سورة الرحمن

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

قوله تعالى: { الرحمن علم القرآن } الآية: ١

قال بعضهم: علم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة وعلم محمدا القرآن وعرضه على نفسه فقال: فيما يختصم الملأ الأعلى يعني الملائكة.

وقال بعضهم: علم الروح القرآن قبل الجسد، فالأجساد أخذت القرآن وتعلمته تبعا للأرواح.

وقال الواسطي رحمة اللّه عليه: أورثهم تعليم الحق إياهم الاصطفائية وهو انه لما كان الحق معهم أجيز عنهم فقال: { أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا } أي أورثنا القرآن من خصصناهم بتعليمنا ومن ذلك قوله: { ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم } بأن تولى الحق تعليمهم. وقال أيضا: { الرحمن علم القرآن } ذكر بلفظ الماضي عناية ودعاية.

وقال ابن عطاء: لما قال اللّه تعالى: { وعلم آدم الأسماء كلها } أراد أن يخص أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم بخاصية مثله فقال: { الرحمن علم القرآن } أي الذي علم آدم الأسماء وفضله بها على الملائكة هو الذي علمهم القرآن وفضلكم به على سائر الأمم فقيل له:

متى علمهم؟ قال: علمهم حقيقة في الأزل واظهر عليهم تعليمه وقت الايجاد والتعليم حيث كان في جملة العلم فلما كشف العلم عن الإيجاد اظهر عليهم آثار التعليم.

قال الحسين: الرحمن علم الأرواح القرآن شفاها ومخاطبة فأخذته الأنفس وتعلمته بتلقين الوسائط.

وقال بعضهم في قوله: { الرحمن علم القرآن } هو تفسير قوله: { وعلمك ما لم تكن تعلم }.

٣

قوله تعالى: { خلق الإنسان علمه البيان } الآية: ٣

قال الجنيد رحمة اللّه عليه: خص آدم بأن خلقه بيده ونفخ فيه من روحه واسجد له الملائكة وهو تخصيص الخلقة.

قال سهل في قوله: { علمه البيان } أي الكلام الذي هو ذهن الخلق ونفس الروح فهم العقل وفطنة القلب وعلم النفس الطبع.

قال الواسطي رحمة اللّه عليه: { خلق الإنسان علمه البيان }.

قال: كاشف روحه قديما والبيان لا يكون إلا بكشف ما تقدم وهو كشف ذلك التعليم الذي سبق.

وقال الجنيد: خلق الإنسان جاهل به فعلمه السبيل إليه.

وقال الواسطي رحمة اللّه عليه: الإنسان شيئان ذكر وفكر فإن كان ذكره وفكره إلى حظ نفسه انقطع عن اللّه وإن كان ذكره وفكره للّه وباللّه اتصل باللّه وصفت حسوسه وتفتت من المزاج والكدر وبقى بصفاء قلبه ناظرا إلى ملكوت ربه كلما ازداد فكرا أو ذكرا زاد قربا وعلما.

٩

قوله تعالى: { وأقيموا الوزن بالقسط } الآية: ٩

قال ابن عطاء: اظهر الوحدانية بصدق الظاهر وصفاء الباطن وحقيقة السر واستقامة العزيمة وقال: كن لي صرفا أكن لك حقا.

١١

قوله تعالى: { فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام } الآية: ١١

قال جعفر: جعل الحق قلوب أوليائه رياض انسه فغرس فيها أشجار المعرفة أصولها نابتة في أسرارهم فروعها قائمة بالخضرة في المشهد فهم يجنون منها ثمار الأنس في كل أوان وهو قوله: { فيها فاكهة والنخل ذات } أي ذوات ألوان كل يجتنى منها لونا على قدر سعيه وما كشف من بوادي المعرفة وآثار الولاية.

١٧

قوله تعالى: { رب المشرقين ورب المغربين } الآية: ١٧

مشرق القلب ومغربه ومشرق اللسان ومغربه.

قال بعضهم: مشرقه توحيده ومغربه مشاهدته ورب المشارق الجوارح المستعملة بالإخلاص ومغاربها الطاعة للّه بالسنة.

١٩

قوله تعالى: { مرج البحرين يلتقيان } الآية: ١٩

قال سهل: البحرين هما أوامر الخير وأوامر الشر بينهما برزخ لا يبغيان وهو العصمة والتوفيق.

سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: في قوله: { مرج البحرين يلتقيان } قال: بين العبد وبين الرب بحران عميقان أحدهما بحر النجاة وهو القرآن من تعلق به نجا لأن اللّه تعالى يقول: { واعتصموا بحبل اللّه جميعا } وبحر الهلاك وهو الدنيا من ركن إليها هلك.

٢٦

قوله تعالى: { كل من عليها فان } الآية: ٢٦

سمعت جعفر بن محمد الخواص يقول: سئل الجنيد رحمة اللّه عليه عن قوله:

{ كل من عليها فان } فقال: من كان بين طرفي فناء فهو فان.

