين عارفا قد هلكوا بالتوهم أي توهموا انهم عرفوه وهو قوله: { إن يتبعون إلا الظن }. قال الشبلي: من تحقق في حقيقة الحق فهو نفس الحقيقة لأن اللّه يقول: { إن يتبعون إلا الظن }. ٢٤قوله تعالى: { أم للإنسان ما تمنى } الآية: ٢٤ قال الحسين رحمة اللّه عليه: الاختيار طلب الربوبية والتمني الخروج من العبودية وسبب عقوبة اللّه عباده ظفرهم بمنيهم. ٢٩قوله تعالى ذكره: { فأعرض عن من تولى عن ذكرنا } الآية: ٢٩ قال بعضهم: ضيع وقته من اشتغل بموعظة طالبي الدنيا والراغبين فيها لأن أحدا لا يقبل على الدنيا إلا بعد الاعراض عن اللّه قال اللّه تعالى: { فأعرض عن من تولى عن ذكرنا }. ٣٢قوله تعالى: { الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش } الآية: ٣٢ قال ذو النون. ذكر الفاحشة من العارف كفعلها من غيره. قوله تعالى: { إن ربك واسع المغفرة } الآية: ٣٢ { واسع المغفرة } لمن استغفره ورأى تقصيره بالقيام بواجب أمره. قوله تعالى: { هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض } الآية: ٣٢ قال جعفر: أعلم بكم لأنه خلقكم وقدر عليكم السعادة والشقاء قبل إيجادكم فإنكم ستقبلون في ما جرى عليكم في السبق من الأجل والرزق والسعادة والشقاوة ولا تستجلب الطاعات سعادة ولا المخالفات ولكن سابق المقدور هو الذي يحتم بما بدأ به. قوله تعالى: { فلا تزكوا أنفسكم } الآية: ٣٢ قال أبو عثمان رحمة اللّه عليه: من علم أين هو وإلى أين هو في الوقت علم أنه ليس بمحل التزكية ومع هذا هو مخاطب بقوله: { فلا تزكوا أنفسكم } وبماذا يزكى نفسه أبأخلاقه أم أفعاله أم أقواله أم أحواله؟ كلا لكن نفسه هي الأمارة بالسوء التي إلى أي جانب أبصر رأى نقص الرق وذل العبودية. ٣٧قوله تعالى: { وإبراهيم الذي وفى } الآية: ٣٧ قال: خرج من نفسه فيما تحمل خفض محنه فشاهد المحن كلها نعمة في جنبه ومشاهدته. قال ابن عطاء رحمة اللّه عليه: وفى بأربعة أشياء نفسه للنيران وقلبه للرحمن وولده للقربان وماله للإخوان. قال جعفر: معاينة الصدق والوفاء في كل حال وفعل. قال اللّه: { وإبراهيم الذي وفى }. سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم قال: وفى بتسليم المال والولد والروح للّه في الدنيا في نفسه بحفظها حين ألقى في النار وبولده حين بطحه للذبح بقوله: { وفديناه بذبح عظيم }. ٣٩قوله تعالى: { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } الآية: ٣٩ قال الواسطي رحمة اللّه عليه: ليس للإنسان إلا ما جحد من سعيه وتبرأ منه. وقال ابن عطاء: ليس له من سعيه إلا ما نواه إن كان سعيه لرضا الرحمن فإن اللّه يرزقه الرضوان وإن كان سعيه للثواب والعطاء والاعواض فله ذلك. قال محمد بن عيسى الهاشمي: أقرب الطريق من السلامة معرفة المرء بنفسه ومنعها من شهواتها لأنها أكثر سعيها. قال النصرآباذي: سعى الإنسان في طريق السلوك لا في طريق الحقيقة فإذا تحقق سعى به ولا يسعى هو