قال ابن عطاء: من كان مقيما على اتباع هواه فهو فان هالك من حيث لا يشعر.

سئل بعضهم عن علم الفناء والبقاء قال: هو علم فناء الدنيا وزوالها وبقاء الآخرة ودوامها دليله من القرآن قوله: { كل من عليها فان }.

٢٧

قوله تعالى: { ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام } الآية: ٢٧

قال الواسطي: الذي أخفى من شاهده للخاصة ولا يظهره للعوام فسئل أفرق بين الدارين؟ قال: نعم أعطاهم في الدنيا بما اظهر على السرائر وأعطاهم في الآخرة على الظواهر استتر في الدنيا بما اظهر من عجائبه واستتر في الآخرة بما اظهر على اقدارهم وهو الذي لا يطيق الخلق إخفاءه إلا على من تولاه بإسبال تغيبه عن شاهده.

٢٩

قوله تعالى: { يسأله من في السماوات والأرض } الآية: ٢٩

قال ابن عطاء: الغني على الحقيقة من استغنى عن الأكوان وما فيها وعن ما أبدا لهم

وعليهم من أحوالهم ونظر إلى الأكوان كلها على الاحتياج إليه والرجوع إلى بابه سائلين

محتاجين مظهرين لفقرهم وفاقتهم وحاجتهم وعجزهم فقال: { يسأله من في السماوات)

* القوة على العبادة وهم الملائكة ومن في الأرض الرزق والعافية وفي

حملتهم خواص شغلهم عن سؤاله واغناهم علمه بهم عن التعرض لهم بحال الناظرين

إليه بالأسرار الذين أخبر النبي صلى اللّه عليه وسلم عنهم بقوله جل ذكره: ' من شغله

ذكرى عن مسألتي

أعطيته أفضل ما أعطى السائلين '.

قال الواسطي: من سأل اللّه أعطاه سؤله على قدره ومن ابتدأه بالعطاء ابتدأه بما يليق

بفضله وجوده وكرمه قال اللّه تعالى: { حبب إليكم الإيمان } وقال النبي صلى اللّه عليه

وسلم يقول اللّه

عز وجل: ' أعطيتكم قبل أن تسألوني واستجبت لكم قبل أن تدعوني '.

قوله تعالى: { كل يوم هو في شأن } الآية: ٢٩

قال أبو سليمان الداراني في هذه الآية: معناه كل يوم إلى عبيده بر جديد.

وقال: هو ايصال نعمه إليك ودفع ضره عنك فلم تغفل عن طاعة من لا يغفل عن

برك؟

قال القاسم: ومن عجائب شأنه إخفاء اماراته وعلاماته فيها ويظهرها وقتا ويغفلها

وقتا ويوقظها وقتا.

قال الواسطي: تغييب ظاهر وإظهار غائب وقال: سوق المقادير إلى أوقاتها. وقال في

قوله: { كل يوم هو في شأن } يعني شأن الخلق فإذا سألت لك أمرا منهم ومن الذين هو

في شأنهم أنشأتك مرضيا عنده فتشربه وقد رضيت بما اختار لك ربك. مما يسوق إليك

في أوقاتك من قضائه وقدره مرضى بقي بلا جواب لأن ذلك من علم الغيب.

سمعت أحمد بن جعفر بن مالك يقول: سمعت الجنيد يقول: يا من هو كل يوم في

شأن اجعلنا في بعض شأنك.

٣١

قوله تعالى: { سنفرغ لكم أيها الثقلان } الآية: ٣١

قال ابن عطاء: الأشغال منفى عن الحق ومعناه انه لا يتم شغله إلا بمعونته ولا يكمل

شيء من ذلك إلا بتقديره وتدبيره.

٣٦

قوله تعالى: { ولمن خاف مقام ربه جنتان } الآية: ٤٦

قال بعضهم: هو المقام الذي يقوم بين يدي ربه يوم القيامة عند كشف الستور وإظهار

حقائق الأمور وسكوت الكل من الأولياء والأنبياء وظهور القدرة والجبروت.

وقال البصري: الخوف على ثلاثة أوجه خوف في الدين وهو خوف العامة وخوف

عارض عند تلاوة القرآن وخوف مزعج ينخل القلب والبدن وهو الخوف الحقيقي.

وقال أيضا: شيئان مزعجان الخوف المزعج والشوق المقلق.

قال ذو النون رحمة اللّه عليه: علامة خوف اللّه أن يؤمنك خوفه في كل خوف.

وقال بعضهم في قوله: { ولمن خاف مقام ربه جنتان } قال: ذلك عند الهم بالمعصية

وعند مباشرة الطاعات.

٥٦

قوله تعالى: { فيهن قاصرات الطرف } الآية: ٥٦

قال سهل: من قصر طرفه في الدنيا عن الحرام، والشبهات، وعن اللذات وزينتها،

أعطاه اللّه في الآخرة قاصرات الطرف التي وعد.

٦٠

قوله تعالى: { هل جزاء الإحسان إلا الإحسان } الآية: ٦٠

سمعت منصور بن عبد اللّه يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول: سمعت إبراهيم الخواص يقول في قوله: { هل جزاء الإحسان إلا الإحسان } قال: هل جزاء الإسلام إلا دار السلام والسلامة من المخاوف اجمع وهل جزاء الطاعات الا الدرجات وهل جزاء الشكر ورؤية المنة إلا الزيادة والرؤية وهل جزاء من ترك الكفر إلا التحقق له في الإيمان وهل جزاء من ترك الدنيا إلا الآخرة وهل جزاء من ترك الأنس بالمخلوقين إلا أن يوصل إلى محل الأنس بربه وهل جزاء من انقطع بنفسه إلا وجود القلب مع اللّه. وهل جزاء من صبر مع اللّه إلا الوصول إليه وهل جزاء من خاف في الدنيا إلا الأمن في العقبى وهل جزاء من آمن وعمل صالحا مخلصا إلى البشرى عند الموت.

وقال الجنيد: هل جزاء من ترك الكل لنا وفينا إلا أن يكون عوضه عن الكل.

وقال بعضهم: هل جزاء من أحسن إليك إلا أن تحسن بينك وبينه لأن اللّه يقول: { وبشر المحسنين }.

وقال بعضهم: هل جزاء من وفق للإحسان إلا الإحسان إليه، وهل جزاء من عاملنا على المشاهدة في دنياه إلا أن نكرمه بالنظر الينا في دار السلام واصله قول النبي صلى اللّه عليه وسلم: ' اعبد اللّه كأنك تراه '.

سمعت النصرآباذي يقول: محسن يرى الإحسان من نفسه ومحسن يرى الإحسان من المحسن ورؤية الإحسان من النفس على رؤية المنة حسن ورؤية المحسن أحسن، فإن قيل: متى أحسن إليهم؟ فقل: حين لا متى، لذلك قيل في الدعاء: يا قديم الإحسان.

وقال ابن عطاء: هل جزاء الهداية والتقرب إلا الانقطاع عما دونه والفخر به.

وقال عبد العزيز المكي: ليس للتائب من الكريم اللطيف إلا المغفرة والرحمة والزلفى والترحيب.

وقال جعفر: هل جزاء من أحسنت إليه في الأزل إلا حفظ الإحسان عليه إلى الأبد.

وقال بعض الحكماء: الإحسان في ثلاثة أشياء

الإحسان في أن تعبده ولا تشرك به

والثاني أن تعمل له على المشاهدة كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك

والثالث أن تسرع إلى أوامره وتتباعد عن مناهيه.

وقال بعضهم في قوله: { هل جزاء الإحسان إلا الإحسان } قال: هل جزاء الطاعات إلا الدرجات وهل جزاء الإسلام إلا دار السلام والسلامة من المهالك وهل جزاء المتقين إلا الرؤية وهل جزاء من انقطع عن الأنس بالمخلوقين إلا الأنس باللّه وهل جزاء من غاب عن نفسه إلا وجود القلب مع اللّه.

قوله تعالى: { فيهن خيرات حسان } الآية: ٧

قال ابن عطاء: أحل الخيرات في الجنة أنها محل القربى وتصديق بالوعد ومحل الإيجاب والرضا للعبيد من ربهم كما روى في الخبر أن اللّه عز وجل يقول لأهل الجنة أحل لكم داري وانالكم كرامتي.

٧٢

قوله تعالى: { حور مقصورات في الخيام } الآية: ٧٢

قال يحيى بن معاذ: التي لا يقدر أحد على حكايتها وتعمى عيون المبصرين عن بلوغ حسنها كأن السنة العشق تنطق بمنيات العقول عن وحيها وأنامل الأفراح المستبصرين تضرب بدفوف الفتن في صورتها معشوقة لو رآها الخلق لتحيروا فيها التي قال اللّه تعالى: { حور مقصورات في الخيام }.

قوله تعالى: { تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام }.

قال بعضهم: تبارك ربك أي جل ربك وتنزه وعظم قدره عما يقول الملحدون المبطلون جميعا لأن كل مثن يثنى عليه بقدره وكل ذاكر يذكره على قدر طاقته وطبعه وعلمه وفهمه والحق تعالى ذكره خارج عن أوهام الآدميين لأن الثناء والمعارف دون الغايات فسبحانه وتعالى عما أثنى عليه غيره ولا وصفه بما يليق به سواه عجزا إلا الأنبياء جميعهم عن ذلك حتى قال اجلهم قدرا وأعلاهم ذكرا وارفعهم محلا صلى اللّه عليه وسلم: ' سبحانك لا احصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ' لا احصى مدحك ولا الثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.

ذكر ما قيل في سورة الواقعة

﴿ ٠