بنفسه وأنشد: * الطرق شتى وطريق الحق منفرد * والسالكون طريق الحق أفرادا * سمعت النصرآباذي يقول: ساع يسعى في طريق ليرى فيه المملكة وساع يسعى في طريق ليشهد فيه الملك فشتان ما بين السعيين وأنشد: * أيا وجه من اهوى جعلت لك الفدا * متى نلتقي في مجلس أنت واحدا * قال أبو بكر الوراق في قوله: { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } ذلك في بداياتهم { وأن سعيه سوف يرى } في توسط أمورهم { ثم يجزاه الجزاء الأوفى } وذلك في نهاياتهم { وأن إلى ربك المنتهى } وذلك عن فناء العبد من إرادته وصفاته { وأنه هو أضحك وأبكى } النشوء الثاني. ٤٠قوله تعالى: { وأن سعيه سوف يرى } الآية: ٤٠ قال الواسطي رحمة اللّه عليه: إنه لم يكن مما يستجلب به شيئا من الثواب. وقال أبو حفص: من نظر إلى آفات عمله والتقصير في مواجبه كره أن يذكر به وانف عن أن ينسب ذلك إلى نفسه أو ينسب إليه ذلك. قال سهل: سوف يرى سعيه فيعلم انه لا يصلح للحق ويعلم ما الذي يستحق لسعيه وانه لو لم يلحق فضل ربه لهلك سعيه. ٤٢قوله تعالى: { وأن إلى ربك المنتهى } الآية: ٤٢ قال ابن عطاء: إذا وصل العبد إلى معرفة الربوبية تنحرف عنه كل فتنة ولا يكون له مشيئة غير اختيار اللّه له. قيل للحسين: ما التوحيد؟ فقال: أن يعتقد انه مع الكل بقوله: { هو الأول } عند ذلك يطلب المعلولات منه الابتداء إليه والانتهاء قال اللّه: { وأن إلى ربك المنتهى } ذهبت المعلولات وبقى المعل لها { وأنه هو أضحك وأبكى) .* قال سهل: { أضحك } المطيع بالرحمة { وأبكى } العاصي بالسخط. قال بعضهم: { أضحك } الأشجار بالأنوار { وأبكى } عيون العارفين عن نظر العبرة وقيل { أضحك } قلوب العارفين بالحكمة { وأبكى } عيونهم بالحزن والحرقة. قال ابن عطاء: { أضحك } قلوب أوليائه بأنوار معرفته { وأبكى } قلوب أعدائه بظلمات سخطه. ٤٤قوله تعالى: { وأنه أمات وأحيا } الآية: ٤٤ قال القاسم: يميته عن ذكره وطاعته ويحييه بذكره وطاعته ثم لا يعذرهم. قال ابن عطاء: أمات بعدله وأحيا بفضله. قال النصرآباذي: يميت بالاستتار ويحيي بالتجلي. قال جعفر: أمات بالإعراض عنه وأحيا بالمعرفة به وقال: أمات النفوس بالمخالفة وأحيا القلوب بأنوار الموافقة. ٤٨قوله تعالى: { وأنه هو أغنى وأقنى } الآية: ٤٨ سمعت عبد اللّه بن محمد الرازي يقول: سمعت إسحاق بن إبراهيم بن أبي حسان الأنماطي يقول: سمعت أحمد بن الحواري يقول: سمعت سفيان بن عيينة يقول: في قوله: أغنى وأقنى وأرضى. قال الجنيد في قوله: { وأنه هو أغنى وأقنى } قال: اغنى قوما به وافقر قوما عنه. ٥٧قوله تعالى: { أزفت الآزفة } الآية: ٥٧ قال الواسطي رحمة اللّه عليه في هذه الآية: هو الذي أوجب الحواس عن الدعاء والثناء والالتماس واذهب المطالعات والمشاهدات. سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء في قوله: { أزفت الآزفة } قال: قرب الأمر القريب. ذكر ما قيل في سورة القمر |
﴿ ٠ ﴾